التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الأحزاب السياسية

الأحزاب السياسية
(نشأتها-مهامها-تصنيفها-وظائفها
)

كأي مفهوم من مفاهيم العلوم الاجتماعية ، تتعدد التعريفات المختلفة للأحزاب السياسية ، على أنه ومن واقع النظر لهذه التعريفات ، يمكن الإشارة إلى أن الحزب السياسي هو : ” اتحاد بين مجموعة من الأفراد ، بغرض العمل معاً لتحقيق مصلحة عامة معينة ، وفقاً لمبادئ خاصة متفقين عليها . وللحزب هيكل تنظيمي يجمع قادته وأعضاءه ، وله جهاز إداري معاون، ويسعى الحزب إلى توسيع دائرة أنصاره بين أفراد الشعب .
وتعد الأحزاب السياسية إحدى أدوات التنمية السياسية في العصر الحديث . فكما تعبر سياسة التصنيع عن مضمون التنمية الاقتصادية ، تعبر الأحزاب والنظام الحزبي عن درجة التنمية السياسية في النظام السياسي .
وقد حافظت الأحزاب السياسية على أهميتها بالرغم من تطور مؤسسات المجتمع المدني ، التي اكتسب بعضها مركزاً مرموقاً على الصعيد الخارجي من خلال التحالفات عابرة القومية ، ولكن تلك المؤسسات لم تستطع أن تؤدي وظيفة الأحزاب في عملية التداول السلمي للسلطة ، إضافة إلى وظائفها الأخرى في المجتمع .

أولاً
نشأة الأحزاب السياسية
يرى الكثير من الباحثين أن تعبير الأحزاب السياسية لا يطعن على أي تنظيم سياسي يدعي ذلك ؛ بل وضع بعضهم شروطاً أساسية لها مثل عالم السياسة الشهير “صمويل هنتنجتون” . ودون الخوض في التفاصيل ، فقد وضع “هنتنجتون” أربعة شروط في هذا الشأن هي ، التكيف ، والاستقلال ، والتماسك ، والتشعب التنظيمي .
لكن على الرغم من ذلك ، فإن الأحزاب السياسية التي ينطبق عليها مثل هذه الشروط لم تنشأ نشأة واحدة ، بل نشأت بأشكال ولأسباب مختلفة ، أهمها خمسة : –
1- ارتباط ظهور الأحزاب السياسية بالبرلمانات ، ووظائفها في النظم السياسية المختلفة . إذ أنه مع وجود البرلمانات ظهرت الكتل النيابية ، التي كانت النواة لبزوغ الأحزاب ، حيث أصبح هناك تعاون بين أعضاء البرلمانات المتشابهين في الأفكار والإيديولوجيات أو المصالح ، ومع مرور الوقت تلمس هؤلاء حتمية العمل المشترك . وقد ازداد هذا الإدراك مع تعاظم دور البرلمانات في النظم السياسية ، إلى الحد الذي بدأ نشاط تلك الكتل البرلمانية يظهر خارج البرلمانات من أجل التأثير في الرأي العام ، كما حدث في العديد من الأحزاب الأوروبية ، وفي العالم النامي توجد حالة حزب الحرية والائتلاف العثماني الذي كان في الأصل مجرد كتلة للنواب العرب في البرلمان التركي عام 1911.
2- ارتباط ظهور الأحزاب السياسية بالتجارب الانتخابية في العديد من بلدان العالم ، وهي التجارب التي بدأت مع سيادة مبدأ الاقتراع العام ، عوضاً عن مقاعد الوراثة ومقاعد النبلاء . حيث ظهرت الكتل التصويتية مع ظهور اللجان الانتخابية ، التي تشكل في كل منطقة من المناطق الانتخابية بغرض الدعاية للمرشحين الذين أصبحوا آلياً يتعاونون لمجرد الاتحاد في الفكر والهدف . وقد اختفت تلك الكتل –بداية- مع انتهاء الانتخابات ، لكنها سرعان ما استمرت بعد الانتخابات وأسفرت عن أحزاب سياسية تتألف من مجموعات من الأشخاص متحدي الفكر والرأي . أي أن بداية التواجد هنا كان خارج البرلمان ، ثم أصبح الحزب يتواجد داخله . وكانت تلك الأحزاب قد سعت إلى تكوين هياكل تنظيمية دائمة لكسب الأعضاء ، ومراقبة عمل البرلمان والسلطة التنفيذية .

3 – ظهور منظمات الشباب والجمعيات الفكرية والهيئات الدينية والنقابات، وقد سعى بعض هذه المؤسسات لتنظيم نفسها بشكل أكبر من كونها جماعات مصالح تحقق الخدمة لأعضائها . ولعل أبرز الأمثلة على ذلك حزب العمال البريطاني ، الذي نشأ بداية في كنف نقابات العمال بالتعاون مع الجمعية الفابية الفكرية . وكذلك الحال بالنسبة لأحزاب الفلاحين وخاصة في بعض الدول الاسكندنافية ، حيث كان أصل نشأتها الجمعيات الفلاحية . إضافة إلى ذلك فقد كان أساس نشأة بعض الأحزاب المسيحية في أوروبا هو الجمعيات المسيحية . أما في أمريكا اللاتينية ، فإنه لا يوجد أي أساس للنشأة البرلمانية للأحزاب السياسية . ولذلك فإن البحث في أصول الأحزاب هناك يركز على التحليل الاجتماعي والاقتصادي لأوضاع هذه البلدان بعد جلاء الاستعمار ، وبما يعكس مصالح كبار الملاك والعسكريين والكنيسة ، وكانت تلك هي اللبنة الأولى لظهور الرعيل الأول من الأحزاب السياسية هناك .
4 – ارتباط نشأة الأحزاب السياسية (في بعض الأحيان وليس دائماً) بوجود أزمات التنمية السياسية . فأزمات مثل الشرعية والمشاركة والاندماج أدت إلى نشأة العديد من الأحزاب السياسية . ومن الأحزاب التي نشأت بموجب أزمة الشرعية ، وما تبعها من أزمة مشاركة ، الأحزاب السياسية الفرنسية التي نشأت إبان الحكم الملكي في أواخر القرن الـ18 ، وخلال الحكم الاستعماري الفرنسي في خمسينات القرن الماضي . وبالنسبة لأزمة التكامل ، فقد أفرخت في كثير من الأحيان أحزاباً قومية ، وفي هذا الصدد يشار على سبيل المثال إلى بعض الأحزاب الألمانية والإيطالية ، إضافة لبعض الأحزاب العربية التي جعلت من الوحدة العربية والفكرة القومية هدفاً لها .
5- ظهور الأحزاب السياسية كنتيجة لقيام بعض الجماعات لتنظيم نفسها لمواجهة الاستعمار والتحرر من نير الاحتلال الأجنبي ، وهو الأمر الذي يمكن تلمسه على وجه الخصوص في الجيل الأول من الأحزاب السياسية التي ظهرت في بعض بلدان العالم العربي وأفريقيا .
على هذا الأساس ، بدأت نشأة الأحزاب السياسية بشكل أولي منذ نحو قرنين من الزمان ، ولكنها لم تتطور وتلعب دوراً مهما إلا منذ حوالي قرن. وقد تباينت أسباب ودواعي النشأة . لكن الأحزاب بشكل عام كانت إحدى أهم آليات المشاركة السياسية ، ومن أهم أدوات التنشئة السياسية في المجتمعات، بالرغم مما قيل عنها في بداية النشأة من أنها ستكون أداة للانقسام وللفساد السياسي ، وأنها ستفتح الباب عملياً أمام التدخل الأجنبي ، وستكون مصدراً لعدم الاستقرار السياسي وانعدام الكفاءة الإدارية ، وذلك كله على حد تعبير جورج واشنطون مؤسس الولايات المتحدة الأمريكية .

ثانياً
مهام الحزب السياسي

تقوم الأحزاب السياسية بعدة مهام رئيسية في الحياة العامة ، وهي مهام تختلف حسب النظام الحزبي القائم ، لكن أهمها على وجه العموم هي : –

1- تنظيم إرادة قطاعات من الشعب وبلورتها .

2 – توفير قنوات للمشاركة الشعبية والصعود بمستوى هذه المشاركة إلى درجة من الرقي والتنظيم الفاعل ، بشكل يسهل للأفراد طرح أفكار واختيار البدائل للتفاعل السياسي . وبمعنى آخر ، أن مهمة الأحزاب هي سد الفراغ الناشب عن إحساس الهيئة الناخبة بالحاجة للاتصال مع الهيئة الحاكمة .

3 – الحصول على تأييد الجماعات والأفراد ، بغية تسهيل الهدف المركزي من وجود الحزب وهو الوصول إلى السلطة والاستيلاء على الحكم بالوسائل السلمية . وفي هذا الشأن تقوم الأحزاب باختيار مرشحين لها في الانتخابات لتمثيلها وتحقيق مبادئ محددة (هي مبادئ الحزب) ، وإدارة كيفية الرقابة على الحكومة ، وتشريع ما تريده من قوانين ، لأن الأفراد لا يستطيعون بمفردهم القيام بهذا العمل ، لا عن عجز ولكن لعدم توافر التنظيم و المعلومات اللازمة للقيام بذلك .

ثالثاً
تصنيف الأحزاب والنظم الحزبيةهناك فارق كبير وجوهري بين أنواع الأحزاب وتصنيف النظم الحزبية . فالأول تصنيف للحزب نفسه من الداخل . أما تصنيف النظم الحزبية ، فهو أمر يهدف إلى وصف شكل النظام الحزبي القائم في الدولة .

1 – أنواع الأحزاب
هناك ثلاثة أنواع من الأحزاب ، أحزاب إيديولوجية ، وأحزاب برجماتية ، وأحزاب أشخاص .

(أ) الأحزاب الإيديولوجية أو أحزاب البرامج : وهي الأحزاب التي تتمسك بمبادئ أو إيديولوجيات وأفكار محددة ومميزة . ويعد التمسك بها وما ينتج عنها من برامج أهم شروط عضوية الحزب . ومن أمثلة أحزاب البرامج الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والشيوعية .ولكن منذ منتصف القرن الماضي ، بدأ كثير من الأحزاب غي الأيديولوجية يصدر برامج تعبر عن مواقف. فأصبح هناك أحزاب برامج أيديولوجية وأحزاب برامج سياسات عامة . وهذه الأخيرة هي الأحزاب السياسية البرجماتية .

(ب) الأحزاب البرجماتية : يتسم هذا النوع من الأحزاب بوجود تنظيم حزبي له برنامج يتصف بالمرونة مع متغيرات الواقع . بمعنى إمكانية تغيير هذا البرنامج أو تغيير الخط العام للحزب وفقاً لتطور الظروف .

(ج) أحزاب الأشخاص : هي من مسماها ترتبط بشخص أو زعيم. فالزعيم هو الذي ينشئ الحزب ويقوده ويحدد مساره ويغير هذا المسار، دون خشية من نقص ولاء بعض الأعضاء له . وهذا الانتماء للزعيم مرده لقدرته الكاريزمية أو الطابع القبلي أو الطبقي الذي يمثله الزعيم. وتظهر تلك الأحزاب في بعض بلدان الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية ، حيث انتشار البيئة القبلية ، وتدني مستوى التعليم .

2 – تصنيف النظم الحزبية
تختلف النظم الحزبية باختلاف شكل النظام السياسي ، والمعروف أن هناك ثلاثة أشكال رئيسية من النظم السياسية ، هي النظام الديمقراطي ، والنظام الشمولي ، والنظام التسلطي. وهناك عدة تصنيفات للنظم الحزبية، لكن أكثرها شيوعاً هي النظم الحزبية التنافسية والنظم الحزبية اللاتنافسية.

أ – النظم الحزبية التنافسية
تشتمل النظم الحزبية التنافسية على ثلاثة أنواع هي نظم التعددية الحزبية ، ونظام الحزبين ، ونظام الحزب المهيمن : –

(أولاً) نظام التعدد الحزبي : ويتسم هذا النظام بوجود عدة أحزاب متفاوتة في تأثيرها ، مما يؤدي إلى استقطاب حزبي ينعكس على الرأي العام (حالة إيطاليا- إسرائيل – ألمانيا – بلجيكا – هولندا – النرويج – الدانمرك ) .

(ثانياً) نظام الحزبين الكبيرين : تبرز الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا كنموذجين بارزين ضمن هذا التصنيف . وفي هذا النظام يوجد عدد كبير من الأحزاب ، لكن به حزبان كبيران يتبادلان موقع السلطة في النظام السياسي ، ويوجد قدر كبير من التنافس بين الحزبين للحصول على الأغلبية .

