التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

تـحـديــات عــمـلـيـات الأمـم الـمـتـحــــدة لـحــفـظ الـســـلام في عــهــد مــا بـعـ

تـحـديــات عــمـلـيـات الأمـم الـمـتـحــــدة لـحــفـظ الـســـلام في عــهــد مــا بـعــد الحـــرب الــبــاردة

المـوضـــــوع : Challenges to United Nations Peace Keeping Operations in the Post- Cold War Era
المـؤلـــــــف : Emil Osmancavusoglu
المــصــــــدر : Perceptions , Vol. IV, No .4
تاريخ النشـر : December 1999-February 2000
إعداد : سعيد عكاشة

منذ إنشائها عام 1945 ، أخذت الأمم المتحدة على عاتقها مسئولية حفظ الأمن والسلام العالميين. وقد تخيلها واضعو ميثاقها كمنظمة يمتد دورها من منع وقوع الأزمات واستفحالها، إلى الحفاظ على الاستقرار لأطول فترة ممكنة في المناطق العامرة بالتوترات. وبمعنى آخر تحدد دور الأمم المتحدة في تحقيق ثلاث مهام:
– تحقيق السلام.
– حفظ السلام .
– بناء السلام.
وإذا كان مفهوما تحقيق السلام ، وبناء السلام قد ارتكزا على ممارسة الجهود الدبلوماسية، وتقديم العون للدول من أجل بناء مؤسساتها الوطنية، فإن مفهوم حفظ السلام بقى غامضاً ، حيث تحدث ميثاق الأمم المتحدة عن أشخاص لهم صفة عسكرية يتم تكليفهم باستعادة السلام والأمن في المناطق التي تشهد صراعات ، ولكن من دون أن يكون لهم الحق في استخدام القوة لتنفيذ هذه المهمة !
ورغم هذا الغموض كانت قوات حفظ السلام أداة لا غنى عنها في جهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام عبر مراقبة اتفاقات وقف إطلاق النار ، والفصل بين القوات المتحاربة، ومؤخراً في عمليات مراقبة الانتخابات في بعض البلدان. ومع نهاية الحرب الباردة، اتضح أن غموض النصوص الواردة في ميثاق الأمم المتحدة حول حدود الدور الذي تلعبه قوات حفظ السلام حين تكلف بأداء مهام محددة، قد خلق مأزقا ذا طبيعة متعددة. فميثاق الأمم المتحدة لم يتناول على مدى 111 مادة من مواده التــدابيـر المحتملة لتحقيق مهمة حفظ السلام، وعلى حين أن الفصل السادس من الميثاق كان يغطى التسويات التطوعية للنزاعات ، فإن الفصل السابع تحدث عن أفعال التنفيذ دون أن يذكر صراحة حدود الصلاحيات الممنوحة لقوات حفظ السلام، وهو الأمر الذي حدا بـ داج همورشولد – السكرتير العام السابق للأمم المتحدة – للقول – بسخرية- أن حدود هذه الصلاحيات قد ذكرت في المادة رقم ستة ونصف من الميثاق !.

تطور عمليات حفظ السلام:
أن مبادئ وتقاليد حفظ السلام لم توضع مسبقاً ، بل انبثقت من خلال العديد من المهام التي تم تنفيذها فعلاً . ومن أجل فهم كيف تبلورت هذه المبادئ والتقاليد ، سوف نلقى الضوء على عمليات حفظ السلام التي قامت بها الأمم المتحدة منذ الحرب الباردة وحتى اليوم.
يقول “انتوني ماكديرمت” أنه لا يوجد عصر ذهبي لعمليات حفظ السلام، فخلال الحرب الباردة كانت عمليات حفظ السلام عموماً قليلة، واقتصرت على منطقة الشرق الأوسط ،وبعض المناطق التي رحل عنها الاستعمار حديثاُ . ولتسهيل قراءة تطور تاريخ مفهوم حفظ السلام سوف نقسم هذا التاريخ إلى ثلاث فترات ، شهد كل منها جيلاً من أجيال قوات حفظ السلام .
عقب اندلاع أزمة السويس عام 1956 ، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة أول قوة طوارئ دولية وكلفت هذه القوة بالإشراف على انسحاب القوات الفرنسية والبريطانية والإسرائيلية من الأراضي المصرية، وكذلك إنشاء دوريات مراقبة في شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة.
