وكالات الأنباء
المقدمة:
تمثل وكالات الأنباء مصدرا مهما رئيسيا للأخبار ضمن مسار العملية الإعلامية لقد تبوأت هذه المؤسسات مركز الصدارة في التعامل مع الأحداث ومتابعتها وتغطية مجرياتها للجمهور عبر شبكاتها ومراسليها في مختلف البلدان والمناطق الساخنة من العالم. وقد استحوذت هذه الوكالات وخاصة الكبيرة منها ذات الصفة العالمية حيزا واسعا ومؤثر في هذا الميدان, وبالتالي هيمنتها على مجرى تدفق الأخبار.مفهوم وكالات الأنباء :
تعرف وكالات الأنباء بأنها منظمات أو مؤسسات أو هيئات وظيفتها جمع الأخبار و الصور و الموضوعات الصحفية من مختلف مناطق العالم ،والوكالة الصحفية الإخبارية هي المطبوعة التي تصدر بصورة مستمرة وباسم معين وتكون معدة لتزود مؤسسات النشر الأخرى بالأخبار والمقالات والصور والرسوم ، وتشكل وكالات الأنباء واحدة من أهم مصادر المعلومات التي تتكفل بنشر الأخبار داخل بلد من البلاد أو فيما بينها ولا تقتصر خدماتها على الصحف فقط بل تتعداها إلى محطات الإذاعة والى غيرها من المنظمات .
إن هذا التعريف يبين مدى أهمية وكالات الأنباء وفي الواقع فإن قضية تحكّم مراكز قليلة قوية في تدفق الأخبار والمعلومات ظاهرة قديمة عرفت منذ الفترة التي زاد فيها نفوذ المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا عالمياً. فقد كانت المعلومات تتدفق من تلك الدول الثلاث إلى بقية دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة وكان العالم مقسماً إلى مناطق نفوذ موزعة بين وكالات الأنباء الثلاث رويتر ، هافاس ، وولف ، وقد عرف هذا باسم الكارتل الإخباري ولقد كان من حق هافاس لوحدها بيع الأخبار لدول أمريكا اللاتينية ومن حق رويتر وحدها بيع الأخبار للشرق الأقصى ومن حق وولف وحدها بيع الأخبار لأوربا ثم تبنى العالم بعد أن دخلت الولايات المتحدة مجال الإعلام مفهوم التدفق الحر للمعلومات ورفع القيود على انتقال الأنباء والمضمون الإعلامي بين مختلف الدول ، وقد أصبح هذا المبدأ ملزماً للدول الأعضاء في الأمم المتحدة وأساساً من أسس منظمة اليونسكو .
إن هذا المبدأ الآن محل شك خاصة وأن الدول النامية بدأت تشعر أن الدول المتقدمة وبشكل خاص الولايات المتحدة تسيطر على كل أنواع المضمون الإعلامي الذي يغرق العالم ويسيطر على إمكانات نقل المعلومات عبر الحدود الوطنية من خلال الأقمار الصناعية وهو الأمر الذي وضع في أيدي الدول الكبرى سلطات ضخمة تتحكم من خلالها عبر المعلومات التي تدخل الدول النامية أو تخرج منها وبالتالي أصبحت تكنولوجيا الاتصال الجديدة والمضمون الإعلامي تسير من المراكز إلى الهوامش ولذلك أصبحت المطالبة بإعادة النظر في نظام توزيع المعلومات في العالم مبدأً ثابتاً وقد ظهر اصطلاح النظام الإعلامي العالمي الجديد للمرة الأولى في الندوة التي نظمتها دول عدم الانحياز في تونس آذار 1976 حول السياسات الإعلامية .دور وكالات الأنباء وأهميتها في العملية الإعلامية
تعتبر وكالات الأنباء من ابرز وسائل الإعلام تأثيراً على الصعيدين الداخلي والخارجي.. وهذا التأثير ناتج عن سببين أساسيين هو أن وكالة الأنباء لا يقتصر عملها على المحيط الداخلي وإنما يشمل نطاق عملها المحيط الخارجي فهي قادرة على الوصول إلى مناطق وبقع جغرافية تعجز وسائل الإعلام الأخرى عن الوصول إليها بسبب الأجهزة المستخدمة في نقل الخبر وبثه.
وتعرف وكالات الأنباء بأنها المؤسسة التي تمتلك إمكانيات واسعة تمكنها من استقبال الأخبار ونقلها وتستخدم شبكة من المراسلين لجمع الأخبار في عدد كبير من دول العالم.. كما تستخدم العديد من المحررين في مركزها الرئيسي يتولون تحرير المواد الإخبارية عالمية كانت أم محلية وإرسالها بأسرع وقت إلى مكاتب الوكالة في الخارج للتوزيع المحلي على الصحف ومحطات الإذاعة والى وكالات الأنباء المتعاقد معها والصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون خارج المناطق المشتركة فيها مباشرة.
وتعد وكالات الأنباء أيضا بأنها وسيلة من وسائل الإعلام غير المباشرة تصل إلى الجمهور من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية المعروفة كالصحافة المكتوبة والصحافة المسموعة والصحافة المسموعة المرئية.
وهي المصدر الرئيسي الذي تعتمد عليه وسائل الإعلام وتقتبس منه الأخبار والمعلومات والممون الرئيسي لهذه الوسائل بالمادة الإخبارية على اختلاف أنواعها وأشكالها وتقوم بدور عالمي هام في نقل وتبادل الأنباء عبر القارات ويؤهلها للقيام بهذا الدور قدراتها التكنولوجية وكوادرها البشرية المدربة التي تستعين بها في جمع الأنباء وتوزيعها بلغات عديدة في مختلف أنحاء العالم, فضلا عن قدراتها المادية التي تجعلها قادرة على نقل أخبار العالم وتشكيل التصورات عن الأشخاص والشعوب والثقافات والوصول إلى كل إنسان على سطح الكرة الأرضية.
كما أن وكالات الأنباء هي مصنع الأخبار في العالم تستخدمها الدول كافة, فهي مؤسسات كاملة واحتكارات دولية لايستهان بها تستخدمها الدول الكبرى في تنفيذ سياستها نشرا وهجوما ودفاعا ودسائس فهي السلاح الرابع مع أسلحة البر والجو والبحر.
لهذا فان الصحيفة والإذاعة قادرتان على تغطية مناطق جغرافية في الغالب تكون قريبة إلى مناطق البث إلا إذا استخدمت وسائل تقوية في الغالب تكون قريبة إلى مناطق جغرافية متعددة وهي عملية قد تكون صعبة في كثير من الحالات.وكالات الأنباء العربية والعالمية
إن وكالات الأنباء لديها القدرة على أن تصل إلى بقع جغرافية متعددة ويمكن لوكالة أنباء واحدة أن تغطي كل العالم بمجرد استخدام مرسلات ذات طاقة محددة وبتوجيه البث نحو منطقة جغرافية محددة.. فهذه الإمكانية في الأجهزة المستخدمة والخاصة بوكالات الأنباء تعطيها ميزه أقوى وأكثر في التأثير من باقي وسائل الإعلام لان الطاقة والمرسلة التي تحتاجها الكلمة المطبوعة للبث هي اقل بكثير من الطاقة التي تحتاجها الكلمة الصحفية أو التي يحتاجها الصوت أو الصورة في النقل إلى أماكن بعيدة ولذلك فمن السهل جدا استخدام مرسلات بطاقة محددة من اجل إيصال الكلمة المطبوعة إلى أي مكان في العالم.
هذا سبب يجعل وكالات الأنباء أكثر قابلية وقدرة على التأثير وسبب آخر هو أن لوكالات الأنباء بموجب طبيعة عملها وتعاملها مع الأحداث اليومية السريعة فهي أوسع انتشارا من بقية وسائل الإعلام الأخرى, أي الصحف التي يكون لها مراسل في بلد أو عدة بلدان أو أكثر- أما وكالات الأنباء فلها مراسلون في مناطق متعددة من العالم فسعه الانتشار هذه أيضا توفر لها معلومات إضافية ومواد تجعل الإقبال عليها أكثر وبذلك يزداد تأثيرها في الوسطين الداخلي والخارجي على اعتبار أنها يمكن أن تزود القارئ أو المستمع أو مشاهد التلفزيون بتفاصيل أكثر من أي مؤسسه أخرى وبذلك تستطيع الوكالة أن تؤثر بشكل فاعل في ذهنيه المواطن في الداخل والخارج لأنها توفر له كامل الاهتمامات التي يمكن أن توفرها له وسائل الإعلام الأخرى.
وبهذا تساهم هذه الوكالات أولا في تنوير المواطن وتعريفه بسياسة بلده الداخلية والخارجية وتجعله مواكبا للتطور الذي يحصل في بلده في النواحي التنموية أو السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية وكذلك فيما يحصل من تطور في هذه البلدان وليس بالضرورة أن تكون المادة مباشرة من وكالة الأنباء وإنما هي معكوسة من خلال الصحيفة أو الراديو أو التلفزيون.
وتنقسم وكالات الأنباء إلى ثلاث مجموعات:
1ـ وكالات وطنية.. وتقوم هذه الوكالات بجمع المعلومات من البلد الذي تعمل فيه ثم تعالجها وإرسالها إلى الخارج.. أما الأخبار التي تصلها من الخارج فتنشرها فقط في بلدها وبصرف النظر عن كونها تمتلك مكاتب للمراسلين في دول أخرى فهي بجوهرها وكالات وطنية.
2ـ وكالات إقليمية.. وهي وكالات وطنية تحولت إلى مراكز لتبادل الأخبار بين عدة دول تقع في منطقة واحدة أو بين دول متجاورة.
3ـ وكالات عالمية.
فهي تجمع وتعالج وتخزن وترسل الأخبار من العالم كله والى العالم وساعد ظهورها على تطور الصحافة مما جعل ظاهرة الاتصال تأخذ بعدا جديداً فمن ناحية المكان صار العالم أكثر قربا ومن ناحية الزمان أصبحت المعلومات أكثر حداثة من ذي قبل.. وتقدم هذه الوكالات خدمات معقدة ومتنوعة فمنها الخدمات العامة التي تغطي كامل الأحداث الكبيرة والشؤون المتعددة إلى الخدمات المتخصصة المختلفة مالية- رياضية- علمية- طبية كذلك فهي تعد أهم المنابع الخيرية من حيث جمع الأخبار ونشرها فور ورودها.وبشكل عام يمكن إيجاز ابرز الوكالات العالمية والتي تشكل مصدرا رئيسيا لإخبار ومعلومات دول العالم وخاصة دول العالم النامي وهي.
1- وكالة استو سييتد برسassociated press
ترجع أصولها إلى عام 1848 حيث قدمت نفسها لأوربا كمؤسسة غير عادية باسم الجمعية التعاونية لأصحاب الصحف.. واكتسبت بالتدرج صفتها العمومية لكل البلاد والتي احتكرت فيما بعد العمل الإعلامي والإخباري في كل الولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ عام 1931 فتحت هذه الوكالة فروعها في لندن وباريس وبرلين ثم تغلغلت في السوق الأوربية للأخبار وتقوم حاليا بتقديم خدماتها إلى أكثر من (15) ألف جريدة والى محطات الإذاعة والتلفزيون في أكثر من (115) بلد و لديها أكثر من (1100) مكتب داخل الولايات المتحدة و(70) مكتب خارج الولايات المتحدة وعدد موظفيها يزيد على (5) آلاف موظف ومعدل حجم الأخبار المغطاة أربع وعشرين ساعة يعادل (20) مليون كلمة.2- وكالة اليونايتد برس انترناشنال united press international
وجدت هذه الوكالة عام 1958 نتيجة دمج وكالة اليونايتد برس (up) مع وكالة الأنباء الدولية (ns).. وتعد هذه الوكالة من أهم الوكالات في أمريكا ولها (100) مكتب داخل الولايات المتحدة و(528) مكتب في دول العالم ومعدل البث اليومي لها (14) مليون كلمة وتبث اخبارها بخمسين لغة وتعمل لمدة (24) ساعة يوميا.
3- رويترز ruters
تعد وكالة رويترز البريطانية من اكبر الوكالات العالمية في مجال الاخبار والمعلومات اسسها يوليوس رويتر عام (1851) في لندن وتشرف على ادارتها اربع جمعيات للاتحادات الصحفية وهي جمعيتا، مالكي الصحف البريطانية ووكالة الصحافة المتحدة الاسترالية ووكالة الصحافة النيو زيلاندية ووكالة برس اسوشيشن.
وتزود وكالة رويترز بالمواد الصحفية اكثر من (120) بلدا وتشنر اخبارها بشكل منتظم ولديها (4100) مشترك وعدد مكاتبها (163) مكتب موزعه في العديد من دول العالم فيما يبلغ بثها اليومي (5) ملايين كلمة.4- وكالة الصحافة الفرنسية associated france press
تعد هذه الوكالة امتداد لوكالة هافاس التي تأسست عام 1835 واستمرت حتى الحرب العالمية الثانية.. وقد عاودت نشاطها بعد ان تحررت فرنسا من سيطرة المانيا عام 1944 وكانت مدعومة من قبل الحكومة الفرنسية الا انها استقلت كليا عام 1957 واخذ يشرف على ادارتها مجلس يمثل الصحف والاذاعة والشعب اضافة الى ممثل عن الوكالة نفسها.. وتقدم هذه الوكالة خدماتها بخمس لغات هي الفرنسية والالمانية والعربية والاسبانية والانكليزية ولها 12.500 الف مشترك و187 مكتب منتشرة في العديد من دول العالم ويبلغ معدل بثها اليومي (2) مليوني كلمة.
وتعد وكالات الانباء الاربع وهي الاسيوشيتد برس واليونايتد برس –الامريكتان- ورويترز- البريطانية- ووكالة الصحافة الفرنسية مصدرا رئيسيا للانباء للكثير من وسائل الاعلام في دول العالم وخاصة العالم الثالث بحيث اصبحت هذه الوكالات تحتكر معظم الانباء الدولية وتهيمن على النشاط الاعلامي لكثير من الدول وهو ما يدلل على ان الحاجة تزداد الى هذه الوكالات العالمية بسبب سعه امكانياتها وقدراتها وانتشارها وهي المصدر الاساسي وصاحبة الفضل في الحصول على الخبر من مصادره الاصلية او تقوم بنقل الاخبار عن طريق الوسائل الاعلامية وعلى جهود الوكالات المحلية وصحافتها في كثير من البلدان.
ومع تطور تكنولوجيا الاتصال التي أصبحت احد سمات العصر, فان الوكالات العالمية للانباء لم تتاثر اطلاقا كما يعتقد بعض المعنيين بان اتساع مجالات الاعلام والاتصال المختلفة قد اضعفت اهمية وكالات الانباء بل على العكس من ذلك تعد اليوم من اكثر المؤسسات الاعلامية استفادة من هذا العصر اذ لم يقتصر بثها على الكلمات فحسب بل ان هناك مئات الصور والرسوم والبيانات وكل ما يساعد على الاحاطة بكل ما يجري في العالم وبجميع الاهتمامات, توزعها على الوسائل الإعلامية المشتركة في خدماتها.
وإذا ما أخذنا بالحسبان فان فكرة تاسيس وكالات الانباء العالمية قد وضعت على اساس تزويد المشتركين فيها من افراد وشركات ورجال الاعمال بانباء التجارة والمال واسعار البضائع وحالة السوق.
الى ان تطورت لتشمل فيما بعد الاخبار بانواعها والتي كانت في بدايتها
مشروعات تجارية فحسب فقد اصبحت الاخبار الاقتصادية والمالية ارضية للمنافسة الدائمة بين الوكالات الاربع.
ولكن تنوع الخدمات الاعلامية لهذه الوكالات الاربع الكبرى والانتقال من سوق المعلومات العامة الى سوق المعلومات المتخصصة الذي يحقق ربحا وايرادا اكثر من السوق الأول يتطلب امتلاك هذه الوكالات التقنيات الخاصة بنشر هذه المعلومات ومستلزماتها والاستفادة من المتخصصين بالمجالات التقنية فضلا عن القائمين بالاتصال الذين اصبحوا متخصصين بمجالات تقديم المحتوى.. لذا فان توظيف مثل هذه الطاقات الانتاجية التكنولوجية والبشرية اصبح يتطلب استثمارا ضخما باتجاهات الانتاج او البث ودراسة الجدوى في اطار البناء المؤسسي ومن ثم فان المعلومات التي تبث اصبحت تعمل وفقا لبناء ضخم بآلياته ومن اجل تلافي المنافسة بين هذه الوكالات العالمية والمخاطر المالية والحفاظ على مستوياتها تجاه المنافسة فقد اتبعت خطوات يمكن تلخصيها بالاتي:
أـ احتكار التقنيات الخاصة بنشر المعلومات.
ب- ب ـ تحقيق النزعة الربحية من خلال توظيف هذه التقنيات لخدمة السوق العالمية في تقديم المعلومات المتخصصة والعامة التي تنتج وتوزع على كل قارات العالم.
ومن هذين المنطلقين تتضاعف شدة المنافسة بين الوكالات الاربع فيقول (فيليب كيفر) في سنة 1985 ويفضل ترخيص خاص اتسم بخرقه لكل مظاهر المودة غدت afp وكالة الصحافة الفرنسية اول وكالة تتمكن من استخدام البرق البصري ولم تتمكن منافساتها من الحصول على ترخيص باستخدامه الا بعد خمس سنوات لاحقا.وكالات الانباء العربية..
الاقطار العربية وحتى منتصف الخمسينات من القرن الماضي كانت تفتقر الى وكالات انباء محلية لذا كانت وسائل الاعلام تعتمد في الحصول على الاخبار العربية والعالمية على وكالات الانباء العالمية والاذاعات العربية والاجنبية وبعد ذلك التاريخ اقدمت بعض المؤسسات الخاصة في بعض الاقطار العربية على تاسيس وكالات للانباء وكان ذلك في مصر والمغرب، فقد اقامت الصحف المصرية عام 1956 وكالة انباء الشرق الاوسط كشركة خاصة عام 1959 غير ان هذه التجربة لم تتجاوز هذين القطرين اذ عمدت بقية الاقطار العربية الى اقامة وكالات أنباء رسمية خاصة بها.
وقد تحولت وكالة انباء الشرق الاوسط الى القطاع العام عام 1961 كما تحولت الوكالة المغربية الى مؤسسة رسمية تعبر عن رأي وفكر السلطة السياسية وتعرف باختياراتها المركزية وتساندها مساندة مطلقة لذلك فان الحكومات العربية هي التي تمول ميزانيات وكالات الانباء.
وتشكل الوكالات المصدر الاساسي للاخبار المتدفقة وطنيا والتي تستغلها بنسبة كبيرة باقي وسائل الاعلام كالصحافة والاذاعة والتلفزيون وهذا ما يجعل وسائل الاعلام في البلد الواحد متشابهة تماما ومعتمدة اساسا على ما تبثه وكالات الانباء الرسمية وخصوصا فيما يتعلق بمختلف نشاطات السلطة والهيئات الرسمية التابعة لها، وعموما فان حجم الميزانيات المخصصة لوكالات الانباء ضعيف الى حد ما ولا يسمح في اغلب الاحيان بتطوير شبكه الوكالات على الاقل وطنيا.
فالمكاتب المحلية لهذه الوكالات هزيلة العدد وفي بعض الحالات غير موجودة اطلاقا كما ان العنصر البشري لا يسمح عادة بتطوير شبكة المكاتب المحلية لهذه الوكالات.. وقد ادى هذا الوضع الى سيطرة وكالات الانباء العالمية على سير تدفق الاخبار محليا ودوليا ذلك لان ضعف وكالات الانباء العربية يجعلها تعتمد على الوكالات العالمية ولوكالات الانباء العربية وظيفتان رئيسيتان هما:
1ـ جميع وتوزيع الانباء المحلية.
2ـ ضبط توزيع واستخدام الاخبار المتدفقة من المصادر المختلفة سواء
محلية او عربية او عالمية بحيث تراعي وجهه النظر الرسمية وتتفاوت الامكانات البشرية والمادية والفنية بين وكالات الانباء العربية فبعضها كبير والاخر صغير بل ان بعض هذه الوكالات لا تمتلك اجهزة البث الاخباري التليبرنتر فتعمد الى توزيع نشرات مطبوعة مثل وكالة الانباء في اليمن وموريتانيا.
وتعاني معظم الوكالات العربية من عدم توفر المرسلات الكافية لايصال نشراتها الى مناطق اخرى خارج حدودها.. ولما كانت هذه الوكالات تركز على اوربا في توزيع اخبارها فعمدت الى افتتاح مكاتب لها في الدول الاوربية في وقت تغطي وكالات الانباء العربية 95% من استقبال وبث الاخبار داخل الحدود العربية.
وقد ظهرت دعوات على مستوى المؤسسات العربية والافراد الى ضرورة اقامة وكالة انباء عربية قوميه ودولية لانهاء السيطرة الدولية للوكالات الكبرى الا ان هذه الدعوات لم تلق استجابة من الدول العربية لانشاء هذه الوكالة لاسباب تتعلق بالمشاكل الكثيرة التي تواجهها الوكالات العربية في عملها منها.
1ـ مشاكل داخلية ومن هذه المشاكل:
أـ السعي الى تحقيق الربح عن طريق تفضيل الكمية على النوعية.
ب-ب ـ تقديم اخبار ناقصة بهدف كسب اكبر عدد من المشتركين.
ج-ج ـ السرعة على حساب الدقة.
د-د ـ قيام الوكالات بسرقة الاخبار المبثوثة من الوكالات الاخرى واعطاء مصدر الوكالة السارقة.
هـ-هـ عدم تفهم بعض المسؤولين وتصورهم بان الاعلام اداة لخدمة الاشخاص.
و-نقص الكادر الفني المتخصص في عمل الوكالات.
2-اما المشاكل الخارجية فهي:
أ-الفهم الخاطئ لكثير من الدول والمسؤولين حول تبعيه الوكالة.
ب-الخدمات العربية تؤثر على عمل الوكالات والمراسلين.
ج-توفر فرص لمراسلي الوكالات المعتمدين.
ومن المفيد ذكر اسماء عدد من الوكالات العربية ورموزها المستخدمة في البث.
1-وكالة انباء الشرق الاوسط (أ. ش. أ).
2-وكالة الانباء العراقية (واع) توقف بثها بعد حل وزارة الاعلام.
3-وكالة الانباء السورية (سانا).
4-وكالة الانباء الجزائرية (داج).
5-وكالة الانباء اليمينة (سبأ).
6-وكالة الانباء الاردنية (بترا).
7-وكالة الانباء الفلسطينية (وفا).
8-وكالة انباء المغرب العربي (حاب).
9-وكالة تونس افريقيا (وات).
10-وكالة انباء السودانية (سونا).
11-وكالة انباء الامارات (وام).
12-وكالة الانباء القطرية (قنا).
13-وكالة الانباء الكويتية (كونا).
14-وكالة الانباء الليبية (واقع).
15-وكالة الانباء السعودية (واس).
16-وكالة الانباء الصومالية (صونا).
17-وكالة انباء عمان (العمانية).
18-وكالة انباء الخليج (و. أ. خ).
19-وكالة الانباء الموريتانية (وحص).
20-اتحاد وكالات الانباء العربية (فانا).
ظاهرة تدفق الأخبار باتجاه واحد.
مما تقدم يتضح لنا ان ظاهرة تدفق الاخبار في اتجاه واحد تمثل ابرز الظواهر في الحياة الدولية الراهنة حيث نجد ان هذا التدفق يوجَّه معظمه من الدول الكبرى الى الدول الصغرى من الدول التي لديها القوة ووسائل التكنولوجيا تجاه الدول الاقل تقدما مما خلق مشكلات كبيرة في عدم توازن التدفق الاعلامي وأوجد هيمنة واضحة للأنباء على حساب وكالات الانباء المحلية.
وكان الجدل حول هذا الاختلال قد ازدادت حدته بشأن مسالة التدفق الدولي للانباء وسيطرة وكالات الانباء الكبرى على جمع الانباء ونشرها وذلك لان عملياتها الواسعة على نطاق العالم شبيها بالاحتكار في مجال نشر الانباء على الصعيد الدولي اذ تهيمن هذه الوكالات على نشر ما يقارب 80% من انباء العالم ويذهب بعض الكتاب الى ان هذه الوكالات هي السبب الاساسي في الاختلال القائم في تدفق المعلومات على النطاق الدولي.
ويأتي هذا الاتهام لامتلاك تلك الوكالات شبكة واسعة من المراسلين المنتشرين في شتى انحاء العالم اضافة الى استخدامها لاحدث تقنيات الاتصال الى جانب خبرتها الطويلة في جمع الانباء ومعالجتها وتوزيعها بلغات عديدة في انحاء العالم ولكل وكالة اكثر من مائة مكتب منتشرة في دول العالم وتستخدم الاف الموظفين والمراسلين للقيام بجمع مئات الالاف من الكلمات كل يوم وتوزيع ملايين الكلمات على النطاقين المحلي والعالمي.. وكل منها يصدر انباءه على مدار 24 ساعة في اليوم الى الالاف من الوكالات الوطنية والصحف المشتركة ومحطات الاذاعة والتلفزيون في اكثر من مائة دولة وجميعها يقوم بخدمة منظمة بالانكليزية والفرنسية والالمانية والاسبانية والروسية والبرتغالية والعربية وبلغات اخرى اقل اهمية.
في حين ان اماكن كثيرة من العالم النامي لا تملك وكالات انبائها الوطنية والصحف والاذاعة مراسلون خاصون اضافة الى ان هناك ثلاثين بلدا ليس فيها وكالات للانباء، ويفتقر ثلثا وكالات الانباء الموجودة الى المعدات اللازمة لارسال المعلومات الى البلدان الاخرى لذلك فهي تعتمد اعتمادا كاملا على وكالات الانباء العالمية للحصول على الانباء الخارجية.. وعلى الرغم من كثرة عدد وكالات الانباء في الدول النامية فان عدد غير قليل من هذه الوكالات دون المستوى المطلوب لكونها مجرد مكاتب لجمع وتوزيع الاخبار وهذا يعني ان انشائها جاء رغبة من الحكومة لفرض سيطرتها وتحكمها في الاخبار والمعلومات التي ستروج في الداخل.
وبما ان الجميع بحاجة الى المعلومات السياسية والاقتصادية وغيرها من المعلومات لذا لم يكن هناك وسيلة اخرى لتبادل المعلومات والاخبار ورغبة من الجميع في معرفة ما يجري في العالم مما ادى الى هيمنة وكالات الانباء العالمية الكبرى على تدفق الاخبار والمعلومات ومهما تكن نوايا هذه الوكالات فانها لا بد ان تخضع خلال مسيرتها لعدد من الضغوط المالية والايديولوجية والتقنية.
وهناك ظاهرة اخرى تتعلق بنوع التغطية الاخبارية للاحداث الدولية حيث اوضحت الدراسات العديدة في هذا المجال.
ان الاحداث التي تقع في الدول الغربية المتقدمة هي المستهدف الاول في التغطية الاخبارية في صحف الدول النامية وذلك عكس مايحدث في الاعلام العربي اذ ان التغطية الاعلامية كما يدور في العالم النامي تتركز على الانقلابات والازمات والطرائف وكل ما يعطي صورة مشوهه للحقائق فضلا عن ضآلتها من الناحية الكمية.
وتجاهلها لعمليات التنمية وسائر المشروعات الايجابية في معظم دول العالم الثالث وهذا ما اكدته لجنة ماكيرايد للاعلام بمنظمة اليونسكو اذ ان هذه الحقيقة ادت الى مزيد من السيطرة من جانب الاعلام الغربي ومزيد من التبعية من جانب الاعلام النامي.
ان وكالات الانباء العالمية تنقل للدول النامية اخبار الدول النامية الاخرى واخبار الدول الشمالية.. ولاتبث الأخبار الجديرة بالتقديم.. وبهذا تفرض على الدول النامية رؤيتها هي للعالم وليس كما تراه شعوب دول عالم الجنوب فهذه الوكالات لا تكرس لابناء البلاد النامية الا نسبة20% او 30% من تغطيتها الاعلامية على الرغم من ان البلاد النامية تشكل ما يقرب من ثلاثة ارباع البشرية.
فعلى سبيل المثال ان وكالة انباء يونايتد برس انترناشنال تكرس 70% من اخبارها للاحداث الجارية في شمال العالم وان 3.2% لامريكا اللاتينية و1.8% لافريقيا و1.5% لاوربا ودول الاتحاد السوفيتي سابقا مع نسبة لا تتجاوز 21-30% عن بلدان العالم الثالث.
واكدت دراسة اجريت في عام 1979 وتناولت (14) صحيفة من كبريات صحف امريكا اللاتينية ان 90.7% من اخبارها العالمية مصدرها وكالات الانباء العالمية وهذا ما ينطبق بالضرورة على دول العالم الثالث ومنها الدول العربية.
لذا فان الصحف في هذه البلدان تغدو وكأنها مجرد سوق لتوزيع اخبار هذه الوكالات مما يؤثر في قوة وشخصية تلك الصحف.
وذكرت اليونسكو في وثيقة دولية ان ثمة مشكلات وعوامل تعرقل العمل الاعلامي الى الدول النامية ومنها:
.
1ـ ندرة الموارد المالية التي تعاني منها الدول النامية بصفة عامة ومرافقها الاتصالية بصفة خاصة.
2ـ نقص الكوادر الفنية المؤهلة في مجال الاتصال والاعلام العديدة.
3ـ المنافسة الشديدة بين موردي المعدات الفنية ووسائل الاتصال الحديثة.
4ـ انخفاض القدرة الانتاجية للدول النامية في مجال انتاج معدات واجهزة اتصال.
5ـ نقص المعلومات التي يمكن الاعتماد عليها والمناسبة للمستهلكين والمتمركزة في الدول المتقدمة.
6ـ استعداد غير كاف من قبل الدول المتقدمة لمساعدة الدول النامية في تطوير بناها الاساسية في مجال الاتصال حيث لم يحظ هذا المجال بالاولوية المناسبة في مجال التعاون الدولي.
ويفسر هستر عملية التغطية الاخبارية في الدولة النامية فيلاحظ ان تدفق مثل هذه الانباء ودراسات حارس البوابة.
تصبح ذات اهمية قصوى عندما تتناول تدفق الانباء الى الدول النامية ومنها ويقول ان حجم الرسائل الاخبارية التي تنقل الى الدول النامية ومنها يقل كثيرا عن الاخبار المتداولة بين القوى الصناعية والغربية الكبرى وهكذا فان عملية الاختبار التي تحدد ما يتدفق من خلال البوابات قد تحجب التدفق الاخباري تماما اذا كان حجم الرسائل الاخبارية قليل).
ويضيف د. هستر ان العاملين في وسائل الاعلام بالدول النامية سواء كان منهم من يعمل في مؤسسات حكومية او من ينتمي منهم للقطاعات المستنيرة من المواطنين يعلمون ان الانباء التي تخرج من بلادهم والتي تمر من البوابات العالمية للانباء لا تتجاوز القطرات عندما تصل الى بقية دول العالم وقد فرضت وكالات الانباء الدولية نفسها على اعلام الدول النامية مستفيدة من تطور التقنيات والامكانات الفنية العالمية ومن منهج وطريقة ادائها التي تمثل في شمولية التغطية للاحداث في العالم وكتابة النص بصيغة توحي بالموضوعية والتجرد وسرعة توصيل الخبر وتأمين التسهيلات التقنية لتلقي الخبر.
وتشير الدراسات الى ان وكالات الانباء العالمية تضع الاجندة لدول العالم الثالث بل وللعالم كله تقريبا فما تعتبره تلك الوكالات هاما يصبح هاما للدول الاخرى.
وبما ان هذه الوكالات مرتبطة اساسا بالدول الصناعية المتقدمة فانها لا تستطيع الخروج عن الخط المرسوم لها، لذلك فان عملية تشويهها للاخبار المنقولة عن بلدان العالم الثالث تتعدى حدود نشر معلومات كاذبة لياخذ اشكالا اخرى منها: أ-المغالاة في التاكيد على احداث ليس لها اهمية، ب-وضع الحقائق التي لا ترتبط ببعضها في قالب واحد وعرضها بشكل يوحي بانها متصلة وتكون حالة واحدة. ج- عرض الحقائق بطريقة ضمنية تعكس حالة رضا مما يقدمه النظام المهيمن.د- التشويه القائم على خلق حاله مزاجية وعقلية مسبقة نحو الاحداث وذلك عن طريق تقديم الاحداث ذات الابعاد المعروفة باسلوب خلق حاله خوف او شك لا اساس لها من الصحة.هـ – التشويه من خلال التعتيم او عدم نشر اي معلومات متصلة بالحدث او الموقف الذي لا يخدم مصالح الدول التي لا تنتمي اليها وكالات الانباء العالمية.
كما ان الاخبار والمعلومات التي تروجها هذه الوكالات لا تتلائم في واقع
الحال مع بلدان العالم الثالث وحاجاته لانها جمعت ونشرت عن طريق مصادر
واجهزة الوكالات الغريبة اضافة الى ان المحتكر هو الذي يحدد اي المواضيع
تقدم وأيها يمنع وهم يعلمون انهم يتحكمون بذلك التدفق اذ يحصلون على
المعلومات التي يريدونها وبالشكل الذي يرونه مناسبا وفي الوقت الذي
يرغبون فيه ايضا ,فضلا عن ذلك تعمل على خدمة مصالح الدول التي
تنتمي اليها فهي في تغطيتها الاخبارية لمختلف احداث المعالم لا تغفل هذا الامر وانما هو في صميم عملها في هذا الاتجاه على رغم ما تدعيه من موضوعية او حياد في نقل الاخبار (فهذه الوكالات تلجأ الى تلوين الاخبار طبقا لمصالحها ومصالح النظم السياسية والاقتصادية التي تتبعها) والامر نفسه بالنسبة للعالم العربي الذي يشكل جزء من دول الجنوب اذ يوجد ما يزيد عن 22 وكالة انباء عربية الا ان بعض هذه الوكالات اقرب الى مكاتب اعلامية تابعة لوزارات الاعلام مباشرة وانتاجها ضعيف قياسا الى السيل الكثيف الذي تنتجه وكالات الانباء العالمية الكبرى مما يدفع وكالات الأنباء العربية إلى اللجوء إلى الوكالات الدولية خصوصا فيما يتعلق بانباء العالم الخارجي وحتى فيما يتعلق بالأنباء المحلية ذاتها فليس من الغريب مثلا ان تنقل بعض الوكالات العربية عن الوكالات الأجنبية احداثا تجري في محيطها الجغرافي والثقافي والوطني، ويفسر هذا الوضع ضعف هياكل وكالات الأنباء التابعة لها يضاف الى ذلك ان وجود مكاتب خارجية تابعة لبعض هذه الوكالات لا يعني في حد ذاته ضمان تدفق مرضٍ للأنباء إذ أن هذه المكاتب غالبا ما تكون مصالح حكومية ملحقة بالسفارات والهيئات الدبلوماسية العربية في الخارج.
وعلى الرغم من التطور الذي حصل في عمل وكالات الانباء العربية وسعي وسائل الاعلام العربية لتنويع مصادر انبائها الخارجية فان وكالات الانباء الغربية ما زالت هي المصدر الرئيسي للاخبار الخارجية وهي اي الوكالات الغربية هي التي تحدد حجم ونوعية اهتمامات وسائل الاعلام العربية وللأسباب التالية.
1-طغيان النموذج الغربي لمضمون الاخبار الخارجية على وسائل الاعلام العربية من حيث التركيز على انباء الصراع والعلاقات الدولية والتطورات الداخلية في الدول الاخرى بخاصة تلك الاخبار المثيرة او غير المألوفة مع قلة الاهتمام او تجاهل الانباء التي تمس التطورات الايجابية في الدول النامية وخاصة الاخبار المتعلقة بالتنمية بالاضافة الى العاصفة الاخبارية التي وضعت عالم الجنوب بما فيه الوطن العربي على كرسي الاتهام بعد احداث 11 ايلول 2001.
2-التركيز على انباء العالم الاول وبخاصة الولايات المتحدة وغربي اوربا وتقديمه في كم الاخبار ومضمونها على انه محور الاحداث الصالحة للبث عبر العالم ومركز ادارة النظام الدولي كله وخاصة في العلاقات الدولية وادارة الصراع الدولي.
3-التعتيم الاخباري المتعمد وتحريف اخبار العالم الثالث ويأتي ذلك من خلال نشر كم من الاخبار لا تتناسب اطلاقا مع وزنه في المجتمع الدولي اما تحريف الانباء بالمعنى الدقيق للعبارة يحدث عندما تحل الاخطاء او الاكاذيب محل الحقائق الثابتة او عندما يضاف تفسير محرف الى الخبر عن طريق استخدام صفات التحقير او القوالب الجامدة مثلا فهناك طرقا متعددة يتم بها تحريف الصورة الكاملة للاحداث والمواقف وهذا يحدث عندما تعطي احداث لا تنطوي على اهمية حقيقية موضعا بارزا وعندما تخرج امور سطحية او لاصله لها بالموضوع مع حقائق ذات اهمية فعلية او صنع الاخبار من حقائق عشوائية وتقديمها كحقيقة متكاملة او عندما تجمع الحقائق الجزئية لكي تعطي انطباعا بانها الحقيقة الكاملة او عرض الحقائق بطريقة تثير شكوكا ومخاوف لا اساس لها من الصحة او مبالغا فيها يهدف التحكم في رد الفعل من جانب الافراد او حتى جماعة باكملها او حكومات او التزام الصمت ازاء حقائق واحداث يفترض انها تهم الجمهور.
