التصنيفات
لغــة وأدب عربي

السيميولوجيا السيموتيك السيميائية


أحضرت لكم مقالة مبسطة لعلم السيمياء أرجو أن أفيدكم به ولو بقليل
بقلم: د. رضوان قضماني
مسميات معرّبة ثلاثة لعلم واحد، هو علم عن الخصائص العامة لمنظومات العلامات (جاء من اليونانية، Semeiotikon من Semeion = علامة).
وهو علم يدرس العلامة ومنظوماتها (أي اللغات الطبيعية والاصطناعية)، ويدرس أيضاً الخصائص التي تمتاز بها علاقة العلامة بمدلولها. وهذا يعني أن السيميائية ـ وهو الاصطلاح الذي سنعتمده من بين التسميات الثلاث السالفة ـ تدرس علاقات العلامات والقواعد التي تربطها أيضاً (ويمكن أن يندرج تحت هذا الفهم علم الجبر والمنطق والعروض..). وكان لايبنتز يرى أن لكل العلوم أصولاً جوهرية مشتركة، وعندما يتمكن الإنسان من تشكيل علامات تدل على هذه الأصول يكون بذلك قد أتم موسوعة العلوم. وقد استعان لايبنتز بالرياضيات والجبر اللذين كشفا له عن دور العلامات في المنهج العلمي. وكان الفيلسوف الفرنسي إيتيان ده كوندياك (1715 ـ 1780) ينظر إلى الجبر ولغته الرمزية بوصفه النموذج الأعظم، ولكن كوندياك لم يخضع كل العلوم للغة واحدة كمافعل لايبنتز، وإنما كان يعتقد أن لكل علم لغته، وإن كان لجميعها منهج واحد في التحليل. وقام تشارلز سوندرز بيرس (1839 ـ 1914) بنقل الاهتمام بالمنهج الكلي ودور الجبر المميز في تشكيله إلى مجال المعاني، فقد كان بيرس موسوعياً، إذ كان رياضياً وفلكياً وكيميائياً ومولعاً باللغة والأدب. وتتكون الدلالة في فلسفة بيرس عبر معلومات أمبريقية (تجريبية) وقواعد تشكيلية.
ثم جاء بعدخ فرديناد ده سوسير (1857 ـ 1914)، وكان متخصصاً في علم اللغات المقارن، واهتم بالعلامة من منطلق لغوي، ودعا إلى ما سماه بعلم السيميولوجيا، أو علم منظومات العلامات. وهكذا تطورت السيميائية في القرن العشرين وأصبحت حقلاً معرفياً مستقلاً.
تسعى السيميائية إلى تحويل العلوم الإنسانية (خصوصاً اللغة والأدب والفن) من مجرد تأملات وانطباعات إلى علوم بالمعنى الدقيق للكلمة، ويتم لها ذلك عند التوصل إلى مستوى من التجريد يسهل معه تصنيف مادة الظاهرة ووصفها، من خلال أنساق من العلاقات تكشف عن الأبنية العميقة التي تنطوي عليها، ويمكنها هذا التجريد من استخلاص القوانين التي تتحكم في هذه المادة.
العلامة هي الاصطلاح المركزي في السيميائية. وتُعنى السيميائية بالعلامة على مستوييين. المستوى الأول أنطولوجي، أي يعني بماهية العلامة، أي بوجودها وطبيعتها وعلاقتها بالموجودات الأخرى التي تشبهها والتي تختلف عنها. أما المستوى الثاني فهو مستوى تداولي (براغماتي)، يعنى بفاعلية العلامة وبتوظيفها في الحياة العملية. ومن منطلق هذا التقسيم نجد أن السيميائية اتجهت اتجاهين لا يناقض أحدهما الآخر، الاتجاه الأول يحاول تحديد ماهية العلامة ودرس مقوماتها، وقد مهد لهذا المنحى تشارلز بيرس، أما الاتجاه الثاني فيركز على توظيف العلامة في عملية التواصل ونقل المعلومات، وقد اعتمد هذا الاتجاه على مقولات فرديناند ده سوسير.
