التصنيفات
العلوم الفيزيائية

النظريـــــة الذريـــــة الحديثـــــة


الإحساس بوجود الكم
في عام 1887، كان هيرتز قد لاحظ تلك الحقيقة الغريبة، وهي أن سقوط الضوء فوق البنفسجي على جهازه كان يجعل الشرارات تنطلق بيسر أكثر قليلا من المعتاد. إلا أنه لم يكن في وضع يؤهله لأن يفهم ما يجري تحت بصره ما هو إلا حادثة تعد اليوم من أكثر الأدلة التي نملكها وضوحا على وجود الكم. كما أن العالم لم يكن مهيأ لتلقي هذه الهبة الثمينة, لذلك كان لا بد للكم من أن ينتظر انتهاء القرن لكي يصبح معروفا. ولكنه حتى عندما عُرف لم تكن هذه هي الطريقة التي عرف بها.
الحقيقة أن الكم لم يحتل مكانه رسميا في الفيزياء إلا بعد فضيحة سميت (بالكارثة فوق البنفسجية) وهي كما نرى تسمية كان الأجدر أن يطلقها الفيزيائيون على قصة من قصص الخيال العلمي، لا أن يسيئوا استعمالها بإطلاقها على كارثة نظرية بحتة.
وإليكم حقيقة الكارثة: إذا حسبنا كيف يجب أن يطلق جسم ساخن جدا إشعاعه فسنجد أن الدستور الذي نحصل عليه يقتضي أن تكون طاقة الجسم كلها قد تركت هذا الجسم منذ زمن طويل، بانطلاقها على شكل إشعاع فوق بنفسجي مذهل.
ولكن عدم وجود ظاهرة كهذه هو واحد من الأسباب التي تجعلنا نستنتج أن هذا الدستور غير صحيح. ومع ذلك لم يكن هذا ا لدستور خطأ كله. إذ إن نتائجه تصبح صالحة في حال ضوء تواتره منخفض. ولكن نتائجه تصبح سخيفة عند التواترات المرتفعة حيث ينذر بكارثة خيالية.
على أنه أمكن التصدي لمسألة الجسم المتوهج (العالي التواتر) بطريقة أخرى غير السابقة وقد أدت إلى دستور رياضي مختلف. وهذا الدستور أزاح بكل نجاح كارثة فوق البنفسجي واتفق تماما مع التجربة التي تتناول الضوء العالي التواتر وبذلك أصبح هناك دستورا لكل حالة.
ولكن هل حلت المسألة بهذا الشكل؟ من المؤكد أن لا. فبينما نرى الدستور الأول صالحا للتواترات المنخفضة نجد أنه غير صالح للتواترات العالية. وكذلك فإن الدستور الثاني الذي لم نجد ما هو أصلح منه للتواترات العالية لا يصلح للتواترات المنخفضة. فلدينا دستوران كل منهما يعبر بنجاح عن نصف الواقع الراهن، أو نصف الحقيقة.
وهذا هو الوضع عندما بدأ ماكس بلانك أستاذ الفيزياء في جامعة برلين أبحاثه الحاسمة. لقد اكتفى بلانك في بادئ الأمر بتسلية نفسه بأحجية بسيطة. إذ راح يحاول النظر في هذين الدستورين الناقصين: ترى ماذا لو حرفهما بطرق مختلفة؟ هل سيؤديان إلى دستور موحد؟
ولكن بلانك وفق في النهاية بالوصول إلى نتيجة كان واثقا كل الثقة من صحتها. لقد كان هذا ا لدستور الجديد الذي دعي بدستور الإشعاع الحراري متفقا كل الاتفاق مع التجربة.
إذا قرر أن الطاقة لا بد أن تصدر على شكل حزم محددة فإنه سيستطيع أن يحقق بذلك خطوة إلى الأمام وهي أن يبطل تمرد التواترات العالية بجعلها تشكل حزما أضخم بكثير من الحزم التي تشكلها ا لتواترات المنخفضة.
ولكي يجعل بلانك حله النهائي صحيحا وجد أنه من الضروري وضع قاعدة ثابتة لتحديد (كم) الطاقة بالنسبة لكل تواتر خاص.
كم الطاقة = hمن التواتر
ومنذ ذلك الحين أطلق على الكمية الأساسية hالتي أدخلها بلانك اسم (ثابت بلانك).

بكموم الضوء تتضح الأمور
عاشت فكرة بلانك عيشة الكفاف مدة أربع سنوات وهي تكاد تكون منسية من مكتشفها، وفجأة أعلن موظف صغير في مكتب براءات الاختراع السويسري في بيرن عن كشف جريء صارخ ما لبث أن بعث الحياة من جديد في اكتشاف بلانك الذابل، وجعله يجتاز بكل قوة وثقة الطريق التي أدت إلى لقائه المرسوم مع بوهر عام 1913. وكانت أفكار هذا الموظف الذي يدعى آينشتاين، أصيلة مذهلة حول هذا الموضوع.
لقد دفع آينشتاين فكرة بلانك إلى وضع ثوري أشد مما كان بلانك نفسه يجرؤ على تخيله. فهذا ا لأخير كان يقول: إن الطاقة لا يمكن أن تختزن في المادة إلا على شكل حزم، أما خارج المادة حيث تظهر على شكل إشعاع فإنها تظل راضخة للقوانين المستمرة التي وجدها مكسويل. ولكن آينشتاين برهن أن هاتين الفكرتين لا تتفقان أبدا (الانقطاع داخل المادة والاستمرار خارجها)، وأن الانسجام لن يتحقق إلا إذا كان الإشعاع نفسه أيضا مؤلف من حزم.
ولكن أي نتائج بالتحديد ستترتب على هذه الافتراضات؟ ألن تكون قبل كل شيء وبالا على بلانك؟ ألن تعني أن محدث النعمة هذا قد تجرأ على معارضة شخصية كشخصية مكسويل؟ لذلك كان على الشاب آينشتاين أن يتسلح بقدر كبير من الجرأة ونفاذ البصيرة لكي يستطيع التأكيد بأن العكس هو الصحيح وأن مكسويل هو الذي كان يناقض بلانك.
فبينما كانت تقول نظرية بلانك إن المادة وحدها هي التي تمتص الطاقة وترسلها على شكل حزم أصبح آينشتاين يؤكد الآن أن كل كم من كموم الطاقة حتى بعد صدوره عن المادة، لا يتصرف فحسب على شكل موجة (يرضي بها) خاطر مكسويل، بل لا بد أنه يتصرف أيضا وإلى حد ما على شكل جسيم الضوء الذي سندعوه من الآن فوتونا.
والحقيقة أن آينشتاين طور اعتمادا على عدم استمرار كموم بلانك، فكرة مدهشة عن مبدأ ذري شامل في الطاقة عامة.
كان تصور آينشتاين هذا غريبا جدا. إنه يعني العودة إلى نظرية نيوتن الجسيمية القديمة. حتى أن نبضات نيوتن لا زالت تلعب دورا أساسيا. لأن سرعة هذه النبضات، هي التي كانت أيضا تواتر الضوء في النظرية الجسيمية، هي التي كانت تلعب إذن دورا مزدوجا. إذ ليس مفترضا فيها أن تحدد لون الفوتون فحسب بل تحدد أيضا بحسب علاقة بلانك طاقته.
