التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

تكنولوجيا الإعلام في زمن العولمة وأبعادها الثقافية والتكنولوجي


بقلم: سعد الطائي

المقدمــة:

باتت التكنولوجيا الإعلامية تشكل دوراً كبيراً ومؤثراً في العـملية الاعلاميـــة فــي العصـــر الحديث،من دون التكنولوجيا المستخدمة في وسائل الاعلام لايمكن لأية مؤسسة اعلامية النجاح والوصول الى الجمهور المراد الوصول اليه ومن ثم التأثير فيه عن طريق الرسالة الاعلامية المنوي بثها الى هذا الجمهور. فالراديو والتلفزيون والسينما والكتاب والإنترنت كلها وسائل اعلامية لاتستغني عن التكنولوجيا لأنها ولدت وترعرعت واستمرت بفضل التكنولوجيا التي اوصلتها الى فئات كبيرة متنوعة من الناس. وقد اصبحت التكنولوجيا توأم الإعلام الناجح والمسيطر في الوقت الراهن , ذلك أن من يملك مقومات الإعلام الناجح والمؤثر يمتلك الهيمنة الأعلامية , فأصبح الإعلام لا تقوم له قائمة من دون التكنولوجيا الحديثة.

وقد أخذ السباق على أمتلاك التكنولوجيا الإعلامية بين دول العالم أبعاداً متسارعة بتسارع الإختراعات والتطورات التقنية في هذا المجال , والتي تسير بخطى متسارعة يوم بعد آخر وسنة بعد اخرى.

فباتت تظهر بين الحين والآخر منتجات تقنية جديدة وصناعات حديثة ومتطورة تزيد من قوة من يمتلكها وتجعله في طليعة المسيطرين على حركة الأعلام الدولي ومد نفوذه على الجمهور العالمي بكل قوة.

فأصبح الوصول الى الحلقات المتقدمة في التكنولوجيا تعني الوصول الى المراحل المتقدمة في السيطرة على حركة الأعلام العالمي , ومن ثم السيطرة على توجهات الجمهور وتوجيهه بالشكل الدي تريد.

شمال مسيطر وجنوب تابع

تعاني الدول المتخلفة أو ما تعرف بـ ( دول الجنوب ) تبعية تكنولوجية في جميع النواحي ومن ضمنها التكنولوجيا الأعلامية للدول الصناعية أو ما تعرف بـ ( دول الشمال ).
ومن ثم فأنها محكومة تكنولوجيا وأعلاميا لها وهي التي تسيطر على حركة الإعلام الدولي وتسيره بالوجهة التي تريد.

فالتطور في تكنولوجيا وسائل الأعلام متلازم مع زيادة سيطرة ونفوذ هذه الدول على توجهات الاعلام الدولي وتسيره بالشكل الذي يخدم مصالحها وتوجهاتها العالمية. وفضلاً عن رداءة البرامج والانتاج الاعلامي في دول الجنوب فأنها تستعمل وسائل تكنولوجية أقل تطوراً مما هو مستعمل في دول الشمال والتي قامت بتصديره اليها هذه الدول. ذلك انها غير قادرة على تصنيع هذه التقنيات.

فترسخ بذلك اعلاماً متخلفا على مختلف الصعد سواء فنيا من ناحية البرامج ونوعها أو تكنولوجيا عن طريق الإستعانة بالصناعات الأجنبية لعجز الصناعة الوطنية عن مواكبة التطورات التقنية والتمكن من تصنيعها. فنجد أغلب جمهور هذه الدول لا يتجه لوسائل الإعلام الوطنية وانما هو يتجه لوسائل الأعلام التابعة لدول الشمال لعجز الإعلام في دوله عن تقديم المادة والموضوع والكيفية الذي تقدم به عن مجاراة هذا الجمهور وميوله ورغباته. وقد أصبح التحكم بإمتلاك أسرار التكنولوجيا مسألة سلطة فمن يتحكم بالتكنولوجيا فأنه يتحكم بوسائل السيطرة والنفوذ والسلطة على المجتمع الدولي، ولزيادة السيطرة على جمهور دول الجنوب المتخلف، عملت وسائل الإعلام في دول الشمال المتقدم على استعمال اللغات المحلية في دول الجنوب في بث برامجها، أثناء توجهها لجمهور هذه الدول لغرض سرعة الوصول اليه ومن ثم زيادة التأثير فيه الأمر الذي زاد من انصراف هذا الجمهور عن وسائل الاعلام الوطنية فيه وتأثره بوسائل أعلام الدول المتقدمة وذلك بفعل اللغة المفهومة من قبله ( وهي لغته المحلية ) أثناء تسلمه للرسالة الإعلامية الموجهة إليه.

فأصبح لا يجد صعوبة في تسلم هذه الرسالة وأصبحت الرسالة الاعلامية الموجهة اليه لاتجد صعوبة في الوصول اليه وتحقيق اهدافها في التأثير فيه وجعله تابعا ثقافيا وإعلاميا وفكريا لهذه الدول بينما وقفت وسائل الاعلام الوطنية الهزيلة نوعيا وفنيا وتكنولوجيا أمام هذا المد الكاسح من المواد والموضوعات الأعلامية الهائلة الموجهة لهذا الجمهور وعجزها عن مجاراة ما تقدمه مثيلاتها في الدول المتقدمة.
فجعلت منها مجرد ادوات متخلفة وبائسة لا تقوى على الاستمرارية والبقاء فما بالك بالمنافسة والإستحواذ على الجمهور.

وتشهد الساحة الإعلامية الدولية إختلالاً واسعاً وهائلا بين دول الشمال ودول الجنوب.
حيث تشير الإحصائيات الى ان 97% من الجهزة المرئية موجود في دول الشمال،فضلاً عن 87% من الأجهزة المسموعة من مجموع ما تملكه دول العالم.
وان دول الشمال هي المصدر الأساس لأكثر من 90% من مصادر الأخبار.
وتنطبق هذه الحقائق على شبكة المعلومات العالمية ( الأنترنت ) فقد اصبحت لغات هذه الدول لاسيما اللغة الإنكليزية هي المهيمن الكامل على اللغات المستخدمة في مجال الإنترنت.
ذلك أن معطيات 88% من الإنترنت تبث باللغة الإنكليزية مقابل 9% بالألمانية و 2% بالفرنسية فيما يوزع 1% عللى بقية لغات العالم. ويتركز 60% من مجموع شبكة الإنترنت في العالم في الولايات المتحدة و 26% في دول أوروبا فيما تضم بقية دول العالم 14% فقط.
الأمر الذي يوضح لنا بجلاء مدى الهيمنة الكاملة والواسعة جداً لوسائل إعلام دول الشمال ومدى الأختلال الكبير الذي تعانيه اذا ما قورنت بوسائل الإعلام في دول الجنوب.

التكنولوجيا الإعلامية في زمن العولمة

إتخذت العولمة التي يعيشها العالم في الوقت الراهن من التكنولوجيا أهم الأدوات المنفذة لها ومن ضمن التكنولوجيا بشكل عام تكنولوجيا الإعلام وهي تعنينا في هذه الدراسة فبالرغم من كل ما مر بالدول المتخلفة من مراحل لم تتعض هذه الدول وأنما بقي الكثير منها على حاله من التخلف والتبعية لدول الشمال المتقدم، فبقيت هذه الدول مهمشة تعيش على ماتنتجه الدول المتقدمة ( دول الشمال ) من صناعات وبقيت حركة التكنولوجيا الإعلامية حالها حال بقية فروع التكنولوجيا تسير بإتجاه واحد من الشمال الى الجنوب.
لا بل ان الأمر زاد رسوخا وتوسعا في زمن العولمة التي اكتسحت هذه الدول ووصل الأمر في كثير من الأحيان الى ان احدى الشركات الإعلامية يزيد رأس مالها عن الناتج القومي لكثير من الدول المتخلفة التي تعيش في عالم الجنوب.

وغزت الشركات الصناعية أسواق دول الجنوب بالمنتجات الإعلامية المصنعة في دول الشمال
وأصبحت هذه الأسواق تابعة لها ولم تنافسها فيه إلا بعض الشركات في بعض الدول والتي استطاعت بعد مجهود كبير من التخلص من آثار بعض مظاهر التبعية وامتلاك الكثير من ادوات التصنيع والتقنيات المختلفة.
فأصبحت السوق العالمية سوقا تنافسية بشكل ضاري لاتصمد فيه إلا الصناعات الناجحة والمتفوقة.

وأصبحت وسائل الإعلام بتكنولوجياتها المتفوقة إحد أهم الوسائل لترويج مفهوم العولمة ونشره وترسيخه بين شعوب العالم فأصبحت الصناعات الأعلامية أدوات مهمة وستراتيجية في تعميق مفهوم العولمة بين فئات الرأي العام العالمي.
وباتت التكنولوجيا بأنواعها المختلفة المستخدمة في العمل الإعلامي أداة مهمة من أدوات الغزو الثقافي لشعوب دول الجنوب المتخلفة ذلك ان ثقافات هذه الدول أصبحت عرضة للأكتساح الثقافي والهيمنة الثقافية من قبل دول الشمال وذلك بفضل المد الهائل من البرامج والمواد الأعلامية المسوقة لدول الجنوب والتي في غالبيتها تؤكد سيادة الحضارة والثقافة الغربية وتقلل من أهمية ثقافات دول الجنوب في عالم لاتصمد فيه ألا الدول القوية.

المصدر :