التصنيفات
تاريـخ,

كتاب منهج البحث التاريخي / الدكتور حسن عثمان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


كتاب منهج البحث التاريخي / الدكتور حسن عثمان

الحجم : 8.3 MB

http://www.4shared.com/get/TJLWPJB4/…_________.html


ممكن الباسورد الملف

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … .

التصنيفات
تاريـخ,

الحضارة وعوامل نشأتها كما يراها "ول ديو رانت "

الحضارة وعوامل نشأتها كما يراها "ول ديو رانت " تعليم_الجزائر
الحضارة نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي ، وإنما تتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون؛ وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق؛ لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها.
والحضارة مشروطة بطائفة من عوامل هي التي تستحث خطاها أو تعوق مسراها، وأولها العوامل الجيولوجية ، ذلك أن الحضارة مرحلة تتوسط عصرين من جليد، فتيار الجليد قد يعاود الأرض في أي وقت فيغمرها من جديد ، بحيث يطمس منشآت الإنسان بركام من ثلوج وأحجار، ويحصر الحياة في نطاق ضيق من سطح هذه الأرض؛ وشيطان الزلازل الذي نبني حواضرنا في غفوته، ربما تحرك حركة خفيفة بكتفيه فابتلعنا في جوفه غير آبه.
وثانيها : العوامل الجغرافية، فحرارة الأقطار الاستوائية ، وما يجتاح تلك الأقطار من طفيليات لا تقع تحت الحصر، لا تهيئ للمدنية أسبابها، فما يسود تلك الأقطار من خمول وأمراض، وما تُعرف به من نضوج مبكّر وانحلال مبكر، من شأنه أن يصرف الجهود عن كماليات الحياة التي هي قوام المدنية ، ويستنفدها جميعاً في إشباع الجوع وعملية التناسل، بحيث لا تَذَرُ للإنسان شيئاً من الجهد ينفقه في ميدان الفنون وجمال التفكير؛ والمطر كذلك عامل ضروري ، إذ الماء وسيلة الحياة، بل قد يكون أهـم للحياة من ضوء الشمس، ولما كانت السماء متقلبة الأهواء لغير سبب مفهوم فقد تقضي بالجفاف على أقطار ازدهرت يوماً بالسلطان والعمران، مثل نينوى وبابل؛ أو قد تسرع الخطى نحو القوة والثراء، بمدائن هي- فيما يبدو للعين- بعيدة عن الطريق الرئيسي للنقل والاتصال، مثل المدن في بريطانيا العظمى أو خليج بُيوجت Puget Sound وإذا كانت تربة الإقليم تجود بالطعام أو المعادن، وإذا كانت أنهاره تهيئ له طريقاً هينة للتبادل مع غيره، وإذا كان شاطئه مليئاً بالمواضع التي تصلح مرافئ طبيعية لأسطوله التجاري، ثم إذا كانت الأمة فوق هذا كله تقع على الطريق الرئيسية للتجارة العالمية، كما كانت حال أثينا وقرطاجنة وفلورنسة والبندقية- إذن فالعوامل الجغرافية على الرغم من أنها يستحيل أن تخلق المدنية خلقاً، إلا أنها تستطيع أن تبتسم في وجهها، وتهيئ سبيل ازدهارها.
والعوامل الاقتصادية أهم من ذلك، فقد يكون للشعب مؤسسات اجتماعية منظمة، وتشريع خلقي رفيع، بل قد تزدهر فيه صغريات الفنون، كما هو الحال مع الهنود الأمريكيين، ومع ذلك فإنه إن ظلَّ في مرحلة الصيد البدائية، واعتمد في وجوده على ما عسى أن يصادفه من قنائص، فإنه يستحيل أن يتحول من الهمجية إلى المدنية تحولاً تاماً..
قد تكون قبيلة البدو- كبدو بلاد العرب- على درجة نادرة من الفتوة والذكاء، وقد تبدي من ألوان الخُلق أسماها كالشجاعة والكرم والشيم، لكن ذكاءها بغير الحد الأدنى من الثقافة التي لا بد منها، وبغير اطراد موارد القوت، ستنفقه في مخاطر الصيد ومقتضيات التجارة ، بحيث لا يبقى لها منه شيء لوَشْى المدنية وهُدابها ولطائفها وملحقاتها وفنونها وترفها..
وأول صورة تبدت فيها الثقافة هي الزراعـة ، إذ الإنسان لا يجد لتمدنه فراغاً ومبرراً إلا إذا استقر في مكان يفلح تربته ، ويخزن فيه الزاد ليوم قد لا يجد فيه مورداً لطعامه؛ في هذه الدائرة الضيقة من الطمأنينة- وأعني بها مورداً محققاً من ماء وطعام- ترى الإنسان يبني لنفسه الدُّور والمعابد والمدارس، ويخترع الآلات التي تعينه على الإنتاج ، ويستأنس الكلب والحمار والخنزير، ثم يسيطر على نفسه آخر الأمر، فيتعلم كيف يعمل في نظام واطراد، ويحتفظ بحياته أمداً أطول ويزداد قدرة على نقل تراث الإنسانية من علم وأخلاق نقلاً أميناً.
إن الثقافة لترتبط بالزراعة كما ترتبط المدنية بالمدينة، إن المدنية في وجه من وجوهها هي رقة المعاملة ، ورقة المعاملة هي ذلك الضرب من السلوك المهذب الذي هو في رأي أهل المدن- وهم الذين صاغوا حكمة المدنية- من خصائص المدينة وحدها ، ذلك لأنه تتجمع في المدينة- حقاً أو باطلاً- ما ينتجه الريف من ثراء ومن نوابـغ العقول؛ وكذلك يعمل الاختراع ، وتعمل الصناعة على مضاعفة وسائل الراحة والترف والفراغ؛ وفي المدينة يتلاقى التجار حيث يتبادلون السلع والأفكار؛ وهاهنا حيث تتلاقى طرق التجارة فتتلاقح العقول، يُرهف الذكاء وتُستثار فيه قوته على الخَلق والإبداع، وكذلك في المدينة يُستغنى عن فئة من الناس فلا يُطلب إليهم صناعة الأشياء المادية، فتراهم يتوفرون على إنتاج العلم والفلسفة والأدب والفن؛ نعم إن المدنية تبدأ في كوخ الفلاح، لكنها لا تزدهر إلا في المدن.
وليست تتوقف المدنية على جنس دون جنس، فقد تظهر في هذه القارة أو تلك، وقد تنشأ عن هذا اللون من البشرة أو ذاك، قد تنهض مدنيّة في بكين أو دلهي، في ممفيس أو بابل، في رافنا أو لندن، في بيرو أو يوقطان ، فليس هو الجنس العظيم الذي يصنع المدنية بل المدنية العظيمة هي التي تخلق الشعب ، لأن الظروف الجغرافية والاقتصادية تخلق ثقافته ، والثقافة تخلق النمط الذي يصاغ عليه ، ليست المدنية البريطانية وليدة الرجل الإنجليزي ولكنه هو صنيعتها، فإذا ما رأيته يحملها معه أينما ذهب ، ويرتدي حُلة العشاء وهو في "تمبكتو"؛ فليس معنى ذلك أنه يخلق مدنيته هناك خلقاً جديداً، بل معناه أنه يبين حتى في الأصقاع النائية مدى سلطانها على نفسه…
فلو تهيأت لجنس بشري آخر نفس الظروف المادية، ألفيت النتائج نفسها تتولد عنها، وها هي ذي اليابان في القرن العشرين تعيد تاريخ إنجلترا في القرن التاسع عشر، وإذن فالمدنية لا ترتبط بالجنس إلا بمعنى واحد، وهو أنها تجيء عادة بعد مرحلة يتم فيها التزاوج البطيء بين شتى العناصر، ذلك التزاوج الذي ينتهي تدريجياً إلى تكوين شعب متجانس نسبياً .
وما هذه العوامل المادية والبيولوجية إلا شروطا لازمة لنشأة المدنية، لكن تلك العوامل نفسها لا تكوّن مدنية ولا تنشئها من عدم، إذ لا بد أن يضاف إليها العوامل النفسية الدقيقة، فلا بد أن يسود الناس نظام سياسي مهما يبلغ ذلك النظام من الضعف حداً يدنو به من الفوضى، كما كانت الحال في فلورنسة وروما أيام النهضة…
ثم لا بد للناس أن يشعروا شيئاً فشيئاً أنه لا حاجة بهم إلى توقع الموت أو الضريبة عند كل منعطف في طريق حياتهم، ولا مندوحة كذلك عن وحدة لغوية إلى حد ما لتكون بين الناس وسيلة لتبادل الأفكار ، ثم لا مندوحة أيضاً عن قانون خلقي يربط بينهم عن طريق الكنيسة أو الأسرة أو المدرسة أو غيرها ، حتى تكون هناك في لعبة الحياة قاعدة يرعاها اللاعبون ، ويعترف بها حتى الخارجون عليها ..
وبهذا يطـرد سلوك الناس بعض الشيء وينتظم، ويتخذ له هدفاً وحافزاً، وربما كان من الضروري كذلك أن يكون بين الناس بعض الاتفاق في العقائد الرئيسية ، وبعض الإيمان بما هو كائن وراء الطبيعة أو بما هو بمثابة المثل الأعلى المنشود ؛ لأن ذلك يرفع الأخلاق من مرحـلة توازن فيها بين نفع العمل وضرره إلى مرحلة الإخلاص للعمل ذاته، وهو كذلك يجعل حياتنا أشرف وأخصب على الرغم من قصر أمدها قبل أن يخطفها الموت.
وأخيراً لا بد من تربية- وأعني بها وسيلة تُتخذ- مهما تكن بدائية- لكي تنتقل الثقافة على مر الأجيال، فلابد أن نورث الناشئة تراث القبيلة وروحها، فنورثهم نفعها ومعارفها وأخلاقها وتقاليدها وعلومها وفنونها، سواء أكان ذلك التوريث عن طريق التقليد أو التعليم أو التلقين ، وسواء في ذلك أن يكون المربي هو الأب أو الأم أو المعلم أو القسيس؛ لأن هذا التراث إن هو إلا الأداة الأساسية التي تحول هؤلاء النشء من مرحلة الحيوان إلى طور الإنسان.
ولو انعدمت هذه العوامل- بل ربما لو انعدم واحد منها- لجاز للمدنية أن يتقوض أساسها، فانقلاب جيولوجي خطير، أو تغيُّر مناخي شديد ، أو وباء يفلت من الناس زمامه كالوباء الذي قضى على نصف سكان الإمبراطورية الرومانية في عهد "الأناطنة" (جمع أنطون)، و "الموت الأسود" الذي جاء عاملاً على زوال العهد الإقطاعي، أو زوال الخصوبة من الأرض، أو فساد الزراعة بسبب طغيان الحواضر على الريف ، بحيث ينتهي الأمر إلى اعتماد الناس في أقواتهم على ما يرد إليهم متقطعاً من بلاد
أخرى، أو استنفاد الموارد الطبيعية في الوقود أو المواد الخام، أو تغيُّر في طرق التجارة تغيراً يُبعد أمة من الأمم عن الطريق الرئيسية لتجارة العالم، أو انحلال عقلي أو خلقي ينشأ عن الحياة في الحواضر بما فيها من منهكات ومثيرات واتصالات، أو ينشأ عن تهدم القواعد التقليدية التي كان النظام الاجتماعي يقوم على أساسها ، ثم العجز عن إحلال غيرها مكانها أو انهيارُ قوة الأصلاب بسبب اضطراب الحياة الجنسية ، أو بسبب ما يسود الناس من فلسفة أبيقورية متشائمة ، أو فلسفة تحفزهم على ازدراء الكفاح، أو ضعفُ الزعامة بسبب عقم يصيب الأكفاء ، وبسبب القلة النسبية في أفراد الأسرات التي كان في مقـدورها أن تورث الخَلفَ تراث الجماعة الفكري كاملاً غير منقوص، أو تركز للثروة تركزاً محزناً ينتهي بالناس إلى حرب الطبقات والثورات الهدامة والإفلاس المالي.
هذه هي بعض الوسائل التي قد تؤدي إلى فناء المدنية، إذ المدنية ليست شيئاً مجبولاً في فطرة الإنسان، كلا ولا هي شيء يستعصي على الفناء؛ إنما هي شيء لا بد أن يكتسبه كل جيل من الأجيال اكتساباً جديداً، فإذا ما حدث اضطراب خطير في عواملها الاقتصادية أو في طرائق انتقالها من جيل إلى جيل فقد يكون عاملاً على فنائها…
إن الإنسان ليختلف عن الحيوان في شيء واحد، وهو التربية، ونقصد بها الوسيلة التي تنتقل بها المدنية من جيل إلى جيل.
والمدنيات المختلفة هي بمثابة الأجيال للنفس الإنسانية، فكما ترتبط الأجيال المتعاقبة بعضها ببعض بفضل قيام الأسرة بتربية أبنائها ، ثم بفضل الكتابة التي تنقل تراث الآباء للأبناء، فكذلك الطباعة والتجارة وغيرهما من ألوف الوسائل التي تربط الصلات بين الناس، قد تعمل على ربط الأواصر بين المدنيات ، وبذلك تصون للثقافات المقبلة كل ما له قيمة من عناصر مدنيتنا ، فلنجمع تراثنا قبل أن يلحق بنا الموت، لنُسلمه إلى أبنائنا…
المصدر : قصة الحضارة (ج1 من ص 13 : ص 18 )