ومن خلال ما تقدم يتضح لنا ان حركة الاخبار تمثل قلة في الانسياب من الجنوب الى الشمال اي من الدول النامية الى الدول التي تعتبر متقدمة (كما ونوعا) ولهذا فقد خطت الدول النامية خطوات منها تأسيس مجمع لوكالات انباء عدم الانحياز وبدأ نشاطه في كانون الثاني 1975 في بلغراد بيوغسلافيا.. كما تم في نيسان عام 1974 في بغداد عقد مؤتمر لوكالات الانباء العربية تم فيه تعديل نظام اتحاد وكالات الانباء العربية بما يضمن التنسيق بينها لايجاد السبل لزيادة تدفق المعلومات العربية الى اوربا وافريقيا وامريكا اللاتينية بذلك عمل هذا الاتحاد على عقد ندوات بين وكالات الانباء العربية من جهة ووكالات انباء افريقيا واوربا وامريكا اللاتينية من جهة اخرى.
وان كانت هذه الخطوات قد مثلت البداية في العمل على اعادة التوازن في انسياب المعلومات والاخبار بين دول العالم فان الضرورة تقضي بتوفير شروط كثيرة امام وكالات الانباء التي تعمل في الدول التي تسير نحو النمو لتقترب من الوكالات الكبرى تكنولوجيا وفنيا واعلاميا وهذه الشروط هي:
1ـ توفير قدر كامل من اجهزة الاتصالات واجهزة نقل المعلومات الصورية.
2ـ توفير قدر كامل من المشتركين في اوربا وامريكا والدول الاخرى تستلم المعلومات من خلال عقد اتفاقيات تعاون معها.
3ـ مساهمة اليونسكو مع المنظمات الاقليمية القائمة للمساهمة في تدريب العاملين وتطوير قدراتهم سواء من الناحية الفنية او الاعلامية.
5ـ اعداد كادر متخصص قادر على تميز المعلومات التي تثير اهتمام شعوب اوربا وامريكا والدول الاخرى.
التصنيف: علوم الإعلام والإتصال
علوم الإعلام والإتصال
حمل مذكرة بعنوان: النشر الإلكتروني عبر الإنترنت وحقوق الملكية الفكرية
4shared.com – online file sharing and storage – download .rar
الحديث الصحفي
المقابله الصحفيه اوالحديث الصحفي Interview فن يقوم علي الحوار بين صحفي وشخصية من الشخصيات او بين مجموعه من الصحفيين وشخصيه من الشخصيات . كما هو الحال فى المؤتمر الصحفي، او فريق من الصحفيين يتم تشكيله من الصحيفه واحدة لمحاورة شخصيه من الشخصيات.
والحديث الصحفي قد ينشر كفن مستقل بذاته،وقد ينشر متضمنا فى فنون اخري مثل التحقيق الصجفي أو القصه الاخباريه وغيرها..وعلي ذلك يمكن تحديدأنواع المقابلات الصحفيه وأهدافها علي النحو التالي:_أنواع المقابلات الصحفيه واهدافها:
1- مقابله صحفية تجرى بهدف كتابه قصه خبرية، وهذه قد تكون عباره عن مجموعه من المقابلات يجريها المندوب مع ابطال القصة او شهود العيان هدف جمع الحقائق والمعلومات لكتابة القصة الخبرية، والصحفي فى هذا النوع من المقابلات يركز علي الاسئله التقليدية السته وهي: من، ماذا،متى،كيف،اين،لماذا..
2-مقابلة صحفيه لكتابة موضوع اخباري يقدم تفصيلات عن الخلفية المتعلقه بمن او ماذا جرى ؟
3-مقابلة صحفية لرسم صورة جانبيه ( Profile) لشخص معين ، فاذا كان هذا الشخص مألوفا للقراء ينبغي ان يقدم لهم الصحفي شيئا جديدا عنه اما اذا كان الشخصغير معروف فأنه يرسم لهم صورته بالكامل.وفي بعض الاحيان يكون ما يفعله الشخص او الجو الذي يعيش فيه أهم كثير مما يقوله فى رسم هذه الصوره الجانبيه.فعلي سبيا المثال اجرت صحيفه امريكيه مقابله مع احد زعماء الهند وكان مطلوبا للعداله بتهمه القتل، وكان يتخذ من المعبد المقدس ملجأ له وسط حماية تابعية، وتقول الصحيفة أنه على الرغم من ان الرجل لم يقل شيئا يستحق النشر ،الا ان المقابله لم تكن فاشله،فهناك مقابلات تجريها لانك تريد اجابات ، وهناك مقابلات اخرى تعرف الاجابات فيها مقدما، ولكنك تريد أن تضيف الى المقابله شيئا من الاثارة او التلةين، او تصف الجو المحيط بالمقابله او مزاج الشخص فلى المقابله او تحصل علي تصريح جيد منه.
4-القصة التجميعية:وهي التي تتم تجميع مادتها علي غرار الندوات،وتعطى للقاريء بعدا اعمق عن حدث جار، وذلك عن طريق جمع ارارء عدة أشخاص حول هذا الحدث ، ويستطيع الكاتب الصحفي ان يكتب قصة تجميعية للآراء أو التعليقات التي يجمعها حول موضوع معين.
5-مقابله صحفيه لعمل تحقيق صحفي متعمق وتستهدف المقابلات التي يجريها الصحفي لعمل التحقيقات الصحفيه الاجابة عن سؤالين اساسيين هما : كيف و لماذا..
6- حديث صحفي مستقل يستهدف الحصول علي أخبار او معلومات أو آراء وتختلف المقابلات الصحفية فمنها المقابلات الودية او المقابلات التصادمية او العدائية، وتتراوح هذه المقابلات بين المشاعر الفياضه ومحاولات الدفاع عن النفس.ويتوقف ذلك علي نوع المعلومات التي يسعي الصحفي الى الحصول عليها وعلي الظروف التي تتم فيه المقابلة.
مراحل اجراء الحديث الصحفي:
أولا: الاعداد للحديث الصحفي:
1- اختيار الشخصية واختيار موضوع الحديث:
تعتبر الاحداث الجاريه سواء المحلية أو الخارجية هي التي تحدد الشخصيات و الموضوعات التي يقوم الصحفي باجراء مقابلات صحفية حولها بشرط أن ترتبط هذه الأحداث بقضايا تهم الرأي العام أو تمس مصالح عدد كبير من القرء ، فأجراء تغيير وزاري قد يستدعي إجراء العديد من المقابلات مع رئيس الوزراء ، والوزراء الجدد حول سياستهم الجديدة ، وصدور قانون جديد للإسكان قد يستدعي إجراء حوار مع مزير الاسكان حول هذا القانون ومدي مراعاته لمصالح كل من الملاك والمستاجرين أو محدودي الدخل…..ألخ..ثانيا:جمع المعلومات:
حتي يتمكن الصحفي من اجراء حديث جيد وناجح لابد أن يقوم بجمع المعلومات عن الشخصية التي سيجرى معها الحوار وعن الموضوع أو الموضوعات التي سيدور حولها النقاش ،فالبحث الموثق جيدا يعطى الصحفى المعلومات الخلفية التي يحتاجها لتوجية أسئلة جيدة..ولمقارنة اجابات الشخص مع ما توصل اليه الصحفي من خلال بحثه عن المعلومات ،أما الصحفى الذي لا يسعى الي الالمام بموضوع حديثه ويكتفي بما هو متاح او بالقدر اليسير من المعلومات فان معلوماته او حديثه يمكن أن يكون ناقصا وضحلا وغير دقيق وغير مثير…وحتي يتمكن المحرر من جمع المعلومات المطلوبة لاعداد حديثه عليه أن يجيب اولا علي هذه الاسئلة:
1-ما هي المعلومات التي يريد ان يعرفها؟ هل تتعلق بواقعه حقيقيه ام تاريخا معينا؟ هل هي رقم تليفون ام اسم خبير ام معلومات خلفية ام احصاءات…..علي الصحفي ان يعد قائمه بالمعلومات التي يريدها لموضوعه..
2- لماذا يريد ان يعرف هذه المعلومات؟ هلي هي مهمه جدا لموضوعه ام ثانويه الاهميه، هل هي مثيرة للاهتمام ام يمكن الاستغناء عنها؟
3-كيف سيستخدم هذه المعلومات؟ هل ستنشر بالنص كما ذكرها المصدر ؟ هل ستستخدم لتحديد اسئله المقابله؟ عليك ان تحدد كل معلومه والدور المحتمل لها فى الموضوع..
4-كم الوقت لديك لتسليم الحديث؟ هل امامك اربع دقائق ام اربع ساعات ام اربع ايام ام اربع اسابيع؟ فى حاله قصة وقعت حديثا وامامك موعد نهائي للطبع يقترب بسرعه،عليك ان تستعين بأخبار الوكالات وان تستعين بالتليفون للحصول علي المعلومات..
من أين يحصل الصحفي علي المعلومات::؟؟
هناك مصارد عديدة يمكن للصحفي الحصول علي المعلومات من خلالها عن موضوع الحديث والشخصية التي سيجرى معها الحوار وهي:أ-أرشيف الصحيفةاو ما يسمي بقسم المعلومات ويوجد به ملفات للشخصيات العامة من سياسين وادباء وعلماء وفنانين..وغيرهم…كما يوجد به ملفات للموضوعات والقضايا المهمه التي تدخل ضمن اهتمامات الصحيفة.
ب-المكتبة:ويوجد بالمكتبات كتب وابحاث ودراسات اجريت ربما حول الشخصيه التي سيجري معها الحديث او حول الموضوعات والقضايا التي سيناقشها الصحفي معها.كما انه بامكانه أن يطلع ايضا علي الكتب التي قد تكون من تأليف هذه الشخصية، فلو اننا سنجري حوار مع نجيب محفوظ بمناسبه حصوله علي جائزه نوبل مثلا فيمكن ان نقرا مؤلفاته وخصوصا الفائزه بالجائزة، والمؤلفات التي كتبت عنه، وبالمكتبات يمكن ان نعثر فى الموسوعات والمعاجم والكتب السنوية وغيرها علي ما نحتاج اليه من معلومات او احصاءات.وهناك ايضا قواعد البيانات وبنوك المعلومات الالكترونية..
ج-الاتصال بالصحفيين الذين سبق لهم اجراء مقابلات مع هذه الشخصيه فقد يكون لديهم معلومات مفيدة عن شخصيه المتحدث.
د- الاتصال بأصدقاء الشخصيه القدامى وزملاء دراسته وذلك فى حاله الاعداد لحديث يستهدف تصوير جوانب فى شخصية المتحدث..
إعداد الاسئله::
ان المحرر الذي يذهب الي المقابلة بدون اسئله معدة سلفا، قد يضيع منه الموضوع الاصلي الذي جاء من اجله، وقد ينحرف به المتحدث الي مجلات بعيده عن نطاق الموضوع الاصلي..
والكقابله هي رحله استكشاف وانت احيانا تعرف اين ستذهب واحيانا اخري لاتعرف ويجب ان يكون لديك دائما فكره عن السبب الذي من اجله ستجري المقابلة مع شخص ما..
وقد تسعي اسئله الحديث الصحفي الي ايجاد اجابات علي الاسئله الخمسه او السته(من، متى،ماذا،أين،كيف،لماذا).ويمكن ان تكتفي بالتركيز علي عدد قليل من هذه الاسئله..وتجدر الاشاره ال ان مرحله اعداد وجمع المعلومات تفيد الصحفي فى تجنب الاسئله الى سبق توجيهها للمتحدث..
…….. أفضل الاسئله فى الحديث الصحفي:
&_يري الخبراء ان افضل سؤالهو الذي يصاغ بطريقة تشعل فى المتحث الرغبة فى الاجابه عليه بطريقة مثيرة للاهتمام وحافله بالمعومات..
&_التركيز دائما علي الاسئله التي تبدا بكيف ولماذا لانها تبحث عن رأي يظهر شخصيه المتحدث ويساعد الصحفي علي تقييم وجهه نظره..
&_أسئله الحديث الصحفي يجب ان تكون ايجابية وليست سلبيه بمعني ان اجاباتها تقدم معلومات او وجهات نظر..
…………أسوا الاسئله فى الحديث الصحفي::
&_السؤال المكون من جزئيين يقطع افكار المتحدث..&_ السؤال بالايجاب بالنفي كان تسأله هل سترشح نفسك ام لا…فقد يقول لا لانه لا يرد ابلاغك بخطته..
&_ الاسئله التي يزيد طولها عن ثلاث جمل فهي لاتعتبر سؤال بل خطبه تفقد المتحدث الاهتمام بالسؤال..
&_الاسئله التي اجابتها نعم أو لا..
(إجراء المقابلة الصحفية)
*تحديد موعد اللقاء:
بعد الاعداد الكافي للحديث الصحفي يبدا المحرر فى الاتصال بالشخصيه:1-الاتصال التليفوني
2-المقابلة الشخصيه
3-السكرتارية، او بعض الاصدقاء، او العلاقات العامةويمكن تصنيف الاشخاص الذين يمكن ان ياتقي بهم الحفي الي ثلاث انواع:
1-الفئه المتعاونة:وهي فئه مستعدة للحديث الي الصحافه ولا تحاول وضع عراقيل امام الصحفي..
2-الفئه المترددة:وهي فئه قلقله متوترة تحب الحديث مع الصحافة ، ولكنها تخشي فى الوقت نفسه من تبعات التحدث الي الصحفيين.
3-الفئه المتهربة:وهي الفئه التي تكره الحديث الي الصحافه ولا تثق فى الصحفيين ولا تتحدث الا بحساب.فهي فئه قليلة الكلام.
وحتي تتمكن من اجراء الحديث الصحفي ينصحون بالاتي:
_ التركيز علي ما يريد الناس التحدث عنه بدلا مما لايريدون مناقشته_التغلب علي الذين يعوقون اجراء المقابله مثل السكرتارية او العلاقات العامة.
_إقناع الشخص باجراء المقابله من خلال احساسه بالفخر او العداله ، اشبارع حاجته الي الاهتمام [ان الجمهور يريد معرفه الكثير ، التاكيد علي أهميه نشر نص أقواله بوصف خبيرا فى الموضوع.
&&_تسجيل الحوار:
هناك طريقتين لتسجيل الحوار الصحفي:1-التسجيل فى النوته او دفتر الملاحظات:
يعتمد بعض الصحفيين علي تدوين قليل من الملاحظات معتمدين علي ذاكرتهم لكتابة كل ما سمعوه بعد انتهاء المقابلة..وهذا يتطلب السرعه فى الكتابة واجادة فن الاختزال.2-استخدام اجهزه التسجيل:
وهذه الطريقة اصبحت شائعه بعد انتشار اجهزة التسجيل صغيرة الحجم.ويجب علي الصحفي التأكد من التي:_التأكد من الآله تعمل بكفأه.
_ان ياخد معه شرائط وبطاريات كافية.
_أن يستأذن الشخصيه فى استخدام جهاز التسجيل.
_اذا طلب المتحدث عدم تسجيل جزء من الحوار فأغلق الجهاز.ويعيب هذه الطريقه هو ان تفريغ الشرائط يأخد وقتا طويلا..
((كتابة الحديث الصحفي))
أولا: أسلوب الهرم المقلوب:
ويتكون من جزئين المقدمه وجسم.ويستخدم فى الاحاديث التي تجري مع الشخصيات المهمه مثل الملوك والرؤساء وكبار رجال الدوله.ويتم فى المقدمه ابراز الاخبار والتصريحات الاكثر اهميه ثم فى الجسم باقي المعلومات الاقل اهمية.ثانيا:أسوب الهرم المتدرج:
ويتكون من جزئين: مقدمه وجسم ويستخدم مع الشخصيات الاقل اهميه..ويقوم باختصار الاقوال الغير هامه..ثالثا: أسلوب الهرم المعتدل:
ويتكون من ثلاثه اجزاء مقدمه وجسم وخاتمه ويستخدم فى احاديث التي يكون القاريء ليس متعجلا فى قراءتها او يقراها بهدف التسلية والامتاع، او التي تستهدف اثاره اهتمام القاريء تدريجيا.رابعا:اسلوب الهرم المعتدل المتدرج:
وهو يشبه القالب السابق ويختلف عنه فى انه يسمح بالتزاوج بين الاقوال المقتبسه وتلخيص الاقوال الاخري..
مفهوم الاتصال:يعود أصل كلمة communication في اللغات الأوروبية -والتي اقتبست أو ترجمت إلى اللغات الأخرى وشاعت في العالم- إلى جذور الكلمة اللاتينية communis التي تعني “الشيء المشترك” ، ومن هذه الكلمة اشتقت كلمة commune التي كانت تعني في القرنين العاشر والحادي عشر “الجماعة المدنية” بعد انتزاع الحق في الإدارة الذاتية للجماعات في كل من فرنسا وإيطاليا قبل أن تكتسب الكلمة المغزى السياسي والأيديولوجي فيما عرف بـ “كومونة باريس” في القرن الثامن عشر؛ أما الفعل اللاتيني لجذر الكلمة communicare فمعناه “يذيع أو يشيع ” ومن هذا الفعل اشتق من اللاتينية والفرنسية نعت communique الذي يعني “بلاغ رسمي” أو بيان أو توضيح حكومي.
وقد تعددت المفاهيم التي طرحت لتحديد معنى الاتصال بتعدد المدارس العلمية والفكرية للباحثين في هذا المجال ، وبتعدد الزوايا والجوانب التي يأخذها هؤلاء الباحثون في الاعتبار عند النظر إلى هذه العملية، فعلى المستوى العلمي البحثي يمكن القول بوجود مدخلين لتعريف الاتصال:
المدخل الأول:
ينظر إلى الاتصال على انه عملية يقوم فيها طرف أول (مرسل) بإرسال رسالة إلى طرف مقابل(مستقبل) بما يؤدي إلى أحداث اثر معين على متلقي الرسالة.
المدخل الثاني:
يرى أن الاتصال يقوم على تبادل المعاني الموجودة في الرسائل والتي من خلالها يتفاعل الأفراد من ذوي الثقافات المختلفة ، وذلك من أجل إتاحة الفرصة لتوصيل المعنى ، وفهم الرسالة.
والمدخل الأول يهدف إلى تعريف المراحل التي يمر بها الاتصال ، ويدرس كل مرحلة على حدة ، وهدفها وتأثيرها على عملية الاتصال ككل. أما التعريف الثاني فهو تعريف بناءي أو تركيبي ، حيث يركز على العناصر الرئيسية المكونة للمعنى ، والتي تنقسم بدورها إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
أ- الموضوع: إشارته ورموزه.
ب- قارئو الموضوع والخبرة الثقافية والاجتماعية التي كونتهم، والإشارات والرموز التي يستخدمونها.
ج- الوعي بوجود واقع خارجي يرجع إليه الموضوع الناس.
وفي ضوء المدخل الأول عرف بعض الباحثين الاتصال بالنظر إليه كعملية يتم من خلالها نقل معلومات أو أفكار معينة بشكل تفاعل من مرسل إلى مستقبل بشكل هادف، ومن نماذج هذه التعريفات:
· الاتصال هو العملية التي يتم من خلالها نقل رسالة معينة أو مجموعة من الرسائل من مرسل أو مصدر معين إلى مستقبل،أما الاتصال الجماهيري فهو ذلك النمط من الاتصال الذي يتم بين اكثر من شخصين لإتمام العملية الاتصالية والتي غالبا ما تقوم بها بعض المؤسسات أو الهيئات عن طريق رسائل جماهيرية.
· الاتصال هو نقل أو انتقال للمعلومات والأفكار والاتجاهات أو العواطف من شخص أو جماعة لآخر أو للآخرين من خلال رموز معينة.
· الاتصال يعرف على انه عملية تحدد الوسائل والهدف الذي يتصل أو يرتبط بالآخرين ، ويكون من الضروري اعتباره تطبيقا لثلاثة عناصر :العملية-الوسيلة-الهدف.
· الاتصال عملية تفاعل بين طرفين من خلال رسالة معينة ،فكرة ، أو خبرة ،أو أي مضمون اتصالي آخر عبر قنوات اتصالية ينبغي أن تتناسب مع مضمون الرسالة بصورة توضح تفاعلا مشتركا فيما بينهما.
وفي ضوء المدخل الثاني الذي ينظر إلى الاتصال على انه عملية تبادل معاني يعرف بعض الباحثين الاتصال كعملية تتم من خلال الاتكاء على وسيط لغوي ، في ضوء أن كلا من المرسل والمستقبل يشتركان في إطار دلالي واحد، بحيث ينظر إلى الاتصال هنا على انه عملية تفاعل رمزي ، ومن نماذج هذه التعريفات:
· الاتصال تفاعل بالرموز اللفظية بين طرفين : أحدهما مرسل يبدأ الحوار ، وما لم يكمل المستقبل الحوار ، لا يتحقق الاتصال ويقتصر الأمر على توجيه الآراء أو المعلومات، من جانب واحد فقط دون معرفة نوع الاستجابة أو التأثير الذي حدث عند المستقبل.
· الاتصال عملية يتم من خلالها تحقيق معاني مشتركة (متطابقة) بين الشخص الذي يقوم بالمبادرة بإصدار الرسالة من جانب والشخص الذي يستقبلها من جانب آخر.
والإعلام هو جزء من الاتصال ، فالاتصال اعم واشمل، ويمكن تعريف الإعلام بأنه تلك العملية الإعلامية التي تبدأ بمعرفة المخبر الصحفي بمعلومات ذات أهمية، أي معلومات جديدة بالنشر والنقل، ثم تتوالى مراحلها: تجميع المعلومات من مصادرها، نقلها، التعاطي معها وتحريرها، ثم نشرها وإطلاقها أو إرسالها عبر صحيفة أو وكالة أو إذاعة أو محطة تلفزة إلى طرف معني بها ومهتم بوثائقها.
إذن لابد من وجود شخص أو هيئة أو فئة أو جمهور يهتم بالمعلومات فيمنحها أهمية على أهميتها، ويكون الإعلام عن تلك العملية الإعلامية التي تتم بين ميدان المعلومات وبين ميدان نشرها أو بثها.
مكونات عملية الاتصال:
إن النظر إلى الاتصال كعملية يعني أن الاتصال لا ينتهي بمجرد أن تصل الرسالة من المصدر (المرسل) إلى المتلقي (المستقبل)، كما يعني أن هناك العديد من العوامل الوسيطة بين الرسالة والمتلقي بما يحدد تأثير الاتصال؛ من جهة أخرى فإن كلا من المرسل والمتلقي يتحدث عن موضوع معين أو موضوعات معينة فيما يعرف بالرسالة أو الرسائل، ويعكس هذا الحديث ليس فقط مدى معرفة كل منها بالموضوع أو الرسالة ، ولكن أيضا يتأثر بما لديه مقيم ومعتقدات وكذلك بانتماءاته الاجتماعية الثقافية بما يثير لديه ردود فعل معينة تجاه ما يتلقاه من معلومات وآراء وبما يحدد أيضا مدى تأثره بهذه المعلومات والآراء.
في هذا الإطار المركز تطورت النماذج التي تشرح وتفسر عملية الاتصال بعناصرها المختلفة، حيث ظهر في البداية النموذج الخطي أو المباشر الذي يرى أن تلك العناصر هي مجرد المرسل والرسالة والمستقبل، ولكن الدراسات التي أجريت منذ الأربعينيات بينت مدى قصور ذلك النموذج ، وحطمت النظرية القائلة بأن لوسائل الإعلام تأثيرا مباشرا على الجمهور ؛ لقد ظهرت العديد من النماذج والتي تطورت من الطبيعة الثنائية إلى الطبيعة الدائرية والتي على ضوئها تتكون عملية الاتصال من ستة عناصر أساسية هي المصدر والرسالة والمتلقي (المستقبل) ثم رجع الصدى والتأثير، وفيما يلي نبذة موجزة عن هذه العناصر:
المصدر(source):
ويقصد به منشأ الرسالة، وقد يكون المصدر فردا أو مجموعة من الأفراد وقد يكون مؤسسة أو شركة ، وكثيرا ما يستخدم المصدر بمعنى القائم بالاتصال، غير أن ما يجدر التنويه إليه هنا أن المصدر ليس بالضرورة هو القائم بالاتصال، فمندوب التلفزيون قد يحصل على خبر معين من موقع الأحداث ثم يتولى المحرر صياغته وتحريره، ويقدمه قارئ النشرة إلى الجمهور ، في هذه الحالة وجدنا بعض دراسات الاتصال يذهب إلى أن كل من المندوب والمحرر وقارئ النشرة بمثابة قائم بالاتصال وان اختلف الدور، بينما يذهب البعض الآخر من الدراسات إلى أن القائم بالاتصال هو قارئ النشرة فقط ، أي انه بينما يوسع البعض مفهوم القائم بالاتصال ليشمل كل من يشارك في الرسالة بصورة أو بأخرى ، فإن البعض الآخر يضيق المفهوم قاصرا إياه على من يقوم بالدور الواضح للمتلقي.
الرسالة(message):
وهي المنبه الذي ينقله المصدر إلى المستقبل ، وتتضمن المعاني من أفكار وآراء تتعلق بموضوعات معينة يتم التعبير عنها رمزيا سواء باللغة المنطوقة أو غير المنطوقة، وتتوقف فاعلية الاتصال على الفهم المشترك للموضوع واللغة التي يقدم بها، فالمصطلحات العلمية والمعادلات الرياضية المعقدة الخاصة بالكيمياء الحيوية مثلا تكون مفهومة بين أستاذ الكيمياء وطلابه، أما إذا تحدث نفس الأستاذ عن الموضوع مع طلاب الإعلام والاتصال لا يكون الأمر كذلك، فهناك فجوة أو عدم وجود مجال مشترك للفهم بين المرسل والمستقبل، والمنطق نفسه إذا كان الأستاذ يلقي محاضرة بلغة لا يفهمها أو لا يعرفها الحاضرون ، أو إذا استخدم إيماءات وإشارات ذات دلالة مختلفة لهم.
من جهة أخرى تتوقف فاعلية الاتصال على الحجم الإجمالي للمعلومات المتضمنة في الرسالة ، ومستوى هذه المعلومات من حيث البساطة والتعقيد، حيث أن المعلومات إذا كانت قليلة فإنها قد لا تجيب على تساؤلات المتلقي ولا تحيطه علما كافيا بموضوع الرسالة الأمر الذي يجعلها عرضة للتشويه، أما المعلومات الكثيرة فقد يصعب على المتلقي استيعابها ولا يقدر جهازه الإدراكي على الربط بينها.
الوسيلة أو القناة(channel):
وتعرف بأنها الأداة التي من خلالها أو بواسطتها يتم نقل الرسالة من المرسل إلى المستقبل، وتختلف الوسيلة باختلاف مستوى الاتصال، فهي الاتصال الجماهيري تكون الصحيفة أو المجلة أو الإذاعة أو التلفزيون، وفي الاتصال الجمعي مثل المحاضرة أو خطبة الجمعة أو المؤتمرات تكون الميكرفون ، وفي بعض مواقف الاتصال الجمعي أيضا قد تكون الأداة مطبوعات أو شرائح أو أفلام فيديو، اما في الاتصال المباشر فإن الوسيلة لا تكون ميكانيكية (صناعية) وانما تكون طبيعية
وظائف وسائل الإعلام:
دور وسائل الإعلام في المجتمع هام جدا إلى درجة خصصت الحكومات أقساما ودوائر ووزارات إعلام تتولى تحقيق أهداف داخلية وخارجية عن طريق تلك الوسائل، من تلك الأهداف رفع مستوى الجماهير ثقافيا، وتطوير أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، هذا داخليا.
أما خارجيا فمن أهداف دوائر الإعلام تعريف العالم بحضارة الشعوب ووجهات نظر الحكومات في المسائل الدولية.
ولم يقتصر اهتمام وسائل الحكومات بوسائل الإعلام، بل أن مؤسسات اجتماعية وسياسية واقتصادية اهتمت بها، ووجدت ان تلك الوسائل تخدمها وتخدم اهدافها وتساعد في ازدهارها.
وليس أدل على أهمية الإعلام ووسائله مما أصبح معروفا في العالم، من ان الدولة ذات الإعلام القوي تعتبر قوية وقادرة، فلقد أصبح الإعلام رئيسيا في بقاء بعض الدول وخاصة تلك التي وجدت فيه احدى دعاماتها الرئيسية الأولى، وقدمته على باقي دعائم الدولة.
وسبب كل ذلك هو ان وسائل الإعلام مؤثرة في الجماهير وفاعلة سلبا أو ايجابا؛ فما هي وظائف تلك الوسائل؟
للإعلام خمس وظائف رئيسية هي:
أولا: التوجيه وتكوين المواقف والاتجاهات.
ثانيا: زيادة الثقافة والمعلومات.
ثالثا: تنمية العلاقات البينية وزيادة التماسك الاجتماعي.
رابعا: الترفيه وتوفير سبل التسلية وقضاء أوقات الفراغ.
خامسا: الاعلان والدعاية.
وسائل الإعلام وتأثيرها على القيم الإجتماعية
عبده حقي 08 مارس 2022أعدها : عبده حقي
أثارقرارالحكومة الفرنسية القاضي بحذف الوصلات الإشهارية والإعلانات بعد الثامنة مساءا في بعض القنوات التلفزية بالإضافة إلى الوضعية الصعبة والقلقة التي تعيشها المحطات الإذاعية أثارالكثيرمن الأسئلة الملحة حول تأثيركل هذا على قطاع الإعلام العمومي . فبصرف النظر عن البرامج الترفيهية والثقافية يطرح دائما السؤال الأساسي : كيف يمكن للإذاعة والتلفزة أن تؤثرفي القيم الأخلاقية والسلوكات الفردية .
في الحقيقة بالرغم من ملايين الأوروالتي يتم صرفها كل سنة لإنتاج البرامج والإعلانات التربوية ( الحملات الدعائية ، مسلسلات تربوية ، برامج للإطفال … ) بالرغم من كل هذه الميزانيات الضخمة ، فليس هناك إلى حدود اليوم جواب دقيق عن سؤال تأثيروسائل الإعلام في القيم والأخلاق الإجتماعية .
لقد تم إختباردورالإذاعة والتلفزة العموميتين من خلال إستمزاج آراء بعض الفئات الإجتماعية من المستهلكين لكن لم يكن ذلك سوى مجرد عملية استمزاج قد تمت في ظروف مختبرية ضيقة ليس إلا.
هناك دراستان تم إنجازهما في هذا السياق بقصد تدارك هذه الثغرة . الدراسة الأولى تتعلق بتأثيرالمساسلات التلفزية على نسبة الولادة في البرازيل وتعتبر هذه المسلسلات عنصرا أساسيا في خارطة المشهد الإعلامي السمعي البصري وقد إستطاعت إستقطاب أكبر عدد من المشاهدين خصوصا في ذروة المشاهدة أي حوالي الثامنة مساءا حيث وصلت إلى مابين 60 و80 مليون مشاهد من مختلف الطبقات الإجتماعية . وتعتبرقناة ( ريد كلوبو) المتخصصة في إنتاج وبث المسلسلات القناة الرابعة على المستوى العالمي بدرجة تتبع ومشاهدة تضاهي أشهر القنوات الأمريكية . وتغطي قناة ( ريد كلوبو) مساحة جغرافية تقدرب 98 بالمئة من مجموع المحافظات البرازيلية . لقد أرغمت الرقابة في عهد الديكتاتورية الكثير من المؤلفين الانكباب على الإنتاج والتأليف لصالح التلفزة العمومية ويمكن إعتبار إنتاجات هذ المرحلة من أرقى وأجود الإنتاجات في مسيرة الإعلام العمومي البرازيلي .
لقد حاولت هذه المسلسلات تشخيص أوضاع العائلات والأسرالمنتمية إلى الأوساط الميسورة إن لم نقل البرجوازية التي يعيش في كنفها عدد أبناء أقل . إن 72 بالمئة من أبطال هذه المسلسلات هم في سن أقل من 50 سنة في أحداث المسلسلات التي تقدمها قناة ( ريد كلوبو) . فما بين 1965 و1999 لم يكن لهؤلاء الأبطال أبناء وحتى إن وجدوا فإن سنهم لم يكن يتجاوز العام الواحد .
وفي نفس المرحلة فإن نسبة الإخصاب والحمل في البرازيل قد إنتقلت من 6،3 حالة ولادة للزوجة الواحدة سنة 1960 إلى 2،3 وقد أعتبرت أولى النسب إنخفاضا في العالم .
فإلى أي حد قد أسهم نموذج هذه الأسرالصغيرة التي تقدمها المسلسلات في وتيرة الولادات بالبرازيل ؟
للإجابة عن هذه الأسئلة قامت الصحفية ( لاليانا لافيرارا ) وزميلاتها في قناة ( ريد كلوبو ) ببحث شمل بالأساس موضوع تغطية القناة للتراب البرازيلي ما بين 1970 و 1999 ، فمساحة البث في هذه المرحلة قد إتسعت بقدرما إرتفع عدد رخص الإستغلال أولا تحت الحكم العسكري الديكتاتوري ثم بعد ذلك في ظل البرازيل الديموقراطية … لقد كانت قناة ( ريد كلوبو) غائبة سنة 1970 تقريبا ولم تكن تغطي سوى ثلث التراب البرازيلي . أما اليوم فإن التغطية شاملة ، كما بينت الدراسة أن نسبة الولادة تنخفض كلما شرعت قناة ( ريد كلوبو) في بث برامجها
بمنطقة ما .
إن التأثيرالإعلامي هنا واضح وجلي وهوأنجع من نتائج حملة تحسيسية وتربوية وهوواضح أيضا في ظل غياب قنوات تلفزية أخرى بمعنى أن تأثير قناة ( ريد كلوبو) كان له الأثر الواضح أكثرمن إعتباره برنامجا ترفيهيا وفرجويا ليس إلا.
الدراسة الثانية حاولت مقاربة تأثير المسلسلات الإذاعية التي أنتجت خصيصا بهدف خلق مصالحة وطنية إبان الحرب الأهلية التي عرفتها رواندا خلال التسعينات من القرن الماضي . ونشيرهنا وبكل أسف إلى أنه كان لجهاز الراديو الأثر البين في تفجير الحقد والكراهية العرقية بين القبائل المتطاحنة وما عرفته من مذابح لم تشهدا أي دولة إفريقية مثلها فيما قبل . ومن أجل تدارك هذا الخطأ التاريخي الإعلامي وتفعيل دورالإذاعة في المصالحة الوطنية إقترحت إحدى منظمات المجتمع المدني في رواندا مسلسلا إذاعيا يبث مرة واحدة في الأسبوع حيث يتناول موضوع المواجهة بين قبيلتين إستطاعتا بعد الإقتتال أن تجدا طريقهما إلى المصالحة … وقد كان هذا المسلسل يبث في إثنا عشرة محافظة وعلى موجة fm .
وخلال عام وبمعدل مرة واحدة كل أسبوع كان سكان القرى يجتمعون حول جهاز الراديولينصتوا إلى هذا المسلسل / البرنامج الذي كان آنذاك من بين ست برامج تحسيسية يبث منها برنامج حول داء فقدان المناعة المكتسبة ( الإيدز) . وعند نهاية المسلسل كان يقوم بعض المسؤولين بمنظمات المجتمع المدني بالتقصي والتحري عن جدوى الإستماع في أوساط هذه القبائل المتناحرة وتطرح عليهم أسئلة حول تصورهم ومواقفهم وآرائهم في فكرة ( العنف الجماعي الذي يتولد من سلوكات فردية طائشة ) كما يتم إستمزاج آرائهم حول أبعاد بعض الأعراف والتقاليد الإجتماعية مثلا كالإجابة عن سؤال ( هل تحفز إبنك على الزواج من قبيلة أخرى ؟ )
يقينا أن الكثير من المعتقدات لم تتأثربهذه المسلسلات غير ان الأمر ليس كذلك بالنسبة للأعراف الإجتماعية حيث أن جل الذين تابعوا هذه المسلسلات قد أبانوا عن نزوع نحو قيم التسامح وما من شك في أن هذه النتائج قد طمأنت الباحثين لكن من جهة أخرى فالتحول الذي طرأ على سلوكات الناس قد كشف بالواضح عن تأثير وسائل الإعلام في بنية وحركية المجتمعات شكل عام .
إنجاز: عبده حقي
الإسم الحقيقي : عبدالحق عينو
عن صحيفة ليبيراسيون الفرنسية
عن موضوع تأثير القنوات الاخبارية…
ان لهذا الموضوع جوانب عديدة تتداخل فيما بينها وتجذب الحديت عن خلفيات يصعب كثيرا الأخذ بكل حيثياتها
أولا..
.تعتبر مثل هذه المؤسسات الاعلامية المتخصصة/الأخبار/ ملكية خاصة فى الأغلب و يقع تمويلها على عاتق هيئات و منظمات أو احزاب …هذا جانب مهم في الموضوع/ملكية المؤسساتالاعلامية/
يمكنك اكتشاف علاقات بين موضوعك و مثل هذه مفاهيم و كذى موضوع/ المذاهب الاعلامية/
ثانيا…
تأثير الوسائلالاعلامية/من خلال وضائفها
لاشك انكم قد درستم هذا الموضوع
فلأي و سيلة اعلامية 3و ضائف حسب لازار سفيلد
1/ تشاورية*خدمة القضايا العامة و الأنشطة الاجتماعية و التنظيمات بطريقة موضوعية
2/تقوية الاعراف الاجتماعية*/فضح الانحرافات/
3/الوضيفة التخذيرية/*…الدعايا و الاشاعة , من خلال و ضائفها المعيقة….و هذا مايفتح موضوع التأثير…
ثالثا…
نظريةالتأثير/* بمراحلها
يهم أن نتطرق الى مراحلها التاريخية اذ يمكننا فهم الى أي مدى تستخدم مثل هذه القنوات للتأثير على المتلقى
1
1/المرحلة الأولى* ابتداء من العشرية الاولى للقرن العشرين ق20 ..الى غاية نهاية الحرب العالمية الثانية…مع كارتز و لازار سفيلد…و ظهور القذيفة السحرية, الابرة المخدرة
فى سنة 1938 مع أرسلن و الز حينما أذيع خبر عن هجوم من المريخ على كوكب الأرض فى الولايات المتحدة الأمريكية فأحدث هذا الخبر فزعا كبيرا لدى الشعب الامريكى و هنا بداية ظهور فاعلية* قيادة الرأي العام*
و هذا موضوع يتصل اتصالا مباشرا بأهمية المادة الاعلامية التى تقدمها القنوات الاخبارية و نتائجها و تأثيرها
2/ اللمرحلة*…أواخر الثلاثينيات الى غاية التسعينيات مع ميلفين ديفلر… مرحلة ظهور التأثير المحدود اي أن هناك عملية انتقاء و اختيار فى تلقى الرسالة الاعلامية خاصة مع تعدد القنواة فى الحاضر
فأن تختار القناة الفرنسة 24 / ف24/ …أنت فى واجهة مخاطبة المستعمرات الفرنسية /الفرونكوفونية/…و أن تختار قناة الجزيرة ..انت فى واجهة عربية لها كمياتها و كيفياتها و تأثيرها عليك كمواطن عربي..
