التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

نظرة في علم الأصوات العربي،،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،

نظرة في علم الأصوات العربي من خلال كتاب أصالة علم الأصوات عند الخليل بن أحمد الفراهيدي
للدكتور أحمد محمد قدور

مسائل الكتاب :
1. مسألة تأثر الخليل بالحضارات السابقة
2. مسائل صوتية ونطقية
3. مسائل صوتية تشكيلية
أولاً: مسألة تأثر الخليل بالحضارات السابقة :

رأى بعضُ الدارسين المحدثين أنَّ الخليلَ متأثرٌ بنظامِ ترتيبِ الأصواتِ عندَ نحاةِ السنسكريتيةِ من الهنودِ ،وقد دفعهم إلى هذا الرأي استغرابُهم للنضجِ المبكرِ لعلومِ العربيةِ ،ممّا يؤكدُ افتراضَ وجودِ اقتباسٍ واسعٍ من حضاراتٍ سابقةٍ تتمتعُ بمفاهيمَ لغويةٍ متطورةٍ
فقد ذكرَ مونان أنَّ فولرز أشارَ إلى بعضِ نقاطِ التماسِ بين بانيني وبين العلومِ الصوتيةِ اللغويةِ التي أنشأها الجيلُ الأولُ من النحويين العربِ كالخليلِ ،وقد أخذَتْ بهذا الزعمِ دائرةُ المعارفِ الإسلاميةِ التي رأى كاتبُ مادةِ الخليلِ فيها: (أنَّ الظاهرَ أنَّه رتبه على حروفِ الهجاءِ عند نحاةِ السنسكريتيةِ وهي التي تبدأ بحروف الحلق )
ذكر فؤاد سزكين أنَّ مسالةَ تأثرِ الخليلِ بترتيبِ الهنودِ لحروفِ الأبجديةِ تبعاً لمخارجها أمرٌ مفروغٌ منه وقد أحال سزكين في معلوماته هذه إلى مرجع للمستشرق المعاصر فيلد (wild).
أكدَ مالفرد أولمان هذا التأثرَ بقوله:صنَّف الخليلُ بن أحمدَ الفراهيدي معجمَه الشامل العين طبقاً للقواعد الهنديةِ وفقَ نظامٍ صوتيٍّ منطلقُه حرفُ العين .)
تبنَّى شوقي ضيف في كتابه المدارس النحوية هذا الرأي دون الإشارة إلى مصدرٍ معينٍ ،فقال تعليم_الجزائرربَّما عرف ذلك من بعض نازلتهم –الهنود- في موطنه )
ذهب دارسون آخرون في معرض دراستهم لتأثر الدرس اللغوي العربي بالتراث اليوناني إلى أنَّ الخليلَ أخذ ترتيبه من المعاجم اليونانية، وليس له فضل إلا في أسبقيته في النقل ،واحتجوا على ذلك برواية للزبيدي في كتاب طبقات النحويين واللغويين أنَّ الخليلَ عرفَ اليونانيةَ وأنَّه تلقَّى عن حنين بن إسحاق ما ترجمه من تراث اليونان
وقد رفض دارسون آخرون هذا التأثر أيَّاً كان مصدره، فترتيب الخليل للأصوات حسب مخرجها عربيٌّ أصيلٌ، أمَّا معرفة الخليل باللغات الأجنبية فلا دليل عليه، و إلى هذا ذهب يوسف العش وحسين نصار ومهدي مخزومي
إنَّ ترتيب الخليل للأصوات في معجمه العين جاء تماشياً مع الجوِّ الحضاريِّ الناهضِ للحضارةِ العربيةِ المستنيرةِ بالإسلامِ ،ولم يكن علمُ الأصواتِ الوحيدَ في النشأة ،فهناك النحو والصرف والفقه والحديث وو…إلخ
أمَّا مسألة لقاء الخليل بحنين بن إسحق فيردها أنَّ الخليل توفي(179هـ) قبل أنْ يولدَ حنينُ بن إسحق ت(264هـ)، فعلى هذا لم يدرك الخليلُ عصرَ الترجمةِ الحقيقيِّ ،ولو سلمنا بمسألة التأثر، فالكتاب –العين –يخلو من أية مصطلحات أجنبية دخيلة كالتي نجدها في كتاب مفتاح العلوم للخوارزمي، عند حديثه عن العلوم المستجلبة من اليونان والهند كالمنطق والفلسفة والطب، أما مسألة تأثر الخليل بنازلة الهنود في البصرة فيردها عدة أمور :
o أن هذا الافتراض يجعل الهنود عالمين بإنجازات علمائهم اللغوية الدقيقة حتى ولو كانوا تجاراً أو بحارة
o إمكانية نقل هؤلاء-التجار والبحارة- لهذه المعلومات سليمة خالية من التحريف
o مسألة معرفة الخليل بلغة هؤلاء القوم ولا دليل على ذلك
o عدم وجو نشاط علمي لهؤلاء البحارة والعمال وتأثر العرب الآخرين غير الخليل بهم
إن القائلين بهذا التأثر فاتهم فهم معطيات التكوين الثقافي للخليل كمبدع لعلوم عربية شتى بدءاً من العروض وعلم النحو والصرف وتلقيه للعربية سماعا من فصحاء العرب فضلا عن القراءات القرآنية التي عرفها
ثانياً مسائل صوتية ونطقية :
غاية الخليل في معجمه جمع مفردات اللغة على سبيل الحصر والاستيعاب لا الترتيب والتصنيف بحسب الموضوعات وسبيله إلى ذلك ليس الترتيب الأبجدي المتوارث عن الساميات ولا الترتيب الألفبائي التعليمي لأنهما يهدران القيمة الصوتية التي جعلها الخليل مبدأ من مبادئ علمه وقد تمكن بطريقة التقاليب حصر استيعاب تلك المفردات سواءٌ ما كان منها أو ما هو كائن أو ما سيكون
نسبة الكتاب للخليل :
تعرض كتاب العين لنقد علماء العربية في نسبته للخليل من حيث زمن ظهوره ومكان ظهوره والمعلومات التي حواها أما المقدمة فمن أبرز الآراء فيها :
إن التأسيس في أول الكتاب (المقدمة)أو مخططه أو جزء متقدم منه للخليل وقد عبر عن ذلك الأزهري بقوله تعليم_الجزائرولم أر خلافاً بين اللغويين أن التأسيس المجمل في أول كتاب العين لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد وأن ابن المظفر أكمل الكتاب عليه .)
وقريب من ذلك ما رواه ثعلب وذكره ابن جني من أن الخليل أومأ إلى الكتاب أو رسمه لكنه لم يله بنفسه ولا قرره ولا حرره) وقد اعتمد بروكلمان هذا الرأي على الرغم من الشكوك المثارة حول الكتاب
إن دراسة مقدمة الكتاب تظهر أن الخليل صاحب الفكرة من خلال المناقشة والإملاء لتلميذه الليث وما نقله اللغويون من روايات عن الليث عن الخليل
المعطيات الصوتية في كتاب العين
1. أدرك الخليل أنَّ السبيلَ الأمثلَ لتلقي اللغة قبيل تطور التدوين والكتابة هو المشافهة من أهلها، وهذا الفهم للخليل يتفق مع كون اللغات كلاماً منطوقاً يُتداولُ مشافهةً ،لذا وجب الاهتمام بالأصوات المنطوقة قبل الحروف المكتوبة ،وقد توصل الخليل إلى ذلك بعد تدبرٍ وإعمالِ نظرٍ، فقد اتجه أولاً إلى حروف( ا ب ت ث )فلم يستطع الاعتماد على الألف لأنَّه حرفٌ معتلٌ ،ولم يتمكن البدء بالحرف الثاني –الباء- إلا بحجةٍ ودليلٍ لذا نحَّى الترتيب الألفبائي التعليمي المبتكر من قبل نصر بن عاصم، كما تجاوز الترتيب الأبجدي الموروث عن اللغات السامية الذي لا يشير إلى أية قيمةٍ صوتيةٍ تركيبيةٍ تعينُ على كشفِ خصائصِ الكلام العربي،فاتجه إلى الترتيب الصوتي للحروف بعد أن” دبر ونظر إلى الحروف كلها وذاقها فوجد أنَّ مخرج الكلام كلِّه من الحلق ،فصير أولاها بالابتداء ادخل حرف منها في الحلق ” وهذه الفكرة (الترتيب الصوتي )فكرة أصيلة رائدة من صنع الخليل مردها إلى فكره النير المبدع واستقصائه وتجربته
2. استند الخليل في ترتيبه الصوتي الرائد إلى تجربته الخاصة التي دعاها بذوق الحروف التي مكنته من ترتيب الحروف حسب المخرج الصوتي من الحلق إلى الشفتين ،وذوق الحرف عنده لا يتأتى إلا بسكون الحرف ” وإنَّما كان ذواقه إياها أنه كان يفتح فاه بالألف ثم يظهر الحرف نحو( اب- ات )،وقد وصف سيبويه ما تم بين الخليل وتلاميذه حول التلفظ بالحرف وتصويب الخليل لطرقهم الخاطئة في نطقها، أما ابن جني فقد اعتمد الطريقة نفسها في كتابه سر صناعة الإعراب ، لكن دون عزوها إلى الخليل ،وقد مكنت الطريقة الخليل من معرفة ترتيب الحروف بدءاً من الأعمق في الحلق ثم الأرفع فالأرفع إلى آخرها الميم، ولم يسمِّ الخليل ترتيبه الجديد،كما أن كلمة الحلق عنده لا تشير إلى مخرج حروف الحلق الستة ،بل إلى مصدر الحروف الذي تخرج منه بداية، وما تتعرض له بعد ذلك من توقف أو تجاوز
3. حدد الخليل عدد الحروف التي ألفت منها أبنية كلام العرب بتسعة عشرين حرفا أوردها ثلاث مرات
1. في المرة الأولى أورد الحروف التسعة والعشرين دون ذكر العدد
2. في المرة الثانية ذكر العدد وسمى حروف العلة فقط (في العربية تسعة وعشرون حرفا منها خمسة وعشرون حرفاً صحاحاً لها أحياز و مدارج وأربعة أحرف جوف وهي الواو والياء والألف اللينة والهمزة ) 3. في المرة الثالثة أوردها مع ذكر العدد مرتين وأشار إلى أنها مرتبة على الولاء صحيحها ومعتلها وهذه الحروف التسعة والعشرين هي نفسها عند سيبويه لكنه خالف ترتيب الخليل ثم أضاف حروفا أخرى دعاها بالفروع فوصل بها إلى الأربعة و الأربعين
4. رتب الخليل الحروف التسعة والعشرين على النحو التالي أوائل كلمات الأبيات التالية : عن حسن هجر خريدة غناجة
قلبي كواه جوى شديد ضرار
صحبي سيبتدئون زجـــري
طلباً دهش تطلب ظالم ذي ثار
رغما لذي نصحي فؤادي بالهوى
متـلهب وذوي الملام يداري وهذه هي الحروف الصحاح ثم (ا و ي)وهي حروف العلة وهذا الترتيب مخالف لترتيب سيبويه وعلماء التجويد أما ابن جني فاعتمد ترتيب سيبويه ووسم ترتيب الخليل بالاضطراب
وقد دفع الاضطراب في ترتيب الخليل المخالف لترتيب نحاة البصرة إلى الطعن في نسبة العين للخليل وخاصة بدؤه بالعين وعدها أول الحروف مخرجا في الوقت الذي اعتبر سيبويه الهمزة أقصاها مخرجا ونقل ابن كيسان النحوي الكوفي سبب عدم بدء الخليل بالهمزة لكثرة ما يلحقها من نقص وتغيير فنزل إلى الحيز الثاني فوجد العين والحاء والعين أنصع الحرفيين فابتدأ بها كما نقل الأزهري رأيا شبيها برأي ابن كيسان عن تغير الهمزة وتبدلها بين الواو والياء والألف والروايتان تعتذران لصنيع الخليل في معجمه
5. قسم الخليل الأصوات التسعة والعشرين إلى قسمين صحاح (صوامت) وجوف (صوائت ) فقد روى الليث عن الخليل قوله تعليم_الجزائر في العربية تسعة وعشرون حرفا منها خمسة وعشرون حرفا صحاحا لها أحياز و مدارج وأربعة أحرف جوف وهي الواو والياء والألف اللينة والهمزة ) فالصحاح فهي التي تقع في مدارج محددة من مدارج الحلق واللسان واللهاة ولها حيز تنسب إليه وموضع تتسمى به فتكون حلقية أو لهوية أو شجرية أو أسلية أما العلل فليس لها مدارج محددة تخرج منها وإنما تنسب إلى الجوف والهواء وقد اختلفت الروايات في حصر عددها فالليث يروى أنها أربعة هي الألف والواو والياء والهمزة وينقل الأزهري عن الليث في رواية عن الخليل أن عدد الأحرف ثمانية وعشرين تقسم إلى نوعين صحيح ومعتل والمعتل منها ثلاثة هي الهمزة والواو والياء ثم يذكر أنها أربعة مضيفا إليها الهمزة أما الأخفش الأوسط فيجعل حروف العلة التي يسميها بالجوف ثلاثة لا أربعة و يعد عن الخليل أنها ثمانية وعشرين حرفا.