ظاهرة التأثير الإلكتروني
اكتشف هذه الظاهرة العالم (هيرتز) عندما حاول إثبات وجود الموجات الكهرومغناطيسية في عام 1887 لكي يعطي بالأساس دليلا علميا يسند معادلات ماكسويل.. وقد جلبت هذه الظاهرة انتباه الكثير من الباحثين.. وحالا بدأت الحقائق العلمية البارزة تظهر من الدراسات في هذا المجال.. وتعد هذه التجربة من الإسنادات الرئيسية للنظرية الكمية، وهي الأساس لكثير من الابتكارات مثل الخلية الضوئية والسينما الناطقة والتلفزيون.
وقد كشف لينارد Lenard تلميذ هيرتز الستار عن آلية التأثير الكهروضوئي في سنة 1900 حيث استطاع من خلال بحوثه التدليل على أن امتصاص الضوء بواسطة المعدن سيكون متبوعا على الحال بانبعاث الإلكترونات من ذلك المعدن. وبعد مرور مدة أصبح معروفا أن:
1. عدد الإلكترونات المنبعثة لا تعتمد على شدة الشعاع الساقط.
2. طاقة الإلكترونات المنبعثة لا تعتمد على شدة الشعاع.
الساقط ولكن تتناسب طرديا مع تردد تلك الأشعة.
إن المشكلة الأساسية هي كيفية إيجاد ميكانيكية تفسر امتصاص الطاقة الإشعاعية بواسطة المعدن.
وقد أجريت عدة محاولات لإعطاء ميكانيكيات مستندة على النظرية الموجبة الكلاسيكية كان نصيبها الفشل.. وفي سنة 1905
اقترح آينشتاين Einstein توسيعا لفرضية بلانك حيث اعتبر أن للضوء خواص جسيمية بجانب خواصه الموجية وقد دعيت الجسيمات الضوئية فيما بعد بالفوتونات واقترح أن طاقة الفوتون تساوي:
E = h
حيث أن E طاقة ا لفوتون، h ثابت بلانك وقيمته (6.626F 10-34 J.s) و  تردد الضوء.
وعندما يمتص المعدن فوتونا فإن جزء من هذه الطاقة سيستخدم للتغلب على قوة جذب المعدن للإلكترون أما الباقي سوف يظهر على شكل طاقة حركية يحملها الإلكترون.
1/2m V2 max = Emax = h0 = h – 
حيث  تمثل دالة الشغل (work function) للمعدن وهي أقل كمية ممكنة من الشغل لإزالة الإلكترون من المعدن.
m كتلة الإلكترون، و V سرعته.
لقد أعطى آينشتاين إذا نظرية عن التأثير الكهروضوئي جعلت فكرته الجديدة عن كموم الضوء تسجل انتصارا باهرا.
كان تصور آينشتاين هذا غريبا جدا، إنه يعني العودة إلى نظرية نيوتن الجسيمية القديمة. ولكن من يا ترى يقبل التسليم الآن بنظرية خيالية كهذه؟ ألم يمضِ على النظرية الجسيمية ولأسباب وجيهة مدة مئة عام وهي مطوية في ظلام النسيان؟ ثم إن النظرية الموجية فرضت نفسها بعد أبحاث وتجارب، فكيف للنظرية الجسيمية أن تأمل بسلب النظرية الموجية انتصاراتها التي لا مراء فيها؟
ولكن آينشتاين مضى بهدوء في إظهار التعادل بين النظريتين في كل مجال، هذا على الرغم من أن التجارب التي عملت على إثبات الطبيعة الجسيمية كانت قد فشلت كلها منذ أكثر من قرن.
كان بلانك أول البادئين الصراع ثم بعد حين راح آينشتاين يعكر صفو الحياة على النظرية الموجية مبرهنا أنه مقاتل عنيد، يجمع بحججه أعدادا متزايدة من المؤيدين، الذين لم يألأوا جهدا أيضا في إبراز حقائق جديدة وهامة لدعم هذا التصوير الجديد للضوء. كانت نظرية ماكسويل عاجزة تماما أمام التأثير الكهروضوئي ولم تستطع أن تبدِ مقاومة تذكر تجاه أفكار آينشتاين، في حين أن مجرد القبول بمفهوم الفوتون يرينا بشكل مدهش إلأى أي مدى تصبح الظواهر التي لم تجد تفسيرا لها في نظرية ماكسويل متفقة كل الاتفاق مع الفكرة الجديدة، حيث كان الفوتون هو الحل الأبسط في كل خطوة يخطونها إلى الأمام لهذه المسائل التي لم تستطع النظرية الموجية حلها.
حصل آينشتاين على جائزة نوبل عام 1921 ثم ما لبث ميليكيان أن نال الجائزة نفسها بعد عامين من ذلك لقياساته الدقيقة التي أتت مؤكدة لأفكار آينشتاين، حيث أنه في عام 1897 اكتشف تومسون الإلكترون وتمكن من قياس النسبة بين شحنة الإلكترون إلى كتلته ووجد أنها تساوي (e/m = 1.7588 F 10-19 colomb/g) ثم تابع ميليكيان القياسات وتمكن سنة 1913 من قياس كل من شحنة الإلكترون (1.6021 F 10-19 colomb) وكتلته (9.11 F 10-28 g).
موجة أم جسيم؟
في القرن السابع عشر احتلت النظرية الجسيمية مكان الصدارة ولم تستطع النظرية الموجية زحزحتها إلا بعد مئة عام، وظلت النظرية الموجية في الصدارة حتى طلع فجر القرن العشرين، حيث اندلعت ثورة مضاءة لصالح الجسيم، وعلى الرغم من كل شيء فقد ظلت الموجة حتى بعد تلك اللحظة محصنة بقوة، فكانت قوى التسلح عظيمة عند الموجة.
فمن أسلحتها التي أشهرتها ضد نظرية جسيمات نيوتن، مستندة إلى حقيقة أن الأمواج، وليس الجسيمات، هي التي لديها القدرة على التقاطع دون أن تتلف. وقد أطلق على هذه الظاهرة ((التداخل)). حيث يفسر تداخل الضوء بأنه إذا وصلت موجتان ضوئيتان إلأى نقطة ما وهما في الطور نفسه من اهتزازهما، فإن هذين الاهتزازين سيقوي أحدهما الآخر، وستتولد في النتيجة إنارة أشد من كل منهما على حدة، ولكن إذا وصلا دائما وهما في طورين متعاكسين تماما، فإن اهتزازيهما سيتعارضان وسيلغي أحدهما عمل الآخر. وتكون النتيجة إنارة معدومة أي ظلام. وهذه الظاهرة من أقوى أسلحة هذه النظرية مضاء وأشدها ضراوة في صراعها مع النظرية الجسيمية.
كذلك برهان هيرتز على صحة نظرية ماكسويل عن الأمواج الكهرومغناطيسية يقوم أساسا على إثبات وجود التداخلات، كما أن ظواهر التداخلات هذه هي التي أثبتت أ، الأشعة السينية هي أمواج.
