التصنيفات
محاسبة

المحاسبة الادارية

ما أهمية المحاسبة الإدارية :

المحاسبة الإدارية هي نظام لتجميع ، تبويب ، تلخيص، تحليل ، وإعداد التقارير عن
المعلومات التي تساعد إدارة المنشأة على ممارسات أنشطتها التخطيطية ، الرقابية ،
واتخاذ قراراتها الإدراية المتنوعة .
على ذلك فالمحاسبة الإدارية ما هي إلا جزء من نظام المعلومات الإدارى المتكامل للمنشاة .

دور وأهداف المحاسبة الإدارية :

لكي تقوم إدارة المنشاة بأنشطة التخطيط والرقابة واتخاذ القرارات تحتاج إلى معلومات
مختلفة تحصل عليها من مصادر متنوعة سواء الخبراء الماليين أو الاقتصاديين أو
إدارات الإنتاج والمشتريات والمخازن والتسويق والمحاسبين بالمنشأة.

ومن الأهداف الرئيسية لنشاط المحاسبة الإدارية ما يلي:
1- توفير المعلومات اللازمة لمساعدة المديرين في اتخاذ القرارات والتخطيط ،
فعلى سبيل المثال قرار افتتاح خط إنتاجي جديد يتأثر بالتقديرات الخاصة بتكلفة إنشاء
الخط وتكلفة المحافظة عليه خلال تشغيليه ،
وأيضا تقديرات التكاليف والإيرادات المرتبطة بالتشغيل والتي تساعد في عملية إعداد الموازنة الخاصة بهذه الخط.
2- مساعدة المديرين في الرقابة على الأنشطة التشغيلية ، وتتم علمية الرقابة من
خلال توافر بيانات مقارنة بين الأداء الفعلي والأداء المخطط المحدد بالموازنة ثم تحديد
الفروق أو الانحرافات وتحليل أسبابها
واتخاذ الإجراءات المصححة، كما يتم الاستفادة من هذا التحليل عند إعداد الخطط
الجديدة. وتهتم المحاسبة الإدارية بقياس أداء الأفراد والوحدات الفرعية للمنشأة مثل
الأقسام وخطوط الإنتاج والمناطق الجغرافية ، كما أن قياس الأداء يساعد في إعداد نظم
الحوافز حيث يجب أن يتم تحفيز المديرين والعاملين من خلال ربط مكافأتهم بالأرباح
المحققة بواسطة الوحدات التي يديرونها أو يعملون بها.

العلاقة بين المحاسبة المالية والمحاسبة الإدارية:
 يمكن توضيح الفروق الأساسية بين المحاسبة المالية والمحاسبة الإدارية على
النحو التالي :

المحاسبة المالية- تخدم المحاسبة المالية أطراف خارج المنشأة

المحاسبة الإدارية
– تخدم المحاسبة الإدارية المستويات الإدارية المختلفة داخل المنشأة وقد تمتد
خدماتها إلى مستفيدين آخرين خارج المنشأة

– المحاسبة المالية إلزامية طبقا للقانون
– المحاسبة الإدارية اختيارية حسب رغبة إدارة المنشأة

– تعتمد المحاسبة المالية في إعداد القوائم والتقارير على المبادىء المحاسبية المتعارف عليها.

– لا يحكم إعداد قوائم وتقارير المحاسبة الإدارية مبادئ متعارف عليها.

– توفر المحاسبة المالية معلومات مالية فقط ( إيرادات – مصروفات – أصول – التزامات)

– توفر المحاسبة الإدارية معلومات مالية وغير مالية ( حجم المبيعات – احتياجات كل منتج من عناصر الإنتاج – عدد الوحدات التالفة -…. )

– توفر المحاسبة المالية معلومات تاريخية فقط
– توفر المحاسبة الإدارية معلومات تاريخية ومعلومات عن المستقبل

– توفر المحاسبة المالية معلومات إجمالية عن المنشأة ككل
– توفر المحاسبة الإدارية معلومات عن الوحدات الفرعية داخل المنشأة ( أقسام – إدارات – خطوط إنتاج –
فروع- …..)

– تتميز المحاسبة المالية بأنها تنتج معلومات دقيقة تم مراجعتها بواسطة مراجع حسابات خارجي لذلك فهي تحتاج إلى فترة
زمنية كافية لإنتاج هذه المعلومات تمتد لعدة شهور بعد نهاية السنة المالية
– قد تحتاج الإدارة لاتخاذ قرار معين
في وقت مناسب إلى معلومات سريعة من المحاسب الإدارى قد لا تكون بنفس دقة
معلومات المحاسبة المالية خاصة إذا كانت هذه المعلومات ترتبط بالمستقبل غير المؤكد

العلاقة بين محاسبة التكاليف والمحاسبة الإدارية :
 يمكن توضح الفروق الأساسية بين محاسبة التكاليف والمحاسبة الإدارية على
النحو التالي:

– تخدم محاسبة التكاليف المستويات الإدارية المختلفة داخل المنشاة
– تخدم المحاسبة الإدارية المستويات
الإدارية المختلفة داخل المنشأة وقد تمتد خدماتها إلى مستفيدين آخرين

– توفر المحاسبة التكاليف معلومات تاريخية فقط
– توفر المحاسبة الإدارية معلومات تاريخية ومعلومات عن المستقبل

– مصدر البيانات التي تعتمد عليها محاسبة التكاليف هو نظام المعلومات المحاسبي الكلى للمنشأة
– مصدر البيانات التي تعتمد عليها المحاسبة الإدارية هو نظام المعلومات المحاسبي الكلى للمنشأة مع مصادر أخرى مثل
كمية الإنتاج المعيب، كميات المواد وساعات العمالة المستخدمة في الإنتاج

– تركز محاسبة التكاليف على المعلومات الخاصة بعناصر تكاليف المنشأة
– تركز المحاسبة الإدارية على المعلومات الخاصة بعناصر تكاليف المنشأة بالإضافة إلى عناصر إيرادات المنشأة

– تركز محاسبة التكاليف على التكاليف التي تستنفد في الأجل القصير ( سنة عادة) من أجل إنجاز أعمال المنشأة
– تركز المحاسبة الإدارية على كل من التكاليف التي تستحق في الأجل القصير وأيضا التي قد تتعدى السنة الواحدة أي
التي تستنفد في الأجل المتوسط والطويل

الأساليب والأدوات التي تعتمد عليها المحاسبة الإدارية :
 تعتمد المحاسبة الإدارية على مجموعة من الأساليب والأدوات العملية منها:

– الموازنات التخطيطية
– التكاليف المعيارية
– بحوث العمليات
– النماذج الرياضية
– التحليل الإحصائي


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

المسؤولية الادارية

إذا حاولنا إيجاد تعريف عام للمسؤولية فإننا نجد من الناحية اللغوية أنه يقصد بكلمة المسؤولية قيام شخص ما بأفعال أو تصرفات يكون مسؤولا عن نتائجها ، أما من الناحية الإصطلاحية فإن المسؤولية هي : ” تلك التقنية القانونية التي تتكون أساسا من تداخل إرادي ينقل بمقتضاه عبء الضرر الذي وقع على شخص مباشر بفعل قوانين الطبيعة أو البيولوجيا أو البسيكولوجيا أو القوانين الإجتماعية إلى شخص أخر، ينظر إليه على أنه هو الشخص الذي يجب أن يتحمل هذا العبء ” .
والمسؤولية عامة يختلف مفهومها بإختلاف المجال الذي تدرس فيه ، فإذا كانت المسؤولية الأدبية تنتج عن مخالفة واجب أدبي ( لاينص عليه القانون ) ، فإن المسؤولية القانونية تنتج- على عكس ذلك – عن مخالفة إلتزام قانوني ، كما نجد المادة 124 من القانون المدني الجزائري تأتي بقاعدة عامة بحيث تنص على أنـه : ” كل عمل أيا كان ، يرتكبه المرء ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض ” .
فنجد المسؤولية المدنية في القانون المدني ، والمسؤولية الجنائية في القانون الجنائي ، والمسؤولية الدستورية في القانون الدستوري ، والمسؤولية الدولية في القانون الدولي العام ، وفي القانون الإداري نجد المسؤولية الإدارية وهي ما يهمنا في بحثنا هذا ، وهذه الأخيرة تترتب في حالة حدوث ضرر ما من جراء أعمال الإدارة العامة .
ومسؤولية الإدارة العامة ، نجدها في الوقت الراهن في معظم التشريعات ، إلا أنها حديثة النشأة ، إذ أنه لم يبدأ الأخذ بها سوى في أواخر القرن الماضي خاصة مع إتساع مجال تدخل الدولة في جميع الميادين ، فنظرا لما تتمتع به الإدارة من إمتيازات السلطة العامة ، فإن المشرع لأجل تحقيق النفع العام و الراحة العمومية والسكينة العامة والأمن العام والتي تشكل من أهم الإلتزامات التي تقع على عاتق الدولة بحيث تلتزم بتحقيقها
بهدف احترام سيادتها والحفاظ على استمرارها . ولما أن حاجات الأفراد ومتطلباتهم تزداد كلما ازداد عددهم فإن حاجات الدولة لتحقيق التزاماتها نحو الفرد تزداد أيضا ، وبذلك تحاول الدولة خلق وسائل قانونية تستطيع من خلالها التوفيق بين تحقيق مصالح الجماعة وإرضاء الفرد .
فإن المكانة التي تحتلها النشاطات العامة في مجتمعنا ، وكذا الحاجة الحالية إلى تغطية كافة الأضرار ، بالإضافة إلى تطور مفهوم دولة القانون ، تبرر ظهور وتوسع فكرة المسؤولية الإدارية . فنشاط الإدارة كأي عنشاط أخر قد يكون سببا في إحداث أضرار – قد تكون بجسامة معتبرة – بإعتبار الإدارة كسلطة تنفيذية تستعمل وسائل ضخمة وأحيانا خطرة في أداء مهمتها . فهل يحق للضحايا طلب جبر هذه الأضرار ؟ و بأية شروط ؟ .
إن المسؤولية التي تنجر في هذه الحالة هي مسؤولية مدنية وليست جزائية ، فالمسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية يتناولها القانون الجنائي ، بينما ينحصر موضوع بحثنا في المسؤولية الإدارية ، أي في مجال القانون الإداري . كما أنها تخرج عن مجال المسؤولية العقدية ، إذ أن مسؤولية الإدارة التي تنجر عن عدم تنفيذ التزام تعاقدي تدخل ضمن نظرية العقود الإدارية .
إن الإجتهاد القضائي في مجال القضاء الإداري عمل عبر مراحل متتالية على إيجاد حلول خاصة لهذه المسؤولية ، فوضع نظام قائما بذاته يتعلق بها . أما التشريع فلم يتدخل سوى في حالات معينة لتغطية أضرار خاصة . وسوف نرى عبر تحليلنا لهذا الموضوع مختلف الفروق بين نظام المسؤولية في القانون الإداري ، وما هو متداول عليه في القانون المدني بإعتباره القاعدة العامة .
فكيف ظهر مبدأ المسؤولية الإدارية ؟ وكيف تطور ؟ وماهي أهم خصائصه ؟ والأسس التي يقوم عليها ؟ وفي الأخير ماهي النتائج المترتبة عن تحميل الإدارة المسؤولية عن الأضرار المترتبة عن ادائها لنشاطها ؟
و لمعالجة هذه الإشكاليات ، ارتأينا اتباع الخطة المبينة أدناه :

