التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الاقتصاد السياسي عند الكلاسيكيين

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته:
أعزائي الطلبة: يسعدني أن اقدم لكم مساعدة لاسيما طلبة السنة الاولى في كل مايحتاجونه من دروس ومقالات وما ملكت يداي وسأيدا الان بهذه المقالة التي اتمنى ان تفيدكم والتي لا ارجو من كتابتها غي ر الدعاء لي بالثبات والشفاء العاجل:
الاقتصاد السياسي عند الكلاسيكيين
1/ في المرحلة الراسمالية:
أ/- الراسمالية التجارية والفكر الاقتصادي للتجاريين:
نمت بذور الظهور الاولى لطريقة الانتاج الراسمالية بعد تفكك نظام الاقطاع وهي المرحلة التي بدأت فيها قوى المجتمع سبيلها نحو تحقيق سيادتها وهي مرحلة تحول ميزها التطور الرأسمالي امتدت من القرن الخامس عشر حتى القرن الثامن عشر وتعتبر فترة انتقالية سبقت فترة لاحقة لها شهدت تحولا كاملا في قوى المجتمع. هذه الفترة نسميها الراسمالية التجارية.
1- / مميزات المرحلة:
– النمو في علاقات الانتاج في الصناعة والزراعة معا.
– سيطرت رأس المال على التداول ثم الانتاج في خضم ذلك التطور.
– نمو التميز الاجتماعي داخل وحدات لانتاج (الفلاحين في الريف والحرفيين في المدينة).
– تركيز ملكية وسائل الانتاج في أيدي قلة من كبار الملاك مما أدى إلىالاستقطاب الاجتماعي وظهور طبقتين أساسيتين تسودان المجتمع الرأسمالي (البرجوازية والبروليتارية).
2-/ مفهوم رأس المال التجاري: هو أساس تحول طريقة الانتاج الى شكلها الرأسمالي، نشأ وتطور في السوق بعيدا عن الانتاج، وجد أساسا لاداء وظيفته كوسيط للمبادلة حيث يحول:

فهنا الهدف من المبادلة يتخطى قيمة الاستعمال كقيمة اجتماعية للسلع وانما قيمة المبادلة في شكلها النقدي. هذه الحركة التي يقوم بها رأس المال التجاري تختلف عن حركة التجارة في شكلها الذي يكون الهدف من التبادل فيه، هو قيمة الاستعمال وليس قيمة المبادلة في شكلها النقدي أي:

إذن: رأس المال ظهر في عملية التداول حيث تتحول السلعة الى نقود والنقود من خلال التداول تصير رأس مال تجاري الذي يسيطر على دئرة التداول دون أطرف عملية الانتاج في مرحلة أولى، ثم بقيام تجار المدن بالاستثمار في شراء الاقطاعيات والملكيات يتحولون الى راسماليين صناعيين فيصبح المنتج هو نفسه تاجرا ورأسماليا لتبدأ سيطرة التجار على الانتاج:

والأهم في هذه المرحلة هي المرحلة التي بدأفيها رأس المال بالتراكم والمبنية على اساس روابط الانتاج الراسمالية الناتجة عن التمييز الاجتماعي… وتمركز وساءل الانتاج في يد الرأسماليين كطبقة صاعدة جديدة على حساب الارستقراطيين والملاك الصغار على نحو يجعل الفلاحين والحرفيين نواة الطبقة العاملة التي تبيع قوة العمل التي تمتلكها كسلعة في السوق مقابل الاجر.

3/- الفكر الاقتصادي للتجاريين:
أهم مفكري المرحلة التجارية: اورتيز – دي اوليفارس(اسبانيا) – جون بودان – أنطوان دي مونكريتيان- كولبير (فرنسا) – توماس مان – جون تشايلد – ويليام تامبل (انجلترا)
دارت أهم محاور فكر هؤلاء حول: ثروة الأمة، تجارة الامة، انتاج الأمة ومخزون المعادن الثمينة
وكان ذلك مما أثاره تدفق المعادن الثمينة من المستعمرات وما أحدثه من ثروة في الأثمان. كما اهتمو بالعلاقة بين ثروة الامة وتجارتها وبين ثروة الأمة وميزانها التجاري وميزان مدفوعاتها وكيفية تعظيم ثروة الامة.
يرى التجاريون في ثروة الامة المشكلة الأساسية في فكرهم الذي يبين ان النقود في صورة المعادن الثمينة ( ذهب وفضة) خصوصا هي العنصر الأساسي في تكوين ثروة الأمة، إن لم تكن هي في حد ذاتها. هذه الفكرة يعتبرها البعض لا تكون مفهوم التجاريين للثروة إلا أنه من المؤكد أنها جوهر تفكير الأوائل منهم أنصار السياسة المعدنية. ذلك ان التجارة الخارجية كانت لها ميزة هامة وهي جلب المعادن الثمينة من وراء البحار إذ كانت النقود تاتي من التجارة تصدير السلع وجلب المعادن الثمينة التي تحول الى نقود وبالتالي كان التركيز عل تركيم المعادن الثمينة التي ترادف تركيم رأس المال الذي ينبغي توظيفه لزيادة ثروة الأمة بأن تزيد الصادرات على الواردات بمعنى تحقق فائض في الميزان التجاري يقابله جلب كمية من المعادن الثمينة ولزيادة الصادرات لابد من زيادة الانتاج.
أما بالنسبة للتجاريين الاواخر فثروة الأمة تتمثل اساسا في نتاج الأرض (العمل والصناعة) في حين أن الذهب والفضة ليسا سوى مقياس للتجارة ذلك أن خاصيتها تتمثل في ان نقصها يعني نقص كمية النقود الامر الذي ينعكس على حجم الطلب على السلع. والعكس صحيح فزيادتها تعني زيادة كمية النقود وهي زيادة تسهل عملية المبادلة وتجعل الاقتصاد أكثر سيولة، كما ان زيادتها عن حد معين تؤدي الى ارتفاع الأثمان ما يؤدي الى نقص الطلب على الصادرات. لكن التجاريين الاواخر استمروا في المطالبة بتدفق المعادن الثمينة على الرغم انهم يرون ثروة الأم في الانتاج لا المبادلة.
وقد توحد الانشغال بين المفكرين في القرن السابع عشر مرتكزا على الاجراءات التي يعتبرونها مواتية لتحقيق توازن تجاري ناجح، لذلك نادوا بحماية التجارة الداخلية، توسيع السوق الداخلية بإزالة الحواجز الجمركية بين أفاليم الدولة وبناء الطرق وحفر القنوات…. مع الاحتفاظ بهذه الاسواق والاجراءات كامتيازات خاصة بمنتوجاتها الوطنية، إظافة الى تنظيم الدولة لشؤون التجارة الخارجية باتخاد الاجراءات الحمائية كفرض الضريبةالجمركية على الواردات او منعها من الدخول، وقيامها باجراءات في سبل اكتساب الاسواق الخارجية كدعم الشركات التجارية الكبرى، تطوير أسطول النقل التجاري والأسطول البحري لكسب المستعمرات.
ومنه: فالتجريون نادو بتدخل الدولة لتنظيم الحياة الاقتصادية. وهو دور لعبته الدولة وكان له الأثر الواضح في تحول المجتمعات من الاقطاعية الى مجتمعات صناعية بداراس المال في السيطرة عليها.
هذا الدور الذي رسمه التجاريون للدولةن تقوم به باسم الامة في صراعها مع غيرها من الامم، لذلك فصفة النظام التجاري الوطني تعني اهتمامهم بثروة الامة وموارد الدولة، وفي الواقع هي اعلان عن مصالح الطبقة الراسمالية وعن تجميع للثروات كهدف نهائي للدولةن كما أنهم يعتقدون أن تطور الانتاج الراسمالي إنما يمثل أساس القوة الوطنية والتقدم الوطني في العصر الحديـــــــــــــــث.


شكرا على هذا المجهود الرائع .

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

ماذج التنمية في دول جنوب شرق أسيا

تجربة الصين … دروس وعبر
مدخل…..

ان التجربة التنموية الصينية تعد من اكبر وانجح التجارب التنموية في العالم وذلك للظروف الصعبة التي واجهت هذه التجربة وفي مقدمتها كبر حجم السكان وقلة الموارد قياساً بالسكان ، لذا فان التعرف على اساسيات هذه التجربة يجعلنا نقف على الدرب السليم عند القيام بالتخطيط لاي عملية تنمية .

الوضع العام في الصين قبل التنمية …

في القرن التاسع عشر كانت الصين امبراطورية تعيش منغلقة على نفسها الى حد كبير وفي هذا القرن كثرت الحروب ، وانشرت الثورة الصناعية بشكل كبير، فبدات حرب الافيون بين الصين وبريطانيا عام (1842) وانتهت بسيطرة بريطانيا على هونك كونك ، ثم بدأ التخلي عن تايوان لليابان عام (1895) ، وحصلت روسيا والمانيا على امتيازات خطوط الحديد فيها ، وكان لهذه الاوضاع ردود فعل عميقة في البلاد وانتشار روح الثورة ضد الحكم القائم الضعيف ، وانتهت بثورة عام (1911) وقيام الجمهورية عام (1921) ، التي انهت الحكم الضعيف في الصين .

وفي العشرينات بدأ هناك جناحين الاول يرى ان النموذج الشيوعي لايناسب الصين واوضاعها العامـة ، والثاني يميل الى النموذج السوفيتي الشيوعي ويرى انه الضمان لتحقيق التغيير الايجابي . وفي عام (1925) اشتد الخلاف داخل الحكم وحسم الامر عام (1927) باخراج الشيوعيين من الحكم واضطرو الى الذهاب الى الريف الذي كان بعيد عن سلطة الدولة وكونوا هناك نفوذ قوي بقيادة قائد الحزب (ماوتسي تونغ) ثم نشبت الحرب الاهلية في نهاية الاربعينيات واستمرت عامين وانتهت الحرب بسيطرة الجيش الاحمر وهو تنظيم للحزب الشيوعي على السلطة عام (1949) .

اجراأت ما قبل التنمية …
كانت الخطوات الاولى للقيام بتنمية شاملة هي القيام بعدة اجراأت منها :

(الغاء الامتيازات الاجنبية – تأمين التجارة الخارجية – تحديد حدود دنيا للاجور ترتبط هذه الحدود باسعار الارز (سلعة الغذاء الرئيسية) – تطبيق نظام البطاقات التموينية لاستهلاك السلع الاساسية مع تحديد اسعارها – فرض نظام تراخيص العمل والاقامة في المدن – تأمين المشروعات الكبيرة ومصادرة الملكيات الكبيرة واملاك بعض الاجانب –ألغاء العملة السابقة – تنظيم الملكيات الزراعية الصغيرة والمتوسطة في شكل جمعيات تعاونية (تشبه هذه المرحلة الى حد كبير الاجراأت التي قامت في الاتحاد السوفيتي بعد الثورة) .

بداية الخطط التنموية … 1-
بدأت الخطة الخمسية الاولى بين (1953-1957) باعطاء وزن كبير للصناعة بمختلف مستويـاتها ، مع التاكيد على الزراعة واعادة تنظيم الجمعيات لضمان تقديمها لفائض اكبر لتمويل عملية التنمية ، أي ان (ماوتسي تونغ) كان يؤكد على الزراعة والصناعة معاً ، كما ان التوازن كان موجوداً بين الاستهلاك والتراكم وتوسيع نظام التعليم والقضاء على الامية . وقد نجحت الخطة نجاح كبير فارتفعت معدلات نمو الصاعة الى (20%) عما كان متوقعاً وارتفعت مستويات الصحة والتعليم بشكل واضح ، ومعدلات نمو الزراعة (41%) مما ضمن تحسناً ملحوظاً في مستوى التغذية ، وارتفع تراكم الدخل القومي الى (24%) ومعدلات الاستثمار المادي الى (71%) .

2- ادت النتائج الايجابية للخطة الخمسية الاولى الى زيادة الثقة بامكان تحقيق انجازات اكبر ، فوضعت الخطة الخمسية الثانية (1958-1962) لتحقيق القفزة العظيمة الى امام ، والهدف هو مضاعفة الانتاج خلال سنة واحدة تحت شعار (بقدر ما يجسر الانسان بقدر ماتنتج الارض) وقد ركزت الخطة على الصناعة الثقيلة وتمويلها من خلال زيادة نسبة التراكم المقرر من الانتاج المحلي ومعنى ذلك زيادة الفائض المطلوب من الزراعة والصناعة الاستخراجية ، ولم تنجح القفزة في دفع الانتاج الصناعي الى المستويات المرجوة في الوقت الذي ضعف فيه دور الصناعات الصغيرة ، فقد شهدت الفترة مابين (1957-1960) النزاع ثم الفراق بين الصين والاتحاد السوفيتي ، وتعاقب ظروف مناخية مدمرة عصفت بالانتاج الزراعي ، وكان الفشل في الصناعة واستمر التنظيم الزراعي وفق الخطة .

3- وضعت الخطة الخمسية الثالثة بين (1963-1967) وسط مشاكل عديدة ، فقد ارهقت المواجهات الخارجية الامكانيات العامة وانخفضت انتاجية الصناعة عما كان مقدراً لها وظهر فتور في حماس العاملين لضعف الحوافز المادية ، وكانت قيادة الصين تشعر ان النظام فيها كان مستهـدف ، فمن حرب في كوريا الى اخرى مع الهند والى ثالثة لمواجهة القوى التي حاولت اعادة السيطرة على الهند الصينية ، وخوفاً من انتكاس الثورة قامت حركة سميت بـ(الثورة الثقافية) عام (1966) وكان هدف (ماو) من اثارة الثورة الثقافية تكتيل قوى الشبيبة بأعتبارها صاحبة المصلحة في التغيير وانها الوحيدة القادرة على دفع الصين الى امام وماجهة الاعداء دون اعتماد على أحد من الخارج ، وقد تبع التوجه الجديد تعديل اسلوب الخطة الثالثة ومدها حتى عام (1970) لكي توائم التغيرات الجديدة ، وكانت مشكلة الثورة الثقافية ليست في المسائـل التي طرحتها ولكن في العنف الذي شملها واتساع نطاق تطبيقها في المدن التي هي المراكز الحساسة للتغير الاجتماعي مهما قيل عن الريف وطاقاته ، وقد واكب الثورة الثقافية تغيير مادي واضح من مضاعفة نصيب الصناعة الثقيلة التي اصبحت قاعدة التطور الصناعي ، وزيادة انتاج الصناعات الخفيفة والمحلية التي مكنت من تغطية نسبة هامة من احتياجات الاقاليم وكانت انتاجيتها مرتفعة الى حد جعلت الصين مكتفية ذاتياً في اغلب السلع الغذائية ويتمتع المواطنون بمستوى تغذية اعلى بكثير عما كانوا يحصلون عليه .

كما كان لها الاثرفي بروز القيم الصينية التقليدية مثل العمل باجتهاد في سبيل المصلحة الذاتية وطغيانها على بعض قيم الحزب الشيوعي ، ومن ثم عادت الاسرة لتكون الوحدة الاهم في الريف الصيني ، وبعدان كان الصيني في الماضي يخدم الشعب اصبح يخدم الاسرة ونفسه .

4- خفت حدة الثورة الثقافية عند وضع الخطة الخمسية الرابعة وفي ظل الانفراج الدولي أزاء الصين وخروجها من عزلتها وانضمامها الى الامم المتحدة ، واستمرت الخطة في سياسة الاعتماد على الذات وزيادة الاستثمار المخصص للصناعة مع استمرار الجهود الاجتماعية للقضاء على الامية وتوسيع فرص التعليم وتحسين المستوى الصحي والمعاشي للمواطنين ، اما الانتاج الزراعي فقد قفز الى ما قيمته (223) مليون دولار في السنة ، أي بمعدل (600%) عما كان عليه عام (1949) ، وقد احتلت الصين بعد هذه الخطة المركز الثالث في العالم بعد روسيا وامريكا من حيث حجم الانتاج الصناعي وتنوعه .

5- اما الخطة الخمسية الخامسة (1976-1980) والتي توفي فيها (ماو) خلال السنة الاولى بدأت سياسة اصلاح جديدة ترى ان العبرة هي في ثبات الخطوات ومواجهة الواقع وليس في القفز فـوقه ، كما وجهت الدعوى الى تحديث الصناعة واعطاء البحث العلمي والتقدم التكنلوجي دوراً اكبر تحت رعاية الدولة واعادة النظر في المشروعات وتقويمها على اساس ادائها وحسن انتاجها وليس على اساس حجم هذا الانتاج بغض النظر عن نوعيته وهي المشكلة التي واجهت الدولة الاشتراكية في المراحل الاولى لعملها . وبعد رحيل (ماو) ضعفت الايدلوجية الاشتراكية وعادت الوطنية الصينية الى البروز ومعها فكرة (انـ الصـين مـركز العـالم) .

ظهور بعض مظاهر التغيير…

أ?- في محاولة لارجاع (شنغهاي) لسابق عهدها كمركز تجاري وصناعي دولي ، اقيمت في الثمانينات (14) شركة امريكية – صينية مشتركة في مجالات (الاجهزة الكهربائية – المعدات النفطية – العطور – …الخ) اضافة الى مجموعة شركات مشتركة مع اليابان وهولندا وألمانيا .

ب?- أنشاء عدد من المشاريع الخاصة ، ففي عام (1984) كان هناك (9,3) مليون مشروع متوزعة بين النقل والبناء وصناعة الاحذية والخدمات . وقد خلف هذا طبقة برجوازية صغيرة في الصين .

ج?- انشاء مناطق حرة في عدة اقاليم على الساحل الصيني الجنوبي الشرقي لجلب رؤوس الاموال الاجنبية .

د- بدأت الصين تستجيب الى كتابات الغرب الرأسمالي حول ضرورة تحديد النسل لايجاد نوع من التوازن بين السكان والموارد ، وقد قررت فرض نوع من العقوبات على من ينجب اكثر من طفل واحد ، مما ادى الى عودة ظاهرة ( وأد البنات) في الريف التي اختفت عند قيام الثورة .

مؤشرات النجاح بالارقام حتى منتصف الثمانينات ….

1- ارتفع الدخل الصناعي بعد الخطة الاولى (128%) عما كان عليه في السابق .

2- يقدر انتاج الصين من مادة الارز بـ أكثر من (38%) من انتاج العالم .

3- ارتفع انتاجها من القمح من (30) مليون طن عام (1970) الى (41) مليون طن عام (1975) واحتلت المرتبة الثالثة في العالم بعد روسيا وامريكا ، وكان نصيب الفرد من القمح (394كغم) .

4- ارتفعت نسبة الادخار الى (40%) وهي اعلى نسبة في العالم ، حتى اعلى من اليابان .

5- ارتفع معدل الدخل القومي للفرد الصيني الى (4,7%) خلال (33) سنة من عام (1952- 1985) على الرغم من زيادة السكان (400) مليون نسمة ، وهو من اعلى المعدلات في العالم .

6- ارتفع معدل العمر من (48) سنة عام (1949) الى قرابة السبعين في نهاية السبعينات وانخفض معدل الوفيات الى حوالي (6) بالالف .

اسباب نجاح التجربة الصينية …

1- التعاون بين الدولة والقاعدة العريضة من الجماهير ، وبخاصة الفلاحين الذين يشكلون الجزء الاعظم من السكان ، كما ان بداية الثورة كانت في الريف الذي انطلق منه الحزب الشيوعي .

2- اصلاح الزراعة وهي القطاع الرئيسي في الصين من خلال القضاء على الاقطاع وتوزيع الاراضي وتكوين الجمعيات الفلاحية ونجاح الاستثمارات الزراعية وقيام بعض الصناعات في الريف وبالتالي لم ينعكس سلباً على العمالة الريفية ( واصبح الفلاح احد اهداف التنمـية ، بعد ان كان ضحية في تجارب دولية اخرى) .

3- نجاح الثورة الثقافية الى حد ما في تطوير ابناء الصين بكافة فئاتهم ونشر القيم الاشتراكيـة .

4- كفاءة الجهاز التخطيطي كان له الدور الفاعل في تعبئة الطاقات والموارد وموازنتها بشكل دقيق بحيث حققت اشباع هذا الكم الهائل من السكان والقيام بالتصدير وتحقيق مكانة متقدمة بين الدول الصناعية .