هل يمكن اعتبار هذا (السابق) من أسلحة النظرية الموجية؟
ولكي تدافع النظرية الجسيمية عن نفسها، لا بد أن تخترع أسلحة جديدة لتكون ندا للقوة الهائلة الممثلة بظواهر تداخل الموجة، وكان من أشد هذه الأسلحة الجديدة هولا وأبعدها أثرا هو المفعول الكهروضوئي.
أيضا التحقق التجريبي التام الذي تأكد به مليكيان من صحة دستور آينشتاين، ولكي نضيف توضيحا جديدا يبرهن على أن الضوء مكون من جسيمات، في عام 1911 ابتكر الفيزيائي ويلسون ابتكارا لا يقدر بثمن، وهو غرفة الضباب التي تظهر بوضوح أثر أي إلكترون أو جسيم مشحون يمر فيها، وفي عام 1923 قام الفيزيائي كومبتون بتجربة أساسية لم يكن من الممكن تأويلها إلا بقبولنا بأن الضوء يرتد عن الإلكترون كما ترتد كرة البليارد عن رفيقتها عند اصطدامها بها، وهذا السلوك لا يتمشى قطعا مع النظرية التموجية.
واستمرت المعركة وراح كل من الخصمين يسجل بدوره نقاطا لصالحه، ولكن سرعان ما هبط مستوى الصراع إلى حرب خنادق، فلم يعد باستطاعة الفوتون أن يتقدم في أراضي الموجة، كما لم يعد باستطاعة الموجة أن تغزو منطقة الفوتون. وأصبح ميدان العلم موزعا بين معسكرين متخاصمين دون أن يكون هناك كبير أمل في إيجاد حل سريع حاسم أو تسوية معقولة، فالكائن نفسه الضوء يبدو موجة، وفي الوقت نفسه جسيما، فكيف نوفق بين الإثنين.
ومع ذلك كان لكل من الطرفين مبررات وجوده الصريحة الواضحة، حتى ليستحيل استبعاد أحدهما وإبقاء الآخر.
ذرة نيلز بوهر:
في عام 1895، كان رذفورد لا يزال فتيا، أذهل الفيزيائي رونتجن العالم باكتشافه للأشعة السينية، وقد أتى اكتشافه هذا بمحض المصادفة تقريبا، وقد حض اكتشاف الأشعة السينية على إجراء المزيد من الأبحاث في اتجاهات متعددة. وبعد عام من كشفها قادت العالم الفرنسي هيزي بيكريل إلى اكتشاف عرضي أكثر أهمية من الأشعة السينية، وهو ما يدعى بظاهرة النشاط الإشعاعي.
وقد توالت الأبحاث في هذا المجال ولكن هذا النشاط الإشعاعي الداخلي لم تفهم آليته إلا على يد ايرنست رذفورد ومعاونه سودي. وبحسب ما رأى رذفورد وسودي، فإن الذرات المشعة تصدر ثلاثة أنواع من الأشعة: أشعة ألفا، وأشعة بيتا، وأخيرا أشعة جاما.
وفي تلك الفترة كانت معرفتهم عن بنية الذرة قليلة جدا، فتومسون مكتشف الإلكترون قد اقترح على سبيل المحاولة نموذج تكون فيه النواة كبيرة وتكون الشحنة الموجية في توزيع انتشاري مع الإلكترونات.، لذلك كانت هذه الجسيمات التي تنطلق من المواد المشعة بسرعة، وسيلة عجيبة لسبر أغوار الذرة وإرغامها على كشف أسرارها.
وقد اقترح رذفورد عام 1911 نموذجا للذرة بعد ملاحظته انحراف بعض جسيمات ألفا الصادرة من مصدر مشع خلال صفيحة رقيقة من الذهب بسبب تصادمها مع نويات ذرة الذهب، وهذه الظاهرة اعتبرت أدلة مقنعة كقاعدة لنظرية التركيب الذري، وبينما كانت ذرة رذفورد، عام 1913 تدافع عن حياتها، تدخل الشاب نيلز بوهر في الصورة مزودا باقتراحات لا يمكن إلا أن توصف بأنها بطولية، حيث اقترح بدلا من قانون مكسويل (تدور الإلكترونات حول النواة. فتشع طاقتها وتسقط عليها بالتدريج) القانون التالي (تدور الإلكترونات حول النواة، فلاتشع طاقتها، ولا تسقط عليها بالتدريج).
وبعد أن تجاوز بوهر هذه الخطوة الحاسمة لإنقاذ ذرة رذرفورد بأن جعل من نظرية مكسويل كبش الفداء، وأصبح حرا في صياغة جميع القواعد الجديدة التي كان يحتاجها من دون أن يشعر بالضيق الذي تفرضه مستلزمات التقاليد المكسويلية. ومن معادلة الطاقة يمكن حساب معادلة طاقة الانتقال بين مستويات الطاقة ووجد أنها مساوية لمعادلة رايدبرج
وهذا ما يعتبر نجاح كبير وتأكيد لصحة الفروض التي قدمها بوهر.
نظرية شرودنجر:
عندما أعلن شرودنجر عن نظريته، كان إعلانه مثيرا مذهلا، فهو لم يصرح أبدا كيف ولدت في ذهنه، ولم يكشف عن التسلسل المنطقي لأفكاره، بل اكتفى بتذكير القراء بأن بعض الإجراءات الرياضية المعروفة تعطي سلسلة من الأعداد التي يمكن استعمالها على أنها أعداد كمومية. ثم عرض دون تمهيد معادلة موجية تعرف اليوم باسم معادلة شرودنجر، وأتبعها على الفور بطريقة استخراج حل رائع لمسألة الهيدروجين الحاسمة.
معادلة شرودنجر:
تنص نظرية دي بروقلي على أن جسما كتلته (m) ويتحرك بسرعة مقدارها (v) يصاحبه انتشار موجي إن المعنى الحقيقي لهذه النظرية هو أن الجسيمات الدقيقة ونعني e تتصرف أحيانا كموجات، إلا أن دي بروقلي لم يفسر كيف تنتشر هذه الموجات ولا كيف يمكن دراسة الصيغة الموجية المصاحبة لها. ولدراسة الخاصية الموجية المصاحبة لجسم متحرك تحت تأثير قوة، فلابد من وجود معادلة تصف كيفية انتشار هذه الموجات وكيف تحكم حركته، وقد وضع شرودنجر هذه المعادلة التي عرفت باسمه وعبر عن الصيغة الموجية للجسيم المتحرك بدالة x,t لها وسماها الدالة الموجية. ونتوصل إلى هذه المعادلة بطريقتين:
1. قوانين الطبيعة الكلاسيكية.
2. الطبيعة الموجية للجسيمات الدقيقة التي صاغها دي بروقلي.

ثم أتى هاملتون صاحب المواهب الخارقة واكتشف وجود كميات غير حسابية يكون فيها xFy لا يساوي yFx وهو الذي أعطى معادلات الديناميك الأساسية شكلها البسيط باستعماله الكميات qوp والتي أصبحت أساسا للأبحاث النظرية في الفيزياء الذرية.