المبحث الأول: نشأة و تطور فكرة المسؤولية الإدارية:
ظلت الدولة بصفة عامة و الإدارة بصفة خاصة و لحقبة طويلة من الزمن غير مسؤولة عن أعمالها ووظائفها المختلفة، و كذا عن أخطاء موظفيها، و يعود ذلك إلى الفكرة التي كانت سائدة آنذاك و هي أن الدولة شخص معنوي مجسدة في شخص الملك الذي لا يخطئ أبدا، و كذا إلى فكرة السيادة باعتبار أن المسؤولية التزام و هو ما يتناقض مع السيادة في شكلها التقليدي بما تنطوي عليه من سمو و إطلاق.
إلا انه في نهاية القرن 19 و بداية القرن 20 بدأ المفهوم المطلق لعدم مسؤولية الدولة يندثر خاصة مع اتساع مجال تدخل الدولة في جميع المجالات مما ينتج عنه تعدد الأضرار على الأشخاص و الأموال، وبدأت فكرة المسؤولية تشق طريقها نحو التطبيق، إذ لجأ في بعض القوانين إلى منح تعويضات عن الأضرار الناتجة عن نشاط الإدارة دون أن يعترف بمسؤولية الإدارة، و طبق القضاء هذا المبدأ بعد مدة طويلة، إذ تطورت مفاهيمه ، و لجأ إلى عدة نظريات حاول من خلالها إيجاد أساس قانوني لهذه المسؤولية و من بينها نظرية الدولة المدينة و نظرية المرفق العام.
و لم يتم خضوع الإدارة بما لها من سلطات و امتيازات للقضاء العادي أو الإداري دفعة واحدة، وإنما تم ذلك ببطئ، و عبر حقب زمنية متتالية، و قد اختلفت مواقف النظم القضائية المقارنة حول تكريس مبدأ مسؤولية الإدارة، إذ ظهرت في الدول الانجلوسكسونية و خاصة انجلترا عدة محاولات لإخضاع تصرفات الإدارة لرقابة القضاء بالرغم من وجود مبدأ عدم مسؤولية التاج.
و مع تمتع الإدارة بسلطات و امتيازات واسعة في الدول الأوربية و على رأسها فرنسا، فإنه لم يكن بإمكان القاضي العادي أن يوجه لها أمرا بالقيام بعمل أو الامتناع عنه أو إلزامها بالقيام بعمل، إلا أن قيام الثورة الفرنسية و ظهور مبدأ الفصل بين السلطات على يد الفقيه ” مونتسكيو” أعطيا دفعا قويا لتكريس مبدأ مسؤولية الإدارة، و هو ما نتج عنه منح القاضي الإداري مهمة الفصل في القضايا التي تكون الإدارة طرفا فيها.
أما عن الدولة الجزائرية فقد عرفت هي الأخرى عدة تطورات بخصوص تطبيق مبدأ مسؤولية الإدارة و هو ما سنتطرق له تباعا.
المطلب الأول: عدم مسؤولية الإدارة
تملصت الإدارة و لمدة طويلة من الزمن من مسؤوليتها عن أعمالها و أخطاء موظفيها على أساس الإعتقاد الذي كان سائدا و هو أن الملك لا يخطئ “The king can do no wrong ” فباعتبار أن التاج صاحب السيادة لا يخطئ فإن الدولة لا تسأل عن أعمالها و أعمال موظفيها .
و يمكن حصر الأسباب و العوامل التي أدت أو ساعدت على سمو مبدأ عدم مسؤولية الدولة فيما يلي:
1- طبيعة الدولة قديما و ظروفها الإجتماعية، السياسية و الإقتصادية، إذ كانت في معظمها دول دكتاتورية بوليسية لا تخضع لمبدأ الشرعية و لا لرقابة القضاء، و هو ما ساعد على انتشار و توسع دائرة عدم مسؤولية الإدارة عن أعمالها غير المشروعة و الضارة.
2- طبيعة العلاقة القانونية التي كانت تربط الموظف بالدولة و التي عرفت بالتعاقدية لاسيما في النظام الانجلوسكسوني، و بالتالي فإن الإدارة لا تسأل عن الأضرار التي يسببها موظفوها للغير، على أساس أن هذه الأضرار تعد خارجة عن نطاق حدود العقد المتعلق بالوظيفة و يتحملون المسؤولية المدنية أمام القاضي العادي .
و قد كرست فرنسا هذه الحماية لموظفيها بعدم إمكانية مقاضاتهم وفقا لنص المادة 75 من دستور السنة الثامنة للثورة، إلا أن هذه الحماية القانونية التي منحت للموظفين والعاملين استعملت بطريقة مبالغ فيها، مما أدى إلى إلغاء المادة 75 بموجب المرسوم الصادر في19/09/ 1970 .
3- الإهتمام بقضايا حقوق الإنسان و الدولة القانونية و العدالة الإجتماعية بصفة نظرية بغض النظر عن أساليب و فنيات تطبيقها.
4- إنعدام الأساليب القانونية و الإجرائية اللازمة لإخضاع الإدارة للرقابة القضائية.
5- عدم بروز و بلورة فكرة التفرقة بين الخطأ المرفقي و الخطأ الشخصي و نظرية المخاطر، و هو ما ساعد على عدم تحديد الخطأ الإداري
6- سمو مبدأ سيادة الدولة، إذ كان ينظر إليه على أنه يتنافى مع مبدأ المسؤولية و لا يلتقيان، فالدولة شخص معنوي تتمتع بكافة الحقوق والإمتيازات و أساليب السلطة العامة، و تتمتع بالسيادة و بالتالي فإنه لا يمكن مساءلتها عن أعمال سلطاتها بما فيها التنفيذية.
الفرع الأول: النظام الفرنسي
كغيرها من الدول القديمة خضعت فرنسا لمقولة ” الملك لا يسيء صنعا ” le roi ne peut mal faire و أنه امتداد لإرادة و ظل الله في أرضه، و هو ما جعله يتمتع بسلطة مطلقة في تسيير شؤون الدولة و عدم خضوعه للرقابة بما فيها الرقابة القضائية، و اعتباره مصدرا للعدالة، و التكفل شخصيا بالفصل في أي منازعة، و كذا وقف تنفيذ الأحكام أو إصدار حق العفو فيها.
و بانتقال فرنسا بعد الثورة الفرنسية سنة 1789 من النظام الملكي إلى الجمهوري، و بظهور نظرية مونتسكيو المتعلقة بالفصل بين السلطات، ظهر جدل فقهي كبير حول عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية، إذ أن مناقشة تصرفات الإدارة أمام القضاء، و إعلان مسؤوليتها و إلزامها بالتعويض عن الأخطاء التي يرتكبها موظفوها يؤدي إلى تدخل السلطة القضائية في أعمال السلطة التنفيذية على خلاف ما يقضي به مبدأ الفصل بين السلطات، و لم يكن الإختلاف قائما حول المبدأ و إنما حول تفسيره، إذ يأخذ البعض بالفصل المطلق بين سلطات الدولة، و هو ما كان يميل إليه رجال الثورة الفرنسية متأثرين في ذلك باعتبارات تاريخية تتمثل في تعسف محاكم النظام القديم، في حين كان الاتجاه الغالــب و الواقع العملي يرجح فكرة الفصل النسبي لما يسمح به من وجود نوع من الرقابة المتبادلة بين سلطات الدولة للحيلولة دون استبداد كل سلطة باختصاصاتها .
فجل الأفكار التي كانت سائدة آنذاك كانت مع فكرة عدم مسؤولية الإدارة عن أعمال جميع موظفيها، إذ رأت السلطة الفرنسية أن المحاكم العادية قد تعرقل الإصلاحات التي تعزم الإدارة القيام بها لذلك عملت على إبعاد منازعات الإدارة عن ولاية المحاكم العادية، و تجسيدا لهذه الأفكار صدر قانون
16-24 سنة 1790 الذي نص في المادة 13 منه ” إن الوظائف القانونية تبقى دائما مستقلة عن الوظائف الإدارية و أن القضاة لا يمكنهم تعطيل أعمال الإدارة بأي طريقة كانت أو مقاضاة أعوانها من اجل أعمال تتصل بوظائفهم و أن كل خرق لهذا المنع يعتبر خرقا فادحا للقانون”
و قد اعتبر المدافعون عن قانون 1790 أن مقاضاة الإدارة أو أعوانها أمام القضاء يؤدي إلى عرقلة أعمالها التي تهدف إلى تحقيق الصالح العام، فمثلا إذا تمت مقاضاة الإدارة حول نزع الملكية من أجل المصلحة العامة فإن ذلك سيؤدي حتما إلى تعطيل المشاريع التي تم من أجلها نزع العقار من مالكه .
و على هذا الأساس صدر في السنة السادسة للثورة قانون يمنع المحاكم صراحة من التعرض لأعمال الإدارة أيا كان نوعها و أصبحت الإدارة بذلك تتولى مهمة الفصل في المنازعات التي تنشأ بينها و بين الأفراد، و تطبيقا لهذا القانون صدر قانون آخر بتاريخ 06/09/1790 يمنح الاختصاص في النظر في القضايا التي تكون الإدارة المحلية طرفا فيها لحكام الأقاليم، و منح للإدارة العامة ممثلة في رئيس الدولة والوزراء ـ كل في حدود اختصاصه ـ للنظر في المنازعات التي تكون الإدارة المركزية طرفا فيها، لتكون الإدارة بذلك الخصم و الحكم في آن واحد و سميت بالإدارة القاضية، و هو ما أعاق تحقيق و تكريس مبدأ الفصل بين السلطات، إذ أنه منع على السلطة القضائية البث في القضايا الإدارية في حين منح للسلطة الإدارية سلطة البث في القضايا الإدارية مع أنها ليست جهة قضائية.
و أمام رفض الفقهاء و القضاء لتمتع الإدارة بهذا الاختصاص الممتاز، تم فصل الإدارة العاملة عن الإدارة القاضية، و تم إنشاء جهة استشارية مختصة في الفصل في المنازعات الإدارية بموجب نص المادة 52 من دستور السنة الثامنة، و هي مجلس الدولة في العاصمة، كما تم إنشاء مجالس المحافظات في باقي الأقاليم.
إلا أن قرارات المجلس لم تكن سوى آراء و مشاريع قرارات معلقة على مصادقة رئيس الدولة، إذ أنها لم تكتسي الطابع القضائي، و لم تكن شاملة و لا نهائية، كما أنه لم يعتمد حال فصله في المنازعات على قواعد خاصة تطبق فقط على المنازعات الإدارية، و إنما طبق قواعد القانون الخاص.
كما نصت المادة 75 من دستور السنة الثامنة من الثورة الفرنسية لسنة 1800 على ضرورة استئذان مجلس الدولة قبل رفع قضايا التعويض على موظفي الحكومة بسبب أعمالهم و وظائفهم.
إلا أن المجلس لم يمنح الإذن إلا نادرا إذ أنه في الفترة الممتدة بين 1852 و 1864 قدم أمامه 264 طلبا لمنح رخصة لمقاضاة موظفين فلم يجب إلا على 34 طلبا منهم فقط و ظل هذا النص يعرقل رفع دعاوى التعويض على الموظفين إلى غاية إلغائه بموجب مرسوم 19/09/1870.
و بتاريخ 24/05/1872 صدر قانون تم الاعتراف بموجبه لمجلس الدولة بصلاحية الفصل في المنازعات الإدارية المرفوعة أمامه بصفة نهائية و دون حاجة إلى مصادقة السلطة الإدارية على قراراته و لم تعد الأحكام تصدر باسم الدولة بل باسم الشعب الفرنسي على غرار أحكام القضاء العادي، و قد نصت
المادة 9 التاسعة منه على أنه ” يختص مجلس الدولة بشكل بات و سيادي في طعون مواد المنازعات الإدارية و في طلبات الإلغاء لتجاوز السلطة “.
و أصبح بذلك مجلس الدولة جهة قضائية عليا و تم الفصل بين القضاء الإداري و القضاء العادي.
الفرع الثاني : النظام الجزائري
من المسلم به تاريخيا أن مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمالها مبدأ حديث النشأة وجد في أواخر القرن 19 و بداية القرن 20 مع ظهور الدولة القانونية، إلا أنه و بالخصوص في تاريخ الجزائر القانوني نجد أن ظهور المسؤولية الإدارية يعود إلى سنين بعيدة تصل إلى صدر الإسلام.
و قد مرت نشأة و تطور مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمالها في النظام الجزائري بعدة مراحل قبل الإحتلال، أثناء الإحتلال و بعد الإستقلال.
و بما أننا خصصنا هذا المطلب لعدم مسؤولية الإدارة فإننا سنتطرق لمرحلة أثناء الإحتلال التي عرفت عدم تطبيق مبدأ المسؤولية الإدارية في الجزائر مع أنها كانت مكرسة في النظام الفرنسي، و نتطرق لمرحلة ما قبل الإحتلال و بعد الإستقلال في المطلب الثاني المتضمن مسؤولية الإدارة على أساس أن النظام الجزائري قد عرف المسؤولية الإدارية في هاتين الحقبتين من الزمن.
لقد امتد تطبيق النظرية الفرنسية لمبدأ مسؤولية الإدارة عن أعمالها إلى الجزائر، إذ طبقت نفس القواعد الموضوعية و الشكلية و لاسيما المتعلقة بأسس مسؤولية الإدارة العامة عن أعمال موظفيها، و مرت بنفس التطورات التي شهدها القضاء الإداري الفرنسي، كما أقيمت جهات قضائية إدارية خاصة للنظرــر و الفصل في القضايا و الدعاوى الإدارية و من بينها المنازعات الخاصة بمسؤولية الإدارة عن
أعمال موظفيها، إذ أنشأت محاكم القضاء الإداري الثلاثة و هي محكمة الجزائر، وهران، قسنطينة بموجب المرسوم المؤرخ في 30 سبتمبر 1953 و ذلك بعد إلغاء مجالس العمالات التي كانت قائمة إلى جــانب مجلس الدولة الفرنسي ، و قد أسندت لهاته المحاكم الثلاثة مهمة النظر و الفصل في المنازعات الإدارية بما فيها المنازعات المتعلقة بمسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها، و ذلك تحت رقابة مجلس الدولة الفرنسي بباريس باعتباره جهة قضائية إدارية استثنائية و جهة نقض .
إلا أنه و رغم تقدم و تطور النظرية الفرنسية لمبدأ مسؤولية الدولة على يد القضاء الإداري، فإن تطبيقها لم يكن شاملا و لا عاما، إذ اقتصرت الإدارة على تطبيق هذا المبدأ على الفرنسيين و غيرهم من الأوربيين المستوطنين بالجزائر دون الجزائريين الذين عانوا كثيرا من بطش و تعسف الإدارة الفـــرنسية و اعتداءاتها المستمرة على حقوقهم و حرياتهم دون أن يكون لهم الحق في الاستفادة من هذا المبدأ الهام ومساءلتها أمام القضاء، لأن تطبيق مبدأ المسؤولية في الجزائر يتعارض و غرضها الاستعماري.
و لاستبعاد الجزائريين من دائرة تطبيق مبدأ مسؤولية الإدارة ، أصدرت فرنسا عدة قوانين استثنائية يقتصر تطبيقها على الجزائريين فحسب، تثبيتا لمبدأ ” فرق تسد” و تطبيقا لسياسة ” التمييز العنصري”
و هو ما أعدم لدى الجزائريين مجرد التفكير في اللجوء إلى الجهات القضائية الفرنسية لمطالبة الإدارة بالتعويض عن الأضرار التي أصابتهم من جراء أعمالها و أخطاء موظفيه.
المطلب الثاني: تقرير مسؤولية الإدارة
ظل مبدأ عدم مسؤولية الإدارة عن أعمالها و عدم جواز مطالبها بالتعويض عن الأضرار التي سببتها سائدا و لفترة طويلة إلى غاية أواخر القرن 19 و بداية القرن 20، أين بدأت الإدارة تعترف بمسؤوليتها مع التقدم و ارتفاع درجة الوعي، و انتقاد الرأي العام و الفقهاء لهذا المبدأ على أساس أن الأخذ به يعد مساسا بالعدالة و اهدارا للمبدأ الدستوري الذي ينص على المساواة بين المواطنين أمام الأعداء العامة و الذي لا يتحقق إلا بإلزام الدولة بدفع تعويضات عن الأضرار التي تسببها بأعمالها.
و يمكن تلخيص العوامل التي أدت إلى انهيار مبدأ عدم مسؤولية الإدارة ليقوم مقامه مبدأ مسؤوليتها، إذ أضحى هو الأصل بعد أن كان الإستثناء و لتتحقق المساواة بين الإدارة و الأفراد في:
1- الفهم الصحيح لمبدأ سيادة الدولة، إذ بعد أن كانت تفهم على أنها سلطة مطلقة لا تقيد بالقانون و بالتالي لا يمكن مقاضاتها أو إلزامها بدفع تعويض، فلم تعد حاليا تتنافي مع الخضوع للقانون و لا مطلقة، إذ تقيد بأحكام القانون الدولي العام على مستوى العلاقات الدولية، و تقيد بالقانون الداخلي على مستوى علاقاتها مع الأفراد، و بالتالي يمكن مساءلتها و تتحمل دفع تعويضات إذا ما ألحقت ضررا بأحد المواطنين.
و إن كان الفقيهان دوجي وجيز يريان أن فكرة السيادة خاطئة و تتنافي مع المنطق و المبادئ القانونية الحديثة، لأن الحكام و ممثليهم على مستوى الإدارات يتولون اختصاصاتهم في حدود القانون، و يسألون في حالة خروجهم عنهم.
2- انتشار الديمقراطية في معظم دول العالم، و هي النظام الأكثر تقبلا لفكرة المسؤولية و رقابة القضاء، و احتراما للقانون، إذ تقوم أساسا على مبدأ المشروعية و خضوع الجميع حكاما و محكومين للقانون.
3- إنتقال الدول من المذهب الفردي الحر إلى مذهب التدخل و تبلور دورها من مجرد حارسة تنحصر مهمتها في حماية الأفراد و السهر على أمنهم و سلامتهم داخليا و خارجيا إلى تدخلها في مختلف الأنشطة و اتساع دورها، و هو ما جعلها تقوم بأنشطة مشابهة لأنشطة الأفراد. مما نجم عند ازدياد الأضرار التي تسببها الأفراد كما و نوعا، و زادت معه الحاجة الملحة لمساءلتها و تعويض الأفراد.
و قد كانت مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية هي الأسبق في التحرر شبه الكامل من قيود مبدأ السيادة، و قد ساعد على ذلك أن الإدارة هي أداة الدولة لتنفيذ سياستها و السهر على تطبيق قوانينها و غدارة مرافقها و للاضطلاع بهذه المهام تحتك الإدارة بالأفراد بصفة دائمة و متواصلة، الأمر الذي يعرضهم للإصابة ببعض الأضرار، و هو ما أدى إلى البحث عن وسيلة لجبر هذه الأضرار، و كان من المنطقي الإنصراف عن قاعدة عدم المسؤولية الإدارية و التخلي عنها.
و قد ظهرت المسؤولية الإدارية بصفة و بدرجات متفاوتة بين الدول و ذلك بالنظر إلى نظامها القانوني، إذ طبقت الدول الأنجلوسكسونية على الإدارة نفس نظام المسؤولية المدنية المطبق على الأشخاص العاديين باعتبارها تخضع لمبدأ وحدة النظام القانوني و القضائي، في حين خصت فرنسا المسؤولية الإدارية بنظام قانوني خاص و جهات قضائية مستقلة تختلف عن نظام المسؤولية المطبق على الأشخاص العاديين
باعتبارها تخضع لمبدأ ازدواجية النظام القانوني و القضائي، و هو ما نتج عنه ازدواجية في النظام القانوني والقضائي للمسؤولية الإدارية قضاء عادي و قضاء إداري، أما الجزائر فإنها عرفت تأرجحا بين النظامين.
و لتوضيح نشأة و تطور فكرة المسؤولية الإدارية بدقة سنتطرق لها في فروع متفرقة.
الفرع الأول: النظام الفرنسي
أمام ضغط و تأثير الأفكار الفلسفية و الديمقراطية، و التحولات الاقتصادية و انتقادات الفقه والقضاء بدأت فرنسا تتراجع تدريجيا عن تطبيق مبدأ عدم مسؤولية الدولة بصفة عامة و الإدارة بصفة خاصة، و هو ما اضطر المشرع إلى التدخل و تقرير مسؤولية الإدارة بصفة صريحة و إحلال مسؤوليتها محل الموظفين، كما أنه أباح للمواطنين مقاضاة الموظفين العموميين دون حاجة إلى استئذان الإدارة و ذلك لمنع تعسفها.
إلا أن القضاء لم ينتقل مرة واحدة من مبدأ عدم المسؤولية إلى مبدأ المسؤولية الكاملة و إنما تدرج، إذ بدأ في الحد من مبدأ عدم المسؤولية على أساس التفرقة بين نوعين من أعمال الإدارة، أعمال شبيهة بأعمال الأفراد العاديين تقوم بها بوصفها تاجر أو مسير، و بصفة مجردة من مظاهر و امتيازات السلطة العامة “Actes de gestion ” ، و أعمال السلطة العامة التي تستعمل فيها مظاهر و امتيازات السلطة العامة و التي تسمي ب “Actes de puissance publique ” ، و التي تعفي فيها من المسؤولية إلا إذا وجد نص مخالف، إذ أنه بإمكان المشرع أن يقررإصلاح الأضرار الناجمة عن أعمال السلطة.
و نظرا لعدم دقة معيار التفرقة بين أعمال السلطة و أعمال الإدارة من ناحية، و عدم اتفاق مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية و التطورات و الأفكار المعاصرة من ناحية أخرى عدل مجلس الدولة عن هذا المعيار آخذا بمعايير أخرى .
و بذلك نقول أن قبول فكرة المسؤولية مر بمرحلتين، إذ أعرفت به أولا القوانين الخاصة التي تنص على التعويضات، ثم اعترف به القضاء بإلزام الإدارة بإصلاح الضرر الناتج عن أعمالها .
فبالنسبة للقوانين الخاصة فقد نصت المادة 17 من الإعلان عن حقوق الإنسان و المواطن لسنة 1789 على تكريس الحق في التعويض عن الإعتداء على الملكية العقارية.
كما تعرض قانون 28 بلوفيوز للسنة الثامنة في المادة 4، بصفة عارضة لمسألة التعويض في حالة الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية و منح الإختصاص لمجالس المحافظات للنظر في الشكاوى المقدمة ضد متعهدي الأشغال، و بالرغم من عدم إشارة النص إلى مسؤولية السلطة العامة، إلا أن القضاء الإداري توسع في تفسيره قاضيا باختصاصه بمسؤولية الإدارة عن الأضرار المترتبة عن عقود الأشغال العمومية، و التي صنفت فيما بعد ضمن المسؤولية بدون خطأ و بالتحديد على أساس المخاطر .
و لضمان تطبيق المادة 545 من القانون المدني الفرنسي المأخوذ من نص المادة 17 من الإعلان عن حقوق الإنسان سنة 1789 تمت المصادقة على قانون 8 مارس 1810 المتضمن إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية، كما منح للقاضي العادي صلاحية تقرير نقل الملكية و تحديد مقدار التعويض.
و بذلك أصبحت الأضرار الناتجة عن الأشغال العمومية و نزع الملكية من أجل المنفعة العامة الحالتين الوحيدتين اللتين ينص فيهما القانون على التعويض لمصلحة الأشخاص المعنيين.
أما عن التكريس القضائي للمسؤولية الإدارية فقد ارتبط بالتنازع حول الاختصاص بين المحاكم القضائية و المحاكم الإدارية، إذ أن الأولى كانت تخص بمنح التعويضات عن الأضرار الناجمة عن نشاط
الدولة و ذلك بتطبيق قواعد القانون المدني، و هو ما كرسه الحكم الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 30/01/1843 الذي قضى بأن مبادئ المادة 1384 من القانون المدني تطبق على الإدارات العمومية بسبب الأضرار التي يسببها أعوانها و تابعيها خلال قيامهم بوظائفهم .
إلا أن مجلس الدولة اعترض على هذا الموقف و تمسك باختصاصه مؤسسا ذلك على نظرية الدولة المدينة ” L’Etat débiteur ” … ” كل دين على الدولة يسوى إداريا” .
و لم يتم حل هذا الإختلاف إلا بعد إنشاء محكمة التنازع و ظهور معايير جديدة، و قد كرس مجلس الدولة رفضه لتطبيق قواعد المسؤولية المعروفة في القانون المدني على المسؤولية الإدارية، في الحكم الصادر بتاريخ 06/12/1855 المتعلق بقضية ” ROTCHILD ” ، حيث قرر صراحة أن العلاقات بين الدولة وموظفيها والمرافق العامة من ناحية وبين الأفراد من ناحية أخرى لا تخضع لنصوص القانون المدني لوحدها، و أن مسؤولية الإدارة عن أعمال أو أخطاء موظفيها ليست عامة و لا مطلقة و تتغير تبعا لطبيعة كل مرفق عام .
ثم أيدت محكمة التنازع إتجاه مجلس الدولة الفرنسي من خلال قرار بلانكو الشهير Blanco الصادر في 08/02/1873 و الذي يعد أهم تكريس قضائي للمسؤولية الإدارية للمرفق العام، و تتمثل
وقائعه في انه تعرضت الطفلة إجينز بلانكو لحادث مرور تسببت فيه عربة مقطورة تابعة لوكالة التبغ، فرفع والدها دعوى امام القضاء العادي ضد الدولة للحصول على تعويض جبرا للضرر الذي أصاب ابنته، إلا أن وكالة التبغ دفعت بعدم إختصاص المحاكم العادية، و أن مجلس الدولة هو الجهة المختصة، وهو ما ادى إلى عرض النزاع على محكمة تنازع الاختصاص التي أصدرت قرار في الموضوع بناء على تقرير مفوض الحكومة السيد دافيد و قد تضمن عدة مبادئ هي:
1 ـ أن الدولة مسؤولة عن الأضرار التي تصيب الأفراد و التي يسببها الأشخاص الذين تستخدمهم، و أن هذه المسؤولية لا تخضع لمبادئ القانون المدني التي تحكم العلاقة بين الأفراد على أساس أن نصوصه المراد تطبيقها في مجال مسؤولية الإدارة لا ترمي إلى تنظيم مسؤولية الإدارة حيث تنص على مسؤولية الأفراد العاديين، و هو ما لا ينطبق على الدولة أو الإدارات العامة و موظفيها، كما أن هذه النصوص وضعت في وقت سيطرت فيه قاعدة عدم مسؤولية الإدارة عن أعمالها هذا من ناحية، و من ناحية أحرى فإن القواعد المدنية تقييم المسؤولية على أساس علاقة المتبوع بالتابع، في حين أن علاقة الإدارة بموظفيها هي علاقة تنظيمية و ليست تعاقدية، كما أنه لا يمكن تطبيق قواعد مسؤولية المتبوع عن التابع في
حالة عدم إسناد الفعل الضار لموظف معين و هو ما يقتضي استبعادها لأنها لم تعد تواكب نشاط الإدارة و لا تليق بطبيعة عملها و بالنتيجة وضع قواعد بديلة أكثر ملائمة لطبيعة النشاط الإداري سميت بقواعد القانون الإداري
و يكون بذلك قرار بلانكو قد استبعد صراحة تطبيق أحكام القانون المدني، و كرس الخصائص المتعلقة بالقواعد التي تطبق على المرفق العام.
2 ـ أن هذه المسؤولية ليست مطلقة و لا عامة، و لها قواعد خاصة غير مستقرة و ثابتة و إجراءات تحكمها تختلف باختلاف حاجة المرفق و ضرورة التوفيق بين حقوق الدولة و حقوق الأفراد .
3 ـ تختص المحاكم الإدارية بالنظر و الفصل في قضايا المسؤولية الإدارية و التعويض عن الأضرار الناتجة عن سير المرافق العامة .
و يكون بذلك قرار بلانكو قد استبعد بصفة صريحة و نهائية اختصاص القضاء العادي انطلاقا من نظرية الدولة المدنية ” L’état débiteur ” و فكرة امتيازات السلطة العامة و هي نفس الأسس التي استند عليها مفوض الحكومة دافيد في تقريره . إذ أقر بمسؤولية مصنع التبغ الذي يعتبر مرفق عام كغيره من المرافق التي تشكل النظام المالي للدولة و باعتبار أن هذه المرافق هي فروع للإدارة و الدولة تستعمل في تسيير المرافق السلطة العامة، فإن منازعاتها تخضع للقضاء الإداري.
و بالتالي أصبحت الدولة مسؤولة حتى وإن كان الموظف الذي تسبب في إحداث الأضرار ليست له صفة موظف دائم و إنما عامل مؤقت أو شخص وظف من طرفها للقيام بعمل معين و بموجب عقد محدد المدة .
و بذلك أصبح مجلس الدولة الفرنسي يقر بمسؤولية الإدارة عن الأخطاء المرتكبة من طرف موظفيها و يقضي بتعويض الأفراد المتضررين، مع أن مرتكب الحادث هو شخص عادي لا يتمتع بامتيازات السلطة العامة، بعد أن كان فيما مضى يفصل فقط في دعاوى إلغاء القرارات و الأعمال الصادرة عن السلطة العامة و التي تستعمل فيها امتيازات السلطة العامة.
و بموجب هذا القرار تغير مفهوم النشاط الإداري من كل نشاط تستعمل فيه الإدارة امتيازات السلطة العامة إلى كل عمل تقوم به الإدارة لتسير المرفق العام، و هو ما ينجر عنه مسؤوليتها عن الأضرار اللاحقة بالغير أثناء سير هذا المرفق، و بذلك و بعد قرار بلانكو أصبح ينظر إلى هدف النشاط، أي هل تهدف الإدارة من وراء النشاط الممارس إلى تسيير مرفق عام و تحقيق الصالح العام ؟
و يعد بذلك قرار بلانكو نقطة تحول كبيرة في تاريخ القضاء الفرنسي و قفزة نوعية من عدم مسؤولية الإدارة إلى المسؤولية الإدارية و نقطة تحول نحو الإستقلالية، ليس فقط بالنسبة للمسؤولية الإدارية و إنما أيضا بالنسبة للقانون الإداري ككل، إذ أنه أحدث هزة كبيرة في إثبات ذاتية القانون الإداري باعتباره أ مجموعة قواعد تحكم الإدارة و تتضمن أحكاما استثنائية خاصة لا مثيل لها في القانون الخاص.
و قد صدرت عدة قرارات أخرى بعد قرار بلانكو تؤكد مسؤولية المرافق العمومية منها قرار تيريي Terrier الصادر في 06/02/1903 المتعلق بمسؤولية المرافق العامة القومية، و قضية فيتري Feutry الصادر في 28/02/1908 الذي أقر مسؤولية المرافق العامة المحلية .
الفرع الثاني: النظام الجزائري
كما أشرنا سابقا فإن الجزائر قد عرفت و كرست مبدأ مسؤولية الإدارة في مرحلتين مرحلة ما قبل الإحتلال و التي نتطرق فيها للنظام القضائي الإسلامي و تطبيقاته، و مرحلة ما بعد الإستقلال.
I ـ مبدأ المسؤولية الإدارية قبل عهد الاستقلال:
لا يمكن دراسة التاريخ القانوني للجزائر قبل الإحتلال دون التطرق للنظام القانوني الإسلامي الذي كان مطبقا في الجزائر قبل الإحتلال الفرنسي باعتبارها دولة إسلامية تطبق مبادئ و قواعد الشريعة الإسلامية.
و يعد المذهب الإسلامي أول مذهب أقر المسؤولية بصفة عامة و الإدارية بصفة خاصة عن الأضرار الناتجة عن السلطة التنفيذية الممثلة في الخلفاء و اعوانهم أو السلطة القضائية الممثلة في القضاة و معاوينهم ، و ذلك تطبيقا لمبادئ الشريعة الإسلامية التي تحث على رفع الأضرار عن الرعية و مساءلة مسببيها مهما كانت الجهة التي صدر عنها الضرر، و من هذه المبادئ و القواعد قوله صلى الله عليه و سلم: ” لا ضرر ولا ضرار في الإسلام” قوله تعالى: ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما فلاتظالموا
و قوله: ” اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ” فقد عمل النبي عليه الصلاة و السلام على إخضاع الخلفاء و الولاة و الجنود و الموظفين للقانون و الحرص على عدم إعتدائهم على حقوق الرعية، و لقد ااحتذىالخلفاء الراشيدين من بعده بحذواه إذ عملوا على ترسيخ و توسيع مبدأ مسؤولية الدولة الإسلامية
إلا أنه و مع التطور التاريخ الذي عرفته الأمة الإسلامية و غلبة الطابع الدنيوي أصبح من الضروري إيجاد نظام قانوني و قضائي يتولى تطبيق مبدأ المسؤولية و تعويض المتضررين عن الأضرار الناجمة عن أعمال الدولة أو موظفيها، فظهر ديوان المظالم كجهة قضائية إدارية بالمفهوم الحديث تتولى مقاضاة الولاة رجال الدولة الذين لا يمكن للقضاء العادي مقاضاتهم، و قد باشر الخلفاء الراشدون النظر في المظالم بعد الرسول صلى الله عليه و سلم بأنفسهم كما فعل عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز و أو بواسطة معاونيهم.
و قد كرسوا هذا المبدأ بإعمال قاعدة مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه في نطاق المسؤولية المدنية و التي يتطلب قيامها ثلاثة شروط، علاقة التبعية بين التابع و المتبوع، خطأ التابع و العلاقة السببية بين خطأ المتبوع و ما إستخدم التابع من أجله.
و إذا ما أردنا الإشارة إلى بعض الأمثلة عن تطبيق مبدأ المسؤولية في الشريعة الإسلامية فإننا نجدها كثيرة نذكر منها :
1 ـ قتل خالد بن الوليد شخص في قبيلة جذيمة بعد أن أعلن أهلها الإسلام فوصل ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فدفع دية لهذه القبيلة و رفع وجهه إلى السماء قائلا: ” اللهم أني أرا إليك مما فعل خالد “.
2 ـ روى أبو يوسف أن رجلا أتى عمر بن عبد العزيز و قال له: ” يا امير المؤمنين زرعت زرعا فمر به جيش من اهل الشام فأفسده فعوض الخلفية عشرة ألاف درهم ”
و إذا ما بحثنا عن تطبيق مبدأ المسؤولية في الدولة الجزائرية فإننا نجد أن حكامها الأولين قد حذو حذوحكام الدولة الإسلامية، إذ كان أمراء بنى الأغلب و الفاطمين و سلاطين الموحدين و المرابطين و بنى مرين و بنى زيان يجلسون لنظرا لمظالم و يعتبرونها من صلب وظيفة الإمارة.و قد أبقي على ولاية المظالم في عهد الأتراك مع بعض الاختلاف.
و في عهد الأمير عبد القادر طبق مبدأ مسؤولية الدولة بصفة واسعة و موضوعية، إذ حذى حذو الخلفاء الراشدين و تولى النظر بنفسه في ولاية المظالم و حرص على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، إذ كان يفصل في التظلمات المرفوعة إليه ضد موظفي الدولة و يتولى معاقبتهم مهما سمت درجة وظائفهم و مراكزهم، و يصدر في ذلك أحكام نهائية غير قابلة للطعن فيها .
II ـ مبدأ المسؤولية الإدارية بعد الاستقلال:
إختارت الدولة الجزائرية بعد الإستقلال الإستمرار في تطبيق التشريع الفرنسي خوفا من الوقوع في فراغ قانوني و طبقت ذلك وفقا للقانون 62-153 المؤرخ في 31/12/62 ، الذي قضى باستمرارية تطبيق التشريع الفرنسي إلا ما يتنافى مع السيادة الوطنية كأن يتعلق الأمر بالسياسة الداخلية و الخارجية للدولة الجزائرية أو التفرقة العنصرية، و قد ورد في ديباجة هذا القانون تبرير حول إختيار المشرع لهذا التمديد بقوله: ” إذا كانت الظروف لا تسمح بإعطاء البلاد تشريع يتماشى مع احتياجاتها و طموحاتها فإنه من غير المعقول تركها تسير بدون قانون، و لذلك كان من الضروري تمديد مفعول القانون القديم و إستبعاد الأحكام التي تتنافي و السيادة الوطنية إلى أن يتم التمكن من وضع تشريع جديد ” .
و بموجب الأمر رقم 63-218 المؤرخ في 18/06/1963 تم إنشاء المجلس الأعلى كجهة نقض بالنسبة للقضاء العادي و الإداري.و لم تدم المرحلة الإنتقالية التي شهدها النظام القضائي طويلا، إذ صدر الأمر رقم 65-278 المؤرخ في 16/11/1965 و تضمن عدة إصلاحات و تنظيم قضائي جديد، إذ وضع حدا للإزدواجية في مجال المنازعات بإلغاء المحاكم الإدارية الثلاثة (الجزائر، وهران، قسنطينة) و نقل اختصاصاتها للغرف الإدارية بالمجالس القضائية التي أصبحت بموجب المادةالأولى منه 15 خمس عشرة مجلسا، و أسند للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى مهمة النظر ابتدائيا و نهائيا في الطعون بالبطلان في القرارات الإدارية و تفسيرها و فحص مدى مشروعيتها، كما تولى مجلس الثورة مهمة التشريع خلفا للمجلس الوطني، و قد جعلت هاته الإصلاحات و غيرها من النظام القضائي الجزائري نظاما متميزا عن النظام الفرنسي، و أثبتت الدولة الجزائرية من خلالها أنها حققت نجاحا على مستوى المنظمة القانونية و القضائية بالقضاء على نظام الإزدواجية باعتبار أحد مخلفات الإستعمار.
و في المقابل كان تطبيق مبدأ مسؤولية الدولة بعد الإاستقلال أمر حتمي و ضروري بعد المعاناة الطويلة التي عانى منها الجزائريين من استبداد و تعسف الإدارة الإستعمارية التي طبقت مبدأ عدم المسؤولية بكل أبعاده و آثاره رغم تقدم النظرية الفرنسية و تكريس مبدأ المسؤولية في فرنسا و حتى في الجزائر لكن بالنسبة للفرنسيين و الأجانب فقط.
و قد سار القضاء الجزائري و حتى المشرع على نفس درب التشريع و القضاء الفرنسي، إذ طبق النظرية الفرنسية المتكاملة قضائيا و تشريعا و فقهيا المتعلقة بمبدأ المسؤولية الإدارية، و كرسها في العديد من القرارات القضائية الصادرة عن المجلس الأعلى أو مجلس الدولة بعد إنشائه بموجب القانون العضوى
98-01 المؤرخ في 30/05/98 ، و كذا من خلال العديد من النصوص التشريعية و التي نذكر البعض منها فقط على سبيل المثال لأنه سيتم التطرق لها بنوع من التفصيل في الفصل الثاني من المبحث.
إذ أقر مجلس الدولة (المحكمة العليا حاليا) مسؤولية الإدارة في القرار الصادر في 17/04/82 في قضية وزير الصحة العمومية و مدير القطاع الصحي لمدينة القل ضد “ع. ط” و من معه، و قدجاء في إحدى حيثياته: ” حيث أن مسؤولية الإدارة هي مسؤولية خاصة تخضع لقواعد ذاتية لها، و أن أحكام القانون المدني هي أجنبية غير مطبقة عليها، و كذا قضية حميدوش ضد الدولة إذ أقر أن الإدارة مسؤولة على أساس خطأ مرفقي و بالتالي فهي ملزمة بالتعويض، و ذلك من خلال القرار الصادر في 08/04/66 ، و أقر أيضا مسؤولية وزارة العدل في قضية بلقاسمي 17/04/1972 على أساس عدم سير مرفق القضاء .
كما صدرت عدة نصوص تشريعية هامة تم بموجبها التوسع في أسس المسؤولية القانونية من الخطأ الشخصي للموظف إلى الخطأ المرفقي ثم ظهرت نظرية المخاطر الإدارية، و من بين هذه النصوص المادة 17/2 من القانون الأساسي للوظيفة العامة.
و المادة 139-145 من قانون 90-08 المتعلق بالبلدية التي كرست مسؤولية البلدية عن الأخطاء التي يرتكبها رئيس المجلس الشعبي البلدى و المنتخبون البلديون و موظفي البلدية و كذا مسؤولية البلدية عن الخسائر و الأضرار الناجمة عن الجنايات و الجنح المرتكبة بالقوة العلنية أو بالعنف أو خلال التجمهر والتجمعات و هو ما تقره أيضا المادة 118 من قانون 90-09 المتعلق بقانون الولاية التي تكرس مسؤولية الولاية.
و تجدر الإشارة إلى انه قد تقررت أيضا مسؤولية الإدارة بموجب نص دستوري المادة 145 من دستور 1996
و بتفحصنا لقرارات الغرفة الإدارية لمجلس قضاء بجاية وجدنا أن هناك تكريس واضح و كبير لمبدأ مسؤولية الإدارة، و مثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 17/02/98 بين ع. ل القطاع الصحي لخراطة ، و القرار الصادر بتاريخ 10/06/2003 بين ورثة (ب . ع ) و رئيس بلدية اوزلاقن ، القرار الصادر بتاريخ 24/02/2004 بين خ. س و إدارة الجمارك .
المبحث الثاني: خصائص المسؤولية الإدارية
كما بيناه في المبحث السابق فإن قرار بلانكو الصادر عن محكمة التنازع الفرنسية يعتبر نقطة التحول من مرحلة عدم مسؤولية الإدارة إلى مرحلة تقرير مسؤوليتها صراحة و قد اعتبر لمدة طويلة كقرار مبدئي و الحجر الأساس للقانون الإداري برمته كونه وضع القواعد الأساسية و بين خصائص المسؤولية الإدارية، لكن اليوم كثير من الكتاب يجدون أنه قديم و ليس بالأهمية التي أعطيت له، لهذا ارتأينا التطرق إليه بتفاصيل أكثر في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: خصائص النظام القانوني للمسؤولية الإدارية على ضوء قرار بلانكو
لاستخراج هذه الخصائص يستوجب علينا الإشارة لمختلف المراحل التي مرت بها القضية، تتمثل وقائعها أن المدعوة ” Agnès Blanco” طفلة في الخامسة من عمرها تعرضت لحادث تسببت فيه عربة مقطورة تابعة لوكالة التبغ التي كانت تنقل إنتاج هذه الأخيرة من المصنع إلى المستودع، مما سبب لها أضرارا جسيمة.
بادر والد الضحية بالإجراءات فرفع دعوى أمام القاضي العادي ضد ممثل الدولة مؤسسا دعواه على أحكام القانون المدني، لا سيما المواد 1382 و 1383 منه و ما يليها، طالبا مبلغ 40 ألف فرنك فرنسي يدفع بالتضامن بين العامل، (سائق المركبة ) و الدولة كتعويض عن الضرر الذي أصاب ابنته.
دفع مدير مقاطعة بوردو بعدم اختصاص المحاكم العادية للنظر في القضية و الفصل فيها و أكد أن وكيل الدولة هو صاحب الاختصاص، و هو ما أدى إلى عرض النزاع على محكمة التنازع الفرنسية التي أصدرت قرارها في الموضوع بترجيح صوت وزير العدل باعتباره رئيسا للمحكمة بعد انقسام أعضاءها إلى
فريقين متساويين، و قضت في 08 فيفري 1873 باختصاص القضاء الإداري بالنظر في النزاع بناء على تقرير مفوض الحكومة السيد ” دافيد ” حيث جاء في حيثية القرار الشهيرة: ” إن مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب تصرفات الأشخاص الذين تستخدمهم في المرفق العام لا يمكن أن تحكمها المبادئ التي يقررها القانون المدني، للعلاقات ما بين الأفراد و هذه المسؤولية ليست بالعامة و لا بالمطلقة بل لها قواعدها الخاصة التي تتغير حسب حاجات المرفق و ضرورة التوفيق بين حـقوق الـدولة و الحـقوق
الخـاصة “.
فمن خلال هذه الحيثية يمكننا استخراج خصائص المسؤولية الإدارية و المتمثلة في:
الفرع الأول: النظام القانوني للمسؤولية الإدارية نظام قضائي أصلا
و تظهر هذه الخاصية من جهتين:
أن المصدر الأصيل و الأساسي للنظام القانوني للمسؤولية الإدارية هو القضاء الإداري الفرنسي على رأسه محكمة التنازع الفرنسية و مجلس الدولة، فمثلا من خلال فكرة التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي أوجد القضاء الإداري قواعد المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ، و كذا العلاقة بين الخطأ المرفقي و الشخصي و النتائج المترتبة عن ذلك في إطار نظرية الجمع بين الأخطاء ثم المسؤوليات، كذلك أحكام و قواعد و تقنيات العلاقة بين الخطأ التأديبي والخطأ الجنائي بالخطأ المرفقي و نتائجهما.
إضافة إلى أحكام نظرية المخاطر كأساس لقيام المسؤولية الإدارية بدون خطأ و ذلك بتبيان أحكامها، أسسها، شروطها و نطاق تطبيقها.