5- القيم والعوامل الاجتماعية كان لها الاثر البالغ في نجاح خطط التنمية مثل تحديد الاستهـلاك – الادخار – تحديد النسل – احترام العمل وتقديسه – التعاون .

6- الاستفادة من الاخطاء السابقة في الخطط الخمسية وتجنب الاخطاء التي وقعت بها الاشتراكية وتطبيقاتها في روسيا .

7- انخفاض معدل الضرائب الى ادنى مستوى مما ساهم في تخفيف العبىء على المواطنين (الفلاحين بالذات) .

8- الموازنة بين قطاعات التنمية والسير في تطويرها بمسارات متقاربة .

9- استقلالية النظام السياسي في الصين وعدم تبعيته بالرغم من المساعدات الهائلة التي قدمها الاتحاد السوفيتي ، الا انها انتهت بعد فتور العلاقة بينهما عام (1960) .

العبرة من التجربة التنموية الصينية …

ان اهم درس يؤخذ من هذه التجربة الكبيرة هو امكانية قيام التنمية اذا ما توفرت الارادة لذلك واذا ما توفرت القيادة التي تعتمد التخطيط السليم وتحقق التعاون مع الشعب فلن يقف حجم السكان الهائل عائق امام التنمية ، بل العكس فقد تم استغلاله بشكل جيد بحيث قفزت الصين الى مصاف الدول المتقدمة خلال فترة قصيرة ، وفي هذا درس مهم جداً لكل الدول النامية ذات الموارد المحدودة وحجم السكان الكبير في ان يستفادوا من هذه التجربة العظيمة ، مع الاخذ بنظر الاعتبار ضرورة الاستقلال السياسي والغاء التبعية التي كانت العامل الاساسي في نهضة الصين ونهضة أي دولة تحاول القيام بالتنمية الناجحة .

المصادر :

.

2. دولت احمد صادق وآخرون ، جغرافية العالم ، القاهرة ، مكتبة الانجلو المصرية ، الجزء الاول ، 1976 .

3. عبد المنعم الحسني وعادل شكارة ، التخطيط الاجتماعي ، بغداد ، دار الحكمة للطباعة والنشر ، 1992 .

4. غالب محمود عريبات ، تخلف العرب والعالم الثالث ، عمان ، المطبعة الاردنية ، 1989 .

5. ميدال لبلاش ، اصول الجغرافية البشرية ، ترجمة شاكر خصباك ، بغداد ، دار المأمون ، 1987 .

6. نهوض الصين ، مجلة المنتدى ، عمان ، منتدى الفكر العربي ، العدد (133) ، 1996 .

7. وقائع وبحوث ندوة (التنمية المستقلة في الوطن العربي ) ، بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 1987 .

8. يوان شانغ ، الاصلاح البنيوي والتنمية الاقتصادية في الصين ، المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية ، اليونسكو ، العدد (120) ، 1989 .




التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية


العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية
تتأثر العلاقات الدولية بعوامل عديدة. من ابرز هذه العوامل: العامل الجغرافي، الموارد الأولية، السكان، العامل العسكري، الخ.
العامل الجغرافي:
يعد العامل الجغرافي من ابرز العوامل التقليدية المؤثرة في العلاقات الدولية. فحجم الإقليم له أثر على قوة الدولة؛ إذ إن الدولة ذات المساحة الكبيرة تكون في وضع أحسن من غيرها؛ لأن كبر حجم الإقليم يوفر لها عمقًا استراتيجيًا ويجعل احتلالها أمرًا صعبًا ومكلفًا.
كما أن كبر حجم الإقليم يفسح المجال لتنوع الموارد الاقتصادية حيث تتميز بعض مناطق الإقليم بتوفر مورد اقتصادي فيها – البترول مثلاً – في حين تتميز مناطق الإقليم الأخرى بتوفر موارد أخرى مثل الزراعة والسياحة.
لذا ليس من الغريب أن نجد أن الدول العظمى في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) تشكل أقاليمهما مساحات كبيرة تحتوي على موارد مختلفة. . . وهذه المساحات الكبيرة أعطت كلاً من روسيا وأمريكا مزايا استراتيجية واقتصادية سمحت لهما بتوفير متطلبات الأمن العسكري والاقتصادي.
فكبر حجم الإقليم وفر لكل من روسيا وأمريكا عمقًا استراتيجيًا وجعل اكتساح أي منهما من قبل الآخر باستخدام القوات التقليدية أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلاً. كما يتمتع كل من روسيا وأمريكا بسبب تنوع مواردهما الاقتصادية بشبه اكتفاء ذاتي في المجال الاقتصادي.
لكن ما يجب اعتباره هو أن حجم الإقليم يجب أن لا يؤخذ بمعزل عن العوامل الأخرى، خصوصًا عدد السكان وقوة الدولة العسكرية. فحتى تستفيد الدولة من مساحتها الشاسعة يجب أن يتوفر فيها ما يكفيها من السكان لتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء القوة العسكرية.
فتوفر المساحة الشاسعة بدون العدد الكافي من السكان يمثل في الواقع عبئًا على الدولة وليس ميزة لها. لذا نجد أن العامل الأساسي وراء استفادة كل من روسيا وأمريكا من مساحتها الشاسعة هو توفر عنصر السكان بما يكفي للمتطلبات الاقتصادية والأمنية.
وبالإضافة إلى عدد السكان وأثره على فعالية الإقليم، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو قوة الدولة العسكرية، فالدول ذات المساحات الكبيرة والضعيفة عسكريًا مثل تشاد تواجه مشكلة في حفظ أمنها القومي؛ لأن كبر حجم الإقليم يفرض عليها نشر قوات كبيرة في مناطق شاسعة وهذا قد يكون فوق مقدرتها العسكرية والمالية.
ورغم أن التقدم في الأسلحة الحربية خصوصًا في سلاح الطيران وفر للدولة العصرية ذات الإقليم الواسع أداة هامة وفعالة لحفظ أمنها القومي، إلا أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن الأسلحة الحديثة باهظة الثمن، كما أن سرعة التقدم في تطورها قلل من فعالية القديم منها، لذا تبقى الدولة دائمًا تحت ضغط مستمر لتحديث أسلحتها لتساير التطور في التسليح ولتعوض عن النقص في السكان، وهذا يشكل عبئًا ماليًا مستمرًا عليها.
ولموقع الدولة الجغرافي أثر على أمنها القومي؛ إذ إن وجود منافذ بحرية عديدة للدولة يعطيها أكثر من خيار للاتصال الخارجي وتأمين الإمدادات اللازمة لها. فالمملكة العربية السعودية مثلاً لها منفذ بحري على البحر الأحمر وآخر على الخليج العربي. لذا في حالة تعرض صادراتها أو وارداتها لأي مخاطر في الخليج يمكنها الاعتماد على منافذها على البحر الأحمر لتوفير مستلزماتها من الخارج.
أما كون الدولة داخلية أي ليس لها منفذ بحري – كما هي الحال بالنسبة لأفغانستان – فهذا الوضع يشكل نقطة ضعف في قوتها القومية؛ إذ أنها ستبقى تحت رحمة الدول المجاورة لها لتأمين اتصالها الخارجي خصوصًا الاتصال البحري.
كما أن وجود دولة صغرى جوار إحدى القوى الإقليمية أو الدولية أو بين تلك القوى يفرض على هذه الدولة الصغرى قيودًا على سياستها الخارجية ويجعلها تواجه خيارات صعبة وأحيانًا محرجة. . . فكون سوريا محيطة بلبنان من جميع الجهات البرية –باستثناء الجهة الجنوبية المجاورة لإسرائيل- يفرض قيداً على سياسة لبنان الخارجية يتمثل بالإبقاء قدر الإمكان على علاقات ودية مع سوريا.
ولتعدد الدول المجاورة للدولة أثر على وضعها الأمني ونفوذها الخارجي. فإذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة فإن هذا سيقوي من نفوذها الدولي إذا كان لهذه الدولة الإمكانيات العسكري التي تمكنها ليس من ردع هذه الدول فقط، بل والتأثير عليها. أما إذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة وهي ضعيفة الإمكانيات العسكرية فإن هذا سيشكل عبئًا على الدولة إذ أنها ستواجه ضغوطاً عسكرية مختلفة من هذه الدول المجاورة للتأثير على سياستها سواء الداخلية أو الخارجية.
أما شكل الإقليم وإن كان تأثيره على أمن الدولة القومي أقل من تأثير الموقع إلا أنه مع ذلك كثيرًا ما يكون عاملاً هامًا في تعزيز أمن الدولة أو إضعافه. فكون إقليم الدولة مكونًا من قطعة واحدة متماسكة مثل المملكة يجعلها في وضع أمن أحسن بكثير من ذات الإقليم المتناثر والمكون من جزر عدة مثل اندونيسيا. فبالإضافة على أن تناثر الإقليم يزيد من المتطلبات العسكرية اللازمة لصد أي عدوان خارجي، فإنه يشكل عبئًا على الاتصال الداخلي وعلى الوحدة الوطنية.
ومثلما يؤثر شكل الإقليم على أمن الدولة القومي ووحدتها القومية فإن طبيعة الإقليم لها كذلك أثر على أمن الدولة وقوتها. فالدول ذات الطبيعة الجبلية كثيرًا ما يصعب احتلالها من الخارج؛ إذ أن الجبال تمثل موانع طبيعية ضد الاحتلال. لكن الدول ذات الطبيعة الجبلية تواجه صعوبات في ربط مناطق الإقليم في الداخل، وهذا ما سيحول دون تعزيز الاتصال بين السكان ومن ثم إضعاف الوحدة الوطنية.
أما الدول ذات الإقليم المنبسط أو المكون من سهول وهضاب فهي عادة تكون مكشوفة للعدوان خصوصًا إذا كانت إمكانياتها العسكرية ضعيفة. لكن انبساط الإقليم يساعد الدولة على بناء شبكة قوية من المواصلات الداخلية، ومن ثم تحقيق الوحدة الوطنية.
أما المناخ فيبرز تأثره على وضع الدولة الاقتصادي وإنتاجها القومي. فالدول ذات المناخ المعتدل والبارد عادة ما تكون ملائمة للإنتاج الزراعي والصناعي أكثر من المناطق الحارة.
لذا نجد أن المناطق المتقدمة والصناعية في العالم تقع في مناطق باردة أو تميل للبرودة. في حين نجد أن المناطق النامية تقع في مناطق حارة أو تميل للحرارة مثل المناطق الاستوائية. وهذا ما جعل الدول النامية تعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية أكثر من اعتمادها على الصناعة.

الموارد الأولية:
تعتبر الموارد الاقتصادية حجر الأساس في بناء قوة الدولة. والموارد الاقتصادية عديدة ومتنوعة وما يهمنا منها في قوة الدولة هي الموارد أو السلع الإستراتيجية ونعني بها الموارد الغذائية ومصادر الطاقة.
فالمواد الغذائية تعتبر موردًا اقتصاديًا هامًا وسلعة إستراتيجية لأنها ضرورية لبقاء الإنسان وضمان أمن الدولة الاقتصادي. والدولة التي تعاني من نقص في المواد الغذائية خصوصًا الحبوب عادة ما يكون أمنها الاقتصادي تحت رحمة الدول الأخرى والتي تمدها بالمواد الغذائية.
لذا نجد كثيرًا من الدول تحرص كل الحرص على إنتاج المواد الغذائية الرئيسية بغض النظر عن تكلفتها الاقتصادية؛ إذ تنظر إلى إنتاج هذه المواد من منظور استراتيجي وليس من منظور اقتصادي مجرد، وتبرز أكثر أهمية توفر المواد الغذائية في الدولة خلال فترة الحروب والاضطرابات في المجتمع الدولي حيث يصبح أمن الدولة الغذائية في خطر خصوصًا إذا كانت تعتمد في إمداداتها الغذائية على د ول أخرى.
وتكمن هذه الخطورة في مصدرين؛ الأول: يتمثل في أن الدول خلال الحروب يضعف إنتاجها الاقتصادي بما في ذلك الإنتاج الزراعي، لذا تسعى الدول إلى تخزين إنتاجها من السلع الاستراتيجية مثل الحبوب وعدم تصديرها لتتفادى أي نقص محتمل. أما المصدر الثاني: فيتمثل بتعرض طرق المواصلات البرية والبحرية خلال الحروب والاضطرابات إلى مخاطر عديدة، ويترتب على ذلك شل حركة النقل البري والبحري، ومن ثم نقص الإمدادات الغذائية. لذا تلجأ الدول المستوردة للقمح وغيره من المواد الغذائية إلى تخزين المواد الغذائية الرئيسية بما يكفي للاستهلاك المحلي لفترة من الزمن لتفادي آثار الاضطرابات الدولية على إمداداتها الغذائية.
أما مصادر الطاقة فهي عديدة وتختلف أهميتها من وقت لآخر. لقد كان الفحم يعتبر أهم مصدر للطاقة إلا أن التطور التكنولوجي قلل من أهميته، وأبرز أهمية البترول. فالبترول بالإضافة إلى أنه يمثل المصدر الأساسي للطاقة في المواصلات والصناعة والاستخدامات المنزلية؛ فإن مشتقاته تدخل في إنتاج العديد من السلع الاستهلاكية. لقد أعطى البترول الدول المصدرة له قوة اقتصادية وسياسية مكنتها من التأثير في السياسات الدولية.
أما الدول التي تفتقر للبترول فقد أصبحت تحت رحمة الدول المصدرة له، فبالإضافة إلى تأثير انعدام البترول في أراضيها على أمنها القومي واستقرارها الاقتصادي؛ فإن استيراده يمثل عبئًا على ميزانية مدفوعاتها خصوصًا في الدول النامية والتي تعاني من قلة العملات الصعبة.

السكان:
يعتبر السكان أهم العناصر المؤثرة في مكونات قوة الدول. ويرجع ذلك إلى العلاقة القوية بين قوة الدولة وحجم سكانها. فالدول العملاقة في المجتمع الدولي . . . [مثل] الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي [سابقاً] تمتلك العدد الكافي من السكان لتحقيق متطلبات أمنها الاقتصادي والعسكري.
كما أن الصين الشعبية أصبحت قوة عظمى في المجتمع الدولي نتيجة لحجم سكانها الذي . . . [يزيد عن] أكثر من ألف مليون نسمة. في حين تعتبر الهند بسبب كثافتها السكانية والتي تجاوزت . . . الثمانمائة مليون نسمة مرشحة لدخول نادي القوى العظمى.
غير أن عدد السكان لا يكفي بحد ذاته لتقدير دور السكان في القوة القومية. بل لا بد من معرفة دقيقة لنوعية السكان وتجانسهم ومستواهم الحضاري. فمن حيث النوعية يجب معرفة الجنس وفئات العمر المنتجة في التكوين السكاني في الدولة.
فمعرفة الجنس مهمة خصوصًا في الدول النامية والتي تحد من مساهمة المرأة الاجتماعية والاقتصادية في التنمية القومية. ففي بعض هذه الدول جزء كبير من العنصر النسائي معطل وغير منتج وهذا ما يجعل تأثيره سلبي في محصلة قوة الدولة.
كذلك يتطلب الأمر معرفة فئات العمر في المجتمع لتحديد الأطفال، والشباب، والشيوخ؛ إذ أن مساهمة كل فئة من هؤلاء في قوة الدولة تختلف عن الفئات الأخرى. فالأطفال والشيوخ عادة ما يكون دورهم محدود جدًا إن لم يكن معدومًا في العملية الإنتاجية. في حين يمثل الشباب العمود الفقري في قوة الدولة سواء في السلم أو الحرب.
وبالإضافة إلى معرفة الجنس والعمر يتطلب الأمر معرفة تجانس السكان. فكلما كانت درجة التجانس عالية بين المواطنين كلما زاد ذلك من قوة الوحدة الوطنية داخل حدود الدولة. وهذا بالطبع له أثر إيجابي على قوة الدولة؛ إذ أنه سيزيد من درجة التعاون بين السكان وقت السلم ومن صلابة الجبهة الداخلية وقت الحرب.
كذلك يتطلب تحديد فاعلية عنصر السكان وتأثير أبعادة، معرفة نوعية السكان من حيث مستواهم التعليمي والتقني ورغبتهم في العمل واحترامهم للنظام وإدراكهم لمسؤولياتهم الوطنية وتضحيتهم من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.
وقد يكون عنصر السكان متوفرًا من حيث الكم و الكيف لكن درجة الاستفادة من هذا العنصر دون المستوى المطلوب. وهذا الوضع يقلل من فعالية العنصر السكاني في مقاومة قوة الدولة. إن وجود السكان كمًّا وكيفًا ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لرفع قوة ومكانة الدولة في المجتمع الدولي. وهذا يعني وجوب الاستفادة الحقيقية من السكان في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقت السلم وفي الدفاع عن الوطن والأمة وقت الحرب.
إن الاهتمام بعنصر السكان واحتلاله مكانة الصدارة بين العناصر الأخرى يرجع إلى أهمية هذا العنصر وقت السلم ووقت الحرب. ففي السلم يعتبر السكان عنصرًا من عناصر الإنتاج والدولة التي تعاني من قلة هذا العنصر تضطر لاستقدام الأيدي العاملة الأجنبية للمساهمة في التنمية الوطنية. ولهذه الخطوة سلبيات عديدة على الثقافة الوطنية والأمن الوطني.
أما في الحرب فتبرز مساهمة العنصر البشري بشكل أكبر، ذلك أن الدولة التي تتمتع بنسبة عالية من السكان تكون مقدرتها أكبر من غيرها في الصمود والقتال. ورغم التطور السريع الذي حصل في تكنولوجيا الأسلحة الحربية ودخول الأسلحة الذرية فلا يزال للحرب التقليدية شأن في العلاقات الدولية، ولا يزال لتفوق الدولة في عنصر السكان أثر في مجرى هذه الحرب وتحديد نتائجها.