التصنيفات
تاريـخ,

العالم العربى فى التاريخ الحديث / ياغى، اسماعيل احمد محمد.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

العالم العربى فى التاريخ الحديث / ياغى، اسماعيل احمد محمد.

الحجم : 7.82 MB

http://www.mediafire.com/?ms1mzh2ectabc9p


التصنيفات
تاريـخ,

تطور منهج البحث في الدراسات التاريخية / قاسم عبده قاسم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تطور منهج البحث في الدراسات التاريخية / قاسم عبده قاسم

الحجم : 5.2 MB

http://www.4shared.com/get/uCHG8VP9/_____.html


التصنيفات
تاريـخ,

الأندلسيون المواركة دراسة في تاريخ الاندلسيين بعد سقوط غرناطة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأندلسيون المواركة .. دراسة في تاريخ الاندلسيين بعد سقوط غرناطة / عادل سعيد البشتاوي

الحجم : 24.2 MB

http://www.4shared.com/get/wJLb39LC/__online.html


التصنيفات
تاريـخ,

الحضارة تاريخ المصطلح ودلالة المفهوم

الحضارة تاريخ المصطلح ودلالة المفهوم

المحور الأول : الأطر العامة والمرتكزات الاساسية في بناء الحضارات

يعد مصطلح الحضارة رغم شيوع استعماله من المصطلحات التي يصعب الاتفاق على تعريفها، غير أن أكثر التعريفات قبولاً هي تلك التي تتبع المصطلح منذ نشأته وتستقصي دلالاته في الفكر الغربي والإسلامي، والذي يمكن أن نشير إليه إشارة موجزة فيما يلي:

كانت الحضارة على مر العصور تعبيراً عن إسهام أمة من الأمم في رصيد الأفكار وما ينتج عنها من اكتشافات واختراعات وصناعات (الإنتاج المادي) وشعر وفن (الإنتاج الأدبي) ونظم ومؤسسات (الإنتاج الإداري) وقيم ومبادئ (الإنتاج الثقافي والاجتماعي) المتراكم عبر الزمان، وهي بهذا المعنى ليست حكراً على الأديان السماوية؛ إذ إن التاريخ عرف حضارة المصريين القدماء والفرس والهندوس والإغريق الذين كانوا يحتكمون إلى مبادئ أرضية وفلسفات إنسانية ارتضوها لأنفسهم، "ولعل هذا يفسر حالة الاندثار أو التراجع للحضارات الإنسانية السابقة التي لم يبق منها إلا آثارها أو أطلالها ولف النسيان ذلك الفعل الحضاري بمجرد زوال المرحلة التاريخية"(1).