و يظهر كل هذا من خلال قـــرار ” Anguet” ، ” Lemonier” ، ” Mimeur” ، ” Laruelle” ، ” Solze” ، ” Effimief” ، ” Duplany” ، ” Lafleurette” ….وغيرها والتي جسدت التطور المستمر للمسؤولية الإدارية و قبل كل هذا مبدأ مرونة النظام القانوني للمسؤولية الإدارية و قابليته للتغير طبقا لدواعي المصلحة العامة و المرفق العام المجسدين من خلال قرار بلانكو.
و أكثر أهمية مما سبق فإن المصدر الأصيل لنظام المسؤولية الإدارية و المتمثل في القضاء يرجع إلى قضاء محكمة التنازع باختصاص القضاء الإداري في نظر هذا النوع من المنازعات باعتبارها الجهة الوحيدة المختصة و بالتالي هناك ارتباط بين الاختصاص و المصدر في نظام المسؤولية الإدارية.
الفرع الثاني: النظام القانوني للمسؤولية الإدارية نظام أصيل و مستقل
باعتبار أن المسؤولية الإدارية مرتبطة بالنشاط الإداري و المرافق العامة المتضمنة لمظاهر السلطة العامة، و المستهدفة لتحقيق المصلحة العامة في نطاق الوظيفة الإدارية للدولة، فإنه لا بد من استبعاد قواعد القانون المدني لاسيما المسؤولية المدنية، كونها لا تتناسب و نشاط الإدارة، و هو ما جسده قرار بلانكو بإرسائه مبدأ أن قواعد المسؤولية الإدارية ليست قواعد عامة و لا مطلقة وإانما هي قواعد خاصة تتجاوب وضرورات و دواعي المصلحة العامة ، احتياجات ، متطلبات المرافق العامة و نظامها القانوني.
بمفهوم المخالفة أن الطابع الخاص للقواعد المطبقة على المرافق العامة يحمل في طياته معنيين كونه مستقل باستبعاده القانون المدني و كونه أصيل بإيجاد نظام خاص به من حيث المنطق و النتائج المتوصل إليها، واستقلالية و أصالة هذا النظام تجد مبرراتها في حاجات المرفق العام المتغيرة بتغير النشاط الإداري.
الفرع الثالث: النظام القانوني للمسؤولية الإدارية قائم على مبدأ التوفيق بين المصلحة العامة و المصلحة الخاصة
هذا يعني أن قواعد المسؤولية الإدارية تتضمن في محتواها أحكاما من أجل إيجاد التوازن بين المصلحة العامة و مقتضيات تسيير المرافق العامة، و حتمية الحفاظ على حقوق و حريات الأفراد في مواجهة الأعمال الإدارية الضارة،و يظهر هذا المبدأ جليا من خلال كفتين :
فمقابل عدم قيام مسؤولية الإدارة تقوم مسؤولية الموظف العام الشخصية في مواجهة المتضررين من جراء أخطاءه، و يدفع التعويض من ذمته المالية في نطاق قواعد و أحكام المسؤولية المدنية و أمام جهات القضاء العادي.
و أيضا عدم قيام مسؤولية الإدارة إلا على أساس الخطأ الجسيم كحالة المسؤولية الإدارية عن مرفق الضرائب، و كذا قيام المسؤولية عن الأخطاء الطبية و القضائية، عن مرفق مستشفيات الأمراض العقلية…الخ.
تقوم مسؤولية الإدارة بدوره خطأ و على أساس نظرية المخاطر لصالح حماية حقوق و حريات الأفراد.
إضافة لهذا و في إطار الآثار المترتبة عن قاعدة الجمع بين المسؤوليات، للضحية حق الاختيار في مرافعة الإدارة أمام القضاء الإداري عن الأضرار الناتجة عن الخطأ المرفقي أو مرافعة الموظف عن الخطأ الشخصي المولد للضرر، أمام جهات القضاء العادي وفقا لما يراه أصلح و أضمن لحماية حقوقه لكنه،
بالمقابل لا يمكنه طلب التعويض من الإدارة و الموظف معا كما قال الأستاذ DELAUBADER :” يقابل مبدأ جمع المسؤوليات مبدأ عدم جمع التعويضات إلا إذا كانت هذه التعويضات مبنية على أسس مختلفة “.
و ما تجدر الإشارة إليه أن هذه الخصائص ليست مطلقة و هو ما سنتطرق إليه في المطلب الموالي من خلال التعليق على قرار بلانكو و الخصائص التي كرسها.
المطلب الثاني: حدود الخصائص التي أقرها قرار بلا نكو
بين الإجتهاد القضائي و التشريع أن الخصائص التي كرسها قرار بلا نكو ليست مطلقة و يظهر ذلك فيما يلي :
الفرع الأول: فيما يخص كون النظام القانوني للمسؤولية الإدارية قضائي، أصلا
فيما يخص الوجه الأول: باعتباره ذو مصدر قضائي يمكن القول أن هذه الخاصية نسبية إذ أن نظم المسؤولية الإدارية تنقسم إلى قضائية و تشريعية، هذه الأخيرة تجد مصدرها في التشريع أصلا، حيث يتدخل المشرع بوضع قواعد المسؤولية الإدارية في مجالات متنوعة مثل نظام مسؤولية مرفق القضاء، نظام مسؤولية المعلمين و نظام مسؤولية البلدية .
وفيما يخص الوجه الثاني: باعتبار القضاء الإداري الجهة الوحيدة المختصة في نظر المنازعات الناشئة عن المسؤولية الإدارية فإن الأستاذ ” Renu Chapus ” يرى أن قرار بلا نكو لم يعرف المرافق العامة كما لم تعرفها القوانين السابقة كقانون 1790، و يضيف أن صياغة القرار تصبح أكثر وضوحا بتعريف العمل الإداري باعتباره كل عمل تقوم به الإدارة و يكون هدفه تحقيق الصالح العام أو تسيير مرفق عام هذا حتى تظهر الغاية من منح القضاء الإداري الإختصاص في النظر في المسائل المتعلقة بمسؤولية الإدارة عن الأضرار المرتكبة من طرف موظفيها.
كما يرى أن المعيار الأساسي الذي تم على أساسه منح الإختصاص للقضاء الإداري ليس المعيار المادي باعتباره المعيار الظاهر و المتمثل في نشاط المرفق العام، و إنما هو معيار السلطة العامة باعتبار أن الدولة في تسييرها للمرافق العامة تستعمل دائما امتيازات السلطة العامة و هي الفكرة الأساسية التي جاء
بها قرار بلا نكو و إن لم تكن واضحة، و يضيف أنه أخذ هذا المعيار من حيثيات تقرير مفوض الحكومة الذي استعمل كثيرا مصطلح السلطة العامة و إن كان يقول تارة الدعوى المرفوعة ضد الدولة بمناسبة نشاط مرفق عام و يقول في فكرة أخرى الدعوى التي ترفع ضد الدولة باعتبارها السلطة العامة، و في الحقيقة هما عبارتين مترا دفتين لهما نفس المعنى، و استعمالها بالتناوب كان لتفادي التكرار. كما أنه لم يركز على نشاط الدولة، و إنما على السلطة العامة التي تستعملها الدولة في تسيير المرافق العامة.
و بالنسبة للإجتهاد القضائي فإن معيار المرفق العام ليس معيارا مطلقا لتبرير اختصاص القاضي الإداري، بل يوجد معايير أخرى أهمها معيار السلطة العامة المثار من قبل مفوض الحكومة في تقريره حول قرار بلا نكو، كمعيار كاف لتقرير هذا الإختصاص في مجال المسؤولية و بالعكس من ذلك معيار المرفق العام وحده لا يكفي دائما لتقرير اختصاص القاضي الإداري، فيمكن أن يثار في منازعة دون أن تكون هذه الأخيرة من اختصاص القاضي الإداري كما في حالة تسيير خاص لمرفق عام.
و المشرع الفرنسي نفسه خرج عن قواعد الإختصاص المكرسة من قبل محكمة التنازع في قرار بلا نكو خاصة من خلال القانون المِِِِِِؤرخ في 31/12/1957 أين أصبح من اختصاص المحاكم العادية كل نزاع يتعلق بالتعويض بكل أنواعه عن الأضرار الناتجة عن السيارات مهما كانت.
و هو المنهج الذي سار عليه المشرع الجزائري من خلال المادة 07 مكرر من قانون الإجراءات المدنية بنصه:
” خلافا لأحكام المادة 07 ، تكون من اختصاص المحاكم:
المنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية المدنية و الرامية لطلب تعويض الأضرار الناجمة عن سيارة تابعة للدولة أو لإحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية “.
الفرع الثاني: فيما يخص كون النظام القانوني للمسؤولية الإدارية أصيل و مستقل
إن استقلالية المسؤولية الإدارية و أصالتها عن القانون المدني ليست مطلقة كما أظهرها قرا ر بلا نكو:
ففي كثير من الحالات يقرر القاضي الإداري تطبيق القانون المدني أو المبادئ المقررة فيه بما يتماشى و الوقائع المطروحة عليه خاصة فيما يخص تقدير التعويض و طرقه و غيرها.
إضافة و باعتبار كل من المسؤولية الإدارية و المسؤولية المدنية من أنواع المسؤولية القانونية، فإن نظام كل منهما يشترك مع الآخر في بعض أحكام المسؤولية القانونية كالشروط و الأركان.
كما أنهما نظامان متكاملان و متصلان خاصة و أن نظام المسؤولية الإدارية حديث النشأة، مما يجعله يستمد أحكام و تقنيات تقدير كل من الضرر المادي و المعنوي و كيفية تقدير التعويض في المسؤولية الإدارية لتحقيق و تطبيق مبدأ التعويض الكامل في دعوى المسؤولية و التعويض الإداري.
و ما تجدر الإشارة إليه أن النظام القانوني للمسؤولية المدنية يطبق بصفة جزئية، و استثنائية في النظام القضائي القائم على أساس مبدأ ازداوجية القضاء عكس النظام القضائي الأنجلوسكسوني باعتباره نظاما موحدا.
و في الأخير يمكن القول أن قرار بلا نكو حتى و إن أكل عليه الدهر و شرب حسب البعض، إلا أنه يبقى الأساس الذي يعتمد عليه في كل زمان بدليل أن النتائج المترتبة عنه لا تزال مطبقة ليومنا هذا وصدق من قال أنه: ” ثورة حقيقية في الاجتهاد القضائي “.
بعد تطرقنا إلى المسؤولية الإدارية كمبدأ ، من حيث نشأته و تطوره و أهم خصائصه ، فإن السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا هو : على أي أساس تقوم هذه المسؤولية ؟ فهل هو نفسه الذي تقوم عليه المسؤولية المدنية في القانون العام (le droit commun) ، أم أن الأسس تختلف؟
لقد رأينا عند تطرقنا إلى تطور مبدأ المسؤولية الإدارية ، أن هذه الأخيرة كانت في بداية الأمر تقوم أساسا على فكرة ” الخطأ” ، باعتباره الأساس التقليدي للمسؤولية عامة . فهل يعني ذلك أن هذه الفكــرة – أي الخطأ- قد تمت استعارتها بنفس الصفة التي هي عليها في القواعد العامة؟ أم أنه أدخلت عليها بعض المميزات و الخصائص؟
كما رأينا كذلك أن الاجتهاد القضائي فيما بعد قد خطا خطوة كبيرة في هذا المجال حين وسع من نطاق المسؤولية الإدارية مؤسسا نظاما جديدا للمسؤولية ” بدون خطأ” ، و سوف نتطرق إلى هاذين النظامين بالتفصيل فيما يلي:
لمبحث الأول : نظام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ
تقوم المسؤولية عامة على ثلاثة أركان أساسية و هي – كما هو معلوم-: الخطأ و الضرر و العلاقة السببية. و ما يهمنا في مجال القانون الإداري هو ” الخطأ”، فالقانون الإداري لم يستعر هذه الفكرة بالحال الذي هو عليه في القانون المدني ، ففي مجال المسؤولية الإدارية نجد ميزة خاصة – أضفاها مجلس الدولة الفرنسي- تتمثل في التفرقة بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي.
فكيف ظهرت هذه التفرقة ؟ و ما هي أهم جوانب كلا الخطأين، و العلاقة بينهما؟
المطلب الأول : ظهور التفرقة بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي
الفـرع الأول : مرحلة عدم الاعتراف بمسؤولية الموظف العام
نصت المادة 15 من إعلان حقوق الإنسان و المواطن الصادر بتاريخ 26غشت 1789 – على إثر الثورة الفرنسية-، على انه: ” يحق للمجتمع مساءلة أي موظف في إدارات الدولة ” ، هذه المادة كان من شانها أن تعترف بالمسؤولية الشخصية للموظف، و لكن آنذاك أعطي لها تفسيرا ضيقا ، و تم فهمها على أنها مسؤولية سياسية للمسؤولين و أن مسؤولية الموظف هي مسؤولية تأديبية فقط .
بالإضافة إلى المنع الذي كان يصادفه القاضي العادي لمراقبة أعمال الموظفين العموميين و الذي يفرضه مبدأ الفصل بين السلطات و التفسير الضيق له الذي أتى به قانون 16-24 غشت 1790 ، في وقت لم تحدث فيه جهات قضائية إدارية ( إلى حين سنة 1872 ) .
و بالتالي فالقول بظهور فكرة المسؤولية الشخصية للموظف يتزامن مع ظهور دستور العام الثامن ، بحيث تنص المادة 75 منه – و التي جاءت في باب ضمانات الموظف – على إمكانية متابعة الموظف أمام المحاكم العادية و لكنها أوقفتها على شرط الحصول على ترخيص من مجلس الدولة .
و لكن رغم هذا، فإن مجلس الدولة – حديث النشأة آنذاك – كان يرفض تسليم هذه التراخيص خوفا من خرق مبدأ الفصل بين السلطات و هذا بتدخل القضاء في عمل الإدارة.
الفرع الثاني: مرحلة الإعتراف بمسؤولية الموظف العام
بتاريخ 19 سبتمبر 1870 صدر مرسوم تشريعي عن الحكومة المؤقتة يلغي المادة 75 من دستور العام الثامن، و على إثر صدور هذا القانون كان مجلس الدولة و محكمة النقض الفرنسية – في بادىء الأمر – يجيزان المتابعات القضائية ضد الموظفين العموميين أمام القضاء العادي و هذا بكل حرية.
و لكن بصدور قرار ” Pelletier” ، و الذي يعد قرارا مبدئيا في هذا الشأن، تم وضع مفهوم جديد لمسؤولية الموظف.
فالسيد Pelletier رفع دعوة أمام محكمة Senlis ضد كل من النقيب de L’Admirault ، الذي أمر بإعلان حالة الحصار في منطقة L’ oise إضافة إلى السيد M.Chopin محافظ المنطقة و السيــد M. Leudot محافظ الشرطة قصد إلغاء الحجز الذي وقع على صحيفته و استرجاع النماذج المحجوز عليها مع الحكم على المدعى عليهم بالتعويض تضامنا بينهم عن الأضرار اللاحقة به.
بالمناسبة تطرقت محكمة التنازع إلى أثار إلغاء المادة 75 من دستور العام الثامن من قبل المرسوم الصادر بتاريخ 19 سبتمبر 1870، فعلى خلاف التفسير الذي أعطته محكمة Senlis التي اعتبرت أن هذا المرسوم قد ألغى جميع الضمانات التي كانت ممنوحة للموظف، و التي كانت تحميه من جميع الدعاوى التي قد ترفع ضده أمام المحاكم العادية ليصبح وضعه شبيها بوضع الموظف في النظام الأنجلوساكسوني، فإن محكمة التنازع قد أعطت تفسيرا مغايرا و جد ضيق، إذ أن محافظ الحكومة دافيد ” David ” اعتبر أن نص المرسوم يجب أن لا
يتعارض أو يتناقض مع النصوص السابقة المكرسة لمبدأ الفصل بين السلطات، لا سيما قانون 16-24 غشت 1790، المادة 13 منه من الباب الثاني و كذا مرسوم 16 فروكتدور من العام الثالث .
فالمادة 75 من الدستور السالف الذكر لم تتحدث عن منع المحاكم العادية من مراقبة عمل الإدارة و إنما خصت فقط منع هذه المحاكم من مساءلة الموظفين الإداريين أمامها بسبب وظيفتهم. فمنع المحاكم العادية من مراقبة عمل الإدارة هي قاعدة اختصاص مطلقة و هي من النظام العام ، تهدف إلى حماية الأعمال الإدارية .
أما المنع من مساءلة الموظف بدون إذن مسبق فهي تهدف إلى حماية الموظف من الدعاوى التي لا أساس لها و هي ليست قاعدة اختصاص نوعي و إنما تعتبر قيدا على رفع الدعوى التي تباشر ضد الموظف العام متى كان في ذلك علاقة بوظيفته .
فالمرسوم الصادر عن الحكومة المؤقتة و الذي يلغي هذه المادة، قصد من ورائه إلغاء القيد الذي جاءت به. بالتالي، أصبحت للمحاكم العادية الحرية في قبول الدعاوى ( و هذا في حدود اختصاصها)، و لكنه من جهة أخرى لم يتم إلغاء الأحكام الأخرى التي تمنع المحاكم العادية من مراقبة أعمال الإدارة.
و منه اعتبر أن الحجز الذي قام به النقيب العسكري يعتبر إجراءا تحفظيا منوط بالضبط الإداري السامي باعتباره ممثلا عن السلطة العامة و هذا في حدود الاختصاصات التي يمنحها له القانون، فإن المسؤولية هنا ترجع على الدولة التي منحته هذه الصلاحيات.
و عليه وصل إلى النتيجة التالية:
” مادام أن طلب المدعي ينصب أساسا حول هذا التدبير التحفظي الذي يدخل ضمن الصلاحيات العسكرية للنقيب، هذا الأخير الذي لا يحمله المدعي ارتكاب أي “خطأ شخصي ” من شأنه أن تترتب عنه مسؤوليته الشخصية ، فإن الدعوى بذاتها تستهدف بذلك القرار الإداري نفسه ( قرار الحجز) و ليس الموظف
شخصيا و ما دام أنها لا تثير أي عمل شخصي من شانه أن يقضي إلى مسؤولية الموظف الشخصية ، فإنها بذلك تخرج عن اختصاص المحاكم العادية “.
و من هذا تنجر التفرقة الشهيرة بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي ، و التي تتضمن وجهتين :
وجهة فيما يخص الاختصاص ووجهة فيما يخص الموضوع.
1- فيما يخص الاختصاص :
الخطأ الشخصي هو المعيار الذي يخرجنا عن المرفق ككل ، فيصبح بإمكانية القاضي العادي تطبيق نوع من المراقبة دون أن يكون بذلك قد تدخل في صلاحيات الإدارة نفسها، بينما الخطأ المرفقي على عكس ما ذكر ، له اتصال وثيق بالمرفق بحيث لا يستطيع القاضي العادي النظر فيه دون أن يعطي تقييما لسير المرفق
و هذا لا يدخل ضمن اختصاصه.
فهذه نتيجة حتمية للتمييز بين الخطأين . و لأن الاختصاص النوعي للمحاكم هو مسألة في غاية الأهمية باعتبارها من النظام العام ، فإن هذا جعل محكمة التنازع الفرنسية تبحث عن معايير للتمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وهذا لتفادي مساءلة الإدارة أمام المحاكم العادية عن عمل لا يمكن فصله عن المرفق التابع له ، مما يجعله عملا إداريا بحثا ، تكون بموجبه المحاكم العادية غير مختصة للنظر فيه سواء كانت الدعوى موجهة ضد الموظف أم ضد الإدارة ( ولو أن توجيه الدعوى ضد الموظف شخصيا يسمح باختصاص المحاكم وإن كانت سترفضها في الموضوع متى ثبت انعدام أي خطأ شخصي ) .
2- فيما يخص الموضوع :
إن التمييز بين الأخطاء خلق تقسيما في المسؤولية بين الإدارة والموظف. فإذا كان الخطــأ الشخصي
تترتب عنه المسؤولية الشخصية للموظف وبالتالي فإنه يلتزم بالتعويض من ذمته المالية الخاصة ، فإن تحميله المسؤولية نفسها في حالة الخطأ المرفقي يعد إجحافا في حقه .
– وقد عمل القضاء بعد سنة 1873 على التمييز بين مسؤولية الموظف في مواجهة الضحية ( أ ) وبين مسؤولية الموظف في مواجهة الإدارة (ب ) ، وهذا على النحو التالـــي :
أ – مسؤولية الموظف في مواجهة الضحية:
حماية للمواطن من إعسار الموظف ، ومن جهة أخرى حماية للموظف من المتابعات التعسفية للمواطنين ، عمل القضاء على التضييق من مفهوم الخطأ الشخصي وبالتالي على تضييق المسؤولية الشخصية للموظف فوضع مجموعة من المعايير -نتطرق إليها فيما بعد – لأنه أدرك وجوب عدم التشدد في مسؤولية الموظف ، فقد يقتل فيه ذلك روح المبادرة ويجعله يتهرب من واجباته ، كما أنه ليس من العدل أن يتحمل الموظف كل هذه النتائج ، فقد يكون الخطأ بسيطا ولكن نتائجه وخيمة .
• ملاحظة: إن مجلس الدولة رغم الحلول التي جاء بها الفقهاء فإنه لم يتقيد بقواعد عامة وإنما كان يتصدى لكل حالة على حدى.
ب – مسؤولية الموظف في مواجهة الإدارة :
أحيانا قد نكون أمام خطأ شخصي، ولكن على الرغم من ذلك تلتزم الإدارة بالتعويض ، فالخطأ الشخصي الذي قد تحاسب عليه الإدارة الموظف قد لا يكون بالضرورة نفسه الذي قد تنسبه الضحية إليه
لان علاقة الموظف بالضحية تختلف عن علاقته مع الإدارة.
و الاختصاص يعود في الحالة الأخيرة إلى القضاء الإداري مادام أن الأمر يتعلق بالعلاقة (إدارة – موظف) ، ونحن في هذه الحالة الأخيرة بعيدين كل البعد عن ما جاء به قرار ”pelletier” سواء في الموضوع أو الاختصاص.
المطلب الثاني : الخطأ الشخصي
لما يتضرر المواطن من فعل الإدارة فإنه يعين مباشرة الموظف الذي تسبب في ذلك الضرر فقد يكون رئيس البلدية الذي رفض أن يسلم له رخصة البناء أو الشرطي الذي تعدى عليه بالضرب…
فإذا كان ذلك العمل الضار يدخل في إطار الوظيفة أو بمناسبتها فإن الإدارة هي التي تتكفل بتغطية تلك الأضرار و لكن الأمر يختلف بالنسبة للحالات التي يتسبب فيها الموظف بأضرار للغير و هذا في ظروف متميزة تعطي للضحية إمكانية مقاضاة الموظف شخصيا لإلزامه بدفع التعويضات المستحقة. فالموظف في نهاية المطاف كبقية المواطنين العاديين عليه بجبر الضرر الذي قد يسببه لغيره.
كما أن الدعوى التي بإمكان الضحية رفعها ضد الموظف لا تكون ممكنة إلا في حالة ثبوت الخطأ الشخصي للموظف. فلابد إذا من تحديد مفهوم الخطأ الشخصي و تمييزه عن المفاهيم المماثلة له.
الفرع الأول : مفهوم الخطأ الشخصي
كما رأينا سابقا فإن هذا المفهوم انبثق عن قرار Pelletier الشهير الذي ميز بين الخطأ المرفقي الذي يخرج عن اختصاص القاضي العادي، و الخطأ الشخصي الذي على عكس ذلك يستطيع القاضي العادي التطرق إليه و النظر فيه دون أن يكون هناك أي مساس باستقلالية السلطات، هذا كل ما جاءت به محكمة التنازع في هذا الصدد فهي لم تعرف الخطأ الشخصي كما انها لم تضع معيارا معينا لتمييزه عن الخطأ المرفقي ، إلا ان قضاءها اللاحق بالإضافة إلى قضاء كل من مجلس الدولة و محكمة النقض حاولوا وضع معايير ثابتة للتمييز بين الخطأين، كما لعب الفقه دورا كبيرا في ذلك و هذا لتوضيح العلاقة بين الإدارة و أعوانها و جعلها أكثر شفافية.
I-أهم المعايير التي تميز بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي :
حاليا يمكننا القول أن القضاء و الفقه قد توصلوا إلى وضع حلول من شأنها أن ترفع كل لبس في هذا المجال، إذ تم الإجماع على ان الخطأ الشخصي هو كل خطأ منفصل عن الوظيفة ( détachable du service)، وذلك إذا ارتكب في إطار خارج عن الوظيفة المؤداة من قبل الموظف، أو سواء كان في إطار هذه الأخيرة و لكنه ينفصل عنها لأسباب معينة.
قبل التطرق إلى هذه المعايير من الأجدر ان نحاول إيجاد تعريف للخطأ بصفة عامة و لعل التعريف الذي جاء به Planiol يؤدي الغرض المطلوب، فقد عرفه هذا الأخير على أنه كل إخلال بالتزام سابق
( Un manquement à une obligation pré-existante)، فينبغي عدم الخلط بين الخطأ و اللامشروعية ، فإذا كان كل عمل غير مشروع يعد خطأ فإن العكس غير صحيح ، باعتبار أنه ليس كل خطأ
عمل غير مشروع. فالخطأ يدخل في إطار دعاوى القضاء الكامل التي يترتب عنها التعويض، بينما مبدأ اللامشروعية فإنه يدخل ضمن قضاء الإلغاء أو تجاوز السلطة و تقدير المشروعية و ينجر عنها الإلغاء.
أ‌- الخطأ الخارج عن الوظيفة :
و هو الخطأ الأكثر تشخيصا، و هذا لارتباطه بالحياة الشخصية للموظف بصفة لا تدع مجالا للخطأ المرفقي ، و هذا ما جاء به الفقيهين : MM. Vedel و Delvolvé ، فلا يمكن تحميل الإدارة تصرفا لا يعنيها بشيء و هذا مهما اختلفت درجة جسامته أو النية في إحداثه ، كالعسكري الذي يتسبب في حادث في طريقه إلى العمل و هذا بواسطة سيارته الخاصة أو الجمركي الذي يغتال شخصا بواسطة سلاحه و هذا خارج وظيفته أو الحريق العمدي الذي يقبل عليه رجل المطافيء خارج إطار وظيفته ، أو إهمال من قبل رائد ميناء طلب منه بصفة شخصية حراسة باخرة .
و لكن قد يكون الخطأ المرتكب خارج عن الوظيفة و لكننا لا يمكننا القول أنه ليست له اية علاقة بها غير ان تشخيص هذا النوع من الأخطاء يكون أكثر صعوبة فهو يجمع كافة الأخطاء غير الإرادية و التي و إن حدثت خارج الوظيفة، إلا ان هذه الأخيرة قد سهلت وقوعها عن طريق :
– سوءا الوسائل الممنوحة للموظف بمناسبة هذه الوظيفة ، و لدينا في هذا الصدد قرار Sadoudi ، أين تسبب شرطي في قتل شخص بواسطة سلاحه الذي يلزمه النظام الداخلي على الاحتفاظ به خارج الخدمة – أو عن طريق الاستغلال لأغراض شخصية لمهمة ممنوحة في إطار الخدمة كرجل المطافيء الذي ينحرف عن المسار المحدد في مهمته ليحدث حريقا في مكان آخر .
ب‌- الخطأ المرتكب في إطار الوظيفة و المنفصل عنها:
كأصل عام الخطأ المرتكب في إطار الوظيفة سواء اثناء ها او بمناسبتها يعتبر خطأ مرفقيا، و لكن إستثناءا عن هذا المبدأ فقد يعتبر هذا الخطا منفصلا عن المرفق و بالتالي شخصيا ، و هذا في حالتين اساسيتين هما :
1- الخطأ العمدي :
هذا المعيار يدعى كذلك معيار الأهواء الشخصية ( Passions personnelles ) و هي نظرية تقليدية لا تزال عبارتها الشهيرة متداولة إلى يومنا هذا و هي ما جاء به Lafferiére في خلاصته في قضية Laumonnier- Carriol :
” إذا كان العمل الضار موضوعيا و إذا كشف موظفا وكيلا للدولة معرضا لارتكاب أخطاء و ليس إنسانا بضعفه و أهوائه و غفلته فيبقى العمل إداري و بخلاف ذلك إذا انكشفت شخصية الموظف في أخطاء عادية أو اعتداء مادي أو غفلة فينسب الخطأ للموظف و ليس للوظيفة.”
« Si l’acte dommageable est impersonnel, s’il révèle un administrateur mandataire de l’état plus au moins sujet à erreur et non l’homme avec ses faiblesses, ses passions et ses imprudences, l’acte