سبب تسميتها
روى الليث عن الخليل عن ذلك أن فيها لين وتغير يجعلها مختلفة عن الحروف الصحاح أما الأزهري فرأى أن اعتلالها تغير من حال إلى حال ودخول بعضها على بعض واستخلاف بعضها من بعض
السمات الصوتية لحروف العلة
الهمزة :من أقصى الحلق من عند العين وهي في الهواء وتخرج من الجوف وهي وسط بين الصحاح والعلل من حيث قربها من مخرج الحلق ولا سيما العين مما سوغ إبدالها من العين وروي من الغين أيضا وهي في حال كونها مهتوتة مضغوطة تقتر من الصحاح على حين أنها تلين وتصير إلى الياء والواو والألف على غير طريقة الحروف الصحاح إذا رفه عنها المقصود بالهت والضغط ما يستشعره الناطق بالهمزة من عصر وشدة وانحباس نتيجة انطباق لسان المزمار انطباقا شديداً تاماً ثم انفراجه سريعا أما اللين فهو عدول الناطق عن الهمزة فتتحول إلى واو وياء وألف
الألف اللينة والواو الياء :جوف وهوائية ولها حيز يجمعه مع الهمزة تارة ويستقل عنها تارة أخرى إن ما يجمع هذه الحروف مع الهمزة هو قرب مباديها منها إذ كثيرا ما تتحول الهمزة إلى إلى ألف أو واو وياء
أما ما يجعلها مختلفة عن الهمزة اتصافها باللين والامتداد لذلك سميت حروف مد ولين وذلك إذا سبقت بحركة تلاؤمها
و تكون هذه الحروف في مجرى واحد مبدؤه من عند الهمزة إلا أن مدارج أصواتها مختلفة والمقصود بالمدارج أمكنة التشكل وهيئاتها
فمدرجة الألف شاخصة نحو الغار الأعلى
ومدرجة الياء منخفضة نحو الأضراس
ومدرجة الواو مستمرة بين الشفتين وأصلهن من عند الهمزة
وقد فرق الخليل في غير العين بين الألف والواو والياء فالألف أضعف حروف العلة وتجري في مجار شتى والواو الياء لها صورتان صورة الاعتلال وصورة القوة والصحة .فقد تنسبان إلى مخرجين من مخارج الحروف الصحاح فالياء تشارك الجيم والواو تشارك الباء والميم
وقد روى الأزهري كلاما منسوبا إلى الخليل يشرح حالتيهما عندما يكونان من أنصاف الصوائت وأنصاف صوامت ( الواو والياء إذا جاءتا بعد فتحة قويتا وكذلك إذا تحركتا كانتا أقوى.)
6. الحروف الصحاح : قرر الخليل لها مخارج محددة وجمع ما تقارب منها في ألقاب استمدها من أعضاء النطق لم يحدد عدداً للمخارج كمما فعل سيبويه وابن جني وقد نسب إليه جعلها سبعة عشر مخرجا والى هذا ذهب علماء التجويد والقراءات كابن الجزري أما سيبويه وابن جني فجعلاها ست عشرة مخرجا مسقطَيْنِ مخرج الجوف وذهب الجرمي وقطرب والفراء إنها أربعة عشر مخرجا وأسقطوا مخرج الجوف وجاعلين اللام والراء والنون مخرجا واحدا
ترتيب الخليل للمخارج
بدا الخليل ترتيبه للحروف منطلقا من الحلق لأنه بعد أن دبر ونظر وذاق الحروف وجد أن مخرج الكلام كله من الحلق فصير أولاها بالابتداء ادخل حروف منها في الحلق ثم وضعها على قدر مخرجها من الحلق مرتبا الحروف بدءا من أقصى الحلق باتجاه الفم والشفتين
7. قسم الخليل الحروف إلى مجموعات متقاربة اشتق أسماءها من أسماء المواضع التي تخرج منها الحروف.
1. الحلقية مبدؤها من الحلق وهي تعليم_الجزائرع، ح،هـ،خ،غ،ء)
2. اللهوية مبدؤها من اللهاة وهيتعليم_الجزائرق،ك)
3. الشجْرية :بدؤها من شجر الفم وهي تعليم_الجزائرش ،ج،ض،ي غير المدية)
4. الأسلية :مبدؤها من أسلة اللسان وهيتعليم_الجزائرص،س،ز)
5. النطعية :مبدؤها من نطع الغار الأعلى وهيتعليم_الجزائرط،د،ت)
6. اللثوية :مبدؤها من اللثة وهي (ظ،ذ،ث)
7. الذلقية :مبدؤها من ذلق اللسان وهي تعليم_الجزائرر،ل،ن)
8. الشفهية أو الشفوية مبدؤها من الشفة وهي تعليم_الجزائرف،ب،م،و)
9. الجوفية أو الهوائية ليس هلا حيز على طريقة الحروف الصحاح فتنسب إلى الجوف والهواء وهي (الألف اللينة و،ي المديتان)
يؤكد مكي بن أبي طالب القيسي صاحب كتاب (الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة)نسبة هذه الألقاب إلى الخليل في مقدمة كتاب العين بقولهتعليم_الجزائروبقيت عشرة ألقاب تمام أربعة وأربعين لقبا لقبها بذلك الخليل بن احمد في أول كتاب العين جعل ألقابها عشرة مشتقة من أسماء المواضع التي تخرج منها الحروف
يقطع الدكتور إبراهيم أنيس أن نسبة هذه المصطلحات إلى الخليل نسبة غير صحيحة وإلا وجدنا لها صدى في كلام سيبويه تلميذ الخليل ووارث علمه ويقرر أنها ظهرت في لقرن الرابع لما احتدم النقاش بين العلماء حول كتاب العين ونسبته إلى الخليل رافضا ما ورد في شرح السيرافي لكتاب سيبويه وابن دريد صاحب الجمهرة والنسخ الحديثة لكتاب العين ولكن الدكتور إذ يرفض نسبة هذه المصطلحات للخليل يسارع في نسبتها لابن جني دون دليل
8. ذكر الخليل عدد من صفات الحروف في تضاعيف كتابه كالذلاقة والإصمات والهمس والتفخيم والغنة ووصفه للهمزة بأنها مهتوتة مضغوطة ووصفه للهاء باللين والهشاشة والهتة وبأنها نفس لا اعتياص فيها
o وصف الخليل التاء والدال والطاء بصفات متضادة فالطاء فيها صلابة وكزازة على حين أن الدال لانت عن صلابة الطاء وكزازتها وأنها ارتفعت عن خفوت التاء فحسنت
o وصف السين بالتوسط والهمس ومثلها الصاد لكنها مطبقة والزاي بالجهر فيما السين والصاد مهموستان
o وصف اللام والراء والنون بالانحراف
o وصف العين والقاف بالطلاقة وضخامة الجرس والنصاعة