(ثالثاً) نظام الحزب المهيمن : وفي هذا النظام توجد أحزاب سياسية كثيرة، وهي أحزاب منافسه للحزب الغالب أو المهيمن أو المسيطر ، لكن منافستها له هي منافسة نظرية . ويعتبر هذا النموذج من النماذج الأساسية للأحزاب السياسية في النظم التعددية في البلدان النامية ، وإن ظهر في دول ديمقراطية –بغض النظر عن درجة نموها الاقتصادي- مثل اليابان والهند عقب الحرب العالمية الثانية وفي سبعينات القرن الماضي.

ولعل الإشكالية الرئيسية التي تقابل أي قائم بدراسة حزب من أحزاب الحكم في نظام الحزب المهيمن ، هي كيفية دراسة حزب الدولة المندمج وظيفياً وإيديولوجياً ونخبوياً فيها ، دون الانزلاق لدراسة الدولة ، أو دراسة الحكومة .

ب – النظم الحزبية اللا تنافسية
يتصف النظام الحزبي باللاتنافسية مع انتفاء أي منافسة ولو نظرية بين أحزاب سياسية ، إما لوجود حزب واحد ، أو لوجود حزب واحد إلى جانب أحزاب شكلية تخضع لقيادته في إطار ” جبهة وطنية ” ليس مسموحا لأي منها بالاستبدال عنها . وقد اكتسب تصنيف الحزب الواحد أهميته منذ الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 ، حيث أقامت تلك الثورة حزباً ملهماً للعمال ليس فقط في الاتحاد السوفيتي بل في كل ربوع أوروبا الشرقية فيما بعد . ورغم أن هذا المفهوم سار في تلك البلدان في مواجهة الأحزاب الرأسمالية ، إلا أنه ظهر في بلدان العالم الثالث كمفهوم موحد لفئات المجتمع المختلفة ، وبهدف الحد من الصراع الاجتماعي . وقد أصبح الحزب الواحد هو الظاهرة الكاسحة للنظم الحزبية التي نشأت في أفريقيا عقب استقلال دولها ، كحزب قائم بغرض الدمج الجماهيري . وعلى هذا الأساس يصنف البعض نظام الحزب الواحد إلى الحزب الواحد الشمولي ، الذي غالباً ما يكون إيديولوجياً (شيوعي أو فاشي مثلاً) ، والحزب الواحد المتسلط الذي لا يدلهم عن أيديولوجية شاملة .

رابعاً
وظائف الأحزاب
من أسس تقييم الحزب السياسي ، مدى قيامه بتحقيق الوظائف العامة المنوطة بالأحزاب ، والمتعارف عليها في أدبيات النظم السياسية . وهي تتضمن سواء كان حزباً في السلطة أو المعارضة ، خمس وظائف أساسية هي التعبئة ، ودعم الشرعية ، والتجنيد السياسي ، والتنمية ، والاندماج القومي . والمعروف أن تلك الوظائف يقوم بها الحزب في ظل البيئة التي ينشأ فيها والتي يعبر من خلالها عن جملة من المصالح في المجتمع ، وهو في هذا الشأن يسعى إلى تمثيل تلك المصالح في البيئة الخارجية ، الأمر الذي يعرف في أدبيات النظم السياسية بتجميع المصالح والتعبير عن المصالح .

1- وظيفة التعبئة
تعني التعبئة حشد الدعم والتأييد لسياسات النظام السياسي ، من قبل المواطنين . وتعتبر وظيفة التعبئة بطبيعتها ، وظيفة أحادية الاتجاه ، بمعنى أنها تتم من قبل النظام السياسي للمواطنين ، وليس العكس . وتلعب الأحزاب دور الوسيط .
وبالرغم من أن البعض يربط بين وظيفة التعبئة وشكل النظام السياسي ، من حيث كونه ديمقراطيا أو شموليا أو سلطويا ، إلا أن الاتجاه العام هو قيام النظم السياسية الديمقراطية أيضاً بأداء تلك الوظيفة . غاية ما هنالك ، أن النظم السياسية في الدول النامية ، تتطلع وهي في مرحلة التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، إلى قيام الأحزاب بلعب دور فاعل لحشد التأييد لسياستيها الداخلية والخارجية .
وتختلف طبيعة وظيفة التعبئة التي تقوم بها الأحزاب من نظام سياسي لآخر في النظم التعددية المقيدة ، كما أنها تختلف داخل نفس النظام السياسي المقيد وفقا لطبيعة المرحلة التي يمر بها ، متأثرا دون شك بالبيئة الداخلية والخارجية المحيطة به . والنظم السياسية تسعى دائما لتجديد سياساتها ، نتيجة لطبائع الأمور التي تتسم بالتبدل المستمر للأفكار والإيديولوجيات . وهذا التغير بشكل عام ، وأيا كان سببه ، يحمل قيما ومبادئ ، تسعى النظم السياسية القائمة إلى ترسيخها ، عبر تبادل الحوار الديمقراطي المفتوح بين الحكومة والمواطنين إذا كانت نظماً ديمقراطية ، وتسعى لإيصالها عبر وسائل غرس القيم السياسية في النظم السياسية الشمولية والسلطوية، فيما يعرف بعملية التثقيف السياسي . وفي جميع الأحوال ، تلعب الأحزاب دورا مهماً في أداء هذا الوظيفة .
2 – وظيفة دعم الشرعية
تعرف الشرعية بأنها ، مدى تقبل غالبية أفراد المجتمع للنظام السياسي ، وخضوعهم له طواعية ، لاعتقادهم بأنه يسعى إلى تحقيق أهداف الجماعة . ويعتبر الإنجاز والفاعلية والدين والكارزما والتقاليد والإيديولوجية ، ضمن المصادر الرئيسية للشرعية في النظم السياسية المختلفة . على أن الديمقراطية تعد المصدر الأقوى للشرعية في النظم السياسية في عالم اليوم . وهناك العديد من الوسائل التي تهدف إلى دعم الشرعية . وتلعب الأحزاب وغيرها من المؤسسات دورا بارزا في هذا المضمار . وتتميز الأحزاب عن تلك الوسائل ، بأنها ليست فقط من وسائل دعم الشرعية ، بل أنها في النظم السياسية المقيدة تسعى إلى أن يكون تطور أحوالها وأوضاعها وإيديولوجياتها هي نفسها مصدرا للشرعية .
والحديث عن علاقة الأحزاب بالشرعية الديمقراطية ، يفترض أن الأحزاب تتضمن هياكل منتخبة من بين كل أعضائها ، وتستمد الأحزاب الحاكمة شرعيتها من تلك الانتخابات ومن تداول السلطة داخلها ، ربما قبل الانتخابات العامة التي تأتي بها إلى السلطة ، إضافة إلى تطلعها باستمرار إلى التنظيم الجيد ، ووجود دورة للمعلومات داخلها .
ولكن هذا لا يحدث في كل الأحزاب ، وهو مفقود في الأحزاب الصحيحة كما سيتضح في قسم آخر .
3 – وظيفة التجنيد السياسي
يعرف التجنيد السياسي بأنه عملية إسناد الأدوار السياسية لأفراد جدد . وتختلف النظم السياسية في وسائل التجنيد السياسي للنخبة ، فالنظم التقليدية والأوتوقراطية يعتمد التجنيد بها بشكل عام على معيار المحسوبية أو الوراثة ..الخ . أما في النظم التعددية المقيدة ، فإنها تسعى – دون أن تنجح في كثير من الأحيان- لأن تكون أداء تلك الوظيفة بها يماثل أدائها في النظم الأكثر رقيا وتقدما ، فيكون هناك ميكانزمات محددة للتجنيد . ويفترض أن تكون الأحزاب في هذه النظم أحد وسائل التجنيد السياسي، وهي تؤدي تلك الوظيفة ليس فقط بالنسبة إلى أعضائها بل وأيضا بالنسبة إلى العامة . فمن خلال المناقشات الحزبية ، والانتخابات داخل هياكل وأبنية الأحزاب، والتدريب على ممارسة التفاعل الداخلي ، وبين الأحزاب بعضها البعض ، والانغماس في اللجان والمؤتمرات الحزبية ، تتم المساهمة في توزيع الأدوار القيادية على الأعضاء ، ومن ثم تتم عملية التجنيد بشكل غير مباشر .
ويتسم أداء الأحزاب في النظم التعددية المقيدة لوظيفة التجنيد السياسي ببعض القيود ، إذ أن أعضاء الأحزاب لم يكن قد خرجوا بعد من الميراث الثقافي السلطوي ، الذي خلفته تجربة التنظيم الواحد ، والذي كان الحزب فيه مجرد أداه للتعبئة لكسب الشرعية للنظام السياسي .
4 – الوظيفة التنموية
تتمثل تلك الوظيفة في قيام الأحزاب بإنعاش الحياة السياسية في المجتمع ، الأمر الذي يدعم العملية الديمقراطية ، والاتجاه نحو الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في النظم السياسية المقيدة .
وقد طرحت العديد من الأدبيات المتخصصة في دراسة الأحزاب السياسية، مسألة وجود الأحزاب ، وكيف أنها تلعب دوراً فاعلاً في عملية التداول السلمي للسلطة من خلال الانتخابات ، وكذلك دورها في إنعاش مؤسسات المجتمع المدني ممثلاً في مؤسسات عديدة كالنقابات المهنية والعمالية ، وتقديم الخدمات بشكل مباشر للمواطنين من خلال المساهمة في حل مشكلاتهم . ناهيك عن قيام الأحزاب بلعب دور مؤثر في التفاعل السياسي داخل البرلمانات ، خاصة في عمليتي التشريع والرقابة .
5 – وظيفة الاندماج القومي
تنطوي هذه الوظيفة على أهمية خاصة في البلدان النامية ، حيث تبرز المشكلات القومية والعرقية والدينية والنوعية وغيرها في تلك البلدان ، في ظل ميراث قوى من انتهاكات حقوق الإنسان .



التصنيفات
التربية المدنية السنة الرابعة متوسط

الدرس 14 الأحزاب السياسية

تعريف الحزب :هو جماعة منظمة يشترك أفرادها في المبادئ والمصالح تسعى
للوصول إلى السلطة بأساليب ديمقراطية سلمية لتحقيق مبادئها الحزبية
شروط تأسيس الأحزاب السياسية : * إيداع ملف تأسيس الحزب لدى وزير الداخلية .* توفر الشروط التالية في كل عضو من الأعضاء المؤسسين :
(الجنسية الجزائرية – العمر 25 سنة فما فوق – التمتع بالحقوق المدنية – أن لا يكون قد سلك سلوكا معاديا للثورة ).
*احترام الدستور و القوانين المعمول بها .*عقد مؤتمر تأسيسي للحزب في أجل أقصاه سنة .*وضع القانون الأساسي للحزب .
*تحديد اسم الحزب و عنوان مقره .*وضع البرنامج السياسي للحزب .*استعمال اللغة الوطنية و الرسمية في ممارسة نشاطه الرسمي .
أهداف الحزب: * الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها * تعبئة أعضاء الحزب لتحقيق أهدافه * العمل على كسب ثقة اكبر عدد ممكن من المواطنين
* الترشح للانتخابات المختلفة * تجسيد مبدأ الديمقراطية * الدفاع عن الحرية * توجيه وتوعية المواطنين
دور الحزب:ا)عندما يكون في السلطة: * تحقيق مصالح الجماهير التي وعدهم بها
ب)عندما يكون في المعارضة:الرقابة على الحكومة وكشف أخطائها وانتقادها
ومسائلتها * تشجيع المواطنين على الممارسة السياسية وكسب أنصار جدد
أهمية الحزب * تكوين رأي عام مؤثر * تهيئة وتثقيف المواطن * تحديد المشاكل
القائمة ووضع الحلول لها * الإقلال من الاضطرابات الاجتماعية
– اختيار المرشحين وإعدادهم * تحول دون حكم الأقلية وتمنع الاستبداد
ا

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

المشاكل السياسية


المشاكل السياسية

تعليم_الجزائر

الحروب الأهلية:

تعيش العديد من البلدان الأفريقية حروبا أهلية أنهكت شعوبها فقتلت الآلاف وهجرت ما يزيد عن 9.5 مليون لاجئ الأمر الذي يجعل من هذه الحروب واحدة من أكبر تحديات القارة