وتلا ذلك، تكوين بعثة أخرى قامت بمهمة استعادة السلام في الكونغو بين عامي (1960-1964) ، وفى عام 1964، شكلت قوة أخرى فى جزيرة قبرص وكلفت بمهمة الفصل بين القبارصة الأتراك واليونانيين، كما عملت بعثة أخرى عام 1973 فى مصر وسوريا لمراقبة وقف إطلاق النار بين الدولتين وإسرائيل عقب قرار وقف إطلاق النار، ثم كلفت هذه القوة فيما بعد بالإشراف على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 1978 .
ومن كل هذه المهمات، تعلمت الأمم المتحدة بعض الدروس الهامة وبلورت العديد من المبادئ التى باتت تحكم عمليات حفظ السلام ، وطبقاً للأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون السياسية سير/بريان اوركارث كانت هناك شروط سياسية محددة لنشر قوات حفظ السلام، مثل اتفاق الأطراف الشريكة، وتقديم المساعدة المستمرة من مجلس الأمن الذى أصبح مسئولا منذ عملية السويس عام 1956 عن توجيه هذه القوات، واستخدام القوة فقط فى حالة الدفاع عن النفس، واستعداد بعض الدول الأعضاء فى المنظمة الدولية ومجلس الأمن لتمويل هذه العمليات.
وفى كل العمليات السابقة، برزت حقيقة أن قوات حفظ السلام عندما تستمر فى أداء مهمتها لفترة طويلة (قد تزيد على عقد من الزمان) ، فإنها تصبح طرفاً فاعلاً فى السياسات الداخلية للبلدان التى تتمركز فيها، حيث كانت هذه القوات تقوم بمهام متنوعة وتؤثر فى هذه المجتمعات تأثيراً يؤكد ضلوعها فى العمليات السياسية والاقتصادية مثل تقديم الخدمات الطبية، وإقامة ملاجئ الإيواء لمن شردتهم الحروب، وتوزيع الأغذية ، وجمع شمل العائلات، وغيرها. وقد أشار د. بطرس بطرس غالى الأمين العام السابق للأمم المتحدة إلى أن الثلاث عشرة عملية التى نفذتها الأمم المتحدة لحفظ السلام أثناء الحرب الباردة قد تركزت على مراقبة وقف إطلاق النار، وحماية المناطق العازلة، والتأكد
من عدم تحريك أى من طرفى الصراع لقواته أبعد من خطوط وقف إطلاق النار المتفق عليها ، وكان الهدف من هذه المهمات إعطاء الفرصة لصانعى القرار للتفاوض من أجل الوصول إلى تسوية سلمية للنزاع.
بنهاية الحرب الباردة عام 1988 – عقب التغييرات التى لحقت بالاتحاد السوفيتى السابق نتيجة انتهاج سياسة الجلاسنوست والبريسترويكا- ، انخفضت إلى حد كبير حدة الصراعات والمنافسات بين الشرق والغرب، ودخل العالم بعدها فى مرحلة غير مسبوقة من التفاؤل، ليس فقط فيما يتعلق بحجم العمليات التى أصبح من المطلوب تنفيذها، ولكن أيضاً بالمدى الواسع للمهام التى كلفت بها قوات حفظ السلام. فقد شهدت السنوات بعد عام 1989 اتساع حجم عمليات حفظ السلام بشكل يفوق كل ماتم منذ عام 1945. ففى عام 1988، نفذت الأمم المتحدة خمس مهام لحفظ السلام، ارتفعت عام 1993 إلى 18 عملية، وعلى حين كان عدد القوات المشاركة فى بعثات حفظ السلام عام 1989 حوالى 9950 شخصاً، فإن هذا العدد ارتفع إلى 80.000 فرد حتى يوليو عام 1993 ، ومن ضمن هؤلاء كان هناك 65.000 جندى مشاركين فى 16 بعثة للأمم المتحدة لتحقيق السلام فى شتى بقاع العالم.