reste administrative, si au contraire la personnalité de l’agent se révèle par des fautes de droit commun, par une voie de fait, une imprudence, la faute est imputable au fonctionnaire et non à la fonction . »
فهذا المعيار يدفع بنا إلى البحث عن النية أو الدافع الذي حفز الموظف على إتيان الفعل الضار .
فقد يدفعه على ذلك الرغبة في الإضرار و سوء النية فيستغل منصبه ووظيفته للانتقام من شخص معين، كالشرطي الذي يلجأ إلى استعمال العنف أثناء أدائه لمهمة ما ، او الذي يقتل خطأ بدافع الانتقام كقضية ( Pothier) ، او موظف البريد الذي يتعدى على أحد المتعاملين . فكل خطا يتضمن النية بالإضرار يعتبر منفصلا عن الإدارة .
أو في حالة كذلك إذا ما استغل الموظف وظيفته لتحقيق مصلحة شخصية كالإختلاسات وتحويل الأموال ، أو السرقة المنظمة .
ونجد في هذا الصدد كل من محكمة النقض الفرنسية ومجلس الدولة الفرنسي يأخذان بمعيار نية الموظف حيث إعتبرت محكمة النقض بأنه يعتبر الخطأ شخصيا لما يتصرف الموظف بسوء نية أو لأجل تحقيق مصلحة خاصة ،
كما رأى مجلس الدولة بأنه لا يعتبر خطأ شخصيا في الحالة التي لم يتصرف فيها الموظف لأهداف بعيدة عن الصالح العام ولا بدون تحيز .
الخطأ الجسيم :
هذا المعيار جاء به كل من الفقيهين : Maurice Horiou ، Gaston Jeze.
كما نجد كل من Vedel وDelvolvé، الذين اعتبرا أن الخطأ يكون بجسامة فادحة إذا تجاوز الحد المعقول للأخطاء التي يمكن توقعها .
« Il y a faute personnel, si la faute commise est d’une gravite particulière dépassant la moyenne de fautes aux quelles on peut s’attendre . »
وهناك من أتى بتعريفات أكثر حصرا كالفقيه M.Moreau الذي حصرها في الأخطاء المهنية الجد خاصة « Faute professionnelle est très caractérisées » و الفقيه M.chapus الذي تكلم عن الخطاء ذات الجسامة التي لا تفتح مجالا للنقاش .
هذا المعيار يأخذ به القضاء و لكن بحذر كبير إذ عمل على تضييق مفهومه. فقد يتمثل هذا الخطأ إما في خروج تام عن أخلاقيات المهنة، و إما أخطاءا مهنية جد فادحة ، فهذا المعيار يخص عامة الأعمال المادية و ليس التصرفات القانونية ، لأن هذه الأخيرة نبحث فيها عن نية الموظف( معيار الخطأ العمدي) و لا نأخذ بعين الاعتبار جسامة الخطأ .
– IIالتمييز بين الخطأ الشخصي و المفاهيم الأخرى:
إن التطرق إلى الخطأ الشخصي يدفعنا إلى تمييزه عن بعض الأخطاء الأخرى و هذا لتوضيح مفهومه أكثــر و تفادي اللبس، كما سنتطرق إلى أثر أوامر الرئيس على تصرفات الموظف.
أ‌- الخطأ الشخصي و الخطأ الجزائي :
إذا كان الاتجاه الفقهي في بادئ أمره يجعل من الخطأ الجزائي صورة مثلى للخطأ الشخصي فإن ما جاءت به محكمة التنازع في قرار Thepaz ، زعزع من حجية هذه الفكرة فقد يتطابق المفهومين و لكن ليس في جميع الحالات .
فإذا كان الموظف بارتكابه لجريمة ما سيمتثل حتما أمام القاضي الجنائي فهذا لا يعني أنه مضطرا لدفع التعويضات للطرف المدني إلا إذا ثبت خطأه الشخصي ، أي إذا كانت الجريمة التي إرتكبها تمثل خطأ شخصيا .
فبموجب هذا القرار تم الفصل نهائيا بين المفهومين فقد يتمثل دور الطرف المدني أساسا في تحريك الدعوى العمومية التي لا ينحصر تحريكها على النيابة العامة فقط ( كما هو معروف في ق ا ج) ، و لكن ذلك لا يعني ثبوت حقه في التعويض و هذا في حالة ما إذا كيف خطأ الموظف على أنه خطأ مرفقي ، لأن ثبوت الخطأ المرفقي لا يمنع أبدا المتابعات الجزائية.
فقد تشكل الجنايات في جميع الحالات خطأ شخصيا بينما الجنح فلابد من التمييز بين ما هو عمدي و الذي يكون خطا شخصيا ( معيار نية الموظف )، أما فيما يخص الجنح غير العمدية فلا مجال في الغالب للحديث عن الخطأ الشخصي و على أية حال فلا بد على القاضي الجزائي أن يرجع إلى المعايير السالفة الذكر لتحديد ما إذا كان الخطأ شخصيا أم انه كان يستهدف من ورائه تحقيق الصالح العام، و هذا حالة بحالة .