”أنهكت الحروب الداخلية أفريقيا قتلاً وتهجيراً وجوعاً، وتعددت أسبابها ما بين أيدلوجية كما هو الحال في الجزائر بين الإسلاميين والسلطة والذي بلغت فيها المجازر حداً مرعباً ، وقبلية كما وقع في رواندا وبورندي بين الهوتو والتوتسي عام 1994.
وأحيانا ترتدي هذه الحروب زيا دينيا كما في نيجيريا، أو تختفي وراء تجار الماس والسلاح والبترول كما هو الحال مثلا في أنغولا، التي تشهد حرباً دامية منذ عام 1975 راح ضحيتها أكثر من مليون أنغولي.
وغير بعيد عن هؤلاء ما يشهده الساحل الغربي للقارة وتحديدا في سيراليون وليبيريا وغينيا وهو ما يطلق عليه مثلث الرعب.
هذه الحروب المتعددة ساهمت في زيادة تجزئة القارة أكثر مما هي عليه. ولعل المثال الصارخ على ذلك ما تشهده منطقة القرن الأفريقي ولا سيما في الصومال حيث حصدت الحرب الأهلية التي استمرت قرابة عقد من الزمن وما تزال إلى الآن رغم انخفاض حدتها مؤخرا أكثر من نصف مليون صومالي وقسمت البلاد وجعلت من هذا البلد الأفريقي الهام نموذجا لآثار الحرب الأهلية على الاستقرار السياسي ووحدة التراب الوطني.
أما في السودان فإن محاولات المتمردين في الجنوب كلف البلاد أكثر من مليوني قتيل وأربعة ملايين مشرد، ولا يبدو أن الأزمة مقبلة على الحل خاصة بعد ظهور البترول في الجنوب.
وفي تشاد يقود متمردو تبستي حربا متواصلة على الحكومة في الإقليم منذ عام 1998، ولا يختلف الحال كثيرا في السنغال التي يسعى المتمردون للانفصال بإقليم كازامانس منذ 18 عاما.
– النزاعات الحدودية والإقليمية:
النزاعات الحدودية الأفريقية أشبه بالقنابل الموقوتة التي تتأثر بأدنى تغير دولي أو محلي، فهناك مثلا نزاع على منطقة حلايب بين السودان ومصر الذي وتر العلاقة بين البلدين في بعض الفترات بغير مناسبة، وعلى جزر حنيش بين أريتريا واليمن، وبين أثيوبيا وإرتريا حول الحدود والذي أدخل الدولتين في معارك دامية في عام 1999 وقتل في المعارك أكثر من نصف مليون عسكري ومدني، والنزاع على الصحراء الغربية بين المغرب والجزائر والذي ألقى بظلاله القاتمة على العلاقة بينهما وعلى منظمة الوحدة الأفريقية نفسها، حيث انسحب المغرب منها في عام 1984 احتجاجا على قبول المنظمة للجمهورية العربية الصحراوية عضوا كاملا فيها.
عدم الاستقرار:
ما زالت تعاني الدول الأفريقية عامة من عدم الاستقرار السياسي، حتى تلك التي تنعم بالأمن حالياً، فأكثر الدول الأفريقية تقدما -جنوب أفريقيا على سبيل المثال – ما زالت تعاني من آثار التمييز العرقي وإن قطعت فيه أشواطا، والبقية إما تعاني من الاستبداد وحكم الأقليات أو العائلات أو الحزب الواحد.
صراع القوى الكبرى:

سياسة الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الثانية وبعد أحداث 11 سبتمبر متجهة نحو استكمال السيطرة على مصادر الطاقة كما هو حالها مع آسيا الوسطى، وتعتبر أفريقيا من أهم المصادر الحالية والمستقبلية

”كانت أفريقيا قبل الاستقلال مقسمة بين دول استعمارية متعددة، وبعد ظهور القطبين السوفياتي والأميركي أصبحت القارة جزء من الصراع بين هذين المعسكرين، وحاليا تشهد القارة عودة قوية للتنافس بين الدول الكبرى في محاولة منها لبسط نفوذها مستهدفة الاستفادة من ثرواتها الطبيعية والمعدنية، ومواقعها الاستراتيجية المهمة.
أشار تقرير صدر عن وزارة الخارجية الأميركية في عام 1996 أن نصيب الولايات المتحدة من السوق الأفريقية لا يزيد عن 7.6% مقارنة بـ 30% للاتحاد الأوروبي، وأبرز أن الولايات المتحدة تعاني عجزا كبيرا في الميزان التجاري مع أفريقيا مقارنة بالاتحاد الأوروبي الأمر الذي جعل من أولويات السياسية الأميركية زيادة نفوذها في أفريقيا. وأعلنت ذلك صراحة على لسان وزير خارجيتها الأسبق وارن كريستوفر حينما رد على انتقادات المسؤولين الفرنسيين لجولته في أفريقيا في أكتوبر عام 1996 بقوله “إن الولايات المتحدة تنوي زيادة نفوذها في أفريقيا وهي لا تخشى التطاول على مناطق النفوذ الفرنسي”.
وكان من أبرز مظاهر هذا النفوذ تلك الامتيازات التي حصلت عليها للتنقيب عن النفط في مواقع كثيرة من زامبيا، وعلى امتياز التنقيب في مناجم الماس في أنغولا وتشاد، وإقامة قاعدة عسكرية لها في السنغال التي كان تعد واحدة من أقرب حلفاء فرنسا في أفريقيا.
ومن الواضح أن سياسة الولايات المتحدة السارية بعد حرب الخليج الثانية وبعد أحداث 11 سبتمبر متجهة نحو استكمال السيطرة على مصادر الطاقة كما هو حالها مع آسيا الوسطى، وتعتبر أفريقيا من أهم المصادر الحالية والمستقبلية للطاقة. فأميركا تستورد 15% من إجمالي الواردات النفطية من أفريقيا، ويزخر خليج غينيا برأي البعض باحتياطات نفطية هائلة بحجم احتياطات الخليج العربي، وتنتج ما بين 50 – 60% من إنتاج العالم للذهب، وما بين 20 – 25% من انتاج العالم لليورانيوم، و95% من إنتاج العالم للماس.
كثيرة هي المشكلات السياسية التي تعاني منها القارة والتي تحرمها الاستفادة من خيراتها الطبيعية وتجعل من الاتحاد الأفريقي الجديد أملا جماعيا للخروج من هذا النفق المظلم.


التصنيفات
التاريخ و الجغرافيا السنة الثانية ثانوي

خريطة اوروبا السياسية


السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته

هذه هي الخريطة السياسية لاوروبا :

تعليم_الجزائر


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . [align=center][/align]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

meerciiiiiiiiiiii

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

التنمية الشاملة و التنمية السياسية

التنمية الشاملة و التنمية السياسية

مقدمة:

لا خلاف على أن خلالا عميقا يعتور مسيرة التنمية العربية في ديارنا العربية، ولقد ازداد الوعي بهذا القصور في السنوات القليلة الأخيرة، نتيجة عدد من المدخلات أهمها التطورات الداخلية التي عصفت بالمجتمعات العربية و القريبة منها،وكذلك زيادة نسب التعليم وتسارع وكثافة الاتصال العالمي من حيث الكم والكيف.
لقد وجد كثيرون أن هوة واسعة ومتزايدة في ميادين، تراكم الثروة،و المعرفة و الحرية، تفصلنا عن شعوب كثيرة قريبة وبعيدة.
وقد يكون هناك أجماع في العالم العربي أن موطن هذا الخلل سياسي في الأساس،ويتشكل في غياب الحرية، وضعف المسائلة الشعبية، وتكبيل المشاركة بقيود ثقيلة. كما أن هناك شبه إجماع بأن الإصلاح المنشود لإقالة عثرة هذا الخلل وإذكاء نهضة عربية،لا بد وأن يبدأ بالإصلاح السياسي، وأن كأن لا يجب أن يقتصر عليه، وأن هذا الإصلاح السياسي له مواصفات تتعدى الشكل إلى المضمون و المظهر إلى النتيجة المرجوة.
هناك بالتأكيد أصوات تقول أن (التركيز على الإصلاح السياسي بهذه الصورة، هو من قبيل الاشتراط غير المحقق، لسببين الأول إن هناك بعض التجارب الإنسانية من حولنا حققت نموا معقولا دون إصلاح سياسي شامل، بل تحت وطئت دكتاتورية،و السبب الثاني أن أي ( الإصلاح) في المطلق ،قد يتناول الشكل دون المحتوى فنعود إلي سيرتنا الأولى من الشكوى ضد ( الإصلاح) أو من قصور (الإصلاح) !
وفي هذا الاعتراض بعض الوجاهة، إلا انه الاستثناء لا القاعدة، ولا يقاس على الاستثناء، مجمل التجارب العالمية حققت نموا وتقدما بسبب ( الإصلاح السياسي) أو بسبب ( الحكومة الراشدة) ذات المواصفات المحددة،وعادة تقاس بكيفية الوصول إلى الحكم،وطريقة هذا الحكم في تصميم الأهداف المجتمعية، وكيفية مراقبة الحكم للتأكد من الوصول إلى ( الخير العام)..المقصود بالإصلاحات السياسية هو (إعادة الهيكلة بالمنظومة السياسية، لتتواءم مع تحديات القرن الواحد و العشرين)

تعريف التنمية

كما أجمعت عليها الأدبيات الإنسانية، وكما حددها فريق التنمية العربية الإنسانية ،الذي اصدر حتى الآن تقرين حول التنمية ( الثالث تعطل لأسباب قصور رؤية مؤلفيه) فان تعريف التنمية له شقان:
1- خلق فرص حياة أفضل، بالمعنى العام، للأجيال القادمة.
2- دراسة علمية للإمكانيات المجتمعية، و توظيفها التوظيف الأفضل للصالح العام.
أما التعريف الذي تبناه فيقول ( إن للبشر، لمجرد كونهم بشر، حقا أصيلا في العيش الكريم، ماديا ومعنويا، جسدا ونفسا و روحا، وبهذا فان عملية التنمية تنشد توسيع خيارات البشر بما يمكنهم من تحقيق الغايات الإنسانية الأسمى، وهي الحرية، العدالة و الكرامة الإنسانية و الرفاه الإنساني.
وليس في تلك المطالب جديد، وربما تختصر بكلمتين اثنتين، العدالة و المساواة. (العدالة) هي مفهوم تراثي عربي قديم، وكلنا تعلمنا على مقاعد الدراسة إن ( العدل أساس الملك) أما المساواة فهي كلمة حديثة ناتجة من الدساتير و الممارسات الغربية الحديثة، وهي من المبادئ التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،ونجد لها صدى لا يغيب عن العقل السليم في الأديان السماوية.
محطة الإصلاح الأخيرة هي الوصول إلي (حالة الرفاه) في المجتمع، ولا يقتصر مفهوم (الرفاه) على التنعم المادي،بل يشمل الجوانب الإنسانية الكريمة مثل التمتع بالحرية واكتساب المعرفة، وتحقيق الذات، ولا يتأتى ذلك إلا بالمشاركة الفعالة في الاجتماع البشري.
مفتاح الإصلاح السياسي هو ( الإصلاح التعليمي)
لا يمكن أن يكتسب البشر قدرات تعينهم على فهم وتحقيق ( الرفاه) و المشاركة الفعالة إلا بالتعليم، بل بمستوى راق من التعليم، التعليم العنصري، و التعليم الفئوي،،و التعليم المضاد ( للعلم) أي التعليم ( الإيديولوجي) كلها أشكال معادية للتنمية ،بل ومعطلة لها.
التعليم هو الذي يكسب القدرات لإنسان يساهم في التنمية، ولو التفتنا حولنا لوجدنا أن (التعليم الراقي) هو الذي حقق لسنغافورة ما تحقق لها، ويحقق للهند ما يتحقق لها اليوم،و لكن لن يحدث تعليم راق إن لم يكن هناك ( قيادة سياسية) واعية ولها برنامج في التعليم واضح المعالم،ونخبة مجتمعية تحث وتصر على ( التعليم ألراقي)
التعليم الراقي يوسع الخيارات،ولا تُوسع الخيارات إلا من خلال الحرية التي تمكن البشر من الاختيار بين بدائل متاحة.
في حين تخلق التنمية الفرص للممارسة الحرية، من خلال بنائها لقدرات الناس فان الناس لن يتمكنوا من ممارسة الحرية لا إذا توافر الإطار الكفيل بحمايتها، و المتمثل بنظام الحكم الصالح.
التجربة العربية
رغم التقدم النسبي في المسيرة العربية التنموية بعامة التي نشهدها من خلال بعض الإحصاءات المتوفرة، فان عقبات التنمية العربية مشاهدة، ففي الاقتصاد لم يتجاوز معدل نمو الدخل للفرد العربي خلال العقدين الماضيين الأخيرين النصف في المائة سنويا ( الهند 7%) فالهوة إن قارنا نفسنا بالغير نجدها قد تعمقت، ذلك مثال واحد على أمثلة عديدة
في المجال المعرفي لم يكن أداؤنا أحسن،فقد دخلنا الألفية الثالثة ومنظومة نشر المعرفة مكبل في شقيه/ مجال نشر المعرفة ومجال إنتاجها ( المسؤول هو التعليم). .قرابة 65 مليون راشد عربي لا زالوا أميين من 300 مليون تقريبا، ولا يتجاوز نسبة الالتحاق بالتعليم العالي عربيا أكثر من 13%)
يبلغ المتوسط العالمي لاستخدام الكمبيوتر لكل ألف من البشر 78 جهاز، نجدها بين العرب تقل عن 18 جهاز، استخدام الانترنت لا يتجاوز 6و1% من العرب، رغم أن العرب يشكلون 5% من سكان المعمورة. (في الخليج استخدام الانترنت 7-9%)
الإنتاج العلمي يعاني من ضعف، وشبه غياب في الحقول المتقدمة، و الإنفاق على البحث العلمي يقل عن سُبع المعدل العالمي.
باختصار شديد هناك ( وهن في منظومة المعرفة ) يقود إلى وهن في الاقتصاد العربي، الذي إن سحبنا منه مساهمة ( النفط) ،فان كل الأرقام السابقة تتدهور إلى الأسوأ.