3/ المرحلة الثالثة*من الستينانت الى يومنا…../التأثير القوي/…لولب الصمت
الثقة الكاملة فى الرسائل الاعلامية و بدون استفسار
يمكن لمثل هذه القنوات الاخبارية ممارسة التظليل الاعلامي أومايسمى ب … التعتيم الاعلامي….حرب الخليج و القنوات الصليبية و تظليلها للشعوب الاوروبية
و كذى تأثير هذه القنوات على/ الرأى العام/… تشكيله و جمهرته نحو مواضيع معينة
و لا ننسى ان لمثل هذه القنوات أيادى تأثر على اتجاهاتها كذى من جانب التمويل فتتبع توجهات أصحابها و تحمل مفاهيمهم و مقاصدهم من الرسائل الاعلامية…/ اي نقصد القائم بالاتصال/….
تذكرت…مأساةالهولوكوست…/المحرقة/.. و ما بثته القنوات الاخبارية اليهودية عن هذه الاسطورة الكاذبة ضذ حملة هتلر التى قادها ضدهم فكانت هذه القنوات تركزعلى نشر الأخبار المرعبة عن المذابح الجماعية و أفران الغاز المزعومة و اتهام هتلر بأنه عدو للسامية..و كان من ثمار ذالك///
1/ تحويل مشاعر الراي العام العالمي و خاصة الأوروبى و الأمريكى الى مساندتهم و الشعور بالذنب اتجاه اليهود
2/ التعاطف مع اليهود
3/ تجميل الوجه اليهودي البشع….
وقد نجحة فى اقناع الرايا العالمى بان العربي هو عدو تاريخى للحضارة و النصرانية ببث تاريخي لهزائم الحروب الصليبية …/ حطين/
رابعا…
و يمكن الالتفات قليلا الى موضوع…معوقات الاتصال/نفسية.تنظيمية. الثقافةالاجتماعية/ … فلهذه المعوقات تدخل فى أجزاء الرساءل الاعلامية التى تبثها هذه القنوات و ردود الافعال لدى المتلقى
لا ننسى …أسس و شروطفعالية الاتصال/ صحة الرسالة. و ضوحها.مصدرها.القائم بالاتصال* الفعالية* ملائمة اغراض الاتصال/
فمثل هذه القنوات اظهرت ظرورتها و اهميتها فى ادارة الراى العام من طرف الحكومات خاصة* الرقابة * وهذا جانب من الجوانب الاستراتيجية لوسائل الاعلام / جانبسياسي/
وذالك لولاء الجماهير لمثل هذه القنوات من خلال اعتبارها المصدر الرئيسي للاخبار / المحلية و الدولية/
و قد اصبحة من السياسات الجديدة لوسائل الاعلام فى تشكيل الراى العام/ بداية التأثير الاعلامىكمخدر/
خامسا…
/ تحليل التحكم و الرقابة الاعلامية
/ تحليلالمحتوى
/ دراسة الجمهور دراسة التأثيرات…وهذه نقاط مهمة فى الموضوع غير أن البعض أعطى الافظلية /
1. دراسة التأثير
2.تحليلالمحتوى
و يعتبر لازار سفيلد مؤسس لمثل هذه البحوث الاجتماعية التطبيقية فى دراسة الاتصال الجماهيري و دراساتالتأثير
سادسا…
الدراساتالاعلامية الخاصة بالتأثير
فى أمريكا/ اهتم الباحثون فى امريكا الىدراسة جمهور التلفزيون و ركزوا على دراسة الموضوعات التى تتعلق بأساليب الاقناع و توصل ولبر شرام… الى أن مشاهدة القنواة التلفزيونية لفترة طويلة يساعد على زيادة المعلومات حول موضوع معين اي تتبع قناة متخصصة يساعد على زيادة فى المعرفةالعامة للمجتمع
أختى الكرية هناك ماذكرته فى الموضوع مننقاط مهمة عليك الابحار و التعمق فى العلاقات التى تجدينها تهم موضوعك
أعتذر منكم ان كان الموضوع متواضعا لكننى متأكد انكى سوف تجدين ظالتك على بعض المواقع الاكترونية او فى دروس و محاظرات السنوات الفارطة من دراستك فى الجامعة
اخيرا أتمنى لكم التوفيق و السداد
وفقكمالله
وشكرا
ثامنا : وظائف الإعلام العولمة :
تشير الدكتورة عواطف عبد الرحمن في مؤلفها ” الإعلام العربي وقضايا العولمة ” إلى أهم وظائف الإعلام العولمى وهى ” “:
أولا : في ظل صعود الإعلام السمعي البصرى أصبح هو المؤسسة التربوية والتعليمية الجديدة التي حلت مكان الأسرة والمدرسة والتي تقوم بدور أساسي في تلقين النشء والأجيال الجديدة المنظومة المعرفية المنزوعة من سياقها التاريخي للقيم السلوكية ذات النزعة الاستهلاكية ومن خلال هذه الوظيفة يمارس الإعلام أخطر أدوره الاجتماعية التي تتمثل في إحداث ثورة إدراكية ونفسية تستهدف إعادة تأهيل البشر للتكيف مع متطلبات العولمة وشروطها .
ثانيا : تقوم وسائل الإعلام باختراق منظومة القيم الثقافية لدول الجنوب من خلال المسلسلات والأفلام وقد نجحت أمريكا في اختراق الأنظمة الثقافية لدول الجنوب وقدمت لشعوبها النموذج الأمريكي كغاية مثلى .
ثالثا : تقوم وسائل الإعلام باستقطاب النخب المثقفة للترويج لفكر العولمة وأيديولوجيتها عبر الحوارات التلفزيونية والمقالات والمؤتمرات محاولة منها تهميش الثقافات والسياسات الأخرى ويتم أيضا تكثيف الجهود لمساندة السياسات الاقتصادية الثلاثة الذي يقوم بإدارة اقتصاد العالم ” البنك الدولي وصندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية .
رابعا : تشير الدراسات إلى استفادة العولمة من استمرار النظام الإعلامي العالمي الراهن الذي يتسم بالخلل وأوجه التفاوت الخطيرة سواء على المستويات المحلية والعالمية والتي تتمثل في الإنسياب غير المتوازن للمعلومات مع رسوخ الاتجاه الرأسي الأحادي الجانب من الشمال إلى الجنوب من المراكز إلى الأطراف ومن الحكومات إلى الأفراد ومن الثقافة المسيطرة إلى الثقافة التابعة و الدول الغنية تكنولوجيا في الشمال إلى الدول الأفقر في الجنوب .
خامسا : تشير الدراسات إلى تزايد أهمية الأدوار التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسيات في الأنشطة الإعلامية والثقافية ويتجلى ذلك في توظيف وسائل الإعلام الدولية والمحلية كأحزمة ناقلة يتم من خلالها ترويج القيم الاجتماعية والثقافية الغربية ونشرها في دول الجنوب .مما يتسبب في إحداث بلبلة واضطراب شديد في منظومة القيم المميزة لثقافات الشعوب .
سادسا : يقوم الإعلام بدور أساسي في ترويج السلع والخدمات التي تقدمها السوق العالمية من خلال الإعلانات التي تتضمن محتوياتها قيما وأنماط للسلوك الإستهلاكى تستهدف الدعاية للسلع الأجنبية مما يلحق الضرر بالاقتصاديات المحلية علاوة على التأثير السلبي للإعلانات على حرية الإعلام والصحافة في دول الجنوب .
سابعا : تروج وسائل الإعلام العولمية حول مايسمى بالقرية الاتصالية العالمية باعتبارها أبرز ثمار التكنولوجيا المعاصرة والذي يعنى في جوهره إحاطة الجماهير في كافة إنحاء المعمورة بكل مايدور في العالم من أحدث وأفكار وصراعات وانجازات بشرية وان يتم ذلك بشكل يتسم بالموضوعية والتكامل والمصداقية بحيث يخلق معرفة شاملة وحقيقية بما يدور في الكون .
تاسعا : نفوذ إعلام العولمة ” “
– استطاع إعلام العولمة أن يكفل محيطا ثقافيا واسعا ونظرة أشمل إلى العالم وعمقا في الاتصال الإنساني وبذلك استقطب الملايين عبر رسائله المبسطة في عالم مليء بالتعقيدات .
– استطاع الإعلام في عصر العولمة أيضا أن يعيد تشكيل العالم في صورة محسوسة بعد أن سيطرت وسائله على الزمان والمكان وصار المشاهد يجد نفسه في اى نقطة في العالم وهكذا استطاع إعلام العولمة عبر وسائله علاقة جديدة مع العالم والزمن ليكتشف الإنسان أن العالم المترمى الأطراف يمكن أن يختصر فيه المسافات والفروق الزمنية ليصير كرة معلوماتية بعد أن كان في مرحلة سابقة قرية الكترونية صغيرة .
– استطاع في عصر العولمة أن يوفر لوكالات الإعلان الدولية المناخ الملائم لنشر قيم المجتمع الإستهلاكى التي تعارض لثقافة جديدة على شعوب تحاول أن تحتفظ بذاتيتها وخصوصيتها الثقافية .
– استطاع إعلام العولمة بقدراته التكنولوجية الهائلة أن يضعف من نظم الإعلام الوطنية ويزيد من تبعيتها له لتنقل منه مايجود به عليه من صور ومعلومات واعلانات .
– استطاع الإعلام في عصر العولمة أن يحل العلاقات الدولية إلى بحر من الأمواج المتلاطمة فأحدث تأثيرات من الصعب تقييمها في الوقت الحاضر فالواقع يؤكد أن عمليات التوظيف والتعتيم والتضليل والتحريف والتشهير لخدمة أغراض قوى عظمة أصبحت مسائل واضحة للعيان وأترث بدورها في العلاقات بين الدول .
– استطاع الإعلام في عصر العولمة إن يدفع بالإنسان خطوات واسعة في طريق السلوك الإستهلاكى ذلك أن الاستخدام الواسع الإعلان الدولي عبر وسائله فى مجال تسويق السلعي والخدمات أدى إلى خلق طلب واسع على هذه السلع حتى في بلاد لا تسمح الدخل فيها بتبنى أنماط الثقافة الاستهلاكية والنتيجة الطبيعية انخفض معدلات الادخار في مثل هذه الدول وبالتالي امتصاص جزء كبير من فضائلها الاقتصادية على الرغم الحاجة الماسة إليها .
عاشرا : عولمة الرسالة الإعلامية
كثيراً ما نسمع اليوم عن ظاهرة «العولمة» ونتائجها وآثارها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولا يمكننا أن نغض النظر عما يجري تحت مظلة هذه الظاهرة العالمية حتى وان كنا ممن يخالفون أو ممن لا يؤمنون بالعولمة كظاهرة أخذت تضع بصماتها حتى على ما يمارسه الأفراد يومياَ ناهيك عن المجتمعات التي انجرّت وراء هذه الظاهرة العالمية.
أما عن الاعلام، فما هي العلاقة بين العولمة والإعلام؟ هل أن الاعلام العالمي تأثر بالعولمة؟ أم أن العولمة هو انعكاس لظاهرة الاعلام العالمي الذي حمل الرسالة السياسية والاقتصادية والثقافية عبر وسائلها لتقنية ؟
الحقيقة هي أن كلا الظاهرتين متلازمتان لا يمكن أن ينفكّ احدهما عن الأخر على الأقل في عالمنا المعاصر الذي طوي شوطا من الزمن توسعت فيه دائرة العولمة من ناحية وكثرت وتشعّبت وسائل الاعلام فيه من ناحية أخرى.
وقد أثّرت العولمة وبحد كبير على الأنشطة الإعلامية في عالمنا المعاصر ولا تخلو اليوم أية ظاهرة من ظواهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا ولعبت فيها وسائل الاعلام دوراً يكاد أن يكون الأهم حتى بالنسبة لما تحتويه هذه الظواهر من معنا في المجتمعات المختلفة.
في مقدمة كتابه أكّد البروفيسور أبو العينين أن الكثير من الباحثين يعتقد بأن عولمة الأنشطة الإعلامية «تمثل أهم تطور أعلامي في العقدين الأخيرين من القرن الماضي ، وأن هذا التطور سوف يحدد مسار هذه الأنشطة طوال سنوات القرن الحالي، فضلاً عما يمثله ذلك من أهمية وتأثير في أنظمة الاعلام الوطنية في دول العالم» ولكن هناك أيضا ملاحظات مهمة في هذا المجال لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار وهي:
اولاً: أن عولمة النشاط الإعلامي لم تتحقق بعد بالصيغة التي ربما تكون قد استقرت لدى الكثيرين.
ثانياً: إن ما تحقق عينياً هو عولمة الرسالة الإعلامية بفضل سقوط الحواجز وهي ظاهرة «تقنية» أكثر من كونها ظاهرة سياسية أو ثقافية على الرغم من تأثيراتها السياسية والثقافية.
ثالثاً: أن درجات استجابة الأنظمة الإعلامية الوطنية للتغييرات التي تفرضها عولمة صناعة الاعلام متفاوتة إلى حدود بعيدة، الأمر الذي ينفي بشدة حقيقة أن تكون العولمة سمة أساسية لأنشطة وسائل الاعلام عبر مناطق العالم المختلفة في الوقت الراهن.
رابعاً: إن عولمة النشاط الإعلامي، حيث توجد الآن ليست ظاهرة حديثة تنتمي للعقدين الأخيرين من القرن الماضي، ولكنها تعبير عن تطور تاريخي تمتدّ جذوره إلى القرن التاسع عشر، وان كانت خطاها قد تسارعت في الربع الأخير من القرن العشرين.
وقد كشفت الممارسات المختلفة في سنوات الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين عن دورين أساسيين قامت بهما وسائل الاعلام في المنظومة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية العالمية، وهو الدور الاقتصادي حيث تلعب فيه وسائل الاعلام دوراً مهماً ، فقد أصبحت العولمة الإعلامية تمثل قيمة اقتصادية هائلة ومتنامية وبخاصة في ظل اقتصاد المعلومات الذي أصبح السمة الأساسية للاقتصاد العالمي، حيث بلغت استثمارات صناعة المعلومات تريليوني دولار عام 1995، وفي نهاية القرن (عام 2000) بلغت 3 تريليونات دولار سنوياً بعد إن كانت هذه الاستثمارات لا تتجاوز 350 مليار دولار عام 1980، وثانياً الدور الإيديولوجي الذي يوفر بيئة معلوماتية وإيديولوجية لدعم الأسس السياسية والاقتصادية والمعنوية لتسويق السلع والخدمات وتطوير نظام اجتماعي قائم على تحقيق الربح عبر الثقافات الوطنية المختلفة. وبصورة عامة فان دراسات العولمة في العلوم الاجتماعية تتسم بالتركيز على ظاهرتين أساسيتين، تحتل وسائل الاعلام وخاصة التلفزيون فيهما مكانة متميزة:
اولاً: الوسائل التي يسّرت بها الشركات متعددة الجنسيات عولمة رأس المال والإنتاج.
ثانياً: الثقافة العالمية الناتجة عن ظهور نمط من الشركات متعددة الجنسيات يمتلك ويهيمن على وسائل الاعلام الجماهيرية مما سبب ظهور نمط من الثقافات والإيديولوجيات ذات التوجه الاستهلاكي.
وتخضع أدبيات البحث في ظاهرة العولمة أيضا للعديد من التصنيفات تؤكد بعضها على أنها أحادية السبب mono-causual والأخرى متعددة الأسباب multi-causual ويرى هناك تصنيفاً آخر أكثر ملائمة لتقديم شروح أفضل لظاهرة شديدة التعقيد مثل العولمة وهو تصنيف رباعي يرتكز على تمايز الاتجاهات التالية:
اولاً: مدخل النظم العالمية The World System Approach وهو يبنى على التمييز بين دول المركز وشبه المحيط والمحيط من حيث طبيعة دور هذه الدول في تقسيم العمل الدولي الخاضع لسيطرة النظام الرأسمالي العالمي.
ثانيا: النموذج الثقافي العالمي Global Culture Model ونشأ هذا النموذج من البحوث التي تناولت عولمة الثقافة، ويهتم هذا المدخل بالمشكلات التي تسببها ثقافة متجانسة مرتكزة على وسائل الاعلام، وبخاصة التلفزيون .
ثالثا: نماذج المجتمع الدولي: Global Society Models ويعتقد أصحاب هذه النماذج بأن المجتمع العالمي تاريخيا قد أصبح حقيقة في العصر الحديث فقط، وأن العلم والتقنية والصناعة والقيم العالمية المتنامية أوجدت عالما مختلفاً عن أي عصر من عصور الإنسان السابقة.
رابعاً: مدخل الاقتصاد السياسي: Political Economy ويرتكز هذا المدخل على افتراض أن ديناميكيات الصناعات المنتجة للثقافة يمكن فهمها في ضوء الحتمية الاقتصادية ، وينتمي هذا التوجه إلى الغلاة من الماركسيين اللذين يعتقدون بأن ظاهرة العولمة هي نتاج هيمنة القوى الرأسمالية على التطور الاجتماعي والثقافي السائد عالمياً، وفي هذا المجال تمثل وسائل الاعلام ركناً أساسيا في تفسير هذا المدخل لظاهرة العولمة.
وهناك من يشير إلى «ثمة علاقة وثيقة ربطت بين عولمة النشاط الإعلامي وتصدير الرأسمالية التجارية عبر تطورهما التاريخي، وأن تلك العلاقة هي التي تحكم التطورات الراهنة والمستقبلية في صناعة الاعلام من دون أن ينفي ذلك تدخل عوامل أخرى». ويدعم هذا الافتراض العوامل التالية:
1) التزامن بين ظهور النشاط الإعلامي خارج الأسواق الوطنية الرأسمالية وتصدير الرأسمالية الصناعية والتمدد التجاري في الأسواق الخارجية.
2) الاختلاف الموجود في عولمة الأنشطة الإعلامية التي تطرح على الصعيد العالمي وتنعكس في الأنظمة الإعلامية الوطنية الغربية.
3) خضوع اكبر نسبة من الأنشطة الإعلامية الدولية لعدد من الشركات العالمية العملاقة ونمو الشركات الإعلامية العالمية تبعاً لنمو تلك الشركات.
4) وحدة العمل والمنشأ للشركات العالمية العملاقة مما يشير على انسجامها في الأصعدة المختلفة.
5) تماثل التوزيع الجغرافي للمستوى الذي تحقق من عولمة الأنشطة الإعلامية مع توزيع الاستثمارات التجارية والصناعية للشركات العالمية متعددة الجنسيات مما يدل على إنهما حقيقة واحدة.
6) الاختلاف في تأثير النشاط الإعلامي عبر الوسائل الإعلامية المختلفة. فصناعة التلفزيون مثلاً هي الأكثر تأثراً بسياسات العولمة.
ويستخلص من هذا الافتراض نتيجة مهمة وهي «إن الطابع التاريخي لظاهرة العولمة ينفي عنها صفة الاستمرار باعتبارها مرحلة تاريخية مرتبطة بالقوى الداعمة لها مما يفسح المجال أمام العوامل الوطنية سياسية كانت أم اقتصادية أم ثقافية، للتعامل مع هذه الظاهرة» وهذا يعني من جهة أخرى أن عولمة النشاط الإعلامي ستزول أو ستتغير إذا تغيرت معالم التجارة العالمية وان تكامل الاقتصاد الوطني سيلعب دوره في تعديل الأنشطة الإعلامية لصالح الشعوب خلافاً لما تريده الشركات العالمية المتعددة الجنسيات.
وهناك حقيقة مهمة يجب الإشارة إليها في تجارب الثمانينيات والتسعينيات حول الاعتبارات الجيوبوليتيكية المؤثرة على عولمة النشاط الإعلامي، حيث أن قوى السوق قد أصبحت الوسيلة العالمية الأساس لتنظيم الأنشطة الاتصالية، وأن المبادئ والقيم غير المرتبطة بقوى السوق يتناقض دورها في تنظيم صناعة الاتصال وبالرغم من أهمية هذه الحقيقة في تنظيم العلاقة بين السوق العالمية وعولمة الاعلام فان الاعتبارات الجيوبوليتيكية تؤثر تأثيراً جاداً في تنظيم هذه العلاقة فهذه العلاقة لا تعمل بدرجة واحدة عبر مناطق العالم المختلفة متأثرة بالاعتبارات الجيوبوليتيكية وآثارها في المراحل المختلفة. ولأهمية هذه الحقيقة فان الإستراتيجية الجديدة للشركات العالمية هي أن تصل إلى قطاعات معينة من السكان داخل الأسواق الوطنية، أن الوصول إلى هذه القطاعات تبدو وكأنها المسؤولية الحقيقية لوسائل الاعلام العالمية.
ففي الأقطار العربية على سبيل المثال، يعتقد بأن العوامل السياسية هي المحدد الرئيسي لمدى استجابة الاعلام العربي للتحديات التي تفرضها عولمة الأنشطة الإعلامية. فلا يخلو أي قطر من هذه الأقطار من هيمنة الدولة على واقع الاعلام ومستقبله مما تحدّ كثيراً من خطى الاعلام العربي للتفاعل مع الأنشطة الإعلامية العالمية.
أما بالنسبة إلى تأثير العولمة على اتجاهات البحث الإعلامي ثم تصنّيف بحوث الإعلام المرتبطة بقضايا العولمة إلى تيارين أساسيين:
أ) تيار يحاول رصد التغييرات التي جاءت بها الأنشطة الهادفة إلى عولمة صناعة الاعلام وتأثيراتها.
ب) تيار يحاول رصد تأثيرات تقنية الاتصال الحديثة على صناعة الاعلام.
فعلى الرغم من اهتمام بحوث الاعلام برصد الخطوات التي قطعتها صناعة الاعلام في سبيل تحقيق سوق عالمية للأنشطة الإعلامية المختلفة، ولكنه يمكن رصد العديد من الدراسات خلال سنوات التسعينيات التي تمثل تياراً مناهضاً لظاهرة عولمة الأنشطة الإعلامية وتقسيم هذه الدراسات إلى اتجاهين:
* الاتجاه الأول: وهو اتجاه يبدي الكثير من التحفظات على عولمة الأنشطة الإعلامية التي يتم من خلالها تجاهل المصالح الوطنية، وإنهاك اقتصاديات الطبقات الوسطى في المجتمع، وإضعاف قدرات المجتمعات المحلية على الإبداع والابتكار في ظل المنتجات الثقافية الجاهزة التي تقدمها وسائل الاعلام إلى الجمهور، ولكن يجب أن نؤكد هنا على أن تأثير هذا الاتجاه ضعيف في مواجهة قوى العولمة وما تحققه يوماً بعد يوم على أرض الواقع.
* الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه الذي يقبل بوجود عولمة الأنشطة الإعلامية مدفوعة بدوافع الربح المادي ، وهذا الاتجاه هو أقوى الاتجاهات المناهضة لعولمة الأنشطة الإعلامية سواء في مجال البحوث أم في مجال التحركات الاجتماعية الفعلية .
الحادي عشر : المخاطر السلبية للعولمة
الواقع أن هناك أثار سلبية مختلفة للعولمة سواء على المستوى السياسي والإقتصادى والثقافي ، خاصة في ظل التقدم الهائل لوسائل الاتصال لم يعد من المبالغة القول بأن العالم أضحى قرية صغيرة يمكن للقاطن في أي من أطرافها معرفة ما يحدث في الطرف الآخر ، وهناك دولة واحدة كبرى تنفرد بقيادة العالم وتمتلك موارد اقتصادية هائلة وتعيش نشوة انتصار فلسفتها وإيديولوجيتها بعد انهزام الإيديولوجية المقابلة مع انهيار الإتحاد السوفيتي ومنظومته الاشتراكية وعقيدته الشيوعية مع الاعتقاد بسمو تلك الثقافة .
وامتنا العربية أدهمتها ظروف العولمة وهى في اضعف حالها بحاجة إلى إدراك مخاطر العولمة وجوانبها السلبية والتنبه إلى مخاطرها المتعددة وأهم هذه المخاطر :
1) المخاطر السلبية للعولمة الإعلامية
أ- انهيار السيادة القومية للإعلام في ظل انهيار المفاهيم التقليدية حول القومية الحديثة مثل السيادة على الفضاء والحدود وصنع السياسات الإعلامية وظهر تقسيمات جديدة للعالم
ب- اعتماد دول الجنوب بشكل اساسى على البرامج الإخبارية والإعلانات والحوارات والمسلسلات والأفلام خاصة الأمريكية وقد ترتب على ذلك زيادة الهيمنة الاتصالية لدول المركز المتحكمة في العولمة على دول الأطراف .
ج- تدفق الثقافة والمفاهيم والأفكار وعادات وسلوكيات ومعلومات غربية جديدة إلى دول العالم بلا حواجز ولا ضوابط وفى إطار تنافسي تجارى بين الشركات المتعددة الجنسيات .
د- زيادة الفجوة الاتصالية بين الشمال الغنى والجنوب الفقير على مستوى العالم بين الريف والحضر داخل دول الجنوب مما أدى إلى تزايد الخلل في التدفق الإعلامي والمعلوماتى من طرف الشمال الغنى إلى الجنوب الفقير وترسيخ الأنماط التقليدية السلبية والمتحيزة في سريان وتدفق الأنباء المبتورة المشوهه عن دول الجنوب والتي تعتمد إغفال كافة الإنجازات التنموية التي تحققت في تلك الدول .
ه- تحويل دول الجنوب إلى سوق للاستهلاك الإعلامي والإعلاني نتيجة لتركز تكنولوجيا الاتصال والمعلومات في دول الشمال .
2) المخاطر السلبية للعولمة الثقافية ” ”
أ- هيمنة الثقافة الغربية :
معظم الإنتاج الإعلامي والثقافي ومعظم محتوى شبكات الإنترنت هو نتاج غربي امريكى فهي القادرة على استثمار التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصال والإعلام ، وهذه المنتجات الإعلامية تحمل فكرا محدد وتعبر عن ثقافة معينة من ثقافتهم الخاصة بكل ما تحمله من قيم وعادات وتقاليد وأنماط سلوك ، والغرب هو الذي يسيطر على أغلب القنوات البث الفضائي وعلى محتوى شبكات الإنترنت وعلى أكبر دور الصحف والمجلات ودور النشر ووكالات الأنباء ، فالعولمة تبدو في المجال الثقافي اتجاه إلى إعادة صياغة العالم وفق ثقافة معينة هي الثقافة الغربية الأمريكية بوجه خاص أي أن العولمة الإعلامية لها تأثير ثقافة هام وهو تسويق ثقافة جديدة مغايرة لثقافتنا الغربية .
ب- زعزعة منظومة القيم الاجتماعية :
ومنظومة القيم الاجتماعية تتمثل في العقائد والقواعد العامة التي وتحرص كل أمة على حماية هذه القيم ووسائل الإعلام العالمية تبث أفكار وآراء وتصورات منافية ومختلفة مع عقائدنا وقيمنا وتترك آثار سلبية في إدراك ووعى ووجدان المتلقيين وبالتالي تشكل خطر على إدراك الشباب ومعتقداتهم الأصلية ووعيهم بقيمهم نتيجة لبث قيم بديلة تشغل عقولهم وفكرهم .
ج- تهديد لغتنا العربية :
وتمثل ملامح هذه الأزمة في الإقصاء المستمر للغة العربية بمظاهر شتى منها : انسحاب اللغة العربية من حياتنا اليومية وفى أجهزتنا الإعلامية الرسمية والغير الرسمية
وفى ظل ظروف العولمة ستتعمق الأزمة التي تعيشها لغتنا يتم التبشير بالفلسفة الليبرالية الغربية باعتبارها النموذج الأرقى لأسلوب الحياة الإنسانية . ومعظم شبكات الإنترنت تبث بالغة الإنجليزية وبالتالي يؤدى هذا إلى إعلاء شأن اللغات الغربية على حساب لغتنا العربية .
3) المخاطر السلبية للعولمة في المجال السياسي
* إضعاف سلطة الدولة الوطنية :
حيث أن التقدم الهائل في الاتصالات والمعلومات فرض واقعا جديدا أصبحت فيه قدرة الدولة على فرض سياج حول نفسها ومجتمعها أمرا مستحيل
* محاولة فرض نظام سياسي معين على العالم :
حيث لابد من الإشارة هنا أن النظام السياسي الغربي حقق لمجتمعاته الخير والفائدة الكبيرة ولكن هذا النظام لايمكن أن يكون مناسبا لكل المجتمعات فكل مجتمع له ظروفه وثقافته الخاصة به والتي لاتتناسب مع النظام الغربي والذي هو ليس هدفه تحقيق الخير والتقدم لباقي المجتمعات بقدر السعي إلى تخلفها وإضعاف نظامها فهو لاينطلق من دوافع أخلاقية .
* محولة إملاء سياسة معينة على العالم :
فمن خلال ترويج وسائل الإعلام لأفكار ومفاهيم ومبادئ حق تقرير المصير والشرعية الدولية واحترام حقوق الإنسان يتم السيطرة والهيمنة على الدول الفقيرة حيث يتم تطبيق هذه المبادئ وفقا للمصلحة الغربية محاولة منها السيطرة والهيمنة على دول العالم فمن خلال الشرعية الدولية ثم حصار العراق وليبيا والسودان وباسم الشرعية تم احتلال العراق وغزو أفغانستان .حيث يتم استغلال ظروف العولمة الإعلامية لإملاء سياسات معينة يتم فرضها على العالم لتحقيق مصالح دول كبرى .
4) الآثار السلبية للعولمة في الحياة الاجتماعية ” “
أ- الترويج للنمط الغربي من أساليب الحياة والسلوك :
حيث أن لكل مجتمع أسلوب حياته الخاصة ونمط مميز للسلوك وله عادته وتقاليده ولابد من حصول التأثير والتأثر بين المجتمعات وتلك سنة الحياة ، ويبرز هنا عامل مهم من عوامل التأثير وهو ناتج عن سطوة الأجهزة الإعلامية وتأثيرها البالغ على سلوك الأفراد بما تملكه من وسائل الجدب والإبهار المغرية خاصة القدرات التي تملكها الشركات الغربية العملاقة و الأمريكية خصوصا حيث تبث مواد إعلامية هي نتاج للواقع الإجتماعى الغربي وتمثل قيمة وتعبر عن سلوك ذلك المجتمع وأنمط حياته وهذه المواد الإعلامية تحمل مضامين هدامة منافية لقيمنا وأحلامنا وتكرس قيما سلبية متناقضة مع قيمنا وسلوكياتنا
ب- تعميق التفاوت الإجتماعى :
حيث زادت معدلات الفقر والبطالة في كثير من دول العالم نتيجة لظروف العولمة الإعلامية التي تسوق مفاهيم الحرية الاقتصادية وعدم تدخل الدولة في الشئون الاقتصادية وحتى لو سمحت ظروف العولمة للشركات الأجنبية بالاستثمار للدول الفقيرة لتحسين ظروف العمل والعمال فتلك الشركات لايتوقع منها تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية ولن تنمح العمال إلا الحد الأدنى من الأجور .
ج- إيقاف الانتماءات الأولية :
حيث أن الظروف التي جاءت مصاحبة للعولمة من إشاعة الديمقراطية الليبرالية والدعوة إلى حق تقرير المصير واحترام حقوق الإنسان ، قد فتحت المجال أمام دعوات إيقاف الانتماءات الأولية للظهور وأزلت الحواجز التي كانت تحول دون بروزها أو أن إضعاف سلطة الدولة في ظل ظروف العولمة يفتح المجال لاستيقاظ الدعوات لتلك الانتماءات التي ربما تكون مكبوتة ” “.
***انتهى***
حمل مذكرة بعنوان : ممارسة الصحفيين للمهنة خلال حالة الطوارئ
4shared.com – online file sharing and storage – download 265.zip
حمل مذكرة بعنوان : ممارسة الصحفيين للمهنة خلال حالة الطوارئ
بحث حول العنف الإجتماعي
السلام عليكمخـطــة البـحــث
*مـقدمــة.
*الفصل الأول: ماهية العنف الإجتماعي.
*المبحث الأول: مفهـومـــه.
*المبحث الثاني: أنـواعـــه، وأسبابــه.
*المبحث الثالث: الحلول المطـروحة.
*الفصل الثاني: دراسة تحليلية حول ثقافة العنف عند الطفل الجزائري.
*خـاتمــــة:
مقدمة
أمسى العنف خبزًا يوميًّا للإنسان المعاصر. فهل هذا العنف جزء من الطبيعة الإنسانية؟ أم هو فطرة كامنة في أصوله الغريزية؟
تضاربت الآراءُ حول أصول العنف، بين قائلين بغريزية العنف (لورنتس) وبين قائلين بأنه صفة مكتسبة (سكينِّر). وتعود جذور هاتين النظريتين إلى الخلاف بين المنظِّرين والعلماء منذ عصر النهضة؛ ثم إلى الخلاف بين المناهج التقدمية، التي كانت تقول إن “الرذيلة” نتاج للظروف الاجتماعية، وبين المناهج المحافظة، التي حاولت أن تثبت أن التنافس بين البشر يعود إلى غريزة متأصِّلة لصالح كمون العنف في أعماقهم.
إلا أنه في بداية القرن الفائت تمَّ التوصل، عبر منجزات التحليل النفسي الفردي (فرويد) وعلم النفس التحليلي التجريبي (يونغ وفروم)، إلى حسم الصراع، ليَثبُت، بالتجربة، أن العنف ينقسم إلى نوعين:
أ. العنف الدفاعي. ب. العنف الخبيث (حب الإفناء).الفصل الأول: ماهية العنف الإجتماعي.
1- مفهوم العـنف:
أ- لـغــــة: العنف لغةً: “عنفٌ بيه وعليه ـ عنفاً، وعنافة: أخذه بشدة وقسوة، ولامه” فهو عنيف، (اعتنف) الأمر: أخذه بعنف وأتاه ولم يكن له علم بيه و.. الشيء: كرهه، يقال إعتنف الطعام و.. فلان المجلس: تحول عنه، عنفوان الشيء: أوله، يقال هو في عنفوان شبابه أي في نشاطه وحدّته”.
“غير أن معنى العنف اكتسب دلالة أخرى مختلفة عند العرب المحدثين، فأصبح مقابلاً للفظة Violence في الفرنسية أو الإنجليزية، أو Gewalt في الألمانية، من المعنى الحقوقي الحديث، وفي الحقيقة فإن لفظة العنف كما وردت في الحديث أو الشعر العربي القديم قريبة من معنى Violentia في اللاتينية التي تعني الغلظة والقوة الشديدة، وهي مشتقة من Vis أي القوة الفيزيائية أو كمية ووفرة شيء ما، وهو معنى على صلة بلفظة bia في اليونانية أي القوة الحية، ذلك أن العربية تقول عنفوان كل شيء أوله، وقد غلب على النبات والشباب كما جاء في معجم لسان العرب.ب- إصطلاحاً: إن المعنى الحداثوي لـ “العنف” كمصطلح يتسع لكل أشكال العنف، ولما كنا بصدد العنف داخل المجتمع المدني الحديث، فإنه ينبغي الإشارة إلى أن “العنف كمقولة حقوقية تعود إلى القرن التاسع عشر حيث حدد وفكر فيه داخل التصور الحديث للدولة بوصفه فعلاً أو ظاهرة ترمي إلى إحداث خلل في البنى التي تنظم مجتمعاً ما، مما ينجم عنه تهديد نظام الحقوق والواجبات التي يتوفر عليها الأفراد طالما هم ينتمون إلى شرعية قائمة”.
وعلى أية حال، يستطيع كل واحد أن يعرّف العنف من وجهة نظره، من هذه التعريفات تعريف (د. فرج عبد القادر طه) الذي عرفه من خلال السياق النفسي “بأنه السلوك المشوب بالقسوة والعدوان والقهر والإكراه، وهو عادة سلوك بعيد عن التحضر والتمدن تستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية استثماراً صريحاً بدائياً كالضرب والتقتيل للأفراد والتكسير والتدمير للممتلكات، واستخدام القوة لإكراه الخصم وقهره”.
وإذا قرأنا عدة تعريفات سنجد أن جميع التعاريف السابقة تتمحور حول نقطتين مركزيتين:
1 ـ أنه من الصعب إعطاء تعريف للعنف خارج النطاق الحقوقي، إذ لا بد من ذكر ثنائيات من مثل الحق/ التجاوز، القانون/ الاختراق، وهذا ما يؤكد لنا أن العنف مقولة حقوقية أو قانونية.
2 ـ يندرج تعريف العنف ضمن الحقل الوجودي، أي علاقة الأنا مع الآخر، سواء اعتبرنا أنه إنكار الآخر أو استبعاده أو خفضه إلى تابع أو تصفيته معنوياً أو جسدياً فإنها تتم جميعاً في الحقل التصادمي مع الآخر. وفي النهاية نستطيع ضبط العنف من الناحية المفهومية على أنه تجاوز واختراق القواعد أو القوانين التي تنظم وضعيات تعتبر طبيعية أو عادية أو قانونية، فالتعريف بهذا المعنى يوحي بمعنى الإخلال أو بث البلبلة في نظام الأشياء بشكل وقتي أو دائم. وسواء تركز ذلك أو انحبس داخل النفس الإنسانية أو وجد منفذاً ومخرجاً له فتحول إلى الشكل المادي الفيزيقي، أنه يعتبر في كلتا الحالتين عنفاً، فهو في المرحلة الأولى مؤسس، أما في الثاني فهو مؤسس وناتج عن الأولى”.
