التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

منطقة الخليج العربي . واحتمالات الحرب الرابعة

منطقة الخليج العربي … واحتمالات الحرب الرابعة

في الوقت الذي اعلنت فيه وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس بأن ملف ايران النووي سيحال مرة اخرى الى مجلس الامن ، حيث اعلن نيكولاس بيرنز مساعد وزير الخارجيةالامريكية ان على ايران ان تتوقع قرار عقوبات جديدا في مجلس الامن اذا لم تتوقف عن تخصيب اليورانيوم ، اعربت باريس عن رغبتها في ان يتم فرض عقوبات اضافية على طهران من قبل مجلس الامن وخصوصا وان الرئيس الفرنسي الجديد نيقولا ساركوزي ستكون هديته الاولى الانتخابية الى اسرائيل هو التشدد فيما يتعلق بالملف النووي الايراني . وهذا التناغم الفرنسي – الامريكي في لغة الخطاب السياسي والدبلوماسي الموحدة ، تهدف الى ابلاغ طهران رسالة واضحة من ان المجتمع الدولي عازم على الحد من طموحات برامجها النووية ، وان عتبة النادي النووي ما زالت اعلى من امكانيتها ، ومن غير الممكن ان تكون احد اعضاءه في وضع اقليمي ودولي لايسمح بذلك ، وهو ما صرح به نائب الرئيس الامريكي ديك تشيني عندما اكد بانه من الخطأ السماح لايران ان تصبح قوة نووية . واذا كانت وكالة الطاقة الذرية قد اعلنت على لسان مديرها العام محمد البرادعي بان ما هو مطروح بصدد الملف الايراني يمكن حله عن طريق التفاوض وكذلك ما ركز عليه هانس بليكس الذي اعلن من فينا بن سياسة الجزرة في اغلب الاحيان اكثر نجاعة من سياسة العصا ، فان ما تم تسريبه من احتمالات الخيار العسكري فيما اذا لم تستجب طهران لارادة المجتمع الدولي ووقف عمليات تخصيب اليورانيوم ، يمكن ان يكون بهدف الضعط ، ويمكن ان يحمل في طياته اصرارا امريكيا- اسرائيليا على ضرب ايران ، حيث ان تجربة الملف العراقي في مجلس الامن قبل شن الحرب على العراق اعطت للدبلوماسية الامريكية ولادارة الرئيس بوش دروسا جديدة ، تاركة المجال للحل العسكري يسير وفق آليات محددة تستبعد كل السلبيات والاخفاقات التي رافقت التحظير للحرب على العراق . وعلى الرغم من الفارق الواضح بين الملفين ، الا ان النظامين الايراني والعراقي السابق يشتركان في عدواتهما للولايات المتحدة والممانعة لسياستها الشرق اوسطية ، وتصورها لامن الخليج العربي .
وفي الواقع ، فان من اكبر الكوابح الشاخصة امام اقدام الولايات المتحدة اللجوء الى الخيار العسكري لحسم الملف النووي الايراني والتخلص من النظام نفسه ، هو الكابح الذي تضغط به دول مجلس التعاون الخليجي ، على الرغم من ان هذا الخيار سيخلصها من (( عدو اقليمي )) ذو نزعة دينية ايديولوجية متعارضة معها ، كما خلصتها الحرب الامريكية على العراق من نظام سياسي(( ذو نزعة ايديولوجية قومية عسكرية )) ، استنزف كل مواردها بسبب الحروب والتسلح الاجباري . أذ يرى قادة دول مجلس التعاون الخليجي ، على الرغم من الاستعدادات لمواجهة احتمالات العمل العسكري، بانه ليس من مصلحة نظمها السياسية ومكونات مجتمعاتها ان تعم الفوضى مرة اخرى في المنطقة ، ويكفيها ما يجري في العراق ، حيث الخطأ التاريخي الذي ارتكبته الولايات المتحدة ، وما زالت تأثيراته وتداعياته ترمي بثقلها على دول المجلس ، وخصوصا العنف الطائفي ، الذي اذا ما تطور الى حرب اهلية شاملة فان تأثيرها سوف لن ينحصر في العراق وانما سيعم دول المنطقة وتغرق في دوامة من الحرب الاهلية ، وعدم الاستقرار السياسي ، لا بل حالة من الفوضى ، ولكن ليس الفوضى(( البناءة )) ، او (( الخلاقة )) ، وانما الجارفة والمدمرة لكل ثروات المنطقة وطاقاقاتها البشرية .