أين تكمن المشكلة؟

تقع المشكلة في مثلث
1- (تعليم وتدريب) أننا نُودع أبنائنا في نظم تعليمية تشدد على التلقين وتستمرئ الأتباع و التقليد وتنبني مناهج تكرس الخضوع و الطاعة،ولا تسوغ نقد (المسلمات، الاجتماعية أو السياسية أو التراثية) فيخرج الأبناء (مكبلة لديهم ملكة التفكير ،قريبون من التكفير و التخوين الاجتماعي و السياسي و التراثي). ففكرونا في الاجتماع و السياسة أمامهم خطوط (حمراء) ليس من قبل ( السُلط) فقط ،بل وأيضا من قبل ( المجتمع) الذي لا يستسيغ سماع الرأي الآخر، فهم أمام رقابة داخلية وخارجية، شخصية واجتماعية، يرعبهم مقص اثنان وعشرون رقيبا، ومعممون يفتون بما لا يعرفون.
2- ( بين القديم و الحديث) بهذا ينقسم (وعى) العربي على ذاته، فهو من جهة يريد أن يظل مخلصا لأفكاره التقليدية و الموروثة الراسخة من جهة، ومن جهة أخرى تأسره اكتشافات الحداثة العلمية و التقنية، التي يتناقض بعضها مع اليقيني من أفكاره ،ويزيد ذلك انقسام المثقف العربي بين مقولات التحديث وبين (ثوابت الأمة) فتراه يقوم بدور (المبرر) سياسيا أو تراثيا، فكثيرا ما تقرءا نقدا يعجبك ،ثم ينتهي بمثل هذا القول (فالدين و الثقافة العربية و الإسلامية لا يحضان على ارتياد تخوم المعرفة فحسب، بل أنهما استطاعا في وقت سابق بناء مجتمع للمعرفة عز نظيره في التاريخ) هذا الاستثناء الثقافي معطل للعقل النقدي، ودليل على وجود (رقيب داخلي)
3- (بين المحلي و القومي) ينقسم فكر العرب المطالبين بالتنمية بين (قومي) و (إقليمي) و (محلي) وتروح الأدبيات التنموية بين هذه المستويات ،دون تحديد دقيق لعلاقة المتغيرات الثلاثة يبعضها، ويُركز كثيرا على ( القومي) وربما ( الإقليمي) ويُهرب من مناقشة ( المحلي). وإن لم نستطع الدفع بمعادلة ( إصلاح الجزء هو الطريق الصحيح لإصلاح الكل) سنظل نراوح في مكاننا،فانشغال كل (داخل بداخلة) مع التساند المطلوب و العقلاني،وليس الهروب من الداخل إلي ( الخارج)، واحدة من المعطيات التي وجب مناقشتها.
تلك الثلاثية التي أرى من الضرورة طرحاها للنقاش لعدد من الأسباب:
1- إن تجربة كثير من دول العالم تقول إن ( التشبث بالماضي) مضيعة للوقت، التجربة اليابانية و الصينية هي دليلنا على ذلك، فقد طفقت الصين كلما جاءتها هبات التحديث ،أن قارنتها بما لديها، فترفض ما لا يتواءم مع حصيلتها التاريخية، حتى تخلفت وانهزمت، فقلبت المعادلة، كل جديد يتنافى معه القديم يعني هجر القديم. واستطرادا فان ( أهل ايطاليا اليوم ليسوا سليلي الرومان) هل قراء أحدكم كتابا ايطاليا يدعو إلي العودة (إلى العصر الروماني) أو يونانيا يدعو للعودة إلى عصر الإغريق !
علينا (توسيع دائرة العقل ما أمكن، وتضييق دائرة النقل ما أمكن) إلا أن كثيرون يصرون أن يتحفونا اليوم (بتوسيع دائرة النقل وتضييق دائرة العقل) حتى نرى ما يراه ابن تيمية مثلا في ( الكفرة و الرافضة)! علبنا التعامل مع معطيات العصر.
2- مفتاح التقدم لا غير هو إن يكون في قلب التعليم و التدريب الراقي (صناعة المعرفة) وهي أي المعرفة، نسبية أولا ومتحولة ثانيا، وإنسانية ثالثا وعقلية رابعا. إذا تعريف المعرفة المرادة أنها نسبية،إنسانية،متحولة وعقلية. وهي الرافعة للتنمية التي قدمت كل هذه الثروة للمجتمعات العالمية من ايرلندا إلي الهند، إن المعرفة (قوة) كما استقر في ذهن العقلاء، وهي أي المعرفة بهذا المعنى، لها متطلبات سابقة، منها الحرية (دون سقف اجتماعي أو سلطوي) ولها آليات أيضا،ودعونا نعترف أن ما نبه إليه واستنكره عبد الرحمن الكواكبي قبل أكثر من قرن لا زال قابعا في أعماقنا، فقد قال ( أننا حاكمين ومحكومين ألفنا أن نعتبر التصاغر أدبا،و التذلل لطفا،و التملق فصاحة،و ترك الحقوق سماحة، وقبول الأهانة تواضعا،و الرضاب بالظلم طاعة،و الإقدام تهورا، وحربة القول وقاحة، وحرية الرأي كفرا، وحب الوطن جنونا) ما أشبه الليلة بالبارحة! أنها وصفة متكاملة للحجر على المعرفة الحق.
3- (الدين و الدنيا) لنجعل حورنا حول ( الدنيا) لا حول ( الدين) لعدد من الأسباب، أن الدين اُستغل في معظم فترات تاريخنا استغلالا سياسيا،ولأنه فوق ذلك، لم يتوصل من سبقنا في هذا المضمار إلي حلول نهائية،فأصبحت التجربة التاريخية تتبنى (عش ودعهم يعيشون) لو انطلقنا من هنا (اعتقد ودعهم يعتقدون) فان الحوار حول الدنيا (أي التنمية) يبقى عقلانيا وتوافقيا للوصل إلي الأفضل لخدمة الناس جميعا.
الإصلاح السياسي
الإصلاح السياسي و الحكم الصالح، أصبح في بؤرة الاهتمام المحلى و العالمي ،وقبول مبدأ (الإصلاح) في هيكلية السلطة أصبح في نسيج القيم الدولية الحديثة. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ليست امرأة قيصر، إلا أنها أولا تحولت بعد الحادي عشر من سبتمبر (بالنسبة لمنطقتنا) من سند للاستقرار إلي داعية للتغيير،وأصبحت تشير إلى الاستقرار السابق على انه stagnation .
وثانيا انه ليس صحيحا أن الإصلاح صار حاجة عربية لأنه متطلب أمريكي، بل هو متطلب أمريكي لأنه حاجة عربية. علينا أن نعترف أن سياسة الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 قد تغيرت إلى أن ( الشرق الأوسط به أنظمة فاسدة غير ديمقراطية لم تعد جديرة بالدفاع عنها) وقد شمل الكلام الحلفاء الأقدمين و الأعداء المشبوهين. أما الإضافة فهي أن الولايات المتحدة في سياستها العامة تختلف عن (أوربا) التقليدية، الأخير تصلح ما تعتقد انه الحد الأدنى لتحقيق مصالحها، أما الأولى فإنها (تهدم الكل) ثم تعيد البناء.
يفسر البعض هذا التوجه بسبب تاريخ نشأت وتطور تلك البلاد البعيدة و المعقدة، ولكنها اليوم خلف جهود ملاحقة (ايدولوجيا الساخطين) عن طريق تغيير شروط اللعبة،وهي تقديم الجزرة،وورائها العصي، حفاظا على مصالحها التي ترى أنها مهددة بسبب ( فشل ذريع في التنمية بين ظهرانينا)

العقبات

رغم الدعوة عربيا إلي الإصلاح، دخل الإصلاح المنشود في معضلتين:
1 الإصلاح قبل تحرير فلسطين، أم بعد تحرير فلسطين؟
2 الإصلاح من الداخل، أم من الخارج؟
في يقيني إن الإصلاح هو أداة أفضل للتفاوض أو غيره حول فلسطين، وأن لا داخل مطلق، و أو خارج مطلق، هناك تفاعل (تاريخي) بين الداخل و الخارج مستمر ودائم.
علينا الاعتراف(0كما حدث في البحرين) بان السنوات الأخيرة قد شهدت انفراجا وتغييرا في طرائق العمل التي تسلكها الحكومات العربية،كما شهدت انتعاشا في جانب من الممارسات الديمقراطية، وبدا ذلك في زيادة المشاركة السياسية،وتعديل هيكل السلطة داخل مؤسسات الحكم، وزيادة نشاط المجتمع المدني،وتخفيف القيود المشددة على مؤسساته،وتوسيع حيز الحريات المتاح للناس،و الدفاع عن الحريات الإنسانية،وتنظيم الانتخابات على نحو أكثر تواترا،و التصديق على معاهدات حقوق الإنسان،وإعطاء مزيد من الحريات الصحفية. ولعل ما يحسب إلي البحرين بالزائد أن (خطوات الإصلاح قد بدأت قبل الهجمة السبتمبرية) بسبب وعى القيادة.
بيد إن الشقة عربيا وإقليميا ما زالت واسعة بين ( الطموح و الانجاز) و ما هو (محمود) وما هو (مطلوب). فحرية تكون الأحزاب وتنظيم النقابات في بعض بلادنا لا زالت بعيدة المنال، وجمعيات النفع العام لا زالت مقيدة في بلدان كثيرة، ومخرجات صناديق الاقتراع زالت دون المستوى المطلوب تغمرها علاقات الروابط الاجتماعية بدلا من الروابط الحقوقية.
هناك (هوة) بين المكتوب و المطبق، وبين المأمول (حتى من المؤسسات التشريعية) وبين ( المحقق) هناك أخفاق في تحقيق الشعار (المسؤولية للجميع ومن الجميع)
المسكوت عنه

المسكوت عنه هو إشاعة وعي اجتماعي واسع لتأكيد (دولة القانون) ولكن أي قانون، ليس القانون (المُقيد) بل القانون (المصلح) الذي يحترم التعددية الفكرية و الاجتماعية و الثقافية في التكوين المجتمعي للجميع ومن الجميع.
فالتنمية الشاملة لها أكثر من باب سياسي، اقتصادي ، ثقافي تتناغم فيه الأغلبية العاقلة مع الفكر العالمي، يبعد المجتمع عن التمزق الاجتماعي وأشكال التعصب، التي تفتك بنا.
إن مشروع ( الملك و الشعب) الإصلاحي في البحرين نقل المجتمع إلى التطلع إلى منابع ضوء واعدة، وعلينا جميعا أن ندعو لتواصل هذا المشروع، ونغنيه بزخم متجدد ومتزايد، ونثابر على توسيع الحوار الحي وتعميقه في أوساط المواطنين.
وعلينا جميعا أن نتابع بعيون مفتوحة ( يعاسيب الفساد ) فاغرة أفواهها، تنخر عظام الوطن، وتفقر المواطنين، أكانت هذه (اليعاسيب) مواطنا منتخبا،أو وزيرا أو موظفا كبيرا أو صغيرا، فليس اضر على التنمية من هذه (اليعاسيب)، لقد قال لي سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد أل خليفة،حكمة لا زلت أحفظها،قال (كل دينار فساد،يطرد خمسة دنانير استثمار) إن تعقيد البيروقراطية وسد الأبواب أمام انطلاقة اقتصاد وطني حر وشفاف هو تعطيل لوجه من وجوه التنمية.
مؤسسات الحكم الصالح لا تتطلب فقط (صناديق انتخاب) و (انتخابات دورية) إنما تتطلب بجانب ذلك، مجالس تشريعية (أمينة وكفؤءة ومنظمة) ذلك يتطلب تحرير الطاقات البشرية، ووضع حد للإرهاب الفكري و المزايدة الفجة،و التغطي بمقولات تراثية أو تضليل الناس بالباطل.
مؤسسات الحكم الصالح تتطلب تعليما نوعيا مختلفا يقود المجتمع ولا يسايره، تتطلب شفافية في التخطيط و التنفيذ، تتطلب أن يكون ( الشخص الصالح للمكان المناسب) وتتطلب وسائل إعلام لا تبحث عن زوائد الكلام.
لقد تحول العالم من الحديث عن (الأمن )بمعناه الصلب إلى الأمن بعناه الرخو، وهو الأمن الداخلي المؤدي للتنمية، فكل جيوش العالم لا تستطيع أن تقهر (فكرة آن أوانها).