إن التصادم مع الآخر سواء أكان قريباً أم بعيداً هو أسلوب معين لإثبات الحق، أو وجهة النظر، أو المصلحة المادية، ذلك أننا لا نستطيع أن ننسى أن بداية العنف كانت ترجع إلى الصراع حول الحاجات الأساسية، صراع البقاء المعتمد على تأمين المأكل أولاً ثم بقية الحاجات المادية الضرورية للعيش حسب المستوى الحضاري للإنسان، وبعد وضع النصوص القانونية الأولية التي تبين العلاقة بين الناس ظهرت أنواع متعددة من السلوكيات الرافضة، ومن هنا نشأ السلوك العدواني الذي يسعى لإثبات الذات وتوكيدها. وقد تم تعريف هذا السلوك على أنه “أي سلوك يصدره الفرد بهدف إلحاق الأذى أو الضرر بفرد آخر يحاول أن يتجنب هذا الإيذاء سواء كان بدنياً أو لفظياً تم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، أو أفصح عن نفسه في صورة الغضب أو العداوة التي توجه إلى المعتدي عليه”.
*** *** ***
2-أنـواع العـنف، وأسبابه:
يتفق الباحثون أن العنف الاجتماعي يتخذ أشكالاً متنوعة، مباشرة وغير مباشرة، خفية ومعلنة. لكن ما نريد تأكيده، منذ البداية، هو أن العدوان الخارجي ليس مسوِّغًا لثقافة العنف؛ بل إن ثقافة العنف داخل المجتمع هي تأسيس للهزيمة أمام العدوان الخارجي. فقد حان الوقت كي نتنبه إلى أن التنمية ليست مجرد تنمية للأرقام، بل هي، أولاً وأخيرًا، تنمية للإنسان. إذ يضاف العنف الإنساني، في مجتمعاتنا، إلى تعنيف الطبيعة وقهرها، حيث تقوم ثقافة العنف على منظومة فكرية مركزية عقائدية وأخلاقية تستند إليها.
وقد قسم المختصون العنف إلى قسمين متباينان هما كالآتي:
أ-العنف الدفاعي: ويشترك فيه الإنسان والحيوان؛ وهو عنف غريزي يهدف إلى الحفاظ على النوع.
فالعنف الحيوان دفاعي، ناتج عن غريزة حبِّ البقاء؛ وقد يتبلور إلى عنف بهدف الافتراس عند الحيوانات اللاحمة. وهو يظهر دون عوارض الغضب؛ ويزول التوتر العدائي عند الوصول إلى الهدف (الطعام). وهذا العنف ليس مدمِّرًا ولا ساديًّا. أما الإنسان – وهو حيوان غير لاحم في الأصل – فالعنف عنده قائم بذاته وتلقائي ومدمِّر. وتدل التجارب أن الحيوان الذي يقع في الأسر ويخسر حريته، ليوضع في محيط ضيق وفي بيئة غير بيئته الطبيعية، تظهر لديه ميول إلى العنف مماثلة للعنف العبثي المدمِّر عند الإنسان.
الرأي العامي يقول إنه كلما كان الإنسان بدائيًّا زاد ميلُه إلى العنف. ولكن (الباليونتولوجيا) تقول إن الإنسان العاقل، الذي أمضى 99% من حياته في مرحلة الصيد، منذ حوالى خمسين ألف سنة مضت، لم يكن يقتل ليستمتع بالقتل أو بالقسوة والعنف، ولم يكن مدمِّرًا ولا عنيفًا، ولم يكن يمثِّل بالضحية الحيوانية إلا بغرض الغذاء والكساء، ولم يكن يتسم بسلوك عدائي بين بني جلدته، بل كان يقتسم الطرائد معهم.
كان المجتمع البشري آنذاك مسالمًا بشكل عام: لم تكن حتى الكهوف محمية من احتمال اعتداء الإنسان؛ ولم تَظهَر التحصينات الهادفة إلى الدفاع ضدَّ عدوان البشر إلا في مجتمع الزراعة المتقدِّمة، أي بعد انكفاء المجتمع الأمومي وسيطرة الذكورية على الحضارة. ولا توجد في اللوحات التي رسمها الإنسان البدائي كلِّها أية مؤشرات على حروب ومعارك أو على قتل للإنسان، لأيٍّ سبب كان.
ويتفق علماء النفس على أن الدوافع المكوِّنة للشخصية الثقافية ترتكز إلى عامل الحرية وتحقيق الذات أساسًا. وتتفق التجارب في مجال علم النفس التجريبي على أن الإحباط والقهر وقمع الحرية هو الأساس في الاغتراب والعنف، في حين لا تلعب العوامل الغريزية، مثل الشبع من الطعام والجنس، إلا حيزًا ضئيلاً جدًّا من وعي الإنسان المعاصر ودوافعه العنيفة. وتتأثر هذه الدوافع بالثقافة، فتحرِّضها هذه وتوجِّهها توجيهًا سليمًا أو مرضيًّا.
إذن العنف لدى البشر ليس من طبيعة ، إنما هو خاصية اجتماعية نَمَتْ الحضارة ونشأت معها؛ وبالتالي هو ليس سلوكًا مرضيًّا فرديًّا لإنسان بحدِّ ذاته. وإن اعتبرنا أن شخصية الجماعة هي ثقافتها، يكون العنف إذن فعل ثقافي مكتسب.ب-العنف الخبيث: وهو عنف يختص به الجنس البشري؛ وتندرج فيه السادية وحبُّ الموت والتدمير. وهذا النوع من العنف مكتسب حتمًا؛ إذ من الممكن إثارته، والتأثير عليه، سلبًا أو إيجابًا، بواسطة العوامل الثقافية.
وهذا النوع من العنف متفشي في المجتمع بأقسام مختلفة، ودرجات متمايزة، ويمكن ذكر بعضها كما يلي:
*العنف الفردي: ونبدأ بالعنف الفردي، لنجد أنه كان دائمًا ردَّ فعل على عنف اجتماعي واقتصادي. وبين الفعل وردِّ الفعل، بين الفردي والاجتماعي، يدور المجتمع في دوامة. والنتيجة عنف متصاعد من الفرد، إلى العائلة، إلى أرجاء المجتمع كافة، ليرتدَّ عنفًا اجتماعيًّا باسم القيم والعقائد والأخلاق.
يقوم العنف الفردي على ردِّ فعل توحدي، حيث يتوحد identify الفرد أو الجماعة مع نموذج لفرد زعيم أو معلِّم أو مربٍّ، مسوِّغين العنف بالإصلاح. ويتَّسم المجتمع الذي يهيِّئ لثقافة العنف بجملة من المظاهر:
– انتقال السلوك والعادات من جيل إلى آخر انتقالاً جامدًا.
– تحكُّم العادات والتقاليد بالسلوك البشري، لا القانون والتربية والعلم.
– نظام اجتماعي تحكُمُه مراتب عائلية ودينية واجتماعية واقتصادية جامدة.*العنف ضد المرأة: تشكِّل المرأةُ ساحةً عظمى لممارسة ثقافة العنف. إنها ملكية جماعية للعشيرة والقرية والأسرة والزوج والأب والابن، وربما للعمِّ والخال. جسدها ليس ملكًا لها، وليس لها أن تناقش أو تختار أو تحلِّل. وقد أثبتت الدراسات أن الأمم التي تربِّي أطفالها على العنف، ولو لجيل واحد، بحجة البناء أو بذريعة الدفاع ضدَّ العدوان، لا تستطيع، فيما بعد، تلافي توريث هذا العنف للأجيال اللاحقة إلا بجهود شاقة وكبيرة. وهكذا، وكما يجري تقسيم للعمل على أساس الجنس في المجتمع الذكوري، يجري توزيع للأدوار في ممارسة العنف. وتشكِّل الزوجات 76.6% من حالات العنف الواقع على المرأة، في حين يشكل الأبناء 28.6 % من حالات الاعتداء الأسري.
فالأشخاص الذين تربوا على العنف أطفالاً يمارسونه تلقائيًّا مع أبنائهم. فالطفل المعرَّض للعنف لا يستطيع تمثُّل عنف أبيه، بل يغلي العنفُ في داخله ويختزنه، لينقله إلى أبنائه. وكذا الأم: فالأمهات اللاتي يمارسن العنف على أبنائهنَّ يتميَّزن بشخصية ضعيفة غير ناضجة؛ وتبيِّن الدراسات أن معظمهن تعرَّضن لعنف في طفولتهن.
وفي مرحلة معينة من نموِّ العنف، يبدو أنه هو المناخ الطبيعي للمجتمع! فيظهر استعبادُ المرأة ليس كاستغلال لكائن مقهور، بل كأنه من طبيعة المرأة ذاتها، ويظهر استغلال البنات والأبناء كأداة في النفوذ وكجزء من العلاقات الطبيعية في الأسرة، بل كحقٍّ مقدس لها لا يجوز المساس به! والحال، لا يُبرَز من الدين إلا ما يؤكد ثقافة العنف وما يؤكد القناعة بالأمر الواقع، في حين أن التقاليد هي الملاذ الذي تفتخر به تلك الثقافة. وثقافة العنف تقف ضدَّ كلِّ ما يخرُج عنها: تلاحقه بالفضيحة، ويُستباح رزقُه وسمعتُه، تشفِّيًا وبطشًا. فالرجل المشحون بمشاعر العنف، المقهور من الخارج، لا بدَّ أن يُسقِط العنف والهوان على امرأته، فتردُّ هي، بدورها، لعبة العنف الذكورية بلعبة العجز الأنثوي والكذب والنميمة والمكر والكيد.
ولعل في موقف بعض القوى المتنوِّرة والثوريةِ من المرأة مثالاً صارخًا على مآل الوسطية في الثقافة. إن المرأة هي حصن حصين للتقاليد ولثقافة العنف؛ لذلك يتخذها الارتداد المدني الحاصل حصنَه الأول، حيث تكون المرأة مرتكَزًا له، لأنها معقله الأكثر إيغالاً في البُنى الاجتماعية. ومادام هذا الحصن مغلقًا لن يُتاح للحداثة اختراقُ الطبقات الكثيفة التي لا تزال تحيط بكامل المنظومة السلفية.
حتى التيارات الشعبوية، بأغلفتها المختلفة، أعادت إنتاج القيم التقليدية الدارجة التي تمجِّد الذكورة كمرتكَز قيمي للعداء للآخر: الغرب. بذلك قبلت التيارات العلمانية بالمساواة بين الرجل والمرأة في السياسة، لكنها لم تقبل بها في القوانين المدنية وقوانين الأحوال الشخصية. مثالنا على ذلك ما وَرَدَ في الميثاق الوطني الجزائري للعام 1976: على الاتحاد الوطني النسائي أن يكيِّف نشاطه مع المشاكل الخاصة التي يطرحها انخراطُ النساء في الحياة الحديثة، وعليه أن يدرك أن تحرُّر النساء لا يعني التخلِّي عن المعتقدات والتقاليد الأخلاقية التي يختزنها الشعب عميقًا.
ثم كيف يتطور ذلك الموقف الوسطي؟ هي ذي صحيفة المجاهد الجزائرية تقول: ” ليست النساء مساويات للرجال. فجماهيرنا الكادحة هي في العمق تقليدية ومحافظة. إن اشتراكيتنا تستند إلى الأعمدة السبعة… لا إلى تحرر النساء.” وهاهي جريدة المجاهد بعد سنوات تقول: “كان تحرر المرأة عاملاً حاسمًا في انحطاطنا.” ثم تتابع: “إن خضوع المرأة لزوجها… لا يمنعها على الإطلاق من المساهمة في الحياة السياسية.” ليتابع أحد الأصوليين، بعد سنة واحدة: “حتى صعود النساء إلى الجبال مع المجاهدين كان وبالاً عليهم، ولم يزدْ الجنود إلا خبلاً وفتنة، والله وحده يعلم ماذا كان يحدث هناك.”وتأتي ثقافة العولمة المتأمرِكَة والتطورات الاجتماعية العاصفة التي تمرُّ بها بلادُنا لتعطي أبعادًا جديدة للعنف الجنسي المسلَّط على المرأة. فالمرأة في الاقتصاد الطبيعي والمجتمع الزراعي والمدني التقليدي تكتسب مكانتها ليس من خلال وظيفة الإنجاب فحسب، بل من تربية الأطفال ومن دورها في الاقتصاد المنزلي. لكن هذه التطورات قد عملت، بدورها، على تضاؤل دور الأسرة في عملية التربية، من جهة، واضمحلال الاقتصاد المنزلي، بشكل خاص في المدن، من جهة ثانية. والنتيجة، بالتالي، هي تراجع دور المرأة ومكانتها.
وفي ظروف لا توفِّر للمرأة العلم والعمل، لن يكون أمامها إلا أن تستلم لآلة العنف الجسدي، كما يروِّج لها إعلامُ الغرب، متضافرةً مع آليات القهر الداخلية، لتمعن في الأنوثة ابتذالاً، وتحوِّلها إلى هَوَس الجسد وثقافة للسوق ونخاسة الأنوثة وهذا آخر ما تركتْه العولمة والتقاليد معًا لتلك المرأة في مجتمعاتنا. ويتغلغل القمع الجنسي الجمعي، بدوره، من خلال ثقافة العنف، حتى الأعماق، فتتفكَّك المشاعر، ويضعف التعاطف، وينهار احترام الذات.*العنف ضد الطفولة: سننتقل الآن لفكرة أبعد: أين يتركَّز العنف في مجتمعنا؟ إنه يتركز، أول ما يتركز، في الأسرة وفي التربية. فالأم الجاهلة بأوليات التربية، المقهورة أصلاً بالعنف التاريخي الواقع عليها منذ الولادة، لن تستطيع أن تكون إلا حاضنة لثقافة العنف. إنها تشترك مع الأب في نقل نظرة خرافية إلى العالم لأولادها. فالوالدان – والأقرباء عمومًا – لا يجيبون عن أسئلة الطفل، بل يُغرقونه في التخويف والكذب؛ يكذبون عليه حتى لا يشرحوا له أو يغطوا جهلهم. إنهم يخيفونه، ولا يتورعون عن تهديده بالنار والحساب، ليبثوا أعنف المخاوف البدائية لردعه حتى عن أكل فتات خبز وَقَعَ على الأرض! – عنف ثقافي لن يجد الطفل–الرجل مخرجًا منه إلا بعنف مقابل. فبين قدسية الأبوة وحرمة الأمومة يسقط الطفل – باسم “الطاعة” – مهشَّمًا تحت وابل الأوامر والنواهي، فينشأ لديه نظامٌ لمفاهيم الحياة قائمٌ على التسلُّط والعنف والاعتباط.
وتعود المرأة لتردَّ هذا العنف هيمنةً عاطفيةً تعويضية من خلال أطفالها، تعويضًا عن غبن لَحِقَ بها باسم “الأمومة المتفانية”، فتغرس في نفوس الأطفال تبعية الحبِّ وحبَّ التبعية، وتطوِّقهم بعوالم الخرافات والغيبيات، فلا يكون لها إلا أطفال منفعلون، مستلَبون للخرافات، عُجَّز. فالأب، حصيلة خرافات أمِّه ومجتمعه وأكاذيبهما، يأتي ليكمل عمل الأمِّ، خوفًا وهيمنةً وتحريمًا: لا قانون، ولا عقل، ولا تجريد، ولا نقد، ولا شروط سليمة للنموِّ الصحي للعاطفة والعقل – ناهيكم عن الاعتداء الجسدي على الأطفال.*العنف المدرسي: العنف أيضًا يبدأ في المدرسة؛ إذ تأتي المدرسة لتتابع ثقافة العنف، عبر سلسلة طويلة من العلاقات التسلُّطية، تفرضها منظومة عقائدية مركزية وسلطوية، قائمة على ثقافة العنف والعسكرة، فالمعلِّم عاجز عن الوصول إلى عقل الطالب إلا عبر العنف، تصير الدراسة، من خلاله، “تدجينًا”، والتعليم خصاءً للفكر، فلا تحليل ولا موقف ولا رأي ولا اختيار، بل تعليم تلقيني، يصنع عقولاً راكدة مستلَبة للخرافة. فالعقل التقني عقل فارغ، وهو مستعد لتلقِّي العقائد الجاهزة؛ إنه عقل خرافي البنية، تلتقي فيه الخرافات والروايات. وهذا النمط من “التعليم” سطحي، تلقيني، امتثالي، بعيد عن النقد والجدل؛ وسلطة المعلِّم فيه لا تناقَش، والطالب يطيع ويمتثل. تعليم يعزِّز الانفعال، ويكرِّس التبعية الفكرية والثقافية، ويَحْرِم من استقلال الرؤية وممارسة التفرُّد في الحياة. (من هنا فإن عملية التدجين المدرسي هي في صلب حركات الرفض والعنف المضاد لدى الشباب.)
أما المواد الدراسية فغريبة عن الحياة اليومية للطالب، فهي مواد فصامية، نصفها مستورد من خارج المجتمع، ونصفها الآخر مستورد من الماضي. فذاك الذي يلبس لبوس “المعلِّم” يتعامل مع الطالب لفظيًّا وخرافيًّا؛ وبذلك لا يعكس العلمَ ثقافةً، بل يبترُه عن جذوره المعرفية، فيختزله إلى قشرة خارجية تعمِّق الغربة، في حين تبقى لغة الحياة اليومية لغة الأمِّ مشحونة بالانفعال.
إن ثقافة العنف هذه تندرج في أرجاء التعليم والحياة كافة، في العمل كما في التدريب والتعليم، وفي العلاقة مع الجار والابن والأب والزوج والأخت. فإما أن تكون متسلِّطًا وإما مقهورًا، وغالبًا ما تكون الاثنين معًا، رازحًا تحت هرم من العنف الهائل. جبرية وقدسية وقَدَرية تسود أرجاء الحياة كلَّها: فأنت إما “مع” وإما “ضد” – في حين أن العصر كلَّه يتَّجه نحو تعليم لا يكتفي بنقل العلم والتقنية عبر القوانين، بل نحو علم مؤصَّل ثقافيًّا ومعرفيًّا-.*العنف الاجتماعي: إن أية ثقافة تقوم على النرجسية، ورفض الآخر، والانغلاق، والارتداد إلى السلف، القريب أو البعيد، لن تكون إلا ثقافة للعنف، تغلق العقل وتحبط التنمية. إنها لا تصدر عن العقل، إذ ترفض العقلانية بحثًا واجتهادًا ونقاشًا؛ بل إنها تعصُّب انفعالي، في محاولة لإجبار الآخر على الخضوع. ولا تخلو من العنف أية ثقافة؛ لكن ما يميِّز وضعَنا هو تراجُع الثقافة المضادة، القائمة على الحوار والعلمانية والانفتاح الفكري والحضاري، لصالح التعصب والانغلاق.
بين قهر التقاليد، وقهر الأسرة والعشيرة، والقهر الاقتصادي والسياسي، ترزح شخصية الفرد العربي تحت عنف شامل يمنع تفتحها ومجابهتها لحقائق الحياة والوجود. تنتج لدينا ذهنيةٌ متصلِّبة، محدودة الأفق، حيث كلُّ تجديد وسؤال هو إثْم يستحق العقاب والتصفية، لأنه يزعزع المحرَّمات وحقائق الماضي المهشَّم. فكرٌ أشْوَهُ، وحيدُ الجانب، انفعالٌ مضطرب، وشخصيةٌ مفكَّكة. كلُّ ذلك يولِّد انكفاءً على الذات، وارتدادًا إلى الماضي، تمسُّكًا بالتقاليد، حتى تكاد ثقافة العنف تبدو جزأً من طبيعة الأمور. فالواقع أن علاقة الفرد بالمجتمع يسودها التناقض بين أمل أسطوري وإحباط تاريخي.
إن الوسيلة الدارجة في مجتمع العنف هي توجيه العدوانية نحو الخارج عبر التعصب الطائفي أو العرقي أو الديني. ويصير الأمل الأخير للفرد المقهور منصبًّا على منقذ موهوم، يُلبِسُه كلَّ الصفات المضادة لضعفه، وسرعان ما يرتد عنه، كفرًا وعنفًا مضادًّا، ليغرق في دوامة جديدة من العنف.
ولعل موقف الإنسان، في مجتمع العنف، من القانون يعطينا فكرة عن تفكُّك شخصيته، حيث لا يكون الاعتداء على القانون محرَّمًا، بل يكون خوفًا من العنف! فالقانون لا يُفرَض إلا على مَن لا يمتلك القدرة على خَرْقِه. ليس هناك احترام للقانون، بل رضوخ وإرغام – ولك أن تخترق القانون إذا استطعت أن تنفد بجلدك! فإن ضعفتْ سلطةُ القانون، وتراجعتْ قدرةُ المجتمع على فَرْضِه، ينفجر العنف انفجارًا مذهلاً، وتنفجر العدوانية الكامنة، ويتعمَّم الاعتداء على القانون، واستباحة الحدود والممتلكات، دون مراعاة للمُواطَنة والجيرة والمشاركة أو الانتماء أو حقوق الإنسان.*العنف الفكري والسياسي: كلُّ المجتمعات التي قامت على عقائد، لا على قيم للإنسان، غدت فريسة للعنف الاجتماعي، وأضحتْ فيها المؤسَّسة بديلاً عن العقيدة، والطقس بديلاً عن القيمة والمغزى الديني أو العقائدي. من هنا فإن ثقافة العنف في الفكر والسياسة تقوم على عقيدة مركزية توتاليتارية، لا سبيل إلى تقويضها بغير العلمانية.
والعلمانية، في القرن الحادي والعشرين، لم تعد تعني مجرَّد فصل الكنيسة أو الفكر الديني الغيبي عن الدولة والتشريع والإدارة والثقافة، بل أصبحت تعني رفض فَرْضِ كلِّ مسبق عقائدي على العقل والإنسان. من هنا فإن العلمانية هي الطريق للتأسيس لثقافة حقوق الإنسان.
فأية عقيدة أو مؤسَّسة تضع نفسها فوق المُساءلة والجدال والنقد والحوار ليست علمانية، مهما ادَّعت العقلانية والعلم؛ بل هي تؤسِّس لثقافة العنف والتعصب. وأية جماعة تغتصب أدواتِ الحوار، مدَّعيةً احتكار الحقيقة، بحقٍّ إلهي أو شعبي، لا تلبث أن تُخضِع المؤسَّسة والمجتمع المدني لسطوة مزدوجة: سطوة التقاليد وسطوة الاستبداد. فالضمانة الوحيدة ضدَّ ثقافة العنف هي العلمانية. والعلمانية ليست نفيًا لقيم السماء، ولا لقيم الأرض، بل هي تكريس لعقل الإنسان الحرِّ.*العنف والعولمة: وفوق ثقافة العنف التي تعشِّش في مجتمعاتنا، يأتينا القصف الثقافي البخس لثقافة العولمة. إن العولمة لا تنقل إلينا القيم التي أسَّستْ لنهضتها: الديموقراطية، والعلمانية، وقيم المجتمع المدني، والمُواطَنة، بل هي تقصفنا بالتفاهة والعنف العبثي والتسطُّح الفكري، باسم العولمة الثقافية. فالعنف الثقافي هنا “عدوان ثقافي”، لا حوار حضارات، وتكريس للتفوق ولمنهج الإبادة الثقافية والبشرية.[ ]
وما يقدَّم لنا على أنه نظام للسوق العالمية يهدف إلى ترسيخ فكرة الخضوع لضرورات الإنتاجية بالمعايير الغربية، وكأن الاقتصاد ليس إلا علمًا للأشياء، علمًا للتنمية الاقتصادية فحسب. ويبيع لنا إعلامُ العولمة الجنس العنيف والعنف الجنسي بأبخس الأسعار وبنفس السهولة التي يبيع بها أهم أخبار المجاعات والحروب. وإلى جانب العنف المباشر، تقوم ثقافة العنف العولمي بتكريس مفاهيم البطولة والخلاص الفردي: “اقتل، واضرب، ومزِّقْ، وانفد بجلدك!” عنف فردي يكرِّسه عنف جمعي، ويركَّب فوقه عنف كوني باسم العولمة والأمركة.
*** *** ***
3-الحلول المطروحة:
هل من مَخرَج من حلقة العنف المجنون؟
يجب أن ندرك، أولاً، ذلك الحيِّز الهائل الذي يحتلُّه العنف وثقافة العنف، بدءًا من حياتنا اليومية، إلى مختلف جوانب الحياة الفكرية والسياسية. ولا بدَّ، بعد إقرارنا، من أن نحرِّر الدراسات والبحث العلمي، لتغدو شفافة، سواء في علم الاجتماع أو في غيره من المجالات.
ثم إن مواجهة كلِّ الأصوليات في المجتمع تحتِّم إعادة الاعتبار لمؤسَّسات المجتمع المدني فهي وحدها القادرة على مواجهة الفكر الشمولي والأصولي، وعلى محاصرة ثقافة العنف. فلقد أثبتت المؤسَّسات السياسية فشلاً ذريعًا في معالجة جملة من القضايا الاجتماعية والجماهيرية، بدءًا من محو الأمية، إلى تحرر المرأة، إلى الثورة الثقافية، إلى حماية المدن والآثار.
من جهة أخرى فإن أهم الحلول المطروحة وأكثرها نجاعة هو:
* تأصيل الديمقراطية، وثقافة حقوق الإنسان :
فلا بدَّ لثقافة حقوق الإنسان من أن تؤسَّس على نهضة مفهوميه جديدة للمُواطَنة، تبدأ، أول ما تبدأ، من الأكاديميات والتعليم. إن ثقافة حقوق الإنسان هي التي تسمح بإعادة تأسيس مجمل العملية التربوية ضدَّ أشكال الفكر المسبق كافة، وبتكريس الوحدة الثقافية بتعزيز التنوع والحرية القائم على مبدأ الحوار والقبول بالآخر، وبإعادة التأسيس للعملية الثقافية على أساس إعادة التجديد من الداخل والانفتاح على الخارج.
و الأهداف المتعلقة بالتأسيس لثقافة حقوق الإنسان ليست منوطة بطبقة بعينها، مع أن طبقات بعينها قد تلعب أدوارًا تاريخية فيها. إنها نهضة تشمل البُنى الاجتماعية والفعاليات السياسية كافة، لتصهرها حول أهداف النهضة – نهضة تقوم على تكتل تاريخي للمجتمع والأمة بأسرها، لتكريسها، بكلِّ طاقاتها، لهذه الأهداف. وهذا لا يعني أن تتخلَّى الطبقات والأحزاب عن مصالحها وإيديولوجياتها، بل يعني تكريس هذه الأهداف لخدمة نهضة الأمة. إنها تعني وضع الوطني القومي النهضوي الديموقراطي زمنيًّا فوق الإيديولوجي. وهذا يحتِّم أن تقوم الأحزاب والقوى الاجتماعية بالتخلص من تشرنقها العقائدي ومن ترهُّلها الذي تمسخ به ارتباطاتها بالحياة وبقيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان.
ونستطيع أن نقول إن القيمة العميقة لأية حضارة تكمن في المكانة التي تعطيها لكرامة الإنسان. وفي المقابل، فإن حرية الوطن ليست شرطًا مسبقًا لحرية الإنسان؛ بل إن حرية الإنسان وحقوقه ومكانته كمواطن هي التي تؤسِّس للتنمية الحقيقية. لكن ما حصل أنه إبان فترة الحرب الباردة تمَّ توظيف حقوق الإنسان السياسية، من جهة، وحقوق الإنسان الاجتماعية، من جهة أخرى، سلاحًا في الدعاية والتضليل السياسيين، خدمةً للمصالح الجيوبوليتيكية لهذه الدولة العظمى أو تلك.
فليس هناك أيُّ معنًى لدولة القانون، ولا لأية تنمية، من دون حقوق الإنسان؛ بل إنها هي التي يجب أن تشكِّل المدخل الرئيسي لحثِّ عملية التنمية والتأسيس لها. فمنطق حقوق الإنسان يجذِّر ويعزِّز أبعاد التنمية ويؤسِّس لها، لتصبح أعمق وأكثر أصالة في بنية المجتمع. وليس هناك أيُّ معنًى لدولة القانون، ولا لأية تنمية، خارج إطار تعزيز حقوق الإنسان وتكريس مبدأ المُواطَنة. وكما في السابق، فإن النضال في القرن الجديد من أجل حقوق الإنسان سينطلق، أولاً، من تصفية أشكال الثقافة والانتماء ما قبل المدنية، ومن هدم المصالح السياسية والثقافية للمستفيدين من أيِّ تقسيم للمواطنين على أساس طائفي أو عشائري أو عنصري، ثانيًا.
ولقد أثبتت التجارب أن القوانين لا يمكن أن تكفل حقوق الإنسان. لكن حقَّ الحياة والتعليم والتغذية والعمل والحماية ضدَّ المهانات كافة هي شروط لا بدَّ منها لنجاح التنمية، وليست مجرد أهداف مثالية عامة. إذ إن الجمع بين الأفق التنموي وأفق حقوق الإنسان، القائم على الانتماء الوطني (المُواطَنة)، هو الشرط لتحقيق تنمية بشرية في هذا العصر؛ بل إن كلاً منهما يعزِّز الآخر.
حيث غيَّر النضال من أجل حقوق الإنسان وجه العالم. وتنخرط فيه، أكثر وأعمق، ثقافةُ الجنسانية ، لتدعمه بزخم كبير من أجل تعزيز النضال العام من أجل حقوق الإنسان. وعلى الرغم من ذلك، فإن تسريع التنمية الوطنية لا بدَّ منه من أجل استئصال الفقر الذي يشكِّل العائق الأساسي أمام توفير الشروط الأساسية لتحقيق حقوق الإنسان.
مع ذلك، فإن العنف والقمع لا يزالان متجذِّرين بقوة في مجتمعاتنا، في حين تعاني المؤسَّسة القضائية من اعتباط ونقص كبير في الكفاءة، بسبب ظواهر الفساد. إذ لم تعد التدابير والأنظمة وحدها كافية لحلِّ المشكلة، بل إن الأمر بات يتطلب إعادة النظر جذريًّا في البنية الإدارية والمؤسَّساتية للقضاء ذاته. فإذا كانت العدالة هي الشرط الأساسي لتنمية حقوق الإنسان، فإن الشفافية هي العمود المحوري الذي ينبغي أن تدور حوله المؤسَّسة القضائية للحيلولة دون تسلُّط منطق مراكز القوة وجبروتها.
وحدها الديمقراطية تستطيع أن توفِّق بين الأشكال الخمسة لحقوق المُواطَنة، أي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمدنية والثقافية. إلا أن بعض الديمقراطيات تفشل في تجذير حقوق الإنسان: فهي لا تلبث أن ترتدَّ قمعًا لهذه الأقلية أو تلك، لهذه الثقافة أو تلك، أو لهذا الفكر أو ذاك؛ كما أن الأحزاب غالبًا ما تكون مبنية، من حيث المبدأ، بحيث تستبعد الأغلبية من المشاركة.*الفصل الثاني: دراسة تحليلية حول ثقافة العنف عند الطفل الجزائري
ثقافة العنف عند الأطفال(المتمدرسين) في الجزائر:
*المجتمع الجزائري هو مجتمع عربي مغاربي ينتمي إلى العالم، وهذا يعني أنه يعاني العنف المحلي ضمن الإطار الخاص. ونتيجة كونه عربياً فسيعاني من المشاكل التي يتصف بها المجتمع العربي، كذلك الشرقي، وبانتمائه إلى العالم، فهذا يعني تأثره أيضاً ببعض ما يعاني منه العالم انسجاماً مع الاتصال الذي يحدث بين الجزائر والعالم الخارجي. وتمثل التربية الوسيلة التي يتم من خلالها بث الأفكار العامة ومنها أفكار ومفاهيم تخص العلاقة داخل العائلة التي تمثل اللبنة الأولى في المجتمع.
وقد انتقد د. هشام شرابي في هذا الصدد هذا الأسلوب حين أشار إلى سلبيات التعليم “إن التعليم كما يجري في إطار العائلة وخارجها، يتميز بصفتين رئيستين، فهو من جهة يقلل من أهمية الإقناع والمكافأة، ومن جهة أخرى يزيد من أهمية العقاب الجسدي والتلقين”.
وما دمنا في الحالة العربية لمجتمعنا الجزائري، فلنا أن نربط بين مناهج الحكم ومناهج التعليم، .. “دور الدولة في التعليم في البلدان العربية يتجاوز دور التنسيق بكثير، فهي بادئ ذي بدء تقوم بالإشراف على كتابة المناهج، وهي لا تتورع عن كتابة المناهج ذات العلاقة الوثيقة بالمسائل السياسية مثل الدين والتاريخ وغيرها، بطريقة تأمل من ورائها اكتساب الشرعية السياسية في نظر الشعب الذي لم تلجأ إليه أبداً للحصول على الشرعية، وأحياناً تلقي الأنظمة السياسية جانباً بكل مظاهر احترام الاستقلال الأكاديمي، حيث تنص قوانين الجامعات صراحة على تحقيق الانسجام والتكامل بين أهداف التعليم العالي ومخططات الدولة”(3).
لقد كان المجتمع الجزائري جزءاً من الدولة العربية الإسلامية ابتداءً من الفتح العربي الاسلامي حتى سقوط الدولة العثمانية، ثم تعرض للإحتلال الفرنسي،ومع قيام أول سلطة وطنية في الجزائر واستلامها مسؤوليات التربية والتعليم عام1962 حتى الآن،دون أن ننسى العشرية الدموية السوداء التي مرت بالجزائر، والتي كان لها تأثير كبير على ثقافة العنف الاجتماعي، و بالرغم من كل هذا، إلا أن هناك توقاً تربوياً على الأقل نحو تفعيل التربية وعصرتنها وبث مفاهيم ديمقراطية في العملية التعليمية، ومن هذه المفاهيم إقامة علاقة إنسانية بين أركان العملية خصوصاً بين المعلم ـ الطالب، واستلزم ذلك طلب الوزارة صراحة بعدم استخدام أساليب العنف المادي واللفظي تجاه الطلبة بالإضافة لنشر العشرات من المرشدين النفسيين في المدارس لتوجيه سلوك الطلبة وفهم نفسياتهم وحل مشاكلهم بأساليب تربوية حديثة بعيداً عن الأساليب القديمة. ومعنى ذلك أن رأس الهرم التربوي يتفق مع اللاعنف في المدارس، لكن المشكلة تظل كامنة في الطالب والمعلم والمدير، كونهم مواطنين ما زالوا يتأثرون بالمجتمع الذي يعيشون فيه.
لذلك فإن العنف العام الداخلي الذي نعاني منه هو وليد تراكم طويل، وليس هو وليد يوم وليلة، ومعنى ذلك أن تخفيفه يستلزم فهم تاريخ الوضع السياسي والتاريخي للحياة السياسية والاجتماعية في الجزائر، وقد قمنا بعرض مختصر لهذا التاريخ كإطار عام. ونتيجة ذلك التراكم، أصبح العنف سيداً للأحكام التي تقوم بها الذهنية العربية “إذا كانت الهيمنة أسلوباً للتعامل بين البشر، فإن العنف أو التهديد به يصبح سيد الموقف، اللجوء إلى العنف أو التهديد به لفض المشاكل البسيطة والمعقدة أمر محتوم يبرز في كثير من تفاعلاتنا اليومية، التهديد بالضرب والقتل والاغتيال والتهجير والتدمير يصدر عنا بشكل تلقائي عفوي لا شعوري، العنف من صلب تراثنا، العنف كأسلوب للتعامل جزء من شخصيتنا الاجتماعية والنفسية، حتى أننا نفهم الحب المقدس، وممارسة العشق والوصال، نفهمه فتحاً وخزقاً وقرطاً وحرثاً، واللجوء إلى الهيمنة والعنف أو التهديد بهما أسلوب شامل وعام”.
*المسؤولية الإجتماعية:
إن الوضع التربوي ليس مسؤولية قطاع التربية والتعليم وحده، لذلك فإن وضع (جزيئية العنف في المدارس) ليس مسؤولية المعلمين والمعلمات، بل أنها مسؤولية مشتركة مجتمعية، لا بد من جميع القطاعات أن تدلو بدلوها من أجل تكامل الرؤية وتنفيذ الحلول لتخفيف حدة الظاهرة والحد منها نهائياً إن أمكن “إن قضية العنف في المدرسة ليس مصدرها الوحيد هو المعلم وإنما نتعامل بأن المعلم في النهاية هو المسؤول الأول عن هذه العملية التربوية المعقدة بكل معانيها ثقافياً وحضارياً، إضافة إلى اكتساب الطلاب العادات الفكرية والوجدانية وأنماط السلوك السليمة وكيفية التفكير حتى يكون دور المعلم مساعداً ودليلاً وداعماً للطالب بحيث يصل مستوى العلاقة بين المعلم والطالب إلى درجة مجسدة بالتعاون والتكامل”. وليست القضية مقتصرة على العلاقة بين الطلبة والمعلم، بل أن هناك تجاوزات في علاقات الطلبة الداخلية وصلت حد الدموية، واستخدام الآلات الحادة، وقد تحدث تقرير صحفي عن هذا الموضوع، واستطلعت كاتبة التقرير عدداً من الآراء، فأكد د.بحري توفيق ، أن المدرسة مجال يتعامل فيه الطلبة ويحتكون مع بعضهم البعض مما يهيئ الفرص أمامهم لإبراز شخصيتهم المراهقة باتباع أساليب منحرفة مشيراً إلى أنه كلما زاد الاحتكاك بين الطلبة بشكل أكبر توقعنا حدة في السلوك خاصة أن مدارسنا تفتقر إلى الاتساع وزيادة عدد الطلاب في الفصل الواحد، بالإضافة لعدم وجود ملاعب وبرامج ترفيهية للطلبة ليتم تفريغ طاقات الطلبة من خلالها. إن ظاهرة العنف، بين الطلاب تظهر بشكل ملموس في أوساط الأسر الفقيرة التي تعاني من ازدياد في عدد أفرادها وانخفاض المستوى التعليمي للوالدين، حيث يكون مناخ المدرسة الأكثر نجاعة لاستخدام السلوك العدواني، كما أن توكيد الذات هنا يتم من خلال العنف كأسلوب سيء جداً، وهو يختلف عن توكيد الذات بشكل إيجابي “توكيد الذات: قدرة الفرد على التعبير الملائم عن أي انفعال يتعرض له نحو المواقف والأشخاص، فيما عدا التعبير عن القلق، وتشمل هذه الانفعالات التعبير عن الصداقة والمشاعر الوجدانية التي لا تؤذي الآخرين، أو لا تؤدي إلى انتهاك حقوقهم.