إن لفظة حضارة في الأصل اللغوي تقابل البداوة، قال الشاعر العربي:
فمن تكن الحضارة أعجبته *** فأي رجال بادية ترانا
ومنه قول المتنبي وإن كان لا يُحتج بشعره لأنه من المولدين:
حسن الحضارة مجلوب بتطريه *** وفي البداوة حسن غير مجلوب

وهو في هذا لا يختلف عن ترجمة اللفظة الإنجليزية .Civilization
وسنتناول فيما يلي الحضارة في المفهومين الغربي والإسلامي:

الحضارة في المفهوم الغربي:

تعود كلمة Civilization في الأصل إلى الجذر اللاتيني Civilties بمعنى مدينة، وCivis بمعنى ساكن المدينة، أو Civilis بمعنى مدني أو ما يتعلق بساكن المدينة، أو Cities وهو ما يعرف به المواطن الروماني المتعالي على البربري، ويرى بعضهم أن ما عناه غالبية من استخدموا الكلمة Civilization لأول مرة،أنها مزيج من الصفات الروحية والخلقية التي تحققت على الأقل بصورة جزئية في حياة الكائنات البشرية في المجتمع الأوروبي، كما يعرفها وول ديورانت بأنها: "نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة في إنتاجه الثقافي، وتتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون".. ويحدد لها عوامل عدة، من أولها العوامل الجيولوجية، وثانيها العوامل الجغرافية وثالثها العوامل الاقتصادية، ورابعها العوامل الثقافية (2).

ومع دخول الاستعمار الأوروبي إلى الدول العربية، انتقل لفظ Civilization إلى القاموس العربي، بمعنى "مدنية" و"حضارة" أو الحالة من الثقافة الاجتماعية التي تمتاز بارتقاء نسبي في الفنون والعلوم وتدبير الملك.
لاحقاً حدث اضطراب واضح في المفاهيم لعدم وضوح تعريفات "ثقافة" و"حضارة" و"مدنية" خاصة مع وجود المفاهيم الثلاثة في اللغة العربية، على حين لا يوجد سوى مفهومين في اللغة الإنجليزية.

الحضارة في المفهوم الإسلامي:

إن مفهوم الحضارة في اللغة العربية والفكر الإسلامي بالإضافة للتمدن يدل على الحضور أو الشهادة التي هي نقيض الغيب، مثلاً حضر في القرآن الكريم تعنى شهد: إذا حضر أحدكم الموت (البقرة : 180 ) وإذا حضر القسمة أولوا القربى" (النساء: 8 ) وللشهادة أربعة معانٍ متكاملة تمثل جزءاً من بناء مفهوم الحضارة:

1- الشهادة بمعنى التوحيد والإقرار بالعبودية لله عز وجل وهي محور العقيدة الإسلامية وعليها يتحدد التزام الإنسان بمنهج الخالق عز وجل أو الخروج عنه.

2- الشهادة بمعنى قول الحق وسلوك طريق العدل، وتعد مدخلاً من مداخل العلم ووسيلة من وسائل تحصيل المعرفة.

3 -الشهادة بمعنى التضحية والفداء في سبيل الله سبحانه وتعالى حفاظاً على العقيدة.

4 -الشهادة كوظيفة لهذه الأمة وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا (البقرة : 143 ) وينصرف معناها إلى الشهادة في الدنيا والآخرة، حيث تكون أمة قوية تقوم على العدل وتعمل به وتدعو إلى عبادة الله وحده.

وطبقاً لذلك فإن الحضارة في الأصول الإسلامية ينتج عنها نموذج إسلامي يستبطن قيم التوحيد والربوبية، وينطلق منها بعد غيبي يتعلق بوحدانية خالق هذا الكون، ومن ثم فإن دور الإنسان ورسالته هي تحقيق الخلافة في تعمير الأرض وتحسينها. وبناء علاقة سلام مع المخلوقات الأخرى أساسها الدعوة إلى سعادة الدنيا والآخرة.

والواقع أن هذا التعريف لا يقتصر على الحضارة الإسلامية وحدها باعتبار أن الحضور بمعناه العام هو مطلق الحضور، وبالتالي فأي تجربة بشرية يمكن إطلاق لفظ حضارة عليها ما دامت تتوافر فيها الشروط التالية:

1 – وجود نسق عقدي يحدد طبيعة العلاقة مع عالم الغيب ومفهوم الإله سلباً أو إيجاباً.

2 – وجود بناء فكري سلوكي في المجتمع يشكل نمط القيم السائدة وهي الأخلاقيات العامة والأعراف.

3 – وجود نمط مادي يشمل جميع الأبعاد المادية في الحياة.

4 – تحديد نمط العلاقة مع الكون ومسخراته وعالم أشيائه.

5 – تحديد نمط العلاقة مع الآخر، أي المجتمعات الإنسانية الأخرى وأسلوب إقناعها بهذا النموذج والهدف من ذلك الإقناع.(3)

الهوامش:
1 – الإسهام الحضاري للأمة الإسلامية، د. سعيد حارب، ص 2.
2 – قصة الحضارة، وول ديورانت ص3.
3 – المرجع السابق.عوامل النهوض الحضاري.
_______________________________

المحور الثاني : الأطر العامة والمرتكزات الأساسية في بناء الحضارات

نبه القرآن الكريم في الكثير من آياته على أن الأمم تقوم أو تسقط بناء على سنن ثابتة لا تتغير أو تتبدل، ووفق عوامل لا تُخرق أو تختزل، ومن أهم هذه العوامل ما يلي:

1 – الفكرة:
إن أشد عوامل النهوض أهمية الفكرة التي تشكل تصور الأمم لحقيقة الوجود والكون والإنسان والحياة، فهذه الفكرة في طبيعتها الفلسفية عامة، وفي طبيعتها الدينية خاصة هي المحدد الأكبر لمصير الأمم والشعوب من حيث التخلف والتقدم، والبداوة والتحضر، وذلك بحسب ما تكون عليه من تحديد في مجال تصور الوجود والكون والإنسان والحياة(1) ومصداق ذلك يبدو في أن كل التحولات الحضارية الكبرى التي حدثت في تاريخ الإنسان كانت ناتجة عن تحولات كبرى في تصور حقيقة الوجود والحياة، سواء كانت حضارات دينية أو غير دينية.

إن تصور حقيقة الوجود والحياة ليس كافياً وحده ليحدث التغيير الحضاري، بل لابد له من كيفية إيمانية تحول هذا التصور من نظرة نظرية باهتة تزاحمها تصورات أخرى إلى فكرة تبلغ درجة الإيمان… تملأ القلب والجوانح، وتطلق الأعضاء والجوارح وتأخذ بمجامع الألباب، فتقوى إرادة العمل وتنمو طاقة الفعل ويتواصل الجهد وتتضافر الطاقات لتثمر عطاءً ثقافياً وتغييراً حضارياً.