وفى هذا الجيل، استمرت المهام التقليدية لقوات حفظ السلام جنباً إلى جنب مع المهام الجديدة مثل المساعدة فى إجراء الانتخابات، ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان، وإعادة توطين اللاجئين، وتدريب قوات البوليس، وحماية جهود الإغاثة الإنسانية، ونزع سلاح القوات المتحاربة وتسريح بعضها. ومن أهم العمليات التى شهدها هذا الجيل، عملية نقل المساعدات للسكان فى ناميبيا (1989-1990) ، وعملية مراقبة تقليدية فى السلفادور (1991-1995) ، وعملية الاشراف على نقل السلطة فى كمبوديا (1992-1993). وكعلامة على أهمية هذه العمليات، وكتقدير لجهود الأمم المتحدة فى تلك المناطق، منحت قوات حفظ السلام جائزة نوبل للسلام عام 1988، وقيل أنها تستحق هذه الجائزة بسبب دورها الفعال فى التمهيد للمفاوضات السلمية الحقيقية فى أكثر من بقعة من بقاع العالم.

الجيل الجديد من قوات حفظ السلام:
فى واقع الأمر، يمكننا أن نتحدث عن تداخل بين الجيلين الثانى والثالث من قوات حفظ السلام، وعملياً بدأ الجيل الثالث فى الظهور منذ عام 1990، وتميزت عمليات هذا الجيل بأنها الأكثر استناداً إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وبقدر ما أظهرت عمليات الجيل الثانى الحاجة الماسة إلى تحسين وتنسيق قدرات ومهام قوات حفظ السلام لأجل الوفاء بمتطلبات العمليات الإنسانية وعمليات مراقبة أوضاع حقوق الانسان والتنمية الاجتماعية والمهام العسكرية التقليدية، فقد أظهرت أيضاً افتقار الأمم المتحدة للتمويل اللازم وكذلك للدعم اللوجستيكى والسياسى من قبل أعضاء المنظمة وعلى رأسهم الدول الخمس الأعضاء. وهو الأمر الذى جعل المنظمة الدولية تتحول إلى تقليص عمليات حفظ السلام والتركيز على جهود الوساطة السياسية. وفوضت الدول الأعضاء للقيام بهذا الدور منفردة أو عبر المنظمات الإقليمية ، وهو مقترب كان قائماً بشكل محدود فى الماضى قبل أن يتحول إلى جزء من خطة الإصلاح التى أعلن عنها الأمين العام الحالى كوفى عنان فى 16 يوليو 1997 .
لقد ظهر الجيل الثالث من قوات حفظ السلام نتيجة للمشاكل التى اعترضت الجيل الثانى، فقد اتضح أن المجتمع الدولى لم يقدم الموارد اللازمة لتمكين الأمم المتحدة من أداء هذه المهام بكفاءة ، كما اتضح أيضاً أنه بدون الدعم السياسى من الدول الأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن- وعلى الأخص بدون الدعم اللوجستى الذى يتوجب على الولايات المتحدة تقديمه لقوات حفظ السلام- لا يمكن لعمليات حفظ السلام أن تتم أو تنجح .
وعلى مستوى آخر، أظهرت عمليات الجيل الثانى أيضاً تساؤلات حول ما إذا كان تدخل الأمم المتحدة فى بعض البلدان كما حدث فى انجولا والبوسنة وكمبوديا والصومال يتواءم مع مبادئها الثلاثة المعروفة (قبول كل أطراف النزاع بتدخل الأمم المتحدة فى النزاع، النزاهة ، استخدام القوة فقط فى الدفاع الذاتى عن النفس) ؟

تحديات عمليات حفظ السلام:
