ظاهرة فيزيائية تثير حاسة السمع، ويختلف معدل السمع بين الكائنات الحية المختلفة. فيقع السمع عند الآدميين عندما تصل ذبذبات ذات تردد يقع بين (15) و(20.000) هيرتز إلى الأذن الداخلية. وتصل هذه الذبذبات إلى الأذن الداخلية عندما تنتقل عبر الهواء. ويطلق علماء الفيزياء مصطلح الصوت على الذبذبات المماثلة التي تحدث في السوائل والمواد الصلبة. أما الأصوات التي يزيد ترددها على (20.000) هيرتز فتعرف بالموجات فوق الصوتية.
وينتقل الصوت طوليا أو عرضيا. وفي كلتا الحالتين، تنتقل الطاقة الموجودة في حركة موجة الصوت عبر الوسيط الناقل بينما لا يتحرك أي جزء من هذا الوسيط الناقل نفسه. ومثال على ذلك، إذا ربط حبل بسارية من أحد طرفيه ثم جذب الطرف الثاني بحيث يكون مشدودا ثم هزه مرة واحدة، عندئذ سوف تنتقل موجة من الحبل إلى السارية ثم تنعكس وترجع إلى اليد. ولا يتحرك أي جزء من الحبل طوليا باتجاه السارية وإنما يتحرك كل جزء تال من الحبل عرضيا.
ويسمى هذا النوع من حركة الأمواج “الموجة العرضية”. وعلى نفس النحو، إذا ألقيت صخرة في بركة مياه، فسوف تتحرك سلسلة من الموجات العرضية من نقطة التأثر. وإذا كان هنالك سدادة من الفلين طافية بالقرب من نقطة التأثر، فإنها سوف تطفو وتنغمس مما يعني أنها سوف تتحرك عرضيا باتجاه حركة الموجة ولكنها ستتحرك طوليا حركة بسيطة جدا.
ومن ناحية أخرى، فإن الموجة الصوتية هي موجة طولية. وحيث أن طاقة حركة الموجة تنتشر للخارج من مركز الاضطراب، فإن جزيئات الهواء المفردة التي تحمل الصوت تتحرك جيئة وذهابا بنفس اتجاه حركة الموجة. ومن ثم، فإن الموجة الصوتية هي عبارة عن سلسلة من الضغوط والخلخلات المتناوبة في الهواء، حيث يمرر كل جزيء مفرد الطاقة للجزيئات المجاورة، ولكن بعد مرور الموجة الصوتية، يظل كل جزيء في نفس موقعه.
ويمكن وصف أي صوت بسيط وصفا كاملا عن طريق تحديد ثلاث خصائص: درجة الصوت وارتفاع الصوت (أو كثافته) وجودة الصوت. وتتوافق هذه الخصائص تماما مع ثلاث خصائص فيزيائية: التردد والسعة ونمط الموجة. أما الضوضاء فهي عبارة عن صوت معقد أو خليط من العديد من الترددات المختلفة لا يوجد تناغم صوتي بينها.
نبذة تاريخية :-
لم تكن هناك معلومات واضحة عن تعريف الصوت في التراث القديم. وكان المعماري الروماني ماركوس بوليو الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد قد توصل إلى بعض الملاحظات الهامة عن هذا الموضوع وبعض التخمينات الذكية حول الصدى والتشوش. ويمكن القول أن أول محاولة علمية لوصف الصوت تمت في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي على يد علماء اللغة المسلمين. فقد وصف الصوتيون المسلمون جهاز النطق عند الإنسان وأسموه (آلة النطق) وبحثوا في العمليات الفسيولوجية والميكانيكية التي تتم عند نطق الأصوات. أما من ناحية العمليات الفسيولوجية والميكانيكية، فقد تحدثوا عن خروج الهواء من الرئتين مارا بالحنجرة والفم والأنف ووصفوا حركة اللسان والفك والشفتين فقال ابن جني: “اعلم أن الصوت عرض يخرج مع النفس مستطيلا متصلا حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنية عن امتداده واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له حرفا وتختلف أجراس الحروف بحسب اختلاف مقاطعها”.
وفي القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي ورد أول تعريف علمي للصوت فيقول إخوان الصفا في رسائلهم : “إن كل جسمين تصادما برفق ولين لا تسمع لهما صوتا، لأن الهواء ينسل من بينهما قليلا قليلا، فلا يحدث صوت، وإنما يحدث الصوت من تصادم الأجسام، متى كانت صدمها بشدة وسرعة، لأن الهواء عند ذلك يندفع مفاجأة، ويتموج بحركته إلى الجهات الست بسرعة، فيحدث الصوت، ويسمع”.
وقد عزا ابن سينا في كتابه الشفاء حدوث الصوت إلى اهتزاز الهواء، وهذا يحدث عند ضرب الأجسام بعضها بعضا وهذا ما أسماه بالقرع أو عند انتزاع جسم من جسم آخر، وهذا ما سماه بالقلع، وفي كلتا الحالتين يحدث الصوت عن اهتزاز الهواء ففي حالة القرع ينضغط الهواء، فيطرد في كل الاتجاهات، وفي حالة القلع يحدث فراغ في مكان الجسم المنتزع، فيأتي الهواء بسرعة ليحل محله.