التصنيفات
الفلسفة السنة الثالثة تانوي

العلاقات الأسرية والنظم الاقتصادية والسياسية

السلام عليكم

العلاقات الأسرية والنظم الاقتصادية والسياسية

من هنا

لا تبخلونــــآ من دعواتكم


بارك الله فيك موضوع رائع.

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

النظرية السياسية المعاصرة

النظرية السياسية المعاصرة

الديمقراطية والليبرالية

بداية المحاضرة مع الملاحظات التالية :
أود في بداية المحاضرة الإشارة إلى نقطة تتعلق بهذه المحاضرة و المحاضرات اللاحقة ضمن هذه المادة:
في الواقع و بعد الاستماع إلى محاضرات الدكتور “حسني الشياب” في مادة النظرية السياسية المعاصرة، وهي محاضرات في غاية الأهمية من ناحية تحليل النظرية والنظرية السياسية، ثم حديثه عن مناهج البحث، و أيضا بعد ذلك الإطلاع على كتاب “الأكاديمية” الذي يحمل عنوان “النظرية السياسية المعاصرة” للدكتور قحطان أحمد الحمداني” والذي يتحدث أيضا بعمق عن مناهج البحث في النظرية السياسية في التعريف والمفاهيم. نرى أنه ومن باب الحفاظ على الوقت و الاستفادة منه بشكل كبير، نرى أن الدخول إلى عمق بعض النظريات وتفصيلها هو في غاية الأهمية ، حتى لا نقع في مشكلة التكرار لمحاضرات سابقة. ولذلك ستكون النظريات السياسية الديمقراطية والليبرالية هي موضوع لمحاضراتنا في النظرية السياسية المعاصرة. طبعا سنأخذ أمثلة متعددة من العالم أو أمثلة على النظريات السياسية. ( إنكلترا، الولايات المتحدة،فرنسا..الخ)

السياق التاريخي

في مواجهة صعود الاستبداد ضمن سياق الحروب الدينية، بدأت مع نهايات القرن السادس عشر و بداية السابع عشر تتشكل ما يمكن أن نسميها “المذاهب الديمقراطية”، وهي نظريات وأفكار تدعو لاقتسام السلطة داخل الدولة بين الملك و مجالس أخرى، و مذاهب “ليبرالية” تدعو لوضع حدود لسلطة الدولة. تم بناء الأفكار على أسس فكرية قديمة أهمها: القانون الروماني،الأفكار التي كانت سائدة في المدارس الفلسفية وأهمها أفكار أرسطو، الفكر الجمهوري الإيطالي،الإنسانية، ونضيف لها الأفكار الإصلاحية المسيحية.

أولا ـ جون لوك و نظرية سيادة القانون.

جون لوك هو المنظر الرئيسي لما يمكن أن نسميه “الثورة المجيدة” في انكلترا 1688، هذه الثورة التي شيدت الملكية الدستورية و الليبرالية الاقتصادية. ولد جون لوك في عام 1632.درس الأدب والطب في أكسفورد. أم أهم مؤلفاته فهي ( محاولة حول التسامح، الاختلاف بين السلطة الدينية والسلطة المدنية،رسالة حول التسامح،نصوص حول المسيحية و العقل).
انتقد جون لوك في الجزء الأول من كتابه “تحليل الحكومة المدنية”، الطروحات الملكية لمعاصره “روبيرت فيلمر” التي تقول بأن السلطة السياسية لا يمكن أن تكون إلا ملكية و أن “السلطة الأبوية” للملوك أسست في نفس الوقت بالطبيعية و من خلال الثورة. يقول لوك أن هذه النظرية خاطئة ولابد من اكتشاف واحدة أخرى تتعلق بالحكم. ومن أجل هذا لابد من العودة للحالة الطبيعية عند الإنسان. فما هي هذه الحالة الطبيعية ؟

ـ الحالة الطبيعية:

هي حالة من الحرية و المساواة، حيث لا يوجد تبعية أو طاعة بين البشر، والذين هم من فضاء واحد ونظام واحد، لقد ولدوا من غير اختلاف ولديهم نفس المؤهلات. طبعا هذا الطرح كان قد سبق عصر جون لوك وخاصة في المدارس الفلسفية التي اعتمدت النهج الأرسطي، ثم تم أعادة تشكيله تحت عناوين مختلفة أثناء الثورة الإنكليزية.

الحرية الطبيعية ليست من غير حدود عند لوك. إنها محددة بما سماه “قانون الطبيعة” نفسه، هذا القانون يمتزج مع العقل والذي يعلم جميع الناس أن البشر جميعهم متساوون ومستقلين ،يجب ألا يضر أحد أحدا آخر، لا في حياته ولا صحته ولا حريته. نفس المنطق في الحق الطبيعي يتطلب أن يكون لدي القدر على محاسبة الذي يشكل أذى لي أو يضرني، هذا الذي يغتصب القانون الطبيعي. والجميع في حالة الطبيعة يمتلكون هذا الحق الذي يتكون من جانبين أساسيين : إعاقة ضرر الآخرين، و الحصول على الحق في محاول وقوع هذا الضرر. هذا الحق في الدفاع عن النفس وفي العقوبة هو أيضا له حدود، حيث لا نستطيع أن نفعل ما نريد مع شخص مذنب.

في الواقع من العبث القول أن الإنسان سيطبق القانون في غير مصلحته، لأن “حب الذات” كما يقوا لوك يجعل من البشر متحيزين لمصالحهم و لمصالح أصدقائهم. بالتأكيد، ولهذا السبب سنرى أن الإنسان يسعى للخروج من الحالة الطبيعية إلى حالة أخرى نتحدث عنها لاحقا.

نرى جون لوك أنه مازال يصطف خلف التقاليد القديمة الموروثة من (أرسطو،سان توماس،و غروتيوس)، حيث أن حالة الطبيعة هي منذ البداية حالة اجتماعية، البشر مجبرون للقيان بأشياء تجاه بعضهم البعض، حتى ولو لم توجد حالة مدنية أو حالة سياسية.
ـ الانتقال من الحالة الطبيعية إلى الحالة السياسية.
ترافق الحالة الطبيعية العديد من الصعوبات. حيث ملكية الفرد أو الإنسان في هذه الحالة معرضة لضعف وهشاشة كبيرة. يقول جون لوك هنا :” إذا كان الإنسان حرا في حالة الطبيعة وسيدا مطلقا على شخصيته وأملاكه، إلا أنه ليس الوحيد الذي يمتلك ويعيش نفس الحرية، فالجميع لديهم نفس المميزات والقسم الأكبر منهم لا يحترم المساواة ولا العدالة، وهذا يعرض الملكية للخطر وعدم الثبات. ضمن هذه المشكلة لابد من البحث عن علاج.

ولكن السؤال هنا: هل نترك الحالة الطبيعية للبحث عن حالة أكثر سوءا منها ؟
حالة الطبيعة حتى ولو كانت عابرة وغير ثابتة إلا أنها عند جون لوك تختلف عن ما جاء به “هوبز”. هوبز يرى أن الحالة الطبيعية هي قاتلة، فمن أجل حماية الحياة نحن جاهزون لكل شيء،وخاصة للتضحية بالحرية. بينما عند لوك لا نصل للحديث عن فقدان الحياة بل عن الازدهار ، لذلك لا يمكننا الانتقال للحالة السياسية إذا كنا سنفقد ميزات الحالة الطبيعية. ولن نغير حالتنا الطبيعية إذا لم نحصل في الحالة الجديدة على ميزات أكثر من الحالة الماضية.

من أجل وضع حد أو نهاية لضعف وهشاشة الحياة في الحالة الطبيعية، لابد من أن نجتمع أو ننتقل إلى الجماعية. حيث يتخذ الإنسان قرارا بالاتصال بالإنسان الآخر، من أجل حماية بالتبادل لحياتهم،لحريتهم ولأملاكهم. وحتى يصيح هذا ممكنا، يجب و يكفي أن كل فرد من بين الجماعة يمتلك و يمارس حقه الطبيعي ، وهنا لن يكون لديه القدر على الحصول على حقه أو يثأر للضرر الواقع عليه لأنه أصبح يعيش في جماعة وليس لوحده. إذا الجماعة هنا عليها أن تمتلك القوانين والتي من خلالها تتم المحاسبة ثم تنفيذ الأحكام، في هذه الحالة الحق الطبيعي في العقوبة سيكون مضمونا من قبل الجماعة بدل من أن يقوم كل فرد وبنفسه بتحصيل أو تطبيق الأحكام.

نستنتج هنا الصفات الثلاث الجوهرية للاجتماع السياسي. هذا الاجتماع سيكون لديه :
1ـ قوانين، معروفة وواضحة ومجربة.
2ـ قاض يطبق القوانين بشكل موضوعي، وهذا ممكن لأنه لا يطبق قوانينه الشخصية بل قوانين الجماعة أو المجتمع السياسي.
3ـ سلطة تستطيع تنفيذ الأحكام ، وهذا ممكن أيضا لأن من سيملك السلطة هي قوة مشتركة مكونة من كل الجسم الاجتماعي.

من يريد مميزات قيام الدولة عليه القبول و احترام هذه القوانين التي تكفل الحرية التي كفلتها القوانين الطبيعية. و بالتالي يتم التخلي عن الحق الطبيعي في العقوبة لصالح السلطة ( إلا في حالات الدفاع عن النفس حيث الضرورة والحالة الطارئة لا تسمح للسلطة بالتدخل الفوري).

هنا ننتقل لما نسميه “العقد الاجتماعي”،هذا العقد الذي لن يجعلنا نخسر أو نفقد حقوقنا في تبادلها مع الآخرين لأن:
ـ العقد الاجتماعي سيحمي الملكية، أو جوهر الحقوق الطبيعية.
ـ يتم التخلي عن الحقوق التي ليست من الأولويات، لأن الدولة ستنوب عن الفرد في ممارستها، وسيكون هذا لصالح المجموع.

إذا يمكننا في النهاية أن نختصر نظرية العقد الاجتماعي عن جون لوك بما يلي : حقوق انتقلت إلى الدولة حيث كانت في حالة الطبيعة : وفيها (الحق في تفسير القانون الطبيعي ،الحق في الحكم،الحق في العقوبة). وأصبحت في المجتمع السياسيتعليم_الجزائر سلطة تشريعية، سلطة قضائية، سلطة تنفيذية). أما بالنسبة للحقوق المتعلق بالفرد ، انتقلت من حق الملكية الطبيعي إلى حق الملكية القانوني.
ـ الاجتماع السياسي و حماية الملكية.
الخروج من الحالة الطبيعية ليس لديه معنى إلا إذا أوصلنا لحماية أفضل للملكية التي يملكها الإنسان في الحالة الطبيعية . فالدولة ليس لوجدها سبب إذا لم تكن تستطيع حماية الملكية. وهنا يقول جون لوك :”النهاية الرئيسية و الجوهرية، لوضع يكون فيه الناس مجتمعين أو خاضعين لجمهوريات أو حكومات، هي حماية و الحفاظ على ممتلكاتهم”. وهنا الدولة يجب ألا تستخدم قوة المجتمع ،في الداخل، إلا من أجل ضمان تطبيق القوانين، وفي الخارج، من أجل حماية الدولة من الاعتداءات الخارجية، ووضع المجتمع في حماية من الغزو أو الاجتياح.

ـ حدود السيادة.