لقد أظهرت بعض هذه العمليات أو كلها، أن تدخل الأمم المتحدة لم يكن مقبولاً من كل أطراف النزاع، وهو الأمر الذى أدى إلى تعريض قوات حفظ السلام لمخاطر عسكرية كبيرة، كما كان عجز هذه القوات عن أداء بعض المهام سبباً فى إفراغ مبدأ إرسال هذه القوات وفق نصوص الفصل السابع من محتواه، والتشكيك فى مصداقية الأمم المتحدة. واتضح أيضاً أن تنفيذ مهمة تحقيق أو حفظ السـلامفى أجواء معادية كتلك التى أصبح على الجيل الثالث من قوات حفظ السلام التعامل معها، يقتضى وضع مبدأ استخدام القوة للدفاع الذاتى موضع التنفيذ ، وهو مالم يحدث فى أغلب الاحيان. وعلى سبيل المثال، رغم أن الأمم المتحدة أعلنت فى يوليو عام 1995 عن إنشاء منطقة آمنة فى مدينة سربرنيتشيا أثناء الحرب فى البوسنة ، إلا إنها لم تتمكن من حماية هذه المنطقة ووقفت عاجزة تماماً أمام اجتياح القوات الصربية للمدينة ، وأدى هذا الاجتياح إلى مجازر جماعية راح ضحيتها عدة آلاف من المدنيين المسلمين، واتضح فيما بعد أن التفويض الذى كان ممنوحاً لقوات حفظ السلام لم يكن يشمل استخدام القوة لحماية المدنيين. وقد تحملت الأمم المتحدة انتقادات الرأى العام الشعبى فى العالم كله بسبب ماجرى هناك، وكما يقول بيترو ديميترو فإن البيئة العامة للصراعات الدولية فى فترة الجيل الثانى قد تميزت بالتعقيد ، وكان الأمر يقتضى دعم الأمم المتحدة وزيادة مواردها لتنفيذ المهام المكلفة بها وهو مالم يحدث. كذلك يقول ماتس بيردل أن هذه التجارب أظهرت الحاجة الماسة للتفريق بين مهمة تحقيق السلام، ومهمة حفظ السلام، لأن الدمج بينهما كما حدث فى الصومال مثلاً، أدى إلى ظهور مخاطر عسكرية وسياسية كبيرة.
لقد تعلمت الأمم المتحدة من هذه التجارب، وباتت تركز أكثر على العناية بكفاءة العمليات وليس على حجمها. وفى يوليو 1997، اقترح كوفى عنان إجراء إصلاحات لمواجهة التحديات المستقبلية. منذ نهاية الحرب الباردة ظهرت دعوات عديدة لإصلاح الأمم المتحدة ، وفى البداية حاولت المنظمة الدولية السير فى طريقين : الإصلاح ، والأقلمة . وقد تعثر الإصلاح فى هذه الفترة المبكرة نتيجة إحجام الدول الأعضاء عن تقديم المكون المالى للمنظمة لإجراء مثل هذه الإصلاحات ، ورأت الولايات المتحدة إنها لا يمكنها حتى دفع المتأخرات التى تراكمت عليها عبر عدة سنوات إلى المنظمة قبل أن ترى هذه الإصلاحات الإدارية قد وضعت موضع التنفيذ. أما سياسة الأقلمة بمعنى تفعيل دور المنظمات الإقليمية والقوى الحريصة على الاستقرار فى مناطق معينة وتفويضها بحل النزاعات، فقد تعثرت أيضاً بسبب المخاطر التى نشأت من جرائها، وأدت إلى التشكيك فى مصداقية الأمم المتحدة نفسها.
وقد شدد كوفى عنان مؤخراً على أن الإصلاحات
التى يتعين على الأمم المتحدة إجراءها ذات طبيعة تطورية ولا يمكن تحقيقها بضربة واحدة. ومن الإصلاحات التى تم إنجازها: إنشاء مجموعة إدارية عليا لمنع التداخل وتحقيق أفضل تنسيق ممكن بين أفرع الأمم المتحدة المختلفة. وكذلك إنشاء آلية يشرف عليها فريق صغير وكفء من أجل خفض النفقات وإصلاح الميزانية. كذلك تسعى المنظمة الدولية حالياً لتسهيل إجراءات اتخاذ القرارات فى مجلس الأمن، حيث ظهر بوضوح أن الكثير من الفرص الثمينة قد ضاعت فى متاهة قنوات صناعة القرار . الأمر نفسه فيما يتعلق بمسألة وضع خطط مسبقة لتحركات قوات حفظ السلام ، حيث اتضح أن معظم العمليات التى نفذت من قبل قد افتقدت وجود مثل هذه الخطط ، ولم يكن لديها جهاز جمع معلومات كفء عن الميدان الذى تعمل فيه، وكانت قوات كل دولة مشاركة فى حفظ السلام تعتمد بشكل منفرد على عناصر الاستخبارات المتواجدة فى صفوفها ، ولا يوجد تنسيق بين هذه العناصر وبعضها البعض الأمر الذى خلق نوعا من التضارب فى تقييم المعلومات المتوافرة. لأجل ذلك، تعمل المنظمة الدولية على تحسين سبل الاتصال بين العمليات المختلفة لقوات حفظ السلام وبين القيادة الرئيسية فى مقرها فى نيويورك .
