التصنيفات
العلوم الميكانيكية

الميكانيك الكمومي


الميكانيك الكمومي

مفهوم المسار الذي يقوم عليه الميكانيك النيوتوني ولنطبقه في الفيزياء المجهرية، فيزياء الجسيمات الصغيرة، على ذرة الهيدروجين مثلاً، تتألف هذه الذرة من نواة (البروتون) ذات شجنة موجبة وإلكترون واحد ذي شحنة مساوية لشحنة البروتون ولكنها سالبة ثم إن البروتون أثقل من الإلكترون بألفي مرة، لذا فعلى الإلكترون أن يدور حول البروتون كما تدور الأرض حول الشمس وأن يرسم مثلها قطعا ًناقصاً، إلا أن الإلكترون المشحون كهربائياً (خلافاً للأرض متعادلة الشحنة) يتباطأ ويتسارع في دورانه الإهليجي حول البروتون وفق قوانين الميكانيك من جهة ويشع بسبب تغير سرعته وفق قوانين الكهرطيسية من جهة أخرى، هذا يعني أنه سيفقد في كل دورة جزءاً من طاقته وسيقترب مداره من النواة وسيصطدم بها خلال فترة قصيرة في نهاية المطاف أي أن ذرة الهيدروجين غير مستقرة حسب هذه الصورة وهو مايتناقض تناقضاً تاماً مع الواقع إذ أن ذرة الهيدروجين أكثر الذرات انتشاراً في الكون وأكثرها استقراراً!

يمكن اعتبار هذه المشكلة، وإن لم تكن الأمور قد جرت على هذا الشكل تاريخياً، منطلق النظرية الكمومية التي ولدت في مطلع القرن العشرين 1900 على يد بلانك. يستتبع معرفة وضع وسرعة (أو عزم) الجسيم في لحظة ما، الشروط البدائية ولنرمز لها بـ a، كما رأينا المعرفة التامة بالمسار ولنرمز له بـ b ونكتب لتلخيص مانقول: ( a ← b) وكما يعرف كل مبتدئ في دراسة المنطق الصوري فإن بطلان b ولنرمز له بـ ¯b (عدم وجود مسار محدد) يعني بطلان a أي استحالة تحديد الوضع والعزم معاً في لحظة ما بحيث يمكننا أن نقول أن ( a ← b) تكافئ (¯b ← ¯a). لايقول كانت شيئاً آخر عندما يكتب في حديثه عن الاستنباط العاقل الذي يستخلص التالية من السبب أنه إذا أمكن استخلاص تالية واحدة باطلة من قضية ما فالقضية باطلة، وهكذا وضع نايزنبرغ مايعرف باسم مبدأ عدم التحديد، أو عدم التعيين، أي عدم الدقة في القياس، في واقع الأمر بين الوضع والعزم ( وبين كل مقدارين فيزيائيين مقترنين كالطاقة والزمن مثلاً): هناك حد أعلى لجداء دقة قياس المقدارين المقترنين بحيث يعني كل قياس متناه في الدقة لأحدهما عدم التحديد الكلي (الجهل الكلي) للمقدار الآخر. ينتج عن ذلك أن ترتيب قياس أزواج المقادير المقترنة أمر ذو أهمية بالغة في الميكانيك الكمومي خلافاً لما هو عليه الحال في الميكانيك التقليدي وأنه لم يعد بالإمكان التعبير عن هذه المقادير بدالات عددية وإنما بمؤثرات ـ غير تبديليةـ تأخذ في بعض الحالات، خلافاً للدالات العددية قيماً منفصلة وتنتقل بين هذه القيم بقفزات صغيرة بـ «كمات»، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد أصبح من اللازم وقد تخلينا عن مفهوم المسار وعن الدقة في القياس للوضع والعزم المرتبطة بهذا المفهوم التخلي عن مفهوم المعرفة التامة للحالة الفيزيائية: إن كل معرفة هي معرفة ناقصة ولابد من تفسير الميكانيك تفسيراً إحصائياً والقيام بتنبؤات احتمالية صرفة: وداعاً للتعيين، وداعاً للحتمية ووداعاً لادعاءات لابلاس!
إن القول وداعاً ليس بالأمر السهل فأنشتاين نفسه والذي شِخص العلة منذ عام 1916 ووضع أسلوب العلاج لم يستطع ولأسباب فلسفية بحتة ـ لانريد التطرق لها هنا ـ قبول موضوعات النظرية الكمومية الذي أسهم هو نفسه في إنشائها وبقي ينتظر النظرية البديلة حتى آخر أيام حياته عام 1955