2 – الإنسان:
الإنسان هو هدف الحضارة ووسيلتها، وهو محل الثقافة وحاملها، لذلك لا يُتخيل وجود حضارة لا تركز على الإنسان: اهتماماً بواقعه، وتحسيناً لأحواله الصحية والتعليمية والمعيشية، وحلاً لمشكلاته واحتراماً لحقوقه الأساسية حتى ينشط للحركة ويتطلع للريادة ويعمل للتغيير.

إن المعيار الذي يمكن أن تقاس به الحضارات هو موقع الإنسان فيها، وتصورها عنه، وطبيعة القيم التي يلتزم بها ومدى احترامها لإنسانيته ومقوماتها.

إن الذين يسعون لاستيراد تصوراتهم عن الإنسان وحقوقه من الحضارة الغربية يقعون في خطأ كبير، ذلك أن الحضارة الغربية رغم ما أعطت الإنسان من تطور مادي ورفه معيشي فقد أخطأت في فهم الإنسان وطبيعته ومعرفة خصائصه لأنها أسقطت الجانب الروحي فيه، وأبعدت الدين عنه نتيجة لصراعها مع الكنيسة، كذلك تمادت الحضارة الغربية في خطئها بعدم بحثها عن العلة الحقيقية في قلق إنسانها وإمعانها في إيجاد حلول مادية لملء الفراغ الروحي الحادث في مجتمعاتها.

أما العقيدة الإسلامية فقد جعلت الإنسان مدار الحركة التغيرية ومحورها، وأوكلت إليه مهمة التغيير والبناء وكلفته بتحقيق الخلافة على هذه الأرض، ولفتتت نظره إلى كيفيات التعامل مع الكون والحياة واستغلال ما على ظهر الأرض واستخراج ما في باطنها مستفيداً من عنصري الزمن لإنتاج الحضارة واستعمار الأرض حملاً لأمانة الاستخلاف وتحقيقاً للعبودية التي خلق لأجلها(2).

إن الرؤية الحضارية الإسلامية للإنسان تتمثل في إنسانية النزعة والهدف، عالمية الأفق والرسالة، إذ إنها تنظر إلى الناس بمقياس واحد لا تفسده القومية أو الجنس أو اللون.

3 – العلم:
لا يمكن للمسلمين أن يستعيدوا ريادتهم الحضارية إلا بالعلم، وأهم ما يجب أن يتسلح به المسلم لبناء دور حضاري رائد من العلم هو ما يلي:

أ – العلم بواقعنا المعاصر: إذ إن واقعنا تسيطر عليه حضارات تمتلك رصيداً مادياً ضخماً لكنها تعاني فراغاً روحياً كبيراً، يتطلب من المسلمين معرفة المدخل الحضاري المناسب لتقديم الحاجة المفقودة لاستعادة إنسانية الإنسان "وللتحول من الاهتمام بأشياء الإنسان وهي مهمة بلا شك إلى التوجه لترقية خصائص الإنسان وتحقيق سعادته، لأنه معيار الحضارة الحقيقي(3)، ومن الأمور المهمة التي ينبغي علينا أن ندركها أن الوراثة الحضارية باتت لا تعني التعاقب أو التداول والنفي والإقصاء بعد ثورة المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا، بمقدار ما تعني القدرة على التحرك من داخل الحضارة لتغيير وجهتها، إذ لم تعد الحضارة حكراً على أحد وإنما هي مشترك إنساني وإرث عام وتراكم معرفي، والأصلح هو الأقدر على تحديد وجهتها.

ب – التخصص في شُعب المعرفة: إن استعادة الريادة الحضارية لا يمكن أن تُتصور في غياب إشاعة التخصص الدقيق في شتى مناحي المعرفة، لأن التخصص قد غدا من فروض الكفاية وهو متعيَّن فيمن تهيأ له ويؤدي إلى تقسيم العمل وتجويده وإحسانه وبلوغ الثمرة المرجوة منه.

ج – العلم بالسنن: فمعرفة سنن الله في النفس والمجتمعات عامل رئيس في الوصول إلى الشهود الحضاري، ذلك أن الله وضع للبشر سنناً من حفظها حفظته ومن ضيعها ضيعته، غير أن كثيراً من المسلمين حولوا أنظارهم من اتباع السنن إلى خرقها، ومن التفاعل مع السنن الجارية إلى إضاعة الوقت والجهد في سبيل تخطيها، مثل: سنن التغيير، والتداول الحضاري، والتدرج، والتدافع، وسنن السقوط والبناء.

د – الاجتهاد الفكري: من الشروط الواجب توافرها لتحقيق الريادة الحضارية إطلاق النظر الاجتهادي من قيود الجمود والتقليد، وتوسيع دائرة الحراك الفكري على أوسع مدى واحترام التخصص والخبرة وتقديم أهل الخبرة والرسوخ.

ذلك أن الاجتهاد وتحريك العقول، وتوسيع دائرة الرأي والتشاور والتفاكر والتحاور مع الذات والحوار مع الآخر هو الذي يحرك رواكد الأمة، ويطلق طاقاتها المعطلة ويثير فاعليتها، ويشحذ همتها، ويذهب بغثائها ويثبت صوابها وينقلها من موقع التلقي والأخذ إلى موقع المساهمة والعطاء الحضاري.

هـ – الوقت: الحضارة تُبنى بالاستغلال الأمثل للوقت وبحسن إدارته، ذلك أن إدارة الوقت من الحكمة التي عرَّفها ابن القيم بقوله: "هي فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي". ويكون الاستغلال الأمثل للوقت ب: التخطيط، التنظيم، التوجيه، الرقابة، اتخاذ القرارات.

الهوامش:
(1) الطاقة الحضارية في عقيدة الأمة، د.عبدالمجيد النجار، ص1.
(2) الإنسان معيار الحضارة، د.شافي بن سفر الهاجري، ص 18.
(2) الوراثة الحضارية، شروط ومقومات، عمر عبيد حسنة، ص26.
_____________________________

المحور الثالث : السنن الفاعلة في نهوض الحضارات وموتها

اقتضى عدل الله سبحانه وتعالى أن من علم سنن الله في نهوض الأمم وسقوطها وعمل بمقتضى هذا العلم وفق وسُدد، وأن من ضيع هذه السنن وأهمل هذه القواعد زال واندثر، ومن أهم السنن التي تسهم إسهاماً كبيراً في هذا الصدد، ما يلي:

1 – العدل في مقابلة الاستبداد:

فالحضارة إنما تُبنى بالعدل، لذلك حفلت آيات القرآن الكريم بالحث على العدل، الذي هو الغاية الأساسية من إرسال الرسل: لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط (الحديد : 25 )، فقد أمر الله الناس به أمراً عاماً: إن الله يأمر بالعدل (النحل : 90 )، اعدلوا هو أقرب للتقوى (المائدة : 8 )، وأثنى على فئة صالحة من الناس يهدون بالحق وبه يعدلون 159 (الأعراف)، وذكر في كتابه الكريم ما يدل على أنه ينبغي أن يتخلل كل شيء:

– في القول: وإذا قلتم فاعدلوا (الأنعام: 152).
– وفي الإصلاح: فأصلحوا بينهما بالعدل (الحجرات : 9)
– وفي الحكم: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل (النساء : 58).
– وفي القوامة: وأن تقوموا لليتامى" بالقسط (النساء : 127)..

وحذَّر مِنْ كل ما يمكن أن يُخِلَّ بالموقف العادل: فلا تتبعوا الهوى" أن تعدلوا (النساء: 135 )، ولا يجرمنكم شنآن قوم على" ألا تعدلوا (المائدة : 8)، كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على" أنفسكم (النساء : 135 )، ومن جميل ما قيل "إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وإن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة".

أما الظلم فهو معول هدم الحضارات. يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته، تحت عنوان: الظلم مؤذن بخراب العمران: "اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها، لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك، وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب، فإذا كان الاعتداء كثيراً عاماً في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها، وإن كان الاعتداء يسيراً كان الانقباض عن الكسب على نسبته.

والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنما هو بالأعمال وسعي الناس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين، فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران وانتقضت الأحوال وانذعر الناس في الآفاق، من غير تلك الإيالة في طلب الرزق فيما خرج عن نطاقها فخف ساكن القطر وخلت دياره وخرجت أمصاره واختلَّ باختلاله حال الدولة والسلطان لما أنها صورة للعمران تفسد بفساد مادتها ضرورة". (مقدمة ابن خلدون، ص316 – 317 )

2 – التوحد حول فكرة في مقابل الفرقة:

يشهد التاريخ أنه ما من حضارة سادت إلا وكان خلفها تجمع حول إيمان بفكرة: سماوية كانت أو أرضية، هذه الفكرة أوقدت جذوة السعي الجاد لتحقيق ما تدعو إليه في أرض الواقع وتحمل مشاق هذا السعي صعوداً في درج الرقي والسيادة، والتاريخ يشهد كذلك أنه ما من حضارة بادت إلا بعد أن أعملت معاول الفرقة فيها عملها من غياب للشورى وطغيان للفرد، واستخفاف بالشعوب وإذلال لها، وخضوع وخنوع من قبل الشعوب ورضا بالواقع واستسلام له، وبعدٍ عن أصل الفكرة التي ألهمت الجيل الأول الطاقة الروحية للبناء، فتفرقت الكلمة، وتعددت الزعامات، واختلفت الدعوات فحقت عليها سنة الله.

3 – المسؤولية في مقابلة الفوضى:

يقتضي بناء الحضارات أن يعرف المجتمع دوره وينهض به على أكمل وجه، عبر مؤسسات فاعلة تتنوع في تخصصاتها وتتقاطع في مجالاتها لكنها تتحد في أهدافها الكلية وغاياتها النهائية، تماماً كاللوحة الجميلة تختلف ألوانها، وتتقاطع خطوطها لكنها تتكامل فيما بينها لتعطي الشكل النهائي المرجو.

إن تحمل المسؤولية هو الذي يردم الهوة بين الواقع الموجود والمثال المنشود، فالمثال المنشود يظل صورة نظرية في أذهان الناس حتى تجد المجتمع الذي يتحمل مسؤولية تطبيقها في أرض الواقع، كما أن الفوضى "غياب المسؤولية" هي التي تهوي بالمثال الموجود الذي بذل في بنائه الأجداد العرق والدم أسفل سافلين.

4 – الإصلاح في مقابلة الفساد:

بيَّن القرآن زوال كثير من الأمم لأسباب تجمع الفساد في شتى مناحي الحياة: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مثل:
– اقتراف الفواحش واتباع الشهوات.
– استغلال المنكر وعدم التناهي عنه، كما فعل بنو إسرائيل كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه (المائدة: 79).
ا- لكفر بأنعم الله وعدم القيام بشكرها بل استخدامها في معاصي الله فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون 112 (النحل112).
– الترف والبطر وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها (القصص: 8)، ومن ذلك ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة ما أريكم إلا ما أرى (غافر : 29 ).

وكل واحدة من هذه الجرائم حَرية أن تعجل بعقاب الله وبأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين، فكيف إذا اجتمع عدد منها في أمة من الأمم أو مجتمع من المجتمعات؟ والناظر في الحضارة التي تسود عالمنا اليوم يجدها قد أخذت بنصيب يكثر أو يقل من حضارات الهالكين، وانحرافاتهم العقدية والفكرية والسلوكية، فلا غرو أن يخشى عليها أن ينزل بأهلها ما نزل بهم: وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال 45 وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال 46 (إبراهيم).

_________________________________

المحور الرابع : منهج النظر في الوراثة الحضارية

إن منهج النظر الصحيح في قضية استعادة الريادة الحضارية له شقان:
أولهما: يتمثل في معرفة ذاتنا والعمل على تفعيل خصائصنا الحضارية.. فواقعنا ينطوي على كثير من الثغرات والعثرات التي يجب ألا تُتجاهل أو يُقفز فوقها وإلا كان ذلك إمعاناً في الوهم أو إسرافاً في التمني، لا يتغير بهما حال ولا تقوم بهما نهضة(1).

وثانيهما: يتمثل في معرفتنا بالآخر وبإنجازه الحضاري وإشكالياته وإصاباته كشريك حضاري يمتلك أدوات السبق والغلبة والحضور في كل المواقع.(2)

أولاً: تفعيل خصائصنا الحضارية:

إن الخصائص الحضارية للأمة الإسلامية والتي تؤهلها للريادة الحضارية، تظل أطروحات نظرية لا نصيب لها في أرض الواقع إن لم تُفعَّل، فالنص الخالد والهدي النبوي ليسا إلا خطاباً موجهاً للمسلمين، وحال الأمة لا يُصلح بالوجود المجرد لهذا الخطاب، بل يصلح بقدر ما تستجيب الأمة لهذا الخطاب استلهاماً وفهماً وعملاً وتطبيقاً، فمشكلة الحضارة الإسلامية ليست في غياب النصوص الهادية والخصائص المبلغة بقدر ما هي في تجسيد هذه النصوص في أمة تحملها وتنفذها، وتنزيل هذه الخصائص في مجتمع يتمثلها ويطبقها.

إن أهم ما يجب أن يُركّز عليه في تفعيل هذه الخصائص الحضارية يتمثل فيما يلي:

1 – معالجة اختلال سوء الفهم للإسلام بإحياء منهج الوسطية والاعتدال بعيداً عن طرفي الغلو والتقصير وتنقيته من الشوائب التي كدَّرت صفاءه ليجمع بين مُحكمات الشرع ويرعى متغيرات العصر.

2 – إطلاق طاقة التعمير المادي في الفكر الإسلامي: إذ لا يتحقق الإيمان الحق إلا بالنهوض بواجب تعمير الأرض التي استعمرنا الله فيها "أي طلب أن نعمرها"، وقد حقق سلفنا هذا الفهم الإيماني فأنشأوا عمراناً مادياً متعدد الجوانب ثري النتائج وتجلت هذه الطاقة التعميرية عندهم في صفحة الكون المنظور عناية بالوجود المادي، خلافاً لما شاع قبل الإسلام من تحقير للوجود المادي واعتبار الانشغال به منقصة يجب التنزه عنها؛ إذ جعل الإسلام الوجود المادي دليلاً على وجود الله، ومعيناً على طاعته ومذكراً بفضله ونعمته ومزرعة لغرس الآخرة.

3 – تجليات الأنفس والآفاق: وذلك بالتدبر والتفكر في آيات الله والسعي لاكتشاف قوانين المادة وتركيبها ونحو ذلك وصولاً إلى منفعتين: أولاهما ترسيخ العلم الغيبي "وجود الله" وثانيهما تحقيق العلم المادي.

4 – التسخير الكوني: فالعلم بالقوانين الكونية المادية فضلاً عن أنه يوصل إلى الله فهو وسيلة للاستنفاع والإفادة من الكون واستثمار ذلك في تنمية الحياة وترقيتها مأكلاً وملبساً ومسكناً وزينة، بما يعود على الإنسان بالسعادة وفق الضوابط الشرعية التي تحول بين أن يصبح الاستنفاع المادي هو الغاية في الحياة، وترتفع به أن يكون منقصاً للسمو الروحي، وتنأى به أن يكون معول هدم.