لذلك يجب أن نظل متنبهين إلى أن المدرسة مجال للتعبير عن السلوك الذي يكتسبه الطالب/ الطالبة في المجتمع “تمثل المدرسة اليوم صندوق رنين يردد صدى كل المشكلات التي يعانيها الصغار، يأتون إليها ليعبروا عن شقائهم وهذا بالتحديد ما يقود إلى تلك اللامبالاة تجاه المدرسة”، وهذا يؤكد أن مشكلة العنف هي مسؤولية مجتمعية “المدرسة كانت عامل اندماج مهم، وينبغي أن تبقى كذلك… أنها تمثل المكان الذي تتقارب فيه الفروق”.
ويتفق الكاتب إبراهيم بن عيشة المقيم بفرنسا وهو يتحدث عن العنف هناك مع ما ذكره الأستاذ جميل بن سليمان في الملتقى التربوي في كون المسؤولية مجتمعية “العنف في المدرسة ليس ظاهرة ناتجة عن طريقة عمل المؤسسة التربوية الوطنية، للأسف فإن المدرسة بمنزلة الصدى للمشكلات التي يواجهها الشبان في مجتمعنا اليوم، وينبغي خصوصاً تفادي تحميل المدرسين مسؤولية الأمر أو أن يقال عنهم أنهم السبب في مشكلة نقص التواصل مع الشباب. إننا في مواجهة اهتزاز يعرفه المجتمع في إطار أزمة اقتصادية دولية، ومن البديهي أن شقاء هؤلاء الأطفال يعبر عن نفسه في المدرسة، ويظهرون بهذه الطريقة ثورتهم على غياب الآفاق أمامهم التي تعني فرص العمل”.
لذلك نرى الكاتب الجزائري المذكور يطالب “بتوفير الإعلام الجاد الذي لا تشوبه مغالطة ويتمتع بالقدرة على إعطاء طابع من المسؤولية للمواطنين، وبالتالي نزع فتيل العنف، والعنف ليس إلا وليد الشعور بالمظلومية والحرمان، ممارسة القدرة على هضم الظلم وتحويله إلى فعل إيجابي، أعتقد أن توزيعاً أحسن للثروات الثقافية والمادية سيكون حلاً جيداً في وجه العنف والتهميش”.*دور التربية الديموقراطية:
إن تشديدنا على إشاعة التربية الديمقراطية لم يأت من فراغ، ذلك أن مظاهر العنف هي نتيجة عدم شيوع تلك التربية، حيث ثمة انسجام بين أنظمة الحكم وأسلوب الوعظ والإرشاد الديني وبين أسلوب التلقين في التربية والتعليم، فاستخدام التعلم يتفق مع الديمقراطية لأنه يعطي الفرصة للطلبة كي يشاركوا ولا يظلوا في مجال التلقي السلبي فقط الذي تستلزمه القيم الاجتماعية الناتجة عن نظام حكم سياسي تقليدي “وتنشئ القيم الاجتماعية التقليدية التي تنعكس في نظام تعليمي تقليدي شخصية لها سمات محددة أهمها الضعف في المقدرة على التفكير المستقل والمقدرة على التجديد والابتكار والتطوير، وتفرز عدم الثقة في النفس في نقاش موضوعات لا تتطلب ترديداً أو اجتراراً لمعلومات، وتفرز هذه القيم أيضا الخوف من سلطة المجتمع، وتعزز عدم القدرة على التعامل مع ما هو جديد وغير مألوف، وتضعف الشعور بوجود حقوق فردية لدى الشخص أو الطالب وتنتج شخصية مكبلة عاجزة غير مبدعة ودون مقدرة على إعادة إنتاج المعرفة.
وفي ظل أنظمة غير ديمقراطية، تزدهر التربية التقليدية، وكما يزدهر القمع السلطوي لمجموع الشعب والنخب المفكرة والآراء المعارضة، لأنه على الجانب الآخر سنجد ازدهاراً لمظاهر السلطة السيئة عند المسؤولين التربويين بدءاً من المعلم ومدير المدرسة، وبالتالي فإن العنف المتبادل بين أركان المؤسسة التربوية هو عنف ناتج عن النظام السياسي والاجتماعي والثقافي بشكل عام. والسلطة أياً كانت فإنها تلجأ خصوصاً في المجتمعات غير الديمقراطية إلى الإلزام والإحكام دون نقاش لأنها أصلاً فاقدة للثقة في قيادتها الفكرية للمجتمع، وتخشى من الرأي الآخر، وهذا ينسجم مع الخطاب الديني القائم على التهديد والوعيد في بلادنا كما ذكر عبد الفتاح عمر في “الديمقراطية والثقافة السياسية” الذي أشرنا إليه من قبل. كما يقول ماكس فيبر:” أن السلطة توجد حينما أفرض إرادتي رغم مقاومة الآخرين لها، وهي حسب فولتير فإنها تجعل الآخرين يتصرفون تبعاً لاختياراتي. إن المرء يشعر نفسه أنه أكثر من مجرد إنسان حين يتمكن من فرض نفسه ومن جعل الآخرين أدوات تطيع رغبته مما يعطيه لذّة لا تضاهي”. وهذا يرشدنا إلى أن هناك علاقة بين القوة والعنف.
إننا نقبل الإرادة إذن التي تستخدم القوة لتنظيم المصلحة والحقوق وفق النظام الديمقراطي، ولا تسمى تلك الإرادة القوية بالعنيفة، لأن العنف كما هو معروف الآن هو أسلوب شاذ في التعامل مع المشاكل. وهذا يسوقنا بشكل عام إلى الحديث الموجز عن شرعية العنف عند الأيديولوجيين الذين لا يقبلون التعددية، وظهر ذلك عند الشيوعيين وغيرهم من المفكرين، حتى عند الوجوديين أمثال بول سارتر، وقد بحث الكثيرون عن مبررات العنف السياسي والفكري كونه طريقاً إلى النجاة للمجتمع والأفراد، ونستطيع الرجوع إلى أدبيات السياسيين الأيديولوجيين لنتعمق في هذا الموضوع الخطير، الذي كانت النازية والفاشية والشيوعية نتيجة له. وما يهمنا هنا هو أنه ما زال العديد من التربويين يلجأون إلى العنف وينادون به تحت ذرائع واهية.
ورغم أننا قد نتقبل سلوك السياسي غير الديمقراطي في التعامل مع الأفراد والجماعات، إلا أننا لا نجد عذراً للتربوي في إقامة أية علاقة قائمة على العنف وهو يوصل المعلومات ويتعامل مع الأطفال داخل أسوار المدرسة، لأن “التربية تتميز عن غيرها من العمليات بوجود “جانب إدراكي” بمعنى أن المتعلم يدرك (يفهم) ما هو بصدد تعلمه. وفي غياب الجانب الإدراكي لا يكون هناك مفر من الاعتماد على أساليب غير عقلانية في ترسيخ المعتقدات، هذه تشمل في أدنى درجاتها أنماطاً مختلفة من العقاب الجسدي الذي كان عادة متبعة في المدارس إلى عهد قريب، كما تشمل أنواعاً شتى من العقاب المعنوي، مثل النبذ والتخجيل والتهديد”. إن الطفل الذي يتعرض لهذه المظاهر يكتسبها، وهو لا يتعلم (المعلومات) فقط، ولا يتعلم عدم المناقشة والطاعة الفكرية والرضا بالأمر الواقع الذي يفرضه أسلوب التلقين فحسب، بل يتعلم بهذه الأساليب جميعها التي تدخل في يناء شخصيته، وهذا مكمن الخطر “إن الطرق التربوية من طراز “تقبل هذا ولا تسأل عن السبب”، “تقبل هذا وإلا…” ليست فقط أساليب تتبع في غرس المعتقدات والقيم في أذهان المتعلمين، فما من ضمانة لدينا أن دورها سوف يقتصر على دور الوسيلة، ذلك أنها جزئياً على الأقل تعبيرات عن قيم معينة. والشخص الذي يتعلم (س) من الأشياء بواسطة التلقين لا يتعلم (س) فقط، إنما يتعلم بالإضافة إلى ذلك أنه من الجائز (بل ربما من الطبيعي) أن يستعمل الإنسان هذا الأسلوب في تعليم (س)، وهذا بالطبع موقف قيمي (بما هو مقبول وطبيعي وما هو خلاف ذلك)”.*العامل النفسي: (علاقة الطالب بالمعلم)
إن أكثر المعلمين والمعلمات المتجهمين والعنيفين إنما يلجأون إلى استخدام العنف اللفظي والمادي في التعامل مع الطلبة نتيجة قصور في شخصياتهم (النفسية والتعليمية)، وأزعم أن عدم سيطرة المعلم على إدارة المعلومات داخل الغرفة الصفية وضعفه التربوي في خلق الوسائل التربوية والأساليب في تقديم المعلومات وضعفها يؤدي إلى عدم تحمل ميل الطلبة الحيوي للتفكير والنقاش، كما أن الطلبة يملكون القوة كمتعلمين في تقييم المعلم/ ة، فإذا كان هناك ضعف ما في شخصية المعلم فإنه سيلجأ إلى العنف كمنقذ ومهرب في آن واحد، فالمعلم الذي لا يستطيع جذب انتباه الطلبة وتركيزهم من خلال المعلومات وطرق تقديمها سيلجأ إلى العصا كمخلصة له من هذا الموقف المحرج، لذلك ليس غريباً أن نرى معلمي الرياضيات واللغة الإنجليزية ينتمون إلى هذه الفئة لأسباب موضوعية تتعلق بهذين المبحثين وأسباب ذاتية تتعلق بهما في هضم تلك المواد وجذب الأطفال إليها. ولما كانت العلاقة بين الطالب والمعلم قائمة على الاتصال المباشر، فإن حسن الاتصال القائم على الحوار والمشاركة من قبل الطلبة في التعلم واعتبار (الطالب) محور العملية التعليمية (حقيقة لا شعار) سيخفف من حدة أي عنف محتمل. ولو وسعنا دائرة (المعلم ـ الطالب) إلى (الإنسان ـ الآخر) فسنجد أن العنف أو النزاع أو تصادم الإرادات المحتمل هو وليد هذه العلاقة بين الأنا والآخر. ويمكننا الإشارة إلى أحد تفسيرات علم النفس للعنف من خلال مدرسة وجهة النظر الظواهرية التي تحدث عنها د. مصطفى حجازي حين قال: “إن العنف كغيره من أشكال السلوك هو نتاج علائقي، أو بكلمة أكثر دقة، نتاج مأزق علائقي. أما التدمير والقتل فهو كارثة علائقية تصيب الذات في الوقت نفسه الذي تنصب فيه على الآخر وتبيده. إن العدوانية هي طريقة معينة للدخول في علاقة مع الآخر”.
أليس ذلك دليلاً على أسلوب المعلمين في بداية متجهمة عدوانية في الحصص الأولى في المدرسة التي يعملون فيها أول مرة؟ إن ذلك بلا شك أسلوب إنساني تقليدي قائم على الخوف على الذات من أن ينكرها الآخر، والمعلم يريد أن يضمن خوف الطلبة منه واحترامهم القائم على الخوف ومن ثم يبدأ بالتراخي قليلاً سواء في سحنة الوجه المتجهمة أو الضرب والألفاظ القاسية لأنه فاز في الجولة الأولى معهم، وعليه الآن أن يظهر بريق أسنانه قليلاً.
*دوافع السلوك:
حدد إبراهام ماسلو خمسة دوافع للسلوك الإنساني تنتظم في شكل هرمي قاعدته الأساس الحاجات البيولوجية الأولية الفطرية وتليها مباشرة الحاجة إلى الأمن ثم الحاجة إلى الحب والانتماء ثم الحاجة إلى الاحترام والتقدير ثم الحاجة إلى تحقيق الذات، لذلك فإن انتفاء الشعور بالأمان لدى الأطفال والطلبة سيثنيهم عن الانتماء والمشاركة وتحقيق الذات بشكل إيجابي “إحباط الحاجة للأمن عند الطفل أو الرجل بشدة تجعله هياباً متوجساً من كل شيء، من الناس ومن المنافسة ومن الإقدام ومن المغامرة والابتكار والجهر بالرأي وتحمل التبعات، ويبدو ذلك في صور شتى منها الخجل والتردد والارتباك والانطواء والحرص الشديد والذعر من شبح الفشل والعجز عن إبداء الرأي والدفاع عن النفس حتى وإن كان الحق في جانبه أو يبدو في صورة تحد وعدوان أو لا مبالاة”.
إننا حريصون على خلق بدائل تعين المعلم كي يتجنب العنف كسلوك شاذ، كذلك تفيد هذه البدائل الطلبة أنفسهم، وقد ركزنا حديثنا على العلاقة بين المعلم والطلبة كونهم يقضون أطول فترة من الزمن مع بعضهم وهم أكثر عرضة للعلاقة وتفاعلاتها الهادئة والعنيفة. لذلك لا نستطيع مجرد نصح المعلم بعدم استخدام العنف فقط، بل نزعم أن علينا “أن نعطي البديل من خلال التجارب العملية الناجحة لمحاولة اختبارها إن أمكن، فالطلبة وهم جميعاً أطفال ما داموا تحت سن الـ 18 عاماً، هم فئة ذات إيقاع سريع في كل شيء، بينما ينتمي المعلمون إلى الفئة ذات الإيقاع الأقل سرعة حسب مستوياتهم العمرية والنفسية أيضاً. لذلك تنشأ بعض المشاكل من خلال إغفال الكبار ميزات الصغار في الإيقاع السريع، وكأنهم يطلبون منهم (وهذا عنف غير مباشر) أن يكونوا بطيئي الإيقاع مثلهم. لذلك ليس هناك مانع من استخدام اللعب في التعلم لأنه محبب لديهم، فالإيقاع السريع عندهم يدفعهم لطاقة حيوية وعلى المعلمين أن يفرغوها بالتي هي أحسن، أما عن أهمية اللعب للأطفال فقد أوجزته كاترين تايلر بقولها “اللعب أنفاس حياة الطفل، بل أن حرمانه منه يعني حرمانه من حقه في الحياة والنمو”.
لذلك ليس غريباً أحياناً أن ألجأ في الخمس دقائق الأولى خصوصاً بعد الاستراحة، إلى تفريغ الطاقة الحيوية من خلال حركة الأطراف للطلبة مما يجعلهم أكثر سعادة وتقبلاً للدرس بدلاً من الأوامر بالهدوء التام الذي يجعلهم في حالة احتقان. إن البحث عن أسلوب نفرغ من خلاله الطاقة أفضل كثيراً من اللجوء للحل السريع السهل المتمثل بالعنف اللفظي والمادي.خــاتمـــــة:
هناك مبرر قوي وأخلاقي وعالمي لمحاربة أشكال العنف في جميع القطاعات ومنها القطاع المؤسس للمواطنين، وهو القطاع التربوي، وفي الوقت الذي ننفق فيه على بناء مشاريع البنية التحتية، فإننا بحاجة لمن يحافظ عليها، وعلينا أن نبذل بسخاء لإشاعة هذه الفكرة، لأنها تشكل ضمانة السلم الاجتماعي الداخلي والدولي. وليست المسألة مجرد إنهاء هذه الظاهرة في الصفوف المدرسية، بل هي مدخل لإنهاء الصراع والنزاع الدولي، وهنا مكمن الخطورة والأهمية، إن المعلم الذي يحارب العنف هو مقاتل شجاع ضد ظواهر الحروب في كل زمان ومكان، تلك الحروب التي يكون أُكُلها الناس والأطفال وكل الأبرياء.
وحتي نتمكن من تخطي أزمة العنف الاجتماعي، لابد لنا من إكتساب ثقافة الحوار مع الأخر واحترام أفكاره ومبادئه. دون المساس بمقدساته.المصادر و المراجع
1- فؤاد اسحق الخوري: الذهنية العربية”العنف سيد الأحكام”، بيروت، دار الساقي،1993.
2- معتز سيد عبد الله، وصالح عبد الله أبو عيادة: أبعاد السلوك العدواني، دراسات نفسية، العدد الثالث،1995.
3- من مقابلة مع الكاتب الجزائري إبراهيم بن عيشة، أجراه الطيب ولد العروسي، نشرته مجلة الجيل، العدد 12، 1998.
4- د. رجال بهلول: التربية والديمقراطية،سلسلة ركائز الديمقراطية، مؤسسة مواطن لدراسة الديمقراطية، 1997.
، 19/06/2006Jalaan.com/book 5- تحسين يقين: العنف في المجتمع ، دراسة نشرة على
تقديم……………………………………… ………….ص 6
الفصل الأول: العلاقات العامة
أولاً: تعريف العلاقات العامة……………………………..ص8
ثانياً:فلسفة العلاقات العامة……………………………..ص16
ثالثاً:أهمية العلاقات العامة……………………………..ص20
رابعاً: أهداف العلاقات العامة……………………………ص23
خامساً: وظائف العلاقات العامة…………………………ص27
سادساً: بناء إدارة العلاقات العامة……………………….ص32
سابعاً: صفات أخصائي العلاقات العامة…………………..ص33
ثامناً: مقارنة بين العلاقات العامة والنشاطات الأخرى…….ص36
1- الفرق بين العلاقات العامة والعلاقات الإنسانية
2- الفرق بين العلاقات العامة والشؤون العامة
3- الفرق بين العلاقات العامة والإعلام
4- الفرق بين العلاقات العامة والإعلان
5- الفرق بين العلاقات العامة والدعايةالفصل الثاني: الجمهور والرأي العام
أولاً: الجمهور……………………………………. …..ص40
ثانياً: مفهوم الرأي العام وتعريفه…………………………ص41
ثالثاً: مكونات الرأي العام………………………………ص44
رابعاً: أنواع الرأي العام…………………………………ص48
خامساً: الرأي العام والعملية الإعلامية…………………….51
1- العلاقة بين الرأي العام والعملية الاتصالية
2- الرأي العام يحدد شكل الرسالة الإعلاميةالمصادر والمراجع…………………………………… .ص62
تقديم
ــــــــــــــــــــ
إن الإنسان بطبيعته لا يعيش في عزلة عن الناس، بل تقتضي ظروف الحياة الاتصال بالآخرين والتعاون معهم، وفي أثناء هذا الاتصال بالآخرين والتعاون معهم، أما أن يترك الشخص أثراً حسناً لدى بقية الناس وأما أن يترك أثرا سيئا، فإذا ترك أثرا حسنا ساعده هذا على قضاء أعماله بسرعة وبأقل مجهود والعكس صحيح. وهكذا فتكيف الأفراد و الجماعات مع الواقع الاجتماعي أمر مهم وضرورة لا غنى عنها من اجل الصالح العام.
كذلك الأمر بالنسبة لأية منظمة فهي لا تعيش بمعزل عن الجمهور وعن المجتمع المحيط بها، فهي تحتاج إليه وهو يحتاج إليها، ولا بد من وجود علاقات طيبة بينهما و تعرف كل منها على أهمية الدور الذي تقوم في المجتمع، و بدون الصلات الطيبة بين المنظمات و بين الجمهور المتصل بها أو المجتمع المحيط بها لا يمكن لهذه المنظمات ان تضمن لنفسها السلام و الاستقرار، و كلما كبر حجم المنشآت بعدت المسافة بينها و بين جمهورها و المجتمع المحيط بها، و أصبحت الحاجة ملحة إلى معرفة آراء الآلاف أو ملايين الأفراد و الجماعات، لكي ترسم سياستها بما يلائمهم، ثم تقوم بشرحها لهم بغية كسب ثقتهم و احترامهم و تأييدهم.
كما أن الحكومات الديمقراطية تسعى إلى التعرف على رغبات الجمهور وكسب ثقته وتأييده، لأنه هو الذي سيقوم بتنفيذ السياسات التي ترسمها وعليه يتوقف زوالها أو بقائها، فلقد تشابكت مصالح الناس و تباينت رغباتهم وزادت العلاقات الاعتمادية بين المنظمات، كما زادت قوة الرأي العام وأصبحت الحاجة ملحة لفهم دوافع و مطالب الأفراد و الجماعات، وأضحى كسب تأييد
وتعاون و ثقة الآخرين عن طريق الاقتناع، جزءاً من العمل اليومي للمدير في أي نوع من أنواع المنظمات، سواء كانت اجتماعية أو دينية أو سياسية أو اقتصادية، إذ أدركت هذه المؤسسات أنها لا يمكن أن تحقق نجاحا إذا عاشت بعيدة عن الجمهور أو عزلت نفسها عنه.
و من هنا نشأت الحاجة في عصرنا الحالي إلى إسناد هذه المهمة- مهمة إقامة علاقات طيبة بين منشاة و جمهورها- إلى أشخاص متخصصين في هذه الناحية، وبذلك أنشئت إدارة العلاقات العامة في الوزارات والمنشآت المختلفة، والتي أصبحت من ضروريات وقتنا الحاضر.
ومن جانب آخر أصبح الرأي العام يلعب دوراً مهماً في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبات من الضروري التعرف على عوامل تكوين وتنشيط الرأي العام، والوسائل المؤثرة فيه، وكيفية توجيهه والتأثير في مساراته.
خلاصة القول أن العلاقات العامة والرأي العام يمثلان اليوم مجالين مهمين في العمل الإعلامي، لذا ينبغي التعمق في دراستهما، والتعرف على الوسائل الإعلامية المناسبة للتأثير فيهما.
في هذه المحاضرات سيجد الطلبة تلخيصاً لأهم المفاهيم والدراسات التي تناولت العلاقات العامة والرأي العام، ولعل من المفيد أن يرجع القارئ أحياناً إلى المصادر الأصلية للمزيد من التعمق والتوسع في الموضوع.
مع التمنيات بالتوفيق والنجاح لجميع طلبة الجامعة العربية المفتوحة في الدنمارك.الفصل الأول
العلاقات العامةأولاً: تعريف العلاقات العامة:
ظهر مصطلح العلاقات العامةPublic Relation قرابة نهاية القرن التاسع عشر، وشاع استخدامه في منتصف القرن العشرين، وتعددت تعريفاته، وبالرغم من شيوعه في أوساط الأعمال إلا أنه كان يستخدم لوصف مجموعة متنوعة وواسعة من النشاطات مما ألبسه غموضاً وإبهاما، فها هو قاموس (وبسترWebster’s New Collegiate Dictionary) يعرف العلاقات العامة بأنها مجموعة من النشاطات تقوم بها هيئة أو اتحاد أو حكومة أو أي تنظيم في البناء الاجتماعي، من اجل خلق علاقات جيدة وطيبة وسليمة مع الجماهير المختلفة، التي تتعامل معها، كجمهور المستهلكين والمستخدمين وحملة الأسهم، وكذلك الجمهور بوجه عام، وذلك لتفسير نفسها للمجتمع حتى تكتسب رضاه.
واهم ما أشار إليه هذا التعريف هو انه لم يقصر العلاقات العامة على نوع معين من المؤسسات أو الأجهزة أو على نوع معين من المهن، بل انه أوضح أن العلاقات العامة تمارس في كافة المؤسسات والأجهزة المختلفة، سواء كانت حكومية أو غير حكومية، صناعية أو تجارية أو خدمية أو غيرها، كما أن هذا التعريف اهتم بتوضيح الهدف من العلاقات العامة، وهو تكوين علاقات طيبة بين تلك المؤسسات وبين الجماهير التي تتعامل معها أو تتصل بها، حتى تكتسب تلك المؤسسات في النهاية رضى المجتمع الذي تعيش فيه. كما أن هذا التعريف لم يغفل نوعية الجماهير، سواء كانت الجماهير الخارجية(ممولين أو مستهلكين) أو الجماهير الداخلية، أي أولئك العاملين في هذه المؤسسات.
ويؤخذ على هذا التعريف أنه اعتبر العلاقات العامة نشاط من جانب المؤسسات، واستخدام كلمة نشاط فيه خلط بين مفهوم العلاقات العامة واستخدامها كمرادف لبعض وظائفها مثل الإعلام والدعاية والإعلان عن المنظمة، ولكن مفهوم العلاقات العامة أوسع واشمل من مفهوم هذه المصطلحات، كما أن هذا التعريف اعتبر العلاقات العامة نوعا من النشاط الإنساني دون أن يضفى عليها طابع الفن أو العلم، فهو لم يحدد الأسس العلمية التي تقوم عليها العلاقات العامة، باعتبار أن العلاقات العامة لا تقوم على الارتجال، بل أنها تقيس وتحلل وتخطط وتنفذ وتتابع وتقيم، ويتطلب القيام بها أخصائيين مدربين على عملياتها.
ومن التعريفات ما اعتبرت العلاقات العامة جهوداً تبذل لكسب الجمهور، فقد عرفها (كريستيان) بأنها الجهود التي تبذل للتأثير على الجمهور عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، حتى تكوّن لديها فكره صحيحة عن المؤسسة فيساندونها في أزماتها ويعضدونها في أهدافها ويشجعونها في نشاطها.
وعرفها معهد العلاقات العامة بأنها الجهود المخططة والمقصودة والمدعمة لإيجاد التفاهم والثقة والمحافظة على التفاهم المتبادل بين المنظمة وجمهورها.
ويعد مصطلح (الجمهور) لفظه مناسبة، ذلك أن العلاقات العامة تهتم بجميع فئات المجتمع التي تتصل بها، والعلاقات العامة تعمل على كسب ثقة الجمهور في الانجازات التي تقوم بها المؤسسة، وإزالة الجمود والعداء وسوء الفهم، وهي تختلف عن أساليب الاتصال الإغرائية التي يقدمها الإعلان.
ونضرب مثلا بسيطاً لذلك، فإذا أرادت مؤسسة أن تقوم بإصلاح أو تعبيد طرق، وكانت هناك حفرة على طول الطريق، فمن الواجب عليها أن تضع لوحة كتب عليها اسم المؤسسة وتحذير للمارة والسيارات، وأسفها لوجود هذه الحفرة، وذلك ما يغرس في الأفراد شعوراً طيباً نحو المؤسسة ووظيفتها.
ورغم أن هذا التعريف يتفق مع سابقه في أن العلاقات العامة هي الجهود، إلا انه أوضح انه مجهود مدروس ومخطط، وفى هذا إشارة إلى أن هذه الجهود قائمة على أسس علمية من الدراسة و التحليل و التخطيط، كما يتضمن التعريف أن هذه الجهود ليست جهودا وقتية بل جهوداً مستمرة.
وقد حاول كثير من علماء الاجتماع والإعلام الوصول إلى تعريف محدد للعلاقات العامة ووضع مفهوم حديث لها وكان تعريفها القديم:أنها الجهود الإدارية المخططة و المرسومة والمستمرة لتنظيم العمل من قبل المنشآت والتي تهدف إلى إقامة وتدعيم التفاهم المتبادل بين المنشأة وجمهورها حتى يتسنى تكيف المنشأة في المجتمع الذي توجد فيه.
وفي ضوء هذا التصور تصبح العلاقات العامة أكثر من مجرد الإعلان عن سلعة، كما تتضمن أن تتكيف المؤسسة مع الموضوعات والحاجات ومستويات المجتمع الديمقراطي.
وهناك تعريف شائع للعلاقات العامة وأكثر نوعية عرضته مجلة (العلاقات العامةPublic Relation’s News) الأمريكية، وتشير فيه إلى أن العلاقات العامة وظيفة إدارية تقيّم اتجاهات الجمهور، و تحقق تناسق سياسات وتصرفات الفرد أو التنظيم مع المصلحة العامة، وتضع و تنفذ برنامج عمل للفوز بثقة الجمهور و تقبله للمؤسسة.
و في ضوء هذا التعريف، فالعلاقات العامة هي جزء من نشاط أي مؤسسة، و هي مستمرة، و ليست عملاً وقتياً.
وقد اقترح بعض الباحثين تعريفا آخر للعلاقات العامة، فهي في نظرهم فلسفة اجتماعية للإدارة يتم التعبير عنها بسياسات المؤسسة وممارساتها وانجازاتها، ويتوفر لديها وسائل اتصال متبادلة مع جمهورها واجتهاد و كفاح من اجل إيجاد التفاهم المتبادل و الشهرة الطيبة.
ويتضمن هذا التعريف أربعة عناصر رئيسية هي:
أولا: إنها فلسفة إدارية ذات طبيعة اجتماعية، وثانيا: أنها تعبر عن فلسفة في سياسة اتخاذ القرار، وثالثا: فهي العمل الذي ينتج عن هذه السياسات، ورابعا: فهي لديها وسائل اتصال تسهم في خلق هذه السياسات وتقوم بشرحها وتوضيحها وتدافع عنها وتروج لها عند الجمهور، وذلك من اجل تحقيق التفاهم المتبادل و السمعة الطيبة.
وهذا التعريف الأخير غير واضح وغير محدد، فالقول بأن العلاقات العامة هي فلسفة إدارية تسير عليها منظمة ما، لا يساعد كثيراً على توضيح نشاط العلاقات العامة.
وهناك من يعتبر العلاقات العامة عملية مستمرة، فقد قدم سيدلT.C.Seidel تعريفا للعلاقات العامة يقول فيه: إن العلاقات العامة عملية مستمرة، يتم بها توجيه أي مؤسسة أو منظمة للفوز بثقة مستخدميها وعملائها والجمهور عموما، وذلك للتفاهم معهم جميعا، ولقد قلنا أنها عملية مستمرة لأن رأي الجمهور بالصواب والخطأ، وفيما يجب وما لا يجب، دائما في تغير وتطور، وهذا يستدعى الاستمرار في قياس وتحليل رأيه في الخدمات المقدمة والطرق المستخدمة في الجمعية أو المؤسسة أو المنظمة، ويقصد بالمنظمة هنا كل فرد أو هيئة أو مؤسسة عامة أو خاصة، حكومية أو أهلية، تمارس نشاطا من أي نوع، ومن أي لون، لمواجهة جمهور معين، وتتم هذه العملية عن طريقين؛ الأول هو النشاط الداخلي القائم على النقد الذاتي لتصحيح الأوضاع الداخلية، و الثاني هو النشاط الخارجي الذي يستفيد من جميع وسائل الاتصال و النشر الممكنة.
وأول تعريف دقيق لمفهوم العلاقات العامة، وضعه المعهد البريطاني للعلاقات العامة عام 1948 بأنها (( الترويج لإيجاد التفاهم و الصلات القوية بين المنظمة وأفرادها، أو أي مجموعة من المجموعات أو الأفراد أو المنظمات، و ما ينتج عن هذا التفاهم من إقامة سمعة طيبة و علاقة مستمرة)).
ويختلف المؤرخون و المشتغلون بالعلاقات العامة فيما إذا كانت العلاقات العامة فناً تكتيكياً لا يرقى إلى مرتبة العلم، أم علماً لا ينطبق عليه مضمون العلم، من حيث النظرية والمنهج، وللحكم على ذلك يجب أن نتفق أولا على معنى الفن و معنى العلم. فالفن مجموعة من الأعمال الإنسانية المنظمة، تتخذ وسيلة لغاية معينة، أو صناعة من الصناعات التي يزاولها الإنسان لغرض معين، فالفنان لا يعمل عملاً لذاته، يقصد به شيئا آخر أو غرضا معيناً، و تقسم الفنون إلى فنون نفعية مادية ورفيعة (أو جميلة)، والفنون النفعية كالملاحة و التجارة و العمارة، أما الفنون الجميلة فتشمل الموسيقى و الغناء و التمثيل و الرقص التوقيعي.
أما العلم فهو مجموعة من الحقائق المنظمة المتحدة الموضوع، الثابتة الدليل العقلي أو التجريبي، وبمعنى آخر فهو تنظيم المعرفة لطبيعة للظواهر والعلاقات بينها.
إلا انه من الواجب أن نعرف أن العلم والفن متصلان اتصالاً وثيقاً، فليس من المتصور أن يقوم علم بدون فن، أو يرقى فن بدون علم، و يتجلى ذلك في العلوم التطبيقية التي تظهر فائدتها في التطبيق الفني. بيد أن الفن يعتمد في الغالب على علم أو علوم مختلفة، فالتجارة تعتمد في رقيها على علم الاقتصاد و الرياضيات. والملاحة تعتمد على الرياضيات و تخطيط البحار.
والخلاصة أن العلم ينطوي على الإدارة أو المعرفة، والفن ينطوي على العمل. وتشير بعض التعريفات إلى أن العلاقات العامة فن، والمقصود بالفن هنا الفن المهاري، وليس بالمعنى الجمالي، والفن المهاري هو القدرة على التعامل مع الناس و مسايرتهم ومجاراتهم، أي أنها تحتاج إلى مهارة و لباقة و حسن تصرف والى تجديد وابتكار مستمر حسب مقتضيات الظروف والمواقف، وهي فن في كيفية التعامل مع الجمهور والحصول على رضاه و محبته وكسب ثقته و تأييده، و يتحقق ذلك عن طريق الاتصال بالجماهير لنقل الحقائق إليهم، و تفسير هذه الحقائق حتى تلقى هذه المؤسسات والهيئات تأييد الجماهير لها. فها هو بلومفليدD.Bloomfield يرى أن العلاقات العامة هي فن التأثير على الآخرين لسلوك الطريق نفسه الذي تتبعه تلك المؤسسات. كما عرف ( هوارد بونهام Howard Bonham) عضو مجلس إدارة الصليب الأحمر الأمريكية العلاقات العامة بأنها فن التفاهم مع الجمهور، مما يؤدي إلى زيادة الثقة بالأفراد و المنظمات.
وهناك من التعريفات ما اعتبر العلاقات العامة علماً له قواعده وأصوله، فهي تُعنى بدراسة سلوك الأفراد والجماعات و قياس وتحليل الرأي العام، بقصد تنظيم العلاقات الإنسانية على أسس من التعاون والمحبة والوعي، ويتضمن التخطيط العلمي لبرامج العلاقات العامة، ويهتم بالتوصيل الجيد للمعلومات بين الهيئة التي يعنيها الأمر وبين جمهورها، بهدف تحقيق المصلحة المتبادلة بينهما، والوصول إلى درجة عالية في المساندة الكلية و المشاركة الوجدانية.
ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن المجتمعات قديماً لم تكن بحاجة إلى هذا العلم، لأن العلاقات العامة كانت عادية و بسيطة. وبتقدم الحضارة وما صاحب التصنيع من تخصص و تقسيم العمل، بدأت المجتمعات تتعقد، وبالتالي العلاقات الاجتماعية بين الأفراد و الجماعات، ونتيجة لهذا كان ضرورياً أن يحدث توازن في المجتمع، قوامه التفاهم المتبادل والتساند الوظيفي بين الأعضاء. ومن هنا كان هدف العلاقات العامة متمثلا في رعاية العلاقات الإنسانية السليمة بين أعضاء المؤسسة من جانب، وبين المؤسسة و الجماهير من جانب آخر. إذ يهتم علم العلاقات العامة بالكشف عن الأسس والمبادئ التي تساعد على إقامة علاقات مفعمة بالثقة بين فئات الشعب المختلفة، بقصد نجاح المشروعات النفعية.
ويؤخذ على موضوع دراسة وتفسير السلوك الإنساني انه ـ أي السلوك الإنساني- بحر واسع ليس له حدود، وغير صحيح القول أن العلاقات العامة تدرس النشاط الإنساني كله.
وهناك وجهة نظر أخرى تعتبر أن العلاقات العامة هي علم وفن أو مهارة، فها هو ركس هارلو وبلاك R.Harlow & Black، وكذلك موسوعة المعارف الأمريكية يشيران إلى أن العلاقات العامة هي علم وفن، فهي علم من ناحية أنها تستند إلى علم الاجتماع الإنساني، وهي علم من حيث أنها تتبع الأسلوب العلمي في البحث والتشخيص. وهى فن إذا نظرنا إليها من الناحية التطبيقية، أي من الناحية التنفيذية، كما يدخل في تشكيلها جوانب ذاتية، حيث أن أساليب تطبيق مبادئ هذا العلم تختلف من أخصائي إلى أخصائي آخر، متأثرة بمنهجه واستعداداته وطريقة إعداده.
ومن حيث البناء اللفظي فان كلمة(علاقات) تعني عملية الصلة والاتصالات والارتباطات التي تتوفر بين هيئة أو مؤسسة والجماهير المتعاملة معها.أما كلمة(عامة) فتعني كل جماعة أو شريحة من المجتمع تكون المنظمة على علاقة بها، وكل جمهور العاملين أو العملاء، أو الموردين، أو حملة الأسهم أو الممولين، أو الهيئات الحكومية.
ولسنا بحاجة إلى أن نشير إلى أن بعض الجماهير التي تدخل في نطاق علاقات هيئة واحدة، قد تكون متعارضة المصالح، وبالتالي فإن مشاكل العلاقات العامة بالنسبة لهيئة أو إدارة تبدأ بالتعرف على الجماهير المختلفة وفهمها وإدراك توقعاتها، والعمل على استمرار الصلات بينها وبين الهيئة في حالة طيبة.
ويرى بعض الكتاب أن العلاقات العامة الطيبة يمكن التعبير عنها بالمعادلة الآتية:
(( الأداء الحسن + الأخبار الصادقة = علاقات عامة طيبة))وجملة القول فإنه يمكن استخلاص النقاط الآتية من تعريفات العلاقات العامة:
1_ العلاقات العامة علم يستعين بالأسلوب العلمي، ويستند إلى النظريات العلمية والخبرات المقننة والتجارب المدروسة.
2- العلاقات العامة فن، بمعنى أنها تعتمد تطبيقات العلوم الاجتماعية، وتعتمد على مهارات خاصة في تطبيق النظريات المختلفة، واستعدادات فردية تختلف من متخصص لآخر.