واذا ما انساقت ادارة الرئيس بوش مرة اخرى وراء افكار وطروحات المحافظين الجدد وحولت فكرة (( الفوضى البناءة )) الى سياسة ثابته تنتهجها نحو دول المنطقة وانظمتها السياسية المعارضة للمصالح الامريكية ، من خلال تأكيدها على ان مجتمعات ونظم هذه المنطقة راكدة سياسيا ولكي يتحرك ركودها هذا لا بد من احداث شيء من الفوضى والخلخلة حتى يحصل التغير في هذه الدولة نحو (( الافضل )) ، فان هذه الادراة سترتكب خطأ تاريخيا جسيما وستراتيجيا ، ليس فقط سيفقدها مكانتها الدولية وقوتها العسكرية والاقتصادية والمالية ، وانما سيحول المنطقة الى ساحة صراع وعنف طائفي لن يستثني اية دولة او شعبا من شعوب المنطقة ، من موريتانيا حتى الباكستان والهند . اذ ان غزوها واحتلالها للعراق لم يكشف زيف وبطلان كل المبررات والحجج التي سوقتها قبل الحرب ، وانما فشل نظرية الدومينووكل الافكار والطروحات التي نظر لها المحافظون الجدد وتحولت الفوضى البناءة الى مستنقع غاصت فيه اقدام الولايات المتحدة في العراق واتسع عداء شعوب المنطقة للولايات المتحدة بشكل كبير ، لا بل ان سياستها العدائية للشعب الفلسطيني وانحيازها الى جانب اسرائيل في تحديها للشرعية الدولية ، ساهم في زيادة التطرف الديني بين شعوب العالمين العربي والاسلامي ، وانجذاب شباب شعوب المنطقة نحو الحركات والمنظمات التي وضعتها الولايات المتحدة في (( قائمتها الارهابية )) .
واذا كانت الولايات المتحدة قد وظفت كل امكانياتها وخلال عقد التسعينات لاحتواء العراق ، وشغلها الشاغل كان كيفية اسقاط نظامه ، فانها تجاهلت ايران التي استفادت من انهيار الاتحاد السوفيتي واستقطاب علمائه في بناء قدر اتها العسكرية والنووية . وبالمقابل فان النظام العراقي السابق بكل جهازه القمعي وسلطته البوليسية والعسكرية موجه نحو صد النفوذ الايراني ليس في العراق وحده وانما في المنطقة كلها من خلال جهاز مخابراته الذي تتبع كل تحرك ايراني . فلقد كان الشغل الشاغل ايضا للنظام العراقي السابق وكل تفكيره وسياسته هو التصدي لايران باي شكل كان ومطاردة الاحزاب والتنظيمات السياسية العراقية التي وجدت في الساحة الايرانية مجالا لنشاطها السياسي ضد النظام السابق . وبسقوط هذا النظام فان كل الابواب اضحت مشرعة امام ايران في داخل العراق ومن خلاله نحو دول المنطقة ، وعززت من حضوره السياسي والاقتصادي والاجتماعي والسياحي وفتحت ابوابها للعراقين ، في الوقت الذي اغلقت فية الدول العربية ابوابها بوجه العراقيين وفرضت عليهم شروطا قاسية في تأشيرة الدخول والاقامة ، لا بل ان هناك دولا عربية رفضت دخولهم اصلا ، ان لم تكن تحجزهم في المطارت والحدود لايام ، في الوقت الذي يدخل فيه الامريكي والاسرائيلي والبريطاني وجنسات اخرى بحرية تامة الى الدول العربية .واعتقد ان أي نظام مثل النظام الايراني الذي يجاور العراق بحدود اكثر من الف كيلو متر ، يقوم بنفس ما تحاول طهران القيام به الان من بسط النفوذ والعمل على عدم تكرار ما حصل في ايلول 1980 .
وفي الواقع ان ما حصل في العراق قد اربك الاوضاع السياسية والاجتماعية في دول الخليج العربي ، وخصوصا وانه اثار مسألة التغير الديمقراطي والاصلاح السياسي والمواطنة المتساوية لغير العرب ، وعمل على اظهار بوادر التمايز الطائفي ورفعها الى سطح الواقع الاجتماعي بشكل اقوى من السابق وينذر بعواقب وخيمة اذا لم لم يتم تداركها باجراءات سياسية واجتماعية ، لكنه بالمقابل فان ما حصل في العراق اسدى خدمة كبيرة لايران ليس فقط انه ازاح من امامها اكبر عدو ومنافس اقليمي ، وانما اسقط كل اسس النظام الامني الخليجي الذي شيدته الولايات المتحدة بعد حرب 1991 ، وجعل منها القوة الاقليمية الوحيدة في المنطقة في ظل غياب عربي منافس لها .
لقد حاولت ايران بكل الطرق حتى من خلال ا اطالة الحرب الى هذه السنوات الثمانية من ازاحة النظام العراقي من امامها الا انها لم تنجح ، واستبشرت خيرا بغزوه للكويت التي رأت في هذه المرة نهاية النظام ، ووقفت على (( الحياد )) حيث كافئها البنك الدولي بقرض قيمته 250 مليون دولار ، الا ان سقوط النظام تأجل الى حين . وسقط النظام السياسي العراقي في حرب 2022 بدون ان تقدم ايران ان تطلق ايرن طلقة واحدة اوتخسر شيئا من ثرواتها ، بالعكس فقد حققت طهران فوائد اقتصادية ومالية وعسكرية وامنية لم تحلم بها اطلاقا ، يكفي ان تشاهد عبر الحدود عراقا ممزقا الى طوائف ومذاهب واقاليم ، والولايات المتحدة عدوتها اللدود غارقة في وحل حرب الاستنزاف ومنحشرة في مأزق لا مخرج منه وتحول العراق الى ساحة لتصفية الحسابات الامريكية – الايرانية ، الامر الذي اوصل بلجنة دراسة العراق ( تقرير بيكر – هميلتون ) ان توصي وتأكد على ضرورة التفاوض مع طهران لحل المعضلة الامنية في العراق . في الواقع ، ان هذا الوضع المعقد الذي تواجهه الولايات المتحدة في المنطقة والضغوط الداخلية من الديمقراطيين ، جعل ادارة بوش تعيد حساباتها من تكرار التجربة العراقية سواء كان مع ايران او مع سوريا . ولكن في افتراض ان ادارة البيت الابيض ركبت قطار المغامرة وانساقت وراء الخيار العسكري الذي يمكن ان تقوم به في الاشهر الاخيرة من سنة 2022 لكي تورط الديمقراطيين ، وعلى الاكثر القيام بقصف صاروخي وجوي ، فان الرد الايراني سوف لايكون احسن حالا من الرد العراقي في قصف 1998 او في حرب 2022 ، ولكن طهران يمكن ان تلجأ الى اعمال عسكرية انتقامية سواء كان على المنشآت البترولية في الخليج العربي واغلاق مضيق هرمز بغرق الناقلات العملالقه ، او على الساحة العراقية حيث تكون بمواجهة مباشرة مع الجيش الامريكي ، وسيصبح عدو عدوي صديقي، وهنا هي الكارثة التي سوف يدفع ثمنها غاليا الشعب العراقي .