ب‌- الخطأ الشخصي و التعدي المادي :
التعدي المادي – كما هو معروف – هو كل عمل إداري يتسم بلا مشروعية صارخة يمس أساسا بالحريات الأساسية للأفراد أو ممتلكاتهم.
و في هذا الصدد كذلك بدأ القضاء يتراجع عن فكرة تطابق المفهومين خاصة بعد القرار الصادر عن محكمة التنازع الفرنسية بتاريخ 8 أفريل 1935 ، بحيث جاء في خلا صات محافظ الحكومة Josse التي جاء فيها
أن القاضي العادي يمنحه الاختصاص الاستثنائي في حالات التعدي للنظر في مسؤولية الإدارة في الوقت نفسه الذي ينظر فيه في مسؤولية الموظف، عليه أن يبحث فيما إذا كان هذا الأخير قد ارتكب خطأ شخصيا و هذا لتبرير مسؤوليته المالية و إلزامه بالتعويض.
ج- الخطأ الشخصي و أوامر الرئيس:
هل يمكننا القول بأن الموظف ارتكب خطأ شخصيا عندما يقتصر عمله على تنفيذ أوامر رؤسائه حسب ما يقتضيه التسلسل السلطاوي؟
إن مع تطور القضاء ، و القانون ، أنشىء التزام بعدم الطاعة للموظف فيما يخص أوامر رؤسائه و التي تبدو بوضوح بأنها غير مشروعة و انه من شأنها أن تمس أو تعرقل الصالح العام بصورة خطيرة.
و في حالة عدم التزام الموظف بذلك فإنه من الممكن جدا القول بارتكاب الموظف خطأ شخصيا، و هذا يخرج بنا عن المبدأ القائل بأن تنفيذ أمر صادر عن رئيس ينقل المسؤولية الشخصية إلى هذا الأخير ، فهو استثناء عن المبدأ و الذي نصت عليه المادة 129 من قانوننا المدني .
كما تكون مسؤولية المرؤوس شخصية في حالة إذا ما تجاوز حدود ما طلب منه فيكون بذلك قد إرتكب خطأ شخصيا.
الفرع الثاني : آثار الخطأ الشخصي
في حالة ارتكاب الموظف لخطأ شخصي فإنه يكون محل متابعة قضائية من قبل الضحية بقصد تعويضه عن الضرر اللاحق به ، فهذا هو المبدأ (1) ، إلا أن هناك ثمة استثناءات عن هذا الأخير (2):
1- المبدأ : الدعوى التي يرفعها الضحية ضد الموظف العام امام المحاكم العادية
هذا المبدأ تنجر عنه مجموعة من النتائج :
أ‌- الإختصاص : ( القاضي الناظر في النزاع)
لقد وضع أساس هذا المبدأ قرارPelletier – السالف الذكر- فلا يحق للقاضي الإداري مساءلة الموظف عن خطئه الشخصي الذي تنجر عنه مسؤوليته الشخصية، و هذا المنع جد منطقي ما دام أن النزاع ينحصر بين شخصين طبيعيين عاديين .
فالقاضي الذي ينظر إذا في النزاع هو القاضي المدني و قد يكون القاضي الجنائي متى كان الخطأ يشكل جريمة يعاقب عليها القانون.
ب‌- المكلف بالتعويض :
يتكلف الموظف شخصيا بالتعويض و هذا من ذمته الخاصة أي من ماله الخاص -و هذا متى طلب ذلك الضحية- ما دام أن مسؤوليته شخصية.