من الوظيفة الأساسية للمجتمع السياسي في حماية “المجال الخاص” سيكون لدينا وظيفة أخرى كبرى: وهي حدود السلطة السياسية. يقول جون لوك في هذا الصدد:” بما أن المواطنين ليس لديهم اهتمام آخر إلا القدرة على الحفاظ على شخصياتهم،حريتهم، ملكياتهم، فإن سلطة المجتمع و السلطة التشريعية المقامة من خلالهم لا تستطيع الافتراض أن من واجبها الامتداد بشكل أوسع و أبعد من حماية الخير العام. هذه السلطة يجب أن تضع في مأمن وتحافظ على المجالات الخاصة لكل إنسان.

إذا السلطة التشريعية، إذا كانت عليا ( أعلى مصدر تشريعي في الدولة)، فهي ليست مطلقة، إنها محددة كالدولة نفسها، من خلال القوانين الطبيعية. ويقول جون لوك في هذا الشأن:” إنها سلطة ليس لها غاية سوى الحفاظ على الحقوق، فليس من حقها التدخل في تحديد أي موضوع. قانون الطبيعة يستمر دائما كقاعدة أبدية بالنسبة لكل البشر، عند المشرعين وعند غيرهم، وقوانين المشرع يجب أن تنطبق مع القوانين الطبيعية”.

جون لوك يشكل هنا في نظريته ما سيصبح قلب أو مركز مذهب حقوق الإنسان، و الذي كل الديمقراطيات الليبرالية الحديثة تعترف به كمؤسس لها، حيث هذه الديمقراطيات جعلت من مبادئ جون لوك مبادئ عليا لها.

ـ شروط قيام و تجديد العقد الاجتماعي.

إن المفهوم الذي قدمه جون لوك “للعقد الاجتماعي” ليس مفهوما طوباويا لا يمكن تحقيقه. إنه لا يتخيل أن الناس يجتمعون في يوم جميل و يخلقون الدول بواسطة اقتراع شكلي. إنه يفهم العقد الاجتماعي أن بإمكانه أن يكون بشكل متعاقب متتالي و ضمني. لقد دفع لوك هذه الموضوع و التفكير فيه بشكل كبير نحو الأمام. حتى أكثر مما قدم جان جاك روسو في “العقد الاجتماعي”. أما الشروط التي تحدث عنها جون لوك فهي :
1ـ ضرورة الانتساب الطوعي:

الإرادة الطوعية في الانضمام على العقد الاجتماعي، وفي كل الظروف، هي مطلوبة حتى يكون العقد سليما وصالحا. بحيث لا أحد يمكن أن يسحب الحالة الطبيعية ويخضع للسلطة السياسية للآخرين من غير إرادته الخاصة.

2ـ تاريخية “العقد الاجتماعي”، أي حصوله تاريخيا:

فيما يتعلق بالعقد الاجتماعي الطوعي يمكن أن نقدم اعتراضين على هذا المفهوم : الأول، عدم وجود مثال تاريخي لمجتمع سياسي بدأ بعقد اجتماعي. ثانيا، وهذا من جهة أخرى مستحيل، حيث كل إنسان ولد في دولة ومن هنا حريته هي منذ البداية متنازل عنها، فهو ليس حرا برفض العلاقة التي أخذها وربطته مع الآخر في مكان وجوده أو في مكان آخر.

فيما يتعلق بغياب المثال التاريخي، جون لوك يعترف بالعقبة. فالانتقال من مرحلة الطبيعة إلى المرحلة الاجتماعية ضاع غياهب الماضي. رغم ذلك، يعتقد لوك أن الحكومات الملكية البدائية أنها كانت ثمرة لعقد اجتماعي. باختصار، الدول هي في الحقيقة تشكلت بواسطة عقد اجتماعي طوعي، حتى ولو كان هذا العقد في الغالب ضمنيا و نتيجة لتتابع أو توال في الانضمام الفردي إليه.

ـ مذهب الحرية برعاية القانون أو ” دور القانون”.

رأينا أنه في عملية الارتباط أو التجمع السياسي، القوانين الناتجة عن الطبيعة تتجسد في القوانين المدنية. وعلى هذه القوانين تستند الأحكام والقضاء. “دولة لوك” هي حكومة من القوانين وليس من البشر، هي حالة من حكم القانون. من هذا المفهوم و الذي كان قد خضع للتداول في إنكلترا قبل جون لوك، يستنتج جون لوك أو يعطي تحليلا خاصا واضحا وعميقا. إنه يبين أن “دور القانون” و الحرية لا يمكن فصلهما وكل منهما يشترط الآخر. هذا المذهب سيشكل جوهر الليبرالية الحديثة.

أولاـ جوهر الحرية.

لا بد في البداية من الإشارة أن الحرية لا تعني القدرة على فعل كل شيء. إنها شيء آخر، إنها عدم الخضوع لسلطة تعسفية للآخر. ” الحرية الطبيعية للإنسان هي عدم خضوعه لسلطة تهيمن على إرادته، الحرية ترتكز على أن تكون غير معيقة أو تشكل عنفا ما ضد الآخرين”. بمعنى آخر الحرية ليست سلطة بل هي علاقة اجتماعية، وعكس الحرية ليس الضرورة بل التعسف و القهر.

ثانياـ جوهر القانون.

يتطرق لوك لهذا الموضوع بعناية ودقة. إنه يبين أن ، إذا القانون استطاع أن يلعب هذا الدور، هذا يعني أن له قيمة معرفية إدراكية: إنه قبل كل شيء معرفة ما يتوجب علينا فعله وما يجب ألا نفعله. إذا إنه يعطينا الوسيلة الفكرية لتجنب كل خلاف معه و يعطي للآخرين نفس الوسيلة بالنسبة لنا.

ثالثاـ العلاقة بين القانون والحرية.

القانون عندما يدرك ويتم فهمه فإنه يجعل الحرية ممكنة. فحيث لا يوجد قانون لا توجد حرية. في حكم القانون و سلطته، قدرتنا على التصرف محدودة، حيث لا يمكننا معارضة القانون في التعدي على أملاك الآخرين أو على حريتهم. بالمقابل حريتنا غير محددة، في أشياء أو أسباب جيدة، أي عندما نتصرف وفق القانون. أما قوة الدولة في “حكومة من القوانين وليس الأشخاص” لا يمكنها التدخل غلا وفق القانون، القاضي لا يستطيع أن يقضي إلا وفق القانون. لذلك التعسف والقهر ضد الفرد لا ينتج من سلطة ناتجة عن إرادة هذا الفرد.

وفي دولة جون لوك، الناتجة عن عقد اجتماعي، التعسف الدولاتي تم تقليصه على أبعد حد، ذاك الحد الذي سيكون ضروريا لحماية الحرية.

ـ صفات القانون.

حتى يستطيع القانون أن يلعب الدور الذي يريده له جون لوك، لابد أن يكون مؤكدا وواضحا في الموضوع الذي يتناوله. لأن أي غموض في القانون سيؤدي للإضعاف من قيمته المعرفية. يحدد جزن لوك صفات القانون بما يلي :
ـ الوضوح : أي الابتعاد عن الغموض في صياغته. ونحن نعرف من ايام الرومان أن كل تقدم في القانون هدف للبحث عن أدوات معرفية فكرية تسمح بتقليل الغموض في القوانين.
ـ العمومية: ينتج تعميم القانون من خلال مفهومه. على القانون ألا يصدر عن شخص أو يستهدف شخصا،فالقانون المدني يجب أن يكون عاما كما هي قوانين الطبيعة.
ـ نشر القانون والإعلان عنه: القانون ليس المطلوب فقط معرفته، بل يجب أن ينشر أمام الجميع.بمعنى الجميع يعرفون بأن الجميع قد علموا وعرفوا بهذا القانون. و بالتالي هناك واجبات من قبل الجميع تجاه هذا القانون. أيضا القانون يشكل وسيطا بين جميع المواطنين يساعدهم على الاتصال فيما بينهم ويشكل تصرفاتهم تجاه قضايا معينة.
ـ ألا يكون للقانون مفعول رجعي: هذه صفة ملازمة للصفة الماضية أو ناتجة عنها. إذا كان القانون ذا مفعول رجعي، فهذا يعني أنه وجد زمن خلاله هذا القانون لم يكن منشورا أو معلنا عنه، وخلال هذا الزمن لا يوجد أي مواطن كان يعرف أن هذا القانون ساريا.
ـ الاستقرار: منذ لحظة الإعلان عن القانون، هذا يعني بعدم تطوير التشريع إلا ببطء كبير. فالتشريع الذي يتغير باستمرار لن يكون لديه الوقت لكي يصبح عاما ويعرف الجميع،و بالتالي لن يشكل قاعدة من أجل تعاون المواطنين فيما بينهم، ولا من أجل الحفاظ على حرياتهم في مواجهة السلطة.
ـ المساواة: فكرة المساواة أمام القانون هي فكرة قديمة، لكن نظرية لوك السياسية و حول القانون تضيف الجديد على الفكرة. السبب الذي من أجله يجب أن يكون القانون مساويا للجميع هو سبب إدراكي معرفي وليس سببا أخلاقي. إذا من الواجب أن تكون القوانين مساوية للجميع، هذا لأنها الوسيلة الوحيدة حتى يعرف كل واحد بماذا هو مرتبط ومتمسك ، ومهما كان الشخص الذي يندمج أو يعيش معه. و إذا الآخر ليس لديه نفس الحقوق التي أملكها، لا استطيع أو لا أعرف كيف سأتفاعل معه، حيث أنني في حالة عدم المساواة، سأجهل الواجبات القانونية التي يخضع إليها الآخر بالنسبة لي، و ما هي واجباتي القانونية تجاهه.
لقد أكد جون لوك في نظريته السياسية على الصفات المتعددة للقانون ، حتى يكون بإمكانه إدانة جميع السياسات التي تستخدم القوانين الطارئة، التعسفية والقمعية تجاه الإنسان. ثم إدانة القوانين التي تشرعها الأكثرية و لا تأخذ بظروف الأقلية وحاجاتها. إذا حصل هذا من تجاوزات للقوانين وعدم اكتمال صفاتها المذكورة فإنه من الأفضل كما يقول لوك العودة إلى حالة الطبيعة.

إن جون لوك يؤسس بنظريته السياسية و القانونية، نظرية كاملة للثورة في بلاده، مبررا الثورة التي قامت في عام 1688 أو ثورة ” ويغ” Whig ، ولكنه أيضا وضع أسسا للثورات المستقبلية في الولايات المتحدة وفرنسا. لقد تفرد جون لوك في نظريته من خلال طرحه لمبدأ المقاومة ضد الأنظمة السياسية الطاغية، و إدخال هذا الحق في رفض الاضطهاد كمبدأ من المبادئ الدستورية، هذا المبدأ الذي أصبح عضويا في كل دستور ولا يمكن فصله عنه.

النظرية السياسية المعاصرة

الأكاديمية العربية الحرة
التطرية السياسية عند جون راوولز

نظرية ” جون راوولز” في العدالة

ولد جون راوولز في الولايات المتحدة عام 1921، وهو فيلسوف و بروفسور في جامعة هارفارد. في عام 1971 جمع فكره في كتاب ضخم، سماه “نظرية العدالة”. وفي عام 1993 كان له كتاب آخر تحت عنوان” الليبرالية السياسية”.بالرغم أن كتاب “نظرية العدالة” صنف وكأنه”ميثاق للحركة الاجتماعية الديمقراطية الحديثة”، إلا أنه أيضا يمكن الملاحظة أن “راوولز” يبرر سياسات إعادة توزيع الضرائب في دولة “الرفاهية/العناية” وفق قواعد سياسية صنفها “الديمقراطيون الاجتماعيون الكلاسيكيون” على أنها لم تكن على قطيعة كاملة مع تراث الفلسفة الماركسية، وخاصة الصراع الطبقي.

ـ في الواقع، مقابل ” التمامية أو الكلية” Holisme في الماركسية ( وهي نظرية أو مقولة تتحدث عن نظام معقد يشكل خلية واحدة، وهذا النظام العضوي الكلي أكبر و أعظم من أي جزء من أجزائه من الناحية الوظيفية)، راوولز يقبل بأن ” تعددية الأفراد، التي لها أنظمة تنتهي لغايات منفصلة، هي طابع وصفة جوهرية للمجتمعات الإنسانية”. بمعنى آخر يؤكد راوولز على حصانة وحرمة حرية الفرد. ثم يعلن قائلا:” سأصنف مبدأ الحرية يعادل كل شيء وهو قبل مبدأ الذي يتحدث عن اللامساوة الاقتصادية والاجتماعية”.