3- تحتاج العلاقات العامة إلى متخصصين على مستويات مختلفة، يتخرجون من خلال معاهد وكليات متخصصة، فهم يقومون بتحديد وتقييم الرأي العام من الزاوية التي تهم المنظمة وتتعلق بها، كما أنهم يقدمون النصح والمشورة إلى المديرين بالنسبة لطرق التعامل مع الرأي العام.
4- تعد العلاقات العامة وسيلة لتدريب وإعداد الجماهير لتقبل أفكار وآراء جديدة أو للقيام بمسئوليات مطلوبة.
5- تتضمن العلاقات العامة التفاهم بين المؤسسات وجماهيرها، وتعمل على الترابط وتحقيق التعاون بينها.
6- تستخدم العلاقات العامة أدوات الاتصال والإعلام والبحوث العلمية لتحقيق أغراضها.
7- أصبحت العلاقات العامة ضرورية، ولابد من وجودها في جميع المؤسسات، على كل المستويات، فهي تدخل في مجال التجارة والصناعة والإدارة والتعليم والصحة والجيش غيرها، كما توجد في المجتمعات المتقدمة والنامية، على السواء، وبين الجماهير في مختلف المجتمعات.ثانياً: فلسفة العلاقات العامة
ـــــــــــــــــــــ
العلاقات العامة متعددة بتعدد أوجه النشاط الإنساني، وتعدد الجماهير أو الجماعات الصغيرة في المجتمع الإنساني، فهناك العلاقات العامة الحكومية، والتجارية، والصناعية، والعسكرية، والسياسية، ولكن كل هذه الأنواع والأقسام تجمعها فلسفة ومبادئ عامة واحدة، وتستند إلى أصول فنية واحدة، وليست في حقيقتها إلا تطبيقا للقواعد العامة للعلاقات العامة، مع مراعاة الظروف والأحوال في المجال الذي تطبق فيه، فالوسائل التي تتبع في العلاقات العامة واحدة، والأدوات واحدة، كوسائل الاتصال بالجماهير، وهي وكالات الأنباء والصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما، أو غير ذلك من الوسائل الأخرى كالاتصالات الشخصية، وهي جميعا تعمل على بلورة الأفكار وتقريب الأذهان. والعلاقات العامة بجميع أقسامها تقف على اتجاهات الجمهور وتدرس نفسية وطرق التأثير فيه، وقيادة الرأي العام وطرق التعامل معه، وكسب ثقته، أما ما هو مثار اختلاف، فهو الجمهور الذي تتجه إليه العلاقات العامة.
وتستند فلسفة العلاقات العامة على مجموعة من المبادئ والحقائق هي :
1- ترتكز فلسفة العلاقات العامة على حقيقية علمية مؤداها أن الإنسان كائن اجتماعي بطبيعته، لا يمكن أن يعيش بمعزل عن الآخرين، وقد اثبت الكثير من البحوث العلمية أن الإنسان يعجز عن إشباع جميع حاجاته الكثيرة البيولوجية والنفسية بنفسه، أما الاحتياجات الاجتماعية فلا تقوم أساساً بدون وجود الإنسان مع آخرين من البشر، وهكذا تنشأ علاقات مختلفة مع غيره من الناس، هو في أشد الحاجة إليها لإشباع احتياجاته المختلفة المتجددة.
2- إن الإنسان كائن اجتماعي متفرد ومتغير من وقت لآخر، ورغم انه يتشابه مع غيره من بني البشر، إلا انه توجد اختلافات في جميع الاتصالات مع بني الإنسان.
3- إن الإنسان كائن اجتماعي يتعامل مع غيره ومع المواقف اجتماعية، بمعنى انه يؤثر ويتأثر بالمواقف الاجتماعية، ولهذا فان انعدام الاتصال المباشر بين الطرفين أو توقفه يؤدي إلى انعدام عنصر الايجابية الذي يعتبر أساس ديناميكية العلاقات العامة، كذالك فان رد الفعل أو الاستجابة التي يظهرها العملاء يؤثر تأثيراً عميقاً في برامج المؤسسة وفى سياستها، بل وفي أسلوب العمل.
4- إن الإنسان يتميز بالعقل والتعقل، ومعنى هذا أن الاقتناع يرتفع به إلى مستوى الإنسان، بينما تهبط به السيطرة والأمر والضغط والإرهاب والقسر إلى مستوى الآلة، مما يقتضي احترام آدمية الإنسان ومحاولة إقناعه حتى يوضع الإنسان في مكانته الحقيقية.
5- ترتكز العلاقات العامة على الجانب الإنساني. فالإنسان هو الذي يرتكز عليه برنامج العلاقات العامة وخطة الإعلام، سواء كان عضواً في جماعة أو مواطنا في المجتمع ككل. فمن غير المنطقي أن تبدأ المؤسسة أو المنشأة بتحسين علاقاتها مع الجمهور الخارجي، وعلاقاتها مع جمهورها الداخلي على غير ما يرام، فيجب أولاً خلق روح الجماعة والتعاون بين أفراد المؤسسة، على اختلاف مستوياتهم الإدارية، ثم بعد ذلك تبدأ في تنمية توطيد العلاقات الحسنة بين المؤسسة وجمهورها الخارجي، مما يساعد على كسب تقدير الرأي العام الخارجي، وزيادة فرص نجاح المؤسسة، ويتحقق ذلك بتوفير البرامج الاجتماعية والترفيهية المناسبة لهم، وتحسين ظروف العمل للعاملين، والسعي لتدريبهم، وإشراكهم في الإدارة وإتاحة الفرص أمامهم للخلق والابتكار.
6- ترتكز العلاقات العامة على ركائز اجتماعية، ولذلك يجب أن تضع كل هيئة أهدافها، بحيث تتوافق مع الظروف المجتمع وأهدافه العامة، واحترام رأي الجماهير، وتقوم العلاقات العامة بتدريب جماهير المؤسسات الداخلية والخارجية على تحمل المسئولية الاجتماعية، فهي عن طريق تبصيرهم بإمكانيات المؤسسات ومجهودها والصفات التي تواجهها تستطيع أن تساعدهم على تحمل مسئولية السياسة العامة للمؤسسة. كما تقوم الهيئة بتبصير جمهور المتعاملين معها بالخدمات التي تؤديها، وتشرح لهم كيفية تنفيذ القوانين، وتوضح مسئولياتهم حيالها، وتحديد مدى المساهمة التي يمكن أن يقدمها المواطن للارتفاع بمستوى الخدمات العامة ومستوى تنفيذها، وتبرز أهمية تعاون الجمهور معها لتحقيق الصالح العام، ومن هنا يظهر عنصر التماسك بين جماهير المنظمة الداخلية والخارجية. وبهذا تكون للعلاقات العامة أهداف اجتماعية يمكن تحقيقها عن طريق برامج العلاقات العامة.
7- يكوّن الناس اتجاهاتهم وآرائهم بصدد مختلف الأمور، كما أنهم يكوّنون هذه الآراء و تلك الاتجاهات، سواء بذلت هيئة ما محاولات للمساعدة في تكوين هذه الاتجاهات والأفكار أو لم تبذل، وقد يتبنى الناس اتجاهات خاطئة، أو يكون لهم ميول متعارضة، ولذلك فمن الضروري أن تحاول المؤسسات والهيئات العمل على تكوين رأي عام سليم، و تحويل الميول المتعارضة إلى ميول مشتركة، و ذلك عن طريق عمليات الإخبار الصادقة والهادفة، وتظهر أهمية هذا التوفيق في أوقات الأزمات والكوارث و الحروب، حين ينهض مجموع المواطنين بواجبهم إزاء مجتمعهم.
8- وتبدو أهمية الجانب السياسي للعلاقات العامة في الحكومة، وتظهر هذه الصفة السياسية في سعي العلاقات العامة إلى إثارة اهتمام المواطنين بشؤون بلدهم عن طريق شرح الأهداف والاتجاهات العامة للدولة وخططها التنموية، ومن ناحية أخرى تهدف العملية الإخبارية في العلاقات العامة إلى وضع الحقائق والبيانات عن النشاط الحكومي أمام نظر الجمهور، ومما يساعد على توجيه وتكوين رأي عام حقيقي أساسه المناقشة المستنيرة القائمة على المعلومات الصحيحة، وهذا يحقق نوعا من الرقابة الشعبية على أعمال ونشاط الأجهزة الحكومية بما يتماشى مع المبادئ الديمقراطية، ولا يدع مجالاً للسيطرة أو الدكتاتورية، مما يتيح الفرص للابتكار الشخصي، وبعض المقترحات التي تظهرها الخبرة والتعامل مع الأفراد والجماهير، فالمديرون لا يستطيعون أن يفرضوا سياستهم الذاتية دون إشراك هيئة الإدارة والأخصائيين في العلاقات العامة معهم في تحمل المسؤولية.
9- تستند العلاقات العامة إلى الجانب الأخلاقي، فهي تسعى إلى تنمية إيمان الجمهور برسالة الهيئة أو المؤسسة، وتهدف إلى تنمية الثقة والاحترام، إذ كثيراً ما يقع أخصائي العلاقات العامة غير المدرب في أخطاء جسيمة، يترتب عليها إحساس العملاء أن مؤسستهم لا تعطيهم العناية الكافية، ولا تهيئ لهم أسباب احترام الذات، وهذا ما يحطم برامج العلاقات العامة ويؤدي إلى انعدام الثقة الضرورية لإنجاح هذا البرنامج، ومن أجل هذا يجب أن تتسم أعمال المؤسسة بالصدق سواء من ناحية الشكل أو الجوهر، ونقصد بالصدق من ناحية الشكل أن تكون المقومات الظاهرة لأساليب الاتصال الفردي والجماهيري من النوع الذي يدعو بطبيعته إلى الثقة. أما من ناحية الجوهر فينبغي أن يكون المضمون مستنداً على حقائق تدعمها الوثائق و البحوث والدراسات التجريبية والرقمية. كما يجب أن تتسم أعمال المؤسسة بالأمانة، وان تتفق أعمالها مع أقوالها، كما يجب أن يلتزم العاملون في العلاقات العامة بالقيم الأخلاقية في جميع تصرفاتهم، وأن يبتعدوا في برامجهم عن الغش و الخداع والتضليل و الدعاية الكاذبة.
10- تستند العلاقات العامة إلى مبدأ التنظيم. و التنظيم هو السير وفقاً لنظام معين، فالهيئة أو المؤسسة يجب عليها أن تتعاون مع الهيئات الأخرى، و من هنا نشأت الحاجة إلى تنظيم الاتصال بين الهيئات، للاتفاق على أسس التعاون بينها لا سيّما في برامج العلاقات العامة.
ولاشك أن السعي لإفهام الناس فكرة معينة أو تعريفهم بمؤسسة أو بشركة أو بفرد يحتاج إلى تنظيم، وإذا أريد للتنظيم أن يصيب توفيقا، وجب وضع خطة تقوم على تقدير الهدف والموارد، و لكي نضع خطة للتنظيم لابد من تعريف طابع الجهد الذي لأجله ينشأ هذا التنظيم، هل يكون هذا الجهد طويل المدى أو قصيره، كما ينبغي مراعاة المدى الجغرافي لذلك التنظيم، وتعيين الجمهور الذي يراد توجيه الخطاب إليه. ولا بد للتنظيم أن يشمل الوسائل المادية الصالحة لأداء العمل أداءً ناجحاً. ثم يأتي دور تمويل التنظيم الذي هو على الدوام مشكلة لا تبعث على الرضى، فالميزانية ينبغي أن، تكفي لتهيئة جميع الموارد والقوى البشرية في الخطة المرسومة. ويأتي دور المعدات لأنها لازمة لتنظيم العلاقات العامة، فوسائل الاتصال العصرية الممتازة لا تعمل بدون الآلات اللازمة، فإذا أريد مخاطبة الذهن البشري، لا بد أن يتم ذلك بواسطة بعض الوسائل الآلية، كالكلمة المطبوعة أو الكلمة المنقولة التي تنتقل سلكياً أو عبر موجات الأثير، التي تتفاوت بين صورة تظهر على شاشة يستعان بها للوصول إلى الرأي العام، على شكل حديث أو تمثيلية أو فلم..إلخ.
11-إتباع طريقة البحث العلمي: من المبادئ الأساسية للعلاقات العامة إتباع طريقة البحث العلمي في حل أي مشكلة من مشكلاتها. فطريقة البحث العلمي مبنية على المنطق، وتحاول الوصول إلى مبادئ عامة عن طريق التحليل الدقيق، والبعيد عن كل تحيز. وتبدأ طريقة البحث العلمي بتعريف المشكلة تعريفا دقيقا، فمتى عرفنا المشكلة حددنا سبل جمع البيانات التي تفيد في حلها، و يلي تعريف المشكلة تحديد الهدف من البحث الذي سنقوم به، ثم تحديد محور البحث من حيث المكان والزمان، ثم جمع المعلومات المتعلقة بالمشكلة، وهذه إما أن تكون في حيازة المنشاة، أو من الممكن الحصول عليها من هيئات أخرى حكومية أو غير حكومية، ثم طريقة الاستقصاء الميداني. والخطوة الأخيرة هي تبويب النتائج واختبار صحتها، ثم تحليلها واتخاذ قرار بشأنها. وإذا اتبعنا طريقة البحث العلمي سالفة الذكر أمكننا الوصول إلى قرار سليم مبني على معطيات الواقع.
ثالثاً: أهمية العلاقات العامةتبرز أهمية العلاقات العامة في أن المنشآت الصناعية تنتج العديد من السلع التي تهدف إلى إيصالها إلى أيدي المشترين والمستثمرين، وهي في ذلك ترتبط بالموردين والمنشآت الأخرى، التي تتعاون معها، وتمدها باحتياجاتها المختلفة، بالإضافة إلى احتياج جمهورها الداخلي، الذي يتمثل في الموظفين والعمال، إلى من يربطهم بالمنشأة وأهدافها ويحببهم فيها، ويزيد من إخلاصهم وولائهم لها.
وتبدو أهمية العلاقات العامة في أن المنشأة تسعى دائما إلى تنمية هذه الاتصالات وتكوين الآراء حول السلع التي تنتجها المؤسسة، وإذا لم تكن إدارة العلاقات العامة في المنشآت الصناعية على مستوى علمي عال من الخبرة والكفاءة فلاشك أن علاقاتها مع جمهورها الداخلي والخارجي سوف تتأثر بذلك، وقد يحدث أن تواجه المنشأة بمواقف سيئة وصعبة تحتاج إلى القدرة واللباقة و الحكمة في معالجتها، حتى لا يظهر أي رأي مضاد، أو كراهية للمنشأة و منتجاتها، وبخاصة في مجالات المنافسة، والتي يسعى فيها المتنافسون إلى إطلاق الشائعات والتشويش ضد المنشآت الأخرى، وهنا تبرز أهمية العلاقات العامة في مواجهة هذه الصعوبات.
وتبدو أهمية العلاقات العامة كذلك في المنشآت الخدمية، فقد تكون الخدمة التي تقدمها غير ضرورية بالنسبة للفرد، أو قد تكون هناك بدائل لها، مما يصعّب من دور العلاقات العامة. فإذا ما أهملت شركة طيران – مثلا- الاهتمام بعملائها، وعجزت عن تقديم الخدمات على الوجه المرضي، أو عدم قيام طائرتها بالإقلاع في مواعيدها المحددة، فلا شك أن المسافرين سوف يتوجهون نحو شركات الطيران الأخرى، التي تقدم أحسن الخدمات بنفس التكلفة، بل وربما اقل.
وتتضح أهمية العلاقات العامة في مجال المنظمات الحكومية، حيث تقوم بدور مهم في تحسين العلاقات بين الحكومة أو الوزارة والجمهور، فعن طريقها ينمو الشعور بالمسئولية لدى المواطنين، وبالتالي تحويلهم إلى جمهور ايجابي متعاون مع الحكومة. ولقد نمت العلاقات العامة وتطورت كمفهوم إداري، وكوظيفة حيوية في المنظمات الحكومية، في الدول المتقدمة، خلال الثلاثين عاماً الماضية.
وتظهر أهمية العلاقات العامة في أنها تؤدى وظيفة مهمة وحيوية للإدارة العامة، إذ أصبح من واجب الإداريين أن يخبروا الجماهير بسياستهم، ويجسّوا نبض الرأي العام قبل هذه السياسات، ومن حقهم أيضا أن يردّوا على النقاد ويبرروا تصرفاتهم التي تشغل الرأي العام.
وقد ظهرت الحاجة إلى العلاقات العامة على اثر التغيير الكبير الذي حدث في المجتمعات الحديثة، فقد تميز المجتمع الحديث بتغيرات واسعة في شكله وتكوينه وطبيعته من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولعل أهم هذه التغيرات:
1- ازدياد كبير في قوة ونفوذ الرأي العام خاصة في المجتمعات الديمقراطية، وهذا التطور في تزايد مستمر من عام إلى آخر، فحتى تستمر الحكومات في الحكم لابد من أن تبذل محاولات لكسب ود الجماهير الشعبية. وتأييد الجمهور للحكومة وثقته فيها ومحبته لها عامل أساسي لنجاح الحكومة، وتحاول الحكومة المساهمة في تكوين رأي عام سليم واعي، عن طريق عمليات الإخبار الصادقة، الهادفة إلى تعليم الجمهور الطرق السليمة للحصول على الخدمات التي تؤديها الأجهزة الحكومية. وبذلك تسعى الوزارات والمصالح والهيئات الحكومية المختلفة إلى تحقيق التفاهم بينها وبين الجماهير المتعاملة معها. فضلاً عن ذلك، فقد ظهرت قوى مختلفة، تحاول كل منها جذب الرأي العام لها مثل النقابات المهنية المختلفة، والاتحادات والفرق التجارية والجمعيات التعأونية وغيرها. لذلك كان لابد من الاهتمام بالرأي العام، ودراسته والتعرف على خصائصه وتوجيهه الوجهة الصحيحة، مما فيه صالحه وصالح المجتمع ومنظماته، كذلك الحال بالنسبة للمؤسسات، فحتى تنجح في أعمالها لابد أن تكون على اتصال دائم بالجماهير التي تتعامل معها والمجتمع الذي تباشر فيه نشاطها.
2- توسع حجم المؤسسات الصناعية والتجارية وازدياد التنافس بينها، فأصبح وجود الشركات الضخمة، ذات التجهيزات الآلية الكبيرة، التي يعمل عليها آلاف العمال، وتنتج إنتاجا ضخما من السلع، وتتعامل مع الملايين من البشر في بقاع العالم المختلفة، من مظاهر المجتمع الحديث. هذه التغيرات في حجم المؤسسات جعلها في حاجة ماسة إلى أن تحقق اتصالات سليمة بهذه الأعداد الكبيرة من الجماهير المختلفة، وان تنظم برنامجا وترسم خططا، تسير في ضوئها، في مجال العلاقات العامة.
3- في ظل هذا التحول الصناعي والتجاري الضخم، نظم العمال أنفسهم في نقابات واتحادات تجمع كلمتهم وتدافع عن مصالحهم، وأصبحت هذه النقابات في الأمم الصناعية المتحدث الرسمي باسم العمال، وأصبح لها من القوة والنفوذ ما جعل أصحاب الأعمال يخشون بطشها ويقبلون مراضاتها. وتتبع النقابات لتحقيق مطالب العمال طريقين، أولا: طريق الضغط على أصحاب الأعمال مستخدمين في ذلك الإضراب، ثانيا : طريق الإقناع – أي إقناع الرأي العام حتى يلمس أفراده عدالة قضيتهم، فينضم إلى صفوفهم، و يضغط بدوره على أصحاب الأعمال والشركات لتحقيق مطالب العمال. و في هذه الحالة لابد لأصحاب الأعمال والشركات من مواجهة ضغط النقابات بضغط مماثل، ومقاومتها بنفس السلاح الذي شهرته في وجهها، وهو اكتساب الرأي العام، ولاشك أن الغلبة في النهاية ستكون لمن يفوز بثقة الرأي العام، وهكذا تبدو أهمية ودور العلاقات العامة.
4- التحول الذي حدث في المجتمعات، من اعتماد اقتصادها على الزراعة إلى الاعتماد على الصناعة، صاحبه تحول أيضا في السكان أنفسهم، فانخفضت نسبة سكان الريف، وارتفعت نسبة سكان الحضر والمدن، وأصبح هذا التحول يحتاج إلى جهود إعلامية ضخمة لمواجهة التغير الاجتماعي والعمل على استقرار المجتمع و تحقيق مصالحه.
5- تطورت وسائل الإعلام و النشر تطوراً ضخما، نتيجة للتقدم الفكري والفني والتقني الكبير، فهناك تطور تقني في الطباعة، وفي إخراج الصحف و المجلات، كما ظهرت وسائل إعلام لم تكن معروفة فيما مضى، كالأفلام السينمائية والراديو و التلفزيون، مما سهل من مهمة العلاقات العامة في الاتصال بالجماهير المختلفة، واستخدام الوسائل الملائمة مع الجماهير المتنوعة، وفي الأوقات المناسبة.رابعًا:أهداف العلاقات العامة
تمارس معظم الهيئات و المنظمات أعمال العلاقات العامة سواء توفر لديها إدارة أو قسم للعلاقات العامة أم لم يتوفر، وسواء أعدت برامج للعلاقات العامة أم لم تعد. و حتى في حياتنا الشخصية يعمل الفرد على تحسين علاقاته مع الآخرين باستمرار.
ولا تقتصر العلاقات العامة على نوع واحد من النشاط، بل أن مجالها يتبع لكافة أنواع النشاط الخاص والعام في جميع الميادين، زراعية وتجارية وصناعية، وتشمل علاقات العمل وتحسين ظروفه و رفع الكفاية الإنتاجية للعاملين، والتعليم، والانسجام مع المظاهر الهامة للإدارة الصناعية، والاهتمام بالعامل كانسان له حاجاته المادية و الصحية و الثقافية و الترفيهية و الاجتماعية و النفسية.
و تعمل العلاقات العامة على تحقيق عدد من الأهداف، فكل حملة من حملات الإعلام ينبغي أن ترتكز على سلسلة متكاملة من الأهداف والأغراض توضع سلفا، فيتحقق هدف وراء هدف في سلسلة مرتبة، والنتيجة العامة هي تحقيق الأهداف جميعا، وفي النهاية بلوغ الهدف الشامل. وإذا لم تحدد هذه السلسلة من الأهداف سلفا، فان النتيجة ستكون ضياع الوقت والجهد والمال، و بالتالي الفشل الذريع.
ولما كان من المألوف أن تتضارب مصالح الجماهير، فمن الواضح إذن إن أي هدف يرجى بلوغه، إنما ينبغي أن يكون وسطا بين هذه المصالح المتضاربة. وينبغي كذلك تعيين الأهداف في ضوء الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية العريضة السائدة بين الرأي العام. كما ينبغي ان تكون تلك الأهداف معقولة من حيث الجهد و المال والموظفين الذين يسعون إلى تحقيقها. و لعامل الوقت اثر كبير في تعيين أهداف العلاقات العامة. و من الأمثلة على ذلك تنظيم حملة لجمع التبرعات، و نظراً لضيق الوقت تبسط الأهداف، فكلما قصر الوقت تعين تبسيط الأهداف المباشرة.
و يمكن تلخيص تلك الأهداف في الآتي :
1- تهدف العلاقات العامة إلى توعية الجماهير بالأهداف العامل للدولة، وتعليم الجمهور عن السياسة العامة، ومسؤوليته في تنفيذها. كما تهدف المنظمات إلى التوعية بأهدافها، وأسلوب وعمل ونوع نشاطها وخططها للجماهير. كما تسهل التنسيق بين مجهودات الأفراد، فعندما يعرف كل شخص في المجموعة الأهداف المطلوب الوصول إليها، فإنهم يعملون متعاونين في الوصول إليها. وتُعد الأهداف مقياس للتقويم و الرقابة، طالما إنها تحدد المطلوب عمله. و تؤدي أيضا إلى عمليات تعديل استراتيجيات المنظمة، وهكذا فإن انعدام الهدف أو عدم وضوحه و تحديده يعتبر أحد العوامل الأساسية التي تفشل كثيراً من الجهود في هذا المجال. ومن هذه الأهداف ما يأتي:
أ- أن تكون الشركة رائدة في صناعة ما في بعض الأسواق الممتازة.
ب- أن تجعل المستهلك يشعر برضا مستمر و متزايد في الأسواق الحالية والجديدة.
ج- أن تنتج ربحاً مناسبا، بحيث تستطيع أن تدفع عائداً معقولاً لحملة الأسهم، وان توفر الموارد اللازمة للتوسع واستقرار الشركة في المستقبل.
د- أن تعتبر الشركة أو المنظمة عنصراً إيجابياً وصالحاً في المجتمع الذي تعمل فيه، وتزيد إحساسها بالمسئولية الاجتماعية تجاه الجماهير المختلفة، والمجتمع بصفة عامة.
هـ – تحقيق السمعة الطيبة للمنظمة وتدعيم صورتها الذهنية.2ـ تهدف العلاقات العامة إلى إقامة علاقات طيبة، وزيادة فرص التفاهم المتبادل والتوافق والانسجام بين المنظمة والجماهير، سواء كان هذا (الجهور داخليا) كالعاملين بالمنظمة حتى يشعرون بالرضا والارتياح، وترتفع الروح المعنوية بينهم، فيرتفع إنتاجهم، وينمو إحساسهم بالانتماء، ويتأتى ذلك عن طريق تنفيذ برنامج كبير للتثقيف والإرشاد، وآخر للتدريب على الأعمال الجديدة، وتحسين ظروف العمل، ووضع نظام عادل منصف مناسب للتعويض، والتثبت من أن الأجور وغيرها من مزايا العمل، تتناسب مع متوسط الأجور الصناعية أو تفوقها، وإفهامهم حقيقة ما يدور حولهم، وتعرفهم لماذا يجلس هذا الموظف في مكتب فخم بينما يجلس آخر في مكتب اقل فخامة. ولماذا يرتدي العمال هذا النوع من الملابس دون غيره. وعموما فان العمال ينبغي أن يتمتعوا بظروف عمل صحية ووسائل للراحة، ولابد من أن تحترم آرائهم ومقترحاتهم. والوصول إلى الجمهور الداخلي ليس أمراً صعبا، حيث إن علاقات العمل توفر اتصالاً يومياً، بالإضافة إلى تشجيع الأنشطة الثقافية والاجتماعية والصلات والأنشطة الرياضية، وحل للمشكلات الخاصة بالعاملين، ويبدأ هذا الاتصال من الإدارة العليا. ويمكن أن يكون الاتصال على كافة المستويات الإدارية في المنظمات الكبيرة والصغيرة، على السواء، ويتمثل (الجمهور الخارجي) في اتحادات العمال والمستهلكين والموردين والموزعين، والبنوك ومنافذ البيع والتصريف، وكذلك أفراد المجتمع حيث من الممكن إقامة المستشفيات و المدارس و المساجد. و يمتد التوافق إلى علاقاتها بالمنظمات الأخرى، حتى تعتمد العلاقات بين المنظمات على المنافسة الشريفة، و عدم هدم جهود المنظمات الأخرى، و تؤدي برامج العلاقات العامة دورا كبيرا في التوفيق بين الميول المتباينة للأفراد والجماعات، وتعمل على تعديل الاتجاهات السلبية لدى الجماهير إلى اتجاهات إيجابية بناءة، كما أنها تنقل أفكار و آراء الجماهير و اتجاهاتها نحو المنظمة إلى الإدارة، و تقوم بنصحها و إرشادها حتى تتمكن من تعديل سياسة المنظمة و خططها بما يتناسب مع ما تتوقعه الجماهير من هذه المنظمة. و يمتد التوافق و الانسجام الذي تسعى إليه العلاقات العامة إلى علاقتها مع أجهزة الإعلام.
3- تسعى العلاقات العامة إلى القيام بالأعمال المتنوعة التي تقوم بها الإدارات الأخرى ومساعدتها. فهي تقوم مثلا بمساعدة إدارة العلاقات الصناعية باجتذاب الممتازين من الموظفين و العمال. وهي تشجع الاتصال بين المستويات العليا في الإدارة والمستويات الدنيا، وبالعكس. وهي تساعد إدارة المبيعات في ترويج منتجات المنظمة، سواء المنتجات الحالية أو الجديدة.
4- تهدف العلاقات العامة إلى رفع الكفاية الإنتاجية بتوفير العامل المادي والمعنوي، وزيادة الفوائد التي تعود على أصحاب الشركة وعمالها ومستهلكي منتجاتها والجماعات التي تعمل فيها، وذلك عن طريق وضع برنامج لتحسين المصانع والمنتجات، والاستغناء عن الآلات البالية وتنفيذ برنامج لتركيب احدث أنواع الآلات، وكذلك العمل على إنتاج السلع الجديدة في اقرب موعد يتناسب مع الانتهاء من الاختبارات اللازمة، وإعادة تنظيم الأعمال المكتبية، و زيادة منافذ التوزيع.
5- تهدف العلاقات العامة إلى إقامة علاقات ودية مع المساهمين، وهؤلاء ينحصر اهتمامهم في تأمين استثماراتهم والوقوف على أحدث تطورات الإنتاج والمشروعات التوسعية والأسواق الجديدة، ومن ثم ينبغي إحاطتهم علماً بجميع خطط الشركة ومشروعاتها، مع تعليلها وتبيان ما ينتظر أن يعود عليهم من منفعة، من حيث ضمان أموالهم المستثمرة، ومن حيث فائدة كافية لرأس المال.
ويمكن التعرف على رغبات المساهمين بوسائل متعددة، فمثلاً اجتماعات الجمعيات العمومية تهيئ للشركة فرصة طيبة للتحدث مع المساهمين والإلمام بوجهة نظرهم، كذلك من المخاطبات التي يرسلها المساهمون لإدارة الشركة يمكن معرفة كثير من الرغبات، والآراء، وقد تلجأ بعض الشركات لعمل استقصاء لآراء المساهمين ورغباتهم عن طريق إرسال قائمة بالبريد تحتوي على عدد من الأسئلة للإجابة عليها، أو يمكن توجيه هذه الأسئلة بواسطة مندوبي قسم العلاقات العامة، عن طريق مقابلات شخصية، ولا يعني ذلك مقابلة كل المساهمين، بل يكفي اخذ عينة ممثلة لهم.
6ـ تهتم العلاقات العامة بتلقي رغبات الموزعين وملاحظاتهم ومقترحاتهم خاصة فيما يتعلق بطريقة التعبئة أو التغليف أو الوزن أو طريقة التشكيل والعرض، والموزعون هم حلقة الاتصال بين المؤسسة والعميل، وهم كل من يتعامل مع السلعة، من وقت خروجها من المصنع إلى أن تصل إلى يد المستهلك. وكثيراً ما كانت قراراتهم واتجاهاتهم ذات اثر حاسم في مستقبل المؤسسة الصناعية، ومن ثم يقع على عاتقهم كسب ونجاح المؤسسة أو فشلها، ولهذا تحرص العلاقات العامة على تهيئة أساليب الاتصال المباشر بينهم وبين المؤسسة.
7ـ تهتم العلاقات العامة بإنشاء الصلات الطيبة بين المستهلكين والمؤسسة، وذلك لأن الترويج للمؤسسة يؤدي إلى الترويج للسلع. ولاشك أن المستهلك هو سيد السوق، فمن اجل المستهلك تنتج السلع، وبفضل المستهلك تدور عجلة الإنتاج، وبتشجيع المستهلك وإقباله على السلعة يعيش المنتج، ومن ثم لابد من الاستجابة إلى رغباته، فهو قوة رئيسية تؤثر في نجاح الشركات أو فشلها.
8 ـ تهدف العلاقات العامة إلى تنمية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية والقومية لدى المواطنين، ومساعدتهم على تحمل المسؤولية في رسم السياسة العامة للمنظمة، وحل مشاكلها.خامساً: وظائف العلاقات العامة
ــــــــــــــــــــــــعُرفت العلاقات العامة باعتبارها نشاط تقوم به المنظمات، بعد أن تقرر لها ميزانية خاصة بها، وقد لاقت فكرة تخصيص ميزانية لنشاط العلاقات العامة اعتراضات كثيرة عند الإدارة العليا ولكن من هم أخصائيو العلاقات العامة؟.. وماذا يفعلون؟.. وما هو عملهم؟.. فقد وصف كثير منهم بأنهم متحدثون لبقون، ويعدون الناس بالكثير، ولكنهم لا يفعلون إلا القليل، وهم يسعون في غالبية الأمر إلى الحصول على مكاسب شخصية، حتى ولو كان ذلك على حساب الشركة التي يعملون بها!.. وهذه كلها أوصاف لا تنسجم مع حقيقة العلاقات العامة.
وقد اقترحت المنظمات والمؤسسات إنشاء إدارات وأقسام للعلاقات العامة، بعد أن اكتشفوا أنها من هم أقسام المؤسسة، وأنها حيوية وذات تأثير فعال، وأنها يمكن أن تحل المشكلات التي تواجه المؤسسات.
وحتى المؤسسات التي ليس لديها قسم للعلاقات العامة، فإنها تلجا إلى مكاتب ومستشاري العلاقات العامة في خارج المؤسسة، وذلك نظير أجر، ومن هنا بدأت وظيفة ومسئوليات إدارات وأقسام العلاقات العامة.
وتبدو أهمية وضرورة تحديد وظائف وأنشطة العلاقات العامة في أن عدم تحديد هذه الوظائف يترتب عليه النظر إلى نشاط العلاقات العامة على انه عمل فرد في المنظمة، ولا يحتاج إلى أفراد متخصصين لأداء هذه الوظيفة، وإن كل من ينتمي إلى المنظمة يستطيع القيام بهذا العمل، ويمكن القول بأن المنشاة كلها يجب أن تكون موجهة بالعلاقات العامة، ولكن هذا لا يعني عدم وجود إدارة متخصصة تكون مسئولة عن تخطيط وتنفيذ أنشطة العلاقات العامة، كما يؤدى عدم تحديد نشاط العلاقات العامة إلى الخلط بينها وبين غيرها من الأنشطة الأخرى، مثل الإعلان والدعاية، مما يترتب عليه زيادة الصراعات بين إدارة العلاقات العامة والإدارات الأخرى مثل ( إدارة التسويق ) حول مدى أحقية كل إدارة في ممارسة النفوذ والرقابة على هذه الأنشطة.
وليس لقسم العلاقات العامة سلطة على بقية أقسام المنشاة، وبذلك لا يكون من سلطة مدير أو رئيس قسم العلاقات العامة إعطاء أوامر للأقسام الأخرى، فهو يرسل وجهة نظره إلى الأقسام المختلفة، في شكل مقترحات واستشارات، والجهة التي تصدر منها الأوامر الإدارية الخاصة بأعمال العلاقات العامة هي الإدارة العليا للمنشاة، ممثلة في عضو مجلس الإدارة أو أي شخص آخر يكلف بالإشراف على أعمال العلاقات العامة.
وفي الواقع فان نجاح إدارة العلاقات العامة في أعمالهما ووظائفها يستلزم الإلمام بالواجبات الأساسية التي تلقى على كاهلها. وفى الواقع تختلف مسئوليات هذه الإدارة من منظمة إلى أخرى، وذلك حسب طبيعة وحجم المنظمة والظروف المحيطة بها. وعموما تهتم إدارة العلاقات العامة بالبيئة أو المناخ الاجتماعي، ومن ثم فان العاملين في مجالها يجب أن يهتموا اهتماما كبيرا بالنظريات والاكتشافات التي سيخرجها علماء الاجتماع وعلماء الإدارة.
ويذهب العديد من الكتاب إلى أن هناك خمس وظائف أساسية للعلاقات العامة وهى: البحث، والتخطيط، والاتصال، والتنسيق، والتقويم.
1- البحث :
————–
تقوم العلاقات العامة بجمع وتحليل وبحث ودراسة اتجاهات الرأي العام لجماهير المؤسسة أو الهيئة، ومعرفة آرائهم واتجاهاتهم، حتى يمكن الحصول على حقائق صحيحة، فبالنسبة للجامعة مثلاً، يمكن معرفة اتجاهات الرأي بين الأساتذة والطلبة وأولياء الأمور. وفى الجيش يمكن معرفة الرأي بين الجنود والضباط وغيرهم من الفنيين. وفي الشركات والوزارات تدرس اتجاهات الرأي العام بين الموظفين والعمال. وبالإضافة إلى ذلك تقاس اتجاهات الرأي بين الجماهير الخارجية كالمساهمين والمستهلكين والتجار. وتدرس العلاقات العامة كذلك التطورات المستمرة التي تحدث في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتقوم كذلك ببحث وتحليل وتلخيص جميع المسائل التي تهم الإدارة العليا ورفعها إليها. وتشمل الأبحاث أيضاً المبادئ الفنية للعلاقات العامة، وتحليل وسائل النشر كالصحافة والإذاعة والتلفزيون والسينما، وتقدير مدى نجاح الحملات الإعلامية التي تقدمها، وتحديد أي الوسائل الإعلامية أكثر فعالية، فضلاً عن البحوث التي تتناول التطور الذي يطرأ على العلاقات العامة، وتدرس كذلك آراء واتجاهات قادة الرأي في المناهج، كالمعلمين ورؤساء النقابات ورجال الأعمال وغيرهم.2- التخطيط :
—————
يقوم جهاز العلاقات العامة برسم السياسة العامة للمؤسسة، ورسم السياسة والبرامج الخاصة بالعلاقات العامة في إطار السياسة العامة للمؤسسة وخططها، في ضوء البحوث والدراسات التي يقوم بها الجهاز، وذلك بتحديد الأهداف والجماهير المستهدفة، وتصميم البرامج الإعلامية، من حيث التوقيت وتوزيع الاختصاصات على الخبراء وتحديد الميزانية تحديدا دقيقا، مما يعاون في إدخال تعديلات على السياسة العامة للمؤسسة. بالإضافة إلى ذلك، فهي تقوم بشرح سياسات المنشأة للجمهور، أو أي تعديل أو تغيير بغية قبوله إياها، والتعاون معها.3- الاتصال
————-
الاتصال يعني القيام بتنفيذ الخطط والاتصال بالجماهير المستهدفة، وتحديد الوسائل الإعلامية المناسبة لكل جمهور، وعقد المؤتمرات، وإنتاج الأفلام السينمائية والصور والشرائح، والاحتفاظ بمكتبة تضم البيانات التاريخية وإقامة الحفلات، وإعداد المهرجانات والمعارض والمباريات المختلفة، وتنظيم الندوات والمحاضرات، والأحاديث، والمناظرات.