ج- القواعد المطبقة : ( القانون الواجب التطبيق )
إن القواعـد التي يطبقهـا القاضي في هذه الحـالة هي نفس القواعد الموجـودة في القانون العــــام ( Le droit commun) ، فعلى القاضي الرجوع إلى المبادىء العام
و من هنا نلمس أهمية التمييز بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي .
2- الإستثناءات :
نجد هذه الإستثناءات على المبدأ في مجال حلول الدولة محل الموظف فعلى الرغم من ثبوت الخطأ الشخصي في حق الموظف إلا أن الدولة تتدخل و تحل محله فيما يخص الإلتزام بالتعويض و جبر الضرر.
فنجد مثلا : – حلول الدولة محل المعلم .
– حلول الدولة محل السائق في حالة الحوادث التي تحدثها المركبات التابعة لها… .
فالاختصاص في هذه الحالات يعود إلى القاضي الإداري على الرغم من ان الخطأ شخصي ما دام ان الإدارة ستتكفل بالتعويض – ما لم ينص القانون على خلاف ذلك- .
المطلب الثالث: الخـطــأ الـمـرفـقـي
على عكس الخطأ الشخصي فإن الخطأ المرفقي حسب تعريف “Laferrière” هو الذي يكشف الرجل الإداري محلا للخطأ و ليس الرجل العادي بضعفه و عواطفه و عدم حرصه ، بمعنى آخر هو الخطأ العادي الذي نعترف بإمكانية ارتكابه من طرف أي عون في إطار المرفق دون أن يكون خطأ عمديا أو ذو جسامة غير مقبولة .
الفرع الأول : مفهوم الخطأ المرفقي و إثباته:
إن عبارة الخطأ المرفقي لها معنيان متميزان في الاجتهاد القضائي، فمن جهة الأخطاء الناجمة عن التنظيم السيئ أو التسيير السيئ كذلك للمرفق العام، و الأخطاء التي ارتكبت من طرف موظفين مجهولين هي أخطاء مرفقية بالمعنى الدقيق، و من جهة أخرى فإن الأخطاء المنسوبة لأعوان المرفق العام و المرتكبة من قبلهم في إطار تأدية مهامهم هي أخطاء شخصية و لكن بما أن المرفق لا ينفصل عنها فإنها تعتبر بالتالي أخطاء مرفقية .
و يمكن وصف الخطأ المرفقي على سبيل الاستهداء و وفقا لمعايير بعض الفقهاء بأنه ” الخطأ غير المطبوع بطابع شخصي ، و الذي يسند إلى موظف يكون عرضة للخطأ او الصواب ” ( معيار Laferrière) أو انــه
” الخطأ الذي لا يمكن فصله عن واجبات الوظيفة بحيث يعتبر من المخاطر التي يتعرض لها الموظفون ” ( معيار Horiou )، أو : ” هو الخطأ الذي يرتكبه الموظف بقصد تحقيق غرض إداري ” ( معيار Duguو أمثلة الأخطاء المرفقية عديدة كعمليات مادية مختلفة ، خرق لنص قانوني، خطأ في التقدير، السحب غير المنتظم لقرار أنتج حقوق ، رفض اتخاذ إجراء ضروري ، الإهمال في ممارسة السلطة …
إن الإلمام بمفهوم الخطأ المرفقي يتطلب التطرق إلى خصائصه و الصور التي يتخذها.
-Iالخصائص العامة للخطأ المرفقي:
للخطأ المرفقي طابعين أساسيين :
1-طابع الخطأ المجهول:
عادة ما يكون الخطأ مرتكبا ماديا من قبل أعوان عموميون معلومين ، أي أن مرتكب الخطأ يكون معلوم ، ففي هذه الصورة نتحدث عن خطا المرفق ، « Faute de service » إلا أن عبارة الخطأ المرفقي « Faute du service publique » يقصد بها حسب بعض الفقهاء أن مرتكب الخطأ مجهول ، و مهما يكن من امر هذا التمييز فإن شخص العون لا يهم كثيرا ذلك أن التزامات الإدارة هي محل مساءلة و ليس التزامات هذا العون .
و يظهر طابع الخطأ المرفقي كخطأ مجهول في صورتين:
– صورة خطأ مرفقي أرتكب من طرف شخص واحد لكنه مجهول مثل قضية Auxerre ، أين اعتبرت الإدارة مسؤولة عن حادثة أدت إلى قتل جندي إثر مناورات عسكرية كان من المفروض أن تستعمل خلالها خراطيش مزيفة ، و استحال خلالها معرفة الفاعل المسؤول عن قتل الجندي .
– صورة الخطأ المرفقي الذي ينتج عن مجموعة أخطاء ارتكبت من طرف موظفين مجهولين كما هو الحال في قضية السيدة Boigard ، حيث دخلت هذه الأخيرة إلى مستشفى عمومي في الصباح و لم يتم
فحصها إلا في آخر اليوم و مع ذلك إزداد مرضها و توفيت إثر نقلها إلى مستشفى آخر ليتبين عند إجراء التحقيق أن سبب وفاتها يعود لعدة أخطاء تتمثل في عدم المراقبة الكافية و غياب الطبيب المختص في الإنعاش و الرقابة السيئة خلال نقل الضحية . و بالتالي أعتبر مجلس الدولة ان هذه الأخطاء مرفقية تنسب للمستشفى بسبب سوء تسييره و ليس لأشخاص معينة .
فالخطأ المرفقي المرتكب من قبل أحد او عدة أعوان لا ينفصل عن ممارسة الوظائف و لا تقع المسؤولية على العون و إنما على الإدارة فتصبح بذلك المنازعات إدارية محضة.
2-الطابع المباشر :
يجب أن ينسب الخطأ المرفقي مباشرة إلبى شخص عمومي قام بتصرف خاطيء أثناء ممارسة أعماله ، و بالتالي حينما تختفي شخصية العون خلف المرفق العام الذي ينتمي إليه فإن الخطأ المرفقي يعتبر مرتكبا من قبل الإدارة ، و بمعنى آخر يعتبر القاضي أن الخطأ قد أرتكب من طرف الشخص العمومي الذي نسب إليه .
-IIصور الخطأ المرفقي :
يكون خطأ الإدارة في عدة حالات يمكن تصنيفها إلى ثلاث طوائف تمثل في ذات الوقت التطور التاريخي لقضاء مجلس الدولة الفرنسي في هذا الصدد .
1- التنظيم السيئ للمرفق العام :
إن الإدارة ملزمة بتنظيم المرفق العام و عندما لا تقوم بذلك فإنها تكون مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن سوء التنظيم ، و تكمن أمثلة هذه الصورة عادة في : فقدان ملفات – التنفيذ المادي غير المنتظم – خرق قواعد
تنظيم القرارات الإدارية… ، وفي هذا الصدد صدر قرار عن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضية ” بن مشيش ” ضد ” بلدية الخروب ” بتاريخ 6 أبريل 1973 ، إذ تتلخص وقائعها في أنه بتاريخ 28 ماي 1969 شب حريق في مصنع للنجارة ملك للسيد بن مشيش بسبب رمي المفرقعات من طرف أطفال يحتفلون بالمولد النبوي الشريف، و قد جاء في حيثيات قرار الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى فيما يتعلق بمرفق مكافحة الحرائق في ظل قانون البلدية السابق :
ـ حيث انه ينجم عن الملف أن الظروف التي تمت فيها مكافحة الحريق تبين نقصا في الوسائل.
ـ حيث يتبين حينئذ أنه لم يوجد أي خطأ في تنظيم و سير مرفق عام لمكافحة الحريق …”
و بذلك اعتبر القرار أن نقص الوسائل لا يشكل خطأ في تنظيم المرفق العام و بالتالي فلا وجود لأي خطأ مرفقي .
2- التسيير السيئ للمرفق العام:
إن عدم الكفاءة أو الإهمال من طرف الأعوان العموميين يؤدي إلى التسيير السيئ للمرفق العام و كذلك التأخير المفرط في تسييره، فمتى أدى ذلك إلى ضرر ما فإنه يمكن للمضرور مطالبة الإدارة بالتعويض.
و قد أصدرت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قرارا بتاريخ 8 أفريل 1966 في هذا النطاق فيما يخص قضيـة ” حميدوش ” ضد الدولة و الذي تم توظيفه وفق شروط غير نظامية، و بعد 8 سنوات قامت الإدارة بتصحيح الإجراء و هذا بإلغاء قرار توظيفه ، فرفع الأمر أمام الغرفة الإدارية التي قررت بأن ذلك يشكل خطأ مصلحيا تنجر عنه مسؤولية الإدارة.
3-عدم تسيير المرفق أو الجمود الإداري :
في هذه الحالة لم يقم العون العمومي بعمله على الإطلاق ، و قد فصلت الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى في قضية في هذا الشأن أصدرت بموجبها قرارا بتاريخ 19/04/1972 ,تتلخص وقائعها في انه تلقى أحد كتاب الضبط مبلغا من المال في شكل أوراق مصرفية لإيداعه اثر عملية حجز قامت بها الشرطة القضائية ، و بعدها تم إصدار أوراق نقدية جديدة ، فنسي هذا الكاتب إن يبدل الأوراق المحجوزة ، و بعد الحكم ببراءة صاحب المال و الإفراج عنه قام هذا الأخير برفع دعوى ضد وزارة العدل فاعترف مجلس قضاء الجزائر بمسؤولية الإدارة على أساس سوء تسيير المرفق ، وحصل المعني على حقوقه بسبب إهمال كاتب الضبط المعتبر عونا للدولة .
و قد صدر قرار مماثل عن مجلس الدولة في 31/01/2000 صرح خلاله بمسؤولية البلدية على أساس الخطأ المرفقي في قضية “بلدية الذرعان” ضد “سوايبية عبد المجيد و من معه” ، و ذالك لتأييده لقرار الغرفة الإدارية لمجلس قضاء عنابة ، إذ يتجلى من دراسة الملف أن المستأنف عليه “سوايبية” كان متابعا جزائيا أمام محكمة الدرعان بتهمة التزوير فحجزت سيارته ووضعت بالحضيرة التابعة لبلدية الذرعان , وبعد استفادته من البراءة طلب استرجاع سيارته إلا أنها ضاعت من الحضيرة فاعتبر مجلس الدولة : “أن الحضيرة تابعة للبلدية و تشرف على تسييرها و تعتبر البلدية كحارس الشيء و ملزمة برد السيارة أو تعويضها نقدا “.
ففعل البلدية هنا يدجل في إطار عدم تأدية المرفق للخدمة المتمثلة في المحا فظة على السيارة و إعادتها كما استلمتها إذ أن البلدية لم تؤد الخدمة على الإطلاق.
هذه هي الأنواع الثلاثة الأساسية التي تجسد الخطأ المرفقي, ويبقى التساؤل مطروحا حول على من يقع إثبات هذا الخطأ ؟.
-IIIإثبات الخطأ المرفقي:
حسب المبادىء العامة في الإجراءات القضائية فإنه على من يدعي الفعل الضار أن يثبته , وبناءا على ذلك فإنه على طالب التعويض الذي يدعي الخطأ المرفقي أن يثبت وجوده , إلا أن هذه القاعدة تصطدم بعدة صعوبات تواجهها الضحية ذلك لان إثبات الخطأ يوجد عادة في ملفات الإدارة , وهذا ما جعل التطورات الحديثة تتجه إلى البحث عن طرق لتسهيل إثبات الخطأ من قبل الضحية كإلزام الإدارة بتسبيب قراراتها و فرض إمكانية الإطلاع على ملفاتها , وذلك إلى جانب الدور الذي أصبح يلعبه القاضي الإداري في الإجراءات القضائية ، فعندما تمتنع الإدارة أو تعجز عن تقديم وثيقة أو ملف بناءا على طلب القاضي فان هذا الأخير يعتبر الخطأ المرفقي قائما , وكذلك الأمر في حالة ادعاء الإدارة وجود سبب لنفي مسؤوليتها فعليها إثبات ذلك .
وقد جاء الاجتهاد القضائي في بعض الميادين بما يسمى بالخطأ المفترض ومفاده نقل عبء الإثبات, إذ أن تقنية الافتراض تسمح باستنتاج حقيقة الأفعال الضارة التي يستحيل إثباتها من خلال وجود أفعال ضارة ثابتة ، وهنا نجد أن القاضي الإداري يستعمل عادة مصطلح ” يكشف” (Révèle) ،خاصة في الميدان الطبي , وبالتالي إذا كان مريض متواجد بالمستشفى بسبب مرض معين ليجد نفسه مصابا بمرض أخر لا علاقة له بمرضه الأول في نفس المصلحة , فإن القاضي يعتبر الإصابة ناتجة عن خطأ ينسب إلى المستشفى , وقد
صدر :قرار عن مجلس الدولة في هذا الإطار بتاريخ : 01 مارس 1989 قرار “BALLY” ،إذ تم نقل مكروب إلى جسم مريض خلال عملية جراحية .
كما أنه يمكن للقاضي الإداري لتكوين اقتناعه حول وجود الخطأ المرفقي أن يأمر بإجراء تحقيق تكميلي كاللجوء إلى الخبرة بخلاف الانتقال إلى المعاينة الذي هو قليل الاستعمال، و مهما يكن من أمر فإن القاضي يبقى حرا في تقديره لوجود الخطأ المرفقي و نسبته إلى الإدارة، و من تم في تقديره لأدلة إثبات الأطراف.
الفرع الثاني : درجة جسامة الخطأ المرفقي :
ينقسم الخطأ المرفقي في نظام المسؤولية الإدارية إلى خطأ بسيط و خطأ جسيم، ففي الحالات العادية و استنادا إلى قواعد القانون المدني يكون الخطأ البسيط كافيا لقيام المسؤولية، غير أن القضاء الإداري اشترط وقوع خطأ جسيم في حالات معينة كما هو الحال في القرارات الإدارية ، كما اشترط هذه الدرجة من الجسامة في الخطأ المرفقي لإقامة مسؤولية بعض المرافق العامة التي يتميز نشاطها بصعوبة معينة .
– I الخطأ في حالة القرارات الإدارية:
إذا كان الضرر يرجع إلى قرار أصدرته الإدارة ، كما لو أمرت بفصل موظف أو برفض التصريح لأحد الأفراد بمزاولة عمل معين ، أو بهدم منزل أو بإغلاق محل عام أو فرضت قيودا معينة بلائحة على نشاط فردي… ففي هذه الصور و أمثالها يأخذ الخطأ صورة ملموسة هي ” عدم المشروعية” ، ذلك ان عدم المشروعية بأوجهها الأربعة كما هي مصدر للإلغاء ، فإنها مصدر للمسؤولية .
أ-عيب عدم الإختصاص :
إن عدم الاختصاص من أول أسباب إلغاء القرار الإداري، و هو يتعلق بالنظام العام ، و من تم يملك القاضي الإداري إثارته من تلقاء نفسه، إلا أن الأمر يختلف في نطاق التعويض فلا يؤدي هذا العيب إلى
تعويض الضحية إذا كان سيقع في حالة صدور القرار من الجهة المختصة، فقد أتجه مجلس الدولة الفرنسي إلى إعلان عدم المسؤولية عن عيب عدم الاختصاص إذا ما كان الضرر المطالب بالتعويض عنه لاحقا بالفرد لو ان القرار ذاته صدر من الجهة المختصة.
ب- عيب الشكل:
عند إصدار قرار إداري فعلى الإدارة أن تحترم بعض الأشكال و الإجراءات،و القاضي الإداري لا يشترط احترام جميع الأشكال و ذلك حتى لا يعرقل نشاط الإدارة ، فنجده هنا يميز بين الأشكال الجوهرية
و الأشكال غير الجوهرية، ووفقا لذلك تؤدي مخالفة الشكل الجوهري وحدها إلى إلغاء القرار الإداري ومع ذلك لا يوجد تلازم بين إلغاء القرار لعيب الشكل والحصول على تعويض ، ذلك أن التعويض مقصور على الحالات التي يؤثر فيها الشكل على مضمون القرار .
ج- عيب الإنحراف استعمال السلطة:
تحدث حالة انحراف السلطة عندما تستعمل الإدارة سلطتها لغرض يختلف عن الغرض الذي منحت لها من اجله هذه السلطة ، إذ أن القاضي يعاقب دائما و بصفة مشددة هذه الصورة من عدم المشروعية ، و نجد نفس التشديد في ميدان المسؤولية بحيث أن كل ضرر ناتج عن الإنحراف بالسلطة من اللازم إصلاحه ،و من تم يمكن القول أن عيب الإنحراف بالسلطة يعد مصدرا للمسؤولية لأن هذا الخطأ يستوجب التعويض إذا ترتب عليه ضرر ثابت .
د- عيب مخالفة القانون:
عندما يبحث القاضي الإداري عن عيب مخالفة القانون، فإنه يفحص القرار المطعون فيه و يقوم بدراسة أسبابه ، فإذا كان الخطأ على مستوى الأسباب القانونية فإننا نكون بصدد قرار معيب بخطأ قانوني ، أما إذا
كان الخطأ يرجع إلى وقائع القرار فإننا نكون بصدد خطأ في الوقائع، و يبدو ان القضاء يعطي دائما الحق في التعويض في حالات الخطأ في القانون ، في حين انه يتبنى موقفا متباينا في حالة الغلط الفعلي و قد أخذت الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى بهذا التمييز في قرار صادر عنها بتاريخ : 09/04/1971 ، في قضيــــة ” دخلي” ضد ” والي ولاية الجزائر” ، إذ قام هذا الأخير بغلق محل المدعي ووضعه بصفة غير مشروعة تحت حماية الدولة ليعيده إليه فيما بعد، مما جعل السيد” دخلي” يطالب بالتعويض أمام القاضي الإداري الذي منحه إياه على أساس أن اللامشروعية في حد ذاتها جسيمة .
و في الأخير يمكن القول أنه في بعض الحالات لا تشكل اللامشروعية خطأ إذا ارتكبت لفائدة الصالح العام، إذ أن مسؤولية الإدارة تقوم على أساس المساواة في تحمل اللأعباء العامة كما أن عدم قبول دعوى الإلغاء ضد قرار معين لا يعد عائقا في ممارسة دعوى التعويض المؤسسة على ضرر ناتج عن القرار اللامشروع محل دعوى الإلغاء
II- الخطأ البسيط و الخطا الجسيم:
من المفروض أن الحطأ البسيط يكفي لترتيب المسؤولية الإدارية ، إلا انه أحيانا يشترط القاضي الإداري خطأ يوصف بالخطا الجسيم و ذلك في بعض نشاطات المرافق العامة التي تجد صعوبة خاصة في تنفيذها مما يجعل الخطأ البسيط معذور ومن تم يرتب الخطأ الجسيم وحده مسؤولية هذه المرافق العامة، فعكس القانون المدني الذي يحاول في كل الحالات حماية الضحية فإننا نجد أن القاضي الإداري يلتزم بالبحث عن حل توفيقي
بين ضرورة تعويض الأشخاص و بين رغبته في إظهار بعض الامتنان اتجاه الإدارة فيما يخص بعض المرافق لأنه يعتبر أن نشاطاتها صعبة التنفيذ و تتطلب بعض التسامح و هذا كله حتى لا يعرقل نشاطاتها و من تم حتى لا يحول دون تحقيق المصلحة العامة.
و في هذا الصدد نجد ان الخطأ الجسيم يكون لازما في كل او بعض أنشطة مرافق محددة، في حين انه يكفي الخطأ البسيط لترتيب مسؤولية مرافق أخرى، و بالتالي يستند القاضي الإداري إلى طبيعة النشاطات الإدارية المتسببة في الفعل الضار في تحديده لدرجة جسامة الخطأ.
و نستهل دراستنا بأهم المرافق التي تتطلب في بعض نشاطاتها الخطأ الجسيم لترتب مسؤوليتها و الخطأ البسيط في نشاطاتها الأخرى مع المرور بمراحل التطور التي مر بها الاجتهاد القضائي في كل مرفق منها و هي
– نشاط مصالح الشرطة – نشاط مصالح السجون – نشاط الرقابة الوصائية – نشاط مصالح الضرائب – نشاط مصالح مكافحة الحريق- النشاط الطبي.
1- نشاطات مصالح الشرطة :
لم يتخلى مجلس الدولة الفرنسي عن مبدئه القديم و المتمثل في عدم مسؤولية القوة العمومية إلا في 1905 من خلال القرار ” Tomaso Gréco” الصادر بتاريخ 10/02/1905 ، حيث توسعت مسؤولية الشرطة منذ هذا التاريخ فنجدها تارة بدون خطأ و تارة تقوم على أساس الخطأ البسيط ، و أحيانا أخرى تقوم على أساس الخطأ الجسيم ، فتكون المسؤولية بدون خطأ في حالة الأضرار الناجمة عن تجمهر او حالة إستعمال سلاح ناري ضد ضحية لم تكن مستهدفة خلال مباشرة مصالح الشرطة لعملية محـــددة ، و تكون المسؤولية على أساس الخطأ البسيط في حالة الأضرار الناجمة عن استعمال سلاح ناري عندما تكون الضحية مستهدفة خلال العملية ، و بصفة عامة تكون مسؤولية مصالح الشرطة في حالة الأضرار الناجمة عن التصرفات القضائية أو المادية عندما لا يشكل التدخل صعوبة خاصة .
و مع ذلك نجد أن المسؤولية على أساس الخطأ الجسيم هي التي تحتل الصدارة في إطار مسؤولية مصالح الشرطة، إذ منذ 1925 أصبح الاجتهاد القضائي يشترط الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية الإدارة عن نشاط الضبطية الإدارية عندما يشكل هذا الأخير صعوبة خاصة في التدخل، و ذلك إثر قرار” Clef R.DP” الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ 13/03/1925 ، و عادة ما يرتب نشاط الضبطية الإدارية مسؤولية المرفق على أساس خطأ بسيط لأن مباشرة الأعمال القضائية لا تشكل صعوبة خاصة إلا استثناءا، إذ أن الصعوبات
التي تتلقاها مثلا شرطة الطرق في باريس خلال تنظيمها لحركة المرور لا بد أن يرقى الخطأ الناتج عنها إلى درجة الخطأ الجسيم حتى تترتب مسؤولية ولاية باريس عن تنظيم حركة المرور فيها .
2- نشاطات مصالح السجون :
يشترط مجلس الدولة الفرنسي الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية مصالح السجون، و ذلك منذ سنة 1958 في قضية ” Rakotoarinovy” حيث صدر فيها قرار بتاريخ 03/10/1958 ،و قد كان لابد قبل هذا التاريخ أن يكون الخطأ جليا و ذو خطورة خاصة ، كما صدر قرار بتاريخ 05/01/1971 في قضـــية ” Veuve Picard” اعتبر فيه مجلس الدولة أن قتل مسجون من قبل مسجون آخر لا يرتب مسؤولية المرفق كونه لم يبين وجود خطأ جسيم في المراقبة، في حين قرر في قضية أخــرى بتاريخ 16/11/1988 ” Epoux Deviller” أن الإهمال الخطير من قبل الأعوان و المتمثل في عدم الإعلان الطارىء عند اكتشافهم لمسجون مغمى عليه يشكل خطأ جسيما، و بالتالي يرتب مسؤولية المرفق.
و تجدر الإشارة إلى أن الخطأ الجسيم يشترط في هذه الحالة سواء كانت الضحية مسجون أو موظف ألحق به ضرر من قبل موقوف.
3-نشاط الرقابة الوصائية :
يتعلق الأمر بالرقابة التي تمارسها الدولة على الجماعات المحلية و كذا الأشخاص المعنوية، وهنا كذلك يشترط الاجتهاد القضائي الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية الإدارة عن ممارسة رقابتها الوصائية بشكل عام، و قد ظهر هذا الإتجاه من خلال قرار صادر عن مجلس الدولة يتعلق بالوصاية على الجماعات المحلية في
29/03/1946 : ” Caisse d’assurances sociales de Meurth – et- Moselle” و قرار “Meunier ” الصادر في 20/03/1966
و ما يلاحظ حاليا أن الخطأ الجسيم لم يعد لازما لترتيب مسؤولية الإدارة إذ صدرت عدة قرارات حديثة عن مجلس الدولة قضت بمسؤولية هذه الأخيرة رغم وجود خطأ بسيط مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية سلطة الرقابة التي تملكها هذه الإدارة من بينها قرار “Société Hilton internationale ” الصادر في 22/02/1991 يخص الترخيص حول عتاد الهاتف و قرار صادر في 13/03/1998 “Améon” يخص ترتيب مسؤولية الدولة في نشاطات الرقابة التقنية التي تمارسها على السفن.
4- نشاطات مصالح الضرائب:
“Yvon Bourgeois” يخص أخطاء الحفظ و المعالجة المعلوماتية للتصريحات وتنفيذ الاقتطاعات الشهرية ،قضى فيه بمسؤولية مصالح الضرائب علي
أساس الخطأ البسيط في كل نشاطاتها وذلك في غياب صعوبات خاصة في معالجة المشاركين ، أما الخطأ الجسيم فبقى لازما فيما يخص نشاط إقرار أساس الضرائب و التحصيل عليها .
5 – نشاط مصالح مكافحة الحريق:
لا يميز القضاء الإداري بين الأخطاء المتعلقة بتنظيم أو سير مصالح مكافحة الحريق وبين الأخطاء المتعلقة بتدخلها ويشترط في كل هذه الحالات الخطأ الجسيم .
إلا أنه منذ 1998 أصبحت نشاطات مكافحة الحريق و الإنقاذ في البحر ترتب مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ البسيط رغم الصعوبة الخاصة التي تمتاز بها هذه النشاطات و ذلك من خلال قرار “Améon” الصادر عن مجلس الدولة في 13/03/1998 بالنسبة للاتقاد في البحر،وقرار ” Commune de Hannapes ” الصادر في 29/04/1998 بالنسبة لمكافحة الحرائق .
6- الـنـشـاط الــطــبـي :
كان القضاء الإداري يميز ضمن نشاطات المستشفى بين النشاط الإداري لهذا المرفق وبين النشاط الطبي . وذلك إلى غاية 1992 ، فبالنسبة للأضرار الناجمة عن ظروف تنظيم أو تسيير مرفق المستشفى فإن الخطأ البسيط يكفي لترتيب مسؤولية هذا الأخير كأن لا يتضمن طاقمه أي طبيب مختص في التخدير ، أو الحراسة غير الكافية في مصلحة الأمراض العقلية . أو استعمال أدوات غير صالحة أو الإهمال مثل معالجة ضحية حادث مرور في قاعة مخصصة لمصابين بأوبئة معدية .أما بالنسبة للأضرار الناجمة عن الخطأ الطبي فإن
الاجتهاد القضائي قبل 1992 يختلف عنه بعد 1992 ، فقبل هذا التاريخ كان الخطأ الجسيم وحده يرتب مسؤولية المستشفى بسبب الخطأ الطبي ، وهذه الصرامة كانت منتقدة من قبل الفقه الفرنسي طالما أن
الجهات القضائية كانت تكتفي بالخطأ البسيـط لتحميل العـيادات الخاصة مسؤولية الأضرار الناجمة عن أخطائها الطبية .
أما بعد 1992 أصبح مجلس الدولة يرتب مسؤولية المستشفى على أساس الخطأ البسيط رغم أن العمليات تتطلب صعوبة خاصة ، ومهما كانت طبيعة هذا الخطأ وذلك من خلال قرار ” Epoux .V ” الصادر عنه في 10/04 1992 وقد ذهب مجلس الدولة الفرنسي أحيانا إلى أبعد من ذلك إذ قضى بمسؤولية المستشفى بدون خطأ عندما يكون الضرر ذو خطورة خاصة ناتجة عن نشاط طبي يشكل خطرا معترف به والذي يكون تحقيقه استثنائيا وذلك في قرار ” Bianchi ” الصادر عنه في 09/04/1993 .
وقد صدر قرار عن مجلس الدولة في الجزائر بتاريخ 19/04/1999 يتعلق بمسؤولية المستشفى عن الخطأ الطبي ، وتتلخص وقائع القضية في أن السيدة “رقية ” انتقلت إلى مستشفى أدرار لوضع حملها فأجريت لها عمليتان جراحيتان أثناء الولادة ، فتوفيت المولودة مباشرة وأصيبت السيدة بعاهة مستديمة تتمثل في العقم ، فرفعت هذه الأخيرة دعوى أمام الغرفة الإدارية لمجلس أدرار للمطالبة بالتعويض و التي عينت خبير مختص توصل إلى أن الخطأ الطبي هو الذي أدى إلى عقم السيدة ووفاة ابنتها ، فقضت لها الغرفة الإدارية بتعويض عن الضرر المادي والمعنوي مما جعل القطاع الصحي لأدرار يستأنف القرار ، وهنا قضى مجلس الدولة بالتأييد على أساس عدة أخطاء طبية مؤكدة أثناء عملية بسيطة ، وما نلاحظه في القرار الصادر عنه أن مجلس الدولة لم
يتكلم في حيثياته عن وجوب اشتراط الخطأ الجسيم في الخطأ الطبي ، كما أنه لم يعط أي وصف لهذا الخطأ الطبي ، وبالتالي نستشف من خلال ذلك أن مسؤولية المستشفى قائمة بغض النظر عن نوعية الخطأ المرتكب .
وقد اتخذ مجلس الدولة نفس الموقف في قرار آخر صادر عنه بتاريخ 17/01/2000 في قضية المستشفى الجامعي (ض) ، ضد (س . م) ، حيث لم يقم بتكييف الخطأ المتمثل في عدم اتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة وعدم ربط الهالكة طبقا للتعليمات الطبية مما أدى إلى رمي نفسها من نافذة الطابق الأول والتي كانت مصابة بالكوليرا التي ترفع لها درجة الحمى وبالتالي تأثر على حالتها النفسية ، ونجد هنا أن مجلس الدولة قد اعتبر عدم ربط المريضة على سريرها بناءا على تعليمات الطبيب خطأ مرفقيا وليس خطأ شخصيا ذلك لأن عملية ربط المريضة هي إجراء وقائي لتفادي الحاقها الضرر بنفسها مما يشكل اهمال صادر عن موظفي المستشفى الذي يعد في هذه القضية مرفقا متوقفا عن سيره أي أننا أمام صورة عدم تسيير مرفق عام السابق ذكرها .
/2002 إذ قضت فيه بمسؤولية القطاع الصحي وعيادة الولادة على أساس الخطأ الطبي المرتكب أثناء عملية توليد المدعية ، ونلاحظ هنا أيضا عدم استعمال قضاة الغرفة لعبارة خطأ جسيم أو خطأ بسيط أي أنهم اكتفوا بتأسيس قرارهم على الخطـأ الطبي دون تحديد وصف لهم وهذا يعني عدم اشتراط الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية مرفق المستشفى ، كما صدر قرار آخر عن نفس الغرفة بتاريخ 13/07/2004 تحت رقم فهرسه443/04 في إحدى حيثياته : ” إن
الوفاة لم تكن ناتجة عن خطأ علاجي إلا أن مسؤولية المستشفى قائمة باعتبار أن اهمال الممرضين دورهم في مراقبة مساعدة المريضة لقضاء حاجتها ساهم في تدهور حالتها الصحية نظرا لما بذلته من جهد يفوق طاقتها وهي تتوجه بمفردها إلى دورة المياه”. فالغرفة الإدارية أسست مسؤولية المستشفى على أساس الخطأ المرتكب من طرف ممرضي المصلحة الذين يقع عليهم واجب حراسة ومساعدة المرضى .
وفي الأخير يمكن القول أنه في مختلف النشاطات والمرافق التي تطرقنا إليها فإن معيار الصعوبة ” Critère de la difficulté ” الذي أصبح مستعملا في النشاط المعني وذلك حالة بحالة وليس مرفق بمرفق كما كان الحال سابقا ، والذي بات يعد حاليا الأداة الحاسمة لتحديد مجال تطبيق نظام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ الجسيم .
