التصنيفات
لغــة وأدب عربي

بين اللسانيات الكلية و اللسانيات النمطية

بين اللسانيات الكلية و اللسانيات النمطية

قديما قال ابنُ جنّي عن اللهجات العربية: اختلاف اللغات وكلُّها حجّة، وحديثا قال شومسكي رائد المدرسة التوليدية التّحويلية: اختلاف اللغات أمر ثانوي مُتجاوز، تكمن خلفه قواعد كلّيةٌ تحكم اللغات البشريةَ قاطبةً
لقد عاد الجدل حديثاً بين:

– أنصارِ اللسانياتِ الكلّيّة، الذين يقولون بوجود قواعد مشتركة بين المتكلمين هي قواعد النحو الكلّيّ، مستقرة في مخزون المتكلمين قاطبة، الذين لا يفزعون إلى هذه القواعد إلا لانتقاء ما يناسب لغاتهم ، ويوسّطون في الانتقاء وسائط لتثبيت القيم المناسبة ، تنتهي بالمستعمل اللغوي إلى تنزيل مبادئ النحو الكلي ومقاييسه على لغته الخاصة، فيتم الانتقال من الكليات إلى الجزئيات والأنواع .

– وأنصار اللسانيات النمطيّة أو النّسبيّة التي تذهب إلى أنّ لكل لغة خصائصها الخاصة، وتُعَدّ اللسانيات النمطية اتجاها رائدا في مجال التقعيد للغة، وهي نظرية أولوياتها فرضيات مِراسية، وموضوعها اللغات البشرية المستقلة بأبنيتها المتغايرة، وغايتها إقامة أنحاء نمطية، فرضيتها الأولى: كون اللغة البشرية ملكة كسبية وليست بنية طبعية، وأن اللغة كغيرها من الوضعيات متقومة الذات من أربعة مبادئ: المبدأ الدلالي والمبدأ التداولي والمبدأ الوضعي للوسائط اللغوية والمبدأ الصوري: محتوى المبدأين الأول والثاني كليات لغوية تنعكس في الخصائص المشتركة بين كل اللغات البشرية، ومحتوى المبدإ الثالث وسائط اختيارية تجبر اللغات على التغاير المتناهي، وينعكس أثرها في الخصائص النمطية التي تعم طبقة من اللغات دون غيرها، أما المبدأ الرابع فإن محتواه يتشكل من مجموعات التصويتات المستعملة في اللغات ومن قواعد تراكبها عبر مختلف المستويات، بدءا من المقطع وانتهاء بأعقد مقولة كالجملة أو الخطاب.
انظر: [الوسائط اللغوية ج1: أفول اللسانيات الكلية، ج2: اللسانيات النسبية والأنحاء النمطية، د.محمد الأوراغي، دار الأمان، الرباط، 2001 م]

عَوْدٌ إلى اخْتِلافِ اللُّغاتِ، واللِّسانِيّاتِ النِّسْبِيَّةِ

أَجَل ، لقد عرفَ البحثُ اللّسانيّ العربيّ اليَوْم بُزوغَ نظريّةٍ جديدةٍ هي نظريّة “النسبيّة” أو “النّمطيّة” في اللسانياتِ، وصاحب النظريّة الرّائدةِ هو د محمّد الأوراغي، صاحبُ كتابِ
“الوسائط اللغوية (ج1: أفول اللسانيات الكلية، ج2: اللسانيات النسبية والأنحاء النمطية، ط. دار الأمان، الرباط)
ردّا على دعوىِّ اللِّسانِيّاتِ الكلّيّةِ التي تتبنّاها المدرسةُ التّوليديّةُ، تستغرِقُ الأنماطَ اللّغويّةَ قاطبةً؛ وذلِك لأنّها تنطلِقُ في مشروعِها المتعلِّق بالنَّحو الكلّيّ من أنماطٍ لغويّةٍ مُتغايرةٍ؛ فلا ينبغي أن نُطبِّقَ مُقرّراتِ النّحوِ الإنجليزيّ على النّمطِ العربيّ، ولا ينبغي أن يَستغرِقَ نمطٌ ما كلَّ اللغاتِ البشريّةِ أو جُلَّها؛ لأنّ نقلَ القاعدةِ إلى خارِجِ نمطِها يثعدّ نقضاً لخصوصِيّةِ اللغاتِ، فلا ينبغي إذاً توسيعُ الإطارِ النّظريّ لأحدِ الأنماطِ اللّغويّةِ ليتناولَ النّمطَ الآخَر، أي لا ينبغي تحويلُ نحوٍ نسبِيّ إلى نحوٍ كلّيّ، مع العلمِ أيضاً أنّ نحوَ شومسكي لم يستقرَّ على حالةٍ واحدةٍ منذ عقدٍ كاملٍ من الزّمانِ.
و لهذا يقترِحُ الباحثُ المذكورُ ، إقامةَ نظريّةٍ لسانيّةٍ نسبيّةٍ من شأنِها أن تؤطِّرَ أنحاءً نمطيّةً، نظريّة نسبيّة تقوم وسطاً بينَ لسانيّات كلّيّة وأخرى خاصّة، وأهمّيتُها في أنّها لا تحوِّل نحواً نمطيّاً إلى نحوٍ كلّيّ و لا تُعمّمُه، ولكنّها تُؤطِّر اللّسانيّاتِ الخاصّةَ وتضمّ ما فيها من أوصافٍ منسجمةٍ
ولتحقيق هذه الغايةِ يرى ضرورَةَ إثباتِ قِيامِ نظريّةٍ لسانيّةٍ نسبيّةٍ منافِسةٍ لنظريّةٍ لسانيّةٍ كلّيّةٍ، والعملِ على نقضِ دعائمِ نظريّةِ النّحوِ الكلّيّ. يعملُ هذا التّوجّه على سبرِ الممكنِ من الأنحاءِ والمُفضي تحقُّقُها في اللُّغاتِ البشرِيّةِ إلى تجميعِها في أنماطٍ لغويّةٍ. ومن هذِه الفرضيّاتِ الممكنةِ الفرضيّة الكسبيّةُ؛ فهي فرضيّةٌ تتصوّرُ اللّغةَ مَلَكَةً صناعيّةً تقومُ ماهيتُها على تضافُرِ أرْبَعَةِ مَبادئَ: المبدأ الدّلاليّ، والمبدأ التّداوُليّ،والمبدأ الوضعِيّ للوسائِط اللّغويّة، والمبدأ الصّورِيّ. فأمّا الدّلاليّ والتّداوُليّ فإنّ محتوياتِهِما كلّيّةٌ بَحْتة، وأمّا الصّورِيّ فإنّه يحتوي على نسَقٍ من المبادئِ والقواعِدِ النّمطيّةِ المتحكِّمَةؤ في تكوينِ بنيةٍ قوليّةٍ تتقاسَمُها لُغاتٌ من النّمطِ نفسِه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انظُرْ:
أوّلاً: الوَسائط اللّغويّة، ج1: أفول اللسانيات الكلّيّة، ج2: اللسانيّات والأنحاء النّمطيّة، دار الأمان للنشر والتّوزيع، الرّباط، ط.1، 1421هـ-2001م
ثانياً :
الوظيفيّة بين الكلّيّة والنّمطيّة، د.أحمد المتوكّل، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، المغرب، 2022
وكتابُ د. أحمد المتوكل جاءَ بعد كتاب د.محمد الأوراغي وتالياً له، مما يُفيد أنّ الكتابَ الأوّل مبشّر ببزوغ النظرية النسبية النمطيّة في اللسانيات