ولجهاز العلاقات العامة وظيفة إدارية، فهو يقدم الخدمات لسائر الإدارات ومساعدتها على أداء وظائفها المتصلة بالجمهور، فهي مثلاً تساعد إدارة شئون العاملين في اختيار الموظفين والعمال وتدريبهم، والنظر في وسائل تشجيعهم وترقيتهم وحل مشاكلهم، وإعداد ما يلزم للعناية بصحتهم ورياضتهم وثقافتهم. كما تسهل العلاقات العامة لقسم المبيعات مهمة إقامة علاقات طيبة بالموزعين والمستهلكين، من خلال تعرفها على اتجاهات الجمهور نحو السلع أو الخدمات التي تنتجها أو تقدمها المؤسسة أو الهيئة إلى عملائها، وهي تسهل مهمة الإدارة القضائية، في عرض الحقائق المتصلة بالقضايا المختلفة على الرأي العام، وتشترك إدارة العلاقات العامة في إعداد التقارير السنوية عن المركز المالي للمؤسسة، وإخراجها في صورة جذابة، يفهمها المساهمون والمستهلكون وغيرهم، وكذلك تساعد إدارة المشتريات في إقامة علاقات طيبة بالمتعهدين، وغيرهم من مصادر الإنتاج.
وتعمل العلاقات العامة على تنمية العلاقات مع المؤسسات والجماعات الأخرى الموجودة في المجتمع، وذلك عن طريق النشاطات ذات الفائدة المشتركة، فإذا أريد أن يقام معرض ناجح للكتاب، فان المعرض ينظم بحيث يتلاقى مع رغبات أمناء المكتبات وأصحابها. كما تقوم العلاقات العامة بتعريف الجمهور بالمنشاة وتشرح السلعة أوالخدمة التي تنتجها، بلغة سهلة بغية اهتمام الجمهور بها.
وتسعى العلاقات العامة إلى إقامة علاقات طيبة مع قادة الرأي في المجتمع بوضع الحقائق أمامهم، سواء في مكتبة المنظمة أو مكتب الإعلام، أو الدوريات السنوية. كما تعمل على إقامة علاقات طيبة مع معاهد التدريب، حتى يتسنى تدريب موظفيها وعمالها في هذه المعاهد، وكذلك مد هذه المعاهد بمساعدات التعليم، والسماح لطلاب المعاهد بزيادة المنظمة.
وتساعد العلاقات العامة الجمهور على تكوين رأيه، وذلك بمده بكافة المعلومات ليكون رأيه مبنيا على أساس من الحقائق الصحيحة. كما تعمل على إحداث تغيير مقصود في اتجاهات الرأي العام وتحويله إلى صالح المؤسسة، وهى تمد المنشاة كذلك بكافة التطورات التي تحدث في الرأي العام.
4- التنسيق:
————-
تعمل العلاقات العامة على التنسيق بين الإدارات المختلفة لتحقيق التفاهم بينها، كما تعمل كحلقة اتصال وأداة تنسيق بين الموظفين والشخصيات المختلفة، وبين المستويات الدنيا والمستويات للعليا. كما تنسق بين إدارة التسويق والمستهلكين، وإدارة المشتريات والموردين والمؤسسة وحملة أسهمها.
5- التقويم:
———–
ويقصد به قياس النتائج الفعلية لبرامج العلاقات العامة، والقيام بالإجراءات الصحيحة لضمان فعالية البرامج وتحقيقها لأهدافها.سادساً: بناء إدارة العلاقات العامة
ــــــــــــــــــــــــــــــ
من الصعب رسم نظام معين لإدارة العلاقات العامة في منشاة من المنشآت، فهذه تختلف من منشاة لأخرى حسب حجم المنشاة وطبيعة تعاملها ففي حال صغر حجم المؤسسة – مثلا – يقوم المدير بنفسه أو بواسطة معاون له ضمن العاملين في المؤسسة بأعمال العلاقات العامة، كما يختلف جهاز العلاقات العامة حسب مدى فهم للقائمين بالإدارة فيها لإعمال العلاقات العامة، ومن ثم يختلف البناء التنظيمي لإدارة العلاقات العامة من جهة إلى أخرى، فالوحدات التنظيمية التي تدخل في بناء إدارة علاقات عامة للقوات المسلحة قد تختلف عنها في وزارة الزراعة. والاختلاف هنا قد يكون ضرورة يستدعيها اختلاف الأهداف واختلاف الخطط واختلاف البرامج والجماهير، كذلك الأمر بالنسبة لتبعية العلاقات العامة، فقد تسند هذه المهمة إلى احد مديري الإدارات كإدارة الأفراد أو المبيعات أو إدارة الإعلانات، أو قد توزع المسئولية بينهم وفي بعض المنشآت الأخرى تجد أن هناك إدارة كاملة للعلاقات العامة يرأسها مدير يتبع عضو ومجلس الإدارة المنتدب مباشرة، وتشمل عدة أقسام من بحوث وتخطيط إلى تنسيق وإنتاج.
وتتصل أعمال العلاقات العامة اتصالا مباشرا بالأهداف والسياسة العامة التي تنتجها الإدارة، وعلى ذلك فان أعمال العلاقات العامة يجب أن توضح في التنظيم العام للمنشاة على مقربة من الإدارة العليا وتحت إشرافها المباشر، فيكون مدير العلاقات العامة مسئولا أمام رئيس مجلس الإدارة، وان يكون بالقرب من الأفراد الذين يشغلون المراكز ذات المسئولية الكبيرة في المؤسسة، حتى يمكنه أن يحقق أحسن نتائج، وان يكون على مستوى مديري الإدارات الأخرى.
ومن ناحية أخرى، فان تخصيص مدير أو قسم لإدارة أعمال العلاقات العامة لا يعني أن هذا الشخص أو هذا القسم هو الجهة الوحيدة التي تقوم بأعمال العلاقات العامة فحسب، ذلك أن العلاقات العامة عملية مستمرة يشترك فيها الجميع من المدير العام حتى عامل النظافة، ومن ثم فان على مدير العلاقات العامة أن يشجع ذوي المهارات الأدبية والفنية من غير العاملين بإدارة العلاقات العامة على المشاركة في بعض البرامج الخاصة بالعلاقات العامة. وما نقصده من تخصيص مدير أو قسم لإدارة أعمال العلاقات العامة هو وضع هذه الأعمال تحت إشراف الخبراء المتخصصين، لمساعدة بقية رؤساء الأقسام بالمنشأة في تحسين صلاتها مع فئات الجمهور المختلفة، أي أن قسم العلاقات العامة يعتبر من الأقسام الاستشارية.
وفي أغلب النماذج المقترحة لمكان العلاقات العامة في الخريطة التنظيمية، روعي أن يكون مديرها بالقرب من الأفراد الذين يشغلون المراكز ذات المسؤولية الكبيرة في المؤسسة، حتى يمكن أن يحقق أحسن نتائج.سابعاً: صفات أخصائي العلاقات العامة
لكي يصبح المتخصص في العلاقات العامة صالحاً لأداء عمله يجب أن يتفهم الاتجاهات و التطورات التي تحدث في الرأي العام، كما يجب أن يكون على علم تام بسياسات الإدارة و مشكلاتها، وأن يؤمن إيمانا كاملا بعمله و رسالته التي يؤديها، متيقظا لما يدور حوله داخل المؤسسة وخارجها من أحداث، تتيح له طريق الاستفادة من كل فرصة لخدمة الجمهور وتحقيق مصالحه، سواء بنقل المعلومات إليه أو بالرد على ما يعين له من أسئلة، أو بالاستجابة لملاحظاته المعقولة، أو بأداء خدمة واقعية له. وهذه اليقظة أيضا تتيح له فرصة البحث السريع في العمل، وهي صفة أساسية لرجل العلاقات العامة، ففي دقائق يتطلب الأمر من رجل العلاقات العامة أن يبحث مثلا في مدى أثر نشر خبر في نفوس الجمهور أو في مشكلة تتعلق بفرد من أفراد، أو في اقتراح باتخاذ إجراء من الإجراءات، وهو بمقتضى هذا البحث السريع، سيتصرف على الفور دون تردد، ولهذا فان الظروف تدفعه دفعا إلى أن يحصل على أكبر قدر ممكن من الثقافة بكل ما حوله وبنفسية الجماهير و بوسائل التأثير فيها، وبالتنظيمات الإدارية والفنية التي تمكنه من أداء عمله على الوجه الأكمل، ونجاح المؤسسة التي يخدمها.
ولابد من توافر شروط في القائمين بأعباء العلاقات العامة، وتنقسم هذه الشروط إلى ما يأتي :
1- الشروط الموروثة
ــــــــــــــــ
وهي تتعلق بالدوافع الفطرية، التي تعد الأساس الأول للسلوك الإنساني. وتظهر هذه الدوافع بعد الولادة مباشرة، ولا تكون نتيجة خبرة أو تعلم أو تجربة، ولذلك ينبغي أن تكون شخصيته مكتملة، وأن يتميز بالنضج العاطفي والذاكرة القوية والعقل المنظم، ومن المرغوب أن يكون من يعمل في مجال العلاقات العامة مؤدبا، لبقا، سريع الخاطر، مخلصا حازما، شجاعا، مقداما، متفائلا، ويتميز بقوة غريزة الاستطلاع، وحب الاختلاط، وهذه كلها صفات من الواجب توافرها في المشتغل بالعلاقات العامة.2- الشروط التعليمية:
ــــــــــــــ
يقصد بها توفر الحد الأدنى من المستوى التعليمي، والتعلم والتدريب الجامعي الذي يؤهل المتخصص في العلاقات العامة للعمل في هذا المجال. ولاشك أن التعليم الأكاديمي يساعد على نجاح رجل العلاقات العامة ويستحسن أن يكون الشخص قد حصل درجة جامعية في الإعلام أو التجارة أو الآداب أو القانون، وان يكون قد حصل على المواد الآتية: اللغات ـ الصحافة ـ علم النفس ـ علم الاجتماع ـ علم الأجناس ـ الفلسفة ـ المنطق ـ الإدارة العامة ـ القانون ـ الاقتصاد ـ إدارة وتنظيم المشروعات ـ التسويق ـ والإعلان ـ الإحصاء النظري التطبيقي ـ العلاقات العامة،وغيرها من المواد الدراسية.
3- الشروط المكتسبة
ـــــــــــــ
وتختلف هذه عن الدوافع الفطرية، في أن الإنسان لا يولد مزوداً بها، ولكنها تكون نتيجة لحياة الفرد في بيئة معينة وتأثره بها.
وتحقق كل من الشروط التعليمية و المكتسبة صفات يحتاج إليها المشتغل بالعلاقات العامة وهي: القدرة على الإدراك الواضح، وعلى التنظيم، والحكم العادل الموضوعي، والقدرة على تقدير المواقف والتنبؤ، وعلى مقاومة الضغوط والمرونة، والقدرة على التعامل في المشاكل المختلفة.
وتحقق الشروط الثلاثة السابق ذكرها أن يكون العامل في مجال العلاقات العامة اجتماعيا بطبعه، وعنده القدرة على الإقناع والإغراء، وعلى الكتابة والخطابة، وان يعترف بالخطأ إذا وقع فيه، ويرجع عنه.
وقد أجرى قسم وسائل الاتصال في جامعة جنوب داكواتا استفتاءاً لأخصائيي العلاقات العامة عن المهارات والصفات التي يجب أن يتصف بها رجل العلاقات العامة، وظهرت نتائج هذه الدراسة في مجلة (العلاقات العامة)، وجاء فيها أن ما يقرب من 90 % من المبحوثين أكدوا على أن القدرة على الكتابة هي أكثر المهارات أهمية. وذكر أحد المبحوثين انه في كل مرة يقوم فيها بعمل فانه ينتهي بكتابة كلمات على الورق، وقد يكون ذلك في شكل خطابات، وخطب، وقصص، ونشرات، وتقارير. وتأتي بعدها مهارة المعرفة بفن التصميمات المطبوعة والقدرة على تنفيذ مشروع من خلال تصور الفرد له ثم القيام بطبعه. وقد ذكر احد المديرين أن كثيرا من المشاريع يتأخر تنفيذها بسبب كثرة التكاليف، أو لأن من يقوم بها لا يعرف شيئا عن فن الكتابة والطباعة. وعليه يمكن القول أن العمل في مجال العلاقات العامة هو نوع من العمل الإعلامي، الذي يعتمد على القدرة على التحرير ومخاطبة الجمهور وإقناعه.
أما المهارات الأخرى فقد جاءت كما هو مبين وحسب أهميتها:
1- القدرة على التنظيم.
2- القدرة على الحديث.
3- القدرة على التعامل مع الناس.
4- معرفة بالأمور الاقتصادية والمالية.
5- تمييز الأخبار والقدرة على التعليق عليها.ثامناً: مقارنة بين العلاقات العامة والنشاطات الأخرى
————————————————1- الفرق بين العلاقات العامة والعلاقات الإنسانية:
——————————————–
يوجد اختلاف بين العلاقات العامة والعلاقات الإنسانية، فالعلاقات الإنسانية تركز على العنصر البشري والاعتبارات الإنسانية، وتهتم بالتكامل بين الأفراد في محيط العمل بالشكل الذي يدفعهم ويحفزهم إلى العمل بإنتاجية عالية وبتعاون، مع حصولهم على إشباع حاجاتهم الطبيعية والنفسية والاجتماعية.
وتعني مراعاة الاعتبارات الإنسانية في العمل أن تأخذ الإدارة في اعتبارها المطالب الأساسية للإنسان في الحياة.
ويرى (سكوتScott ) أن العلاقات الإنسانية تشير إلى عمليات حفز الأفراد في موقف معين، بشكل فعال يؤدي إلى الوصول إلى توازن في الأهداف يعطي المزيد من الإرضاء الإنساني، كما يساعد على تحقيق مطالب المشروع، أي تؤدي العلاقات الإنسانية إلى ارتفاع في الإنتاجية، وزيادة في الفعالية التنظيمية، وأفراد سعداء يشعرون بالرضا عن أعمالهم.
ويمكن أن نستخلص مما سبق ثلاثة أهداف رئيسية للعلاقات الإنسانية هي:
أ ـ أن تعمل على تنمية روح التعاون بين الأفراد والمجموعات في محيط العمل.
ب ـ أن تحفز الأفراد والمجموعات على الإنتاج.
ج ـ أن تمكن الأفراد من إشباع حاجاتهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية.
فإذا تمكنت الإدارة من تحقيق هذه الأهداف، فان النتيجة تكون نجاح المجهود الجماعي للأفراد في محيط العمل، ولذلك يمكن تعريف العلاقات الإنسانية باختصار بأنها تنمية مجهود جماعي منتج للمشروع ومنتج للأفراد في الوقت نفسه.2- الفرق بين العلاقات العامة والشؤون العامة :
————————————————
يوجد خلط بين العلاقات العامة والشؤون العامة، فقد جرت بعض الهيئات على إنشاء أجهزة تقوم بنشاط العلاقات العامة، وتطلق عليها خطأ تسمية إدارة الشؤون العامة. والشؤون العامة تعنى موضوعات مختلفة تختلف باختلاف الناس، وهي تعنى الأمور التي تهم الرأي العام، مثل الأمور السياسية والحكومية، وانتخابات المجالس النيابية، وكذلك العلاقات مع المجتمع المحلي، ومشاكل الهجرة، والتوطن، وسياسة الأسعار وغيرها.
وفي حدود هذا المفهوم تدرس الجامعات بالخارج ضمن برامج (الشؤون العامةPublic Affairs) والمشاكل الدولية، والموضوعات الهامة المعاصرة، والعلوم السياسية والاقتصادية، والإدارة العامة.
وهكذا يبدو الاختلاف بين مفهوم (الشؤون)، ومفهوم ( العلاقات) التي تعني كما أوضحنا سلفا(الاتصالات).3- الفرق بين العلاقات العامة والإعلام
———————————–
يُقصد بالأعلام نشر الحقائق والآراء والأفكار بين جماهير الهيئة والمؤسسة، سواء الجمهور الداخلي أو الخارجي للمؤسسة، ومن وسائل الإعلام الأساسية الصحافة والإذاعة والسينما والتلفزيون والمحاضرات والندوات. ولقد سبق أن رأينا أن أحد تعاريف العلاقات العامة يرى أنها إعلاماً وإقناعاً يقدم إلى الجمهور، ومجهودا يبذل من أجل تحقيق التوافق والتكامل بين اتجاهات وتصرفات كل من المنظمة وجمهورها. والحقيقة أن الإعلام يعتبر جزءا أساسيا وأداة مهمة من أدوات العلاقات العامة المختلفة في برامجها لتحقيق أهدافها.4- الفرق بين العلاقات العامة والإعلان
—————————————
تستخدم حملات الإعلان العديد من وسائل الاتصال مستهدفة بذلك الوصول إلى أكبر عدد من المشترين للإعلان عن بيع بأقل الأسعار، وتختلف العلاقات العامة عن الإعلان من ناحية أن هذا الأخير يلجأ إلى شراء مساحة في دورية من الدوريات، أو جزء من الوقت في الإذاعة والتلفزيون، وذلك من اجل التعبير عن وجهة نظر أو الإعلان عن بيع المنتجات والخدمات، التي قد تتفق أو لا تتفق مع وجهة نظر الناشر أو المذيع، وذلك لأن القارئ أو المستمع يستقبل رسالة مدفوعة الأجر.
وقد تعطي بعض الإعلانات سمعة طيبة للمصنع أو السلع أو الخدمات، ولهذا فان الإعلان يعد عاملا مساعدا لبرامج العلاقات العامة. ومع ذلك فان الإعلان يختلف عن العلاقات العامة، وإن كان يلعب دورا ملموسا في برنامج العلاقات العامة.5- الفرق بين العلاقات العامة والدعاية
—————————————-
يخلط البعض بين العلاقات العامة والدعاية، ويرجع هذا الخلط إلى اتحاد أهدافها، وهو الاتصال بالرأي العام ومحاولة بلورته وتعديله والتأثير فيه. فالدعاية هي أحد أنواع الاتصال والتأثير، تستخدم كقوة للسيطرة على أفكار أفراد المجتمع وتوجيههم الوجهة التي حددت لهم عن طريق استغلال عواطفهم وغرائزهم، ويتم ذلك من خلال وسائل الاتصال العامة، مثال ذلك حين تنظم إحدى الشركات حملة دعائية لتغيير مفهوم الناس من طبيعة السلعة التي تنتجها، فحين ثار جدل حول مدى اتفاق مشروب الكولا مع الشريعة الإسلامية، سارعت الشركة المنتجة لشراب البيبسي كولا وقت ذاك إلى تنظيم حملة دعائية من خلال وسائل النشر العام للتأكيد على صلاحية وطهارة للمشروب، دون أن تفصح عن شخصيتها.
وفي ضوء هذا يختلف الإعلان عن الدعاية في أن المعلن يفصح عن شخصيته في الإعلان، ويدعو القارئ أو المستمع إلى إتباع سلوك محدد، وبالتالي يرتبط اسمه في ذهن المتلقي بمضمون الرسالة الإعلانية، أما في حالة الدعاية فإن المتلقي لا يستطيع تحديد مصدر المعلومات المرسلة إليه.
وهكذا تعمل الدعاية على تكوين الأخبار وإخفاء بعض الحقائق أو تغيير بعضها، وبوصفها هذا فهي وسيلة متميزة لا تمد الجمهور إلا بالمعلومات التي تتفق ووجهة نظر المسؤلين عنها بأي ثمن وبأي وسيلة، بينما تهدف العلاقات العامة، عن طريق الأخبار الصادقة والتعليم والممارسة إلى إقناع الجمهور، وتحقيق تعاونه معها، على أساس الثقة والتفاهم المثمر.الفصل الثاني
الجمهور والرأي العامأولاً: الجمهور
ــــــــــــــــــــــــــــــ
تحتاج المنشآت، صغيرها وكبيرها، إلى ثقة الجمهور، ومن هنا نرى أن المنشآت، على اختلاف نشاطاتها، في حاجة إلى التعرف على آراء الجمهور، ومده بالمعلومات، لكسب ثقته وتأييده، ويتطلب هذا دراسة الجمهور وميوله واتجاهاته بصورة وافية.
ولكن من هو الجمهور؟..وكيف يتحد الناس في جماعات صغيرة ووحدات كبيرة تعبر عن رأيها ؟..وما هي أهمية الجمهور بالنسبة لواضعي برامج العلا قات العامة؟
الجمهور في نظر خبراء العلاقات العامة جماعة من الأفراد، تقع في محيط نشاط منشاة أو مؤسسة معينة، تؤثر عليها وتتأثر بها، وتتسم بطابع مميز، وينمو بين أفرادها مجموعة من الشعارات والرموز وتوجد بينهم مصالح متشابهة، وتربط بينهم روابط معينة، وكلما ازدادت هذه الروابط وتوثقت كانت الجماعة أكثر تجانسا.
ويختلف الجمهور في حجمه وتكوينه، فقد يكون صغيرا في بعض الأحيان، وقد يكون كبيراً. فالجماعة الخاصة بمؤسسة تربوية هي جماهير واسعة النطاق قوامها الطلاب الحاليون والسابقون وطلاب المستقبل وأولياء الأمور، وجماهير من المؤسسات التربوية التي لها صلة بالمؤسسات والهيئات الرسمية ذات الصلة بها، ومحررو الصحف ومذيعو محطات الإذاعة والتلفزيون، وهكذا يتسع جمهور تلك المؤسسة. وينتمي المهندسون إلى جماعة متجانسة تعمل في نفس المهنة، وإذا كان احدهم متخصصا في الهندسة السمعية، فهو ينتمي إلى جماعة فرعية تنطوي تحت جماعة أكثر اتساعا، وهى جماعة المهندسين.
ويختلف الجمهور حسب الخصائص السكانية، مثل العمر، حيث ينقسم الناس إلى فئات عمرية مختلفة، ويمكن أن يوجه برنامج العلاقات العامة إلى فئة عمرية دون أخرى، كما يختلف الجمهور حسب الجنس، حيث ينقسم إلى ذكور وإناث، وينقسم كل منهم إلى متزوجين وغير متزوجين، ومطلقين، وأرامل. وسكان العقارات ينقسمون إلى ملاك ومستأجرين، والبرنامج السياسي قد يكون عاماً لكل الناس، وقد يكون خاصا بمن ينتمون إلى حزب سياسي معين، وهناك تمييز البيض والسود، في بعض البلدان، وهناك تمييز حسب الدين أو المذهب أو الطائفة.
كما ينقسم الجمهور إلى جمهور محلي وجمهور خارجي. ويتكون الجمهور الداخلي من الأفراد الذين يعملون في خدمة المنشاة مثل مجلس الإدارة، والرؤساء، والموظفين والعمال،وهذه أول فئة يجب دراستها وتحسين علاقة المنشاة وتوطيدها. أما الجمهور الخارجي فانه ينقسم إلى فئات كثيرة منها الجمهور بصفة عامة، وجمهور المستهلكين، وجمهور المساهمين، وجمهور الصحافة، وجمهور الموزعين..الخ.
وفي ضوء هذا تتضح أهمية تحديد الجمهور تحديداً واضحاً، في الحالات التي نقوم فيها بدراسة مشكلات معينة.ثانياً: مفهوم الرأي العام
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الرأي العام هو المادة الخام الذي تعمل فيه العلاقات العامة، وحيث تسعى العلاقات العامة دوما على تنميته سواء فيما يتعلق بالنظم الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، كما تعمل على دراسته وتحليله، و معرفة طبيعته و كيفية تكوينها، وطرق التأثير فيها ولعل أهم سمات المجتمعات الحديثة الاعتراف بأهمية الشعوب، و اعتبار الرأي العام الحكم النهائي في الشؤون العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومع أن الرأي العام وجود معنوي لا نراه، فان ذلك لا ينقص شيئا من قوته، شانه في ذلك شأن الضغط الجوي الذي لا نراه ولكنه موجود.
تعريف الرأي العام :
بالرغم من أن مصطلح الرأي العام Public Opinion لم يستخدم بهذا المسمى إلا في أواخر القرن الثامن عشر، نتيجة لظهور الجماهير الغفيرة بسبب النمو السكاني السريع حينذاك، فان المناقشات القديمة المتعلقة بالرأي العام لا تختلف كثيرا عن المناقشات الحديثة من حيث إدراك مدى النفوذ الذي يفرضه الرأي العام على تصرفات الإنسان وحياته اليومية فقد سماه (موتتسيكيو) العقل العام، و سماه (روسو) الإرادة العامة. أما الاختلاف الوحيد بين المناقشات القديمة و المناقشات الحديثة، في هذا الصدد، فهو ذلك الذي يتعلق بإدراك مدى النفوذ الذي يفرضه الرأي العام على تصرفات الساسة و الفلاسفة.
وقد صبغه العلامة (تارد) بصبغة فردية، واعتبره محض تقليد، ففي كل مجتمع من المجتمعات، يمتاز بعض الأفراد بمواهب خاصة وقدرة على الابتكار والتجديد، فتسري موجة بين أفراد المجتمع الآخرين نحو تقليد هؤلاء الأفراد النابهين و هكذا يتكون الرأي العام.
و يؤخذ على هذه النظرية الآتي:
أ – أنها تغفل الجانب الروحي، فهناك اتصال روحي بين أفراد المجتمع هو أساس تضامنهم.
ب – لا يعتمد الرأي في تكوينه على التقليد و المحاكاة، بل على وسائل أخرى هي مكونات الرأي العام كالصحافة والخطابة و الإذاعة والتلفزيون…الخ.
ج – الظواهر الاجتماعية يفسر بعضها البعض الآخر، أي تفسر بظواهر اجتماعية أخرى، ولا يجوز تفسيرها بعوامل نفسية أو حيوية.
و عرف (ماكينونW.A.Mackinon ) (1808) الرأي العام بأنه رأي في موضوع ما يضمره الأشخاص المتميزون بالذكاء و حسن الخلق، وهو يتسم بالانتشار التدريجي، فيقتنيه أغلب حتى لو تباينوا في مستواهم التعليمي. أما (لأويلL.A.Lawell ) فيعرف الرأي العام بأنه قبول لواحدة أو اثنتين أو أكثر من وجهات نظر متضاربة يقبلها العقل و المنطق باعتبارها حقيقة.
و يرى (كولي) : أن الرأي العام لن يكون تجمع لأحكام فردية مختلفة، و لكنه تنظيم تعاوني يتم عن طريق اتصال التأثير المتبادل والمشترك، وربما يختلف الرأي العام عن افتراض أن الأفراد ربما يكونون في تفكير معين كأفراد منفصل الواحد منهم عن الآخر، بيد أن هذا يتلاشى حينما نرى أن الرأي العام بمثابة سفينة تبنى عن طريق مئات من الرجال لا يستطيع واحد بعينه بنائها على انفراد. أما (ليونارد دوبLeonard Dob ) فيرى أن الرأي العام يعني اتجاهات ومواقف الناس إزاء موضوع يشغل بالهم،/ بشرط أن تكون هذه الجماهير في مستوى اجتماعي واحد.
و صبغ (جنزبرجGinsberg ) الرأي العام بصبغة اجتماعية، ففي رأيه أن الرأي العام رغبة مبهمة تسود المجتمع و تهدف إلى المحافظة على كيان المجتمع، فهو ظاهرة اجتماعية، و ينتج تلقائيا من تفاعل مجموعة الآراء المختلفة التي تسود بين أفراد المجتمع، وتتبلور في شكل موضوعات معينة.
وهكذا يختلف الرأي العام عن الرأي الخاص، فالرأي العام هو رأي الجماعة، أما الرأي الخاص فهو رأي فرد. ويعرفه أغلب الباحثين بأنه ثمرة تفاعل الآراء والأفكار داخل أي جماعة من الناس، وقد عرفه (جيمس برايس) في كتابة (الديمقراطيات الحديثة)، بأنه اصطلاح مستخدم للتعبير عن مجموع الآراء الذين يدين بها الناس إزاء المسائل التي تؤثر في مصالحهم العامة و الخاصة.
و جملة القول، فالرأي العام إنما يعبر عن آراء الجماهير، بعد المناقشة والجدل بين الأفراد، فهو ليس اتجاها انفعاليا يصدر من الجمهور الهائج الذي يجتمع اجتماعا مؤقتا، و إنما هو حكم عقلي يصدر من جمهور من الناس يشتركون بالشعور بالانتماء و يرتبطون بمصالح مشتركة، إزاء موقف من المواقف أو تصرف من التصرفات، أو مسألة من المسائل التي يثار حولها الجدل بعد مناقشة عقلية.
والرأي العام ليس مجرد رد فعل بسيط أساسه العرف و التقاليد، بل على العكس من ذلك قد ينطوي على الخروج على التقاليد، فهناك وعي و تفكير للمشكلات. فالجماعة – مثلا- قد تواجه مشكلة من المشكلات تتطلب حلاً، و تتصل برغبات الجمهور وحاجاته، فيهب القادة لتحديد المشكلة وإلقاء الضوء عليها، واقتراح ما يرونه لحلها. ويعلن المختصون والمعنيون بالأمر ملخص خبراتهم و معلوماتهم، ثم يدور النقاش الحر من كل جانب ن وفي كل مكان، و تمتزج الأفكار بالعواطف، و تختلط التحيزات بالحقائق، وتتصارع المصالح و المبادئ، و تصدر الأحكام المختلفة. ويكون الرأي النهائي للجماعة هو حصيلة الاحتكاك بين هذه القوى جميعها، بما فيها من أفكار محافظة و أخرى تقدمية. وهكذا تعبر الجماعة عن رأيها العام. وعلى أساس هذه الأحكام ومدى صحتها ولياقتها يرجى للجماعة أن تبقى وتعيش. أما إذا كانت هذه الأحكام الجماعية قاصرة فاشلة فإنها تصبح معاول هدم وفناء للجماعة.
ولما كان من الصعوبة بمكان اتفاق جميع الناس على موضوع ما أو مسالة من المسائل، فانه يمكن القول أن الرأي العام هو رأي الأغلبية، ونموذج معين من الفكر والقول يعم و يسود على النماذج الأخرى، و تتضمن فكرة الرأي العام مع ذلك أن ثمة رأيا متفق عليه من غالبية الأفراد، وهو ما يسمى بالرأي الغالب. و ليس معنى ذلك أن لا تكون هناك آراء متعددة للأقليات، وتلك الآراء الخاصة لا تعوق أن تطلق على الرأي السائد لدى معظم هذه الجماعات و الجماعات الفرعية رأيا عاما، حيث لا يوجد رأيا عاما بطريقة مطلقة أو عامة، ولكنه الحد الأقصى لمجموع الآراء.
وقد يظل الرأي العام كامنا غير ظاهر لأسباب سياسية أو اجتماعية، ولكنه لا يلبث أن يظهر بشكل انفجار عندما تزول الأسباب المعوقة لظهوره.ثالثاً: مكونات الرأي العام
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
إن عملية تكوين الرأي العام من العمليات المعقدة التي تمتد بجذورها في مجالات مختلفة، ويتكون الرأي العام نتيجة التفاعل بين مجموعة من العوامل الفسيولوجية والوظيفية والاجتماعية والنفسية المتداخلة بحيث يمارس كل منها أثره في تكوين الرأي العام، وهذه العوامل هي :1- العوامل الفسيولوجية والوظيفية :
———————————————–
ترى بعض البحوث أن هناك سمات جسيمة تؤثر في عقلية الفرد وأفكاره، فالمريض تكون أفكاره عليلة، وقد تكون نظرته للحياة متشائمة. ومن الدراسات المهمة في هذا المجال بحث تأثير فصائل الدم، والعصارات القلوية والحمضية وأثرها في شخصية الإنسان. كما أجريت أبحاث كثيرة تدور حول السمات الجسمية الأخرى، مثل خصائص الجمجمة التي عُني علماء الجريمة من أمثال (لومبروزو) بدراستها، وقد اتضح أخيرا أن الغدد الصماء وما تفرزه من هرمونات تؤثر تأثيرا مباشرا على الفرد، فعندما يزداد نشاط الغدة الدرقية – مثلا – يصبح الفرد متوترا وقليل الاستقرار وسريع الغضب.2- العوامل النفسية :
———————–
هناك عوامل نفسية تؤثر في تصرفات الفرد وفي سلوكه، فقد يكون الإنسان متصفا بالحب لأن غريزة الخوف قوية لديه، أو انه لم يكتسب بعد صفات التسامي والإعلاء، وينطبق نفس القول بالنسبة لغرائز أخرى كالغريزة الجنسية أو حب الاستطلاع أو السيطرة أو غيرها. وتلعب الأهواء دوراً بالغ الأهمية في بلورة الرأي العام، وذلك حسب الظروف السائدة. ففي ظروف الحرب- مثلا- يتقبل الناس آراء، ويعتقدون في صحتها وأهميتها، بينما يشكّون فيها في وقت السلم، أي في الظروف العادية. وحتى في الأحوال العادية يتأثر الرأي العام بأفكار لا شعورية دون أن يعرف الناس. فاللاشعور يؤثر في توجيه أفكارنا وآرائنا، بصدد عمل أو حادثة أو فكرة، وذلك تبعا لخبراتنا السابقة، وما مر بنا من انفعالات وصدمات.3- الثقافة
————-
وهي تمثل مجموع العادات والتقاليد والقيم وأساليب الحياة التي تنظم حياة الإنسان داخل البيئة التي يعيش فيها، فأفكار الشخص الذي نشأ في بيئة مترفة غير أفكار شخص نشأ في بيئة فقيرة أو مهمشة. والعادات المكتسبة أثناء عملية التنشئة الاجتماعية المختلفة لها تأثير على ما يصدره الفرد من أحكام، ومما لاشك فيه أن الدين والتعليم والعادات المكتسبة تؤثر في نفسية الفرد، وما يصدر عنه من أفكار وآراء، ويتأثر الرأي العام تأثرا شديدا ً باتجاهات الجماعات الأولية وقيمها. ومن ناحية أخرى فان زيادة ثقافة المجتمع وانخفاض نسبة الأمية تساعد على تكوين الرأي العام، كما أن الإنسان العادي بمعتقداته الراسخة ـ دينيا وسياسيا واقتصاديا ـ لا يمكن أن يتقبل أي مناشدة دعائية تتعارض مع معتقداته.
وقد فطنت أجهزة الدعاية إلى خطورة وجود الجماعات ذات النزعات العنصرية والسياسية والدينية في إثارة الانفعالات الجماهيرية، وتهييج الخواطر والترويج لأفكار معينة، فأخذت تستغلها في نطاق واسع في الإعلام والثقافة والاتصال الشخصي وعن طريق النكات أحياناً.
وهكذا فان الثقافة تعد من أخطر العوامل المؤثرة في الرأي العام تجاه موضوع معين، ومثال ذلك أن كراهية الأمريكيين البيض للمواطنين السود كانت نتيجة عناصر ثقافية خضعوا لها في الماضي، حيث ظروف الثقافة التي يتعرض لها الطفل الأمريكي تكسبه الاتجاه العدائي ضد السود.
4- النسق السياسي:
تسمح الديمقراطية بذيوع وانتشار الرأي العام، ولا تعمل الهيئات والمؤسسات العامة في الخفاء. كما تعمل الديمقراطية على قيام حرية الفكر والاجتماع والتعبير عن الرأي بين أفراد المجتمع، وذلك على عكس ما هو موجود في ظل الدكتاتورية، بالإضافة إلى ذلك فان الحريات العامة، وهي حرية الرأي، وحرية الصحافة والكتابة، وحرية الاجتماع، وحرية العمل وغيرها تعد من مكونات الرأي العام.
ويعتبر وجود المفكرين ورجال الأعمال والقادة الذين يتميزون بالقدرة على التأثير على الآخرين من العوامل المهمة في تكوين الرأي العام، وذلك لما يتميزون به من قدرة على معرفة الرأي العام ومعرفة بمشاعر وأحاسيس الجماهير. وحينما تتوفر ثقة الجماهير في القائد، فأنه يصبح أداة قوية وفعالة
في تغيير اتجاهات الجماهير والتأثير فيهم، وتكوين الرأي العام الذي يؤيد القضايا التي يدعو إليها.5- الأحداث والمشكلات:
———————–
تعتبر الحوادث المشكلات والأزمات، التي يتعرض لها مجتمع معين، من العوامل المهمة التي تعمل على تكوين اتجاهات جديدة للرأي العام، فمهما قيل عن عبقرية وزير الدعاية النازية (جوبلز)، فالحقيقة انه لا هتلر، ولا جوبلز، ولا غيرهما من الدعاة والعباقرة كانوا يستطيعون تحويل ألمانيا إلى النازية دون الاعتماد على الأزمة الاقتصادية، والشعور بالقلق وعدم الأمن بين صفوف الشعب الألماني، فالتغيير الثوري ليس حركة فجائية تحدث في فراغ، ولكنه تعبير عن ظروف موضوعية وأحداث سياسية واقتصادية واقعية، ولهذه الأسباب نجحت الثورة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي السابق، ولم يكن اتجاه الصين الشعبية إلى الشيوعية نتيجة الدعاية أو التعاليم الماركسية وحدها، ولكن حكم (تشانج كاو تشيك) الفاسد، وظروف البلاد المتردية خلقت حالة من عدم الرضا، استغلها الدعاة الشيوعيون استغلالاً طيباً، فنجحت الثورة الصينية. وقد يكون الرأي العام مؤقتا، كالذي يحدث نتيجة مشكلة بين أصحاب العمل والعمال، عند مناقشة الأجور مثلا، ففي هذه الحالة يزول الرأي العام بزوال المشكلة.6- الإعلام والدعاية :
الإعلام هو العمليات التي يترتب عليها نشر معلومات وأخبار معينة تقوم على أساس الصدق والصراحة، واحترام عقول الجماهير وتكوين الرأي العام عن طريق تنويره. أما الدعاية فهي العمليات التي تحاول تكوين رأي عام عن طريق التأثير في شخصيات الأفراد من خلال دوافعهم وانفعالاتهم ومفاجأتهم بالأخبار، والتهويل فيها، وتقديم الوعود الكاذبة. ومن هنا فان كلاً من الإعلام والدعاية ووسائل الاتصال من صحافة وإذاعة وسينما ومسرح واجتماعات عامة، تعد قوة إيجابية فعالة لها تأثير ناجح في تكوين الرأي العام. كما تلجأ بعض أجهزة الدعاية السياسية إلى جعل بعض الجماعات الثانوية كالاتحادات المهنية، واتحادات الطلاب، والمحافل الماسونية، والجمعيات الدينية، منافذ أو مسارب تسرى فيها الدعاية الحزبية، وتقرر اتجاهاتها.7- الشائعات :
ــــــــــــ
هي الأحاديث والأقوال والأخبار والروايات التي يتبادلها الناس ويتناقلونها دون التثبت من صحتها أو التحقق من صدقها. ويميل كثير من الناس إلى تصديق ما يسمعونه ثم يأخذون في ترديده ونقله، وقد يضيفون إليه بعض التفصيلات الجديدة.رابعاً: أنواع الرأي العام :
ــــــــــــــــ
ينقسم الرأي العام إلى درجات وأنواع، فهناك من يرى انه ينقسم إلى:
1ـ الرأي العام المسيطر.