وهو الذي توج هذه الأبحاث بمفهومها الرياضي الأساسي أي بعبارة الطاقة التي تعرف الآن باسم الدالة الهاملتونية. وقد مضى هاملتون في أبحاثه إلى ما هو أبعد من الشعاع والجسيم وأدخل جانبا من مفهوم الموجة. وهو ذلك الذي يضبط خط سير الشعاع فحول بذلك علم الديناميك إلى دراسة الأمواج الضوئبة والدالة الهاملتونية (هي مجموع طاقة الوضع وطاقة الحركة) ET = T + V
والطاقة الكلية E للمنظومة: هي أهم كمية طبيعية. والعامل لهذه الكمية يسمى بالعامل الهاملتوني ويرمز له بالرمز H.
أما معادلة القيمة المحافظة لهذا العامل فتعرف بمعادلة شرودنجر
H  = E 

///أما دوبروي فقد ربط بين الموجة والجسيم فيتمثل دور الموجة بأنها تابع ملحق بالجسيم ولا بد للجسيم بالضرورة من أن يكون مصحوب بموجة لا تنفصل عنه.
وبعد أن طبق شرودنجر نظريته بنجاح مشهود تقدم باقتراح لتأويل موجته  فقال إن تقيس الطبقة التي يشكلها الإلكترون المتبدد مثلها يمكن أن تقاس إلى حد ما، طبقة الزبدة غير المتساوية السماكة والمدودة على شريحة من الخبز.
وقد تقدم شرودنجر بدستور رياضي دقيق لقياس هذه الطبقة. وفي حزيران 1926 تقدم بورن باقتراح يقول إن الإلكترون بعد كل حساب لا يتبدد وإنما تقيس احتمال أن يكون الإلكترون في موضع معين من الفضاء. إذا أمواج شرودنجر هي أمواج احتمال.
قاعدة الشك لهيزبنرغ:
لا يمكن تحديد موضع الإلكترون وسرعته في وقت واحد. فالجسيم قديما كان يمكن أن يكون له وضع وسرعة في آن واحد. أما الجسيم بمفهومه الحالي فيمكن أن يكون له وضع أو سرعة أو وضع يغلب عليه الغموض أو سرعة ضبابية ولا يمكن أن يكون له وضع وسرعة بدقة في آن واحد.
وقد قدمت للاإنفصالية، صيغ عديدة اعتبرت كلها متكافئة، ولكننا سنكتفي بذكر ثلاث منها، أولاها، وهي أكثر إيجازا: لا يمكن لمنظومة كمومية من الجسيمات المترابطة أن تكون قابلة للإنفصال موضعيا، وثانيتهما:: لايمكن لجسمين سبق أن أثر كل منهما في الآخر أن يكونا قابلين للفصل موضعيا، أي أن معرفة أحد الجسمين (أو اجراء قياس عليه) يؤثر في الآخر دون أن يتم تداول إعلام ناجم عن عمل فيزيائي. وقد تستكمل فرضية أللاانفصالية هذه بتعميمها على المادة بمجموعها، لأن كل جسيم هو بطبيعته نفسها، يتبادل التأثير مع جسيم آخر. فهذا التأثير المتبادل، الذي مضى أو الذي سيأتي، ينتج عنه الترابط. أما الصيغة الثالثة فهي تفرض ببساطة أنه لا يمكن لمنظومة كمومية يمثلها متجه حالة من النوع الثاني، أو خليط غير خاص أن تنشطر إلى منظومتين جزئيتين يمثل كلا منهما حالة من النوع الأول.
إن هذه التجارب،باستعمالها للمسافات الكبيرة، كانت من الوجهة الفيزيائية رائزا لخاصة كمومية هامة هي أللاانفصالية. وكان ميكانيك الكم إلى حين إجرائها ينسب إلى تجارب تخص المسافات الميكروية (المجهرية) هذا إذا استثنينا بعض الظواهر الماكروية (الجهرية).
يكاد القلق الروحي الذي تسببه بلاد الكم لرائدها المقيم، بأسئلتها المحيرة يداني بشدته ألغاز أبي الهول، ومن لغزين كبيرين على الأقل لم يحلا بعد على ما يبدو، وهذان اللغزان هما السببية والقياس. ولكنهما في الحقيقة ليسا سوى لغز واحد.
فأما عن اللغز الأول (السببية) فهي تتوقع نتائج عدة ممكنة لسبب واحد، هذه النظرية لهذا السبب بلغ الأمر ببعض العلماء أن نادوا بأن الكم لا يمثل سوى الفوضى. غير أننا نستطيع الاعتراض على هذه الشهادة، فمجموعة الإمكانيات التي يمكن أن تأخذها ظاهرة ناتجة عن سبب معين، لا تسلك في ظهورها في الحقيقة سلوكا كله فوضى، بل سلوكا يسير على نهج محكوم بقوانين صارمة، هي قوانين المصادفة، أو الاحتمالين مثلا فرمي حجر النرد عددا متتاليا من المرات. ولنتخيل حزمة من الفوتونات أو الإلكترونات لها صفات وخواص معينة (كتوازي المنحنى وقيمة الطاقة والتواتر). ولتكن ملزمة باجتياز حاجز صنع فيه ثقبان مثلا، ليكن معدا للتداخل، ثم تسقط هذه الحزمة أخيرا على شاشة مغطاة بفيلم فوتوغرافي أو بمادة براقة.
فإن هذا القول يجب ألا يعد تعبيرا عن جهلنا، بل تعبيرا عن خاصة في الجسيم. وهذا التأويل الموضوعي للاحتمالات يرافقه غالبا تمييز بين الاحتمال والإحصاء. فبينما يمكن للأول أن يكون صفة واقعية لجسيم بمفرده، فإن الثاني لا يمكن أن ينسب إلا إلى مجموعات من الجسيمات.
نرى أن الجسيمات تمر كيفما اتفق الأمر، بالثقب العلوي أو السفلي، وأنها تصل إلى الشاشة بمحض المصادفة. فلنتصور أن الحزمة قد اختزلت شدتها حتى لم يبق منها في كل سقوط سوى جسيم واحد، ولنرَ كيف يصطدم هذا الجسيم بالشاشة بفحص الأثر الذي يخلفه على حبيبة المستحلب الصغيرة. إن ظروف كل جسيم _منحاه وطاقته_ مع أنها هي نفسها، إلا أن ما يحدث، هو أن الآثار المتخلفة لن تكون متماثلة تماما، لأن مرور الجسيم مرتين متتاليتين لا يعني أنه سيصل إلى المكان نفسه في المرتين.
وهذه النتيجة كنا سنحصل عليها هي نفسها، فيما لو أجرينا التجربة بعدد كبير جدا من الجسيمات بدلا من تكرار التجربة بجسيم واحد.
لماذا لا نقر هنا أيضا بأن من الممكن أن نتحدث عن سببية، وإنما سببية بمعنى خاص، وهو أنها سببية إحصائية أو احتمالية. غير أننا بذلك نكون قد عرفنا السببية تعريفا جديدا ربطناه بمكانة الاحصاء والاحتمال بمدلولها الكمومي.