تدرس السيميائية ـ وفقاً لـ (بيرس) العلامة ومنظومة العلامات (أي مجموعة العلامات التي انتظمت انتظاماً محدداً) وفقاً لأبعاد ثلاثة:
1ـ بعد نظمي سياقي تركيبي يدرس الخصائص الداخلية في منظومة العلامات من دون أن ينظر في تفسيرها، أي ينظر في بنية العلامات داخل المنظومة).
2ـ بعد دلالي يدرس علاقة العلامات بمدلولاتها (أي يدرس محتوى العلامات) والعلاقة القائمة بين العلامة وتفسيرها وتأويلها من دون النظر إلى من يتداولها.
3ـ بعد تداولي (براغماتي) يدرس الصلة بين العلامة ومن يتداولها ويحدد قيمة هذه العلامة من خلال مصلحة من يتداولها.
وهكذا نجد أن كلاً من البعد الدلالي والسياقي ذو صلة بحيز محدد من المسائل السيميائية، أما البعد التداولي فهو ذو صلة بدراسة المسائل السيميائية التي تحتاجها علوم بعينها (مثل سيكولوجيا اللغة، وعلم النفس الاجتماعي).
ويقوم البعد السياقي بتشكيل نظرية تحدد علاقات تركيبية وفرضيات، أي يقوم بالكشف عن العلاقات التي تربط بين النص بوصفه نسقاً في منظومة، وبين غيره من المنظومات، من خلال تصور عامٍ مجرد للبنى الكامنة في النص ثم تطبيق هذا التصوُّر على مجموع النصوص انطلاقاً من أن نسق (class) نص في منظومة سيميائية محددة هو نسق ينطبق على جميع أنماط هذه النظرية، وبذلك تتمكن فرضيات النظرية من أن تصف وصفاً شاملاً كل النصوص المحتملة.
أما البعد الدلالي فيميز في منظومات العلامات تمعني العلامة (مُسمَّاها denotat) ـ أي: علامة تدل العلامة في منظومة بعينها؟ ومفهوم هذه العلامة (تعيينها)، أي التصور الذي تحمله والمعلومة التي تنقلها.
ثم تأتي التداولية لتحدد رتب القيمة والمفهومية في العلامة والمعلومة التي يتلقاها من يتداولها.
يُعرَّف فرديناند ده سوسير العلامة بأنها اتحاد لا ينفصم بين دال ومدلول، أي إنها وحدة ثنائية المبنى، ذات طرفين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. الدال يحدده سوسير بأنه تصور صوتي سمعي يتشكل من سلسلة صوتية يتلقاها المستمع وتستدعي إلى ذهنه تصوراً ذهنياً مفهومياً هو المدلول، وبذلك تكون العلامة عند سوسير نتاج عملية نفسية. إلا أن أكثر السيميائيين الذي طوّروا أفكار سوسير يرون أن الدال حقيقة مادية محسوسة لا تقتصر بالضرورة على الأصوات ويمكن للمرء أن يختبرها بالحواس، وهذا المحسوس المادي يستدعي في ذهن المتلقي حقيقة أخرى غير محسوسة هي المدلول. وبهذا تكون العلامة بدالها ومدلولها حقيقة مادية محسوسة تثير في العقل صورة ذهنية، ولكن هذه الصورة هي صورة ذهنية لشيء موجود في الواقع. لكن السيميائية لا تهتم بقضية الحقيقة والبطلان، أي بمسألة مطابقة العلامة للواقع، وإنما تكمن القيمة السيميائية في العلاقة القائمة بين الدال والمدلول، دون التجاوز إلى العلاقة بين الدال والمدلول والشيء الذي تشير إليه العلامة، إذ إن هذه العلاقة الثلاثية تخرج من السيميائية إلى الدلالة.