ومؤخراً ، جرى الاتفاق على تأسيس وكالة تخطيط مركزى فى السكرتارية العامة ، وتشكيل فوج معاون لتأمين احتياجات قوات حفظ السلام وتخزين المعدات اللازمة لها فى المواقع التى يتوجب أن تتوجه إليها ، ووضع خطط مسبقة لإخلاء هذه القوات بالطائرات بأسرع وقت ممكن عند الحاجة إلى ذلك، وتحسين قدرات الإنذار المبكر، وتأمين عناصر استخبارات تتولى مد هذه القوات بالمعلومات الضرورية لتأمين تحركاتها .
والجدير بالذكر، أن خطة الإصلاح التى قدمت عام 1992 لم تكن تفى بكل هذه الأغراض، وهو ما يعطى لاقتراحات الأمين العام الحالى قوة إضافية. ولكن تبقى مشكلة إصلاح مجلس الأمن ذاته كأهم مشكلة تواجه الأمم المتحدة حالياً، حيث فشلت كل محاولات إدخال تعديلات على تشكيله وقانونه، وكان العديد من الخبراء قد شددوا على ضرورة أن يعكس مجلس الأمن التمثيل الجغرافى للعالم. فيما طالب البعض الآخر بتوسيع المجلس ، وتعديل حق الفيتـو المملوك للدول الخمس الدائمة العضوية، لأنه لم يعد
المملوك للدول الخمس الدائمة العضوية، لأنه لم يعد من المناسب أن تكون دولة مثل اليابان تسهم بـ 13% من ميزانية المنظمة، وليس لها قوة توازى حجم هذا الإسهام. وقد أظهرت أزمة الخليج أيضاً، أن اليابان وألمانيا قد ساهمتا فى دعم قوات التحالف دون أن يكون لهم دور يوازى هذا الإسهام فى القرارات التى صدرت عن مجلس الأمن أثناء وبعد الأزمة .
وعلى الرغم من أن بعض المتفائلين رأوا فى قيام الأمم المتحدة بدور مركزى فى معالجة أزمة الخليج، مؤشراً على استرداد المنظمة لمكانتها المفترضة كفاعل رئيسى فى حل الصراعات الدولية، إلا أن البعض الآخر رأى أن الولايات المتحدة لم تلجأ إلى المنظمة الدولية لإيمانها بدورها، بقدر ما هدفت فقط الحصول على شرعية التدخل فى الأزمة، وقد حذر هؤلاء من الأثر المدمر لهذا المسلك على شرعية الأمم المتحدة وعلى العمليات التى ستنهض بها مستقبلاً.
وعلى أية حال، فإن مسألة إصلاح مجلس الأمن ستبقى أملاً بعيد المنال، حيث لا يتوقع أن توافق الدول الدائمة العضوية فيه على إجراء اى إصلاحات. أما المشكلة الأخرى فهى التضارب – الذى ظهر نتيجة العولمة وارتفاع معدل الصراعات عبر الدولية – المتمثل فى وضع مفهوم السيادة التى تطرحها العولمة. فالأمم المتحدة ، لم تتأسس لأجل حماية الحكومات والدول، بل كلفت فى الواقع بمهمة حماية الأجيال القادمة من أخطار الحروب. وحسب نص الفصل السابع من ميثاقها، فإن التدخل فى أى مكان فى العالم يظل مشروطاً بوقوع ما يهدد السلام العالمى، أو قيام طرف دولى بالاعتراض على طرف آخر .
وإذا ما نظرنا إلى أزمة الخليج سنجد أن المقترب الجديد الناتج عن العولمة قد تم تطبيقه على صدام حسين، حيث استصدر مجلس الأمن القرار رقم 687 لعام 1991، والذى شرع التدخل الشامل والسافر ( أو غير المبرر ) فى السيادة العراقية : إزالة أنواع معينة من الأسلحة، ترسيم الحدود ، إنشاء قوات مراقبة ، تحديد سقف لصادرات النفط العراقية .