ويدعم وجهة النظر هذه أيضا ما قيل سابقا عن عدم تمايز الجسيمات. فحين نقول إن لجسيم كمومي احتمالا قدره كذا لأن يكون في حالة معينة، فإن هذا القول يجب ألا يعد تعبيرا عن جهلنا، بل تعبيرا عن خاصة في الجسيم. وهذا التأويل الموضوعي للاحتمالات يرافقه غالبا تمييز بين الاحتمال والاحصاء. فبينما يمكن للأول أن يكون صفة واقعية لجسيم بمفرده، فإن الثاني لا يمكن أن ينسب إلا إلى مجموعات من الجسيمات.
تقوم عملية القياس بالدرجة الأولى على تأثير متبادل فيزيائي بين الشئ الملاحظ أو المقاس وبين جهاز القياس، كأن تكون مثلا بين كوكب سيار ومقراب، أو بين حصى وميزان، أو بين تيار كهربائي ومقياس أمبير، في حالة الكوكب السيار والمقراب يتمثل هذا التأثير المتبادل بانعكاس الأشعة المضيئة القادمة من الشمس على الكوكب ثم وصولها إلى المقراب. وتقوم عملية القياس، بالدرجة الثانية على تأثير متبادل جديد يلي الأول وأعقد منه، ويتم بين آلة القياس التي تعطي المؤشر وبين الأعضاء التي تقوم بعملية القراءة والتأويل.
وبوجه عام، فإن كل عملية قياس تهدف إلى الكشف عن إشارة أو معلومة، لا بد أن تصطدم ببعض (التشويش) الذي يعرقل سيرها. لذلك كان لا بد من تقليص هذا التشويش، وإن كنا نعلم أن إزالته مستحيلة. ففي البصريات مثلا، نجد أن ظاهرة الانعراج تحد دائما من قوة الفصل في المجهر.
الرابطة بين القسم الأول والقسم الثاني من عملية القياس
كان الفيزيائي والفيلسوف النمساوي ماخ قد قام بتحليل نقدي لعملية الملاحظة (أو القياس) خرج منه بأن العناصر التي يتألف منها الشيء المقاس (الموضوع)، والعناصر التي تتدخل في صياغة الإحساس، هذه العناصر متشابكة بشدة بحيث لا يمكن أن نميز بعضها من بعض،وبأن ذلك الحديث عن الشيء بمعزل عن الإحساس الذي يولده فينا، وبالتالي ملاحظته، ليس له أي معنى. هذا الرأي هو أحد المعتقدات التي تأخذ بها الوضعية. ثم تبنى بعد ذلك كثير من فيزيائيي الكم وجهة نظر مماثلة.
الفارق الأساسي بين عملية القياس أو الملاحظة في الفيزياء الكلاسيكية
في الفيزياء الكمومية يكمن في طبيعة مفعول التأثير المتبادل (بين أدوات القياس والملاحظة، وبين الشيء) الذي يبلغ في ضآلته حد الإهمال، واعتباره كذلك في الحالة الأولى (الكلاسيكية)، حتى أن الشيء، في هذه الحالة، يعتبر باقيا على حاله قبل الملاحظة وبعدها، وبأنه مستقل كليا عن العملية التي تمت فيها هذه الملاحظة.
أما في الحالة الثانية، أي عند قياس أشياء كمومية، فالأمور تبدو غير ذلك تماما، وهذا ما أدى إلى ظهور فارق في تأويل كلمة موضوعية. فبحسب مضمونها في الحالة الثانية، يمكن تمييز الشيء من الأداة التي تراقبه. وأما في الحالة الأولى فهذا التمييز يصبح صعب المنال جدا. حتى ليرى البعض أنه مستحيل.
وإذا شئنا إعطاء وصف فج لعملية قياس المتغيرات التي تميز منظومة معينة في ميكانيك الكم، فهذه السببية قد حماها من خلف كل التبدلات القياسية التي ذكرناها، وجود معادلة حركة تصف تطورات حالة المنظومة التي تمثلها دالة الموجة الخاصة بها، حكاية الكم التي لا تنتهي
نحو نظرة كمومية للمادة
إن النشاط الاستطلاعي الذي تركز في بادئ الأمر على مجال الذرة، أصبح يدعى الآن ميكانيك الكم. وكما كان المؤرخ البروتستانتي دي ليري يتحدث سابقا عن (أرض البرازيل) وهو يعني بذلك أمريكا كان باستطاعة فيزيائي نهاية العشرينيات أن يتحدثوا عن أرض الذرة وأرض الكم وكأنهما متكافئتان. وكانت القوة المسؤولة عن خواص الأجسام في هذه الميادين الذرية، هي القوة المرتبطة بالحقل الكهرطسي.
وكانت هناك أيضا قوة أخرى أساسية معروفة في هذا العالم فوق الكمومي، وهي قوة الثقالة. إذ إن كل جسم يملك كتلة أو حتى طاقة يولد في كل نقطة من الفضاء حقلا ثقاليا. كما أن كل جسم يتحرك حاملا شحنة كهربائية، يعين في الفضاء حقلا كهرطيسيا. غير أن ميكانيك الكم لا شأن له مع الحقل الأول الثقالي، نظرا لضآلة كتلة الجسيمات في عالم الصغائر، وبالتالي ضآلة القوة الخاصة بحقلها الثقالي. لذلك لا يعالج ميكانيك الكم سوى الحقل الثاني (الكهرطسي). إذ تطبق معادلة شرودنجر على حركة الجسيمات المكهربة داخل (كمون) تحدده شحنة نواة الذرة. وكانت خواص الذرة كلها هي خواص كهرطيسية. وهكذا أصبح واضحا كيف أن ميكانيك الكم لكي يصبح نظرية للذرة والإشعاع الكهرطيسي، كان لا بد له من أن يتطور متجاوزا ذلك الإطار السابق الذي ظل يمثله حتى ذلك الحين، والذي لم يكن أكثر من إطار مجرد له مفهوم (ميكانيك).
ولكن سرعان ما تبين من جهة أخرى أن ميكانيك الكم أوسع كثيرا من أن يطبق في حالة الحقل الكهرطسي وحده. إذ اكتشفت لدى دراسة النوى الذرية، جسيمات أخرى وتجليات جديدة للمادة لا يمكن أن تنسب إلى خواص الحقل الكهرطيسي، وإنما يجب أن تنسب إلى حقلين أساسيين جديدين هما نوعان جديدان من حقول التأثيرات المتبادلة بين الجسيمات المادية. فكان لا بد من الوجهة النظرية من دراسة هذين الحقلين على نسق دراسة الحقل الكهرطيسي، أي في شكلية ميكانيك الكم وفي إطار مفهومه وتصوراته.
لذلك كان لا بد للمرحلة التالية من تاريخ ميكانيك الكم وتطوراته من أن تصف هذه الأمور الطارئة المستجدة.
سنحاول إعطاء الملامح الرئيسية لهذه التطورات التي طرأت على حكاية الكم التي لا تنتهي، فهي أكثر التطورات إثارة وتشويقا.
