التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

قواعد المجاملات الدولية

قواعد المجاملات الدولية

هي تلك العادات التي يجري إتباعها استجابة لاعتبارات الملاءمة والتي تساعد على توطيد العلاقات بين الدول وخلق جو من الثقة أو الصداقة المتبادلة ولذلك فإن خرق المجاملات الدولية لا يعتبر بمثابة عمل أو تصرف غير مشروع يثير المسؤولية الدولية وكل ما في الأمر أن عدم الالتزام بالمجاملات الدولية يؤدي إلى تعكير صفو العلاقات الدولية ويعتبر كذلك من الأعمال غير الودية والتي تواجه أو تقابل بالمثل .
ومن أمثلة المجاملات الدولية مراسيم استقبال رؤساء الدول ومراسيم استقبال السفن الحربية وكذلك التحية البحرية ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المجاملة الدولية قد تتحول إلى قاعدة قانونية دولية ملزمة وذلك إذا دخلت مجال القانون الدولي العام بواسطة أحد مصادره كالمعاهدات الدولية أو العرف الدولي أو القرارات الدولية أو المبادئ العامة للقانون والى غير ذلك من المصادر المحددة بنص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ، ومثال ذلك الحصانات الدبلوماسية كانت بمثابة مجاملات ثم تحولت إلى قاعدة قانونية دولية أبرمت بشأنها عدة اتفاقيات مثل اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 واتفاقية فينا للعلاقات القنصلية 1963 ، وفي المقابل فإنه يمكن للقاعدة القانونية الدولية أن تتحول إلى مجرد مجاملة دولية وذلك بخروجها من نطاق القانون الدولي العام كما حدث بالنسبة للتحية البحرية ومسألة استقبال السفن البحرية.

التمييز بين قواعد القانون الدولي وقواعد الأخلاق الدولية:

نعلم بأن معيار التمييز بين الأخلاق والقانون محل خلاف فهناك من يرى بأن : الأخلاق هي قاعدة من قواعد الحياة الفردية ، بينما القانون هو قواعد اجتماعية ، ولكن وجهة النظر هذه تتجاهل أن الأخلاق كما يمكن أن تكون فردية تحدد واجبات الإنسان اتجاه نفسه فإنها يمكن أن تكون اجتماعية تحدد واجبات الفرد تجاه الآخرين ، وهناك من يميز بينهما ومن بين هؤلاء الفقيه الهولندي (غروسيوس) الذي يرى بأن القانون يهتم بالتصرفات الخارجية للإنسان أما الأخلاق فهي تخاطب الضمير الداخلي للإنسان.
وكل هذا معناه أنه لا يمكن الحديث عن قواعد الأخلاق في نطاق المجتمع الدولي الذي يتكون من دول ووحدات دولية أخرى كلها أشخاص قانونية معنوية ينعدم لديها الضمير
ومعيار التمييز بين الأخلاق والقانون يكمن بصفة أساسية في عنصر الالتزام ، وتبعا لذلك فإن الإخلال بقاعدة خلقية لا يترتب عليها المسؤولية الدولية على عكس الإخلال بقاعدة قانونية دولية ، ومن أمثلة قواعد الأخلاق على الصعيد الدولي تلك القاعدة التي تفرض على الدول تقديم المساعدة لدولة ما منكوبة مثلا ، وقد تتحول القاعدة الخلقية إلى قاعدة قانونية دولية من خلال المصادر الدولية السالفة الذكر ، وهذا ما حدث بالنسبة لتلك القواعد القانونية المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب والجرحى والمرضى والمدنيين أثناء النزاعات المسلحة حيث كانت في بداية الأمر مجرد قواعد أخلاقية وبعد ذلك أصبحت قواعد قانونية واجبة التطبيق والاحترام من خلال اتفاقيات جنيف الأربعة المبرمة عام 1949 بشأن القانون الدولي الإنساني . أي مجموعة القواعد القانونية الواجبة التطبيق خلال الحروب والنزاعات المسلحة ذلك أن الحرب وإن اعتبرت من الأعمال المحظورة وفقا لنص المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة إلا أنه يمكن اللجوء إليها استنادا إلى نص المادة 51 من الميثاق في إطار ما يعرف بحق الدفاع الشرعي ، وكذلك من خلال تطبيق القواعد القانونية الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والمتعلقة باستعمال القوة وفقا للفصل السابع من الميثاق وذلك في حالة تهديد الأمن والسلم الدوليين والإخلال بهما .

أساس القانون الدولي:

على الرغم من إجماع فقهاء القانون الدولي على قانونية قواعد هذا القانون ، أي أنها تتمتع بالصفة الإلزامية ، إلا نهم اختلفوا في أساس هذا الإلزام.