5 – تقييم الجهد البدني: فالعقيدة الإسلامية تثمن عمل القلب وكسب الجارحة وترتب الأجر على الإخلاص والصواب في كليهما، بل وتجعل عمل الجوارح من شُعب الإيمان، إذ إن الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، فإذا كانت إماطة الأذى عن الطريق على قلة ما فيها من جهد بدني من شُعب الإيمان فما الظن بما هو أكبر جهداً وأكثر نفعاً ؟

6 – ترقية الإنسان: فالإنسان في العقيدة الإسلامية مخلوق مكرم وليس صاحب خطيئة أصلية كما ترى النصرانية المحرَّفة ولقد كرمنا بني آدم (الإسراء : 70 )، هذا التكريم مطلق لكل بني آدم على اختلاف ألوانهم وقومياتهم وعقائدهم، وبناءً على هذا التكريم، فإن العقيدة الإسلامية تحدث في نفوس المؤمنين بها الدافع الإرادي لتزكية النفس والسعي نحو الكمال البشري المتاح وتنمي فيهم حب القيم والتمسك بها، الأمر الذي يثمر رابطة اجتماعية قوية إذ إن القيم الإنسانية ذات طابع جماعي، الأمر الذي يؤدي إلى ترابط المجتمع وتكاتفه.

7 – الدعوة إلى طلب العلم: أول ما نزل من القرآن هو قوله تعالى: "اقرأ"، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في طلب العلم أكثر من أن تُستقصى، وفي هذا دعوة للأمة: أن تسعى لتخطي الأمية التي تغلب على مجتمعات المسلمين، وأن تعمل على ترقية المستوى الثقافي.

8 – الدعوة إلى تحقيق الإتقان: فالإسلام يدعو إلى إحسان العمل وإتقانه: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"(3)، والمسلمون من هذا المنطلق يثمنون قيمة العمل، ويسيرون به في خط صاعد… فلا يقل حجمه ولا يتراجع مستواه ولا تغلب عليه النمطية والتقليد ولا يفتقر إلى الإبداع والتجديد.

9 – الدعوة إلى التزام الشورى: فالشورى في الإسلام شأن من شؤون الأمة الإسلامية وليس الدولة فحسب، كما غلب الفهم في أيامنا هذه، وآية الشورى: وأمرهم شورى" بينهم (الشورى : 38 ) نزلت قبل أن يكون للمسلمين دولة، وسنة رسول الله ص أقامت الشورى قبل الدولة، فلا يجدر بالمسلمين الذين لم يُعرف أحد أكثر مشورة لأصحابه من نبيهم أن تغيب عنهم الشورى ويضيق أفقها ويُهجر مضمونها، وتنتهك فيهم الحريات والحقوق التي أقرها دينهم.

ثانياً: المعرفة بالحضارة الغربية:

ومن أهم ما يجب معرفته عن الحضارة الغربية أنها:

1 – ناقدة لذاتها مصوبة لمسارها: فالحضارة الغربية تحس بأمراضها بل وتفزع منها وتعمل على علاجها لدرجة أن بعض الباحثين قال: "إن معرفتنا بالأمراض الحضارية اليوم، التي نكتب ونخطب فيها ليست من كشفنا وبحثنا وتحليلاتنا، وإنما هي قراءة في إحصائيات وكتابات ودراسات أصحاب الحضارة نفسها، فأهل الحضارة هم الذين يكتشفون أمراضها بأنفسهم، ونحن قد نتمثل في ذلك برجع الصدى، إضافة إلى أن الحضارة المتسلطة اليوم ليست مصابة بعمى الألوان والصلف المردي، وإنما تسعى لاكتشاف أمراضها ومداواة نفسها بنفسها.(4)

2 – حريصة على ألا تصل إلى مرحلة الشيخوخة الحضارية، وألا تنطبق عليها نظرية الدورية الحضارية الخلدونية المعروفة لأنها تحاول استدعاء الشباب الحضاري واحتواء العالم للتقوي به على شفاء نفسها وضمان استمرارها.

3 – حققت سبقاً حضارياً في المجال المادي يصعب إدراكه، دعك من التفوق عليه، وأخذت تصبغ ثقافتها والعالم من حولها بهذا السبق الحضاري، فتهاوت أمامها الثقافات الهشة، وتأثرت بها كل الثقافات بلا استثناء وإن تفاوتت درجة التأثر.

الهوامش:

(1) الإعداد للدور الحضاري للأمة الإسلامية، د.أحمد كمال أبو المجد.
(2) الوراثة الحضارية، شروط ومقومات، عمر عبيد حسنة، ص 5.
(3) أخرجه البيهقي عن عائشة، وحسَّنه الألباني.
(4) الوراثة الحضارية، مرجع سابق، ص 23.
________________________________

المحور الخامس : العوامل المشتركة بين الحضارات المختلفة

تشترك الحضارات على اختلاف مشاربها في أصول عدة أهمها:

1 – الاشتراك في "الإيمان بالخالق":

تجتمع الحضارات جميعها باستثناء القلة المادية الملحدة على الإيمان بوجود خالق لهذا الوجود… هذا الاشتراك لا يمنع من وجود اختلافات في تصور كل حضارة لخالق الوجود، فالتصور الوثني الجاهلي لم ينكر وجود خالق، ولكنه وقف في تصوره لعمل هذا الخالق عند حدود "الخلق"… ثم أشرك معه شركاء آخرين زعم أنهم الوسائط المدبرة لشؤون الحياة الدنيا، يفزع إليهم الإنسان عند الملمات، ولذلك لم ينع القرآن على التصور الجاهلي إنكار الخالق للوجود، وإنما نعى عليه الوقوف بعمل هذا الخالق عند حدود "الخلق" دون آفاق التدبر في ميادين الوجود كلها وسائر شؤون العمران.

ففي هذا التصور الجاهلي للذات الإلهية: اشتراك مع التصورات الأخرى في الإيمان بخالق لهذا الوجود وخصوصية جاهلية تقف بفعل الخالق عند حدود الخلق، وتشرك معه الشركاء في التدبير والتلبية لحاجات الإنسان في هذا الوجود.

2- الاشتراك في "إنسانية الحضارات":

الحضارات كلها "إنسانية" بمعنى أنها صناعة الإنسان وإبداعه عندما يرتقي في سلم التمدن والاستقرار… وفي هذه الحقيقة تشترك الحضارات كلها..

لكن التصور الفلسفي لمكانة الإنسان في الكون يختلف من حضارة إلى أخرى، إلى الحد الذي يصبح فيه التمييز في هذا التصور من الخصوصيات التي تتميز بها حضارة عن أخرى، رغم أنها جميعها تشترك في كونها من صنع هذا الإنسان.

3 – الاشتراك في الحاجة للدين:

والحضارات الإنسانية كلها تشترك في التدين بالديانات… بل إن الشريحة التي ألحدت وأحلت "المادة" محل "الله" قد جعلت من الفلسفة المادية عقيدة وديناً؟

لكن الحضارات تتمايز في رؤيتها لمصدر الدين، فهناك حضارات الديانات الوضعية غير السماوية مثل ديانات الشرق الأقصى ومعها في هذه الفلسفة تقف "الوضعية الغربية" بمذاهبها المتعددة، فلقد زعمت أن الدين، ككل ألوان الفكر وأنساقه، إنما هو إفراز بشري وثمرة من ثمرات العقل الإنساني، بل قالت إنه الممثل للفكر الإنساني في طور طفولة العقل البشري الذي ارتقى بعد الطفولة إلى مرحلة الميتافيزيقا والإيمان بما وراء الطبيعة ثم لما نضج أصبح وضعياً لا يرى علماً حقيقياً ولا معرفة حقيقية إلا إذا كانا من ثمرات التجارب الحسية والعقل المجرد انطلاقاً من حقائق الكون المادي المحسوس!.

فهذه الحضارات عرفت الدين لكنها جعلته "وضعاً إنسانياً" وليس "وضعاً إلهياً" ووحياً سماوياً!.