استطاعت معادلة شرودنجر أن تصف الخطوط المضيئة المميزة لطيف ذرة الهيدروجين. ومع ذلك لم يكن في استطاعة هذه المعادلة أن تقول أي شيء عن الخطوط الإضافية التي نحصل عليها عندما نضع غاز الهيدروجين في حقل مغناطيسي. لذلك فقد احتاج الأمر في حينها لتفسير هذه الخطوط إلى إضافة حد جديد إلى حدود معادلة شرودنجر الطبيعية، وهو ذلك المدعو (حد السبين) الذي صاغه باولي. ولكن ميكانيك الكم تقدم بعد ذلك خطوة هامة إلى الأمام عندما حصل ديراك على معادلة أعم من معادلة شرودنجر. وذلك ليكون بالإمكان معالجة حركات الجسيمات المشحونة (كالإلكترون مثلا) التي تندفع بسرعة كبيرة جدا، أو لمعالجة الفوتونات التي تسير بسرعة الضوء.
وكانت معادلة ديراك تمتاز بأنها تتضمن بشكل طبيعي حدود السبين. بينما أدخل باولي هذه الحدود في معادلة شرودنجر بطريقة مصطنعة إلا أن الأمر المزعج في معادلة ديراك هو أنها بالغة التجريد. فقد استبدلت بالدوال الموجية أشكالا جبرية أعقد منها، واتخذت من الفضاءات الرباعية الأبعاد مضمارا لنشاطها.
ولكن ميكانيك الكم يتطلب معادلة خطية (أي من الدرجة الأولى). فالتوفيق الممكن بين هذين الأمرين يضطرنا لأن نضع مكان العوامل العددية في المعادلة، مصفوفات من المرتبة الرابعة.
ولو تأملنا في هذا التاريخ للاحظنا أن نظرية الكم كلها منذ بدايتها هي عملية بناء تسير في هذا الاتجاه. أي خلافا لما يؤكده الاختباريون الحسيون الذين يعتقدون أن هذه الصيغ الشكلية قد أملتها علينا الوقائع. ولو أمعنا النظر أكثر أيضا للاحظنا أن جميع النظريات الفيزيائية حتى التي سبقت نظرية الكم هي أبنية شيدت بطريقة مشابهة. إلا أن نظرية الكم تمتاز بأهمية خاصة وهي أنها أظهرت لنا بكل وضوح أن الأمور تسير على هذا النحو. لأنه كان من المستحيل أن نتخيل أن الأشياء التي تعالجها يمكن أن تحاورنا مباشرة.
غير أن الصعوبة الحقيقية في معادلة ديراك، تكمن في غير هذا المكان. ففي البدء كانت العالقة التي استعنا بها هي علاقة من الدرجة الثانية. ثم من هذه العلاقة صنعنا معادلة من الدرجة الأولى. ولكن علاقة الطاقة النسبوية، هي دائما علاقة من الدرجة الثانية. أي أننا عندما نكون بصدد البحث عن حلول لمعادلة ديراك، فإننا لن نستطيع التخلص من الحقيقة التالية: وهي أن هناك مقابل كل قيمة موجبة للطاقة، يوجد حل آخر له نفس القيمة المطلقة من الطاقة، ولكنه سالب. ولكن سرعان ما تبين أن هذا الأمر ماهو في الحقيقة إلا باعث مهم جدا على الكشف. فديراك لجأ في بادئ الأمر إلأى تمويه العجز في شكليته، بأن أعطاها تأويلا عبقريا سرعان ما تبين أنه مطابق لمعطيات الواقع. وهذا التأويل كان على الشكل التالي: أن مجموعة الحالات الممكنة للإلكترونات المزعومة التي طاقتها سالبة، كانت كلها مشغولة، حتى أنها بحر متراص لا يمكن أن يكشف عن شيء إطلاقا. ولكن مالذي يمكن أن يحدث لو أن (ثقبا) ظهر لسبب أو لآخر في بحر الطاقات السالبة؟ هنا قرر ديراك أن هذا الثقب كان سيخصص لجسيم طاقته موجبة ولكنه يتحرك بحركة معاكسة لحركة الإلكترون، فهو إذا ذو شحنة مغايرة. وأنه هو البروتون. ولكنه اضطر فيما بعد إلى ملاحظة أن الواقع يفرض شيئا آخر (لأن كتلة البروتون أكبر بحاولي 2000 مرة من كتلة الإلكترون). فكانت الإمكانية الوحيدة المعقولة التي ظهرت واضحة ،وتتفق مع الواقع، ولا سيما بعد اكتشاف أندرسون عام 1932 للبوزيتون، هي أن كل جسيم يقابله جسيم مناظر له بالشحنة ومطابق له في كل ما عدا ذلك، وطاقته كذلك موجبة. وقد دعي الجسيم المضاد. ثم ظهر فيما بعد أن هذه الحقيقة عامة ولا تخص الإلكترون وحده. إذ برهن سيجريه عام 1955 على وجود بروتون مضاد. ثم أمكن بعد ذلك رصد جميع الجسيمات المضادة للجسيمات المعروفة فعلا. بل هناك أكثر من ذلك، فقد أعطت شكلية نظرية الحقول الكمومية صيغة نظامية مدروسة لهذا التناظر بين الجسيمات و وبين الجسيمات المضادة بأن برهنت أن القوانين الفيزيائية تظل صامدة عندما ننتقل من منظومة جسيمات إلى أخرى تبدو كأنها انعكاس للأولى على مرآة فائقة التجريد، مهمتها أن تضع مكان كل جسيم في المنظومة الأولى جسيمه المضاد في النظومة الثانية.
والغريب هو أن نظرية الحقول الكمومية لا تعاني من أي ضيق أو من سوء الصحة، بل تستمر في فتوحاتها عبر مسيرتها الظافرة. والمستقبل وحده سيقول كلمته في مثل هذا المصدر غير المتجانس للمعرفة. ولكن ما يبدو مضمونا هو أن طبيعة النظرية في جوهرها كمومية، ولكنها لا تستخدم النسبية على أنها حاجز أمني أكثر من أنها ركيزة مبدئية. والسبب في ذلك هو أن ما تحتاجه نظرية الكم، وما تفتقر إليه في هذه اللحظة التي تشغلنا، هو أن يصبح في مقدورها أن تطوي في شكليتها الإشعاع والذرة على حد سواء. إذ أن معادلة ديراك للأسف تعبير عن حركة جسيم ذري، ولا تعبر عن إصدار الإشعاع المتولد من قفزة إلكترون من سوية للذرة إلى أخرى، كما أنها لا تشكل نظرية لتحول المادة إلى إشعاع وبالعكس. فهذا التحول كان قد ظهر بسرعة فائقة في الفترة تقريبا التي كانت فيها نظرية الكم توشك أن تختم إعدادها. ومن المعروف أن تحولات من هذا النوع تنتج من تكافؤ المادة والطاقة الذي عبر عنه آينشتاين بالعلاقة E = mc2.