العامل العسكري:
حتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية، إلا أن زيادة تأثير العناصر الأخرى أنهى هذا الاحتكار للقوة العسكرية فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي بين عناصر عديدة تشكل في مجموعها القوة القومية.
والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في السياسات الدولية. إن تحليل القوة العسكرية لأي دولة يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار عددًا من العوامل، ومن بين هذه العوامل العدد، العتاد، المبدأ الاستراتيجي، والروح المعنوية.
فمن حيث العدد كلما كبر عدد الجيش كلما زاد تأثير فعاليته العسكرية. ورغم التقدم في الأسلحة الحربية فلا يزال لعدد أفراد القوات المسلحة دورًا هامًا في تشكيل القوة العسكرية للدولة. فالدولة ذات العدد الكبير من أفراد القوات المسلحة تكون أقدر من غيرها في العمليات العسكرية سواء كانت دفاعية أو هجومية؛ إذ أنها ستكون قادرة على تحمل الخسائر البشرية.
ويدخل ضمن عدد القوات المسلحة كل أفراد الأجهزة العسكرية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي. لذا يدخل ضمن عدد القوات المسلحة الميليشيات العسكرية، الحرس الوطني، وغيرها من التنظيمات العسكرية المشابهة .
أما العتاد العسكري فقد تنوع وتطور بسرعة مذهلة. وهذا التطور والتنوع السريع مضافًا إلى السرية التي تحاط بامتلاكه والتعقيد في استخدامه يجعل من الصعب تحديد معيار محدد لنوعية العتاد العسكري الأكثر فعالية. إن المهم في تقييم قوة الدولة العسكرية رصد مؤشرات قوية تدل على أن الدولة تمتلك أسلحة عسكرية حديثة كافية للردع أو الهجوم.
وامتلاك السلاح وحده لا يكفي، بل المهم أيضًا القدرة على صيانته بعد امتلاكه خصوصًا وأن الأسلحة الحديثة في غاية التعقيد من الناحية التكنولوجية وتتطلب صيانتها كفاءة فنية عالية. هذا المطلب يجعل الدول النامية دائمًا في وضع صعب؛ إذ أنها قد تكون قادرة على شراء السلاح لكنها تواجه صعوبات في صيانته والمحافظة عليه بشكل جيد.
وبالإضافة إلى القدرة على الصيانة يجب اعتبار قدرة الجيش الوطني على استخدام السلاح بكفاءة. لذا أصبحت أهمية التدريب على السلاح لا تقل عن أهمية امتلاكه؛ إذ أن جعل السلاح العسكري في أيادي أجنبية يشكل نقطة ضعف كبيرة في بناء الدولة العسكري.
إن العدة والعتاد لا تكفي بحد ذاتها لضمان نصر عسكري للدولة في حروبها الدفاعية أو الهجومية. بل يتطلب الأمر اعتبار المبدأ الاستراتيجي للدولة. والمقصود بالمبدأ الاستراتيجي: الخطة العامة للقتال وأسلوب تنفيذها. فأحيانًا يتوفر لدى الدولة العدد الكافي من المقاتلين وتمتلك أسلحة كافية وحديثة إلا أن عدم سلامة مبدأها الاستراتيجي يترتب عليه هزيمة ساحقة لها، كما حصل للقوات العربية خلال الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967م، لذا أصبح تطوير مبدأ استراتيجي سليم للقوات العسكرية للدولة من الأهمية بمكان وأصبح الاهتمام ببناء فكر عسكري مطلبًا أساسًا لتحقيق الجدوى المتوقعة من تجنيد الشعب وامتلاك السلاح.
أخيرًا قد يتوفر عدد كبير من أفراد الجيش، وسلاح من نوعية جيدة، ومبدأ استراتيجي سليم. ومع ذلك فإن البناء العسكري للدولة خصوصًا في وقت الحرب يتسم بالضعف العام. في هذه الحالة يعزى الضعف إلى ضعف الروح المعنوية للمقاتلين. و . . . [يقصد] بالروح المعنوية استعداد المقاتلين للتضحية والعمل بروح عسكرية عالية.
لذا أصبح رفع الروح المعنوية للمقاتلين خصوصًا وقت الحروب من الأهمية بمكان لرفع كفاءة الجيش وأدائه ورفع الروح المعنوية يتم من خلال إيجاد الاستعداد التام لدى الجندي المقاتل للانضباط وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في ميدان القتال، وقناعته التامة بالهدف الذي يقاتل من أجله، وحماسه المطلق للتضحية من أجل تحقيق الهدف المنشود.
إن انخفاض الروح المعنوية قد يكون السبب الرئيسي وراء انهزام جيوش ذات أسلحة متقدمة ومبدأ استراتيجي سليم. ومثال ذلك انهزام القوات الأمريكية في الحرب الفيتنامية.

تتأثر العلاقات الدولية بعوامل عديدة. من ابرز هذه العوامل: العامل الجغرافي، الموارد الأولية، السكان، العامل العسكري، الخ.
العامل الجغرافي:
يعد العامل الجغرافي من ابرز العوامل التقليدية المؤثرة في العلاقات الدولية. فحجم الإقليم له أثر على قوة الدولة؛ إذ إن الدولة ذات المساحة الكبيرة تكون في وضع أحسن من غيرها؛ لأن كبر حجم الإقليم يوفر لها عمقًا استراتيجيًا ويجعل احتلالها أمرًا صعبًا ومكلفًا.
كما أن كبر حجم الإقليم يفسح المجال لتنوع الموارد الاقتصادية حيث تتميز بعض مناطق الإقليم بتوفر مورد اقتصادي فيها – البترول مثلاً – في حين تتميز مناطق الإقليم الأخرى بتوفر موارد أخرى مثل الزراعة والسياحة.
لذا ليس من الغريب أن نجد أن الدول العظمى في المجتمع الدولي مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (السابق) تشكل أقاليمهما مساحات كبيرة تحتوي على موارد مختلفة. . . وهذه المساحات الكبيرة أعطت كلاً من روسيا وأمريكا مزايا استراتيجية واقتصادية سمحت لهما بتوفير متطلبات الأمن العسكري والاقتصادي.
فكبر حجم الإقليم وفر لكل من روسيا وأمريكا عمقًا استراتيجيًا وجعل اكتساح أي منهما من قبل الآخر باستخدام القوات التقليدية أمرًا صعبًا إن لم يكن مستحيلاً. كما يتمتع كل من روسيا وأمريكا بسبب تنوع مواردهما الاقتصادية بشبه اكتفاء ذاتي في المجال الاقتصادي.
لكن ما يجب اعتباره هو أن حجم الإقليم يجب أن لا يؤخذ بمعزل عن العوامل الأخرى، خصوصًا عدد السكان وقوة الدولة العسكرية. فحتى تستفيد الدولة من مساحتها الشاسعة يجب أن يتوفر فيها ما يكفيها من السكان لتحقيق التنمية الاقتصادية وبناء القوة العسكرية.
فتوفر المساحة الشاسعة بدون العدد الكافي من السكان يمثل في الواقع عبئًا على الدولة وليس ميزة لها. لذا نجد أن العامل الأساسي وراء استفادة كل من روسيا وأمريكا من مساحتها الشاسعة هو توفر عنصر السكان بما يكفي للمتطلبات الاقتصادية والأمنية.
وبالإضافة إلى عدد السكان وأثره على فعالية الإقليم، فإن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو قوة الدولة العسكرية، فالدول ذات المساحات الكبيرة والضعيفة عسكريًا مثل تشاد تواجه مشكلة في حفظ أمنها القومي؛ لأن كبر حجم الإقليم يفرض عليها نشر قوات كبيرة في مناطق شاسعة وهذا قد يكون فوق مقدرتها العسكرية والمالية.
ورغم أن التقدم في الأسلحة الحربية خصوصًا في سلاح الطيران وفر للدولة العصرية ذات الإقليم الواسع أداة هامة وفعالة لحفظ أمنها القومي، إلا أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن الأسلحة الحديثة باهظة الثمن، كما أن سرعة التقدم في تطورها قلل من فعالية القديم منها، لذا تبقى الدولة دائمًا تحت ضغط مستمر لتحديث أسلحتها لتساير التطور في التسليح ولتعوض عن النقص في السكان، وهذا يشكل عبئًا ماليًا مستمرًا عليها.
ولموقع الدولة الجغرافي أثر على أمنها القومي؛ إذ إن وجود منافذ بحرية عديدة للدولة يعطيها أكثر من خيار للاتصال الخارجي وتأمين الإمدادات اللازمة لها. فالمملكة العربية السعودية مثلاً لها منفذ بحري على البحر الأحمر وآخر على الخليج العربي. لذا في حالة تعرض صادراتها أو وارداتها لأي مخاطر في الخليج يمكنها الاعتماد على منافذها على البحر الأحمر لتوفير مستلزماتها من الخارج.
أما كون الدولة داخلية أي ليس لها منفذ بحري – كما هي الحال بالنسبة لأفغانستان – فهذا الوضع يشكل نقطة ضعف في قوتها القومية؛ إذ أنها ستبقى تحت رحمة الدول المجاورة لها لتأمين اتصالها الخارجي خصوصًا الاتصال البحري.
كما أن وجود دولة صغرى جوار إحدى القوى الإقليمية أو الدولية أو بين تلك القوى يفرض على هذه الدولة الصغرى قيودًا على سياستها الخارجية ويجعلها تواجه خيارات صعبة وأحيانًا محرجة. . . فكون سوريا محيطة بلبنان من جميع الجهات البرية –باستثناء الجهة الجنوبية المجاورة لإسرائيل- يفرض قيداً على سياسة لبنان الخارجية يتمثل بالإبقاء قدر الإمكان على علاقات ودية مع سوريا.
ولتعدد الدول المجاورة للدولة أثر على وضعها الأمني ونفوذها الخارجي. فإذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة فإن هذا سيقوي من نفوذها الدولي إذا كان لهذه الدولة الإمكانيات العسكري التي تمكنها ليس من ردع هذه الدول فقط، بل والتأثير عليها. أما إذا كانت الدولة محاطة بدول عديدة وهي ضعيفة الإمكانيات العسكرية فإن هذا سيشكل عبئًا على الدولة إذ أنها ستواجه ضغوطاً عسكرية مختلفة من هذه الدول المجاورة للتأثير على سياستها سواء الداخلية أو الخارجية.
أما شكل الإقليم وإن كان تأثيره على أمن الدولة القومي أقل من تأثير الموقع إلا أنه مع ذلك كثيرًا ما يكون عاملاً هامًا في تعزيز أمن الدولة أو إضعافه. فكون إقليم الدولة مكونًا من قطعة واحدة متماسكة مثل المملكة يجعلها في وضع أمن أحسن بكثير من ذات الإقليم المتناثر والمكون من جزر عدة مثل اندونيسيا. فبالإضافة على أن تناثر الإقليم يزيد من المتطلبات العسكرية اللازمة لصد أي عدوان خارجي، فإنه يشكل عبئًا على الاتصال الداخلي وعلى الوحدة الوطنية.
ومثلما يؤثر شكل الإقليم على أمن الدولة القومي ووحدتها القومية فإن طبيعة الإقليم لها كذلك أثر على أمن الدولة وقوتها. فالدول ذات الطبيعة الجبلية كثيرًا ما يصعب احتلالها من الخارج؛ إذ أن الجبال تمثل موانع طبيعية ضد الاحتلال. لكن الدول ذات الطبيعة الجبلية تواجه صعوبات في ربط مناطق الإقليم في الداخل، وهذا ما سيحول دون تعزيز الاتصال بين السكان ومن ثم إضعاف الوحدة الوطنية.
أما الدول ذات الإقليم المنبسط أو المكون من سهول وهضاب فهي عادة تكون مكشوفة للعدوان خصوصًا إذا كانت إمكانياتها العسكرية ضعيفة. لكن انبساط الإقليم يساعد الدولة على بناء شبكة قوية من المواصلات الداخلية، ومن ثم تحقيق الوحدة الوطنية.
أما المناخ فيبرز تأثره على وضع الدولة الاقتصادي وإنتاجها القومي. فالدول ذات المناخ المعتدل والبارد عادة ما تكون ملائمة للإنتاج الزراعي والصناعي أكثر من المناطق الحارة.
لذا نجد أن المناطق المتقدمة والصناعية في العالم تقع في مناطق باردة أو تميل للبرودة. في حين نجد أن المناطق النامية تقع في مناطق حارة أو تميل للحرارة مثل المناطق الاستوائية. وهذا ما جعل الدول النامية تعتمد على الزراعة والموارد الطبيعية أكثر من اعتمادها على الصناعة.

الموارد الأولية:
تعتبر الموارد الاقتصادية حجر الأساس في بناء قوة الدولة. والموارد الاقتصادية عديدة ومتنوعة وما يهمنا منها في قوة الدولة هي الموارد أو السلع الإستراتيجية ونعني بها الموارد الغذائية ومصادر الطاقة.
فالمواد الغذائية تعتبر موردًا اقتصاديًا هامًا وسلعة إستراتيجية لأنها ضرورية لبقاء الإنسان وضمان أمن الدولة الاقتصادي. والدولة التي تعاني من نقص في المواد الغذائية خصوصًا الحبوب عادة ما يكون أمنها الاقتصادي تحت رحمة الدول الأخرى والتي تمدها بالمواد الغذائية.
لذا نجد كثيرًا من الدول تحرص كل الحرص على إنتاج المواد الغذائية الرئيسية بغض النظر عن تكلفتها الاقتصادية؛ إذ تنظر إلى إنتاج هذه المواد من منظور استراتيجي وليس من منظور اقتصادي مجرد، وتبرز أكثر أهمية توفر المواد الغذائية في الدولة خلال فترة الحروب والاضطرابات في المجتمع الدولي حيث يصبح أمن الدولة الغذائية في خطر خصوصًا إذا كانت تعتمد في إمداداتها الغذائية على د ول أخرى.
وتكمن هذه الخطورة في مصدرين؛ الأول: يتمثل في أن الدول خلال الحروب يضعف إنتاجها الاقتصادي بما في ذلك الإنتاج الزراعي، لذا تسعى الدول إلى تخزين إنتاجها من السلع الاستراتيجية مثل الحبوب وعدم تصديرها لتتفادى أي نقص محتمل. أما المصدر الثاني: فيتمثل بتعرض طرق المواصلات البرية والبحرية خلال الحروب والاضطرابات إلى مخاطر عديدة، ويترتب على ذلك شل حركة النقل البري والبحري، ومن ثم نقص الإمدادات الغذائية. لذا تلجأ الدول المستوردة للقمح وغيره من المواد الغذائية إلى تخزين المواد الغذائية الرئيسية بما يكفي للاستهلاك المحلي لفترة من الزمن لتفادي آثار الاضطرابات الدولية على إمداداتها الغذائية.
أما مصادر الطاقة فهي عديدة وتختلف أهميتها من وقت لآخر. لقد كان الفحم يعتبر أهم مصدر للطاقة إلا أن التطور التكنولوجي قلل من أهميته، وأبرز أهمية البترول. فالبترول بالإضافة إلى أنه يمثل المصدر الأساسي للطاقة في المواصلات والصناعة والاستخدامات المنزلية؛ فإن مشتقاته تدخل في إنتاج العديد من السلع الاستهلاكية. لقد أعطى البترول الدول المصدرة له قوة اقتصادية وسياسية مكنتها من التأثير في السياسات الدولية.
أما الدول التي تفتقر للبترول فقد أصبحت تحت رحمة الدول المصدرة له، فبالإضافة إلى تأثير انعدام البترول في أراضيها على أمنها القومي واستقرارها الاقتصادي؛ فإن استيراده يمثل عبئًا على ميزانية مدفوعاتها خصوصًا في الدول النامية والتي تعاني من قلة العملات الصعبة.

السكان:
يعتبر السكان أهم العناصر المؤثرة في مكونات قوة الدول. ويرجع ذلك إلى العلاقة القوية بين قوة الدولة وحجم سكانها. فالدول العملاقة في المجتمع الدولي . . . [مثل] الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي [سابقاً] تمتلك العدد الكافي من السكان لتحقيق متطلبات أمنها الاقتصادي والعسكري.
كما أن الصين الشعبية أصبحت قوة عظمى في المجتمع الدولي نتيجة لحجم سكانها الذي . . . [يزيد عن] أكثر من ألف مليون نسمة. في حين تعتبر الهند بسبب كثافتها السكانية والتي تجاوزت . . . الثمانمائة مليون نسمة مرشحة لدخول نادي القوى العظمى.
غير أن عدد السكان لا يكفي بحد ذاته لتقدير دور السكان في القوة القومية. بل لا بد من معرفة دقيقة لنوعية السكان وتجانسهم ومستواهم الحضاري. فمن حيث النوعية يجب معرفة الجنس وفئات العمر المنتجة في التكوين السكاني في الدولة.
فمعرفة الجنس مهمة خصوصًا في الدول النامية والتي تحد من مساهمة المرأة الاجتماعية والاقتصادية في التنمية القومية. ففي بعض هذه الدول جزء كبير من العنصر النسائي معطل وغير منتج وهذا ما يجعل تأثيره سلبي في محصلة قوة الدولة.
كذلك يتطلب الأمر معرفة فئات العمر في المجتمع لتحديد الأطفال، والشباب، والشيوخ؛ إذ أن مساهمة كل فئة من هؤلاء في قوة الدولة تختلف عن الفئات الأخرى. فالأطفال والشيوخ عادة ما يكون دورهم محدود جدًا إن لم يكن معدومًا في العملية الإنتاجية. في حين يمثل الشباب العمود الفقري في قوة الدولة سواء في السلم أو الحرب.
وبالإضافة إلى معرفة الجنس والعمر يتطلب الأمر معرفة تجانس السكان. فكلما كانت درجة التجانس عالية بين المواطنين كلما زاد ذلك من قوة الوحدة الوطنية داخل حدود الدولة. وهذا بالطبع له أثر إيجابي على قوة الدولة؛ إذ أنه سيزيد من درجة التعاون بين السكان وقت السلم ومن صلابة الجبهة الداخلية وقت الحرب.
كذلك يتطلب تحديد فاعلية عنصر السكان وتأثير أبعادة، معرفة نوعية السكان من حيث مستواهم التعليمي والتقني ورغبتهم في العمل واحترامهم للنظام وإدراكهم لمسؤولياتهم الوطنية وتضحيتهم من أجل المبادئ والقيم التي يؤمنون بها.
وقد يكون عنصر السكان متوفرًا من حيث الكم و الكيف لكن درجة الاستفادة من هذا العنصر دون المستوى المطلوب. وهذا الوضع يقلل من فعالية العنصر السكاني في مقاومة قوة الدولة. إن وجود السكان كمًّا وكيفًا ليس غاية في حد ذاته بقدر ما هو وسيلة لرفع قوة ومكانة الدولة في المجتمع الدولي. وهذا يعني وجوب الاستفادة الحقيقية من السكان في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقت السلم وفي الدفاع عن الوطن والأمة وقت الحرب.
إن الاهتمام بعنصر السكان واحتلاله مكانة الصدارة بين العناصر الأخرى يرجع إلى أهمية هذا العنصر وقت السلم ووقت الحرب. ففي السلم يعتبر السكان عنصرًا من عناصر الإنتاج والدولة التي تعاني من قلة هذا العنصر تضطر لاستقدام الأيدي العاملة الأجنبية للمساهمة في التنمية الوطنية. ولهذه الخطوة سلبيات عديدة على الثقافة الوطنية والأمن الوطني.
أما في الحرب فتبرز مساهمة العنصر البشري بشكل أكبر، ذلك أن الدولة التي تتمتع بنسبة عالية من السكان تكون مقدرتها أكبر من غيرها في الصمود والقتال. ورغم التطور السريع الذي حصل في تكنولوجيا الأسلحة الحربية ودخول الأسلحة الذرية فلا يزال للحرب التقليدية شأن في العلاقات الدولية، ولا يزال لتفوق الدولة في عنصر السكان أثر في مجرى هذه الحرب وتحديد نتائجها.

العامل العسكري:
حتى وقت قريب كانت قوة الدولة تقاس بقوتها العسكرية، إلا أن زيادة تأثير العناصر الأخرى أنهى هذا الاحتكار للقوة العسكرية فأصبحت القوة العسكرية تمثل العنصر الرئيسي بين عناصر عديدة تشكل في مجموعها القوة القومية.
والقوة العسكرية في مفهومها المعاصر تتكون من عوامل أو مكونات عديدة تتفاعل فيما بينها وتعطي في ناتجها النهائي التأثير العسكري المنشود في السياسات الدولية. إن تحليل القوة العسكرية لأي دولة يتطلب منا الأخذ بعين الاعتبار عددًا من العوامل، ومن بين هذه العوامل العدد، العتاد، المبدأ الاستراتيجي، والروح المعنوية.
فمن حيث العدد كلما كبر عدد الجيش كلما زاد تأثير فعاليته العسكرية. ورغم التقدم في الأسلحة الحربية فلا يزال لعدد أفراد القوات المسلحة دورًا هامًا في تشكيل القوة العسكرية للدولة. فالدولة ذات العدد الكبير من أفراد القوات المسلحة تكون أقدر من غيرها في العمليات العسكرية سواء كانت دفاعية أو هجومية؛ إذ أنها ستكون قادرة على تحمل الخسائر البشرية.
ويدخل ضمن عدد القوات المسلحة كل أفراد الأجهزة العسكرية ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة في الدفاع عن الدولة ضد أي عدوان خارجي. لذا يدخل ضمن عدد القوات المسلحة الميليشيات العسكرية، الحرس الوطني، وغيرها من التنظيمات العسكرية المشابهة .
أما العتاد العسكري فقد تنوع وتطور بسرعة مذهلة. وهذا التطور والتنوع السريع مضافًا إلى السرية التي تحاط بامتلاكه والتعقيد في استخدامه يجعل من الصعب تحديد معيار محدد لنوعية العتاد العسكري الأكثر فعالية. إن المهم في تقييم قوة الدولة العسكرية رصد مؤشرات قوية تدل على أن الدولة تمتلك أسلحة عسكرية حديثة كافية للردع أو الهجوم.
وامتلاك السلاح وحده لا يكفي، بل المهم أيضًا القدرة على صيانته بعد امتلاكه خصوصًا وأن الأسلحة الحديثة في غاية التعقيد من الناحية التكنولوجية وتتطلب صيانتها كفاءة فنية عالية. هذا المطلب يجعل الدول النامية دائمًا في وضع صعب؛ إذ أنها قد تكون قادرة على شراء السلاح لكنها تواجه صعوبات في صيانته والمحافظة عليه بشكل جيد.
وبالإضافة إلى القدرة على الصيانة يجب اعتبار قدرة الجيش الوطني على استخدام السلاح بكفاءة. لذا أصبحت أهمية التدريب على السلاح لا تقل عن أهمية امتلاكه؛ إذ أن جعل السلاح العسكري في أيادي أجنبية يشكل نقطة ضعف كبيرة في بناء الدولة العسكري.
إن العدة والعتاد لا تكفي بحد ذاتها لضمان نصر عسكري للدولة في حروبها الدفاعية أو الهجومية. بل يتطلب الأمر اعتبار المبدأ الاستراتيجي للدولة. والمقصود بالمبدأ الاستراتيجي: الخطة العامة للقتال وأسلوب تنفيذها. فأحيانًا يتوفر لدى الدولة العدد الكافي من المقاتلين وتمتلك أسلحة كافية وحديثة إلا أن عدم سلامة مبدأها الاستراتيجي يترتب عليه هزيمة ساحقة لها، كما حصل للقوات العربية خلال الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1967م، لذا أصبح تطوير مبدأ استراتيجي سليم للقوات العسكرية للدولة من الأهمية بمكان وأصبح الاهتمام ببناء فكر عسكري مطلبًا أساسًا لتحقيق الجدوى المتوقعة من تجنيد الشعب وامتلاك السلاح.
أخيرًا قد يتوفر عدد كبير من أفراد الجيش، وسلاح من نوعية جيدة، ومبدأ استراتيجي سليم. ومع ذلك فإن البناء العسكري للدولة خصوصًا في وقت الحرب يتسم بالضعف العام. في هذه الحالة يعزى الضعف إلى ضعف الروح المعنوية للمقاتلين. و . . . [يقصد] بالروح المعنوية استعداد المقاتلين للتضحية والعمل بروح عسكرية عالية.
لذا أصبح رفع الروح المعنوية للمقاتلين خصوصًا وقت الحروب من الأهمية بمكان لرفع كفاءة الجيش وأدائه ورفع الروح المعنوية يتم من خلال إيجاد الاستعداد التام لدى الجندي المقاتل للانضباط وتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه في ميدان القتال، وقناعته التامة بالهدف الذي يقاتل من أجله، وحماسه المطلق للتضحية من أجل تحقيق الهدف المنشود.
إن انخفاض الروح المعنوية قد يكون السبب الرئيسي وراء انهزام جيوش ذات أسلحة متقدمة ومبدأ استراتيجي سليم. ومثال ذلك انهزام القوات الأمريكية في الحرب الفيتنامية.


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

خطة يحث حول"أساليب نشأة الدساتير"


أقدم لكم بحث حول”أساليب نشأة الدساتير”
التي تحتوي على التهميش إضغط لتحميل نسخة
هنا
خطة البحث

المبحث الأول: ظهور الدساتير.
المطلب الأول: تاريخ ومكان ظهور أول دستور

المطلب الثاني: أسباب ودوافع وضع الدساتير

المبحث الثاني: الأساليب غير الديمقراطية لنشأة الدساتير.

المطلب الأول: أسلوب المنحة

المطلب الثاني: أسلوب العقد أو الاتفاق

المبحث الثالث: الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير.§

المطلب الأول: أسلوب الجمعية التأسيسية

المطلب الثاني: أسلوب الاستفتاء الشعبي أو الاستفتاء الدستوري

المبحث الرابع: طرق وضع الدساتير الجزائرية.

المطلب الأول: دستـور 10 سبتمبر 1963

المطلب الثاني: دستـور 22 نوفمبر 1976

المطلب الثالث: دستـور 23 فيفري 1989

المطلب الرابع: دستـور 28 نوفمبر 1996


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

إدارة شئون الدولة والمجتمع


إدارة شئون الدولة والمجتمع

تواجه العلوم الاجتماعية العديد من المشكلات المنهجية؛ لعل من أهمها صعوبة وضع تعريف محدد للمفاهيم المستخدمة؛ فعادة ما يصعب تقديم تعريف شامل جامع مانع يحيط بأبعاد أي ظاهرة اجتماعية.
وعلى الرغم من اعتراف الباحثين بهذه المشكلة؛ فإنها لم تمنعهم من البحث المنظم، ومحاولة الوصول إلى تعريف إجرائي أو تعريف محدد لشرح الظواهر موضع الدراسة في العلوم المختلفة.
ومفهوم الـ”Governance” الذي ظهر في نهاية الثمانينيات في العلوم الاجتماعية والإدارية ما هو إلا مثال لهذه المشكلة المنهجية. ومن هذا المنطلق تهدف هذه الدراسة للبحث في المفهوم الذي تعد أفضل ترجمة دالة عليه “إدارة شئون الدولة والمجتمع”، وأثار -وما زال يثير- جدلا كثيرًا حول معناه، ومحاولات لتحليل الأسباب التي دعت إلى ظهوره وانتشاره، وسنسعى إلى تحليل الأدبيات التي تتناول هذا المفهوم بهدف معرفة المقصود به وأسباب ظهوره وتطوره، والإشكاليات التي يثيرها، ثم أخيرًا أثره على المستويين العلمي والعملي.

أولا- أسباب ظهور المفهوم وتطوره:
أصبح استخدام مفهوم Governane أو “إدارة الشئون الدولة والمجتمع” شائعا في أدبيات الإدارة العامة، والسياسات العامة، والحكومات المقارنة؛ فعلى سبيل المثال تبين من خلال حصر الأدبيات على شبكة الإنترنت أن عدد الرسائل العلمية في الولايات المتحدة التي تحتوي عناوينها على المفهوم وصل إلى 136 رسالة مع منتصف 2022، كما أن هناك على الأقل 326 كتابًا يتناول كل منها جانبا من جوانب المفهوم أو تطبيقًا عمليا له في بلد من البلاد حتى التاريخ المذكور.

وعلى الرغم من شيوع استخدام المفهوم فإنه ليس هناك إجماع على المعنى المقصود به.

ويمكن القول: إن المفهوم يأخذ بعدين متوازيين؛ يعكس أولهما فكر البنك الدولي الذي يتبنى الجوانب الإدارية والاقتصادية للمفهوم. أما البعد الثاني فيؤكد على الجانب السياسي للمفهوم؛ حيث يشمل -بجانب الاهتمام بالإصلاح والكفاءة الإدارية- التركيز على منظومة القيم الديمقراطية المعروفة في المجتمعات الغربية.

ولقد ظهر المفهوم منذ عام 1989 في منشورات وتقارير البنك الدولي عن كيفية تحقيق التنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد في الدول الأفريقية جنوب الصحراء Sub-Saharan Africa حيث تم الربط بين الكفاءة الإدارية الحكومية والنمو الاقتصادي؛ فوفقًا لهذه الأدبيات فإن الأدوات الحكومية للسياسات الاقتصادية ليس من المفروض فقط أن تكون اقتصادية وفعالة، ولكن أيضًا لا بد أن تكفل العدالة والمساواة، ولقد نما المفهوم بعد ذلك ليعكس قدرة الدولة على قيادة المجتمع في إطار سيادة القانون.

وفي بداية التسعينيات أصبح التركيز على الأبعاد الديمقراطية للمفهوم من حيث تدعيم المشاركة وتفعيل المجتمع المدني وكل ما يجعل من الدولة ممثلا شرعيا لمواطنيها؛ ففي اجتماع اللجنة الوزارية لمنظمة التنمية الاقتصادية OECO الذي عقد في باريس في مارس 1996 تم الربط بين جودة وفعالية وأسلوب إدارة شئون الدولة والمجتمع، ودرجة رخاء المجتمع، والتأكيد على أن المفهوم يذهب إلى أبعد من الإدارة الحكومية؛ ليتضمن إشكاليات تطبيق الديمقراطية لمساعدة الدول في حل المشاكل التي تواجهها.

ومن هذا المنطلق تم تعريف مفهوم “إدارة شئون الدولة والمجتمع” على أنه يتعرض لما هو أبعد من الإدارة العامة والأدوات والعلاقات والأساليب المتعلقة بها ليشمل مجموعة العلاقات بين الحكومات والمواطنين؛ سواء كأفراد أو كأعضاء في مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية، وركز على أن الحقل الدلالي للمفهوم لا ينصب فقط على فعالية المؤسسات المتعلقة بإدارة شئون الدولة والمجتمع، ولكن يركز أيضًا على القيم التي تحتويها تلك المؤسسات مثل المساءلة والرقابة والنزاهة.

ولقد تطور المفهوم؛ ليصبح مؤشرًا لحقل دراسي محدد يشمل كل الأنشطة المرتبطة بالحكم وعلاقة الحكومة بالقطاع الخاص وبالمجتمع المدني، وإن كان المفهوم في حد ذاته أشمل من مفهوم الحكم بالمعنى المؤسسي (البنائي/الوظيفي) المعروف، وهو الأمر الذي يثير التساؤل حول ما إذا كان ظهور المفهوم حتمية فرضتها ظروف واقعية وعملية مثل تغير دور الدولة، وتنامي أثر السوق الرأسمالي في خريطة القوة في المجتمع والنخبة، وأيضا إذا ما كان صعوده انعكاسا لتغيرات على المستوى النظري تمثل غلبة لمدرسة فكرية أو اقتراب معين؛ أي أن ظهور المفهوم ما هو إلا انعكاس للتغير الجاري في طبيعة ودور الحكومة، وأبرزها:

1. ظهور العديد من المتغيرات التي جعلت من النظرة التقليدية للدولة فاعلا رئيسيا في صنع السياسات العامة موضع مراجعة؛ فالمتتبع للاتجاهات الحديثة في صنع وتنفيذ السياسات العامة يلاحظ ازدياد أهمية البيئة الدولية أو العامل الخارجي في عملية صنع السياسات. فلقد أصبح للمؤسسات والمنظمات الدولية ومؤتمرات الأمم المتحدة دور كبير، ليس فقط في المبادرة بطرح قضايا السياسات العامة، ولكن أيضًا في وضعها على قائمة أولويات الحكومات. ولقد بدا واضحًا في ظل العولمة وثورة الاتصالات ضعف قدر الدولة على مقاومة الضغوط الدولية، وانخفاض قدرتها على ممارسة وظائفها التقليدية على النحو المعهود دون أن تتأثر بالمؤثرات الخارجية.

2. التغير الذي طرأ على دور الدولة؛ فقد تحولت من فاعل رئيسي ومركزي في تخطيط وصنع السياسات العامة، وممثل للمجتمع في تقرير هذه السياسات وتنفيذها، ووسيط بين الفئات والطبقات في حل المنازعات بل ومالكة للمشروعات ومسئولة عن حسن إدارتها، وعن إعادة توزيع الدخل وتقديم الخدمات وعدالة توزيعها مكانيا وبين الفئات الاجتماعية؛ لتصبح اليوم الشريك الأول -ولكن بين شركاء عدة- في إدارة شئون الدولة والمجتمع، ولا شك أن هذا التحول قد بدا مع تنامي التضخم الاقتصادي الذي كان من أسبابه الرئيسية تنامي أعباء وتكلفة “دولة الرفاهة” وعبئها على دافعي الضرائب من العاملين من أبناء الطبقة الوسطي والعاملة، بعد أن تغيرت طبيعة الهرم العمري للسكان، وزادت نسبة من يتقاضون معاشات، وانخفضت نسبة المشاركين في العمل.

كما برزت في نفس الوقت أزمة النموذج السوفيتي للدولة الاشتراكية، بما أدى إلى إعادة النظر في دور التخطيط المركزي كأداة للتعبئة والتخصيص، والاتجاه لتراجع الدولة عن أدوار الضمان الاجتماعي، وتسليمها للمجتمع المدني والأهلي، فضلا عن تعثر محاولات التنمية بالاعتماد على القطاع العام.

3. تنامي دور الشركات العالمية والشركات متعددة الجنسيات في التأثير على صنع السياسات، والحاجة إلى إعادة النظر في علاقة الحكومات الوطنية بالقطاع الخاص ودور مؤسسات العمل المدني؛ حيث أصبح للفاعلين المجتمعين (القطاع الخاص والمجتمع المدني) دور أكبر في التأثير على السياسات العامة والإدارة، وتطبيق السياسات على نحو لم يكن متصورًا من قبل؛ مما أثار الجدل بشأن حدود ومستويات الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص والقطاع الأهلي، وبروز مصطلح “إدارة شئون الدولة والمجتمع” ليحل محل مصطلح “الإدارة العامة” لوصف سبل وصيغ الإدارة السياسية والاقتصادية لتحقيق التنمية المستدامة.

4. تحولات أسلوب الإدارة العامة التقليدي مثل احترام الأقدمية، والتدرج الوظيفي، وظهور مجموعة أخرى من القيم تحل محلها مثل التمكين والتركيز على النتائج، وإعطاء فرصة كبرى للمسئولية الفردية من خلال هيكل إداري متكامل، والاتجاه للتركيز على معيار الإنجاز والتعلم المستمر، وتطوير المهارات بشكل متنوع خاصة التقنية والالكترونية.

ولقد ساعد على هذا التحول انتشار المشكلات الاقتصادية والإسراف المالي الذي ساد تصرفات العديد من البيروقراطيات الرسمية والحكومات؛ الأمر الذي دفع العديد من الدارسين لمحاولة إيجاد حلول لهذه المشكلة.

ثانيًا: إشكاليات المفهوم:
لا شك أن المفهوم رغم أنه يعكس تحولات واقعية ونظرية، ويقدم حلولا لمشكلات على هذين المستويين فإنه أيضا له مشكلاته، ومنها:

1- مشكلة الترجمة:

إن العديد من المفاهيم قد لا يكون لها ترجمة حرفية باللغة العربية تعكس نفس المعنى أو الدلالات التي تعكسها باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، ويعد مفهوم أسلوب إدارة شئون الدولة والمجتمع مثالا حيا على هذه المسألة. فالمفهوم باللغة الإنجليزية هو Governance الذي لوحظ عند ترجمته إلى اللغة العربية وجود أكثر من ترجمة لا تعكس بدقة دلالة المفهوم وخريطته والهدف المقصود منه؛ فعلى سبيل المثال هناك ثلاث ترجمات للمفهوم حتى الآن، وهي: الحكم أو أسلوب الحكم، والحاكمية، وإدارة شئون الدولة والمجتمع.

وبينما تبنت الأمم المتحدة مفهوم الحاكمية تعبيرا عن Governance فإنه يمكن القول: إن هذه الترجمة لا تتفق والمقصود بها في اللغة العربية؛ حيث يعكس مصطلح الحاكمية الإطار المرجعي الكلي أو مصدر ومرجع المسلمات المعرفية والفلسفية لسياسة أو توجه ما، ومن ثم فإننا لا نتصور أن أي شخص عندما يذكر أمامه مصطلح “الحاكمية” سوف يتعرف على المعنى المراد في مصطلح الـ Governance باعتباره سيتحدث عن الدولة والمجتمع والفاعلين الأساسيين بالدلالة سالفة البيان، وبالإضافة إلى ذلك فإن مصطلح “الحاكمية” في حد ذاته يحمل صبغة دينية وتاريخية قد تجعل القارئ أو المستمع يتوقع الحديث عن التصور الإسلامي للحكم والدولة، أو نشأة وتفعيل المفهوم في فترة تاريخية معينة.

أما أنصار استخدام كلمة الحكم مثل باحثي مشروع مصر 2022 الذي ينفذه منتدى العالم الثالث؛ فعلى الرغم من إدراكهم أن مصطلح الحكم لا يعبر بطريقة جيدة عن المفهوم حيث تركز الترجمة على جانب الحكم والدولة وتغفل الجانب المجتمعي والبعد الاقتصادي فإنهم يرون أنه من الأفضل استخدام كلمة عربية واحدة تعبر عن المصطلح موضع البحث بدلا من استخدام عبارة كاملة للتعبير عنه.

وهناك محاولة تبناها أكثر من مركز بحثي، منها مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة بجامعة القاهرة، من خلال ترجمة مصطلح Governance إلى مصطلح “إدارة شئون الدولة والمجتمع”، كما تتبناه هذه الدراسة؛ لأنه يعكس في محتواه المعنى الأساسي للكلمة التي تدل على العلاقة بين طرفي المعادلة، وهما الدولة من جانب، والمجتمع من جانب آخر.

2- مشكلة التعريف:

هناك أكثر من تعريف للمفهوم، ويثير تعدد هذه التعريفات الجدل حول طبيعة ومحتوى هذا المفهوم على النحو الذي دفع بعض الباحثين إلى القول بأن الحديث عن المفهوم هو مثل الحديث عن مفهوم الدين؛ حيث المعتقدات قوية للغاية، ولكن الأدلة والبراهين القابلة للقياس معقدة ومركبة، كما أن التعريف تقابله المشاكل التي تقابل التعريفات في العلوم الاجتماعية عامة التي تتمثل في تقديم تعريف بسيط وواضح وشامل لعناصر الظاهرة، ويمكن تعميمه على كافة المجتمعات؛ حيث كثيرًا ما يضطر الباحث للتضحية بوضوح المعنى في التعريف رغبة في الشمول وإدراج كافة عناصر الظاهرة، أو أن يتم تبسيط التعريف بطريقة تخل بالمعنى وتعوق الباحث عن الرؤية المتعمقة للمفهوم، أو أن يعكس التعريف خصوصية مجتمعات بعينها بحيث تنتقي صفة العمومية والعالمية من التعريف؛ الأمر الذي يضعف من قوته كتعريف علمي، وسوف تتجسد هذه المشكلات عند تعرضنا للتعريفات المختلفة للمفهوم.

فعلى سبيل المثال قدم البنك الدولي أول تعريف للمفهوم، حين تم تعريفه بأنه “أسلوب ممارسة القوة في إدارة الموارد الاقتصادية الاجتماعية للبلاد من أجل التنمية”.

ونلاحظ أن التعريف ينظر إلى المفهوم على أنه أسلوب أو طريقة للممارسة القوة في إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية، وهو في هذه الجزئية يكاد يقترب من تعريف David Easton الشهير لعلم السياسة؛ باعتباره التوزيع السلطوي للقيم”؛ حيث اشتمل كلا التعريفين على ممارسة السلطة أو القوة في توزيع القيم، وبينما استخدم إيستون “السلطة” في تعريفه حرص تعريف البنك الدولي على استخدام كلمة “القوة” التي تشمل السلطة والنفوذ معا، وتعبر أيضًا عن الأساليب الرسمية وغير الرسمية في الإدارة والحكم، وبالتالي تسمح بوجود أدوار لفاعلين رسميين وغير رسميين، إلا أن التعريف لم يذكر بوضوح من هم الفاعلون المشاركون في ممارسة القوة لإدارة الموارد من أجل التنمية، وإن كانت كتابات البنك الدولي والأدبيات التي تتناول المفهوم تتحدث عن فاعلين محددين، هم: الحكومة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص.

وتؤكد أدبيات البنك الدولي على أن جودة أو نوعية إدارة الدولة والمجتمع محدد هام للتنمية الاقتصادية العادلة والقابلة للاستمرار، وهي أيضًا مكون رئيسي في أي سياسات اقتصادية ناجحة، إلا أن القارئ لهذه الأدبيات لا بد أن يتساءل عن كيفية قياس الأسلوب الجيد أو جودة نوعية إدارة شئون الدولة والمجتمع.

ونلاحظ هنا أنه عادة ما تشير الأدبيات إلى قائمة من المؤشرات، تشمل: الديمقراطية، والاستقرار، واحترام حقوق الإنسان، ووجود جهاز خدمة مدنية قوي وكفء، والشرعية، والتعددية المؤسسية والمشاركة، والشفافية ومكافحة الفساد، والرقابة وسيادة القانون، وتؤخذ هذه المؤشرات كتعبير عن الأسلوب الجيد لإدارة الدولة والمجتمع.

إلا أن هناك من يرى أن هذه المؤشرات واضحة من الناحية النظرية، ولكنها متداخلة من الناحية العلمية؛ فهناك أمثلة على حكومات فعالة ولكن غير ديمقراطية، أو ديمقراطية وفاسدة، أو ديمقراطية ولا تهتم بحقوق الإنسان الاهتمام الكافي. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن المفهوم يتناول بالشرح أنماطًا مثالية العناصر في إدارة الدولة والمجتمع، ولا يسمح بالتعريف على النماذج الواقعية التي هي مزيج من العناصر الجيدة والسيئة معًا.

أما البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP فيعرف مفهوم overnance بأنه: ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة الشئون الدولة على كافة المستويات، من خلال آليات وعمليات ومؤسسات تتيح للأفراد والجماعات تحقيق مصالحها.

ومن ثم فإن مفهوم Governance كما عرفه البرنامج يقوم على 3 دعائم أساسية على النحو التالي:

1- الدعامة الاقتصادية: وتتضمن عمليات صنع القرارات التي تؤثر على أنشطة الدولة الاقتصادية وعلاقاتها بالاقتصاديات الأخرى.

2- الدعامة السياسية: وتتضمن عمليات صنع القرارات المتعلقة بصياغة وتكوين السياسات.

3- الدعامة الإدارية: وتتضمن النظام الخاص بتنفيذ هذه السياسات.

ويلاحظ أن هذا التعريف قد أضاف بعدًا جديدًا لمفهوم Governance يتمثل في إمكانية تعدد مستويات التحليل التي يمكن من خلالها دراسة هذا المفهوم، وهذا ما يعطي الفرصة لدراسة Governance على المستوى الجزئي Micro (على مستوى إدارة المنظمات مثل الأقسام العلمية والجامعات؛ حيث توجد بالأقسام العلمية في الجامعات الأمريكية ما يسمي Governance Committee، بالإضافة إلى إمكانية دراسته على المستوى الكلي للدولة Macro).

ومنذ ظهور تعريف البنك الدولي لم تتوقف الأدبيات عن محاولة تحسين أو تجويد التعريف حتى يصبح أكثر شمولا وأكثر تحديدًا، وفي هذا الإطار حاول باحث بارز هو R.A.Rohdes أن يرصد التعريفات التي تتناول المفهوم في الأدبيات المختلفة إلى 6 توجهات أو استخدامات نلخصها في الآتي:

الأول: يدرس العلاقة بين آليات السوق من جانب والتدخل الحكومي من جانب آخر فيما يتعلق بتقديم الخدمات العامة، وعادة ما يعكس هذا الاتجاه الحد من التدخل الحكومي وضغط النفقات العامة، والاتجاه نحو الخصخصة كمؤشرات للتعبير عن دولة الحد الأدنى The Minimal State التي لا تتدخل إلا عند الضرورة فقط.

الثاني: يتحدث عن Governance من خلال التركيز على المنظمات الخاصة ومنظمات إدارة الأعمال بالذات عند الحديث عن المصطلح المعروف Corporate Governance، وفي هذا السياق يركز أنصار هذا المحور على مطالب الـمساهمين Stakeholders، وكيفية إرضاء العميل، كما يركزون على كيفية عمل نظام داخل الشركة على النحو الذي يحقق مصالح المنتفعين بها.

الثالث: يعبر عن اتجاه الإدارة الحكومية الجديدة New Public Management القائم على إدخال أساليب إدارة الأعمال في المنظمات العامة، وإدخال قيم جديدة مثل المنافسة، وقياس الأداء، والتمكين، ومعاملة متلقي الخدمة على أنه مستهلك أو عميل، وغيرها من المفاهيم، إلا أنه يغفل الدور الاجتماعي للدولة بصفة عامة، والحاجة إلى وجود فاعل يستطيع أن يتوجه بخدماته للمواطنين بصرف النظر عن كون هذه الخدمة تحقق ربحًا من عدمه.

الرابع: أن الربط بين الجوانب السياسية للمفهوم المحددة في منظومة القيم الديمقراطية من جانب ومؤشرات شرعية النظام والمساءلة من جانب آخر هو إضافة حقيقية للتحليل الاجتماعي، ويمثل هذا المحور استخدام البنك الدولي للمفهوم في 1989، وتبنيه لسياسات مرتبطة به مثل الإصلاح الإداري، وتقليص حجم المؤسسات الحكومية، وتشجيع الاتجاه نحو القطاع الخاص، وتشجيع اللامركزية الإدارية، وتعظيم دور المنظمات غير الحكومية.

الخامس: يعبر عن أن السياسات العامة ما هي إلا محصلة للتفاعلات الرسمية وغير الرسمية بين عدد من الفاعلين؛ مثل الدولة (المنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص) على المستويين المحلي والمركزي. وبعبارة أخرى: لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد المؤثر في صنع السياسات العامة.

السادس: الاهتمام بدراسة إدارة مجموعة الشبكات المنظمة في عدد من الأجهزة والمنظمات، ويرى أنصار هذا المحور أن هذا التعريف أوسع وأشمل من مجرد الحديث عن الحكومة، ويشمل الحديث عما هو عام، وخاص، وتطوعي.

ولقد خلص R.A.Rohdes إلى أن تعريف الـGovernane يمكن أن يشتمل على العناصر التالية:

– التنسيق بين التنظيمات الحكومية وتنظيمات قطاع الأعمال الخاص والعام والمنظمات غير الحكومية.

– عدم ثبات ووضوح الحدود بين أنشطة مختلفة التنظيمات.

– استناد قواعد التعامل بين مختلف التنظيمات إلى التفاوض.

– تمتع مختلف الأعضاء في هذه الشبكة بدرجة عالية من الاستقلال.

– قدرة الدولة على توجيه باقي أعضاء الشبكة بما لها من موارد.

إلا أن هناك من يرى أن مفهوم “إدارة شئون الدولة والمجتمع” ليس بالمفهوم الجديد، ولكنه اسم جديد لمفاهيم قديمة ظهرت من قبل؛ فهو بمثابة منتج قديم وضع في قالب جديد.

لكننا يمكننا القول بأن المفهوم يحتوي على عناصر التجديد التي ظهرت نتيجة لظهور متغيرات عديدة سواء عملية أو علمية، مثل الحاجة للأخذ بما يعرف بالمنهاج المتكامل في الدراسات والبحوث Integrated Research؛ حيث أصبحت الظواهر العلمية شديدة التداخل والتعقيد؛ الأمر الذي يستلزم الأخذ بالمنهج المتكامل، سواء المبني على تعدد الحقول العلمية Multidiscipline، أو تضافر اقترابات البحث المختلفة داخل الحقل الواحد.

3-مشكلة النموذج:
يثير الحديث عن المفهوم، وخاصة عند التعرض لأسلوب إدارة شئون الدولة والمجتمع الجيد وغير الجيد كثيرًا من الجدل؛ حيث تتبادر إلى الذهن فكرة النموذج في أدبيات التنمية في الستينيات.

وكما تعرضت نظريات التنمية للنقد من داخل الجماعة العلمية لتبني بعض هذه النظريات فكرة وجود نموذج سياسي مثالي غربي بالأساسي لا بد من الأخذ به بواسطة الدول النامية؛ حتى تلحق بركب التقدم والتنمية.. فإن مفهوم إدارة شئون الدولة والمجتمع يتعرض لمثل هذه الانتقادات عند الحديث عن أسلوب الإدارة والحكم الجيد؛ حيث يتبادر إلى الأذهان منظومة من القيم تعكس خبرة تاريخية غربية، ويصبح الحديث عن تطبيق الأسلوب الجيد للإدارة والحكم كأنه دعوة للأخذ بالنموذج الغربي.

وحتى نخرج من هذا الجدل يمكن أن ننظر إلى مجموعة القيم التي يقدمها هذا المفهوم من رقابة وشفافية وعلانية، هل هذه القيم تنطبق على كل المجتمعات أم أنها قاصرة على مجتمعات بعينها؟ وهل هذه القيم قابلة للتحقيق أو محققة بالفعل في بعض المجتمعات حاليًا؟ وذلك فصلا بين مضمونه وصياغته الأولى على يد منظمات دولية تتعرض للنقد من دول العالم الثالث.

ولكن في الحقيقة المشكلة ليست القيم في حد ذاتها، ولكن المشكلة تكمن في آليات تطبيقها، وهنا يمكن المزج بين عمومية القيم وخصوصية آليات تطبيقها لتتلاءم مع ظروف وطبيعة كل مجتمع، أو ربما العكس: خصوصية “تأويل” القيم وعمومية الآليات في رأي آخرين.

وتقدم الأدبيات المتعلقة بأسلوب الحكم والإدارة الجيد العديد من الأمثلة لممارسات محلية جيدة تتمثل فيما يعرف بـBest Practices والآليات المستخدمة فيها لمكافحة الفساد والحد من انتشاره، كما أنها تحتوي على أدلة أو إرشادات للمواطنين عن الخطوات التي يجب أن يتخذوها لدعم أجهزة الرقابة وأساليب الشفافية والعلانية والمشاركة الفعالة في إدارة شئون مجتمعهم عبر “الحضور” الدائم اليومي في متابعة السياسات والتعبير عن مصالحهم.

وفي النهاية يمكن القول: إن المفاهيم النظرية بمثابة العدسات التي تقوي النظر إذا لم تساعد الباحث على فهم الظاهرة بطريقة أوضح، والتعامل معها بكفاءة وفعالية؛ فحينئذ لا تكون نافعة، وهذا في التحليل الأخير معيار تقويمها.


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الفكر السياسي اليوناني

المفكر اليوناني “أفلاطون”

ولد أفلاطون من عائله ارستقراطيه في أثينا ، وتثقف كأحسن ما يتثقف به أبناء الطبقة الراقية ، وأظهر ميلاً نحو الرياضيات وأخذ الحكمة عن فيثاغورث, ثم تأثر أفلاطون بفكر أستاذه سقراط وفلسفته إلى درجة يصعب معها الفصل بين أفكار أفلاطون و أفكار أستاذه سقراط.

نشأه الدولة عند أفلاطون :

يرى أفلاطون أن الدولة قد نشأت نتيجة لتباين حاجات الناس ورغباتهم, وعجز الفرد عن سد حاجاته بنفسه , مما يستوجب تعاون الأفراد فيما بينهم لإشباع هذه الحاجات، ونتيجة لهذا التعاون تنشأ الدولة لإشباع حاجات الناس الاقتصادية وتنظيم تبادل الخدمات فيما بينهم, وبذلك يكون أفلاطون قد استبعد فكره السلطة والقوه في نشوء الدولة.

تقسيم العمل عند أفلاطون :

تبنى أفلاطون مبدأ تقسيم العمل وذلك لتفاوت قدرات البشر ومواهبهم , وأن إنتاج الفرد يكون أكثر جودة حين يعمل عملاً يتفق مع استعداده الطبيعي.

وحاول أفلاطون تقسيم النفس البشرية وقدرات البشر إلي فئات اعتمادا على أسس فلسفية وأخلاقية , وتوصل إلى تقسيم الأنفس إلى ثلاثة أنواع هي :

1- النفس العاقلة ومركزها العقل وتختص بفضيلة الحكمة.
2- النفس الغضبية ومركزها الصدر والقلب وتختص بفضيلة الشجاعة.
3- النفس الشهوانية ومركزها أسفل البطن وتختص بفضيلة العفة.

أما الفضيلة الرابعة وهي العدالة فتتحقق بتقسيم هذه الأنفس التقسيم الصحيح وضمان التوازن بينها وعدم تدخل طبقه في شؤون الطبقة الأخرى.

وتوصل أفلاطون إلى تحديد ثلاث وظائف هامه للدولة يجب تأديتها هي :

1- حكم الدولة.
2- حماية الدولة.
3- إشباع الحاجات وتبادل الخدمات.

وحاول أفلاطون الربط بين وظائف الدولة وطبقات المجتمع فقسم المجتمع إلى ثلاث طبقات هي :

1- الطبقة الأولى :
طبقة الحكام الفلاسفة وتوكل لهم مهمة إدارة الحكم لأنهم يتمتعون بالحكمة .

2- الطبقة الثانية :
طبقة المحاربين ،ومهمتهم حماية الدولة و الدفاع عنها .

3- الطبقة الثالثة :
طبقة أصحاب الحِرف ( الصناع و التجار والزراع ) .

فكرة العدالة عند أفلاطون :

وهي تعني أن يجد كل فرد الدور الذي يؤديه وفقاً لاستعداده الطبيعي ، وتتحقق فكرة العدالة عنده من خلال التزام كل فرد حدود الطبقة التي ينتمي إليها تبعاً لطبيعته وتكوينه .

نظام التعليم :

تنطلق نظرية أفلاطون في التعليم من فكرة أن ” الفضيلة هي المعرفة ” , ويرى أن التعليم هو الوسيلة الإيجابية التي يستطيع الحاكم بواسطتها تكييف الطبيعة البشرية وتوجيهها نحو تحقيق مصلحة الفرد والمجتمع وتحقيق الدولة المتجانسة .

النظام الإجتماعي :

اقترح أفلاطون فكرتين في النظام الاجتماعي لاستبعاد تأثير العوامل المحيطة على سمو العقل وأداء الطبقة الحاكمة لمهامها ، وهما :
1- تحريم الملكية الخاصة على الحكام , لكي لا ينشغلوا بملكيتهم عن أداء وظيفتهم .
2- إلغاء الزواج الفردي الدائم .
ولم يمانع في احتفاظ الطبقة الثالثة (الزراع والصناع) بأسرهم وعائلاتهم .

نظام الحكم عند أفلاطون:

1- كتاب الجمهورية :تدور هذه التأملات حول فكرة الجمهورية الفاضلة ، وتوصل أفلاطون في نظرته المثالية تلك إلى ضرورة إخضاع كل شي في الدولة لشخص الحاكم الفيلسوف .

2- في كتابه السياسي :

توصل إلى أن فكرة الحاكم الفيلسوف التي طرحها في كتابه الجمهورية صعبة المنال إن لم تكن مستحيلة , وسار نحو التمييز بين الحاكم المثالي الفيلسوف وبين رجل الدولة السياسي وتوصل إلى ضرورة وجود القوانين لمساعدة السياسي في الحكم .

3- في كتابه القوانين :

تراجع أفلاطون عن بعض آرائه السابقة في الجمهورية بخصوص حكم الفلاسفة وشيوعية النساء والملكية , وقال : بأنه من المستحيل وجود نظام حكم مثالي لأفراد ليسوا مثاليين , ولذلك اقترح نظاماً يقوم على القانون لمجابهة الحياة الواقعية . وتوصل أفلاطون في كتابه هذا إلى فكرة الدولة المختلطة التي تقوم على التوازن بين طبقات المجتمع ، وتستند علي أساس دستوري قانوني وذلك شريطة أن تضع أحكام هذا الدستور جمهرة من الفلاسفة .

المفكر اليوناني ” أرسطو”

ولد أرسطو في مدينة ( ستاجيرا المقدونية) وهاجر إلى أثينا ليدرس الفلسفة على يد أفلاطون وقد تأثر بفلسفته ، وشغل عدة مناصب ، كان أهمها هو قيامه بتعليم الاسكندر المقدوني (الاسكندر الأكبر) ، و بعدها افتتح مدرسة خاصة به في أثينا , ولكنه اضطر لترك أثينا بعد موت الاسكندر الأكبر نتيجة النقمة على المقدونيين .

منهجه:

انتقل أرسطو من أسلوب المحاورات المعروفة لدى أفلاطون إلى أسلوب المحاضرات المعروفة بدقتها وشكلها الأدبي, وقد اتسم منهج أرسطو في البحث بالواقعية و معالجة العلوم الإنسانية من خلال الاعتماد علي الملاحظة العملية الدقيقة و استخلاص النتائج ، وهو ما يعني أنه قد أتجه إلي الواقع .

نظرته للمجتمع واصل الدولة:

تمثل العائلة في نظر أرسطو الخلية الأولى في بناء المجتمع ، وأنها وجدت لإشبــاع حاجات الإنسان الجنسية ورغبته في حفظ النوع , وتكونت الدولة من العائلة التي تجمعت لتشكل القرية ,ومن تجمع عده قرى أنشئت المدينة,والتي من تجمعها وجدت الدولة.

الطبقــات الاجتمــاعية:

اعتبر أرسطو أن وجود الثروة والملكية شرطاً أساسياً للحياة الاجتماعية والسياسية , ورفض نظرية أفلاطون في شيوعية الملكية, ولذلك فهو يدعو إلى الاعتدال في توزيع الثروة ويطالب بتحقيق العدل الاجتماعي.

وقد حاول أرسطو تقسيم الطبقات في المجتمع ,وقال بأن طبقة المواطنين التي هي تمتاز بالتشريف السياسي وهي القادرة على الحكم وتقبل حكم غيرها, أما الطبقة العاملة والحرفية فهي غير مؤهلــة للاشتراك في الحكم وان الطبيعة قد أهلتها لتلقي الأوامر والطاعة فقط.

وظائف الدولة:
يرى أرسطو بأن الهدف الحقيقي للدولة يجب هو الارتقــاء بمواطنيهــا , وتعتبر الدولة في رأي أرسطو أسمى من الفرد والعائلة والمدينة لأنها تمثل الكل ،والكل أسمى من الجزء لأنه إذا فسد الكل لا يبقى الجزء.

تقسيمه للحكومات:

ميز أرسطو الدولة التي هي في نظره تتكون من مجموع المواطنين وبين الحكومة التي تتكون ممن يتولون سلطة إصدار الأوامر في الدولة,وقسم أرسطو الحكومة إلى ثلاث سلطات رئيسيه هي: التشريعية ، التنفيذية ، و القضائية.

وقد اعتمد أرسطو على معيارين أساسيين في تقسيمه لأنواع الحكومات وهما:
1- معيار العدد.
2- معيار الهدف.

وبناء على هذين المعيارين ميز أرسطو بين ستة أنواع من الحكومات:

1- الحكومة الملكية : وهي حكومة فرد يسعى لتحقيق المصلحة العامة.
2- حكومة الطغيــان(الاستبدادية) : يحكمها فرد وتسعى لتحقيق مصلحة خاصة.
3- الحكومة الارستقراطية : وتكون السلطة بيد أقلية خيرة تهدف لمصلحة عامة.
4- الحكومة الأوليجاركية : تكون السلطة لأقلية تهتم بمصالحها الخاصة وتكون المنفعة للأغنياء.
5- الحكومة الجمهورية( الديموقراطية): تحكم الأكثرية للمصلحة العامة.
6- الحكومة الديماغوجية: تكون السلطة العامة للفقراء (الأكثرية ) ، ويسعون لتحقيق مصالحهم .

الحكومة والدولة الفاضلة:

توصل أرسطو الى أن هذه الحكومة يجب أن تكون مناسبة للظروف التي تعيش فيها, وأن الحكومة التي تنجح في ظروف معينة قد لا تصادف نفس النجاح في ظروف مغايرة.
وقد فضل أرسطو الحكومة الدستورية لأنها تتميز بمجموعة من الصفات التي تجعلها أفضل من غيرها من الحكومات ، نوجزها فيما يلي :
1- أنها حكومة تستهدف الصالح العام.
2- أنها حكومة قامت لهدف أخلاقي.
3- أنها تعتمد على القواعد القانونية العامة التي تتناسب مع العادات.
4- أنها تقوم على مبدأ الاكتفاء الذاتي وتعاون جميع الأفراد.
5- أنها تقوم على اقتناع الأفراد بها وموافقتهم عليها.
الاستقرار السياسي والثورة:
آمن أرسطو بأن توزيع الثروة العادل في المجتمع من الأمور الأساسية لضمان الاستقرار السياسي وذلك من خلال وجود طبقة وسطى كبيرة.

خصائص الفكر السياسي اليوناني:

1- تميز الفكر السياسي اليوناني بأنه كان باستمرار تابعاً للفلسفة.
2- يجعل الفكر السياسي اليوناني غايته الوحيدة بناء المدينة الفاضلة.
3- مال الفكر السياسي اليوناني في معظم حالاته إلى الاتجاه الخيالي والابتعاد عن الواقعية.


Merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii

شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

مهام وصلاحيات رئيس المجلس الشعبي الولائي

: رئيس المجلس الشعبي الولائي كيفية انتخابه و صلاحياته

ينتخب المجلس الشعبي الولائي من بين أعضاءه رئيسا و ذلك بإعتماد أسلوب الاقتراع السري و بالأغلبية المطلقة ، و إذا لم يحصل أي مترشح على الأغلبية المطلقة في الدور الأول تجري انتخابات في دورة ثانية يكتفي فيها بالإغلبية النسبية ، و في حالة تساوي الأصوات تسند رئاسة المجلس لأكبر المترشحين سنا و تكون الرئاسة لكامل الفترة الانتخابية (1) و بعد انتخابه يتولى رئيس المجلس الشعبي الولائي اختيار مساعدا له أو أكثر من بين المنتخبين و يقدمهم للمجلس الشعبي للموافقة عليهم ، ويعين الرئيس في حالة تعدد النواب أحد المساعدين لإنابته في حالة غيابه ، و في حالة حصول مانع للمساعد أو للمساعدين يعين المجلس من بين أعضاءه من يتولى مهام الرئاسة (2) أما عن صلاحيات رئيس المجلس الشعبي الولائي فهي كثيرة نذكر منها :

1- يتولى رئيس المجلس إرسال الإستدعاءات للأعضاء مرفقة بجدول الأعمال وشعر الوالي بذلك.

2- يتولى إدارة المناقشات .

3- يقترح مكتب المجلس و يقدمه للمجلس للإنتخابه .

4- يطلع أعضاء المجلس بالوضعية المالية العامة للولاية.

وبهدف القيام بمهامه على أفضل وجه فرض المشرع بموجب المادة 32 من قانون الولاية أن يتفرغ رئيس المجلس ولا يباشر أي مهمة أخرى ، وتمكنه بالمقابل من أن يتلقى تعويضا عن ذلك وهذا ما نصت عليه المادة 33 كما فرض القانون على الوالي أن يضع تحت تصرف رئيس المجلس كل الوسائل المادية و الوثائق لأداء مهامه .

ويجوز لرئيس المجلس قانونا أن يقدم استقالة و يفصح عن رغبته في التخلي عن رئاسة المجلس وهذا أمام هيئة المدوالة ( المجلس الشعبي الولائي ) وفي هذه الحالة يختار المجلس رئيسا جديد له حسب الطريقة المذكورة.

الوضعية القانونية للمنتخب : طبقا للمادة 36 من قانون الولاية فإن المهمة الانتخابية داخل المجلس مجانية أي تتم دون مقابل لأنها من حيث الأصل تدخل ضمن النشاط السياسي للفرد ، وحتى يمكن المشرع أعضاء المجلس من الحضور أعتبر استدعاء المجلس بمثابة مبرر للغياب وحظر على الإدارة المستخدمة فسخ عقد العمل بسبب غياب العضو المنتخب وحضور أشغال المجلس.

وفي حالة وفاة العضو أو استقالته أو إقصاءه يستخلف بالمتر شح الوارد في نفس القائمة مباشرة بعد بعد المنتخب الأخير. ويثبت الاستخلاف بموجب مداولة من المجلس.

وحري بنا الإشارة أن هذه المادة ينبغي أن تكون محل تعديل لتضاف إليها حالة أخرى هي اختيار عضو أو عضوين من أعضاء المجلس ضمن الفئة المنتخبة في مجلس الأمة .

ويمكن للعضو داخل المجلس أن يقدم استقالته . وهنا فرض القانون طريقة واحد للاستقالة تمثلت في تقديم رسالة مضمونة مع إشعار بالوصول توجه لرئيس المجلس وتصبح نهائية ونافذة من تاريخ إستلامها ، وإلا بعد شهر من تاريخ الإرسال.

– النظام الإنتخابي (1) :

إن الحديث عن النظام الانتخابي يقتضي تسليط الصوء على ثلاثة محاور هي:الناخب و المنتخب و العملية الإنتخابية.

أ)- الناخب : نصت المدة 50 من الدستور على ” أن كل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية أن ينتخب أو أن ينتخب” ورجوعا لقانون الإنتخابات نجده قد حدد في نص مادته الخامسة شروط الإنتخاب وهي :

1- الجنسية : يعد ناخب كل جزائري وجزائرية دون تفرق في الجنس.

2- السن 18 سنة يوم الاقتراع وهي سن أقل من سن الرشدالمحدد في المادة 40 من القانون المدني ولعل الحكمة التي أراد المشرع تحقيقها من خلال هذا التخفيض هو ضمن مشاركة أوسع لهيئة الناخبين .

3- التمتع بالحقوق المدنية و السياسية وهذا شرط بديهي.؟

4- عدم وجود الناخبين في حالة من حالات التنافي.

5- التسجيل في القائمة الإنتخابية.

ب)- المنتخب : يجب من حيث الأصل أن تتوفر في المرشح لعصوية المجلس الشعبي الولائي جميع الشروط الناخب أولا وتضاف إليها الشروط الخاصة بالعضوية وعلى العموم فإن الترشح لنيل عضوية المجلس يمكن إجمالها في :

1- الجنسية وهي شرط عام ينطبق على الناخب و المنتخب.

2- التمتع بالحقوق المدنية و السياسية وهو شرط عام أيضا .

3- السن 25 سنة وكانت في ضوء القانون القديم 23 سنة

4- أن لا يكون المرشح في حالة من حالات التنافي أي أن لا يكون منتميا لإحدى الطوائف المبعدة من حق الترشح.

ج)- العملية الإنتخابية : تتضمن العملية الإنتخابية مجموع من الإجراءات و الأعمال التي فرصها المشرع من خلال قانون الإنتخابات بدءا بإعداد القوائم الإنتخابية ومراجعتها إلى غاية الفرز وإعلان النتائج وما تثيره هذه العملية من منازعات.

القائمة الإنتخابية: وتتم مراجعتها سنويا بصفة منتظمة ودائمة خلال الثلاثي الأخير من كل سنة بأمر من رئيس المجلس الشعبي البلدي وينشر إشعار بهذا الشأن ويشرف على المراجعة لجنة تتكون من :

– قاصي يعينه رئيس المجلس القضائي المختص رئيسا.

– رئيس رئيس المجلس الشعبي البلدي عضوا.

– ممثل عن الوالي .

*استدعاء هيئة الناخبين : طبقا للمادة 29 من قانون الانتخابات تستدعي الهيئة الانتخابية بمرسوم رئاسي في غضون الأشهر الثلاثة التي تسبق تاريخ إجراء الانتخابات.

* مدة الاقتراع : يدوم الاقتراع يوما واحد يحدد بمرسوم رئاسي غير أنه يمكن لوزير الداخلية بطلب من الولاة أن يرخص لهم بتقديم افتتاح الاقتراع بـ72 ساعة على الأكثر في البلديات التي يتعذر فيه إجراء الاقتراع في يوم واحد.

*مميزات الاقتراع : يتميز الاقتراع بمجموعة مواصفات :

– العمومية : فهو عام لا يمس جنسا دون آخر أو فئة دون أخرى .

– السرية : لا يتم التعبير من قبل الناخب علنا بل بصفة سرية ولقد عمل القانون على تجسيد هذا المبدأ بتوفير وسائل السرية وهي : المظروف و المعزل .

– الشخصية : إن التعبير عن الإرادة في مجال الانتخابات يتم من حيث الاصل بصفة شخصية غير أن المشرع أجاز استعمال نظام الوكالة في مواصع معينة نصت عليها المادة 62 من قانون الانتخاب وهي:

– المرضى الموجودون في المستشفيات.

-العجزة وذوي العطب

-العمال الذين يعملون خارج ولايتهم .

-الموجودون مؤقتا في الخارج

ومن الطبيعي أن يكون الوكيل ناخبا وأن لا يكون حائزا لأكثر من وكالة هذا مع ملاحظة أنه وطبقا لقرار المجلس الدستور لايجوز لأحد الزوجين أم يوكل الآخر وتتم الوكالة بعقد أمام اللجنة الإدارية المذكورة سابقا.

* الفــرز : ويتمثل في عملية حساب الأصوات وهي مرحلة في غاية من الخطورة لذا يجب ضبطها بشكل دقيق لضمان نزاهة العملية الإنتخابية فمن حيث الزمان يجب أن يتم الفرز كما نصت المادة 53 من قانون الانتخابات فورا أي فور نهاية اختتام الاقتراع وتتواصل دون انقطاع حتى نهاية الفرز ومن حيث المكان يتم الفرز في مكاتب التصويت ومن حيث الشكل يتم علنا أي بحصور الناخبين ويتولى الفرز الناخبون أنفسهم بعد اختيارهم من قبل أعصاء مكتب التصويت .

* إعلان النتائـج : تشرف إعلان النتائج النهائية لجنة ولائية تتكون من ثلاثة قضاة يعينهم وزير العدل وتجتمع بمقر مجلس القضاة أو المحكمة.

Sessions ثانيا: الدورات

يعقد المجلس الشعبي الولائي (م.ش.و) دورات عادية ودورات إستثنائية

أ)- الدورات العادية : يعقد المجلس أربعة (04) دورات عادية في السنة مدة الواحدة 15 يوما ، يمكن تمديدها إلى 07 أيام أخرى .

وقد نص قانون الولاية على ضرورة إجرائها في تواريخ محددة ، وإلا عدت باطلة ، وهي أشهر : مارس ، جوان ، سبتمبر ، وديسمبر .

كما يشترط القانون أن يوجه الرئيس الإستدعاءات لإعضاء المجلس قبل 10 أيام من تاريخ إنعقاد الدورة مرفقة بجدول الأعمال .

ب)- الدورات الإستثنائية : يمكن للمجلس ، عندما تقتضي الحاجة إلى ذلك أن يعقد دورات استثنائية ( غير عادية ) سواء بطلب من رئيس المجلس الشعبي الولائي أو ثلث (1/3) أعضاء المجلس ،أو الوالي .

وإذا كان قانون الولاية قد نص في المادة 14 منه على أن يوجه الرئيس الإستدعاءات لعقد الدورة الإستثنائية قبل 5 أيام ، إلا أنه لم يحدد مدتها .

: (1) Délibérations ثالثا: المداولات

يجري المجلس الشعبي الولائي خلال دوراته ، مداولات تنصب على إحدى صلاحياته وتخضع كماهو الشأن بالنسبة للبلدية ( سابقا، فقرة 183) إلى القواعد الأساسية التالية :

أ)- العلانية : القاعدة العامة أن تكون مداولات المجلس علانية ضمانا للرقابة الشعبية ، إلا في حالتين :

– فحص الحالة الانضباطية للمنتخبين الولائيين،

– فحص المسائل المرتبطة بالأمن و النظام العام

ب)-التصويت : تتم المصادقة على المداولات بالأغلبية المطلقة للأعضاء الممارسين مع ترجيح صوت الرئيس عند التساوي وفقا لماورد بالمادة 47 من قانون الولاية.

: Commissions رابعا : اللجان

على غرار ماهو سائد في التنظيم البلدي (سابقا ، فقرة 169 ) خول قانون الولاية للمجلس الشعبي الولائي تشكيل لجان متخصصة لدراسة المسائل التي تهم الولاية سواء كانت مؤقتة أو دائمة ، خاصة في المجالات :

الإقتصاد و المالية ، التهيئة العمرانية و التجهيز و الشؤون الإجتماعية و الثقافية .

ويجب أن تراعى في تشكيل اللجنة التناسب مع المكونات السياسية للمجلس كما يمكن للجنة أن تستعين بأي شخص من شأنه تقديم معلومات مفيدة.

– الفرع الثالث : الإختصاصات

لقد تأثر قانون الولاية رقم 90-09 بالأسس و المبادئ الواردة في دستور 1989 وهو ما يتجلى من خلال تحديد صلاحيات واختصاصات المجلس الشعبي الولائي ، وذلك بعد التخلي – مذهبيا – عن الإختيار الإشتراكي الذي كان يكرسه دستور 1976 .

وعلى كل ، فإن اختصاصات المجلس الشعبي الولائي تشمل جميع أعمال التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية وتهيئة إقليم الولاية وحماية البيئة .

فللمجلس أن يتداول في المجالات التالية :

أ)- الفلاحة و الري :

توسيع و ترقية الفلاحة ، الوقاية من الآفات الإجتماعية ، التشجير وحماية البيئة و الغابات، الصحة الحيوانية ، المياه الصالحة للشرب وتطهير المياه .

ب)- الهياكل الأساسية الاقتصادية :

وذلك بالقيام بالأعمال والأنشطة التالية : تهيئة طرق الولاية وصيانتها وتصنيفها،ترقية هياكل الاستقبال الأنشطة ، الإنارة الريفية وفك العزلة .

ج)- التجهيزات التربوية و التكوينية :

حيث تتولى الولاية إنجاز وصيانة مؤسسات التعليم : الثانوي و التقني و التكوين المهني .

د)- النشاط الاجتماعي و الثقافي :

حيث يقوم المجلس بعدة أعمال في هذا المجال ، و المتمثلة أساسا فيمايلي : التشغيل (وخاصة بالنسبة للشباب) ، إنجاز هياكل الصحة العمومية ، القيام بأعمال الوقاية الصحية ، مساعدة الفئات الإجتماعية المحتاجة إلى رعاية ( المعوقين و المسنين ) ، إنشاء المؤسسات الثقافية والرياضية وبعث وتنمية التراث الثقافي والسياحي بالولاية.

هـ)- السكن : إذ يساهم المجلس ويشجع إنشاء مؤسسات البناء و التعاونيات العقارية .

إن نظرة فاحصة لاختصاصات وصلاحيات المجلس الشعبي الولائي، تسمح بإبداء الملاحظات الأساسية التالية :

1- يمكن للمجلس أن يتداول في أية قضية تهم الولاية ، تتصل بإحدى المجالات السابقة ، باقتراح من : ثلث (1/3) من أعضاء المجلس أو الرئيس أو الوالي ، كما تشير المادة 55 من قانون الولاية .

2- يشكل المجلس الشعبي الولائي هيئة اتصال بين الإدارة المركزية و الإدارة المحلية ذلك أن المادة 56 من قانون الولاية تنص على مايلي : (( يقدم المجلس الشعبي الولائي الآراء التي تقتضيها القوانين و التنظيمات ، كما يمكنه زيادة على ذلك أن يقدم الاقتراحات أو الملاحظات الخاصة بشؤون الولاية والتي يرسلها الوالي للوزير المختص مرفقة برأيه في آجل أقصاه 30 يوما )) .

3- يتميز تدخل الولاية بالطابع المكمل لوظيفة البلدية ، ذلك أن العديد من أحكام قانون الولاية المتعلقة باختصاصات المجلس الشعبي للولاية تنص عل أن تدخل المجلس الشعبي الولائي يكون في حالة تجاوز النشاط للإطار الإقليمي للبلديات أو لقدراتها (1) ، كما لها أن تتدخل تنسيقا وتشاورا مع البلديات أو دعما لها

منـــقول للافـــــــــــادة



aboubaker aboubaker aboubaker

شكراااااااااااا

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

مجموعة من الدروس في العلوم السياسية

المحاضرة الأولى:
http://videos.najah.edu/node/1298
المحاضرة الثانية:
http://videos.najah.edu/node/1322

المحاضرة الثالثة:
http://videos.najah.edu/node/1334
المحاضرة الرابعة:
http://videos.najah.edu/node/1356

لمحاضرة الخامسة:
http://videos.najah.edu/node/1575
المحاضرة السادسة:
http://videos.najah.edu/node/1427

المحاضرة السابعة:
http://videos.najah.edu/node/1450
المحاضرة الثامنة:
http://videos.najah.edu/node/1457

المحاضرة التاسعة:
http://videos.najah.edu/node/1457
المحاضرة العاشرة:
http://videos.najah.edu/node/1515

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الشيوعية

الشيوعية:

المقصود بالشيوعية: هي الشيوع (الانتشار) اي لا اعتبار للملكية الفردية وانما يشاع الامر بين الناس..

يجدر الاشاره ان المذهب الشيوعي والاشتراكي هما مذهب واحد يتلخص كل منه بشعاراته حيث ان النظام الاشتراكي يتلخص “انه لكل عمله ولكل حسب جهده ” .. اما النظام الشيوعي فان”لكل عمله ولكل حسب حاجته “..
الشيوعية مرحلة تاريخية الحقت بالاشتراكية وهي الاخرى التى قامت على الغاء الملكية الفردية وجعلها ثروة مشتركة بين الناس وتقسم بالتساوي وبذلك يمنع الفرد من ان يمتلك الزائد عن حاجته…
أجدر بالذكر ان الشيوعية كمبدأها فهي قائمه على نفي الدين أي نفي مبدأ الحياة المنطقية فعند محاربة مبدأ منطقي في الحياة فانهم يصلون الى مرحلة الكفر والجحود فاعتبار مؤيدين الفكر الشيوعي واعضاء هذا المذهب قد وصلوا لهذه المرحلة شيء مسترسل فقد كفروا بقوانين الهية واحكام سماوية وضعها الرب جلا علاه لحكمة ولاسباب تكمن لاعمار الارض والانتاج واتمام الحياة حيث ان اعتقاداتهم وافكارهم كانت تنافي هذا الحكمة فكانت شعاراتهم تتلخص في جعل الناس جميعا سواسية في الملك والقوة وهذا شيء ينافي حكمة الخلق والحياة فأردت ان اوضح رأيي فوصلت الى انه هل باستطاعت هؤلاء البشر وضع ما هو أفضل او انسب مما وضعه العلي القدير رب العالمين …..؟ والعياذ بالله بالتأكيد لا.

وارجع الى ما بدأت به اذا فهم نفوا الدين وأبطلوه بمبدأ ان الدين مخدر الشعوب ومسيطر العقول والارادات ولذلك أعلنوا الالحاد الصريح ونفي وجود الخالق

وأصل هذا المذهب انما هو من وضع اليهود الذين أرادوا به ابطال الاديان والسيطرة على الناس بنزعهم من أي عقيدة ينتمون اليها..

شيوعية المرأة؟ام شيوعية الرجل؟

أردت استوضاح معنى الشيوعية اللغوي بطريقة اخرى لتصل الفكرة بطريقة اسهل ولأضع طابع التنوع والتغيير في بحثي او موضوعي.

اذا اريد الاشارة اولا الى تفسير مصطلح من موضوعنا وهو زواج الضمد ….زواج الضمد : اشتراك مجموعة رجال في امراة واحدة حيث الذى يتطلب بهذا النوع من الزواج هو الرجال واسياد بعض القبائل بسبب الحاجة وقلة الموارد البشرية من النساء وازدياد في أعداد الموارد البشرية من الرجال وتراجع في أعداد النساء..

كانت النساء العربيات يتزوجن في الجاهلية زواج الضمد بحيث تنكح المرأة أكثر من رجل واحد أي (اشتراك مجموعة رجال في امرأة وحدة’) وللعلم فان هذا النوع من الزواج ليس متطلبا نسويا بل كان متطلبا ذكوريا…فأصل هذا الزواج كان بدافع رغبة الرجال وليس من منطلق رغبة النساء به حتى انه علميا ليس للمرأة رغبة بتعدد الازواج بقدر رغبة الرجل .
أود تقسيم أسباب هذا الزواج الى قسمين او سببين حتى توضح الفكرة[COLOR=”royalblue”

أولا:ظروف واسباب اقتصادية:

وهي انه كمان اوضحت سابقا أنه في الجاهلية كان رجال القبيلة من شدة الفقر يشتركون بكل شيء حتى في المرأءة وهنا نقول ان شيوعية المراءة ان صح التعبير والذي برأيي أن معنى هذا المصطلح أساسا هو عكس ما تتوقع وهو شيوعية الرجل خلقت كمتطلب اقتصادي وهنا نصل لنقطة مهمة ان وأد البنات هو نظام ظهر قبل نظام الزواج الغمد حيث كان الأباء تأد بناتها وتقتلهم ليس بدافع الدفاع عن الشرف بل بسبب أن البنت الصغيرة والتى لم يكن يجد العرب لها غذاءا كانوا يقتلونها ويبقون الذكور يكبر الذكور ولا يجدون نساء تكفيهم فأين وصلنا….؟ لفكرة قبول اشتراك اكثر من رجل واحد في امرأءه واحدة.

ثانيا:ظروف واسباب بيولوجية:

ومنعا للاطالة نجد ان الانسان في العصور الحجرية وما قبلها لم يكن يعلم ان جماعه ونكاحه مع النساء ينجب الاولاد بل كان يؤدي دوره الجنسي كما يؤديه اي بهيمة لذلك فان شيوعية النساء عندهم أمر طبيعي وليس مخجلا او عيبا ..