4 – الاشتراك في الإيمان بالأسباب:

إذا كانت الحضارات كلها قد اشتركت في الإيمان "بالأسباب" وبالعلاقة بين "الأسباب" و"المسببات" فإن مناهجها ومذاهبها وفلسفاتها قد تمايزت في مرجعية هذه الأسباب وفي طبيعة العلاقة بينها وبين المسببات:

أ – فالحضارة المادية والمذاهب الوضعية ترجع "المسببات" إلى الأسباب المادية، المركبة في المادة وقواها وظواهرها وفي الإنسان والاجتماع البشري، وهم يرون فيها "أسباباً ذاتية"، وليست مخلوقة لخالق وراءها ومفارق لمادتها، إما لأنهم يجحدون وجود هذا الخالق أو يتصورونه على الصورة التي تصوره عليها أرسطو محركاً أول حرك العالم ثم تركه لقواه وأسبابه الذاتية الفاعلة وحدها فيه دون علاقة تدبير بين الخالق وهذه الأسباب:

ب – أما الموقف الإسلامي من مرجعية السببية فهو الذي يؤمن بوجود الأسباب وبقيام العلاقة بينها وبين المسببات، مع الإيمان بأن هذه الأسباب المركبة جميعها في المادة وقواها وظواهرها وفي الإنسان والاجتماع البشري هي جميعها مخلوقة أيضاً وأن عملها في مسبباتها لا يعني انتفاء قدرة الموجد الأول والأوحد لها على إيقاف عملها، إذا هو سبحانه شاء إخراج الأمر من "العادة" إلى "خارق العادة" لحكمة يريدها الله…

والخاتمة، أن الواقع يفرض على الأمة المسلمة أن تعرف موقعها في مسيرة الحضارة المعاصرة على ضوء قدراتها وإمكانها الحضاري، لأن ذلك يشكل الخطوة الأولى لمعرفة أين نقف وإلى أين نتجه حتى نتقدم عن علم ودراية لسد نقص حضارة اليوم وتقديم الحلول الناجعة لمشكلاتها، ولنا في الأنبياء أسوة؛ إذ إنهم قدَّموا الحلول لأممهم ولم يسابقوا في التقدم المادي والإنجاز العمراني من نحت للبيوت، وإقامة للأهرامات وكنز للأموال والاستغراق في اللذائذ والتأله وتعبيد الناس، وإنما تقدموا لهم بالمفقود في حياتهم، المطلوب لسعادتهم وإلحاق الرحمة بهم.

كذلك يتطلب الواقع من الأمة أن تعلم المداخل الحضارية التي يمكن عبرها تقديم دعوة الله في ثوب يطرق الأوتار الحساسة في المجتمعات، وينصر الدين، ويتمم مكارم الأخلاق، ذلك أن مفهوم الوراثة الحضارية ينبني على أن الأمة الإسلامية لا تريد أن تُقصي الحضارة الغربية وتبني مجدها في العصر الراهن على أنقاضها بقدر ما تريد أن تكمل نقصها وتصحح مسارها… ترث خيرها وتبني عليه حضارة مشرقة تسعد العالمين.