وهكذا ازدهرت نظرية الحقل الكمومية بصفتها عملا لاحقا يكمل مباشرة النظرية التي وضعها ديراك، فكان تقدمها بوجه خاص على يد هيزنبرغ، باولي، جوردان، فيجنر. وقد تكونت هذه النظرية من تعميم النظرية الكمومية على منظومات ذات أعداد مختلفة متغيرة من الجسيمات، وذلك بالاستعانة بشكلية رياضية قادرة على تمثيل ظهور جسيم كمومي أو اختفائه, وبهذه الطريقة أمكن جعل الجسيمات والإشعاع على قدم المساواة، كما أمكن بهذه الطريقة تفسير أعقد التحويلات المتبادلة بين الجسيمات (كالإلكترونات) وبين الإشعاع الكهرطيسي.
دعونا نرجع الآن لبرهة قصيرة إلى العهد الذي كنا نرى فيه ميكانيك الكم قائما على أسس صلبة، أي إلى زمن الثلاثينيات، فحينذاك كانت تنكشف أمام التحريات، مجالات جديدة تقع دون مجال الذرة من حيث أبعادها، وهي مجالات النوى والجسيمات الأولية التي تنشط فيها القوى النووية والنشاط الإشعاعي.
وكانت الدراسات الأولى للخواص النووية هي في الوقت نفسه انتصارا عظيما لتطبيق فكرة الكم الذي يفسر آلية النشاط الإشعاعي ألفا على أساس أن هناك إمكانية لجسيم يدعى ألفا بأن يخرج من بئر للطاقة عميق جدا، وهذا الخروج لا يتم إلا لأن النشاط (غير محدد) وخاضع للاحتمالات. وهي أيضا لحظة خوف عظيم بسبب هذه الأفكار. إّ أن قوى النواة والنشاط الإشعاعي، بدت فعلا في بادئ الأمر مقطوعة الصلة مع كل ما كان معروفا (أو مثبتا) من قبل. غير أن جسيمين منقذين ظهرا إلى النور في ذلك الوقت لنجدة تصوراتنا، وهما النوترينو (وكان آنذاك مجرد فرضية)، وقد افترض وجوده لتفسير التفكك بيتا النشيط إشعاعيا، والثاني هو النوترون(وهو حقيقة واقعة). وكانا مع البوزيتون ومع الموزون بي (الذي ظهر بعد عدة سنوات كجسيم تبادل للقوى النووية) مقدمة طليعية لحشد مؤلف من عدة مئات من الجسيمات. ويمكن تصنيف هذه الجسيمات بحسب ميزاتها التي يعبر عنها بجلاء بأشكال رياضية (شحنة كهربائية، سبين، إييزوسبين، عدد لبتوني، عدد باريوني.. إلخ). وعلى كل حال فإن نظرية زمر التحويلات التي ساعدت على ربط هذه الجسيمات بعضها ببعض في لوحة تصنيفية واحدة، أعطتنا آنذاك فكرة أن هذه الجسيمات ليست بشكلها الرياضي سوى تجميع لبعض الكائنات البسيطة التي كان عددها في البدء ثلاثة، ثم (حاليا) ستة، ونعني بها الكواركات.
إن الصياغة الرياضية المذكورة أعلاه تغطي فعلا خاصة فيزيائية، وأن الجسيمات _أو على الأقل تلك التي تعرف باسم هادرونات_ هي فعلا مؤلفة من هذه الكواركات. أما الجسيمات الأخرى فقد دعيت لبتونات.
ويجدر بنا أن نضيف إلى هاتين الطائفتين صاحبنا القديم الفوتون، الذي لم يعد يسعى وحده في سهول الكم الواسعة، بل أخذت ترافقه بعد الآن كوكبة من (السعاة) المؤلفة من ثلاثة بوزونات وسيطة، وثمانية غوليونات. وإذا ما صادف أن اقترب هذا ا لموكب من المناطق الحارة، حيث تتجلى الطاقات العالية، عندئذ ينضم إليهم فرسان آخرون مؤلفون من بوزونات تقوم بمبادلة قوى جديدة. ولكي نفهم هذا الدور الصامت الذي تقوم به الجسيمات وبوزونات المبادبة، علينا أن نقول كلمة عن الحقول التي تروجها هذه الجسيمات.
هناك حقلان يتجليان حصرا في المناطق الصغيرة جدا في الفضاء المحيط بالجسيمات. إذ إن مدى قواهما قصير جدا بعكس الحقلين الثقالي والكهرطيسي اللذين مداهما ألا نهائي. والسبب في قصر مداهما هو أن الجسيمات الناقلة لهما هي بوزونات مبادلة شبيهة بفوتون الحقل الكهرطيسي وغرافيتون الحقل الثقالي، إلا أن كتلتها ليست معدومة، بل كبيرة نسبيا. ولكن كلما كانت بوزونات المبادلة أثقل كان مداها أقصر. الأمر الذي يفسر لنا لماذا لم يكتشف حقل التأثيرات المتبادلة القوية، مسئول عن القوى النووية وعن تماسك النوى. وأما الثاني الذي يسمى حقل التأثيرات المتبادلة الضعيفة فهو مسؤول عن تفكك النوى المشع بيتا، وعن تفكك عدد كبير من الجسيمات. وفيما كان الإلكتروديناميك الكمومي يتطور، كان هذان الحقلان يبدوان غير قابلين لأن يعالجا بالطريقة نفسها (كالكهرطيسية).
لذلك راحت المحاولات تمضي في سبل مختلفة متباينة، متخلية نهائيا أو إلى حد كبير عن فكرة الحصول على صياغة نظرية مشتركة لمجمل الظواهر كلها. فكانت تكتفي بوضع نظريات تقريبية، أو نماذج مربكة التعقيد والدراسة تقع ضمن إطار ما أثر عن هيزنبرغ وعن ميكانيك الكم، فلا تطمح إلى أكثر من استنساخ ما يمكن ملاحظته. ولكن هذا لا يعني أن هذه الفترة لم تكن خصبة معطاءة حتى وإن لم تبدُ مثيرة مشوقة كالبحث عن نظرية أساسية. ففي حالة التأثيرات القوية شهدت هذه الفترة تطور (نظرية البث) المفيدة جدا و(نظرية المصفوفةS). بل إن نماذج مثمرة كانت تزدهر من مكان إلى آخر على هذه الدروب الصعبة. وكانت هذه النماذج في بادئ الأمر هي نتائج لأعمال رياضية جافة التي كانت بعيدة كل البعد عن المسائل الحقيقية في الفيزياء التجريبية، ولكن لم يكن ملاحظ منذ البدء أنها كانت تعلن عن ظهور قارة جديدة. والمقصود هنا بهذه القارة، هو نظريات المعايرة ليانغ وميلز. ولكن وينبرغ وعبدالسلام لاحظا في عام 1967و1968 أنه إذا طبقت هذه التصورات والأفكار على حقل التأثيرات المتبادلة الضعيفة، فإن ذلك يؤدي إلى نظرية بسيطة ورشيقة تعالج في الوقت نفسه الحقلين الضعيف والكهرطيسي. فقد أزمعا على اعتبار أن ثمة آلية (كسر تلقائي في التناظر) تتدخل خلسة بمجرد أن يتم توحيد الحقلين. ومع ذلك لو بحثنا جيدا لوجدنا أن هناك فعلا آلية من هذا ا لنوع قادرة على تغيير مقادير الكتلة في قلب حقل الجسيمات. وهذه الآلية تشتهر باسم مخترعها هيجز.