1.المذهب الإرادي:

يتمحور أساس القانون الدولي وفقا لهذا المذهب في الإرادة حيث ينسب إليها الفضل في تكوين القانون وإضفاء علية صفة الإلزام ، ولذلك فإن إرادة الدولة هي أساس القوة الملزمة للقانون الداخلي ، وإرادة الدول هي أساس الإلزام بالنسبة للقانون الدولي ، وأنصار المذهب الإرادي اختلفوا في تحديد المقصود بالإرادة التي تعتبر أساس إلزام قواعد القانون الدولي وقد تجلى هذا الاختلاف في نظريتين هما :

a.نظرية التقييد أو التحديد الذاتي للإرادة المنفردة:

ووفقا لهذه النظرية فإن الدولة لا تعلوها سلطة أخرى يمكن أن تفرض عليها الالتزام بقواعد القانون الدولي ، فالدولة تتمتع بسلطة مطلقة والتزامها بقواعد القانون الدولي يكون باختيارها من دون أي إكراه ، ومعنى هذا أن الدولة هي التي تقيد إرادتها بنفسها وتلتزم بقواعد القانون الدولي . وفقا لمنطق هذه النظرية فإن القانون الدولي ما هو إلا قانون الدولة الذي يهتم بقضاياها الخارجية.
وقد تعرضت هذه النظرية إلى نقد شديد ذلك أنه إذا كان الهدف من القانون هو تقييد الإرادة فكيف يمكن القول بأن هذا القانون يجد أساسه في هذه الإرادة ، ومن ناحية أخرى فإن منطقا كهذا يؤدي إلى هدم القانون الدولي ، فإذا كانت الدولة تلتزم بقواعده بمحض إرادتها فلها أن تتحرر من هذا الالتزام متى شاءت بمحض أو بذات الإرادة .
فالقاعدة القانونية وفقا لهذه النظرية أسيرة مصالح وأهواء الدولة ، فالدولة تلتزم بالقاعدة طالما كانت تخدم مصالحها وتتحلل منها مت أصبحت هذه القاعدة تتعارض مع مصالحها.

b.نظرية الإرادة المتحدة أو المشتركة للدول

وفقا لهذه النظرية فإن الإرادة هي أساس الصفة الملزمة لقواعد القانون الدولي وهذه الإرادة تكمن في الإرادة المشتركة الجماعية الناتجة عن اتحاد إرادات مختلف دول المجتمع الدولي وما يؤاخذ على هذه النظرية أنها تؤدي إلى حصر مصادر القانون الدولي في المعاهدات الدولية فقط ، وذلك أن الالتزامات التي ترتبها المعاهدات ناتجة عن اتفاق الأطراف المتعاقدة فيما بينها ولذلك فإن هذه النظرية لا تفسر الالتزام بقواعد القانون الدولي المستمدة من مصادر أخرى مثل المبادئ العامة للقانون وقرارات المنظمات الدولية ، كما أن هذه النظرية تعرضت بدورها إلى نقد مشابه لما تعرضت لها سابقتها لأنها تؤدي أيضا إلى إضعاف وعدم استقرار قواعد القانون الدولي وذلك لعدم وجود ضمانات تحول دون انسحاب الدول من الإرادة المشتركة التي تؤدي إلى وجود أنظمة قانونية دولية متعددة حيث كل معاهدة يكون لها كيان مستقل عن المعاهدات الأخرى . ونظرا لهذه الانتقادات المذهب الإرادي حاول الفقه الدولي أن يفسر أساس الالتزام بقواعد القانون الدولي بعيدا عن إرادة الدول وهذا ما نلمسه في طرح المذهب الموضوعي.

2.المذهب الموضوعي:

هذا المذهب يبحث في أساس القوة الملزمة لقواعد القانون الدولي خارج إرادة الدول سواء كانت إرادة منفردة مقيدة أو إرادة جماعية مشتركة وهذا المذهب الموضوعي يتمثل في مدرستين.

a.المدرسة القاعدية النمساوية:

تسمى هذه المدرسة بالمدرسة القاعدية لأن أنصارها تصور القانون على أنه جملة من القواعد على شكل هرم وكل قاعدة تستمد قواعدها من القاعدة التي تعلوها، وتسمى بالنمساوية إلى مؤسسيها النمساويين الأول ( كلسن Kelsen ) والثاني ( فالدرومي ) ، وتنطلق هذه المدرسة في بحثها عن أساس الإلزام في قواعد القانون الدولي حيث أنها تعتبر القانون على أنه هيكل هرمي من القواعد تستمد كل قاعدة الزاميتها من القاعدة التي تعلوها ، أي أن القواعد القانونية تتدرج في قوتها بشكل هرمي حتى تصل إلى قمة الهرم الذي يتكون من قاعدة معروفة هي « المتعاقد عبد تعاقده» .
وما يؤاخذ على هذه النظرية أنها حاولت تأسيس الإلزام للقانون الدولي على محض الافتراض.

b.المدرسة الاجتماعية:

تنسب هذه المدرسة إلى بعض الفقهاء الفرنسيين ك : (جورج سال) ، وتنطلق في البحث عن أساس القانون الدولي من خلال نظرتها للقانون على أنه مجرد حدث أو واقع اجتماعي يفرضه الشعور بالتضامن الاجتماعي الذي لا تستطيع الجماعة الاستمرار من دونه .
ويؤاخذ على هذه النظرية أنها تحاول تأسيس القانون الدولي على فكرة غير محددة وهي فكرة التضامن الاجتماعي ، ولذلك حاول بعض أنصار هذه المدرسة استبدال فكرة التضامن الاجتماعي بفكرة الضرورة الاجتماعية .

وأخيرا ما يمكن أن نقف عليه في مسألة أساس القانون الدولي وبعيدا عن الجدال الفقهي الذي دار بشأنه على نحو ما رأينا : فإن القانون الدولي تلتزم به الدولة وتنص على التزامها به في قانونها الوطني ، ولذلك كثيرا ما نجد الدساتير تنص على المبادئ التي تلتزم بها الدولة في سياستها الخارجية وهذه المبادئ تعتبر من صميم قواعد القانون الدولي .