ويقسم إخوان الصفا الأصوات إلى أنواع شتى بحسب الدلالة والكيفية والكمية. فأما ما هو بحسب الدلالة، فيقسمونها إلى قسمين: مفهومة وغير مفهومة. “فالمفهومة هي الأصوات الحيوانية، وغير المفهومة أصوات سائر الأجسام مثل الحجر والمدر وسائر المعدنيات. والحيوانات أيضا على ضربين: منطقية وغير منطقية. فغير المنطقية هي أصوات الحيوانات غير الناطقة، وهي نغمات تسمى أصواتا ولا تسمى منطقا لأن النطق لا يكون إلا في صوت يخرج من مخرج يمكن تقطيعه بالحروف التي إذا خرجت عن صفة الحروف، أمكن اللسان الصحيح نظمها وترتيبها ووزنها، فتخرج مفهومة باللغة المتعارفة بين أهلها، فيكون بذلك النطق الأمر والنهي والأخذ والإعطاء والبيع والشراء والتوكيل وما شاكل ذلك من الأمور المخصوصة بالإنسان دون الحيوان. فهذا فرق ما بين الصوت والنطق.
وفي موضع آخر ذكروا: “اعلم يا أخي أن الأصوات نوعان: حيوانية وغير حيوانية؛ وغير الحيوانية أيضا نوعان: طبيعية وآلية. فالطبيعية هي كصوت الحجر والحديد والخشب والرعد والريح وسائر الأجسام التي لا روح فيها من الجمادات، والألية كصوت الطبل والبوق والزمر والأوتار وما شاكلها”.
فأما مخارجها من سائر الحيوان فإنها من الرئة إلى الصدر، ثم إلى الحلق، ثم إلى الفم يخرج من الفم شكل على قدر عظم الحيوان وقوة رئته وسعة شدقه، وكلما اتسع الحلقوم وانفرج الفكان وعظمت الرئة، زاد صوت ذلك الحيوان على قدر قوته وضعفه. وأما الأصوات الحادثة من الحيوان الذي لا رئة له مثل الزنانير والجنادب والصرصر والجدجد وما أشبه ذلك من الحيوانات، فإنه يستقبل الهواء ناشرا جناحيه، فاتحا فاه، ويصدم الهواء، فيحدث منه طنين ورنين يشبه صوتا. وأما الحيوان الأخرس كالحيات والديدان وما يجري هذا المجرى، فإنه لا رئة له، وما لا رئة له لا صوت له”.
وأما الحيوان الإنسي فأصواته على نوعين: دالة وغير دالة. فأما غير الدالة فهي صوت لا هجاء له ولا يتقطع بحروف متميزة يفهم منها شيء مثل البكاء والضحك والسعال والأنين وما أشبه ذلك. وأما الدالة فهي كالكلام والأقاويل التي لها هجاء في أي لغة كانت وبأي لفظ قيلت”.
أما من جهة الكيفية فيقسم إخوان الصفا الأصوات إلى ثمانية أنواع، كل نوعين منها متقابلان من جنس المضاف وهم “العظيم والصغير والسريع والبطيء والحاد والغليظ والجهير والخفيف. فأما العظيم والصغير من الأصوات فبإضافة بعضها إلى بعض، والمثال في ذلك أصوات الطبول، وذلك أن أصوات طبول المواكب، إذا أضيفت إلى أصوات طبول المخانيث، كانت عظيمة، وإذا أضيفت إلى أصوات الرعد والصواعق كانت صغيرة. والكوس هو الطبل العظيم يضرب في ثغور خراسان عند النفير يسمع صوته من فراسخ. فعلى هذا المثال يعتبر عظم الأصوات وصغرها بإضافة بعضها إلى بعض. وأما السريع والبطيء من الأصوات بإضافة بعضها إلى غيرها، والمثال في ذلك أصوات كوذينات القصارين ومطارق الحدادين فإنها سريعة بالإضافة إليها، وأما بالإضافة إلى أصوات مجاديف الملاحين فهي سريعة بالإضافة إلى دق الرزازين والجصاصين، وهي بطيئة بالإضافة إليها، وأما بالإضافة إلى أصوات مجاديف الملاحين فهي سريعة. وعلى هذا المثال تعتبر سرعة الأصوات وبطؤها بإضافة بعضها إلى بعض، وأما الحاد والغليظ من الأصوات بإضافة بعضها إلى بعض فهي كأصوات نقرات الزير وحدته، بالإضافة إلى نقرات المثنى، والمثنى إلى المثلث، والمثلث إلى البم ، فإنها تكون حادة. فأما بالعكس فإن صوت البم بالإضافة إلى المثلث، والمثلث إلى المثنى، والمثنى إلى الزير فغليظة. ومن وجه آخر أيضا فإن صوت كل وتر مطلقا غليظ بالإضافة إلى مزمومه أي مزموم كان. فعلى هذا القياس تعتبر حدة الأصوات وغلظها بإضافة بعضها إلى بعض.”
ويقسم إخوان الصفا الأصوات من جهة الكمية إلى نوعين، متصلة وغير متصلة. “فالمنفصلة هي التي بين أزمان حركة نقراتها زمان سكون محسوس، مثل نقرات الأوتار وإيقاعات القضبان. وأما المتصلة من الأصوات فهي مثل أصوات النايات والدبادب والدواليب و النواعير وما شاكلها. والأصوات المتصلة تنقسم نوعين: حادة وغليظة، فما كان من النايات والمزامير أوسع تجويفا وثقبا، كان صوته أغلظ؛ وما كان أضيق تجويفا وثقبا، كان صوته أحد. ومن جهة أخرى أيضا ما كان من الثقب إلى موضع النفخ أقرب، كانت نغمته أحد، وما كان أبعد، كان أغلظ.”