المطلب الرابع: قــاعــدة الجــمـع
تظهر أهمية تحديد طبيعة الخطأ في توزيع المسؤوليات وبالتالي في توزيع الاختصاص بين الجهات القضائية ، فإذا كان الخطأ المرتكب خطأ شخصيا فإن الجهة القضائية العادية هي التي تنظر في الدعـوى و تحمل الموظف عبء تعويض الضحية من ماله الخاص ، أما إذا كان الخطأ المرتكب خطأ مرفقيا فـإن الإدارة تكون مسؤولة عن تعويض الضرر الذي لحق الضحية أمام جهة القضاء الإداري ، و في حـالة وجود لبس وغموض حول طبيعة الخطأ المرتكب فإن الإدارة كانت ترفع النزاع أمام محكمة التنازع بفرنسا .
ومن تمﱠ فإن فكرة الجمع بين المسؤوليات كانت مستبعدة تماما باتفاق الفقه والقضاء على عدم الجمع بين مسؤولية الإدارة ومسؤولية الموظـف على أساس الـفصل التـام بين الخطأين، وعـدم إمكان تصور اشتراك الخطأين في إحداث الضرر للضحية .
وقد أدى هذا الاتجاه إلى وضع مضر بالضحية خاصة في حالة كان الموظف مرتكب الخطأ مفلـسا وهي الحالة الغالبة ، وهذا ما جعل القضاء الإداري يتساءل عما إذا كان الخطأ الشخصي يلزم الإدارة اتجاه الضحية عوض الموظف وذلك في إطار تحسين مصير الضحية ، بتمكينها من مطالبة اّلإدارة بتعويض الضرر باعتبار هذه الأخيرة عامرة الذمة دائما ومن تم يكون حصول الضحية على التعويض أكيــدا .
وقد مرت نظرية الجمع بمرحلتين، أولـها جمع الأخطاء وثانيها جمع المسـؤوليات، كما أنه تترتب عن هذه القاعدة عدة نتائج تتعلق من جهة بحقوق الضحية ومن جهة أخـرى بدعاوى الرجوع، و سنتطرق إلى كل ذلك فيما يلـــي :
الفرع الأول : جـمــــع الأخـطــــاء:
بعد صدور قرار “Pelletier” في 1873 استبعدت كل إمكانية للجمع بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي ، و جسد ت فكرة قيام إما مسؤولية الإدارة أو مسؤولية الموظف حسب طبيعة الخطأ وأمــام الجـهـة القــــضائية المختصة ، وفي 1911 منح قرار ” Anguet” للضحية إمكانية الاختيار بين متابعة الموظف المتسبب في الضرر أو متابعة الإدارة للحصول على تعويض، و هنا نكون امام خطأ شخصي و خطأ مرفقي في آن واحد .
أس وتتلخص وقائع قضيةAnguet 1 في أن هذا الأخير دخل مكتب البريد قبل غلقه لقبض حوالة ، ولما همﱠ بالخروج وجد أبوابه مغلقة ، فقصد الباب الخلفي المخصص لخروج العمال ، وفي طريقه إليه مرﱠ بقاعة الطرود فظنه بعض الموظفين لصا وهجموا عليه بالضرب ودفعوه مما أدى إلى سقوطه وكسر ساقه ، وقد ثبت أن ساعة المكتب لم تكن مضبوطة مما جعل الموظفين يغلقونه قبل الموعد الرسمي بدقائق ، فالخطأ المرفقي يتمثل في سوء تسيير مصلحة البريد بغلق أبواب المكتب قبل الموعد الرسمي ، أما الخطأ الشخصي فيتمثل في المعاملة غير العادية التي تلقاها السيد Anguet من قبل الموظفين مما أدى إلى كسر رجله.
في هذه الحالة كان يمكن للضحية الخيار بين المسؤوليتين ، فبإمكانها المطالبة بكامل التعويض عن الضرر من الموظف أمام القضاء العادي على أساس الخطأ الشخصي ، أو مطالبة الإدارة أمام القاضي الإداري بالتعويض الكامل على أساس الخطأ المرفقي .
ونلاحظ هنا أن جمع الأخطاء يطرح بصفة منطقية ، إذ أن هذه الصورة من الجمع قبلت في وقت مبكر وهي محل إجتهادات قضائية مستمرة .
الفرع الثانــي : جــمــع ا لـمـسـؤولـيـات
نكون أمام حالة جمع المسؤوليات عند حدوث ضرر ناتج عن خطأ شخصي مرتكب من قبل الموظف ويقرر القاضي الإداري مسؤولية الإدارة ، وقد ظهرت هذه الصورة من الجمع بعد فكرة جمع الأخطاء بسنوات مما أدى إلى توسيع مجال المسؤولية الإدارية ، فبعد أن كانت تقوم على أساس الخطأ المرفقي وحده ثم على اس الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي معا ، أصبحت تقوم رغم وجود خطأ شخصي فقط.
وفي هذا الإطار وقع تطور هام ، إذ بعد اعتراف القضاء الإداري بمسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الشخصي المرتكب داخل المرفق أصبح يعترف بمسؤولية هذه الأخيرة رغم أن الخطأ الشخصي ارتكب خارج المرفق.
1 – مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الشخصي المرتكب من طرف العون العمومي أثناء القيام بتسيير المرفق :
قد يرتكب العون العمومي خطأ أثناء تأديته لعمله دون أن يكون لهذا الخطأ علاقة بتسيير المرفق العام فيكون بذلك هذا الخطأ شخصيا، ورغم هذا فإن القضاء الفرنسي قرر لأول مرة في قراره المبدئي “Arrêt Lemonnier ” أن الإدارة مسؤولة عن الخطأ الشخصي ، وتتلخص وقائع هذه القضية في أنه عند التحضير لحفلة محلية نظمت ألعاب نارية أو ألعاب بالسلاح على أهداف عائمة في نهر صغير ، فأعلم رئيس البلدية بخطورة هذه الألعاب لعدم توفير الشروط الأمنية اللازمة إضافة إلى هذا عدم براعة المشاركين ، ولكن هذا الأخير لم يأخذ هذا الرأي بعين الاعتبار فلم يتخذ أي إجراء لمنع المارة من السير والمرور في الضفة الأخرى للنهر ، واكتفى بنصح اللاعبين بمزيد من المهارة في التصويب ، فحدث أن أصابت رصاصة طائشة السيدة Lemonnier التي كانت تسير مع زوجها وذلك في خذها الأيمن لتستقر بين عمودها الفقري وحنجرتها
، فقام الزوجان برفع دعوى أمام القاضي العادي ضد رئيس البلدية ، ودعوى أخرى ضد البلدية أمام مجلس الدولة ، وهنا حكم لهما هذا الأخير بالتعويض ، معلنا أن تقرير المسؤولية الشخصية للموظف لا تحول دون قيام مسؤولية الإدارة ، وإن كان هذا الجمع بين المسؤوليتين لا يعطي للمضرور الحق في التعويض مرتين تطــبـيـقا لـمـبـادئ الـعـدالـــة .
وقد سلم مجلس الدولة الفرنسي بقاعدة الجمع بين مسؤولية الإدارة و مسؤولية الموظف عند ارتكاب هذا الاخير خطأ شخصيا داخل المرفق و ذلك بناء على رأي مفوض الدولة ” Léon Blum” في هذه القضية الذي جاء فيه : ” إذا كان الخطأ قد ارتكب داخل المرفق أو بمناسبة مباشرة العمل به ، وإذا كانت وسائل وأدوات الخطأ قد وضعت تحت تصرف الجاني بواسطة المرفق ، وباختصار إذا كان المرفق قد مهد لارتكاب الخطأ فالقاضي الإداري يمكنه بل يجب عليه القول : أن الخطأ قد يكون شخصيا وينفصل عن المرفق وهذا أمر متروك تقديره للمحاكم العادية ، ولكن المرفق لا يمكن أن ينفصل عن الخطأ ” فمجلس الدولة إذن اعتمد جمع المسؤوليتين رغم أن الخطأ شخصي على أساس التسيير السيئ للمرفق .
وهناك حالات مشابهة طرحت أمام المجلس الأعلى الذي فصل في الاتجاه ذاته ، إذ ذهب أحد الجنود المناوبين في الثكنة إلى حفل أقيم في جوار الثكنة ، مصطحبا معه سلاحه ودون ترخيص فوقع حادث مميت أدى إلى صدور حكم جنائي من طرف مجلس قضاء الجزائر ضد الجندي وحكم نقدي ضد الدولة باعتبارها المسؤولة مدنيا ، وقد تعرض هذا الحكم للنقض من طرف المجلس الأعلى (04 جويلية 1966 ) لأنه من جهة الجرم الجنائي المرتكب من طرف الجندي يخضع لاختصاص المحاكم العسكرية الدائمة وليس للقاضي الجنائي العادي ، ومن جهة أخرى التعويض المدني الذي يقع على الإدارة بسبب الخطأ الشخصي للجندي يدخل في ا
ختصاص المحاكم المختصة بالنظر في المواد الإدارية ، وبالتالي نجد أن قرار المجلس الأعلى قد اعتمد ولو ضمنيا موقف القضاء الإداري الفرنسي في القضية المذكورة كونه نقض القرار الصادر عن مجلس قضاء الجزائر لمسائل إجرائية وليس موضوعية ، وهذا ما تبينه من خلال الحيثية الثانية المتعلقة بالتعويض المدني .
وتقوم مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الشخصي المرتكب من طرف العون العمومي أثناء تسيير مرفق عام في حالات أخرى وبمقتضى نصوص تشريعية فنجد مثلا أن مسؤولية الدولة تحل محل مسؤولية المعلمين والمربين عن أخطائهم الشخصية فيما يخص الأضرار اللاحقة بالتلاميذ أو الناتجة عن أفعالهم ، وهذا الحلول لا يمس إلا أعضاء أسرة التعليم العمومي على المستوى الابتدائي و الثانوي ويتمثل الخطأ الشخصي للمعلم هنا في إخلاله بالتزام المراقبة الذي يقع عليه اتجاه تلامذته وقد ورد النص على أن مسؤولية المعلمين والمربين في المادة 135/1 ق. المدني وذلك عن الأضرار التي يسببها تلامذتهم في الوقت الذي يكونون تحت رقابتهم ، والمثير للاهتمام أن المادة اقتصرت على الأضرار تسبب فيها التلاميذ دون الأضرار التي تلحق بهم عكس ما هو وارد في القضاء الإداري الفرنسي الذي يأخذ كذلك بدعوى الرجوع التي تمارسها الدولة ضد المعلم الذي يرتكب الخطأ الشخصي في حين لا وجود لحكم مماثل في المادة المذكورة .
كما أن هناك حالة أخرى تكون فيها البلدية أو الولاية مسؤولة عن الأضرار التي يتسبب فيها منتخبوها المحليين في غياب أي خطأ مرفقي ، إذ نصت المادة 145 من القانون رقم 90-08 المؤرخ في 07 أفريل 1990 والمتعلق بالبلدية على أن البلدية تكون مسؤولة عن الأخطاء التي يرتكبها رئيس المجلس الشعبي البلدي والمنتخبون البلديون وهم أعضاء المجلس وموظفو البلدية وهذا أثناء قيامهم بوظائفهم أو بمناسبتها شريطة أن يكونوا موكلين من طرفها للعمل باسمها بصفة خاصة ، على أنه يمكن للبلدية مباشرة دعوى ضد هؤلاء في
حالة كان الخطأ المرتكب شخصيا ويبقى إذن حق البلدية في ممارسة دعوى الرجوع ضد هم منوطا بها، وقد نصت المادة 118 من قانون الولاية الصادر07أفريل 1990 تحت رقم 90-09 على مسؤولية الولاية مدنيا
عن الأخطاء التي يرتكبها أعضاء المجلس الشعبي الولائي بما فيهم رئيسه ، على أنه يمكن للولاية الطعن لدى القضاء الإداري ضد مرتكب هذه الأخطاء وذلك في شكل دعوى الرجوع .
2 – مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الشخصي المرتكب من طرف العون العمومي خارج تسيير المرفق العام :
من المنطقي أن يسند الخطأ المرتكب من طرف الموظف خارج تسيير المرفق العام له شخصيا ويؤدي إلى مسؤوليته الشخصية ، ولكن رغم ذلك ولمساعدة الضحية جاء مجلس الدولة الفرنسي بحل يختلف عن هذه القاعدة المنطقية ، وكان ذلك في عدة قضايا تتعلق كلها بحوادث المرور التي تسبب فيها سيارات الإدارة والمستعملة من طرف أعوانها العموميين خارج تخصيصها الطبيعي أولها قضية الآنسة Mimeur . وتتلخص وقائع الآنسة ميمور أن سائق شاحنة عسكرية لم يتحكم في سياقتها فاصطدم بسكن الآنسة ميمور التي رفعت دعوى ضد وزارة الدفاع تطلب فيها تعويضها عن الأضرار التي لحقت بسكنها، إلا أن دعواها رفضت على أساس أن الجندي وقت الحادث لم يكن في مهمة خاصة بالمرفق العام، إذ أتضح عند التحقيق أن العسكري بعدما أنهى مهمته كان راجعا لمقر عمله وأثناء ذلك مرﱠعلى طريق غير مباشر لزيارة عائلته، فاعتبر مجلس الدولة أنه رغم وجود خطأ شخصي قام به الجندي في سياقة شاحنة ملك للإدارة إلا أن هذا الخطأ له علاقة ولو غير مباشر مع المرفق العام مما جعل جزء من التعويض يقع على عاتق الإدارة .
ورغم أن تعويض الأضرار التي تسببت فيها سيارة الإدارة أصبح من اختصاص القاضي العادي إلا أن مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الشخصي للعون العمومي خارج تسيير المرفق العام مازالت تطرح بغض النظــر عن حــوادث المرور ، إذ صــدر قرار عن مجلس الدولة في 28 أكتوبر 1953
” Dame Banquet ” يخص قيام أعوان مكلفين بالتفتيش بسرقة أموال منقولة كما صدر قرار آخر عنه رتب مسؤولية الإدارة رغم وقوع الخطأ الشخصي خارج أوقات العمل في 26 أكتوبر 1973 “Sadoudi ” وتتلخص وقائعه في أن شرطيا كان بغرفته بصحبة المدعو “Sadoudi ” وعند تنظيف مسدسه انطلقت طلقة نارية أدت إلى وفاة هذا الأخير، واعتبر مجلس الدولة أن الإدارة مسؤولة مع العون العمومي رغم أن العون لم يكن يقوم بتنفيذ مرفق عام أثناء الحادث ، وذلك لأن قواعد تنظيم المهنة كانت تلزم الأعوان بإبقاء المسدس في منازلهم ونظرا للخطورة التي يشكلها التزام حفظ السلاح في منازل الأعوان على الغير فإنه لا يمكن القول بعدم وجود علاقة بين الحادث والمرفق .
وفي هذا المجال يحاول القضاء الوصول إلى علاقة بين خطأ العون العمومي والمرفق العام، وذلك حتى عندما تكون الأشياء المستعملة لارتكاب الخطأ لم تكن تلك المستعملة لتسيير المرفق العام .
حـيـث صــدر عـن مـجـلـس الـدولـة فـــي 18 نـوفـمـبـر 1988 فـي قـضـية الـزوجـيـن “RASZEWSKI” ، في هذه القضية كان دركي يقوم بسرقة السيارات ويتعدى على الأشخاص بسلاحه وذلك عن طريق إطلاق النار عليهم ، فقام بقتل شخص بمسدسه الشخصي وبينما يظهر أنه لا توجد أية علاقة بين الأخطاء الشخصية التي كان يقوم بها ذلك الدر كي والمرفق العام ، اعتبر مجلس الدولة أن الاقتتال له ارتباط مع المرفق العام بحيث أن العون العمومي كان در كيا يشرف على
التحقيق حول كل الأخطار التي كان يقوم بها شخصيا الشيء الذي جعله يستمر خلال مدة طويلة في القيام بعدة جنايات ، فمشاركته في التحقيقات حول كل الأفعال الإجرامية التي كان يقوم بها بالدائرة التي يمارس فيها مهامه ساعدته في الهروب من إلقاء القبض عليه وكشف أمره وبالتالي في القيام بفعل القتل .
وبالتالي يمكن القول أن طبيعة العلاقة بين الخطأ الشخصي والمرفق العام إما أن تكون مكانية أي أن الخطأ يرتكب بالمكان الذي يمارس فيه العون العمومي مهامه ، وإما أن تكون زمنية أي أن الخطأ يرتكب في الوقت الذي كان على العون العمومي أن يمارس خلاله مهامه .
الفرع الثالث : نتائج الجمع
إن النتائج التي ترتبها قاعدة الجمع تتعلق من جهة بحقوق الضحية المجسدة في الدعوى التي يمكنها رفعها ، وبالعلاقة الموجودة بين الإدارة والموظف مرتكب الخطأ من جهة أخرى.
1- دعوى المضرور ( حقوق الضحية ) :
إن الاعتراف بجمع المسؤوليات فيما يخص حقوق الضحية يخضع للقواعد التالية :
1 – يكون للضحية حق الاختيار بكل حرية بين رفع دعوى ضد الإدارة أمام القاضي الإداري للمطالبة بالتعويض الكامل وبين رفع دعوى ضد الموظف أمام القاضي العادي للمطالبة بكامل التعويض أيضا ، وفي الواقع نجد أن الضحية تفضل عادة متابعة الإدارة لتضمن دفع مبلغ التعويض ودون تماطل .
2 – إذا كان مبدأ جمع المسؤوليات يهدف إلى تمكين الضحية من الاختيار بين متابعة الإدارة أو متابعة الموظف ، فإنه لا يمكنه أن يسمح بتعويض الضحية مرتين نتيجة الدعويين المرفوعتين ، وبالتالي يقابل مبدأ جمع المسؤوليات مبدأ عدم الجمع بين تعويضين .
ومن أجل ضمان إمكانية تعويض واحد فإن الاجتهاد القضائي كان يعتمد مبدأ الضمان ، وتبعا لذلك يكون على القاضي الإداري أن يأخذ بعين الاعتبار ما حكم به القاضي العادي ، فإما أن يحمل الإدارة بكامل التعويض أو يحملها بجزء منه ، ونظرا للنتائج المعقدة التي تتطلبها طريقة الضمان لطول الإجراءات وتعقيدها لتجد في الأخير موظف معسر في معظم الأحوال ، هجر القضاء الإداري هذه الطريقة وأصبح يطبق مبدأ الحلول وذلك منذ قرار”THévenet” في 23 جوان 1916 ، وبالتالي أصبح القاضي الإداري يحكم على الإدارة بكامل التعويض .
2 – دعاوى الرجوع :
إذا كانت نتائج جمع المسؤوليات بسيطة فيما يخص علاقة الضحية بالإدارة والموظف فإنها أكثر تعقيدا فيما يخص عبء التعويض الذي يقع عادة على الإدارة ، إذ تكون تصفية التعويض عن طريق دعوى الرجوع التي تمارسها الإدارة ضد الموظف في حالة قيامها بدفع المبلغ كاملا للضحية أو يمارسها الموظف ضد الإدارة في الحالة العكسية .
2- 1- دعوى الرجوع المرفوعة من الإدارة على الموظف :
نظرا لكون الضحية تفضل غالبا رفع دعوى التعويض ضد الإدارة ، فإننا نجد أن دعوى الرجوع المرفوعة من الإدارة على الموظف هي الأكثر استعمالا ، وهذا يثير مسؤولية الموظف اتجاه الإدارة فيما يخص متابعتها أمام القاضي الإداري بسبب الخطأ الشخصي لهذا الموظف .
• في النظام القديم :
لم يكن مسموح للإدارة المحكوم عليها بدفع كامل التعويض – دون أن يكون هناك خطأ مرفقي- إما على أساس جمع الأخطاء أو جمع المسؤوليات الرجوع على الموظف مرتكب الخطأ محل التعويض ، والذي
كانت مسؤولياته تفلت من كل عقاب ، ففكرة الجمع كانت تؤدي إلى الحصانة الكاملة للموظف من الأخطاء الشخصية ليس فيما يخص المجال المالي فقط ، وإنما حتى فيما يخص حسن سير الإدارة ، إذ أن الاجتهاد القضائي كان يعترف فقط بمبدأ الحلول منذ 1916، من خلال قرار “Thévenet” ، وقد صدر قرار عن مجلس الدولة في هذا الشأن بتاريخ 28 مارس 1924 “Poursines ” ، في هذه القضية السيد “Boxtel ” تم قتله بناءا على أمر الضابط ” Poursines” باعتباره مشبوه فيه قامت الدولة بتعويض ورثة “Boxtel ” بمبلغ أربعون ألف فرنك فرنسي ، وبعدها قام وزير الحرب آنذاك بإعذار الضابط المسؤول بدفع مبلغ التعويض للدولة ، في 02 جويلية أصدر أمر يلزمه برد المبلغ ، فطلب الضابط إلغاء هذا التصرف من مجلس الدولة الذي رأى أنه طبقا لقانون 24 ماي 1872 فإن مسؤولية الموظف غير المحاسب العمومي لا تقوم اتجاه الدولة بسبب الأخطاء التي ارتكبها عند مباشرة مهامه إلا إذا صدرت نصوص تشريعية خاصة تسمح للوزير بالتصريح بمديونية الموظف اتجاه الدولة ، وفي غياب مثل هذه النصوص تكون إدارة الحرب قد أخطأت حينما حملت الضابط عن طريق قرار بإلزامه بأن يرد لها مبلغ أربعون ألف فرنك نتيجة التعويض الذي دفعته لورثة الضحية ، وقرر مجلس الدولة في الأخير إلغاء قرار وزير الحرب .
• في النظام الحالي :
لقد جاء قرار “Laruelle ” الصادر عن مجلس الدولة في 28 /07/1951 بقواعد جديدة تقضي بمسؤولية الموظف مرتكب الخطأ الشخصي اتجاه الإدارة على أساس قيام هذه الأخيرة بتعويض الضحية عن الضرر الذي لحقها من جراء هذا الخطأ ، وتتلخص وقائع القضية في أن : “Laruelle ” ، ضابط صف قام بتاريخ15 جوان 1945 بصدم الضحية السيدة “Marchand ” بواسطة سيارة عسكرية كان يستعملها لأغراض شخصية لا علاقة لها بعمله ، فصدر قرار من مجلس الدولة بتاريخ 12 مارس 1948 يلزم الإدارة ب
تعويض الضحية وذلك على أساس أن السلطة العسكرية لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمراقبة خروج سياراتها من المرآب ، وبناءا على هذا القرار صدر قرار “Laruelle ” مفاده ترتيب مسؤولية هذا الأخير اتجاه الإدارة وبالتالي تحميله بمبلغ التعويض الذي دفعته للضحية .
وقد صدرت عدة قرارات عن مجلس الدولة في هذا الشأن أهمها قـرار “Delville ” وقرار “Moritz” نتجت عنها عدة قواعد أهمها :
1- يمكن للإدارة بعدما تقوم بتعويض الضحية التي رافعتها أمام القاضي الإداري أن ترفع دعوى رجوع أمام نفس الجهة حتى في غياب أي دعوى ضد الموظف ترفعها الضحية (Laruelle) وكذلك حتى ولو قامت بدفع التعويض تطوعا (Moritz ).
وبالتالي يمكن للإدارة حتى تضمن رد مبلغ التعويض من قبل عونها أن تلجأ إلى إجراءات تنفيذية.
2- يكون للقاضي الإداري النظر في توزيع المسؤولية بين الإدارة والموظف وبالتالي في توزيع عبء التعويض بينهما ، وفي حالة تعدد الموظفين المتسببين في الضرر اللاحق للضحية فإن فكرة الضمان مستبعدة ويكون بذلك كل واحد منهم مسؤول اتجاه الإدارة بقدر حصته في التعويض لقاء حصته في المســـــؤولية ” Jeannier ” .
3 – وعلى القاضي الإداري أن يأخذ بعين الإعتبار وجود الأخطاء المرتكبة من طرف الإدارة والموظف ومدى خطورتها فيكون للإدارة في حالة نتج جمع المسؤوليات عن خطأ شخصي أن تعود على الموظف بكامل التعويض الذي دفعته للضحية أو بتحميله بجزء منه كما حدث في قرار ” Jeannier ” الصادر عن مجلس الدولة في 22 مارس 1957 أين حاولت الإدارة تحميل الجنود الستة الذين كانوا في الشاحنة
العسكرية المتسببة في الحادث بكامل التعويض ، وقد قرر مجلس الدولة عندما رفعت الدعوى أمامه تحميلهم بربع قيمة التعويض المحكوم به على الإدارة .
4- إن القرار القضائي الذي ألزمت بموجبه الإدارة بتعويض الضحية لا يحوز قوة الشيء المقضي فيه في مواجهة الموظف أي انه لا يمكن له أن يحتج به كدفع في دعوى الرجوع المقامة ضده من قبل الإدارة ، فيكون له أن يطلب مراجعة قيمة مبلغ التعويض أو مبدأ مسؤوليته في حد ذاته “Laruelle ” .
وقد كرس المشرع الجزائري أحيانا وبشكل قاطع دعوى الرجوع للإدارة على الموظف، فحسب المادة 145 الفقرة التالية من قانون البلدية 90-08 فإنه يحق لهذه الأخيرة أن ترفع دعوى ضد منتخبيها المحليين في حالة إرتكابهم لخطأ شخصي وحملت البلدية بموجبه بتعويض المتضررين ، وكذلك الأمر في قانون الولاية 90-09 في المادة 118 منه ، حيث يخول للولاية ممارسة دعوى الرجوع ضد منتخبيها عندما تتحمل التعويض عن أخطائهم الشخصية اتجاه الغير .
وقد ورد بالأمر رقم 75-74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري في مادته 23 حكم خاص يرتب مسؤولية الدولة بسبب الأخطاء المضرة بالغير ، والتي يرتكبها المحافظ العقاري أثناء ممارسة مهامه ، على أن تحرك دعوى المسؤولية ضد الدولة في أجل عام واحد ابتدءا من اكتشاف الفعل الضار ، تحت طائلة سقوط الحق في الدعوى ، ويكون الدولة بناءا على ذلك حق الرجوع على المحافظ العقاري الذي ارتكب الخطأ الجسيم الذي رتب مسؤوليتها وبالتالي حملها عبء التعويض .
2-2دعوى الرجوع المرفوعة من الموظف ضد الإدارة :
يمكن استعمال دعوى الرجوع من طرف الموظف ضد الإدارة ويكون ذلك في صورتي نظرية الجمع :
1- قد يحدث أن ترافع الضحية الموظف أمام القاضي العادي الذي يقرر خطأ شخصي يسنده إلى هذا الموظف رغم أن الخطأ مرفقي ، فيحكم عليه بدفع مبلغ التعويض للضحية بكامله ، فيجد هذا الموظف نفسه يتحمل نتائج الخطأ المرفقي لوحده ، ولذلك جاء الاجتهاد القضائي لتفادي مثل هذا الوضع بحل جديد إلا أنه غير كاف إذ يعطي الحق للموظف في متابعة الإدارة في مثل هذه الحالة وذلك قبل صدور الحكم عن القاضي العادي ، وبقي الأمر كذلك بفرنسا إلى غاية صـدور قـانـون يتضمـن حـقـوق والتـزامات المـوظف بتاريخ 13جويلية1983 جاء في مادته 11 أنه على الجماعة المحاسبة أن تعيد للموظف التعويضات
لمدنية المحكوم بها ضده ، وقد اعتبر مجلس الدولة أن هذا المبدأ الجديد ليس إلا مبدأ من المبادئ العــامة للقانون .
أما في القانون الجزائري فإننا نجد ما يقابل هذه المـادة في القــانون الأساسي العام للوظيفة العمومية رقم 85-59 الصادر بـ 23 مارس 1985 ، إذ تنص المادة 17 الفقرة الثانية منها على : ” عندما يلاحق موظف بسبب خطأ مصلحي ، فإن الإدارة أو الهيئة العمومية التي يتبعها ملزمة ، حين يكون الخطأ الشخصي منفصل عن ممارسة وظائفه وغير منسوب لهذا الموظف ، بحمايته من الأحكام المدنية الموجهة ضده ” .
2- وقد يحدث أن يحاكم الموظف أمام جهة القضاء العادي رغم وجود خطأ شخصي و خطأ مرفقي في آن واحد ، فيتحمل هذا الأخير مبلغ التعويض بكامله رغم أن المسؤولية مشتركة بينه وبين الإدارة ، فنجد أن الاجتهاد القضائي قد اعترف للموظف بحقه في مباشرة دعوى الرجوع ضد الإدارة ، وفي هذه الحالة لا يكون
القاضي الإداري ملزما بما خلص إليه القاضي العادي في ما يخص تقدير التعويض الإجمالي لمبلغ التعويض أو توزيع عبء التعويض بين الإدارة والموظف .
2- 3- دعوى الرجوع المرفوعة من الإدارة ضد الغير :
تطبق نفس القواعد في حالة ما إذا كان الضرر المستحق للتعويض ناتجا عن فعل الغير ضد موظف تابع لإدارة معينة قامت بتعويضه ، إذ تحل هنا هذه الإدارة محل حقوق المضرور ألا وهو موظفها ، لاسترداد المبالغ التي دفعتها له وذلك عن طريق دعوى الرجوع ضد الغير المتسبب في الضرر ، ذلك أن فعل الغير يعفي جزئيا أو كليا الإدارة ، وبالتالي ينفي مسؤولياتها بقدر نسبة مشاركتها في الخطأ .
وقد نصت المادة 142 من قانون البلدية بإمكانية هذه الأخيرة في ممارسة دعوى الرجوع ضد المتسببين أو المشاركين في إحداث الضرر ، عندما تكون قد عوضت الموظف الذي لحــق بـه الضـرر ، وكذلك الأمر بالنـسبة لقــــانـون الـولاية إذ تضـمـن نفـس الحكم في المادة 117 منه .
وفي الأخير فإننا نشير إلى أن القضاء الإداري يكون دائما مختصا بالنظر في جميع دعاوى الرجوع باختلاف أطرافها ، باعتبار أن العلاقة بين الإدارة والموظف تخضع للقانون العام .
المبحث الثاني : نظام المسؤولية الإدارية بدون خطأ
المسؤولية الإدارية بدون خطأ كما تدل عليه تسميتها، تقوم في غياب ركن الخطأ فبعدما كانت المسؤولية الإدارية لا تقوم إلا في حالة ارتكاب خطأ ينسب للإدارة و هو ما يعرف بالمسؤولية الإدارية على أساس الخطأ، أصبحت المسؤولية الإدارية تقوم أيضا حتى في حالة عدم ارتكاب أي خطأ من جانب الإدارة، و هو ما يرتب مسؤوليتها في تعويض الأفراد جبرا للضرر الذي ألحق بهم.
و لقد عرفها مفوض الدولة Bertrand أمام مجلس الدولة الفرنسي في قضية ” سولز” و الذي أخذ مجلس الدولة برأيه في الحكم الصادر بتاريخ 06/11/1968 بمناسبة هذه القضية قـائـلا:
” إن مسؤولية الدولة بلا خطأ منها إنما هي تصحيح أدخله القضاء على ما يتسم به القانون العام من طابع اللامساواة، و هي تستوي عند نقطة التوازن بين مبدأ تغليب المصلحة العامة التي تضطلع الإدارة بتطبيقه في جميع الحالات التي يصطدم فيها بالمصالح الخاصة، و بين مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، و هو يتطلب التعويض عن كل ضرر منسوب إلى نشاط عام عندما يتجاوز الحدود اللازمة لظروف الحياة في المجتمع”.
و تتميز المسؤولية الإدارية بخصائص و هي:
– ليست مطلقة في مداها و هذا انسجاما مع خصائص المسؤولية الإدارية التي تبينها قرار بلا نكو هي تكميلية استثنائية من أجل المحافظة على التوازن بين الحقوق و الإمتيازات المقررة للإدارة و حقوق الأفراد ومتطلبات العدالة.
– يعوض عن الضرر إذا بلغ درجة معينة من الخطورة، بمعنى آخر أن يكون الضرر غير عادي و استثنائي.