2ـ الرأي العام المستنير أو القارئ.
3ـ الرأي العام المنقاد.
والأول هو رأي القادة والزعماء والحكومات في اغلب الأحيان، والثاني رأي الطبقة المثقفة في الأمة، وهي الطبقة القادرة على الدرس والناقشة، والثالث رأي السواد الأعظم من الشعب ممن لا يستطيعون متابعة البحث أو الدرس.
ومن الباحثين من رأي أن هناك ثلاثة أنواع، حددها على النحو التالي:
1ـ الرأي العام الكلي.
2ـ الرأي العام المؤقت.
3ـ الرأي العام المنقاد.
والأول يتصل اتصالا قويا بالدين، والأخلاق العامة، والعادات والتقاليد وغيرها من الأشياء الثابتة في الأمة، ويمتاز هذا النوع بالثبوت ويشترك فيه أغلب الناس. والثاني ما تمثله الأحزاب السياسية والهيئات العامة والخاصة، وذلك عندما تسعى لتحقيق هدف معين في وقت معين. والثالث هو النوع المتقلب كتقلب الجو، وعليه تعيش الصحف اليومية والإذاعة والتلفزيون.
ويرى فريق آخر من الباحثين أن الرأي العام ينقسم إلى أربعة أنواع هي:
1ـ رأي الأغلبية.
2ـ رأي الأقليات.
3ـ الرأي الساحق.
4 ـ الرأي الجامع.
فالرأي الأول هو رأي الجماعة حيث ينقسم إلى هذين القسمين:
أغلبية وأقلية، وقد تتحول الأولى إلى الثانية، وقد يحدث العكس، ومن أجل هذا كان لرأي الأقلية وزن كبير في الأمة، وذلك لأن أصحاب الأقلية إنما يعتمدون على بذل الجهود الكثيرة في سبيل الوصول إلى الأغلبية، وبهذه الجهود تنتفع الأمة، أما الرأي الثاني فهو رأي الأقليات حين تتفق أحيانا مع رأي معين في ظرف معين وهدف معين، ولكن قد يفضي هذا النوع من الرأي بالأمة إلى التحول السريع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن اجله قد تسقط وزارة وتعقبها أخرى، ويستمر الحال هكذا حتى تتمكن إحدى الأقليات من أن تصبح أغلبية. أما الثالث فكثيرا ما يكون نتيجة لاندفاع الشعب، أو نتيجة لتكامله في بحث المشكلات العامة، فالشعب إذا وصل إلى الرأي الساحق عن طريق البحث أو الدرس، فانه يكون في مثل هذه الحالة قد بلغ الذروة، ولكنه في الواقع قلما يصل إلى ذلك. والرابع هو الرأي الذي تجمع عليه الأمة وما ورثته من عادات ونزعات ومعتقدات، وهذا الرأي هو ما يسمى بالاتجاه العام أو النزعة العامة، وهو لا يناقش في العادة، وإذا تعرض احد لمناقشته، عرض نفسه للخطر المحدق، ومع هذا يستطيع عدد قليل من القادة في كل امة أن يقنعوا أمتهم بفساد جزء من أجزاء هذا الرأي الجامع، بشرط ألا يمس هذا الجزء أصلا من أصول الدين أو العقيدة، وإن كان ذلك يحتاج إلى صبر طويل وكفاح مرير وعمل متواصل.
ويرى البعض أن الرأي العام ينقسم إلى درجات وهي :
1ـ موافقة اجتماعية.
2ـ موافقة عن طريق التراضي.
3ـ موافقة عن طريق التصويت.
4ـ موافقة عن طريق الضغط.
أما الموافقة الاجتماعية فهي لا تحدث إلا بين أفراد بعض الهيئات الخاصة، كما يحدث غالبا بين جمهرة العلماء، نحو اكتشاف معين أو اختراع جديد أو كاتفاق أفراد قبيلة ما على موضوع يخصهم، وذلك لصغر حجم المجتمع القبلي. وهذه الدرجة من الرأي العام نادرا ما تحدث في المجتمعات المتقدمة نظرا لتشعب الآراء والأفكار وكثرة السكان.
وفي الرأي العام عن طريق التراضي يتنازل كل فريق عن جزء من رأيه نحو موضوع معين مع علمه التام بصواب رأيه، وذلك في سبيل الوصول إلى رأي واحد، وحل مشكلة هذا الموضوع على أية، صورة كما يحدث بصدد الشؤون الاقتصادية.
والرأي العام عن طريق التصويت، هو رأي الأغلبية الذي يسود،وهذه الدرجة من الرأي العام ينتج عنها كبت آراء خفية معارضة، قد تؤدى إلى عدم استقرار المجتمع.
وقد يأتي الرأي العام عن طريق الضغط، كأن يضغط قائد الجماعة على أفراد جماعته ويحملهم على قبول رأي معين، وهذه الدرجة اقل درجات الرأي العام دواماً، ولا يعتبر هذا النوع رأيا عاما بالمعنى الصحيح، إذ أنه مبني على الكبت والضغط، لا على حرية الفكر والرأي.
ويقسم البعض الرأي العام إلى الآتي:
1- الرأي الظاهر × الرأي العام الباطن.
2- الرأي العام الثابت × الرأي العام المتغير.
والرأي العام الظاهر هو تعبير مجموعة من الناس عن اتجاهاتهم وآرائها، إزاء مشكلة تعبيرا صريحا بحيث تتوفر الحرية ولا يخشى الناس أن يعبروا عن آرائهم بصراحة. والرأي العام الباطن أو غير الظاهر،وهو عكس الأول،أي الرأي العام غير المعبر عنه، لأن أفراد الجماعة يخشون التعبير عن آرائهم واتجاهاتهم، لأنها ضد القانون أو المعايير الاجتماعية المتعارف عليها.
والرأي العام الثابت هو المستمد من العادات والتقاليد. أما المتغير فهو الذي يتكون نتيجة الحملات الإعلانية والترويجية والإعلامية والدعائية.. إلا أننا يجب أن نلاحظ أن الثبات والتغيير مسألة نسبية، ففي حين تتغير العادات والتقاليد بمضي الزمن، إلا أن للتغير دورا مهما. كذلك الرأي العام المبني على حملات الإعلان والترويج يمكن أن يظل ثابتا لمدة طويلة، باستمرار الحملات الموجهة إلى الأفراد.خامساً:الرأي العام و العملية الإعلامية
المقصود هنا بتحديد الرأي العام لشكل عملية الاتصال الإعلامي، هو دراسة العلاقة بين الرأي العام،وشكل العملية الإعلامية، وحتى نتعرف على هذا فإننا سوف نتعرف على العلاقة التي بين الرأي العام والعملية الاتصالية، بصفة عامة، ثم نتعرف على أهمية الرأي العام في تحديد شكل الرسالة الإعلامية، وأخيراً دور الرأي العام في تحديد الوسيلة الإعلامية المناسبة لكل جمهور، ولكل وقت من الأوقات، ولكل مكان من الأماكن.
فالرأي العام يلعب دوراً خطيراً في التحكيم في العملية الإعلامية من حيث شكلها و مضمونها ؛ وسوف نتعرض للعلاقة بين الرأي العام وشكل العملية الإعلامية، ثم نتعرف على العلاقة بين الرأي العام ومضمون العملية الإعلامية، أي كيفية تأثيره، ومدى تحكمه في تحديد وتوجيه السياسة الإعلامية في المجتمع.
وحتى يمكن معرفة علاقة الرأي العام بشكل العملية الإعلامية، لابد أن نتعرض لعلاقته بالعملية الاتصالية بداية، فالمعلوم أن الاتصال هو الأوسع أو الأكثر عمومية من الإعلام، فما الإعلام إلا شكل من أشكال الاتصال، أو إحدى عملياته، لأن الاتصال مفهوم أكثر اتساعا، حيث يبدأ بالاتصال الذاتي، الذي هو الأساس في كل عملية اتصالية إعلامية أو غير إعلامية، وربما أغفل البعض الاتصال الذاتي، أو رأوا أنه غير هام، وهو عملية الإدراك والفهم وصياغة الأفكار، ولكن هذه العملية هي البداية، فالإنسان لا يتصل بغيره من الناس في حالة ما إذا بدأ هو بالاتصال، إلا بعد التفكير، كما أنه لا يفهم من يتصل به إلا بعد التفكير أيضا، و يلي ذلك الاتصال الشخصي ثم الجمعي، ثم الاتصال الجماهيري الذي هو الصورة البارزة للإعلام، ولابد من التأكيد على انه لا يستغنى عن الاتصال الذاتي ولا الشخصي ولا الجمعي فكل نوع من هذه الأنواع في خدمة النوع الآخر.
أما الاتصال كمفهوم عام فهو عملية التفاهم بين البشر، أو حتى بين البشر وغيرهم من المخلوقات، بأي وسيلة من الوسائل سواء كانت اللغة أو الإيماءة أو الإشارة أو الحركة أو الضوء أو غير ذلك من الوسائل، لتحقيق هدف عام أو خاص، لذلك سوف نبدأ في التعرف على العلاقة بين الرأي العام والعملية الاتصالية بصورة عامة.
1- العلاقة بين الرأي العام والعملية الاتصالية عامة :
تتلخص العملية الاتصالية الإعلامية في عناصرها التي جمعتها العبارة القائلة (( مَن، يقول ماذا، لمن، وبأي وسيلة، وما هو التأثير؟ )) وتفسير هذه الأركان هي : المرسل – الرسالة – الوسيلة – المستقبل، ثم رد الفعل الذي ينتج عن التأثير والذي يكمل الدائرة الاتصالية.
وبقدر حدوث التوافق بين هذه الأركان الخمسة للعملية الاتصالية، بصفة عامة، والإعلامية منها بصفة خاصة، بقدر حدوث تحقيق الهدف من الاتصال، وذلك لأن أي اتصال لابد له من هدف، وإلا لما بدأ من حيث البداية، وإذا بدأ فما كان هناك دافعا إلى الاستمرارية في القيام بالعملية الإعلامية، وإذا حدث هذا فما كان هناك دافعا إلى عملية التلقي أو الاستقبال.
ومعنى حدوث التوافق بين أركان العملية الاتصالية، هو فهم المرسل لهدفه من القيام بالاتصال، وبالتالي فهمه لرسالته، وللوسيلة المناسبة للرسالة، والمناسبة له كمرسل من حيث الإمكانيات والقدرة على الاستخدام الواضح، إن لم يكن الأمثل، ثم مدى التوافق بين الرسالة والوسيلة والجمهور، وإذا توافقت هذه العناصر الأربعة كلها، أدى هذا إلى التأثير، وبالتالي إلى رد الفعل الذي يؤدي بالمستقبل إلى أن يصبح مرسلاَ، والمرسل إلى مستقبل وهكذا تدور عجلة الاتصال، وتستمر في الدوران.
ولابد هنا أن نقف على حقيقتين هامتين، الأولى : انه لا يمكن حدوث التوافق بين عناصر العملية الاتصالية بدرجة 100% مائة في المائة.
الثانية : أنه أيضا لا يمكن أن ينعدم حدوث الاستجابة تماما بدرجة مائة في المائة أيضا.
أما انعدام حدوث التوافق تماماً، فهذا لأن هذه العناصر المتعلقة بالعملية الاتصالية تتدخل فيها ظروف وعناصر أخرى تختص بالنفس البشرية، أو إدراك الأشياء، أو عمليات التفسير وصياغة الأفكار وتلقيها.
وهذه العمليات تتعلق بكثير من الأشياء المعقدة والمتشابكة، والتي يتدخل في تفسيرها ومعرفة إبعادها كثير من العلوم كالاجتماع وعلم النفس وعلم الوراثة، ودراسة الأجناس، ونحو ذلك، ولا يمكن التعمق وراء كل مرسل أو كل مستقبل، للتعرف على ما يؤثر في نفسيته أو يتحكم في عقليته أو مدى وكيفيه إدراكه وفهمه للأشياء، حتى نستطيع الوقوف على كيفية فهم المرسلين جميعا، لإمكان صياغة رسائل إعلامية متوافقة مع الجمهور ومع الوسائل، ووسائل متوافقة مع الرسائل ومع الجمهور.
ولا يعني هذا من ناحية أخرى عدم الاجتهاد في التعرف على هذه الأشياء ومراعاتها ولو بقدر أو نسبة معينة، وإنما لابد من التعرف على الخطوط العريضة أو السمات المميزة للمجتمع و أفراده وأوقات الاجتماع أو المشاهدة المفضلة لديهم إجمالا، أما تفصيلا فهذا يتوقف على مزاج كل فرد، وهذا شيء يستحيل فهمه على الشخص ذاته في بعض الأحيان، فكثير من الناس يعلمون أنهم متضايقون، أو يعربون عن قلقهم أو ضيقهم أحيانا، لكنهم لا يستطيعون معرفة سبب ذلك.
ويعني هذا أن التوافق يمكن أن يحدث بين عناصر العملية الاتصالية، ولكن بنسبة معينة، ليست مائة في المائة، وليست صفرا في المائة، فهي لا تحدث تماما كما ذكرنا لتعلقها بالنفس البشرية في كثير من أطرافها، والنفس البشرية لا يمكن تقنينها أو وضع قانون يحكمها بصفة قاطعة، كما يحدث للماديات، وهي أي عملية التوافق لا تكون صفرا في المائة، لأنه لولا حدوث درجة معينة من التوافق من حيث المبدأ لما بدأت العملية الاتصالية ولما استمرت، هذا القدر من التوافق الذي تبدأ به العملية الاتصالية، قد يكون نتيجة للظروف المحيطة، أو للوجود في مكان في مكان واحد ؛ أو وجود الهدف ذاته، أو نحو ذلك بما يؤدي إلى وجود نسبة ما من التأثير.
وبقدر حدوث نسبة التوافق بين أركان العملية الاتصالية، بقدر حدوث التأثير، بقدر حدوث الاستجابة أو رد الفعل، فمثلا إذا كان التوافق بين أركان العملية الإعلامية بدرجة أو نسبة 30% تكون الاستجابة بنفس النسبة 30% وهكذا تزيد نسبة الاستجابة وتنقص بناء على حدوث التوافق بين أركان عملية الاتصال الإعلامية، وفهم المرسل والمستقبل لبعضهما وللرسالة والوسيلة.
وهنا نجد أن الرأي العام يلعب دورا فعالاً في عملية حدوث هذا التوافق، فمعرفة الرأي العام السائد إزاء أي قضية من القضايا يؤدي إلى تحديد المضمون الإعلامي الذي يصوغه المرسل وفقاً لذلك، والى تحديد الوسيلة الملائمة أو المناسبة للرسالة، ويؤدي إلى معرفة الجمهور ورأيه، الايجابي أو السلبي أو الثائر أو الساخط أو الرأي حول قضية ما، أو موضوع ما، وهذا يحدد شكل الرسالة، وشكل الوسيلة المناسبتين للرأي العام السائد لدى الجمهور، والمناسبتين لبعضهما ( الرسالة والوسيلة ) للجمهور في الوقت ذاته، وهذا بدوره يؤدي إلى نجاح عملية الاتصال الإعلامي.2- الرأي العام يحدد شكل الرسالة الإعلامية:
تختلف الرسالة الإعلامية، باختلاف الموقف المستخدمة فيها، فحينما تتحدث في مؤتمر صحفي تكون الرسالة الإعلامية هي الكلمات والبيانات، والإجابة على الأسئلة، وللرأي العام دور في تحديد ذلك. وحينما تأخذ الرسالة الإعلامية شكل الاتصال عن طريق الرسائل المطبوعة، فان لها أشكالا تنشر بها في الصحف أو المجلات، تتنوع من الخبر إلى الحديث إلى التحقيق الصحفي، إلى التقرير إلى الشرح والتفسير إلى المقال إلى غيره من فنون التحرير الصحفي المكتوب والمصور، وللرأي العام دور في تحديد ذلك.
وفي الرسالة الإعلامية المسموعة والمرئية، يلعب الرأي العام دوره أيضا في تحديد شكلها، وحجمها ووقت إذاعتها، وكيفية تصويرها، وما يتدخل فيه من مؤتمرات أو مونتاج أو دوبلاج إلى غير ذلك.أ – الرأي العام والرسالة الإعلامية الشفوية:
تستخدم الرسالة الإعلامية الشفوية في أشكال الإعلام البسيطة، وبخاصة في هذا العصر الذي أصبح الإعلام فيه يتسم بالجماهيرية، ويستخدم وسائل الإعلام الحديثة، كما يستخدم كل جديد يجعل المضمون الإعلامي يصل إلى اكبر قدر ممكن من الجماهير المستقبلة، في كل مكان.
ولم يعد من أشكال الاتصال الشفوي في مجال الإعلام سوى المؤتمرات الصحفية، التي يجتمع فيها الصحفيون حول المصدر للاستماع إلى بيان يلقيه، ثم مناقشته فيه، أو سؤاله حول موضوع أو قضية معينة، لإلقاء الضوء عليها، أو للاستفسار عن جهاز أو إنتاج جديد، أو نحو ذلك.
هذه المؤتمرات الصحفية تعتبر أحد أنواع الإعلام التي لا يشعر الكثيرون بأهميتها، لأنها تنقل إليهم عبر وسائل الإعلام، مع التركيز على القالب الفني الذي تنقل فيه من حيث الشكل من ناحية، وعلى المضمون الوارد بها من ناحية أخرى، وبالرغم من ذلك فهي شكل إعلامي مهم له تأثير على الرأي العام، كما أن للرأي العام تأثيره عليه.
فإذا كانت هذه المؤتمرات تبصر الرأي العام بحقيقة موقف معين، أو قضية معينه، أو تلقى الأضواء أو تقدم التبريرات أو الشروح والتفسيرات لشيء معين، فإنها بذلك قد تغير وجهة الرأي العام، أو تعيد تشكيله مما يؤثر عليه بصورة أو بأخرى.
ولا يخفى أيضا تأثير الرأي العام في تحديد شكل الرسالة الإعلامية الشفوية، في حالة المؤتمرات الصحفية أو إلقاء البيانات أو الخطب، ذلك أن المظهر الذي يعبر الرأي العام به عن نفسه ايجابيا كان أو سلبيا، يحدد مدى أو كيفية إلقاء البيان، وطريقته، وشكله من حيث الطول أو القصر، ومن حيث إتاحة الفرصة للمناقشة، أو اختصار الموضوع على إلقاء بيان معين.
فإذا كان الرأي العام يعبر عن سخط الجماهير فان هذا يؤدى إلى تحديد شكل الرسالة الشفوية الإعلامية، في صورة مبسطة تعبر عن كشف الغموض حول موضوع معين، أو تبرير سلوك معين، أو محاولة احتواء الموقف أو استرضاء الجماهير، حتى يمكن استمالة الرأي العام.
ويختلف ذلك في حالة ما إذا كان الرأي العام يعبر عن رضا الجماهير، فان شكل الرسالة الإعلامية الشفوية هنا تقدم في صورة أكثر إشراقا، كما أن الفرصة تتاح للنقاش وإلقاء الأضواء على جوانب مختلفة ومتعددة، لتقديم وشرح وجهات النظر، كما أن هذا يؤدي بدوره إلى التطرق إلى كثير من الموضوعات التي تثيرها أسئلة الصحفيين للمصدر، وبالتالي فان المصدر يكون أكثر استجابة وقبولا.
وهذا يوضح أن الرأي العام يلعب دوراً فعالاً في شكل الرسالة الإعلامية الشفوية، التي حتى وان كانت بسيطة في معناها إلا أن لها دوراً لا يمكن إغفاله.
ب- الرأي العام والرسالة الإعلامية الجماهيرية:
تتنوع الرسالة الإعلامية الجماهيرية وتختلف من الرسالة المطبوعة إلى الرسالة المسموعة إلى المرئية، وكل وسيلة تستخدم الرسالة التي تناسبها من ناحية، كما أن كل رسالة بدورها تتحكم في الوسيلة التي تناسبها من ناحية أخرى، ولابد من التوافق إلى حد مابين الوسيلة والجمهور.
ويلعب الرأي العام دورا مؤثرا في الرسالة الإعلامية الجماهيرية، من حيث تحديد شكل ومضمون الرسالة الإعلامية، وهنا تتحدث عن أهميته في تحديد الشكل.
فإذا كان هناك كثير من العوامل التي تلعب دورا هاما في تكوين الرأي العام، ومن هذه العوامل الإعلام والدعاية، فان الرأي العام لا يتأثر بالعوامل المكونة له فقط، وإنما يؤثر فيها أيضا، وهذه العوامل المكونة للرأي العام، ومنها الإعلام، لا تعمل منفردة في المجتمع، وكل عامل من هذه العوامل جدير باهتمام الباحثين، ودراسة أثره على كل من المجتمع المحلي أو القومي أو الدولي، أو غيره من أنواع الرأي العام التي تعرضها لها.
ومما يدل على أهمية الرأي العام قي تحديد شكل الرسالة الإعلامية ومدى تفهم المستقبل لها، أن المستقبل لا يميل إلا إلى الشكل الاتصالي الإعلامي الذي يتناسب مع ميوله وأهوائه، ومن هنا كانت أهمية دراسات الأوقات المفضلة للاستماع، والتعرف على الألوان الأكثر جاذبية لدى المشاهدين، والوقوف على الدراسات النفسية الخاصة بالقراءة واتجاه العين، والأوضاع الأكثر راحة للقارئ، تلك النظريات التي تبني عليها كلها أسس رسم الأشكال الاتصالية سواء مطبوعة. وتتمثل في عمليات الإخراج الصحفي ورسم الماكيتات، أو مسموعة وتتمثل في المؤثرات الصوتية واختيار الموسيقى وطرق وكيفية الأداء ونحو ذلك، أو مرئية وتتمثل قي اختيار المشاهد والألوان والإخراج والديكور والإضاءة، والطرق الفنية المختلفة في اختيار اللقطات المكبرة أو الجانبية أو الخلفية، أو مزج الصور مع بعضها. أو تركيب أكثر من صورة لإعطاء خلفية للتركيز على مشهد في الحاضر أو التذكير بمشهد في الماضي، أو الإيحاء بشيء في المستقبل، وكل ما يحدث من ذلك، من عمليات فنية إبداعية متطورة ومتجددة دائما، هذا التطور وهذا التجديد يتم بناء على دراسات الجماهير واتجاهاتها، وآرائها، وهذا يدل على أهمية الرأي العام في تحديد شكل الرسالة الإعلامية الجماهيرية.
وبصفة عامة لابد من تقدير قيمة الرأي العام في تحديد أشكال الاتصال الإعلامي وعند وضع الأسس الخاصة بذلك، ورسم خرائط البرامج، والتخطيط للإذاعات والصحف، أو التخطيط الإعلامي بصفة عامة، حيث أن الاعتراف بأهمية الرأي العام، دليل على الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وفي ذلك يذكر بعض الإعلاميين أن أولئك الذين لا يعترفون بالرأي، وبقدرة الجمهور على تكوين رأي، لا يعترفون برأي رجل الشارع والجماهير الشعبية، وبأن الجماهير والأفراد على قدر من الذكاء بحيث يستطيعون اتخاذ مواقف واعية ومفيدة إزاء القضايا السياسية والاجتماعية.
وكان (وليم ريفرز) من الذين نبهوا إلى ما أسماه بالتعرض الانتقائي والاختيار الانتقائي والحجز الانتقائي في العملية الإعلامية.
وقد أشار ريفرز إلى أهمية رأي الإنسان في التعرض لأشكال الاتصال الإعلامي، وتلقيه لها، وإذا كان رأي الفرد يتحكم بصورة أو بأخرى من ذلك، فان الرأي العام له أهمية كبرى في مراعاة الشكل الذي يجب أن يعرض به المضمون الإعلامي، من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية.
ويرى ريفرز أن الإنسان في حالة تعرضه للمعلومات الجديدة التي تعرض عليه، يمر بثلاثة مراحل، المرحلة الأولى هي التعرض الانتقائي.
في مرحلة التعرض الانتقائي فان الفرد خلالها يكيف تفكيره بما يمكنه أن يرفض المعلومات التي لا تتفق مع نظرته للحياة، ولقد ثبت في كثير من الأحيان، ومن خلال بعض الأبحاث الميدانية أيضا، أن الفرد من المحتمل ألا يعرض تفكيره إلا للمعلومات التي تدعم آراءه ولا تتعارض معها، وفي مرحلة الإدراك الانتقائي يميل الفرد إلى إدراك ما يود أن يدركه فعلا، مما يعرض عليه من مواد إعلامية، وقد أكد بعض علماء النفس أن عملية الإدراك الانتقائي هذه حقيقة ثابتة. وفي المرحلة الثالثة التي هي مرحلة أو عملية الحجز الانتقائي، نجد أن معظم الناس يتذكرون المواد الإعلامية التي تدعم وجهات نظرهم، في الوقت نفسه الذي يحاولون فيه نسيان المعلومات التي تتعارض مع آرائهم.
وترتبط عمليات التعرض الانتقائي والإدراك الانتقائي بشكل المادة الإعلامية، سواء كانت مطبوعة أو مسموعة أو مرئية، بينما ترتبط المرحلة الأخيرة وهي مرحلة الحجز الانتقائي بالمضمون الإعلامي للمادة الإعلامية، وذلك لأن التعرض و الإدراك مرحلتان تحدثان في البداية، منذ أن تقع عين الإنسان على المادة الإعلامية، أو تسمعها أذنه، وذلك يتم من خلال الشكل، لأن المخيلة أسرع في التقاط الصورة أو الموسيقى أو الرمز، أكثر من الكلمات أو المضمون المكتوب، وهذا يدل على أهمية مراعاة الرأي العام عند تحديد أشكال الاتصال الجماهيري، من حيث الشكل قبل المضمون، حتى يمكن أن تتلاءم مع أفكار الفرد، فيتعرض لها ثم يدركها، أما الحجز فيتم بعد التعرض والإدراك والتفكير، ثم يحتفظ الفرد في ذاكرته بما يتلاءم مع اتجاهاته.
ويرى الدكتور إبراهيم إمام أن الاتصال الجماهيري يقوم بوظيفتين: استخلاص الرأي، وحمايته، ويوضح أن الاتصال الإعلامي يجب ألا يقوم فقط بوظيفة التأثير على الرأي العام، وإنما لابد من أن يكون مبنيا على أساس من الرأي العام والاهتمام به، حيث يذكر أن (( الاتصال يتخذ ثلاثة مسارات، أولها الاتصال الهابط من القيادات إلى القواعد، وهو يشتمل على التوجيهات والتعليمات والبيانات والتفسيرات وغيرها، ثم هناك الاتصال الصاعد من الجماهير الى القيادات، وهو يشتمل على الملاحظات والشكاوي والخطابات التي يمثل التيار الأفقي، الذي يسرى بين فئات الجماهير قي مستوياتها المختلفة.
ويذكر أيضا أن هذه التيارات جميعاً، لابد وان تتفاعل وتتسق اتساقا متكاملا، مما يساعد على تكوين الرأي العام، وعندما تؤكد وسائل الاتصال بالتعاون مع التنظيم السياسي الذي يصل بين القيادات والجماهير أهداف الأمة وقيمتها فإنها تهيئ الجو لتربية الشعب تربية سياسية سليمة.
وعل ذلك فعملية الاتصال هنا في جانبين منها أو مرحلتين تقوم على الرأي العام وهي المرحلة الصاعدة والمرحلة الأفقية، أما المرحلة الهابطة، فإنها تهتم بتوجيه الرأي العام، ولابد لحدوث ذلك من التعرف عليه، وقيام هذه المرحلة أيضا من هذا المنطلق.
ولو انتقلنا إلى الأشكال الأكثر شيوعا بين الجماهير من أشكال الاتصال الجماهيري، لوجدنا أنها الراديو والتلفزيون والصحافة، وهذه الوسائل الإعلامية الجماهيرية تهتم في تحديد إطار أشكالها الاتصالية بالرأي العام وما يتقبله، اهتماما لا يكاد يخفى على أحد، فما إخراج البرامج وما يصاحبها من عمليات فنية، وما الأشكال التحريرية والقوالب الصحفية، وما يبذل فيها إلا مراعاة للرأي العام، وبتأثير منه، ومن وحي ما يفضله وما يتقبله.
وأما وسائل الإعلام المسموعة والمرئية الشائعة، وهي الراديو والتلفزيون فان رسائلها الإعلامية، على اختلاف مضامينها وتنوعها، فإنها تتخذ أشكالا جذابة، مؤثرة، ذات مستوى عال في الكفاءة والأداء، مستخدمة في ذلك الرسائل الحديثة والمتطورة، والتي تتقدم وتتغير باستمرار، بناء على الدراسات والأبحاث الخاصة بالرأي العام وما يفضله، وبذلك يلعب الرأي العام دوره في تحديد الأشكال الاتصالية الإعلامية المسموعة والمرئية، من خلال الحرص على أن يتعرض لها، وحتى يدركها ويتقبلها، وحتى تظل في ذاكرته، وبالتالي تؤثر فيه، ومن هذا تتضح أهمية الشكل الخاص بالرسالة الإعلامية إلى جانب المضمون، فلو أن الأشكال الاتصالية الإعلامية الجماهيرية لم تكن متمشية مع أذواق الرأي العام، فلن يتعرض لها، وبالتالي لن يتعرض لمضمونها، ولن يتأثر بها، وبهذا تكون المهمة الإعلامية قد فشلت منذ بدايتها.
فالإذاعة الصوتية والمرئية- كما يقول خبير التلفزيون ( مارتن اسلين)- بالنسبة للكم والكيف تستطيع أن تصبح على الأقل الفن الشعبي العظيم، للإنسان الحديث، ذلك أن الكمية الهائلة من المواد التي تنتجها، والعدد الضخم من الشعوب التي تخاطبها تضفي عليها طابع الفن الشعبي القائم على مطالب الجماهير، لا على أذواق الصفوة المختارة.
وهذا يدل على مدى مراعاة أذواق المستقبلين،القائمة على دراستهم المتكررة والمتتالية، لتحديد شكل البرامج أو المسلسلات، أو القوالب الفنية الإذاعية، التي نصب فيها المضامين التي نريدها أن تصل إلى هذه الجماهير، مما يلفت النظر إلى متابعتها بداية، ثم التعرض لما فيها، وإعمال الفكر فيها، مما يدفع إلى التأثير وبالتالي الاستجابة، وهو الهدف من الإعلام في حد ذاته.
ويحدث الشيء ذاته في الصحافة، فالصحافة، كما يعلم القائمون على أمرها، أنها مع كونها أكثر قدما من الإذاعة بشقيها المسموع والمرئي، ومن الوسائل الأخرى كالسينما والمسرح، إلا أنها قد تأثرت بهذه الوسائل ولو بنسبة قليلة، كما أنها مادة مقروءة، أي لابد من الإلمام بالكتابة والقراءة لإمكان قراءتها، وأيضا مع ذلك فالمادة المكتوبة ثقيلة على النفوس أكثر من المادة المسموعة أو المرئية، وذلك مع ما لها من مميزات، مثل البقاء وإمكانية العودة إليها، وتعدد فرص الاستفادة منها.
وأمام ذلك كان على الصحافة والصحفيين أن يدركوا أنهم أمام موقف ليس بالسهل، وهو كيفية جذب القراء، والمحافظة على ذلك، لإمكان ضمان الاستمرارية لصحافتهم وعدم فقدهم لجماهيرهم.
ولتحقيق ذلك كانت دراسات الرأي العام والاستفادة منها في تحديد أشكال التحرير الصحفية الأكثر أفضلية لدى القارئ، والتي تجعل الرسالة الإعلامية الصحفية وقراءتها أكثر تأثيراً، ومن هنا تطور الفن الصحفي.
والصحافة بعد أن أصبحت صناعة من أهم الصناعات الضخمة يهمها إلى جانب رسالتها، الوصول إلى هذا العدد الضخم من القراء نظراً للتكاليف الباهظة التي تتكلفها الصحيفة اليومية الكبيرة، ومن اجل ذلك لابد أن تتعرف الصحيفة على أسباب اجتذاب الجماهير، أو القراء، فهل لكي تجتذب جمهورا كبيرا من القراء، ينبغي أن تعنى بالناحية الفنية، والمادة الترفيهية أكثر من المادة الجادة.
ولكي تفعل الصحيفة ذلك، أي أن تصل إلى اكبر عدد من القراء، بالطبع ليس الحل الأمثل أن تهتم بالجانب الترفيهي على حساب المادة الجادة، وإنما كان الحل، هو تقديم المادة الجادة في شكل فني جذاب يرضي أذواق الجماهير، ومن هنا كانت أهمية فن الإخراج الصحفي.
ويهدف فن الإخراج الصحفي إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية هي: الارتفاع بالإنقرائية، وهي قابلية الصحافة لكي تكون مقروءة في يسر وسهولة، دون أي عائق، وعرض الموضوعات المختلفة بطريقة تتفق مع أهميتها سواء بالنسبة لحجمها أو عناوينها أو ترتيبها في أجزاء الصفحة الواحدة، وكذلك تصميم الصفحات بأساليب جذابة ومشوقة، ومحققة للمعاني المستهدفة، على أن يتم ذلك كله بطريقة مدروسة تضفي على الصحيفة سمات محددة تكوّن شخصيتها، وتميّز ملامحها، فيعرفها القارئ من أول وهلة، ويكّون معها ما يشبه الصداقة أو الألفة، حتى انه يؤثرها على غيرها ولا يرضى عنها بديلا.
وبالطبع فان هذه الأهداف الخاصة بالإخراج الصحفي لا تتحقق إلا بناء على دراسة عقلية القارئ ونفسيته وسلوكه البصري أثناء القراءة، إلى جانب معرفة أوقات القراءة المفضلة وكثرتها أو قلتها، لدى الجمهور، لتحديد شكل الموضوعات من حيث الطول و القصر، أي من حيث الحجم.
وفي ذلك يذكر الدكتور إبراهيم إمام أيضا أن الصحف قد درجت على سبر غور الرأي العام، وقياسه ومعرفة اتجاهاته، نحو الموضوعات المختلفة التي تنشر، ويذكر أنه لابد من تكرار عملية قياس الرأي العام واتجاهاته لتعديل السياسة الإخراجية، بناء عليها، ذلك أن أذواق القراءة تختلف وفقا لأعمارهم وفئاتهم وثقافتهم، فصحف الكبار تختلف عن الصحف الموجهة للأطفال، وصحيفة الطبقة العاملة، تختلف عن صحيفة الفلاحين، وتلك تختلف عن صحيفة الأطباء أو القضاة أو المثقفين، فقد تستخدم الرسوم الإيضاحية والرسوم و النماذج في صحيفة العمال أو الفلاحين، ولكن يمكن الإقلال من هذه العناصر في صحف المثقفين.
كذلك فان على المخرج الصحفي دراسة ومعرفة عادات الناس القرائية، ودراسة الألوان وتأثيرها النفسي، والارتباطات النفسية الخاصة بها، كما يجب أن يهتم بعلاقات كل هذه الأشياء بالنواحي الفسيولوجية لدى القراء.
من هذا يتضح لنا أن الرأي العام يلعب دوراً في تحديد شكل الرسالة الإعلامية، سواء في الإعلام الشفوي أو الإعلام الجماهيري، كما يؤثر الرأي العام في اختيار وسائل الإعلام وتحديد الوسيلة التي تناسب الرسالة المعينة، لإمكان إحداث التأثير المطلوب، وهكذا تتضح أهمية وسائل الإعلام في تشكيل الرأي العام وتكوينه في إطار هذه العلاقة.المصادر والمراجع
1- د. حسين عبد الحميد أحمد رشوان: العلاقات العامة والإعلام من منظور علم الاجتماع، الإسكندرية( مصر)، المكتب الجامعي الديث، 1993
2- د. إبراهيم إمام: العلاقات العامة والمجتمع، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية،1976
3- د. حسن محمد خير الدين: العلاقات العامة- المبادئ والتطبيق، القاهرة، مكتبة عين شمس،1973
4- د. محمد عبد الله عبد الرحيم:العلاقات العامة،القاهرة،دار التأليف،1982
5- د. حميدة سميسم: نظرية الرأي العام، بغداد، دار الشؤون الثقافية،1991
6- د. عبد الوهاب كحيل: القاهرة، مكتبة المدينة،
موفق بإذن الله … لك مني أجمل تحية .
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .