المقامة العلمية ….مقامات الدكتور عائض القرني
( و قل رب زدني علما )
جعلت المال فوق العلم جهلا * لعمرك في القضية ماعدلتا
و بينهما بنص الوحي بون *ستعمله إذا طه قرأتا
العلم أشرف مطلوب ، و أجل موهوب ، و العلماء ورثة الأنبياء ،و سادة الأولياء ، و الشهداء على الألوهية و الدعاة إلى الربوبية ، تستغفر لهم حيتان الماء ، و طيور السماء ، و تدعو لهم النملة ، و تستغفر لهم النحلة ، ولا يتهم لا تقبل العزل ، و أحكامهم ليس فيها هزل ، مجالسهم عبادة ، و كلامهم إفادة ، يوقعون عن رب العالمين ، و يفضلون الناس أجمعين ، و كما يهتدي بالنجوم في ظلم البر و البحر ، فهم منائر الأرض ، يهتدى بهم في كل أمر ، العلم في صدورهم ، و الله يهدي بنورهم ، و ينزل عليهم الرضوان في قبورهم ، هم حملة الوثيقة ، و الشهداء على الخليقة ، كلامهم محفوظ منقول ، و حكمهم ماض مقبول ، بهم تصلح الديار ، و تعمر الأمصار ، و يكبت الأشرار ، و هم عز الدين ، و تاج الموحدين ، و صفوة العابدين ، هم أنصار الملة ، و أطباء العلة ، يذودون عن حياض الشريعة ، و يزجرون عن الأمور الفضيعة ، و ينهون عن المعاصي الشنيعة هم خلفاء الرسول ، ثقات عدول ، ينفون عن الدين تأويل المبطلين ، و تحريف الجاهلين ، و أقوال الكاذبين ، مذكراتهم من أعظم النوافل ، و مرافقتهم من أحسن الفضائل ، و هم زينة المحافل ، بهم تقام الجماعات و الجمع ، و بهم تقمع البدع ، هم الكواكب في ليل الجهل ، و هم الغيث يعم الجبل و السهل ، عالم واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ، لأن العالم يدرك الحيل ، و لا تختلط عليه السبل ، يكشف الله به تلبيس إبليس ، و يدفع الله بهم كل دجال خسيس ، أحياء بعد موتهم ، موجودون بعد فوتهم ، علمهم معهم في البيوت و الأسواق ، و يزيد بكثرة الإنفاق ، أقلامهم قاضية ، على السيوف الماضية ، بصائرهم تنقب في مناجم النصوص ، و عقولهم تركب الدر في الفصوص ، الناس يتقاسمون الدرهم و الدينار ، و هم يتوزعون ميراث النبي المختار ، لو صى العابد سبعين ركعة ، ماعادلت من العالم دمعة ، فهم أهل العقول الصحيحة ، و أرباب النصيحة .
العلم شرف الدهر ، و مجد العصر ، ذهب الملك بحراسه ، و بقيت بركة العالم في أنفاسه ، فني السلاطين ، و وسدوا الطين ، و خلد ذكر أهل العلم أبدا و بقي ثناؤهم سرمدا ، العلم أعلى من المال ، و أهيب من الرجال ، به عبد الديان ، و قام الميزان ، و به نزل جبريل ، على صاحب الغرة و التحجيل ، و به عرفت شرائع الإسلام ، و ميز بين الحلال و الحرام ، و به وصلت الأرحام ، و حل كل نزاع و خصام ، و بالعلم قام صرح الإيمان ، و ارتفع حصن الإحسان ، و بنيت العبادات ، و شرحت المعاملات ، و هو الذي جاء بالزواجر ، عن الصغائر و الكبائر ، وفقه الناس به الفرائض و النوافل و الآداب و الفضائل ، و نصبت به معالم السنن ، و كشف به وجه الفتن ، و دل به الجنة ، و دعي به إلى السنة ، و هو الذي سحق الوثنية ، و هدم كيان الجاهلية ، و نهي عن سبيل النار ، و موجبات العار ، و وسائل الدمار ، و به حورب الكفرة ، و طورد الفجرة ، و هو من العلل دواء ، و الشكوك شفاء، ينسف الشبهات ، و يحجب الشهوات ، و يصلح القلوب ، و يرضي علام الغيوب ، و هو شرف الزمان ، و ختم الأمان ، و هو حارس على الجوارح ، و بوابة إلى المصالح ، و صاحبه مهاب عند الملوك ، و لو كان صعلوك ، و حامله ممجد مسود ، و لو كان عبدا أسود ، يجلس به صاحبه على الكواكب ، و تمشي معه المواكب ، و تخدمه السادة ، و تهابه القادة ، و تكتب أقواله ،و تقتفى أعماله ، و تحترمه الخاصة و العامة ، و يدعى للأمور العامة ، مرفوع الهامة ، ظاهر الفخامة ، عظيم في الصدور ، غني بلا دور ولا قصور ، الله بغيته ، و الزهد حليته ، مسامرته للعلم قيام ن و صمته عن الخنا صيام ، رؤيته تذكر بالله ، لا يعجبه إلا الذكر و ما والاه ، عرف الحقيقة ، و سلك الطريقة ، به تقام الحجة ، و تعرف المحجة ، و هو بطل المنابر ، و استاذ المحابر ، و المحفوظ اسمه في الدفاتر .
العلم زين و تشريف لصاحبه * فاطلب هديت فنون العلم و الأدبا
لا خير فيمن له اصل بلا أدب *حتى يكون على ما زانه حدبا
كم من حسيب أخي عيّ و طَمطَمةٍ * فدم لدى القوم معروق إذا انتسبا
في بيت ِ مكرُمَةٍ آباؤه نُجبُ * كانوا رءوساً فأُمتي بعدهم ذنبا
و مُقرِفٍ خامل الآباء ذي أدب * نال المعالي بالآدابِ و الرُتبا
أضحى عزيزا ً عظيم َ الشأن مُشتهرا * في خذِه صعْر قَد ضلّ مُحْتَجِبا
العلم كنز و ذخر لا نفاذ لهُ* نعم القرين إذا ما صاحب صحبا
قد يجمع ٌ المرءٌ مالا ثُم َ يُسلبُهُ* عماً قليل ٍ فَيَلْقى الذُل و الحرْبا
و جَامعُ العِلمٍ مغبوط ُ به ِ أبداَ* و لا يحُاذرُ منهُ الفوتِ و السلبا
يا جامعَ العلم نعم الذخر تجمعه * لا تعدلن ّ به دُرًا و لا ذهبا
و العلم وسام لا يخلع ، و هو من الملك أرفع ، و هو أكليل على الهامة ، و نجاة يوم القيامة ، ينقذ صاحبه من ظلمات الشك و الريبة ، و يخلصه من كل مصيبة ، و هو علاج من الوسواس ، و في الغربة رضا و إيناس ، و هو نعم الجليس و الأنيس ، و هو المطلب النفيس .
يغنيك عن المسومة من الخيل ، و الباسقات من النخيل ، و يكفيك عن القناطير المقنطرة ، و الدوواين المعطرة .
هذا هٌو َالعلم ٌلا طين ٌو لا حجرٌ * ولا خيولٌ ولا عيسُ ولا بقرُ
هو النجاةُ هو الرضوانُ فاحضَ به * و ما سوى العلم لا عين ولا أثرُ
و حسبك به كفاية عن كل بناء ، و عن الحدائق الغناء ،و البساتين الفيحاء ، و هو الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا ، و الملك الذي من أعطيه فقد أعطي ملكا كبيرا ، و صاحب العلم غني بلا تجارة ، أمير بلا إمارة ، قوي بلا جنود ، و الناس بالخير له شهود .
لكنه العلمُ يسمُو مَن يُحًصَلُهُ * على الأَنَامِ و لو من جَدِه مُضَر
مات القادات و السادات ، و ذكرهم معهم مات ، إلا العلماء فذكرهم دائم ، و مجدهم قائم ، فألسنة الخلق ، أقلام الحق ، تكتب و تخط لهم الثناء ، و أفئدة الناس صحف تحفظ لهم الحب و الوفاء ، كان أبو حنيفة مولى يبيع بزا ، و لكنه بعلمه هزَ الدنيا هزًا ، و كان عطاء بن أبي رباح ، خادم لإمرأة في البطاح ، فنال بعلمه الإمامة ، و أصبح في الأمة علامة ، و ابن المبارك عبدالله ، المولى الإمام الأوّاه ، و الأ‘مش و مكحول ، كانوا من الموالي و لكنهم أئمة فحول ، فالعلم يرفع صاحب بلا نسب ، و يشرفه بلا حسب ،و إنما يحصل العلم بخدمته كل حين ، و طلبه ليعبد به رب العالمين ، و طي الليل و النهار في تحصيله ، و السهر على تفصيله ، و مذاكرته كل يوم ، و الاستغناء به عن حديث القوم ، ومطالعة مصنفاته ، و مدارسة مؤلفاته ، و تقييد أوابده ، و حفظ شوارده ، و تكرار متونه ، و معرفة عيونه .
سهري لتنقيح الُعلومٍ أَلذّ لي * مِن وصل ٍ غانية و َطيبِ عَنَاقِ
و دمُوعُ عيني فوق قِرطاسي لها * همسٌ كهمسٍ الحُب في الأعماقِ
فمن طلبه بصدق ، و حرص عليه بحق ، فهو مهاجر إلى الله و رسوله ، تفتح له أبواب الجنة عند وصوله ، و هو مرابط في ثغور المرابطين ، و جواد في صفوف المعطين ، و مداده في الأوراق ، كدماء الشهداء المهراق ، لأنه مقاتل بسيف النصوص ، قطّاع طريق الملة و اللصوص ، و قد يقمع الله به الأشرار ، ما لا يقوم به جيش جرار ، فإن الله يجري حجّته على لسانه ، و يُسٍير موعظته في بيانه ، فينزع الله بكلامه حظً الشيطان من النفوس ، و يجتث به خطرات الزيغ من الرؤوس ، و يغسل الله بمعين علمه أوساح القلوب . و ينفض بنصائحه أدران الذنوب ، فكلما بنى إبليس في الأرواح ضلالة جاء العالم فأزهقها ن و كلما نسج في الأنفس خيمة للباطل قام العالم فمزقها .
صاحب المال مغموم مهموم ، خادم و ليس بمخدوم ، حارس على ماله ، بخيل على عياله ، و صاحب العلم سعيد مسرور ، يعمره الحبور ، و يملأ فؤاده النور ، تعلم من السؤدد غايته ، و من الشرف نهايته ، تجبى إليه ثمرات كل شيء من لطائف المعارف ، و تهوى إليه أفئدة الحكمة و هو واقف ، يأتيه طلبة العلم من كل فج عميق ، كأنما يؤمون البيت العتيق ، في قلبه نصوص الشريعة ، ينزل عليها ماء الفقه فتهتزّ و تربو ن و تنبت من كل زوج بهيج ، فترى العالم يجول فكره في الملأ الأعلى و الناس في أمر مريج ، فقلب العالم له جولان في فضاء التوحيد ، و قلب الجاهل في غابات الجهل بليد ، أشرقت في قلب العالم مشكاة فيها مصباح ، و تنفس في نفسه نور الصباح ، أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ، فاخضرت روضة العالم على أثرها .
صيد الكلب المعلّم حلال ، و صيد الكلب الجاهل حرام و وبال ، و ماذاك إلا لشرف العلم حتى في البهائم ، و مكانة المعرفة حتى في السوائم . و الهدهد حمل علما إلى سليمان ، فسطر الله اسمه في القرآن ، فهو بالحجة دمغ بلقيس ، و أنكر عليهم عبادة إبليس و حمل من سليمان رسالة ، و أظهر بالعلم شجاعة و بسالة . فعليك بالعلم ، و الفهم فيه الفهم ، ، و تصدَق عليه بنوم الجفون ، و أنفق عليه دمع العيون ، و اكتبه في ألواح قلبك ، و استعن على طلبه بتوفيق ربك ، و أتعب في طلبه أقدامك ، و أشغل بتحصيله أيامك ،و إذا سهر الناس على الأغاني ، فاسهر على المثاني ، و إذا وقع القوم في الملذات ، و أدمنوا الشهوات ، فاعكف على الآيات البينات ، و الحِكَم البالغات ،و إذا احتسى العصاة الصهباء ، فاكرع من معين الشريعة الغراء ، و إذا سمعت اللاهين يسمرون ، و على غيهم يسهرون ، فصاحب الكتاب ، فإنه أوفى الأصحاب ، و اصدق الأحباب ، و إذا رأيت الفلاّح يغرس الأشجار ، و يفجّر الأنهار ، فاغرس شجر العلم في النفوس ، و فجّر ينابيع الحكمة في الرؤوس ، و إذا أبصرت التجار يصرفون الفضة و الذهب ، فاصرف الحجة كالشهب ،و أطلق الموعظة كاللهب .
يكفيك أن العلم يَدَعيه غير أهله ، و أن الجهل ينتفي منه الجاهل و هو في جهله ، يرفع العالم الصادق بعلمه على الشهيد ، لأنه يقتل به كل يوم شيطان مريد ، العالم سيوفه أقلامه ، و صحفه أعلامه ، و منبره ظهر حصانه ، و حلقته حلبة ميدانه ، العالم يفرّ من الدنيا و هي تلحقه ، و يبأبى المناصب و هي ترمقه ، و العلم هو العضْب المهند ليس ينبو ، و هو الجواد المضمّر الذي لا يكبو ،و لكن المقصود بهذا العلم علم الكتاب و السنة ، الذي يدلك على طريق الجنة ، و هو ما قادك إلى الاتباع ، و نهاك عن الابتداع ، فإن كسرك و هصرك و نصرك ، فهو علم نافع ، فإن أعجبك و أطربك و أغضبك فهو علم ضار ، ما كسرك عن الدنيا الدنية ، و المراكب الوطّية ، و الشهوات الشهية ، و هصرك عن العلو في الأرض ، و نسيان يوم العرض ، و نصرك على النفس الأمارة ، و الأماني الغدارة ، فهذا هو العلم المفيد ، و العطاء الفريد . و إن أعجبك فتكبرت ،و أطربك فتجبرت ،و أغضبك فتهورت فاعلم أنه علم ضار ، و بناء منهار .
علم لا يلزمك تكبيرة الإحرام مع الإمام ، فهو جهل و أوهام ، و علم لا يدعوك إلى الصدق في الأقوال ، و الإصلاح في الأعمال ، و الاستقامة في الأحوال ، فهو وبال ، العلم ليس مناصب و مواكب و مراكب و مراتب و مكاسب . بل العلم إيمان و إيقان و إحسان و عرفان و إذعان و إتقان ، فهو إيمان بما جاء به الرسول ، و إيقان بالمنقول و المعقول ، و إحسان يجود به العمل ، و يحذَر به من الزلل ، و عرفان يحمل على الشكر ، و يدعو لدوام الذكر ، و إذعان يحمل على العمل بالمأمور ، و اجتناب المحذور ، و الرضا بالمقدور ، و إتقان تصلح به العبادة ، و تطلب به الزيادة .
و هذه قصيدة العلامة القاضي أبي الحسن علي بن عبدالعزيز الجرجاني الأديب النابغة حسنة جرجان ، و فرد الزمان ، و نادرة الفلك ، و إنسان حدقة العلم ، و درة تاج الأدب ، جمع بين خط ابن مقلة و نثر الجاحظ ، و نظم أبي تمام و قصيدته هذه هادرة بالقيم مليئة بالشمم مرصَعة بالهمم ، و هي بديعة ذائعة ، فريدة رائعة ، عجيبة شائعة ، إنها تثب إلى قلبك مبائة و تغوص إلى أعماقك و تسارفر في دمك و تصل إلى خلدك في سرعة الضوء و رقة الغيث و دبيب السحر ، إنها مسك و عنبر و ياقوت و جوهر و ريحان معطر " إنما نحن فتنة فلا تكفر " أدعها بين يديك فاقرأها بلا نثور ، و ارجع البصر هل ترى من فطور ، رب إني لا أملك إلا نفسي و أخي القارئ فليسافر مع شوارد الإيمان يوم يرسلها العلماء الأفذاذ في سماء المثل ، و في دنيا السجايا الحميدة ، إنها قصيدة أخَاذة ثائرة خلابة فيها أسرار و حديث لا ينتهي و شجون لا تنقضي و ذكريات تمور مور الموج الصاخب الهادر الغاضب و تمر مر السحاب المتدافع المتلاحق و تسعى سعي الريح الهائجة . و هكذا فليكن الشعر عذوبة و رقة و مخاجة و جزالة ، و سموا و نبلا و إيحاءً و تأثيرا ً ، و الآن أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ، و أترككم مع القاضي الشاعر المؤثر الجرجاني :
يقولون لي ك فيك انقباضٌ و إنما * رأوا ْ رَجُلا ً عن موقٍفِ الذُل أَخجَماَ
أرى الناس من داناهُم هَأنَ عِندَهُم * و مَن أكرَمتَهُ عِزَةَ النفسِ أَكرما
وَلم اقض ِ حقَ العلمِ إن كنت َ كُلما * بدا ممعُ صَيًرتْهُ لي سُلَما
وَما زِلتُ مُنْحازاً بَعْضِي جَانباً * عنِ الذَل ِ أَعْتَد الصِيانة مَغنما
إِذا قيل َ : هذا مَنْهَل ٌ قُلتُ : قَدْ أرَى * و لَكَن نَفسُ الحُر ِ تَحْتمِل ُ الظَمَأ
أُنَزِهُهَأ عَن بَعض ِ مَا لا يُشِينُها * مَخافَةَ أَقوال العِدا : قيم َ أو لِماَ
فَأُصبحُ عَنْ عيبِ اللئيمِ مُسَلَماَ * وَ قَد رٌحتُ في نَفْسِ الكَريم مٌعَظَماً
و إِنِي إذا ما فاتَني الأمرُ لَمْ أُبِتْ * أُقَلِبُ كَفِي إِثرَهُ مُـتَندٍما
ولكنَهُ إِن جاءَ عَفْواً قَلبتُهُ * و إن مالَ لم أُتْبِعْهٌ هَلّ وليتما
و َأقْبِضُ خَطْوي عَن ْ حُظُوظٍ كَثيرةٍ* إِذا لَمْ أَنَلْها وَافر العرْضِ مُكْرَما
وَأُكْرمُ نَفْسِي أَنْ أُضَاحِكَ عَابساً * وَأَن أَتَلَقَى بِالمَديحِ مُذَمَمَأ
وَكَمْ طَالِبٍ رَقّي بِنعْمَأه ُ لَمْ يَصِلْ * إليْهِ و إِنْ كَأنَ الرَئيسُ المُعَظًما
وَكَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ عَلَى الحُرِ نِقْمَةً * وَكَمْ مَغْنَمٍ يعتٌه الحُرُ مَغْرَماَ
و َلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَةِ الْعِلْمِ مُهجَتِي * لأَخْدُمَ مَنْ لاقَيْتُ لَكِنْ لأُخْدَماَ
أَأَشقَى بِهِ غِرْساً وَأَجْنيه ذِلّةِ *إذاً فاتِبَاع الجَهْلِ قَدْ كَأن أحزَما
وَإنِي لَراضٍ عَنْ فَتى مُتَعَفِفٍ * يَرُوحُ وَيَغْدُو وَ لَيْس يَمْلِك دِرْهَمَا
يبِيت يراعي النّجم من سوء ِ حالهِ* ويُصبِحُ طَلْقاً ضَاحِكاً مُتَبَسماً
وَ لا يَسأل ُ المُثْرين ماَ بِأكٌفهِّم * وَلَوْ مَاتَ جَوْعاً عِفَةً وَتَكَرُما
فَإِنْ قٌلْتَ : زِنْدُ العِلْمِ كَابٍ ، فَإنَما * كَبا حِينَ لَمْ نَحرُسْ سَمَاهُ و أَظْلَماَ
و لو أن أهل العِلم صانوه صانهم * و َلوْ عَظَمُوهُ في النُفوسِ لَعُظِماَ
وَلَكنْ أَهانُوهُ فَهانُوا وَدَنَسُوا * مُحيًاه بالأطْماعِ حَتى تَجهماَ
وَمَا كُلُ بَرْقٍ لاحَ لي يَستفِزُني * و لاَ كُلُ فِكْرِي مُنْجِداً ثُم منْهماَ
إلَى أَن أَرَى مَا لا أَغُضُ بِذِكْرهِ * إِذَا قٌلْتُ : قَدْ أَسْدَى إِليَ وَ أَنْعَماَ