9.ذكر الخليل عدد من المعلومات الصوتية الخاصة بما يسمى اليوم علم الأصوات النطقي كأعضاء النطق ( شجر .غار.حنك.أسنان .لسان ..)وغيرها من المعلومات التي جاءت عرضاً
ثالثاً:مسائل صوتية تشكيلية :
غاية المعلومات الصوتية التي وضعها الخليل ين يدي تلميذه الليث هي الوصول إلى طرق التشكيل الصوتي، فالأصوات اللغوية المنعزلة لا تحلل على انفراد إلا بنوع من التجريد فلا يتكلم إلا بمركبات من الأصوات اللغوية وقد أوضح الخليل قصده الرئيس من عمله في كتاب العين وهو معرفة كلام العرب وألفاظهم فلا يخرج عنها شيء من ذلك .
o حدد الخليل الحروف لأنها أساس ما يتركب من الكلام .
o ذكر أصناف كلام العرب من ثنائي وثلاثي ورباعي وخماسي
o بين أقسام الكلام كالحرف مثل قد ،والفعل الثلاثي مثل ضرب والاسم كعمر وجمل
o ذكر مسائل تركيبية كزيادة همزة وصل في اقشعرَّ.
o أوضح الخليل أن الاسم لا يكون أقل من ثلاثة أحرف أما ما يبدو ثنائياً كاليد والفم فالحرف الثالث محذوف لالتقاء الساكنين وقد أشار الخليل إلى استقرار أصول الكلم العربي على الأصول الثلاثية لذلك لم يتصور اسما أو فعلا ثنائيا بل إن الحرف الثنائي إن أردت تحويله إلى اسم أدخلت عليه التشديد حتى يصير ثلاثياً نحو هلٌّ وقدٌّ
o أما الأبنية الفوق ثلاثية فما يحسِّن تأليفها ويسهل النطق بها دخول حروف الذلاقة والطلاقة عليها فحروف الذلاقة (ر.ل.ن)والشفوية (ف.ب.م) فهذه الحروف تتصف بالذلاقة و الخفة وانطلاق اللسان بهن فسهل تأليف الأبنية الرباعية والخماسية منهن(فلمَّا ذَلَقَتِ الحُروفُ السِّتَّةُ ومَذَلَ بِهِنَّ اللِّسان وسَهُلَتْ عليه في المَنْطِقِ كَثُرِتُ في أبِنَيَةِ الكلام فليس شَيءٌ من بِناء الخماسيِّ التَّامِّ يَعْرَى منها أو من بعضها ) هذه الفكرة اقتبسها ابن جني من كلام الخليل دون الإشارة إلى مصدرها وقد وصف الدكتور إبراهيم أنيس عمل ابن جني بالتعسف حين وجد بعض الكلمات تخالف قاعدته التي وضعها عن الأبنية الفوق ثلاثية وحروف الذلاقة مثل عسجد ،أما رأيه في الذلاقة فرأى أنها لا تتجاوز معناها في القدرة على الانطلاق في الكلام بالعربية دون تعثر أو تلعثم ) ورأي الدكتور أنيس فيه تهوين بقيمة هذه الصفة في تكوين الكلام العربي واستخفاف بنتيجة من كبرى نتائج الدرس الغوي العربي.
o نبه الخليل على أن خلو الأبنية الرباعية والخماسية من حروف الذلاقة والشفوية خير دليل على عربية الكلمة أو عجمتها من جهة وعلى حقيقة هذه الكلمة وتواجدها في الواقع النطقي وعدم اصطناعها مثل كلمة الكشعطج أما ما جاء خارجا على قاعدة الخليل فهي كلمات قلية شاذة نحو (العَسْجَدُ والقَسْطوس والقُداحِس والدُعشُوقةُ والُهْدُعةُ والزُهْزُقَةُ) أما ما سوغ بناء هذه الكلمات على الرغم من خلوها من حروف الذلاقة فهو دخول حرفي (ق.ع)المتصفين بالطلاقة وضخامة الجرس والنصاعة .أما إن كان البناء اسما فيلزمه إلى جانب القاف والعين حرفي السين والدال المتصفين بالتوسط والاعتدال وربما كانت السين وحدها دو ن الدال كافية لتحسين البناء نحو عسطوس وذلك لخفة السين وهشاشتها حتى سميت الكلمات الداخلة عليها بالمسينة
o كما استثنى الخليل من الشروط السابقة الحكاية بنوعيها المؤلفة والمضاعفة :
o الحكاية المؤلفة :نحو دهداق وزهزاق والهاء هنا لازمة لفصل بين الحرفين المتشابهين مع لزوم العين والقاف أو أحدهما وسبب ذلك هو لين الهاء وهشاشتها أما إذا كانت الحكاية متضمنة احد حروف الذلاقة فلن تضر الهاء إذا أكانت فيها أم لا ،نحو غطمطة.بل إن الكلمات المصطنعة نحو (هعخع) قد تسحسن لو بنيت على الحكاية وان خلت من حروف الذلاقة
o الحكاية المضاعفة:تتصف بان حرفي عجز الكلمة مثل حرفي صدرها ويرى الخليل أن هذا البناء بناء يستحسنه العرب فيجوز فيه من تأليف حروف جميع ما جاء من الصحيح والمعتل ومن الذلق والطلق والصتم وأساس بناء هذا النوع هو الثنائي نحو قولهم صلصل اللجام لأنه يحكي صلصلة اللجام واصله( صلَّ )واستكمالا لموضوع الحكاية ذكر الخليل أن العرب تشتق الحكاية من الثلاثي المضعف نحو صلصل من صلَّ ومن الثلاثي المعتل تنخنخ من أناخ
o فسر الخليل الحروف الصتم (المصمتة ) مفرقا بينها وبين طبيعة الحروف الذليقة (لأنها اصمتت فلم تدخل في الأبنية كلها)وكذلك تفسير ابن جني لها بأنها صمت عنها فلم تبنى منها كلمة رباعية او خماسية معراة من حروف الذلاقة ومثله تفسير مكي بن أبي طالب القيسي
إن هذه الحروف الذليقة تسمى في الدرس الحديث بالمائعة وتتصف بالتوسط بين الشديدة والرخوة وبالجهر كالأصوات الصائتة وبالوضوح السمعي و قد توصل علماء التعمية الى كثرة دورانها في الكلام العربي كما أثبتت الدراسات الحاسوبية المطبقة على بعض المعاجم العربية أن أكثر الحروف دوراناً في العربية هي (ر.ل.ن.ب.م.ع.ق.د.ف.س)فحروف الذلاقة التي وصفها الخليل جاءت أولا عدا الفاء ثم حرفي الطلاقة (ع.ق) ثم حرفي التوسط والاعتدال(د.س) وبهذا سبق الخليل الأجهزة الحديثة.
تحدث الخليل عن بعض قواعد تآلف الحروف في العربية مثل عدم وجود كلمة عربية صدرها (نر)أو أصل فيه المقطع (ضك)دون فصل بين الحرفين وعدم ائتلاف حروف الحلق في كلمة لقرب مخارجها وقد طور النحاة واللغويين هذه الفكرة عند الخليل ودرسوها بعمق واستفادوا منها في البلاغة والصرف .صدام الفايز

م” “ن” “ق” “و” “ل”
للفائدة
محبكم في الله/ ابن عدي


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

أصالة علم الأصوات عند الخليل بن أحمد الفراهيدي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نظرة في علم الأصوات العربي
من خلال كتاب أصالة علم الأصوات عند الخليل بن أحمد الفراهيدي للدكتور أحمد محمد قدور

مسائل الكتاب :
1. مسألة تأثر الخليل بالحضارات السابقة
2. مسائل صوتية ونطقية
3. مسائل صوتية تشكيلية
أولاً: مسألة تأثر الخليل بالحضارات السابقة :

رأى بعضُ الدارسين المحدثين أنَّ الخليلَ متأثرٌ بنظامِ ترتيبِ الأصواتِ عندَ نحاةِ السنسكريتيةِ من الهنودِ ،وقد دفعهم إلى هذا الرأي استغرابُهم للنضجِ المبكرِ لعلومِ العربيةِ ،ممّا يؤكدُ افتراضَ وجودِ اقتباسٍ واسعٍ من حضاراتٍ سابقةٍ تتمتعُ بمفاهيمَ لغويةٍ متطورةٍ
فقد ذكرَ مونان أنَّ فولرز أشارَ إلى بعضِ نقاطِ التماسِ بين بانيني وبين العلومِ الصوتيةِ اللغويةِ التي أنشأها الجيلُ الأولُ من النحويين العربِ كالخليلِ ،وقد أخذَتْ بهذا الزعمِ دائرةُ المعارفِ الإسلاميةِ التي رأى كاتبُ مادةِ الخليلِ فيها: (أنَّ الظاهرَ أنَّه رتبه على حروفِ الهجاءِ عند نحاةِ السنسكريتيةِ وهي التي تبدأ بحروف الحلق )
ذكر فؤاد سزكين أنَّ مسالةَ تأثرِ الخليلِ بترتيبِ الهنودِ لحروفِ الأبجديةِ تبعاً لمخارجها أمرٌ مفروغٌ منه وقد أحال سزكين في معلوماته هذه إلى مرجع للمستشرق المعاصر فيلد (wild).
أكدَ مالفرد أولمان هذا التأثرَ بقوله:صنَّف الخليلُ بن أحمدَ الفراهيدي معجمَه الشامل العين طبقاً للقواعد الهنديةِ وفقَ نظامٍ صوتيٍّ منطلقُه حرفُ العين .)
تبنَّى شوقي ضيف في كتابه المدارس النحوية هذا الرأي دون الإشارة إلى مصدرٍ معينٍ ،فقال تعليم_الجزائرربَّما عرف ذلك من بعض نازلتهم –الهنود- في موطنه )
ذهب دارسون آخرون في معرض دراستهم لتأثر الدرس اللغوي العربي بالتراث اليوناني إلى أنَّ الخليلَ أخذ ترتيبه من المعاجم اليونانية، وليس له فضل إلا في أسبقيته في النقل ،واحتجوا على ذلك برواية للزبيدي في كتاب طبقات النحويين واللغويين أنَّ الخليلَ عرفَ اليونانيةَ وأنَّه تلقَّى عن حنين بن إسحاق ما ترجمه من تراث اليونان
وقد رفض دارسون آخرون هذا التأثر أيَّاً كان مصدره، فترتيب الخليل للأصوات حسب مخرجها عربيٌّ أصيلٌ، أمَّا معرفة الخليل باللغات الأجنبية فلا دليل عليه، و إلى هذا ذهب يوسف العش وحسين نصار ومهدي مخزومي
إنَّ ترتيب الخليل للأصوات في معجمه العين جاء تماشياً مع الجوِّ الحضاريِّ الناهضِ للحضارةِ العربيةِ المستنيرةِ بالإسلامِ ،ولم يكن علمُ الأصواتِ الوحيدَ في النشأة ،فهناك النحو والصرف والفقه والحديث وو…إلخ
أمَّا مسألة لقاء الخليل بحنين بن إسحق فيردها أنَّ الخليل توفي(179هـ) قبل أنْ يولدَ حنينُ بن إسحق ت(264هـ)، فعلى هذا لم يدرك الخليلُ عصرَ الترجمةِ الحقيقيِّ ،ولو سلمنا بمسألة التأثر، فالكتاب –العين –يخلو من أية مصطلحات أجنبية دخيلة كالتي نجدها في كتاب مفتاح العلوم للخوارزمي، عند حديثه عن العلوم المستجلبة من اليونان والهند كالمنطق والفلسفة والطب، أما مسألة تأثر الخليل بنازلة الهنود في البصرة فيردها عدة أمور :
o أن هذا الافتراض يجعل الهنود عالمين بإنجازات علمائهم اللغوية الدقيقة حتى ولو كانوا تجاراً أو بحارة
o إمكانية نقل هؤلاء-التجار والبحارة- لهذه المعلومات سليمة خالية من التحريف
o مسألة معرفة الخليل بلغة هؤلاء القوم ولا دليل على ذلك
o عدم وجو نشاط علمي لهؤلاء البحارة والعمال وتأثر العرب الآخرين غير الخليل بهم
إن القائلين بهذا التأثر فاتهم فهم معطيات التكوين الثقافي للخليل كمبدع لعلوم عربية شتى بدءاً من العروض وعلم النحو والصرف وتلقيه للعربية سماعا من فصحاء العرب فضلا عن القراءات القرآنية التي عرفها
ثانياً مسائل صوتية ونطقية :
غاية الخليل في معجمه جمع مفردات اللغة على سبيل الحصر والاستيعاب لا الترتيب والتصنيف بحسب الموضوعات وسبيله إلى ذلك ليس الترتيب الأبجدي المتوارث عن الساميات ولا الترتيب الألفبائي التعليمي لأنهما يهدران القيمة الصوتية التي جعلها الخليل مبدأ من مبادئ علمه وقد تمكن بطريقة التقاليب حصر استيعاب تلك المفردات سواءٌ ما كان منها أو ما هو كائن أو ما سيكون
نسبة الكتاب للخليل :
تعرض كتاب العين لنقد علماء العربية في نسبته للخليل من حيث زمن ظهوره ومكان ظهوره والمعلومات التي حواها أما المقدمة فمن أبرز الآراء فيها :
إن التأسيس في أول الكتاب (المقدمة)أو مخططه أو جزء متقدم منه للخليل وقد عبر عن ذلك الأزهري بقوله تعليم_الجزائرولم أر خلافاً بين اللغويين أن التأسيس المجمل في أول كتاب العين لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد وأن ابن المظفر أكمل الكتاب عليه .)
وقريب من ذلك ما رواه ثعلب وذكره ابن جني من أن الخليل أومأ إلى الكتاب أو رسمه لكنه لم يله بنفسه ولا قرره ولا حرره) وقد اعتمد بروكلمان هذا الرأي على الرغم من الشكوك المثارة حول الكتاب
إن دراسة مقدمة الكتاب تظهر أن الخليل صاحب الفكرة من خلال المناقشة والإملاء لتلميذه الليث وما نقله اللغويون من روايات عن الليث عن الخليل
المعطيات الصوتية في كتاب العين
1. أدرك الخليل أنَّ السبيلَ الأمثلَ لتلقي اللغة قبيل تطور التدوين والكتابة هو المشافهة من أهلها، وهذا الفهم للخليل يتفق مع كون اللغات كلاماً منطوقاً يُتداولُ مشافهةً ،لذا وجب الاهتمام بالأصوات المنطوقة قبل الحروف المكتوبة ،وقد توصل الخليل إلى ذلك بعد تدبرٍ وإعمالِ نظرٍ، فقد اتجه أولاً إلى حروف( ا ب ت ث )فلم يستطع الاعتماد على الألف لأنَّه حرفٌ معتلٌ ،ولم يتمكن البدء بالحرف الثاني –الباء- إلا بحجةٍ ودليلٍ لذا نحَّى الترتيب الألفبائي التعليمي المبتكر من قبل نصر بن عاصم، كما تجاوز الترتيب الأبجدي الموروث عن اللغات السامية الذي لا يشير إلى أية قيمةٍ صوتيةٍ تركيبيةٍ تعينُ على كشفِ خصائصِ الكلام العربي،فاتجه إلى الترتيب الصوتي للحروف بعد أن” دبر ونظر إلى الحروف كلها وذاقها فوجد أنَّ مخرج الكلام كلِّه من الحلق ،فصير أولاها بالابتداء ادخل حرف منها في الحلق ” وهذه الفكرة (الترتيب الصوتي )فكرة أصيلة رائدة من صنع الخليل مردها إلى فكره النير المبدع واستقصائه وتجربته
2. استند الخليل في ترتيبه الصوتي الرائد إلى تجربته الخاصة التي دعاها بذوق الحروف التي مكنته من ترتيب الحروف حسب المخرج الصوتي من الحلق إلى الشفتين ،وذوق الحرف عنده لا يتأتى إلا بسكون الحرف ” وإنَّما كان ذواقه إياها أنه كان يفتح فاه بالألف ثم يظهر الحرف نحو( اب- ات )،وقد وصف سيبويه ما تم بين الخليل وتلاميذه حول التلفظ بالحرف وتصويب الخليل لطرقهم الخاطئة في نطقها، أما ابن جني فقد اعتمد الطريقة نفسها في كتابه سر صناعة الإعراب ، لكن دون عزوها إلى الخليل ،وقد مكنت الطريقة الخليل من معرفة ترتيب الحروف بدءاً من الأعمق في الحلق ثم الأرفع فالأرفع إلى آخرها الميم، ولم يسمِّ الخليل ترتيبه الجديد،كما أن كلمة الحلق عنده لا تشير إلى مخرج حروف الحلق الستة ،بل إلى مصدر الحروف الذي تخرج منه بداية، وما تتعرض له بعد ذلك من توقف أو تجاوز
3. حدد الخليل عدد الحروف التي ألفت منها أبنية كلام العرب بتسعة عشرين حرفا أوردها ثلاث مرات
1. في المرة الأولى أورد الحروف التسعة والعشرين دون ذكر العدد
2. في المرة الثانية ذكر العدد وسمى حروف العلة فقط (في العربية تسعة وعشرون

حرفا منها خمسة وعشرون حرفاً صحاحاً لها أحياز و مدارج وأربعة أحرف جوف وهي الواو والياء والألف اللينة والهمزة )

3. في المرة الثالثة أوردها مع ذكر العدد مرتين وأشار إلى أنها مرتبة على الولاء صحيحها ومعتلها وهذه الحروف التسعة والعشرين هي نفسها عند سيبويه لكنه خالف ترتيب الخليل ثم أضاف حروفا أخرى دعاها بالفروع فوصل بها إلى الأربعة و الأربعين
4. رتب الخليل الحروف التسعة والعشرين على النحو التالي أوائل كلمات الأبيات التالية :

عن حسن هجر خريدة غناجة
قلبي كواه جوى شديد ضرار
صحبي سيبتدئون زجـــري
طلباً دهش تطلب ظالم ذي ثار
رغما لذي نصحي فؤادي بالهوى
متـلهب وذوي الملام يداري

وهذه هي الحروف الصحاح ثم (ا و ي)وهي حروف العلة وهذا الترتيب مخالف لترتيب سيبويه وعلماء التجويد أما ابن جني فاعتمد ترتيب سيبويه ووسم ترتيب الخليل بالاضطراب
وقد دفع الاضطراب في ترتيب الخليل المخالف لترتيب نحاة البصرة إلى الطعن في نسبة العين للخليل وخاصة بدؤه بالعين وعدها أول الحروف مخرجا في الوقت الذي اعتبر سيبويه الهمزة أقصاها مخرجا ونقل ابن كيسان النحوي الكوفي سبب عدم بدء الخليل بالهمزة لكثرة ما يلحقها من نقص وتغيير فنزل إلى الحيز الثاني فوجد العين والحاء والعين أنصع الحرفيين فابتدأ بها كما نقل الأزهري رأيا شبيها برأي ابن كيسان عن تغير الهمزة وتبدلها بين الواو والياء والألف والروايتان تعتذران لصنيع الخليل في معجمه
5. قسم الخليل الأصوات التسعة والعشرين إلى قسمين صحاح (صوامت) وجوف (صوائت ) فقد روى الليث عن الخليل قوله تعليم_الجزائر في العربية تسعة وعشرون

حرفا منها خمسة وعشرون حرفا صحاحا لها أحياز و مدارج وأربعة أحرف جوف وهي الواو والياء والألف اللينة والهمزة )

فالصحاح فهي التي تقع في مدارج محددة من مدارج الحلق واللسان واللهاة ولها حيز تنسب إليه وموضع تتسمى به فتكون حلقية أو لهوية أو شجرية أو أسلية

أما العلل فليس لها مدارج محددة تخرج منها وإنما تنسب إلى الجوف والهواء وقد اختلفت الروايات في حصر عددها فالليث يروى أنها أربعة هي الألف والواو والياء والهمزة وينقل الأزهري عن الليث في رواية عن الخليل أن عدد الأحرف ثمانية وعشرين تقسم إلى نوعين صحيح ومعتل والمعتل منها ثلاثة هي الهمزة والواو والياء ثم يذكر أنها أربعة مضيفا إليها الهمزة أما الأخفش الأوسط فيجعل حروف العلة التي يسميها بالجوف ثلاثة لا أربعة و يعد عن الخليل أنها ثمانية وعشرين حرفا 0—

سبب تسميتها
روى الليث عن الخليل عن ذلك أن فيها لين وتغير يجعلها مختلفة عن الحروف الصحاح أما الأزهري فرأى أن اعتلالها تغير من حال إلى حال ودخول بعضها على بعض واستخلاف بعضها من بعض
السمات الصوتية لحروف العلة
الهمزة :من أقصى الحلق من عند العين وهي في الهواء وتخرج من الجوف وهي وسط بين الصحاح والعلل من حيث قربها من مخرج الحلق ولا سيما العين مما سوغ إبدالها من العين وروي من الغين أيضا وهي في حال كونها مهتوتة مضغوطة تقتر من الصحاح على حين أنها تلين وتصير إلى الياء والواو والألف على غير طريقة الحروف الصحاح إذا رفه عنها المقصود بالهت والضغط ما يستشعره الناطق بالهمزة من عصر وشدة وانحباس نتيجة انطباق لسان المزمار انطباقا شديداً تاماً ثم انفراجه سريعا أما اللين فهو عدول الناطق عن الهمزة فتتحول إلى واو وياء وألف
الألف اللينة والواو الياء :جوف وهوائية ولها حيز يجمعه مع الهمزة تارة ويستقل عنها تارة أخرى إن ما يجمع هذه الحروف مع الهمزة هو قرب مباديها منها إذ كثيرا ما تتحول الهمزة إلى إلى ألف أو واو وياء
أما ما يجعلها مختلفة عن الهمزة اتصافها باللين والامتداد لذلك سميت حروف مد ولين وذلك إذا سبقت بحركة تلاؤمها
و تكون هذه الحروف في مجرى واحد مبدؤه من عند الهمزة إلا أن مدارج أصواتها مختلفة والمقصود بالمدارج أمكنة التشكل وهيئاتها
فمدرجة الألف شاخصة نحو الغار الأعلى
ومدرجة الياء منخفضة نحو الأضراس
ومدرجة الواو مستمرة بين الشفتين وأصلهن من عند الهمزة
وقد فرق الخليل في غير العين بين الألف والواو والياء فالألف أضعف حروف العلة وتجري في مجار شتى والواو الياء لها صورتان صورة الاعتلال وصورة القوة والصحة .فقد تنسبان إلى مخرجين من مخارج الحروف الصحاح فالياء تشارك الجيم والواو تشارك الباء والميم
وقد روى الأزهري كلاما منسوبا إلى الخليل يشرح حالتيهما عندما يكونان من أنصاف الصوائت وأنصاف صوامت ( الواو والياء إذا جاءتا بعد فتحة قويتا وكذلك إذا تحركتا كانتا أقوى.)
6. الحروف الصحاح : قرر الخليل لها مخارج محددة وجمع ما تقارب منها في ألقاب استمدها من أعضاء النطق لم يحدد عدداً للمخارج كمما فعل سيبويه وابن جني وقد نسب إليه جعلها سبعة عشر مخرجا والى هذا ذهب علماء التجويد والقراءات كابن الجزري أما سيبويه وابن جني فجعلاها ست عشرة مخرجا مسقطَيْنِ مخرج الجوف وذهب الجرمي وقطرب والفراء إنها أربعة عشر مخرجا وأسقطوا مخرج الجوف وجاعلين اللام والراء والنون مخرجا واحدا
ترتيب الخليل للمخارج
بدا الخليل ترتيبه للحروف منطلقا من الحلق لأنه بعد أن دبر ونظر وذاق الحروف وجد أن مخرج الكلام كله من الحلق فصير أولاها بالابتداء ادخل حروف منها في الحلق ثم وضعها على قدر مخرجها من الحلق مرتبا الحروف بدءا من أقصى الحلق باتجاه الفم والشفتين
7. قسم الخليل الحروف إلى مجموعات متقاربة اشتق أسماءها من أسماء المواضع التي تخرج منها الحروف.
1. الحلقية مبدؤها من الحلق وهي تعليم_الجزائرع، ح،هـ،خ،غ،ء)
2. اللهوية مبدؤها من اللهاة وهيتعليم_الجزائرق،ك)
3. الشجْرية :بدؤها من شجر الفم وهي تعليم_الجزائرش ،ج،ض،ي غير المدية)
4. الأسلية :مبدؤها من أسلة اللسان وهيتعليم_الجزائرص،س،ز)
5. النطعية :مبدؤها من نطع الغار الأعلى وهيتعليم_الجزائرط،د،ت)
6. اللثوية :مبدؤها من اللثة وهي (ظ،ذ،ث)
7. الذلقية :مبدؤها من ذلق اللسان وهي تعليم_الجزائرر،ل،ن)
8. الشفهية أو الشفوية مبدؤها من الشفة وهي تعليم_الجزائرف،ب،م،و)
9. الجوفية أو الهوائية ليس هلا حيز على طريقة الحروف الصحاح فتنسب إلى الجوف والهواء وهي (الألف اللينة و،ي المديتان)
يؤكد مكي بن أبي طالب القيسي صاحب كتاب (الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة)نسبة هذه الألقاب إلى الخليل في مقدمة كتاب العين بقولهتعليم_الجزائروبقيت عشرة ألقاب تمام أربعة وأربعين لقبا لقبها بذلك الخليل بن احمد في أول كتاب العين جعل ألقابها عشرة مشتقة من أسماء المواضع التي تخرج منها الحروف
يقطع الدكتور إبراهيم أنيس أن نسبة هذه المصطلحات إلى الخليل نسبة غير صحيحة وإلا وجدنا لها صدى في كلام سيبويه تلميذ الخليل ووارث علمه ويقرر أنها ظهرت في لقرن الرابع لما احتدم النقاش بين العلماء حول كتاب العين ونسبته إلى الخليل رافضا ما ورد في شرح السيرافي لكتاب سيبويه وابن دريد صاحب الجمهرة والنسخ الحديثة لكتاب العين ولكن الدكتور إذ يرفض نسبة هذه المصطلحات للخليل يسارع في نسبتها لابن جني دون دليل
8. ذكر الخليل عدد من صفات الحروف في تضاعيف كتابه كالذلاقة والإصمات والهمس والتفخيم والغنة ووصفه للهمزة بأنها مهتوتة مضغوطة ووصفه للهاء باللين والهشاشة والهتة وبأنها نفس لا اعتياص فيها
o وصف الخليل التاء والدال والطاء بصفات متضادة فالطاء فيها صلابة وكزازة على حين أن الدال لانت عن صلابة الطاء وكزازتها وأنها ارتفعت عن خفوت التاء فحسنت
o وصف السين بالتوسط والهمس ومثلها الصاد لكنها مطبقة والزاي بالجهر فيما السين والصاد مهموستان
o وصف اللام والراء والنون بالانحراف
o وصف العين والقاف بالطلاقة وضخامة الجرس والنصاعة
9.ذكر الخليل عدد من المعلومات الصوتية الخاصة بما يسمى اليوم علم الأصوات النطقي كأعضاء النطق ( شجر .غار.حنك.أسنان .لسان ..)وغيرها من المعلومات التي جاءت عرضاً
ثالثاً:مسائل صوتية تشكيلية :
غاية المعلومات الصوتية التي وضعها الخليل ين يدي تلميذه الليث هي الوصول إلى طرق التشكيل الصوتي، فالأصوات اللغوية المنعزلة لا تحلل على انفراد إلا بنوع من التجريد فلا يتكلم إلا بمركبات من الأصوات اللغوية وقد أوضح الخليل قصده الرئيس من عمله في كتاب العين وهو معرفة كلام العرب وألفاظهم فلا يخرج عنها شيء من ذلك .
o حدد الخليل الحروف لأنها أساس ما يتركب من الكلام .
o ذكر أصناف كلام العرب من ثنائي وثلاثي ورباعي وخماسي
o بين أقسام الكلام كالحرف مثل قد ،والفعل الثلاثي مثل ضرب والاسم كعمر وجمل
o ذكر مسائل تركيبية كزيادة همزة وصل في اقشعرَّ.
o أوضح الخليل أن الاسم لا يكون أقل من ثلاثة أحرف أما ما يبدو ثنائياً كاليد والفم فالحرف الثالث محذوف لالتقاء الساكنين وقد أشار الخليل إلى استقرار أصول الكلم العربي على الأصول الثلاثية لذلك لم يتصور اسما أو فعلا ثنائيا بل إن الحرف الثنائي إن أردت تحويله إلى اسم أدخلت عليه التشديد حتى يصير ثلاثياً نحو هلٌّ وقدٌّ
o أما الأبنية الفوق ثلاثية فما يحسِّن تأليفها ويسهل النطق بها دخول حروف الذلاقة والطلاقة عليها فحروف الذلاقة (ر.ل.ن)والشفوية (ف.ب.م) فهذه الحروف تتصف بالذلاقة و الخفة وانطلاق اللسان بهن فسهل تأليف الأبنية الرباعية والخماسية منهن(فلمَّا ذَلَقَتِ الحُروفُ السِّتَّةُ ومَذَلَ بِهِنَّ اللِّسان وسَهُلَتْ عليه في المَنْطِقِ كَثُرِتُ في أبِنَيَةِ الكلام فليس شَيءٌ من بِناء الخماسيِّ التَّامِّ يَعْرَى منها أو من بعضها ) هذه الفكرة اقتبسها ابن جني من كلام الخليل دون الإشارة إلى مصدرها وقد وصف الدكتور إبراهيم أنيس عمل ابن جني بالتعسف حين وجد بعض الكلمات تخالف قاعدته التي وضعها عن الأبنية الفوق ثلاثية وحروف الذلاقة مثل عسجد ،أما رأيه في الذلاقة فرأى أنها لا تتجاوز معناها في القدرة على الانطلاق في الكلام بالعربية دون تعثر أو تلعثم ) ورأي الدكتور أنيس فيه تهوين بقيمة هذه الصفة في تكوين الكلام العربي واستخفاف بنتيجة من كبرى نتائج الدرس الغوي العربي.
o نبه الخليل على أن خلو الأبنية الرباعية والخماسية من حروف الذلاقة والشفوية خير دليل على عربية الكلمة أو عجمتها من جهة وعلى حقيقة هذه الكلمة وتواجدها في الواقع النطقي وعدم اصطناعها مثل كلمة الكشعطج أما ما جاء خارجا على قاعدة الخليل فهي كلمات قلية شاذة نحو (العَسْجَدُ والقَسْطوس والقُداحِس والدُعشُوقةُ والُهْدُعةُ والزُهْزُقَةُ) أما ما سوغ بناء هذه الكلمات على الرغم من خلوها من حروف الذلاقة فهو دخول حرفي (ق.ع)المتصفين بالطلاقة وضخامة الجرس والنصاعة .أما إن كان البناء اسما فيلزمه إلى جانب القاف والعين حرفي السين والدال المتصفين بالتوسط والاعتدال وربما كانت السين وحدها دو ن الدال كافية لتحسين البناء نحو عسطوس وذلك لخفة السين وهشاشتها حتى سميت الكلمات الداخلة عليها بالمسينة
o كما استثنى الخليل من الشروط السابقة الحكاية بنوعيها المؤلفة والمضاعفة :
o الحكاية المؤلفة :نحو دهداق وزهزاق والهاء هنا لازمة لفصل بين الحرفين المتشابهين مع لزوم العين والقاف أو أحدهما وسبب ذلك هو لين الهاء وهشاشتها أما إذا كانت الحكاية متضمنة احد حروف الذلاقة فلن تضر الهاء إذا أكانت فيها أم لا ،نحو غطمطة.بل إن الكلمات المصطنعة نحو (هعخع) قد تسحسن لو بنيت على الحكاية وان خلت من حروف الذلاقة
o الحكاية المضاعفة:تتصف بان حرفي عجز الكلمة مثل حرفي صدرها ويرى الخليل أن هذا البناء بناء يستحسنه العرب فيجوز فيه من تأليف حروف جميع ما جاء من الصحيح والمعتل ومن الذلق والطلق والصتم وأساس بناء هذا النوع هو الثنائي نحو قولهم صلصل اللجام لأنه يحكي صلصلة اللجام واصله( صلَّ )واستكمالا لموضوع الحكاية ذكر الخليل أن العرب تشتق الحكاية من الثلاثي المضعف نحو صلصل من صلَّ ومن الثلاثي المعتل تنخنخ من أناخ
o فسر الخليل الحروف الصتم (المصمتة ) مفرقا بينها وبين طبيعة الحروف الذليقة (لأنها اصمتت فلم تدخل في الأبنية كلها)وكذلك تفسير ابن جني لها بأنها صمت عنها فلم تبنى منها كلمة رباعية او خماسية معراة من حروف الذلاقة ومثله تفسير مكي بن أبي طالب القيسي
إن هذه الحروف الذليقة تسمى في الدرس الحديث بالمائعة وتتصف بالتوسط بين الشديدة والرخوة وبالجهر كالأصوات الصائتة وبالوضوح السمعي و قد توصل علماء التعمية الى كثرة دورانها في الكلام العربي كما أثبتت الدراسات الحاسوبية المطبقة على بعض المعاجم العربية أن أكثر الحروف دوراناً في العربية هي (ر.ل.ن.ب.م.ع.ق.د.ف.س)فحروف الذلاقة التي وصفها الخليل جاءت أولا عدا الفاء ثم حرفي الطلاقة (ع.ق) ثم حرفي التوسط والاعتدال(د.س) وبهذا سبق الخليل الأجهزة الحديثة.
تحدث الخليل عن بعض قواعد تآلف الحروف في العربية مثل عدم وجود كلمة عربية صدرها (نر)أو أصل فيه المقطع (ضك)دون فصل بين الحرفين وعدم ائتلاف حروف الحلق في كلمة لقرب مخارجها وقد طور النحاة واللغويين هذه الفكرة عند الخليل ودرسوها بعمق واستفادوا منها في البلاغة والصرف .


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

أَخَرَةٍ بفتح الهمزة وضمها ملتقى علوم الأصوات والصرف والنحو والمعجم والإملاء والعر

لكل علم مصطلحاته وتعبيراته وصيغه، وإن صيغة “أَخَرَةٍ” من صيغ علم الجرح والتعديل، فهي لا تغادره إلى غيره. وقد استوقفتني طويلا عند أول لقاء، وقد حملتني الجِدَّة على محاولة تخطئتها، لكن نظرة في “المعجم الوسيط” أوقفتني على النص على الصحة، حيث قال “الوسيط” في “مادة “أ خ ر” صيغة (الأَخَرَة، الأُخَرَة): الأخير. يقال: نلته بأَخَرَةٍ وأُخَرَةٍ: أخيرا.
وطالت وقفتي معها، وأثمرت هذه الرحلة عبر علوم اللغة العربية التي تشكل مستويات اللغة التحتية والفوقية.
كيف؟
كان بدء الرحلة من “علم الأصوات” حيث يخبرنا مبحث “المقاطع الصوتية” فيه أن الوصف المقطعي لهذه الصيغة هو:
أَ خَ رَ ةٍ: ويتمثل مقطعيا بالصورة التالية:
ص ح / ص ح / ص ح / ص ح ص، حيث ص هو الصامت consonant أي الصحيح بلغة الصرف، وح: الصائت vowel أي الحركة والعلة بلغة الصرف.
وتفسير هذا التشكيل المقطعي أن الكلمة تتكون من ثلاثة مقاطع قصيرة ومقطع متوسط مغلق.
وقراءة ذلك صرفيا تعني توالي أربع حركات، وتوالي هذا الكم من الحركات مكروه في لغتنا العربية؛ لذا تعمد إلى التخلص منه بتسكين الحرف الثالث، ويتجلى ذلك عند إسناد الفعل الثلاثي إلى ضمائر الرفع المتحركة.
فالفعل “ضَرَبَ” عند إسناده إلى “تاء الفاعل”- مثال لضمائر الرفع المتحركة- نجد الباء تسكن، وتصير الهيئة “ضَرَبْتُ”.
وتفسير ذلك مقطعيا أن المقاطع القصيرة التي كان يفترض أن تكون أربعة هي ( ضَ: ص ح ) و(رَ: ص ح ) و(بَ: ص ح ) و(تُ: ص ح ) – قد صارت مقطعا قصيرا (ضَ: ص ح )، ثم مقطعا متوسطا مغلقا (رَبْ: ص ح ص) ، ثم مقطعا قصيرا (تُ: ص ح ).
وهكذا تتخلص اللغة العربية من الصورة الإملائية “ضَرَبَتُ”، وتقبل الصورة الإملائية “ضَرَبْتُ”.
ويلقي النحو بصيغة إعراب هذا الفعل ضوءا على المقصود. كيف؟
يقال في إعراب الفعل السابق: فعل ماض مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بالسكون منعا من توالي أربع حركات فيما يشبه الكلمة الواحدة.
وليس السابق كل رحلتنا في الصرف مع كلمتنا، فهناك الدلالة الكمية للصيغة، وإذا تأملنا وفق ذلك نجدها تصلح وزنا للمفرد مثل: سمكة، وبلحة، وثمرة ، وما شابه ذلك من كلمات يفرق بين جمعها ومفردها التاء المربوطة، فيكون الجمع اسم جنس جمعي، وتكون المصحوبة بالتاء مفرده.
وتصلح أيضا للجمع حيث نجد في أوزان جموع التكسير أن صيغة “فَعَلَة” جمعا قياسيا لكل مفرد وصف على وزن “فاعل” غير عاقل بشرط صحة لامه، مثل:
ساحر: سَحَرَة، ووارث: وَرَثَة، وكاتب: كَتَبَة، وكامل: كَمَلَة، وخائن: خَوَنَة، وصائغ: صَاغَة، وبائع: بَاعَة، وقاصّ: قَصَصَة.
ومن أمثلتها القرآنية قوله تعالى :” فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ” [ الشعراء: 46] ، وقوله تعالى : ” بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ” [ عبس: 15-16 ]، وقوله تعالى : ” وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ” [ الشعرا : 85 ] ، وقوله تعالى: “أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ” [ عبس : 43 ] ، وقوله تعالى : “وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا” [ الزمر : 71 ] ( ينظر الصرف التعليمي. د. محمود سليمان ياقوت، ص 175-176).
وأظن أن هذه الصيغة أصل في الجمع، وهذا الظن يحتاج إلى استقراء أكبر حتى يتأيد ذلك الظن أو ينفى.
وقبل مغادرة الصرف نعرج على الصيغة الأخرى “فُعَلَة” لنجد الصرف يعلمنا أنها صيغة جمع يجمع عليها قياسا كل وصف مذكر لغير العاقل على وزن “فاعل” بشرط علة لامه بالواو أو الياء، مثل:غازٍ: غُزَاة، طاهٍ: طُهًاة، ورامٍ: رُمَاة، وساعٍ: سُعَاة، وداعٍ: دُعَاة، وقاضٍ: قُضَاة . (ينظر الصرف التعليمي. د. محمود سليمان ياقوت، ص 174-175).
ولا يخفى أن الصيغ السابقة حدث لها إعلال بالقلب فالأصل فيها: غُزَوَة، وطُهَوَة، ورُمَيَة، وسُعَيَة، ودُعَوَة، وقُضَوَة.
تحركت الواو والياء وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا.
ونغادر الصرف لنصل النحو الذي يخبرنا أن موقع الكلمة النصب على الحالية، يقول الكفوي في “الكليات.. معجم في المصطلحات والفروق اللغوية” : والأخرة كالثمرة بمعنى الأخير { جاءني فلان أخرة وبأخرة } و{ عرفه بأخرة } أي أخيرا ، وهو في موضع الحال ، وحق الحال أن تكون نكرة.

ونصل إلى العروض ليخبرنا أن هذه الصيغة تمثل الوحدة العروضية الكبرى من وحدات بناء التفاعيل.
كيف؟
إنها الفاصلة الكبرى الذي رمزها هو ////0، وهذه تتحقق في تفعيلة /0/0//0 مُسْتَفْعِلُنْ بحذف الثاني الساكن “زحاف الخبن” والرابع الساكن “زحاف الطي”، فتصير ////0 “مُتَعِلُنْ”، وتتحول إلى “فَعَلَتُنْ” تحسينا.
وهناك من ينكر هذه الفاصلة كمكون من مكونات وحدات العروض اعتمادا على أنها تتكون من وحدتين صغيرتين هما السبب الثقيل //، والوتد المجموع //0

ونختم الجولة مع علم الدلالة في مستواه الصرفي الذي يخبرنا أن هاتين الصيغتين من صيغ جموع الكثرة المختلف في بدئها ما بين فريق يرى أن بدء جمع الكثرة عشرة إلى ما لا نهاية، وآخر يرى أن البدء من الثلاثة إلى ما لا نهاية.