كارل ماركس
(1818-1883)

اردت استجماع المعلومات واستكمالها بالتحدث قليلا عن كارل ماركس مؤسس الفلسفة الماركسية والمنظر الرسمي الاساسي للفكر الشيوعي هو مع صديقه فريدريك انجلز
كان ماركس فيلسوف الماني يهودي الاصل واتبع البروستاتيه بعد ذلك . اكتسب شهرته العالمية حيث ألف نظريته المتعلقة بالرأسمالية وتعارضه مع مبدأ أجور العمال أوصله ذلك الى شهرته والجدير بالذكر انه منذ أن جمع المصير ب ماركس وانجلز حتى اصبح عمل حياة الصديقين عملا مشتركا.
درس ماركس القانون بالوقت الذي كان يملك فيه الحس الفلسفي والاهتمام بالفلسفة التى ابرع بها .وقام بتقديم رسالة الدكتورة في الفلسفة وحاز عليها عام 1840 .

كانت بداياته بكتابة المقالات في المجلات والصحائف حيث كانت تتسم مقالاته بالنقد لوضع السياسة والاوضاع الاجتماعية المتردية المعاصرة فهو صاحب مقولة”الدين افيون الشعوب لان الدين لا يشجع الفكر الحر الذي ينتج بل يبقيهم كالمخدرين دون طموح للتقدم والتغيير”

انتقل ماركس من المانيا الى باريس وهناك دأب على قرأة الفلسفة والتاريخ والعلوم السياسية وتبنى الفكر الشيوعي.

نبذة مختصرة عن الحزب الشيوعي في لبنان:

أسس الحزب الشيوعي اللبناني رسميا في 24 تشرين الاول (اكتوبر)1924 تم تأسيسه في بلدة الحدث من ضواحي بيروت الجنوبية حيث تأثر أصحاب المهن الحرة وكتابا وصحافيين والذين استمدوا من شعارات الثورة الفرنسية في الحرية والعدالة و الاخاء ومما تمكنوا من الاطلاع عليه من كتابات ماركس وانجلز وغيرها ومتأثرين بوهج الثورة الروسية .

الحزب الشيوعي اللبناني هو أقدم حزب في لبنان وهو يتميز بأنه يصف في صفوفه مناضلين من مختلف الطوائف اللبنانية ..ومن الاقليات القومية الموجودة في لبنان ولاسيمه أكبرها (الأقلية الارمنية) وهي تنتشر في كل المناطق والمدن اللبنانية. على خلاف نشوء احزاب شيوعية أخرى في المناطق وخارجها نشأ الحزر دون اي تدخل خارجي مباشر بل تطور داخلي هادىء وطويل نسبيا تلبية لطموحات عناصر متقدمة الوعي من العمال والمثقفين. ومن ابرز رئساء الحزب الشيوعي اللبناني :(فرج الله الحلو) الذى انتخب 1944 …. وفي عام 1969 في سوريا احرق فرج الله الحلو بالاسيد بعد قرار سوري مصري للقضاء على قادة الحركة الشيوعية.

نبذة مختصرة عن الحركة الشيوعية في الجزائر:

ظهرت اولى تشكيلات الحركة الشيوعية في الجزائر عام 1926 اثر تأسس حزب نجم شمال افريقيا وكان مؤسسه الأب الروحي للحركة الوطنية في الجزائر مصالحي الحاج .

نشأ الحزب الشيوعي الجزاثري في (يناير) كانون الثاني 1966 والذي كان امتداده صريحا للحزب الشيوعي الفرنسي واهتم بشكل كبير بالأدب وخاصة المسرح والرواية فظهر الكتاب والصحفيين حاملين الفكر اليساري وبذلك انتشرت هذا الفكر ليقتحم الثقافة الجزائرية.

أصول الحزب الشيوعي في الجزائر متعدد الوجهات حيث فيه من لهم أصول امازيغية بربرية وقدم من أسر ثرية على غرار محمد بن شيكو والطاهر جاووت وأخريين أتو من الطبقة الكادحة و أسر مغرقة في الفقر والضياع على غرار الراحل يوسف سبتي جيلالي يابس والرفيقة لويزة حنون .

ومايجدر بالذكر انه ظل الحزب الشيوعي الجزائري على صلة وثيقة بالحزب الشيوعي الفرنسي مماجعله رهينة للطروحات اليسارية وأبعده اكثر عن الاهتمام بالقضايا الجوهرية للشعب الجزائري وقد أثر عليه في الارتباط اذ أصبح يأخد بتوجيهات موريس توريز زعيم الشيوعيين الفرنسيين ولذلك لم يتعاطف مع الجزائريين أثناء مجازر 1945 بل واكثر من ذلك اعتبر الجزائريين فاشيين ونازيين ووقف الحزب ضد الحركة الوطنية في اغلب المواقف اذ رفض الانضمام الى حركة أحباب البيان سنة 1944 وواصل تتصدى لمطالب الشعب الجزائري حتى اندلاع الثورة التحريرية اذ اعتبرها عملية انتحارية وان الدولة الجزائرية مازالت في طور التكوين.


[/COLOR]


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الأزمة الاقتصادية أسبابها و تأثيراتها

أهم عوامل وأسباب الأزمة

يمكن القول بان نمو الفوائض المالية في العالم نتيجة عدة عوامل أهمها زيادة غير مسبوقة بأسعار النفط وتحقيق بعض بلدان العالم لمعدلات نمو كبيرة أدى إلى زيادة في الإيداعات في المصارف العالمية ، وفي الولايات المتحدة عززت بعض الظروف السياسية اتخاذ قرارات باتجاه خفض الفوائد على الإقراض هذه الأمور مجتمعة أدت إلى توفر ما يمكن تسميته بـ “المال السهل”. هذا المال الذي ذهب كتلة كبيرة منه باتجاه القروض العقارية ذات التصنيف الائتماني المنخفض ، أي القروض التي أعطيت بضمانات غير كافية ، أدت إلى نشوء طفرة في القطاع السكني وارتفاع أسعار العقارات

والسبب الرئيسي للازمة كما يرى الدكتور فؤاد شاكر رئيس اتحاد المصارف العربية هو التوسع الكبير في القروض العقارية في السوق الأمريكي اعتمادا على الارتفاع الكبير في أسعار العقارات. لكن مع تراجع النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة تراجعت أسعار العقارات من جهة، وتوقف مقترضون عن سداد ديونهم للبنوك مع زيادة البطالة من جهة أخرى ، وبالتالي وجدت البنوك أنها لا تستطيع بيع العقارات لاسترداد قيمة القروض لان قيمة هذه العقارات، ببساطة، أصبحت اقل كثيرا من قيمة القروض. والنتيجة، حسب وصفه، ان فقاعة القروض العقارية قد انفجرت.

ويضيف الدكتور إبراهيم البدوي الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي ، ان المؤسسات المالية تشتري سندات مالية securities بضمان الديون العقارية، وهذه السندات المالية يتم إعادة إنتاجها وإعادة بيعها في السوق الموازية Secondary market عدة مرات طالما ان هناك من يشتريها، بمعنى آخر يتم تداول القروض العقارية في الأسواق دون رقابة ودون ضوابط. صحيح ان تدوير رؤوس الأموال يؤدي إلى خلق فرص تمويلية جديدة ، لكنه أيضا يحمل مخاطر كبيرة ، خاصة وان جانبا كبيرا من هذه القروض العقارية تصبح بلا ضمان إذا انهارت أسعار العقارات ، وهو ما حدث.
جذور الأزمة ، تطورات التمويل العقاري

شهدت نظم التمويل العقاري تغيرات كبيرة في العديد من الاقتصادات المتقدمة. فحتى الثمانينيات، خضعت أسواق الرهن العقاري لدرجة عالية من التنظيم، وكان الائتمان العقاري يخضع لسيطرة جهات الإقراض المتخصصة التي واجهت قدرا محدودا من التنافس في الأسواق المجزأة . وقد وضعت القواعد التنظيمية حدودا قصوى لأسعار الفائدة وحدودا للقروض العقارية وفترات السداد. وأسفرت هذه القواعد التنظيمية عن ترشيد استخدام الائتمان في أسواق الرهن العقاري .

ومع تحرير أسواق الرهن العقاري الذي بدأ في أوائل الثمانينيات في العديد من الدول المتقدمة، ظهرت الضغوط التنافسية من جهات الإقراض غير التقليدية. وكانت النتيجة أن أصبحت الأسعار أكثر تفاعلا واتسع نطاق الخدمات المتاحة، مما أدى إلى زيادة فرص المستهلكين للحصول على القروض العقارية.

ففي الولايات المتحدة تزامنت عملية تحرير أسواق التمويل العقاري مع الإلغاء التدريجي للقيود على أسعار الفائدة في أوائل الثمانينيات. وفي الوقت ذاته ترتب على نشأة سوق ثانوية للرهن العقاري سهولة كبيرة في تمويل القروض العقارية عن طريق أسواق رأس المال. فأدى ذلك إلى تشجيع مجموعة كبيرة من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى على دخول سوق الرهن العقاري.
أسباب الأزمة

لقد شكل وضع شركتي فاني ماي و فريدي ماك “تحت الوصاية” خطوة غير متوقّعة في مسار أزمة الرهونات العقارية التي هي أساس العاصفة المالية القائمة. هاتان المؤسستان اللتان ترمزان إلى ضخامة الفقاعة المالية، كانتا تغطيان بمفردهما مخاطر 45 في المئة من القروض العقارية الأميركية .

كانت مهمّة مؤسّستا Fannie Mae Fannie Mae وFreddie Mac هي تأمين سيولة سوق القروض العقاريّة، من خلال تأمين هذه القروض أو عبر شرائها من المصارف. كذلك تمّ تشجيع الإقتراض نظراً لإمكانيّة خصم الفائدة على الدين العقاريّ من ضريبة الدخل. وكانت Fannie Mae وFreddie Mac تموّلان نشاطاتهما من خلال إصدار سندات معروفة باسم “سندات المنازل المضمونة عقاريّاً” (Residential Mortgage-based Securities، RMBS)، والتي لم يكن نجاحها لدى المستثمرين غريباً عن القناعة بأنّ الحكومة الأميركية كانت تضمنها، ولو دون إعلانٍ صريح.

وقد ازدادت وتيرة نموّها المتسارعة باستمرار، بالتزامن مع إلغاء القيود على المنظومة المالية. ففي العام 1990، كانت المؤسّستان تمتلكان 740 ملياراً من القروض. وقد ارتفع هذا الرقم ليبلغ 1250 مليار دولار في العام 1995، وليتخطّى 2000 ملياراً في العام 1999 ثمّ 4000 مليار في العام 2022. وعشيّة تأميمهما، كان في حوزتهما 5400 مليار دولار (3825 مليار يورو)، أي ما يعادل 45 في المئة من الرقم الشامل للقروض العقاريّة في الولايات المتحدة. من جهة أخرى، كانت الشركتان تدعمان بمفردهما 97 في المئة من السندات المُرفقة بقروض الرهن العقاري. ويمكن تفسير تسارع وتيرة النموّ بالتأثير المتزاوج للفقاعة العقاريّة بين العامين 2001 و2006 وبالتطوّرات التي تحقّقت في مجال الهندسة الماليّة.

كان مهندس هذا الانفجار العقاريّ وأحد أشدّ المؤيّدين للابتكار المالي، هو السيّد “” آلان غرينسبان “” بلا منازع، الرجل الذي أدار الخزينة الفيدرالية الأميركية (Fed) والذي أطلقت عليه الأوساط المالية، بالإجماع تقريباً، اسم “المايسترو” [2]. فتصاريحه المتعاقبة كانت تحدّد الفكر الذي سيسيطر على الدوائر الماليّة.

ففي العام 2022، اعتبر أنّه “ما من سياسة قادرة على وضع حدٍّ لتضخّم فقّاعة ماليّة”، مع استمراره بتغذية هذه الفقّاعة من خلال سياساته التي اعتمدت على خفض معدلات الفوائد.

وفي العام 2022، أكّد على أنّ “الاحتمال ضئيلٌ في حصول انخفاض قويّ في أسعار الأسواق العقاريّة في الولايات المتّحدة، نظراً إلى حجمها وتنوّعها”. ثمّ أضاف في العام 2022: “في حال انخفضت أسعار المساكن، لن يترتّب على ذلك عواقب مهمّة على الاقتصاد الكلّي”. وفي العام نفسه، اعتبر أنّ “الآليّات الماليّة الأكثر فأكثر تعقيداً قد ساهمت في تطوير نظامٍ ماليٍّ مرن، فعّال وصلب أكثر من الذي كان موجوداً منذ ربع قرن”. أمّا، في العام 2022، عشيّة انفجار الفقّاعة العقاريّة، وفي حين لم يعد ربّ عمل الخزينة الفيدرالية الأميركية، فقد اعتبر أنّه “تم بلا شكّ تجاوز أسوأ انخفاض للأسواق العقاريّة [3]”.

كان تأثير تلك التصريحات أن شجّعت الاستثمار في أسهم وسندات شركتي Fannie Mae وFreddie Mac اللّتيْن شهدتا حينها نموّاً وأرباحاً قياسيّين . غير أنّ هذا العصر الذهبيّ كان ملطّخاً بالفضائح . ففي العام 2022، اتُّهمت شركة Fannie Mae بتزوير حساباتها بهدف منح علاواتٍ أكبر لمديريها. واضطّر مدراؤها الثلاثة على الاستقالة ودفع غرامة بقيمة 100 مليون دولار. وفي العام 2022، حُكِمَ على شركة Freddie Mac بدفع 3.8 مليون دولار لممارستها الضغط بصورة غير شرعيّة لمصلحة أعضاءٍ في مجلس النواب مكلَّفين بمراقبة نشاطاتها. هكذا سمح الموقع الهجينيّ لماردي القرض الرهنيّ لهما بالانغماس إلى الآخر في لعبة خلط الطبيعة (بين المال العام والخاص). فبالرغم من مهمّتهما الإجتماعيّة – مهمّة السماح بالتملّك لأكبر عددٍ ممكنٍ من الناس – كانتا تحاولان رفع نسب أرباح المساهمين فيها وخاصّة مدرائها، إلى أقصى حدّ. وعلى سبيل المثال، كانت تصل رواتب كلٍّ من رؤساء شركتي Fannie Mae وFreddie Mac ، إلى مبلغ 70 مليون دولار سنوياً.

اكتسبت الشركتان في الواقع نفوذاً سياسياً ضخماً. وكانتا تظهران سخاءً كبيراً إزاء أعضاء الكونغرس في كلي الحزبيْن، الذين كانوا يخفّفون باستمرار من القيود القانونيّة التي كانت تخضع لها. النتيجة: أنّ انعدام الشفافيّة أصبح هو السائد، في حين أنّ المعايير الاحترازيّة المعتَمَدَة نظريّاً بدأت تتراخى بشكلٍ متنناقض ، عندما اندلعت، في آب/أغسطس 2022، الأزمة المسمّاة بـ”أزمة الرهون العقارية المخاطرة” subprime، كان من المريح التفكير بأنّ Fannie Mae وFreddie Mac ستنجوان من الإعصار. فقد كانتا تحافظان على نمّوهما، ولم تكن “الأسواق” تعير أيّ انتباهٍ إلى الشوائب في آليّة عملهما. وفي حين ارتفع عدد العائلات التي لم تعُد قادرة على تسديد قروضها بشكلٍ خطير، كانت الهيئات التنظيميّة تمنح ماردي القرض الرهنيّ تنازلات جديدة.

في 19 آذار/مارس 2022 (أي بعد ثلاثة أيام على “عمليّة الإنقاذ” في اللحظة الأخيرة لمصرف Bear Stearns)، سمحت وزارة المال، بحجة إيقاف انهيار القطاع العقاريّ وتثبيت الأسواق المالية، لـ Fannie Mae وFreddie Mac بتقليصٍ بنسبة الثلث للرساميل التي كان يفترض بها احتيازها لمواجهة التزاماتها. غباوة أو تضليل؟

ردّاً على من رأى في ذلك خطوةً نحو ضخّ أموال حكومية فيهما، قال جيمس لوكهارت، مدير الهيئة الرقابية المشرفة عليهما:

“الضخّ الحكومي لا منطق له. فتلك الشركتان في وضعٍ صحيٍّ ومتينٍ، وستبقيان كذلك”.

في النهاية، تغلّب تكدّس الخسارات على السيناريوهات المتفائلة للمحلّلين الماليّين [4]. عندها تمّ تفحّص عمل وخلل نظام القرض الرهنيّ بدقّة. وتوصّلت “الأسواق” إلى التالي:

إنّ انهيار سندات “الرهون العقارية المخاطرة” الموجودة بحوزة Fannie وFreddie، وارتفاع عدد المقترضين المفلسين، والانخفاض المستمرّ للسوق العقاريّة، والتخوّفات من حصول أزمة ركود، لهي كلّها عناصر تركّب لوحةً ذات انعكاساتٍ مقلقة.

لوموند ديبلوماتيك .
الدكتور حاز الببلاوي يبسط ويشرح المشكلة وأبعادها

تتطلب البداية أن نفهم أن هناك تفرقة أساسية بين ما يمكن أن نطلق عليه “الاقتصاد العيني أو الحقيقي” وبين “الاقتصاد المالي”.

فأما ” الاقتصاد العيني” وهو ما يتعلق بالأصول العينية ، فهو يتناول كل الموارد الحقيقية التي تشبع الحاجات بطريق مباشر (السلع الاستهلاكية) أو بطريق غير مباشر (السلع الاستثمارية).

“فالأصول العينية” هي الأراضي وهي المصانع، وهي الطرق، ومحطات الكهرباء، وهي أيضاً القوى البشرية. وبعبارة أخرى هي مجموع السلع الاستهلاكية التي تشبع حاجات الإنسان ، ولكنها أيضاً تتضمن الأصول التي تنتج هذه السلع (السلع الاستثمارية) من مصانع وأراضي زراعية ومراكز للبحوث والتطوير.. الخ. وهكذا فالاقتصاد العيني أو الأصول العينية هو الثروة الحقيقية التي يتوقف عليها بقاء البشرية وتقدمها.

وإذا كان الاقتصاد العيني هو الأساس في حياة البشر وسبيل تقدمهم، فقد اكتشفت البشرية منذ وقت مبكر أن هذا الاقتصاد العيني وحده لا يكفي بل لابد وأن يزود بأدوات مالية تسهل علميات التبادل من ناحية، والعمل المشترك من أجل المستقبل من ناحية أخرى. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى “أدوات” أو “وسائل” تسهل التعامل في الثروة العينية. ولعل أول صور هذه الأدوات المالية هي ظهور فكرة “الحقوق” على الثروة العينية.

فالأرض الزراعية هي جزء من الثروة العينية وهي التي تنتج المحاصيل الزراعية التي تشبع حاجة الإنسان من المأكل وربما السكن وأحياناً الملبس . ولكنك إذا أردت أن تتصرف في هذه الأرض فإنك لا تحمل الأرض على رأسك لكي تبيعها أو تؤجرها للغير، وإنما كان لابد للبشرية أن تكتشف مفهوماً جديداً اسمه “حق الملكية” على هذه الأرض. فهذا “الحق القانوني” يعني أن يعترف الجميع بأنك (المالك) لهذه الأرض.

وهكذا بدأ ظهور مفهوم جديد اسمه “الأصول المالية” باعتبارها حقوقاً على الثروة العينية. وأصبح التعامل الذي يتم على هذه “الأصول المالية” باعتبارها ممثلاً للأصول العينية.

فالبائع ينقل إلى المشتري حق الملكية، والمشتري تنقل إليه الملكية العينية من المالك القديم بمجرد التعامل في سند الملكية. وأصبح التعامل الذي يتم على هذه الأصول المالية (سندات الملكية) كاف لكي تنتقل ملكية الأصول العينية من مالك قديم إلى مالك جديد.

ولم يتوقف الأمر على ظهور أصول مالية بالملكية، بل اكتشفت البشرية أن التبادل عن طريق “المقايضة” ومبادلة سلعة عينية بسلعة عينية أخرى أمر معقد ومكلف ، ومن ثم ظهرت فكرة “النقود” التي هي أصل مالي، بمعنى أنها بمثابة “حق”، ولكن ليس على أصل محدد بعينه (أرض معينة أو سلعة معينة) وإنما هي حق على الاقتصاد كله.