نلتقي لنرتقي


التصنيفات
العلوم الميكانيكية

الميكانيك الكمومي

الميكانيك الكمومي

مفهوم المسار الذي يقوم عليه الميكانيك النيوتوني ولنطبقه في الفيزياء المجهرية، فيزياء الجسيمات الصغيرة، على ذرة الهيدروجين مثلاً، تتألف هذه الذرة من نواة (البروتون) ذات شجنة موجبة وإلكترون واحد ذي شحنة مساوية لشحنة البروتون ولكنها سالبة ثم إن البروتون أثقل من الإلكترون بألفي مرة، لذا فعلى الإلكترون أن يدور حول البروتون كما تدور الأرض حول الشمس وأن يرسم مثلها قطعا ًناقصاً، إلا أن الإلكترون المشحون كهربائياً (خلافاً للأرض متعادلة الشحنة) يتباطأ ويتسارع في دورانه الإهليجي حول البروتون وفق قوانين الميكانيك من جهة ويشع بسبب تغير سرعته وفق قوانين الكهرطيسية من جهة أخرى، هذا يعني أنه سيفقد في كل دورة جزءاً من طاقته وسيقترب مداره من النواة وسيصطدم بها خلال فترة قصيرة في نهاية المطاف أي أن ذرة الهيدروجين غير مستقرة حسب هذه الصورة وهو مايتناقض تناقضاً تاماً مع الواقع إذ أن ذرة الهيدروجين أكثر الذرات انتشاراً في الكون وأكثرها استقراراً!

يمكن اعتبار هذه المشكلة، وإن لم تكن الأمور قد جرت على هذا الشكل تاريخياً، منطلق النظرية الكمومية التي ولدت في مطلع القرن العشرين 1900 على يد بلانك. يستتبع معرفة وضع وسرعة (أو عزم) الجسيم في لحظة ما، الشروط البدائية ولنرمز لها بـ a، كما رأينا المعرفة التامة بالمسار ولنرمز له بـ b ونكتب لتلخيص مانقول: ( a ← b) وكما يعرف كل مبتدئ في دراسة المنطق الصوري فإن بطلان b ولنرمز له بـ ¯b (عدم وجود مسار محدد) يعني بطلان a أي استحالة تحديد الوضع والعزم معاً في لحظة ما بحيث يمكننا أن نقول أن ( a ← b) تكافئ (¯b ← ¯a). لايقول كانت شيئاً آخر عندما يكتب في حديثه عن الاستنباط العاقل الذي يستخلص التالية من السبب أنه إذا أمكن استخلاص تالية واحدة باطلة من قضية ما فالقضية باطلة، وهكذا وضع نايزنبرغ مايعرف باسم مبدأ عدم التحديد، أو عدم التعيين، أي عدم الدقة في القياس، في واقع الأمر بين الوضع والعزم ( وبين كل مقدارين فيزيائيين مقترنين كالطاقة والزمن مثلاً): هناك حد أعلى لجداء دقة قياس المقدارين المقترنين بحيث يعني كل قياس متناه في الدقة لأحدهما عدم التحديد الكلي (الجهل الكلي) للمقدار الآخر. ينتج عن ذلك أن ترتيب قياس أزواج المقادير المقترنة أمر ذو أهمية بالغة في الميكانيك الكمومي خلافاً لما هو عليه الحال في الميكانيك التقليدي وأنه لم يعد بالإمكان التعبير عن هذه المقادير بدالات عددية وإنما بمؤثرات ـ غير تبديليةـ تأخذ في بعض الحالات، خلافاً للدالات العددية قيماً منفصلة وتنتقل بين هذه القيم بقفزات صغيرة بـ «كمات»، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد أصبح من اللازم وقد تخلينا عن مفهوم المسار وعن الدقة في القياس للوضع والعزم المرتبطة بهذا المفهوم التخلي عن مفهوم المعرفة التامة للحالة الفيزيائية: إن كل معرفة هي معرفة ناقصة ولابد من تفسير الميكانيك تفسيراً إحصائياً والقيام بتنبؤات احتمالية صرفة: وداعاً للتعيين، وداعاً للحتمية ووداعاً لادعاءات لابلاس!


إن القول وداعاً ليس بالأمر السهل فأنشتاين نفسه والذي شِخص العلة منذ عام 1916 ووضع أسلوب العلاج لم يستطع ولأسباب فلسفية بحتة ـ لانريد التطرق لها هنا ـ قبول موضوعات النظرية الكمومية الذي أسهم هو نفسه في إنشائها وبقي ينتظر النظرية البديلة حتى آخر أيام حياته عام 1955