ـ و مقابل نظرية الصراع الطبقي، يقول بان الاقتصاد هو ذلك الذي إنتاجه بشكل يرتفع عندما المشاريع الفردية يكون لديها حرية المبادرة. وليس الاقتصاد بإنتاج ثابت لا يتغير. فاللامساواة الاجتماعية بهذه الحالة ليست نتيجة الملكية لطبقة و الناتجة عن عمل تقوم به طبقة أخرى.

إن النظرية السياسية عند راوولز نستطيع تصنيفها ضمن ما يمكن أن نسميه “التقليد الديمقراطي و الليبرالي”. ولكن في جوانب أخرى سنرى أنه يبتعد عن أسس هذه التطرية.

أولا ـ ما هي أهداف نظرية للعدالة ؟

يقول راوولز:” إن العدالة هي الفضيلة الأولى للمؤسسات الاجتماعية، كما الحقيقية هي أنظمة وطرق في التفكير، القوانين و المؤسسات يجب أن تكون عادلة”.

1ـ ضرورة مبادئ العدالة؛ صفاتها العامة؛ وبنية قواعد المجتمع.

العدالة، بالنسبة لراوولز، تتطلب في البداية ” حصانة” للشخص : لا يوجد أي مجتمع يمكن أن يكون عادلا إذا ارتكز على التضحية بالعديد من أفراده، أو حتى الأقليات فيه.من جهة أخرى، بما أن” المجتمع هو ارتباط، أكثر أو أقل رضا لأفراده، من الأشخاص الذين يعترفون بالعديد من القواعد الإجبارية لسيره،و الذين لديهم في نفس الوقت “صراع” من أجل المصالح و” هوية” للمصالح، فالمشكلة بالنسبة لهم ستكون التفاهم على مجموعة من المبادئ التي تحدد “توزيعا” صحيحا أو “عادلا” للامتيازات و المميزات و للأعباء”.

راوولز يقترح إقامة “مبادئ للعدالة” و التي سترضي أو تلبي هاذين المطلبين. اقتراحاته ستشكل أو تؤسس”نظرية العدالة بمعنى الإنصاف و الحق” ، أي justice as fairnesse. مبادئ العدالة يجب أن تكون عامة، بمعنى ليس فقط أن توجد و توضع في التنفيذ، بل أن تكون معروفة من قبل الجميع، كل واحد يعرف أن الآخرين يعرفون هده المبادئ مثله، كما يجب أن يكون هناك وجهة نظر مشتركة حول هذه المبادئ أو حول مبدأ العدالة، وبذلك يؤسسون “الميثاق الأساسي بمجتمع منظم بشكل جيد.بالتأكيد لن يكون لدى الجميع نفس الفكرة حول العدالة؛ ولكن وفق راوولز، على الأقل يظن أنه الجميع يستطيعون أن يحصلوا على نفس المفهوم حول ما يجب أن تكون عليه العدالة بشكل جوهري و أساسي. بالإضافة لذلك، نظام قواعد العدالة سيكون عليه السماح بالتنظيم،الفعالية و الاستقرار للحياة الاجتماعية.

أما “بنية قاعدية ” للمجتمع ستنتج من معرفة و الاعتراف بمبادئ العدالة. إنها ستضم تأسيسا سياسيا،و المبادئ والعناصر لنظام اجتماعي/اقتصادي، في داخلها سيكون للفرد دورا مميزا ووضعا أولويا.

في الواقع، عندما قرر راوولز دراسة “البنية الوحيدة القاعدية” للمجتمع، استبعد بشكل واع دراسة قواعد العدالة “للمجموعات الخاصة” داخل المجتمع. أيضا من جهة أخرى، دراسة العدالة يمكن أن تنقسم إلى نظرية “الخضوع الصارم” لقواعد العدالة أو ” عدالة مثالية”، و نظرية “الخضوع الجزئي”، ولكن راوولز لا يهتم إلا بالنظرية الأولى. فنظرية “الخضوع الجزئي” هي دراسة ” المبادئ التي تقود مسيرتنا أو سلوكنا ضد الظلم” ، و تضم نظرية العقوبات، تبرير الأشكال المختلفة لمعارضة الأنظمة الظالمة،التمرد،الثورات، اللاخضوع للحياة المدنية،الخ. مهما كانت أهمية هذه الدراسات، فإن راوولز يعتبر أن تعريف الظروف والشروط المثالية للعدالة هي لها الأولوية. و في النهاية، إنه يؤكد أن نظرية العدالة ليست هي نفسها سوى جزء من دراسة للمجتمع و لتعريف ” لحالة اجتماعية مثالية”. إن جون راوولز سيؤسس هذه النظرية على قواعد جديدة، ستتجاوز في نفس الوقت “النظرية النفعية” utilitarisme و ما يسميه ” الحدسية” intuitionnisme ( مذهب فلسفي يعتمد على الحدس قبل البرهان).

2ـ نقد النفعية.

إن نظريات النفعيون في الأخلاق وفي القانون سيطرت في العالم الأنكلوـ سكسوني، لكنها اصطدمت بتناقضات كان أهمها، أنها لا تتطابق إلا مع المشاعر الأخلاقية تلك التي نحصل عليها بالحدس المباشر. خطأ “النفعية” يتكون من أنها أرادت تطبيق على المجموعة الاجتماعية نفس المنطق الذي تطبقه على الفرد. فالفرد هو جاهز للتضحية بالعديد من رغباته، أو أن يصيبه العديد من العقوبات، من أجل الحصول في النهاية على أفضل شكل من الرضا الشخصي. النفعية رأت أن المجتمع يمكن أن يقوم بنفس المنطق. ولكن المجتمع في الواقع ليس لديه الحق بالتضحية بالعديد من الأفراد أو بحريتهم في سبيل سعادة الجميع. فالنفعية هنا كانت خاطئة من حيث أنها لم تأخذ على محمل الجد التعددية و الطابع الذي يميز و يفرق بين الأفراد. فالنفعية إذا ليست فردية.

نظرية العدالة كحق و إنصاف ستختلف عن النفعية، من حيث أنها لن تبحث نهائيا ولا في أي شكل من الأشكال عن الوصل بحالة التضحية بالفرد إلى أقصاها. أيضا بالإضافة لذلك، في النظرية النفعية هناك بحث للوصل إلى أقصى حد من الرضا، مهما كانت نوعيته، فالعدالة فيها ترتكز على الحصول على الأشياء التي تعرفها هذه النظرية بأنها جميعها جيدة. بينما في نظرية العدالة عند “جون راوولز”، على العكس، ” مفهوم العدل هو أدنى من مفهوم الخير، بمعنى تحقيق العدالة من خلال الخير”.

ثانيا ـ فكرة العقد الاجتماعي عن جون راوولز.

يقول “جون راوولز”، هدفي هو تقديم مفهوم للعدالة و الذي يعمم ويحمل إلى أعلى مستوى من التجريد النظرية المعروفة للعقد الاجتماعي، والتي نجدها عند “لوك”، “روسو” و ” كانط”. ومن أجل هذا،علينا ألا نفكر بأن العقد الأصلي هو مدرك أو مفهوم حتى يلزمنا أن ندخل في مجتمع خاص أو من أجل إقامة شكل خاص من الحكم. الفكرة التي سترشدنا هي قبل كل شيء مبادئ العدالة المقبولة من أجل البنية القاعدية للمجتمع وهذه المبادئ هي موضوع الاتفاق الأصلي في المجتمع.
إنها المبادئ نفسها التي، الأشخاص الأحرار والعقلانيون، الراغبون في تحويل رغباتهم و مصالحهم الخاصة ووضعها في موقع من المساواة، سيقبلونها، والتي وفقها، سيعرفون المصطلحات الأساسية التي ستربط فيما بينهم. هذه المبادئ عليها خدمة القاعدة التي هي أساس الاتفاقات، فالأشخاص يميزون أشكال التعاون الاجتماعي و الذي بداخله يمكن أن نلتزم، و أشكال الحكم التي يمكن أن تقوم أو تشيد. ضمن هذا الشكل من رؤية مبادئ العدالة، يمكن أن نسمي ذلك بنظرية العدالة كحق و إنصاف”.

نعتقد إذا أن عقدا اجتماعيا يمكن القيام به انطلاقا من حالته الأصلية، هو الذي يعادل أو يساوي ،وفق راوولز، ” حالة الطبيعة” التي تحدث عنها الكتاب الكلاسيكيون. المبادئ التي ستقام أثناء قيام العقد الاجتماعي هي ثمرة للتوافق بين الحدس والتفكير. الحدس الأول يجعنا نطرح العديد من المبادئ، تتوافق مع معتقداتنا الكبيرة حول العدالة، ولكن فيما بعد، عندما يتدخل التفكير، سيستطيع هذا التفكير، إما أن يؤكد قناعاتنا الأولى، أو يقودنا إلى تحسينها و إصلاحها. بمعنى في حال قيام العقد، فإن المبادئ التي يقام عليها سيتكون قد خضعت لتوازن مفكر فيه. وفي هذه الحالة، العقد الاجتماعي لن ينتج عن حقيقة بسيطة، ولا عن بناء مصطنع و مجرد للعقل، ولكن عن اختلاط بين الحدس و التفكير.

ثالثاـ الخيارات الكبرى للعدالة.

في الوقت الذي فيه يختارون مبادئ العدالة و البنية القاعدية للمجتمع، الناس من المفترض أنهم متساوون في المنافع،في طلب العدالة وفي الإرادة الخيرة. من جهة أخرى من المفترض أنهم يجهلون ماذا ستكون مواقفهم الخاصة في المجتمع. وبالتالي في هذه الحالة هم ينتقلون إلى العقد الاجتماعي تحت حجاب من الجهل. إذا عليهم التفكير حول المبادئ التي من شأنها الوصول إلى الحالة الأفضل لكل فرد سيعيش في هذا المجتمع. في هذا الحالة كيف تفرض مشكلة العدالة ؟

جون راوولز ينقل المشكلة إلى موضع آخر، ليطرح مجموعة من الخيارات أو ( مبادئ العدالة) و التي نوجزها بالتالي :
1ـ مبدآن للعدالة وفق التعبير القاموسي أو المعجمي ( نتكلم عنها في مراحل لاحقة) وهما :
ـ مبدأ الحرية الأكبر و الذي يساوي بين الجميع.
ـ مبدأ العدل من خلال تكافؤ الفرص، و مبدأ الاختلاف.

2ـ مفاهيم مختلطة. وفيها ثلاثة مبادئ أساسية :
ـ مبدأ المنفعة المتوسطة.
ـ مبدأ المنفعة المتوسطة، ولكنه خاضع لإجبار معين، هذا الإجبار إما أن يكون ضمان الحد الأدنى اجتماعيا، أو أن التوزيع الشامل و العام للمنافع في المجامع يجب ألا يكون فيه فوارق كبيرة.
ـ مبدأ المنفعة المتوسطة ويكون خاضعا لواحد من الإجبارين السابقين، مع إضافة التكافؤ في الفرص.

3ـ مفاهيم غائية كلاسيكية.( الغائية هي نظرية تقول بأن كل شيء في الطبيعة موجه لغاية محددة).
ـ المبدأ الكلاسيكي للمنفعة.
ـ مبدأ المنفعة المتوسطة.
ـ مبدأ الكمال.

4ـ مفاهيم حدسية. وتضم:
ـ التوازن للمنفعة الشاملة و مبدأ التوزيع العادل.
ـ التوازن للمنفعة المتوسطة ومبدأ التوزيع.
ـ التوازن بين قائمة من المبادئ المقبولة من النظرة الأولى.

5ـ مفاهيم أنانية. وتضم:
ـ استبدادية وديكتاتورية “الأنا”: حيث على كل واحد أن يخدم مصالحي ومنافعي.
ـ كل واحد أو فرد عليه التصرف وفق العدالة ويخضع لها، إلا أنا، حيث أقرر ما أريد فعله.
ـ بشكل عام: كل واحد لديه الحق بمتابعة مصالحه كما يراها.

إن جون راوولز يبعد مبدئيا كل المبادئ بعد توجيه انتقادات لها، باستثناء المبدأ الأول المتعلق بالمفهوم المعجمي للعدالة.

1ـ النفعية الكلاسيكية،النفعية المتوسطة، والكمالية.