المرجع : مجلة المجتمع،في خمسة أعداد متتالية ، بدءا من عدد رقم 1536


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
تاريـخ,

ماهية الحضارة الإسلامية

ماهية الحضارة الإسلامية

كتب: د / أحمد عبد الحميد عبد الحق *

04/12/1431 الموافق
10/11/2010

الحضارة في اللغة مشتقة من الفعل حضر ، وهي ضد البداوة ، وقد جاء في كتاب "الصحاح في اللغة " الحَضَرُ خلاف البَدْو ، والحاضِرُ خلاف البادي ، والحاضِرةٌ خلاف البادية، وهي المدن والقرى والريف، ويقال: فلانٌ من أهل الحاضِرَةِ ، وفلان من أهل البادية، وفلان حَضَريٌّ وفلان بدويٌّ ، والحاضِرُ: الحيُّ العظيم ، وفي كتاب " القاموس المحيط " الحَضَرُ والحَضْرَةُ والحاضِرَةُ والحِضارَةُ أو الحَضارة خِلاَفُ البادِيَةِ ، والحَضارَةُ الإقامَةُ في الحَضَرِ ، وفي كتاب " لسان العرب " الحاضِرَةُ سميت بذلك لأَن أَهلها حَضَرُوا الأَمصارَ ومَساكِنَ الديار التي يكون لهم بها قَرارٌ..
ويفهم من هذا أن كلمة الحضارة كانت معروفة عند العرب منذ القدم ، ولكنهم كانوا يقصرون إطلاقها على تمصير البلاد وتعميرها ، حتى جاء العلامة ابن خلدون وتوسع في معناها ، حيث قال : الحضارة هي تفنن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه من المطابخ والملابس والمباني والفرش والأبنية وسائر عوائد المنزل وأحواله.
ولذلك فهي تختلف من بلد لآخر حسب تفنن الناس في تلك الأمور ، يقول ابن خلدون : وذلك يدل على أن أحوال الحضارة ناشئة عن أحوال البداوة ، وأنها أصل لها.. ، ثم إن كل واحد من البدو والحضر متفاوت الأحوال من جنسه ؛ فرب حي أعظم من حي، وقبيلة أعظم من قبيلة، ومِصر أوسع من مصر، ومدينة أكثر عمراناً من مدينة ، فقد تبين أن وجود البدو متقدم على وجود المدن والأمصار وأصل لها، بما أن وجود المدن والأمصار من عوائد الترف والدعة التي هي متأخرة عن عوائد الضرورة المعاشية.
ومن العجب أن ابن خلدون قد ذكر منذ وقت مبكر أن توسع الناس في الحضارة بهذا المفهوم المادي الذي ذكره رغم أنه يؤدي إلى رفاهيتهم إلا أنه مفسد لهم فقال : ولما تناقص الدين في الناس ، وأخذوا بالأحكام ( القوانين ) الوازعة، ثم صار الشرع علماً وصناعة يؤخذ بالتعليم والتأديب ، ورجع الناس إلى الحضارة ، وخلق الانقياد إلى الأحكام نقصت بذلك سورة البأس فيهم.
وفي العصر الحديث توسع العلماء في تعريف الحضارة لتشمل كل أنواع النشاط الإنساني بمختلف صوره المادية والمعنوية ، وما وصلت إليه الأمم في نواحي نشاطها الفكري والعقلي.
فالمزارع وما يُشق لها من ترع وأنهار ، وما يقام عليها من سدود ومساقي ، وما ينتج فيها من زروع وثمار ، وما يبتكر لها من نظم في الري والبذر والحصاد ، والمصانع وما تنتجه من سائر المصنوعات ، وما يخترع لها من مكينات ومعدات ، وما يوضع في فنونها من مصنفات ، والمتاجر وما يسن لها من نظم التعامل والتبادل ، والمدارس والمعاهد والجامعات وما يدرس فيها ، والمساجد والمعابد والمستشفيات والمتنزهات والحدائق والطرق والأرصفة والبيوتات ، وما يتم فيها من أنشطة هي جزء من الحضارة ، فضلا عن العلوم والفنون والنظم والقوانين التي تسير وتنظم وتُحكم أمور العباد .
وأي مجتمع يقوم بتلك الأمور أو بعضها يسمى مجتمعا حضاريا ، وتنسب إليه تلك الحضارة، فيقال : مثلا : الحضارة المصرية القديمة ، ويقصد بها الأنشطة والأفعال والابتكارات والأنظمة التي وضعها المصريون القدماء ، ويقال : الحضارة الفينيقية ، ويقصد بها ما أُثر عن الشعب الفينيقي القديم ، ويقال : الحضارة اليونانية ، ويقصد به تراث اليونانيين ، وهكذا .. وتعظم تلك الحضارات أو تحقر بحسب ما تقدمه من نفع للبشرية ، فهذا هو المقياس الوحيد لتقييمها .
فمنها الحضارات المتواضعة ، ومنها الحضارات الجليلة العظيمة ، ومنها الحضارات المؤقتة المحلية ـ أي المرتبطة بزمان ومكان معين ، فلا تصلح لزمان ومكان غيره ، ومنها الحضارات العالمية التي تفيد الناس في كل زمان ومكان ، ومنها الحضارات النافعة ، ومنها الحضارات الضارة ، التي لا تجلب للبشرية إلا الدمار والهلاك ، والتعاسة والشقاء .
ومنها الحضارات المادية البحتة التي تهتم بالجانب المادي أو الجسماني في الإنسان ، فلا تشبع إلا ملذاته وشهواته ، ومنها الحضارات الروحية التي لا تنشغل إلا بالجانب الروحي فقط ، ومنها الحضارات التي تهتم بالجانب المادي والروحي على السواء .
وبناء على التعريف السابق يمكن أن نعرف الحضارة الإسلامية بأنها كل الأنشطة المادية والمعنوية التي قام به المسلمون ، وما أثر عنهم من تراث فكري وعلمي وعقدي .
فعقيدة الواحدنية الصحيحة التي غرسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، والعبادة التي شرعها الله سبحانه وتعالى للمسلمين ، ووضحها لنا النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، والأخلاق التي تخلق بها النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إليها يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، والقيم السامية التي حث عليها صلى الله عليه وسلم يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، والنظافة والنظام واحترام الكبير والعطف على الصغير يمكن أن يعد كل ذلك جزءا من الحضارة الإسلامية ..
ودعوته صلى الله عليه وسلم لنشر الحب والسماحة والمودة والرحمة بين الناس يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية, ووصيته ببر الوالدين وصلة الأرحام , وإطعام الفقراء والمساكين واليتامى وكسوتهم يمكن أن يعد جزءا من الحضارة الإسلامية, ومساعدة المحتاجين, والإحسان إلى الجيران يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية, ودعوته صلى الله عليه وسلم إلى حسن المعاشرة بين الأزواج يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية.
وكذلك دعوته صلى الله عليه وسلم إلى نظافة البدن والملابس والبيوت والطرق , والمحافظة على الصحة والتجمل والتزين ، يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية..
ودعوته صلى الله عليه وسلم إلى إتقان العمل يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، ومناداته بنصرة المظلومين يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية, ودعوته إلى تحرير العبيد واحترام آدمية الإنسان الذي كرمه الله على سائر المخلوقات وخلقه بيديه يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية..
وحثه صلى الله عليه وسلم على الرفق بالحيوان ورحمته يمكن أن يعد جزءا من الحضارة الإسلامية, وحضه على الحافظة على الطبيعة التي وهبها الله لنا يمكن أن يعد جزءا من الحضارة الإسلامية.
بل إن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الاعتداء وسفك الدماء إلا بالحق , وعن الوقوع في الفواحش وسائر المنكرات, وعن الكذب والخيانة والغدر والغش وقول الزور وأكل الميتة , وعن أكل أموال الناس بالباطل , وعن أخذ الرشوة يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية..
وتحذيره من الظلم والتجبر والإفساد في الأرض , ومن نقص الكيل والميزان في البيع والشراء , وعن التعصب للجنس أو اللون , وعن قتل الحيوانات لغير الحاجة أو إيذائها , وعن قطع الأشجار النافعة إلا لضرورة الناس يمكن أن يعد جزءا من الحضارة الإسلامية.
وذلك لأن تلك الأمور كلها من لوازم المجتمع العمراني المثالي الذي لا تقوم الحضارة ألا به .
وما قدمه المسلمون من نظم وتشريعات وقوانين ودساتير للبشرية يعد جزءا من الحضارة الإسلامية ..
وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، وسَن حق الرعية في اختيار من يحكمها ويترأسها ومراقبته ومحاسبته ، وإلزامه بأن يستشيرهم فيما يقوم به ، وما يقدم عليه من أعمال هامة تهم الدولة الإسلامية ؛ مما كان سببا في نضج البشرية ، يعد جزءا من الحضارة الإسلامية.
ونظم القضاء الفريدة التي تكفل للقاضي الاستقلالية الكاملة ، وتجبره على أن يسوي بين الخصمين ـ عند التحاكم ـ في كل شيء ، حتى في نظراته إليهما ، ولو كان أحدهما أمير المؤمنين نفسه ، تعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
ونظم المدارس والمحاكم والمستشفيات التي ابتكرها المسلمون تعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
والمكتبات العامة ونظم الجامعات التي أسسوها تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، والمصنفات والنظريات العلمية التي وضعها علماء المسلمين ، وكان لهم فيها فضل السبق على العالم الحديث تعد جزء من الحضارة الإسلامية .
واختراع نظام إخضاع النظريات العلمية للتجريب للوصول إلى الحقائق الثابتة اليقينية في العلوم الطبيعية ، تلك الحقائق التي كانت نواة للنهضة الحديثة ، تعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
وجهاز الحسبة الذي وضعه علماء المسلمين لمراقبة الصناعات والحرف المختلفة هذا الجهاز الذي تفرع في العصر الحديث إلى أجهزة المراقبة والمحاسبات والصحة العامة والجودة ومطابقة الموصفات والتموين وغيره يعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
ونظم التعامل البنكي من شيكات وسندات وصكوك ، وأمور التعامل المادي التي وضعها المسلمون تعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
وتعريب تراث الأمم السابقة والاستفادة مما جاء فيها ، ونقدها والتعليق عليها ، يمكن أن يعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
ونظم التعامل بين الجنسيات أو العرقيات أو الديانات داخل المجتمع الإسلامي التي سنها المسلمون لتستوعب كل أفراد وطبقات المجتمع ، وتجعل منه نسيجا مترابطا تعد جزءا أصيلا من الحضارة الإسلامية .
والصناعات الحديثة التي ابتكرها المسلمون جزء من الحضارة الإسلامية .
والأصناف الزراعية التي ابتكر المسلمون صناعتها واستخدامهم لسبل الزراعة الراقية ، واختراع نظام تطعيم الفواكه ومحاولات إيجاد أصناف جديدة جزء من الحضارة الإسلامية .
والأدوية والأدوات الطبية التي صنعها المسلمون ونقلوا صناعتها للأمم الأخرى تعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
والصحاري التي عمروها ، والمدن التي أقاموها ، والمساجد والعمائر والحصون والقلاع التي شيدوها هي جزء من الحضارة الإسلامية .
إذن فمصطلح الحضارة الإسلامية مصطلح واسع فضفاض يتسع ليشمل كل ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير موقع التاريخ الالكتروني

المصدر : موقع التاريخ


التصنيفات
تاريـخ,

اضمحلال العصور الوسطى : دراسة لنماذج الحياة و الفكر و الفن بفرنسا و الاراضى المنخفضة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اضمحلال العصور الوسطى : دراسة لنماذج الحياة و الفكر و الفن بفرنسا و الاراضى المنخفضة / هويزنجا، يوهان.-جاويد، عبد العزيز توفيق

الحجم : 12.88 MB

http://www.mediafire.com/?bf1amnd6c10yuhu


التصنيفات
تاريـخ,

قيمة التاريخ / هورس، جوزف.-نصر، نسيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قيمة التاريخ / هورس، جوزف.-نصر، نسيم

الحجم : 2.5 MB

http://www.megaupload.com/?d=IXAL6JF3


التصنيفات
تاريـخ,

كيف صنعنا القرن العشرين / روجيه جارودى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف صنعنا القرن العشرين / روجيه جارودى

الحجم : 4.2 MB

http://www.4shared.com/get/wfFOBBK1/____.html