أما القرار 688، فقد دعا لتطبيق إجراءات لحماية الأقلية الكردية فى العراق واصفاً هروب اللاجئين الأكراد بأنه يشــكل خطـراً على السلام

العالمى، وعلى حد وصف كريستوفر جرينوود لم يعد مقبولاً الاختباء وراء مبدأ السيادة لمنع التدخل الخارجى ضد نظام يقتل شعبه، أو لإنقاذ دولة انهارت مؤسساتها ودخلت فى حالة فوضى شاملة. والأمر نفسه حدث فى كوسوفو عام 1998 حيث أصدر مجلس الأمن القرار رقم1160، وتلاه القرار 1199 الذى دعا الحكومة اليوغسلافية لسحب قواتها من أقليم خاضع لسيادتها.
وبشكل عام، أصبح هناك استعداد متزايد لتقبل تفويض الأمم المتحدة للمنظمات الإقليمية لأداء بعض المهام، وهو ما يعنى احتمال تغلب الأمم المتحدة على مشاكل الدعم السياسى والتمويل اللازم لمثل هذه العمليات. وكان الأمين العام للأمم المتحدة كوفى عنان قد صرح فى 16 يوليو 1997 ، بأنه أوصى بالفعل – فى إطار الإصلاحات المطلوب تنفيذها – بأن تلعب المنظمات الإقليمية وأى قوات متحالفة دوراً نشطاً فى عمليات حفظ السلام .
ولكن هذه الاستراتيجية الجديدة قد تؤدى الى نتيجة عكسية ، إذ أن ميثاق الأمم المتحدة لا ينص على إمكانية تفويض مهام الأمم المتحدة الى المنظمات الإقليمية، وأيضاً يمكن أن يكون هذا التفويض أمراً خطيراً إذا ما خرج عن حدوده المرسومة، حيث يمكن أن يؤدى على المدى الطويل إلى تهميش الأمم المتحدة ذاتها بحيث تتحول إلى مجرد لاعب خارجى فى الصراعات الدولية، وكما يقول جريفين (على الرغم من أن هذه المنظمات تمثل حلاً مبتكراً للأزمات التى تعانيها الأمم المتحدة حالياً ، إلا أن سياسة الأقلمة قد تقود إلى التسامح الواسع مع التدخلات الخارجية، والتى قد تكون فى طبيعتها أقل حيادية من الأمم المتحدة ، وتكون ممارساتها ليست مراقبة بشكل صارم ودقيق) .

قوات حفظ السلام المستقبلية:
لقد أظهرت العلاقة التى نشأت بين الأمم المتحدة وحلف الناتو فى أثناء حرب كوسوفو العديد من الدروس الهامة، إذ أوضحت أن الحاجة إلى الأمم المتحدة مازالت قائمة، كما نبهت إلى أهمية وضرورة إصلاحها. ففى هذه الحرب، تم تحييد دور المنظمة الدولية، وكان ذلك فى الأغلب تكتيكا اتبعته الولايات المتحدة من جانبها لتفادى احتمال استخدام الصين أو روسيا لحق الفيتو. وفى النهاية، كانت الأمم المتحدة تسعى بقوة لتحقيق الشــرعية.
ولكن إذا ما أرادت الأمم المتحدة – مستقبلا – الانخراط فى أى عملية من بدايتها، عليها أن تؤمن الميزانية والبنية الأساسية الضرورية للنهوض بمثل هذه العمليات .
ان الأمم المتحدة تحتاج حالياً لكى تتدخل بكل قوتها فى العمليات ذات الطبيعة الإنسانية والعسكرية أكثر من أى وقت مضى. وقد أثبت القرار 1244 الصادر من مجلس الأمن فى يناير 1999، والخاص بإعادة تعمير كوسوفو حيوية دور المنظمة الدولية والحاجة الماسة لجهودها. وإذا ما أرادت الأمم المتحدة الالتزام بميثاقها وحماية الأجيال القادمة من أخطار الحروب، فعليها أن تعيد النظر فى أجندتها الخاصة بحفظ السلام. إنها تحتاج للتمويل، والقوة الكافية لدعم الجيل الجديد من عمليات حفظ السلام ، ومثلما تغيرت طبيعة الحروب حالياً ، يجب أن نتوقع تغيير طبيعة مهمة حفظ السلام .