ـ النفعية الكلاسيكية: تعتبر المجتمع كفرد واحد. هنا جون راوولز يذكر نظرية “آدم سميث” حول (المشاهد أو المتفرج الحيادي أو النزيه)، و التي تقيم المنافع و المصالح وغير المنافع أيضا ، لمختلف الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية بأنها ممكنة. حيث وضع”سميث” نفسه في أماكن العديد من الموجدين في المجتمع، وشاهده من خلال رغباتهم ثم قارن فيما بينهم، بعد ذلك وقف لجانب النظام الذي يزود المجتمع أو الجماعة بأفضل المنافع. لكن راوولز ينتقد ذلك، حيث يقول أن هذا ينكر أن الرغبات عند الأفراد هي منفصلة وغير متشابهة ولا يمكن مقارنتها وفق مقياس واحد. بمعنى آخر، نظرية النفعية الكلاسيكية، لا تعتبر عذاب وألم الأفراد أنه ظلما، إذا استطعنا اعتباره ضروري للوصل للإرضاء العام في أقصاه.

ـ أما النفعية المتوسطة: و التي تسعى إلى الوصول إلى الرضا في أقصاها لأكبر عدد من أعضاء المجتمع، فهي امتداد وتشجيع للنفعية الكلاسيكية في العديد من النقاط.

ـ أخيرا، مبدأ الكمال، والذي يدعيه راوولز، بالمبدأ المعنوي ووفقه مجتمع يكون مفضل على آخر إذا سمح بظهور وتفتح الكمال عند الإنسان، وهذا يكون غير موجود في مجتمع آخر. ولكن في الواقع هذه المسألة نسبية. فالمجتمع الذي أعطى ( ليوناردو دافنشي، موزار، بيتهوفن، أو أي بطل رياضي ما) يمكن تقييمه بأنهم المفضل على مجتمعات أخرى، حتى ولو كان فيه الكثير من الفقر أو العبودية أو الظلم الاجتماعي. بشكل مقلوب، أصحاب النظرية الكمالية، سيقيمون بالمجتمع، حيث يحكم العدل الاجتماعي، ولكن فيه الناس هم بحالة رديئة. راوولز يرفض هذا المبدأ، لأنه في الحالة الأصلية أو الطبيعية للإنسان أي ما قبل العقد الاجتماعي لا يوجد أحد لديه أي ضمان بأنه سيكون من بين من يحصلون على الرضا الكامل بعد قيام العقد.
أما الحلول”الذاتية الأنانية” هي مبعدة لأنها متناقضة مع فرضيات القاعدة الأصلية. ولأن هذا المبدأ لا يمكنه أن يحدث اتفاقا بالإجماع، حيث هذا الاتفاق هو ضروري لإقامة العقد الاجتماعي. وإذا كل فرد تابع مصالحه بالطريقة التي يردها، فإننا نصل إلى مجتمع الأقوى هو الذي يحكم. وبما أنني تحت حجاب الجهل لا أستطيع معرفة ما هو وضعي بعد العقد الاجتماعي،هل سأكون ضعيفا أم قويا، فإنه من الخطورة القبول بهذا المبدأ.

ما هما مبدآ العدالة الذي تحدث عنهما جون راوولز ؟

المبدأ الأول :
كل شخص يجب أن يكون له حق متساو في النظام العام للحريات المتساوية للجميع.
ضمن هذا المبدأ،الحريات الأساسية لا يمكن الحد منها إلا باسم الحرية نفسها، وهنا يوجد حالتين: أولا، تقليص للحرية يجب أن يدعم النظام العام للحريات الموزعة بين الجميع؛ثانيا، عدم المساواة في الحريات يجب أن يكون مقبولا من قبل أولئك الذين لديهم حرية أقل.
المبدأ الثاني:
عدم المساواة الاقتصادية و الاجتماعية يجب أن تكون محدودة، ولكن ضمن مجتمع مفتوح أمام الجميع و يؤمن بتكافؤ الفرص.
هذا المبدأ عمليا موجود في مبدأ الفعالية والوصول إلى أقصى حد من المنافع؛ و بالنسبة للمساواة في تكافؤ الفرص هي موجودة في داخل مبدأ الاختلاف. وهنا أيضا لدينا حالتين : الأولى، عدم المساواة في الفرص يجب أن تحسن فرص الذين لديهم فرصا أقل؛ ثانيا، معدل مرتفع من الادخار يجب أن يخفف التكاليف و الأعباء عن الذين لا يستطيعون تحملها.

المبدأ الأول :
الحريات الأساسية للمواطنين هي بشكل عام، الحرية السياسية ( حق الاقتراع أو حق الوصول إلى أي مركز عام في الدولة و المجتمع)، حرية التعبير،الاجتماع، حرية التفكير و الاعتقاد؛ الحرية الشخصية والتي تضم الحماية من أي تعسف أو ممارسة للتعذيب، وتضم أيضا حق الملكية، الحماية من التوقيف و السجن التعسفي. وجميع المواطنين في دولة قائمة على العقد الاجتماعي يجب أن يحصلوا على هذه الحقوق بشكل متساو. نلاحظ هنا أن الحريات التي لا تظهر على هذه القائمة من الحريات الأساسية هي ليست محمية بالمبدأ الأول. يقصد هنا “حق تملك العديد من الأملاك الضخمة، مثل وسائلا لإنتاج مثلا. وعندما يقول جون راوولز أن الحريات لا يمكن الحد منها إلا باسم الحريات، فهذا يعني أن الحد من واحدة من الحريات، أو الحد منها عند العديد من المواطنين، هذا مشروط بزيادة الحريات عند الجميع أو الآخرين.

المبدأ الثاني:
يطبق على توزيع الدخل والثروة، وعلى بناء منظمات تستخدم سلطات مختلفة ومسؤوليات مختلفة ومتعددة. كل فرد يستطيع الانتماء إلى نظام اقتصادي أو اجتماعي الذي يحسن الفرص للجميع. لا بد من التذكير هنا أن مبدأ الاختلاف يرتكز على الفكر الليبرالية حيث الاقتصاد هو تعاون يحسن بشكل قاطع الإنتاج العام. فعندما عدد من الفاعلين يربحون أكثر من الآخرين، فهذا يمكن أن يشارك في تحسن الإنتاج العام.

رابعا ـ المساواة الديمقراطية

لقد ترك راوولز بشكل مقصود بعض التعابير الغامضة ضمن هذا المجال، وأهمهما تعبيران أساسيان هما ” المنفعة للجميع” و ” مفتوح للجميع”. الأول يمكن أن يمتد إلى معنى آخر إما أن يكون “مبدأ الثبات والفعالية”، أو ” مبدأ الاختلاف، أما الثاني، إما “طريق مفتوح أمام المواهب والإبداعات” أو” العدالة في الفرص”.إذا افترضنا أن المبدأ الأول ليس غامضا،سيكون لدينا إجمالا وفي هذه المرحلة، أربع تفسيرات ممكنة للمبدأين والتي يسميها راوولز كما يلي : 1ـ نظام الحريات الطبيعية.2ـ المساواة الليبرالية.3 ـ الارستقراطية الطبيعية.4ـالمساواة الديمقراطية. راوولز سيبعد الثلاثة الأولى لصالح “المساواة الديمقراطية”. لذلك نتناول هنا التفسير الثالث عند راوولز.

من بين الأنظمة الاجتماعية المختلفة والممكنة، راوولز يدين تلك الأنظمة التي تضم بشكل كلي أو جزئي الملاحظات التالية :
ـ “نظام الحرية الطبيعية”، الذي يعرّف من خلال ،الحرية، الطريق المفتوح أمام المواهب و من خلال الفعالية، بمعنى لآخر الليبرالية المحضة من غير وجود “دولة العناية أو الدولة الفاضلة”، هو بشكل مضاعف نظام ظالم ويرفضه راوولز.

ـ مجتمع” المساواة الليبرالية”، و الذي يعرّف من خلال الحرية، مبدأ الفعالية و تكافؤ الفرص، بمعنى آخر مجتمع ليبرالي مع نظام ضريبي مفروض، كذلك نظام للتعليم، خاص أو عام، ممهد أمام كل الطبقات،هو مجتمع مفضل على السابق، حيث أنه يبحث عن تقليص التأثير الاصطدام الاجتماعي و من الصدفة الطبيعية لتوزيع الثروة. مع ذلك، راوولز يتهمه بأنه لا يصارع إلا في جزء منه من أجل المساواة وتكافؤ الفرص.
ـ “الأرستقراطية الطبيعية”، ستكون النظام الاجتماعي الذي سيحترم الحرية، مبدأ الاختلاف والطريق المفتوح أمام المواهب. وهذا يعني مجتمع منظم، والمراكز القيادية فيه تعود فقط لمن يستحقها أو لأصحاب القدرات، من في أن نقلق من الظروف التي يمكن أن تغير من ذلك.

لكن راوولز يرفض أيضا هذا النظام، حيث أنه لا يفعل شيئا من أجل تصحيح اللامساوة الاجتماعية أو الطبيعية في الفرص. يبقى إذا “المساواة الديمقراطية”، بمعنى آخر المجتمع الذي يعترف بمبدأي العدالة. راوولز يصف هذا النظام كما سيأتي.

مؤسسات “دولة العناية أو الفاضلة”.

1ـ المؤسسات التي تتطابق مع المبدأ الأول.
المجتمع يجب أن يكون “ديمقراطية ليبرالية”، إذا نفهم من خلال استخدام هذا المصطلح، أنه يحترم حقوق الإنسان و الحريات الفردية و أنه ديمقراطي على الصعيد السياسي، ويرتكز على مبدأ “دور وحكم القانون، وعلى دولة الحق، حيث القانون معمم على الجميع ويعرفه الجميع وهو مرتكز الجميع. يضيف جون راوولز، إذا الحرية لا يمكن أن تكون محدودة من خلال النظرة أو البحث عن أفضل توزيع للمنافع الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنها يمكن أن تكون كذلك باسم الحرية نفسها.

راوولز يميز بين الحالة المثالية التي تكون لدينا بشكل فعلي بعد العقد الاجتماعي، الذي يؤسس مجتمعا عادلا، و الحالة غير المثالية، حيث نتفق على ما يمكن أن يكون في مجتمع عادل، ولكن نحن نعرف أن المجتمع الحالي هو غير عادل ولا بد من تبديله.وفي الحالة الأخيرة، راوولز يعلن: أننا نستطيع أن نقيد حريات أولئك، على الأقل الحريات السياسية، الذي يعارضون هذه التغييرات.

2ـ مؤسسات تطابق المبدأ الثاني.
المبدأ الثاني هو بدوره دليل من أجل تحديد البنية القاعدية للمجتمع. إنه أولى مقارنة بالمبدأ النفعي القائل بالوصول إلى أقصى حد من المنتج الاقتصادي. هذه العناصر التالية لنظام راوولز تقترب من سياسات”الاجتماعية ـ الديمقراطية” التقليدية.
يؤكد راوولز أنه سيبين العديد من الأفكار حول البنية الاجتماعية/الاقتصادية من أجل تبيين خصوصيته حول العدالة. إن مسألة البنى الجيدة الاجتماعية الاقتصادية تبين أو تعطي علوما اجتماعية واقتصادية.فنظرية العدالة لا تهتم سوى بالمبادئ. كذلك، بشكل خاص، راوولز يؤكد أن نظريته لا تسمح بأن نفضل أو نؤثر شيئا مع أو ضد الليبرالية أو الاشتراكية. فالنظامان يمكن أن يرضيان أو العكس، أهداف العدالة. فمسألة الاختيار بين اقتصاد متمركز على الملكية الخاصة أو العامة، هي متروكة أو مفتوحة على طول و أثناء عملية التنمية. ولكن هناك فكرة سابقة تقييمية تتعلق بالنظام الليبرالي ولصالحه وهي أنه يحترم الحريات.
إن راوولز سيصف ليس فقط بنية قاعدية مثالية،يبحث عن تأسيسها أو خلقها،ولكن بشكل عام، يبحث عن “دولة العناية/الرفاهية” والتي هي موجودة من قبل، والذي يبحث عنه هنا “هو رؤية كيفية تنظيمها يتفق مع مبدأي العدالة”. الهدف هو،فلنتذكره كما أوردناه سابقا، ثلاثي:الحفاظ على الحريات،زيادة أو الرفع من أوضاع الأقل حصولا على المنافع، ثم بناء عملية تكافؤ الفرص.



التصنيفات
الفلسفة السنة الثالثة تانوي

العلاقات الأسرية والنظم الاقتصادية والسياسية


السلام عليكم

العلاقات الأسرية والنظم الاقتصادية والسياسية

من هنا

بلتوفيق للجميع


التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

دور وسائل الإعلام في عملية التنشئة السياسية لدى الفرد الجزائري

دور وسائل الإعلام في عملية التنشئة السياسية لدى الفرد الجزائري

تعليم_الجزائر