وبعد عدة سنوات أي في عام 1971 برهن هوفت أن هذه النظرية قابلة للتطبيع (للاستنظام) مثلها في ذلك مثل الحقل الكهرطيسي نفسه، بمعنى أن إعادة التطبيع، التي هي خاصة من خواص حقول المعايرة التي تنقل تأثيراتها بوزونات كتلتها صفر، لن تفسد نتيجة انكسار التناظر الذي (أفسد معايرة) الحقل بأن جعل كمومه، أي بوزوناته، ثقيلة وذات كتلة.
فما تم بالنسبة للحقلين الكهرطيسي والضعيف كان عملا عظيما. ولكن ماذا بشأن حقل التأثيرات المتبادلة القوية؟ إن الوضع فيها كان يبدو ميئوسا منه، وذلك لأسباب يطول شرحها، ولكنها مرتبطة بالشدة الخاصة بهذا الحقل. فهذه الشدة، هي بحيث أن (إعادة تلبيس) الجسيم تحت تأثيرها، هي عملية لا نهاية لها، وشأنها في الأهمية شأن الجسيم نفسه. بمعنى أنه من المستحيل أن تعالج المشكلة بتقريبات متتالية، مع أن هذه الطريقة هي إحدى الشروط المطلوبة لتطبيق نظرية الحقل.
ولكن الأمور تبدلت لحسن الحظ في غضون السبعينات، عندما تأكد أن الجسيمات الهادرونية مؤلفة من كواركات. لأن هذه الأخيرة لها خاصتان غير مألوفتين: الأولى خاصة المتاخمة، وهي تحكم على الكواركات بالبقاء طيلة حياتها. أما الخاصة الثانية غير المألوفة فهي تجعل من الكواركات نقيض الإلكترونات تقريبا. وعلى هذا النحو، تكون العقبة الرئيسية قد اختفت وأصبح من الممكن تصور نظرية كمومية لحقل التأثير المتبادل القوي.
وقريبا سوف ينتهي
إن قيمة الثورة الكمومية ومدلولها، إذا أردنا أن نقدرهما، فيجب ألا يرتكز تقديرنا لهما على مشاعرنا العادية، بل على منطقها الداخلي هي (أي على الثورة الكمومية).
حتى الأفكار الجديدة لا يمكن قبولها بسهولة وبشكل طبيعي، صحيح أن التجربة أرغمتنا على قبولها، ولكننا (حتى الآن) لم نتمكن من الإحساس بضرورتها الملزمة. فنحن لم نقبلها إلا بصعوبة وبعد مقاومة عنيدة. ولا نتصور أبدا أن مدلولها العميق سيتجلى لنا يوما ما فجأة. فعلى الرغم من أن الطبيعة تقف إلى جانبها، إلا أن طبيعتنا تقف في الطرف الآخر تماما.
وما هو السبب في مظهر نظرية الكم الغريب غير المعقول، إنه باختصار إذا لم يكن هناك المكان ولا الزمان هما المواد الأولية في بناء الكون، وإنما هما مجرد أثرين وسطيين إحصائيين لعدد هائل من الكيانات الأساسية الأعمق منهما، فلن يبدو غريبا بعد الآن أن تبدي هذه الكيانات خواص غير مناسبة تماما لهما كالموجة أو الجسيم. وعلى كل حال، ربما يوجد في مفارقات فيزياء الكم داخل المنطق.
وهكذا فإنه لا شيء يمنع من أن يكون الوضع بالنسبة للمكان والزمان مماثلا لما هو عليه في هذه الأمثلة. ولكن تخيله عندئذ أشد صعوبة، حتى ولو بطريقة تجريبية. (ولكن لنحاول أن نتخيل ذلك). فكما أن جزيئات الماء مأخوذة فرادى، تختفي منها صفاتها العادية من حرارة وضغط وسيولة، وكما تخلو أيضا أحرف الأبجدية المنفصلة المشتتة من كل شاعرية أو معنى، كذلك جسيمات الكون الأساسية، فهي لن يظل لها مظهر وجود في المكان والزمان إذا ما أخذت فرادى. بل إن المكان والزمان اللذين يخيل إلينا وجودهما على شكل كيانين أوليين وأساسيين، واللذين لا نستطيع أن نتصور أي وجود خارجا عنهما، ليسا سوى نتيجة مزيفة يوحي لنا بها هذا العدد الهائل من الجسيمات الأولية. والآن لنرَ كيف تنتظم الأمور كلها مع هذا الافتراض. إن المفارقات الكمومية، سيبدو أننا نحن الذين صنعناها لأننا حاولنا أن نتبع حركات جسيمات معزولة في المكان والزمان. في حين أن هذه الجسيمات نظرا لكونها معزولة فليس لها وجود، لا في زمان ولا في مكان. بل إن وجود المكان والزمان نابع من وجودها هي. كما أن الجسيم المعزول لا يمكن أن يوجد في آن واحد في موضعين، لأنه أصلا ليس في مكان. فمثلا هل نجد ما يدهش في أن توجد فكرة ما في مكانين مختلفين؟ طبعا لا، لأن الفكرة إذا نظرنا إليها على أنها شيء خارج عن دماغنا، ليس لها أي وضع أو مكان. ولو أردنا لسبب ما أن نحدد لها وضعا بطريقة افتراضية، لتوقعنا أنها تتعدى حدود المكان والزمان المألوفة. والسبب الوحيد في أننا نرفض مثل هذا الرأي في حالة الجسيمات الفردية، هو أننا لا نتخلى عن اعتبار المادة موجودة في مكان أو زمان. ولكن ما إن نتخلى عن هذا الاعتبار حتى تزول جميع المفارقات وتتضح فورا رسالة الكم، وهي أن المكان والزمان ليسا كيانين أوليين.
لكن علماء الكم يزداد لديهم طيلة انتظارهم إحساس بوجود ما يشدهم نحو تأمل من هذا القبيل. إذ يأملون منه حل كثير من مسائلهم المعلقة. ولكن ما من أحد يعرف كيف يعالجه لكي يجد له التعبير الرياضي المناسب. هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا ما اتضح أن شيئا كهذه الكيانات المنفصلة هي التي تشكل فعلا طبيعة المكان والزمان الحقيقية، فستبدو نظرية النسبية عندئذ ونظرية الكم خصمين لا سبيل لتصالحهما ما دامتا على طريقة عرضهما الراهنة. لأن بقاء النسبية على حالها الآن نظرية من نظريات الحقل، معناه أنها ستعتبر المكان والزمان حتما كيانين أوليين، وأنهما هما الأساس. في حين أن نظرية الكم، على الرغم من عجزها التقني الراهن عن التخلي عن إرهاب المكان والزمان، فإنها تعارض بشدة هذا التصور. على أن هناك جانبا من الحقيقة في نظرية النسبية. وجانبا من الحقيقة في نظرية الكم، ولا يمكن لإحداهما أن تزيح الأخرى نهائيا بل على العكس، فأينما تلتقي النظريتان توجد المتانة والحيوية. لذلك نشاهد الآن محاولات لإجراء عملية تهجين قد تؤدي يوما إلى نظرية جديدة تتمتع بكب المزايا الحسنة.