العلامة خاصتان أساسيتان. أولاهما اعتباطية العلامة، وتعني أن الدال والمدلول لا تربط بينهما علة من العلل سواء كانت منطقية أم طبيعية. وثانيتهما قيمة العلامة، وهي قيمة تنشأ من سببين: الأول وظيفة العلامة (الكامنة في تداوليتها) والثانية أشكال التشابه والاختلاف بينها وبين العلامات الأخرى (وهي قيمة مرتبطة بماهيتها).
إن العلاقة يبن الدال والمدلول علاقة اصطلاحية، علاقة تواضع هي حاصل اتفاق بين المستعملين، وبضمن ذلك العلامات المعللة، أو العلامات الطبيعية. ويمكن للتواضع أن يكون ضمنياً أو ظاهرياً، ويبقى التواضع مفهوماً نسبياً خصوصاً عندما يتعلق بالتواضع الضمني. وللتواضع درجات، إذ يمكنه أن يكون قوياً، وجماعياً، ومُرغِماً، ومطلقاً كما في إشارات المرور، وفي الترقيم الكيميائي والجبري، وقوياً كما في قواعد الآداب العامة.
تتآلف العلامات فيما بينها وفقاً لنوعين من العلاقات: أولهما العلاقات النظمية السياقية، وهي التي تقوم بين العلامات على المحور السياقي. وتنبع العلاقة النظمية السياسية من قدرة العلامات على التآلف على محور ذي بعد واحد يجعل العلامة ترتبط بأخرى في متتالية من علامات تنمي إلى المستوى السياقي نفسه.وثانيهما العلاقات الاستبدالية، وهي علاقة تقوم على المحور الاستبدالي، وتنبع من قدرة العلامات على تشكيل فئات وجداول، ترتبط وحدات كل جدول فيما بينها، ويمكن للواحدة منها أن تحل محل الأخرى إذا تبدل السياق.
اتجهت سيميائية سوسير منذ البداية نحو اللغات الطبيعية، فقد رأى أن اللغة الطبيعية هي أكثر المنظومات تطابقاً مع السيميائية، ويرجع هذا إلى طبيعة العلاقة اللغوية الاعتباطية، وإلى أن اللغة يمكن أن تختزل في عدد محدود من العلامات المستقلة والمختلفة، وقد ترتب على ذلك أن اللغة تصلح أن تكون نموذجاً لكل الأنظمة الدالة غير اللغوية.
يرى السيميائيون أن اللغة هي أهم منظومة من منظومات التواصل ذات فعالية في حقل المعرفة ـ وتدرس السيميائية اللغة من حيث علاقتها العامة مع غيرها من منظومات العلامات، وترى أن اللغة هي المنظومة الأمثل لأن العلامة فيها متميزة بوضوح تام، وتتشكل في منظومة عالية التنظيم، وتحتفظ بعناصر بنيتها الثلاثة التي تتميز بها كل منظومة علامات (السياقي والدلالي والتداولي). برزت سيميائية اللغة في أعمال ي. بنفينيست ول. بريتو في فرنسا، وأعمال كوريلوفيتش وي. بيلتس في بولندا، وف. مارتينوف ويو.ستيبانوف في روسيا.
شغلت السيميائية حيزاً واسعاً في علوم الأدب خصوصاً في نظرية السرد، وقد برزت هذه السيميائية في أعمال يوري لوتمان في روسيا، وإيمبرتو إيكو في إيطاليا، ورولان بارت وجوليا كريستينا وتزيفيتان تودوروف في فرنسا، وغيرهم. وهي سيميائية تدرس النص الأدبي (وقد تمتد إلى النص الصحفي والقانوني والديني والفني والسينمائي والمسرحي..) لتبحث فيه على غرار بحثها في اللغة، فتحدد فيه علاماته وأنساق هذه العلامات وانتظامها في منظومة، وتنظر في طرفي العلامة (الدال والمدلول) انطلاقاً من أنهما طرفا العملية الإبداعية: التعبير والمحتوى (الظاهرة والجوهر)، ومن أهم أعلام السيميائية السردية رولان بارت وجوليا كريستينا.