فمن يملك نقوداً يستطيع أن يبادلها بأية سلعة معروضة في الاقتصاد. أي أن “النقود” أصبحت أصلاً مالياً يعطى صاحبها الحق في الحصول على ما يشاء مما هو متاح في الاقتصاد من السلع والخدمات المعروضة للبيع.

فالنقود في ذاتها ليست سلعة، فهي لا تشبع الحاجات، فهي لا تؤكل ولا تشبع حاجة الملبس أو المسكن ، وفقط الاقتصاد العيني من سلع وخدمات يسمح بذلك ، أي أن “النقود” هي مجرد أصل مالي أو حق على الأصول العينية ، ولكن وجودها والتعامل بها يساعد على سهولة التبادل والمعاملات في السلع العينية.

ولم يتوقف تطور “الأصول المالية” على ظهور حق الملكية أو ظهور النقود كحقوق مالية على موارد عينية محددة أو على الاقتصاد في مجموعه، بل اكتشف أيضاً أن الكفاءة الاقتصادية تزداد كلما اتسع حجم المبادلات ولم يعد قاصراً على عدد محدود من الأفراد أو القطاعات ، فالقابلية للتداول ترفع القيمة الاقتصادية للموارد. ومن هنا ظهرت أهمية أن تكون هذه الأصول قابلة للتداول.

وبشكل عام تأخذ هذه الأصول المالية التي تتداول عادة أحد شكلين، فهي إما تمثل حق الملكية على بعض الموارد (أرض زراعية أو مصانع أو غير ذلك) أو تأخذ شكل دائنية على مدين معين (فرد أو شركة).

وقد تطورت أشكال الأصول المالية الممثلة للملكية (الأسهم) مع ظهور الشركات المساهمة، كما تطورت أشكال الأصول المالية الدائنة (أو المديونية) مع تطور الأوراق التجارية والسندات . ومع اكتسابها لخاصية القابلية للتداول ، أصبحت هذه الأصول أشبه بحقوق عامة على الاقتصاد القومي.

وهكذا جاء ظهور الأوراق المالية من أسهم وأوراق تجارية وسندات مما زاد من حجم الأصول المالية المتداولة التي تمثل الثروة العينية للاقتصاد. وساعد وجود هذه الأصول المالية المتنوعة على انتشار وتوسع الشركات وتداول ملكيتها وزيادة قدرتها على الاستدانة.

ولكن الأمر لم يقتصر على ظهور هذه الأصول المالية الجديدة (أسهم وسندات وأوراق تجارية) بل ساعد على انتشار تداولها ظهور مؤسسات مالية قوية تصدر هذه الأصول باسمها وحيث تتمتع بثقة الجمهور مما أدى إلى زيادة تداول هذه الأسهم والسندات بين الجمهور.

فمن ناحية ظهرت البورصات التي تتداول فيها هذا الأصول المالية مما أعطى المتعاملين درجة من “الثقة” في سلامة هذه الأصول المالية المتداولة فيها ، ومن ناحية أخرى فإن المؤسسات المالية الوسيطة (البنوك بوجه خاص) حين تتدخل في عمليات التمويل فإنها تحل، في الواقع، مديونية هذه البنوك التي تتمتع بثقة كبيرة لدى الجمهور، محل مديونية عملائها.

فالعميل يتقدم للبنك للحصول على تسهيل أو قرض، ومديونية هذا العميل للبنك تستند إلى ملاءته المالية والثقة فيه، ولكن ما أن يحصل العميل على تسهيل البنك فإنه يتصرف في هذا “التسهيل” كما لو كان نقوداً لأن البنوك تتمتع بثقة عامة في الاقتصاد.

وهكذا فإن البنوك تحول المديونيات الخاصة للعملاء إلى مديونيات عامة نتيجة لما تتمتع بثقة كبيرة لدى الجمهور فيقبل عليها المتعاملون لأنهم يثقون في هذه البنوك.

فالاقتصاد المالي، والحال كذلك، يتكون من أدوات ومؤسسات مالية.

فهناك أولاً مجموعة من الأدوات المالية في شكل رموز من حقوق ملكية أو دائنية أو غير ذلك من الالتزامات على أصول الاقتصاد العيني من موارد طبيعية أو بشرية.

كذلك هناك العديد من المؤسسات التي تتعامل في هذه الرموز (الأصول المالية) بالإصدار والتداول والتقييم والترويج . وقد لعب القطاع المصرفي – والقطاع المالي بصفة عامةـ دوراً هائلاً في زيادة حجم الأصول المالية المتداولة وزيادة الثقة فيها. وبدأت بوادر أو بذور الأزمات المالية عندما بدأ انقطاع الصلة بين الاقتصاد المالي والاقتصاد العيني.

فالتوسع المالي تعمق بإصدار أنواع متعددة من الأصول المالية المتنوعة استقلالاً عن الاقتصاد العيني، وبحيث أصبحت للأسواق المالية حياتها الخاصة بعيداً عما يحدث في الاقتصاد العيني. وهنا موطن الداء ؛ التوسع الكبير في الأصول المالية.

وهكذا تظهر حقيقة الأزمة المعاصرة باعتبارها أزمة “مالية” بالدرجة الأولى نجمت عن التوسع الكبير في الأصول المالية على نحو مستقل ـ إلى حد كبيرـ عما يحدث في “الاقتصاد العيني”. كيف؟

يرجع ذلك إلى المؤسسات المالية التي أسرفت في إصدار الأصول المالية ـ وخاصة أصول المديونيات ـ بأكثر من حاجة الاقتصاد العيني.

ومع هذا التوسع الكبير في إصدار الأصول المالية، زاد عدد المدينين وزاد بالتالي حجم المخاطر إذا عجز أحدهم عن السداد ، وهناك ثلاثة عناصر متكاملة تفسر هذا التوسع المجنون في إصدار الأصول المالية خلال السنوات الأخيرة.

أما العنصر الأول فهو زيادة أحجام المديونية أو ما يطلق عليه اسم الرافعة المالية ، وهنا أصل المشكلة ، فقد بالغت المؤسسات المالية في التوسع في هذه الأصول للمديونية. وهي ليست مجرد مديونيات فردية وإنما تأخذ عادةً شكل مديونيات قابلة للتداول في الأسواق المالية، وبالتالي فهي أشبه بالمديونيات العامة. فهي جزء من الثروة المالية. وكانت التجارب التاريخية السابقة قد تطلبت ضرورة وضع الحدود على هذا التوسع في الإقراض.

لذلك حددت اتفاقية بازل للرقابة على البنوك حدود التوسع في الإقراض ـ وبالتالي الاقتراض ـ للبنوك بألا تتجاوز نسبة من رأس المال المملوك لها . فالبنك لا يستطيع أن يقرض أكثر من نسبة محددة لما يملكه من رأس مال واحتياطي، وهذا هو ما يعرف ” بالرافعة المالية “.

ورغم أن البنوك المركزية تراقب البنوك التجارية في ضرورة احترام هذه النسب، فإن ما يعرف باسم بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة لا يخضع لرقابة البنك المركزي، ومن هنا توسعت بعض هذه البنوك في الإقراض لأكثر من ستين ضعف حجم رؤوس أموالها كما في حالة بنك UBS، ويقال أن الوضع بالنسبة لبنك Lehman كان أسوأ . ولكن التوسع في الإقراض لا يرجع فقط إلى تجاهل اعتبارات الحدود المعقولة للرافعة المالية لكل مؤسسة بل أن النظام المالي في الدول الصناعية قد اكتشف وسيلة جديدة لزيادة حجم الإقراض عن طريق اختراع جديد اسمه المشتقات المالية ، وهو اختراع يمكن عن طريقة توليد موجات متتالية من الأصول المالية بناءً على أصل واحد كما سيتضح من المثال الذي سوف نعرضه عن تركيز الإقراض على قطاع أو قطاعات محدودة .

والعنصر الثاني للأزمة، وهو تركيز الإقراض على قطاع أو قطاعات قليلة وأثر ذلك على زيادة المخاطر.

وقد ولدت الأزمة الأخيرة نتيجة لما أطلق عليه أزمة الرهون العقارية. فالعقارات في أمريكا هي أكبر مصدر للإقراض والاقتراض . يشتري المواطن بيته بالدين مقابل رهن هذا العقار، ثم ترتفع قيمة العقار في السوق، فيحاول صاحب العقار الحصول على قرض جديد مقابل ارتفاع قيمة العقار وذلك عن طريق رهن جديد من الدرجة الثانية. ومن هنا التسمية بأنها الرهون الأقل جودة ، وبالتالي فإنها معرضة أكثر للمخاطر إذا انخفضت قيمة العقارات. ولكن البنوك لم تكفي بالتوسع في هذه القروض الأقل جودة بل استخدمت “المشتقات المالية” لتوليد مصادر جديدة للتمويل وبالتالي للتوسع في الإقراض. كيف؟

عندما يتجمع لدى البنك محفظة كبيرة من الرهونات العقارية، فإنها تلجأ إلى استخدام هذه “المحفظة من الرهونات العقارية” لإصدار أوراق مالية جديدة تقترض بها من المؤسسات المالية الأخرى بضمان هذه المحفظة.

وهو ما يطلق التوريق . فكأن البنك لم يكتف بالإقراض الأولى بضمان هذه العقارات، بل أصدر موجه ثانية من الأصول المالية بضمان هذه الرهون العقارية.

فالبنك يقدم محفظته من الرهونات العقارية كضمان للاقتراض الجديد من السوق عن طريق إصدار سندات أو أوراق مالية مضمونة بالمحفظة العقارية.

وهكذا فإن العقار الواحد يعطي مالكه الحق في الاقتراض من البنك، ولكن البنك يعيد استخدام نفس العقار ضمن محفظة أكبر، للاقتراض بموجبها من جديد من المؤسسات المالية الأخرى. وهذه هي المشتقات المالية. وتستمر العملية في موجه بعد موجة، بحيث يولد العقار طبقات متتابعة من الإقراض بأسماء المؤسسات المالية واحدة بعد الأخرى . ولا تقتصر “المشتقات” المالية على هذه الصورة من “التوريق” بإصدار موجات من الأصول المالية بناءً على أصل عيني واحد، بل أنها تأخذ صوراً أخرى وخاصةً فيما يتعلق بالتعامل مع المستقبل. فالتعامل المالي لا يقتصر على التعامل في أصول عينية موجودة بالفعل في الحاضر، بل قد ينصرف إلى أصول محتملة سوف توجد في المستقبل. فهناك التصرفات الآجلة ، فضلاً عما يعرف “بالمستقبليات” ، وقد لا يقتصر الأمر على مجرد بيع وشراء حقوق مستقبلة بل وتشمل أيضاً على خيارات تستخدم، أو لا تستخدم، وفقاً لرغبة أحد الطرفين.

ويأتي العنصر الثالث والأخير وهو نقص أو انعدام الرقابة أو الإشراف الكافي على المؤسسات المالية الوسيطة. حقاً تخضع البنوك التجارية في معظم الدول لرقابة دقيقة من البنوك المركزية ومؤسسات الرقابة ، ولكن هذه الرقابة تضعف أو حتى تنعدم بالنسبة لمؤسسات مالية أخرى مثل بنوك الاستثمار وسماسرة الرهون العقارية فضلاً عن نقص الرقابة على المنتجات المالية الجديدة مثل المشتقات المالية أو الرقابة على الهيئات المالية التي تصدر شهادات الجدارة الائتمانية والتي تشجع المستثمرين على الإقبال على الأوراق المالية.

وقد تكاتفت هذه العناصر الثلاثة على خلق هذه الأزمة المالية، ولم يقتصر أثرها على التأثير على القطاع المالي بزيادة حجم المخاطر نتيجة للتوسع المحموم في الأصول المالية، بل أنه هدد أحد أهم أركان الاقتصاد المالي، وهو “الثقة”.

فرغم أن العناصر الثلاثة المشار إليها ـ زيادة الاقتراض ، وتركيز المخاطر ، ونقص الرقابة والإشراف ـ كافية لإحداث أزمة عميقة في الأسواق المالية، فإن الأمور تصبح أكثر خطورة إذا فقدت ” الثقة ” أو ضعفت في النظام المالي الذي يقوم على ثقة الأفراد.

فمع فقدان الثقة يقل الشراء ويكثر البيع ، وتنخفض أسعار الأصول المالية وندخل في دوامة من الانخفاضات المتتالية وبالتالي مزيد من الانهيار المالي . ويزداد الأمر تعقيداً نتيجة للتداخل بين المؤسسات المالية في مختلف الدول. فجميع المؤسسات المالية ـوبلا استثناءـ تتعامل مع بعضها البعض، وأية مشكلة عويصة تصيب أحد هذه المؤسسات لابد وأن تنعكس بشكل مضاعف على بقية النظام المالي العالمي (العولمة). وهكذا تتكاتف اعتبارات الثقة، أو بالأحرى انعدام الثقة، مع اعتبارات العولمة في تضخيم أثر الانهيار المالي.

وهكذا نجد أن الأزمة المالية الحالية هي نتيجة للتوسع غير المنضبط في قروض القطاع المالي في الولايات المتحدة ومن ورائه في بقية دول العالم المتقدم. والسؤال هل يمكن التجاوز عن هذا الاقتصاد المالي بأدواته المتعددة ومؤسساته الكثيرة؟ للأسف لا يمكن .

تطورت أزمة الأسواق المالية التي تفجرت في أغسطس/آب 2022 حتى أصبحت أكبر صدمة مالية منذ الكساد الكبير، ملحقة الضرر البالغ بالأسواق والمؤسسات الأساسية في النظام المالي.

وقد بدأ الاضطراب بسبب الارتفاع السريع المستمر في حالات التعثر عن السداد في سوق الرهون العقارية العالية المخاطر في سياق عملية تصحيح رئيسية تشهدها سوق المساكن في أميركا وما أعقبها من ارتفاع حاد في فروق العائد على الأوراق المالية المضمونة بتلك الرهون العقارية بما في ذلك التزامات الدين المضمونة بأصول على نحو يجتذب مراتب ائتمانية مرتفعة.

غير أن التداعيات اللاحقة سرعان ما امتدت من خلال نظام مالي شديد الاعتماد على الرفع المالي لتسبب في خفض السيولة في سوق المعاملات بين البنوك وإضعاف كفاية رأس المال وفرض تسوية طارئة لأوضاع مؤسسات وساطة مالية كبرى وإحداث اضطراب عميق في أسواق الائتمان والحث على إعادة تسعير المخاطر في مجموعة كبيرة من الأدوات المالية المختلفة.

ومن أكثر الأمور حدة في هذه الأزمة حدوث خسارة لم يسبق لها مثيل في السيولة، حيث قفزت أسعار الفائدة على المعاملات بين البنوك لأجل ثلاثة أشهر بما يتجاوز بكثير أسعار الفائدة على الإقراض لليلة واحدة والمستخدمة كأداة للسياسة النقدية، وحدث هذا في وقت سعت فيه البنوك إلى الحفاظ على ما لديها من سيولة أمام الضغوط الواقعة عليها، وبسبب الزيادة المستمرة في عدم اليقين المحيط بمدى قدرتها المالية وتوزيع خسائر البنوك من حيازات الأوراق المالية المرتبطة بالرهون العقارية العالية المخاطر وغيرها من أشكال الائتمان.

وانتشرت حالات نقص السيولة بصورة أوسع نطاقا حيث لجأت البنوك إلى تخفيض خطوط الائتمان وزيادة هوامش الضمان للأوراق المالية وزيادة طلبات إيداع هامش الوقاية من الوسطاء الماليين الآخرين.

البعض يعتقد ان الخسائر المالية في أسواق المال مثلاً لا تعني أكثر من كونها تغيير في أسعار رؤوس الأموال الحقيقية تغيير في القيمة الاسمية للاقتصاد بل ربما ذهب البعض إلى ان هبوط القيمة الاسمية هذه ليس أكثر من نتيجة لتضخم هذه القيمة ، إلا ان عطب النظام المالي و حدوث خسائر ضخمة معناه افتقار المؤسسات المنتجة بمختلف أشكالها للتمويل و تراجع الطلب و ارتفاع البطالة و تعثر التسهيلات المالية و بالتالي فإن الانعكاس لهذه الأزمة المالية على القطاعات المنتجة المختلفة حاد للغاية و لا يمكن تخيل قطاعات الاقتصاد المختلفة تعمل بشكل طبيعي دون ان نتخيل الجهاز المالي يؤمن التدفق النقدي بشكل سليم .
أين يمكن ان تتوقف هذه الكارثة ؟

إن الحديث عن اقتصاد مالي متداخل بهذا المستوى يجعلنا لا نشك لحظة واحدة إنها تماماً مثل كرة الثلج التي يزداد حجمها كلما تدحرجت بحيث تبتلع كل ما يمكن ان يواجهها إننا هنا بصدد الحديث عن أزمة تعصف بعصب الحياة الاقتصادية انه الجهاز المصرفي و لذا نحن لسنا بإزاء أزمة قطاع بل أزمة الجهاز المالي للولايات المتحدة و بالتالي العالم إننا نتكلم عن القطاع المصرفي و المسؤول عن خلق أكثر من 80% من عرض النقد .

يرى فؤاد شاكر ان هذه الأزمة ستؤدي إلى تغيير الطريقة التي تعمل بها البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية، إذ لابد من وضع ضوابط اكبر على عمليات الإقراض العقاري ، وعلى عمليات بيع القروض بين البنوك كأصول مستثمرة، كما انه لابد من تصحيح هامش الإقراض العقاري مع تغير قيمة العقار في السوق.

ويجب، من وجهة نظره، ان تتم محاسبة مديري البنوك الذين اخفوا الحقائق عن المودعين، وهو أمر بالغ الخطورة لأنه يهز ثقة المودعين في النظام المصرفي . كما يرى ان الأزمة ستؤدي إلى إقامة إطار عام دولي جديد لتنظيم الأسواق المالية حتى لا يكون الاقتصاد العالمي ضحية لمشكلات أمريكية، ويتوقع ان يقوم هذا النظام النقدي الدولي الجديد على دور أوروبي وآسيوي اكبر ودور أمريكي اقل .

هناك خاصية يتميز بها القطاع المالي وهي أنه عند إفلاس أو انهيار مؤسسة مالية بسبب وضعها السيئ فإن الذعر يصيب المودعين في المؤسسات المالية الأخرى، التي يكون الوضع المالي لمعظمها جيدا، ومن ثم يلجؤون إلى سحب ودائعهم.

وبالتالي فإن سحب الودائع بصورة مفاجئة يؤدي إلى انهيار تلك المؤسسات المالية حتى لو كان وضعها جيدا وسليما. وهذا الأمر يطلق عليه أثر الدومينو بحيث لو انهارت ورقة واحدة من أوراق لعبة الدومينو انهارت باقي الأوراق، لذا نجد أن تدخل البنوك المركزية في هذه الحالات يعتبر أمرا ضروريا.

ويتفق الدكتور حاز الببلاوي مع الرأي القائل بان هذه الأزمة ستؤدي إلى مراجعة عمل الأسواق المالية وفرض المزيد من الضوابط عليها، وأنها ستؤدي إلى دخول الولايات المتحدة في دورة كساد لفترة من الزمن ، لكنه يرفض الرأي القائل بأنها تمثل انهيار للرأسمالية الأمريكية.

ويضيف الببلاوي “النظام الرأسمالي ليس له أيدلوجية في الوقت الراهن، بل يتغير حسب المصالح ، وهذا سر قوته. كان يقال أثناء الكساد الكبير ان الدولة يجب ألا تتدخل في عمل الأسواق لكن هذا الأمر تغير الآن .

لكنه يؤكد ان هذه الأزمة تمثل درسا قاسيا للإدارة الأمريكية يجب ان تتعلم منه.

وهذا ما يراه اغلب الاقتصاديين، إذ ان دروس هذه الأزمة ستغير الكثير في عالمنا . ستتغير طريقة عمل الأسواق والنظام المالي الدولي ، وسيتغير بلا شك دور الولايات المتحدة في هذا الن