– على الضحية إثبات العلاقة السببية بين الضرر و عمل الإدارة للحصول على التعويض دون حاجة لإثبات الخطأ كون المسؤولية تقوم بدونه.
– لا تعفي الإدارة من مسؤوليتها إلا في حالتين و هما القوة القاهرة و خطأ الضحية.
كما أن المسؤولية الإدارية بدون خطأ و فيما يخص الأسس القانونية التي ترتكز عليها أثارت جدلا كبيرا إلا أن غالبية الفقه و بناءا على التطبيقات القضائية لها اعتبروا أن كل من المخاطر و مبدأ المساواة في تحمل الأعباء العامة يشكلان أساس المسؤولية الإدارية بدون خطأ، و ذلك راجع لسبب منطقي و موضوعي يتمثل في وجود بعض الأضرار لا يتحملها الأفراد كونها ناتجة عن مخاطر أو نشاط إداري يمتاز بخطورة بل استنادا إلى مبدأ المساواة في تحمل الأعباء العامة.
هذا المبدأ ـ و الذي يتخذ وجهين هما المساواة في الحقوق و المنافع و المساواة في تحمل الأعبــــاء و التكاليف العامة ـ يوجب قيام مسؤولية الإدارة دون خطأ و ذلك بتحمل جميع أفراد الجماعة خسارة الأضرار الخاصة (غير العادية) و الاستثنائية اللاحقة بالأفراد و إلزامهم بالتعويض.
و على ضوء هذا الموقف الذي يجعل أساس المسؤولية الإدارية بدون خطأ هو كل من نظرية المخـاطر ومبدأ المساواة في تحمل الأعباء العامة، سنقسم دراستنا لهذا المبحث إلى مطلبين، و في كل واحد متهما سنتناول بشيء من التفصيل نظرية المخاطر و مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة.
لمطلب الأول: المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر
ظهرت المسؤولية عن المخاطر أساسا في القانون الخاص، لكنها تطورت في إطار القانون العام إلى درجة أنها أصبحت تشمل مختلف ميادين النشاط الإداري و لو أنها ما زالت مسؤولية احتياطية بحيث تظل المسؤولية عن الخطأ المرفقي هي الأصل و الاستثناء هو المسؤولية بدون خطأ عن مخاطر النشاط الإداري.
و المقصود بنظرية المخاطر هو أنه من أنشأ مخاطر ينتفع منها، فعليه تحمل تبعة الأضرار الناتجة عنها.
ففي بادئ الأمر طبق القضاء الإداري هذه النظرية في مجال الأشغال العمومية ثم امتد مجال تطبيقها بداية من القرن العشرين إلى مسؤولية الإدارة عن بعض الأنشطة و الأشياء الخطرة و التي تشكل مخاطر غير عادية.
و على هذا الأساس ارتأينا دراسة المطلب الأول في فرعين: الأول نتناول فيه المسؤولية الإدارية عن الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية، و الثاني المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر غير العادية.
الفرع الأول: المسؤولية الإدارية عن الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية
إن الضرر الناجم عن الأشغال العمومية هو أول ضرر لا يشترط لتعويضه وجود خطأ مرفقي، بحيث قد تلحق أشغال عمومية أضرارا بالأفراد دون أي خطأ. و ما دامت الأضرار الناجمة عن هذه الأخيرة يتحملها جميع أفراد الجماعة، فلا مسؤولية و لا تعويض إلا إذا بلغ هذا الضرر درجة معينة من الخطورة و مس عدد محدود و معين من الأفراد.
I ـ مفهوم الأشغال العمومية:
عرف الشغل العمومي على أنه كل عمل يقوم به شخص معنوي عام لصالحه أو لصالح شخص آخر معنوي ينصب على عقار يهدف من وراء تنفيذه تحقيق مصلحة عامة، هذا التعريف التقليدي للشغل العمومي يتضمن ثلاثة عناصر و هي:
1- عمل يقوم به شخص معنوي عام: و يجب أن يكون العمل ماديا كبناء، ترميم، صيانة، حفر أو هدم، و الشخص المعنوي العام محدد بنصوص قانونية من ذلك نص المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية.
2 -ينصب على عقار سواء كان بطبيعته أو بالتخصيص: و بالمقابل تستبعد المنقولات التي تملكها الإدارة العامة و لو كانت من أموالها العامة.
3 – تهدف من وراء تنفيذه تحقيق مصلحة عامة و تؤخذ في معناها الواسع.
ولقد تجاوز القضاء هذا التعريف التقليدي و وسع من مفهوم الأشغال العمومية انطلاقا من قرار” Effimief ” أين اعتبرت محكمة التنازع الأشغال المنجزة أشغالا عامة رغم أنها ـ و إن كانت أشغالا عقارية ـ تهدف إلى إعادة بناء عقارات تشكل ملكيات خاصة، و بالتالي فإن الأشغال لم تهدف إذن إلى تحقيق مصلحة عامة.
و بذلك أصبح يهدف من وراء الشغل العمومي تحقيق خدمة المرفق، بمعنى أنه يعتبر عاما و لو أنجز لصالح شخص خاص.
و من خلال هذا التعريف، يتميز الشغل العمومي عن المبنى العمومي الذي استعمل في وقت ما كمرادف له، و بعد تطور قواعد المسؤولية الإدارية التي تحكم الشغل العمومي تم التمييز بينهما على أساس أن الشغل العمومي هو العمل و النشاط ، في حين صنف المبنى العمومي ضمن الأموال، و ارتبط هذا التمييز بالنظرة إلى
مفهوم الشغل العمومي، بحيث لم يعد الشغل العمومي منحصرا في عملية ترميم المبنى العمومي أوهدمه، و إنما اتسع مجاله و بالمقابل فإن المبنى العمومي أصبح يقام بواسطة نشاط خاص، و يترتب عن تحديد
مفهوم الشغل العمومي تطبيق النظام القانوني الخاص بالأشغال العمومية و ذلك كلما توفر في نشاط إداري ما عنصر من العناصر المذكورة حتى و لو كان عقد تموين إن تعلق موضوعه بنقل مواد بناء إلى مكان إنجاز الشغل العمومي.
II – نظام المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية:
1 ـ معايير تحديد نظام المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية:
طرح الفقه على ضوء التطبيقات القضائية المسؤولية عن الأشغال العمومية معيارا لتحديد قواعد المسؤولية عن الأضرار الناجمة عنها و يستند هذا المعيار إلى طبيعة الضرر، و ميز فيه بين الضرر الدائم و الضرر العرضي، ففي الأول أسس المسؤولية دون خطأ أي على أساس المخاطر باعتبار الضرر نتيجة حتمية و محسوبة ضمن مخاطر تنفيذ الأشغال العمومية، أما في الثاني اشترط لتعويضه وقوع خطأ، فهي إذن مسؤولية مشروطة لأن الضرر كان ممكنا ألا يحصل كونه ليس نتيجة حتمية للأشغال بل حادث من حوادث تنفيذها.
أما القضاء فقد هجر هذا المعيار و استند إلى معيار الضحية، و ميز بين ما إذا كانت الضحية من الغير أو المشارك أو المرتفق و رتب المسؤولية أحيانا على أساس الخطأ و أحيانا أخرى بدون خطأ و هو ما سنتناوله بالتفصيل في قواعد المسؤولية الإدارية عن أضرار الأشغال العمومية.
2 ـ قواعد المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية:
كما سبق الإشارة إليه سالفا فإن القضاء يعتمد معيار طبيعة الضحية، و عليه فقواعد المسؤولية يختلف باختلاف هذه الأخيرة.
أ ـ الأضرار الواقعة على المشاركين:
المشارك هو الشخص الذي ينفذ بطريقة أو بأخرى الشغل العمومي (أي يشارك في إنشاء المبنى العمومي) و يندرج تحت هذا التعريف المقاول و عماله، الوكيل و مساعديه، و قد يكون المشارك شخصا اعتباريا.
إن تعويض الأضرار التي يتحملها هؤلاء يؤسس على الخطأ و ليس على المخاطر باعتبار أن المشارك ليس غريب عن مخاطر العملية كونه يشارك في إنجاز المبنى.
هذا الحل هو المتبع في الجزائر، حيث اعتبرت الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر في 16 أكتوبر 1964 بشأن حادث وقع أثناء أشغال قامت بها شركة كهرباء و غاز الجزائر بأن الشركة لا يمكن اعتبارها مسؤولة في مواجهة العمال الذين كانوا حين وقوع الحادث يشاركون في أشغال الصيانة للمنشآت المذكورة إلا إذا كان الحادث قد نتج عن خطأ ينسب لتلك المؤسسة العمومية.
ب ـ الأضرار الواقعة على المرتفقين:
المرتفق هو الشخص الذي يستعمل فعلا المبنى العمومي و المتسبب في الضرر، معنى ذلك أن العلاقة المباشرة ما بين الضحية و استعمال المبنى تعتبر معيارا أساسيا في تحديد المرفق كوقوع شجرة على أشخاص في حديقة عمومية. و يعتبر مرتفقا كذلك المستفيد بمرافق الماء، الغاز و الكهرباء، بحيث يكون الشخص مرتفقا عندما يصيبه ضررا من القناة التي يستفيد منها، و يعتبر من الغير إن كان مصدر الضرر القناة الرئيسية.
أما عن أساس المسؤولية الإدارية في حالة الضرر الذي يلحق المرتفق و لا تعفى الإدارة عن مسؤوليتها إلا إذا أثبتت أنها قامت بالصيانة العادية في حالة ما إذا كان الشخص مرتفقا.
أما إن لحق الضرر الغير فلا تعفى و لا يمكنها التذرع بقاعدة الصيانة العامة التي تعني السهر على صيانة المباني العمومية و سيرها العادي حتى يتمكن المرتفق من استعمالها دون خطر.
و لقد أخذ القضاء بنظرية غياب الصيانة العادية للمبنى العمومي كأساس للمسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية في حالة المرتفق ( اعتمد فكرة الخطأ كأساس ).
مثال ذلك ما أقر به مجلس قضاء قسنطينة في تعويض مرتفقي الطرق ( السواق )بسبب انعدام الصيانة في قراره بتاريخ 02/03/1983 عندما عوض ذوي حقوق السيد (ب،ع)الذي توفي على إثر حادث مرور من جراء انقلاب سيارته في منعرج خطير ليس به إشارة الخطر . اعتبر المجلس انعدام الإشارة بمثابة انعدام الصيانة مستوجبا قيام المسؤولية الإدارية.
كما أخذت المحكمة العليا في قرارها بتاريخ 17/04/1982 بمسؤولية الإدارة عن خطأ انعدام الصيانة عندما قررت تعويض الضحية التي اختنقت بغرفة الاستحمام بالمستشفى بسبب انعدام التهوية و المنافذ اللازمة لانفلات الغاز المحترق من جهاز تسخين مياه الاستحمام.
ج-الأضرار الواقعة على الغير:
يصعب تقديم تعريف للغير ، لذا فقد عرف بالسلب فالغير هو كل شخص لا يعتبر مرتفقا أو مشاركا.
و هناك محاولة عرفته بأنه ذلك الشخص الذي لا يستعمل المبني العمومي و لا يستفيد من أشغال عمومية.
و السؤال المطروح هنا هو : ما أساس المسؤولية الإدارية في هذه الحالة ؟و ما طبيعة الضرر الذي يلحق بالغير ؟
تؤسس المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر و تعوض الضحية الغير دون حاجة لتقديم أي إثبات سوى العلاقة السببية بين الضرر الحاصل و الأشغال العمومية.
أما بالنسبة للضرر ، فيشترط فيه أن يكون من طبيعة غير عادية ؛ بمعنى أنه يفوق الإزعاجات و العقبات البسيطة التي يتحملها عامة الناس. كما يجب أن يمس هذا الضرر حقا مشروعا بحيث لا يستفيد من التعويض الشاغل لملك عمومي.
و لقد قضى مجلس الدولة في 08/03/1999 بتأييد القرار المستأنف بتأييد القرار المستأنف كون أشغال الحفر كانت تحت إشراف البلدية و إدارتها و هي التي رخصت بها لسكان القرية، وكان يجب عليها أخذ الإجراءات السارية قانونا لحماية الحفرة و التأكد من كونها لا تشكل خطرا،و أن إهمالها لذلك يجعل مسؤوليتها قائمة.
و يتعلق موضوع القضية في سقوط طفل في حفرة أدى إلى وفاته، هذه الحفرة أنجزت لتخزين المياه حفرها سكان القرية الكائنة بعين أزال.
أقام ذوي حقوق الطفل دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء سطيف ضد بلدية عين أزال، فقضى بتحميل البلدية مسؤولية سقوط الضحية في الحفرة الموجودة تحت حراسة البلدية مع إلزام هذه الأخيرة بالتعويض.
يتعلق الأمر هنا بالمسؤولية عن الأشغال العمومية، و بما أن البلدية هي المرخصة بتلك الأشغال فإنها تعتبر صاحبة الأشغال خاصة و أنها تمت تحت إشرافها و إدارتها، وأن الضحية يعتبر من الغير بالنسبة لتلك الأشغال، فهو ليس مستعملا للأشغال و لا قائما عليها فهو مجرد طفل.
و لقد استقر القضاء الإداري على اعتبار هذه المسؤولية غير قائمة على الخطأ بل على أساس نظرية المخاطر، خاصة و أن الضحية ليس بالمشارك في تلك الأشغال العامة. فعملية إحداث حفرة كبيرة يعد مشروعا عموميا ذو طابع خطير، و أن وجود حفرة غير مغطاة و عير محاطة بسياج يحول دون وصول الأطفال إليها لهو شروع خطير ، و أن إشراف البلدية على عملية الحفر يجعل مسؤوليتها قائمة، ذلك أن عملية حفر حفرة كبيرة داخل محيط القرية يشكل خطرا يتجاوز ما يجوز أن يتحمله الخواص على أساس مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة.فترك حفرة دون سياج يعد خطرا و تسأل البلدية عنه.
و يلاحظ بأن إقامة مجلس الدولة و معه الغرفة الإدارية لمجلس قضاء سطيف المسؤولية على أساس خطأ غير عمدي أو إهمال في غير محله، ذلك أنه لا يشترط في مثل هذه الحالات (الأشغال العامة) ارتكاب خطأ و لو عمدي من قبل البلدية بل يكفي أن يكون هناك ضرر استثنائي (و هو الوفاة في حالتنا هذه)، يكون نتيجة لوجود مشروع عموم(الحفرة) و التي تشكل خطرا سواء بالنسبة للغير أو لمستعملي المشروع العام.
كما يذهب القضاء الإداري الفرنسي بأنه يكفي للضحايا أو ذوي حقوقهم إثبات “عيب الصيانة العادية” للحصول على التعويض.
وفي هذه القضية فإن عيب الصيانة العادية متوفر، لعدم قيام البلدية بإحاطة الحفرة بسياج يحمي الأطفال من عدم السقوط فيها و كذا الحيوانات الأليفة، و هو ما لم تقم به البلدية و علية فهي مسؤولة و تتحمل التعويض .
3- طبيعة الضرر في نظام المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية و صوره:
أ – طبيعة الضرر :
إلى جانب الشروط العامة للضرر القابل للتعويض بأن يكون شخصيا ، مؤكدا أو محققا ، و أن يمس بمصلحة مشروعة ، يجب أن يكون الضرر مادي و غير عادي و أن تكون العلاقة مباشرة ما بين الضرر وشغل العمومي .
ب- صور الضرر : من صور الضرر الناجم عن الأشغال العمومية ما يلي :
– ضرر ناجم عن إنجاز أشغال عمومية.
– ضرر ناجم عن عدم تنفيذ شغل عمومي كعدم وجود إشارات متعلقة بوجود أشغال عمومية، و هو ما جسد في قضية شركة التأمين Le soleil “” حيث اعتبرت الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر أن عدم الإشارة لوجود الخطر على طريق عمومي ( مبنى عمومي ) كان سبب في حدوث ضرر أدى إلى وفاة الضحية .
إذ تتلخص وقائع القضية في وفاة مسافر كان على متن شاحنة صغيرة مارة ببلدية ابن عكنون بسبب اصطدام سقف الشاحنة بشجرة تشرف على الطريق .
-ضرر ناجم عن سوء أو عدم صيانة مبنى عمومي .
– ضرر ناجم عن سوء سير مبنى عمومي كتدفق مياه ملوثة أو رائحة كريهة يعود مصدرها إلى شغل عمومي أو مبنى عمومي.
و الأضرار الواردة في هذه القائمة هي على سبيل المثال لا الحصر، لأن مسألة تحديد الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية تعود إلى السلطة التقديرية للقاضي الإداري حسب ظروف و ملابسات و طبيعة الضرر وعلاقته بالشغل العمومي.
III- قواعد الإختصاص في منازعات الأشغال العمومية :
1 – الإختصاص النوعي:
حسب المادة 7 فقرة أخيرة من قانون الإجراءات المدنية فإن الإختصاص النوعي في حالة المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية يعود إلى الغرفة الإدارية بالمجالس القضائية كأول درجة ( إلى حين تنصيب المحاكم الإدارية في الميدان) و التي تصدر قرارات ابتدائية قابلة للإستئناف أمام مجلس الدولة ( الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا سابقا ) .
2 – الإختصاص الإقليمي :
إن قواعد الإختصاص الإقليمي في منازعات الأشغال العمومية تحكمه المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية المعدلة بقانون 90/23 و المنظمة بالمرسوم رقم 90/407 و المراسيم التنفيذية اللاحقة التي تحدد كيفية تقسيم المجالس القضائية و المادة 8 من نفس القانون و التي تنص على: ” …. في القواعد المتعلقة بالأشغال العمومية أمام الجهة القضائية التي تقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال…”
وفي فقرة أخرى نصت على أنه: ” … في الدعاوى العقارية أو الأشغال أمام المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها “.
الفرع الثاني : المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر غير العادية
امتد مجال تطبيق نظرية المخاطر ليشمل بعض الأنشطة و الأشياء الخطرة، و كذا بعض الحالات الناجمة عن المشاركة الظرفية في المرافق العامة ، وهو ما سنتناوله في النقاط التالية :
I – الأنشطة و الأشياء الخطرة : و تندرج تحتها الحالات الآتية :
1- المتفجرات و الذخيرة:
لقد وضع القضاء الإداري قواعدها ابتدءا من قضية ٌRegnault Desroziers و تعود وقائع القضية أنه بتاريخ 04/03/1916 وقع انفجار مهول في قلعة La double couronneفي شمال Saint-Denis أين تم تخزين مجموعة من الذخيرة الحربية ، و قد خلف الحادث في المدينة و المناطق العمرانية المجاورة العديد من الضحايا و أضرارا مادية بليغة، فطلب المدعون التعويض عن الأضرار التي أصابتهم و قبل مجلس الدولة الطلب على أساس المخاطر الاستثنائية للجوار دون أن يلجأ إلى الخطأ معترفا بأن حيازة وزارة الحربية لآلات خطيرة في ظروف مماثلة تحتوي على مخاطر تفوق تلك التي تنتج عادة عن الجوار يرتب مسؤوليتها.
و لقد سنحت الفرصة بعد ذلك للمحكمة العليا للتعبير عن موقفها بوضوح و إعلانها تطبيق نظرية المخاطر الإسثنائية للجوار، و بالتالي السير على طريق الإجتهاد القضائي الفرنسي ، و يتضح ذلك من خلال قضية ” بن حسان احمد ” ضد وزير الداخلية .
حيث تتلخص وقائع القضية في اشتعال حريق في مرآب تابع لمحافظة الشرطة المركزية بالجزائر العاصمة، و كان نتيجة لانفجار خزان بنزين، فأسفر الحادث عن وفاة زوجة المدعي بن حسان احمد و جنينها
و إبنته، فرفع دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر قصد تعويضه ، فقضت على الدولة ممثلة في وزير الداخلية بالتعويض .و أقرت حول تأسيس مسؤولية الإدارة أن وجود مثل هذا الخزان يشكل مخاطر استثنائية على الأشخاص و الأموال و أن الأضرار التي تلحق بالضحايا ضمن هذه الظروف تتجاوز في خطورتها الأعباء التي يتحملها عادة الأفراد.
1-المسؤولية الإدارية بسبب أنشطة مراكز التربية و المراقبة:
أنشئت هذه المراكز خصيصا لتربية الجانحين الأحداث و بهدف إدراجهم في الحياة العادية، فما هو أساس المسؤولية في حالة هروب أحدهم منها ؟ و أثناء فراره ارتكب جريمة على الغير أو على جيران المركز؟
لقد كان قرار مجلس الدولة في 03/02/1956 في قضية Thouzellier ضد وزير العدل أول قرار دشن المسؤولية بدون خطأ عن المخاطر الخاصة التي يتسبب فيها الأحداث المجرمين.
حيث هرب اثنان من الأحداث الموجودين بإحدى مراكز التربية عندما كانوا في نزهة نظمها مسؤولو الإصلاحية و قاما بسرقة أحد المنازل المجاورة . و رغم انعدام الخطأ لأن المشرفين بلغوا عن هروب الحدثين، إلا أن مجلس الدولة الفرنسي قضى بالتعويض.
و الحقيقة أن هذا القرار يضيف جديدا و يؤكد قديما ، فالجديد أنه من الآن فصاعدا فإن مخاطر الجوار ستشمل كافة النشاطات الخطرة و ليس انفجار الأشياء فقط كما كان الأمر في قضية Regnault Desroziers ، و القديم أن قرار Thouzellier مازال متمسكا بفكرة الجوار حيث لا تعوض إلا الأضرار اللاحقة بالأشخاص و الملكيات المجاورة .
ثم لين مجلس الدولة موقفه و أعاد النظر في مفهوم الجوار خاصة بعد تطور وسائل النقل السريعة التي تسمح للأحداث الفارين من ارتكاب جرائمهم بعيدا عن مراكزهم و على ذلك أصبح القضاء الإداري يأخذ
بنظرية المخاطر غير العادية للغير بدلا من المخاطر غير العادية للجوار مما أدى إلى توسيع مفهوم الضحايا الذين لهم الحق في التعويض عن هذا النوع من هذا الضرر ، مع اشتراط أن يكون تاريخ ارتكاب الجرائم غير بعيد عن تاريخ فرار الحدث من مركزه و هذا لتلاشي العلاقة السببية بين الفرار و الضرر.
أما إذا كانت الضحية هو الحدث فإن المحكمة العليا قضت في قضية ” منصوري ” ضد وزارة الشباب و الرياضة و التي تتلخص وقائعها في أن الشاب ” منصوري ” قد وضع في مركز خاص بإعادة التربية بقسنطينة وبعد 3 أيام هرب من المركز و أعيد إليه من طرف مصالح الشرطة، إلا أنه فر ثانية في نفس اليوم ثم عثر عليه في اليوم الموالي ميتا.
حيث قررت المحكمة العليا الغرفة الإدارية أن عدم المراقبة و الخلل المرتكب من طرف المركز يعد خطأ جسيم يرتب مسؤولية المركز. وعليه فهي أسست مسؤولية مراكز التربية و المراقبة على أساس الخطأ الجسيم ربما لان الهارب في القضية التي رفعت أمامها هو نفسه الضحية.
3- مسؤولية مستشفيات الأمراض العقلية :
ويحكمها الأمر المؤرخ في 23/10/1976 المتضمن قانون الصحـة المعـدل و المتمـم .
و لقد أقيمت المسؤولية في بادئ الأمر على الخطأ الجسيم ، و بالتطور أسست على المخاطر لأن الخروج منها و لو كان مرخصا لبعض المرضى فانه يشكل مخاطر غير عادية .
4- الأسلحة النارية :
ومن بينها استعمال الأسلحة النارية من طرف أعوان مصالح الأمن. ولقد استقر الفقه و القضاء الإداريين على مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن نشاط مرفق الشرطة كقاعدة عامة و لم تنتف مسؤوليتها الخطئية إلا في 10/01/1905 بمناسبة قضية ” Tomaso – Gricco” ( وتتلخص وقائع القضية في إصابة هذا الأخير بجروح أثناء مطاردة رجال الدرك لثور هائج في إحدى الأحياء التونسية فرفض مجلس الدولة طلبه على أساس انه لم يثبت أن الطلقة التي أصابته صادرة عن الدرك ، ولا ما يثبت أن الحادثة تعود إلى خطأ مصلحي ) وذلك على أساس الخطأ الجسيم ، ثم وقع في تاريخ لاحق التمييز بين النشاط الإداري المرفقي وأسست فيه المسؤولية على أساس الخطأ البسيط ، والعمل المادي التنفيذي وأسست فيه المسؤولية على أساس الخطأ الجسيم . بعد ذلك وفي إطار العمل المادي التنفيذي فرق القضاء بين حالتين وهما:
أ – حالة عدم استعمال السلاح : أقيمت المسؤولية في هذه الحالة على أساس الخطأ الجسيم .
ب- حالة استعمال السلاح : ميز في هذه الحالة بينما إذا كانت الضحية مقصودة أو غير مقصودة . ففي الحالة الأولى يشترط القضاء الإداري لترتيب مسؤولية مصالح الشرطة الخطأ البسيط ( قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 27 /07/1951 في قضية ” Aubergé et Dumant ” ) .
أما في الحالة الثانية، فتؤسس مسؤولية مصالح الشرطة على أساس المخاطر.
حيث أنه في عام 1949 حدث تحول هام في قضاء مجلس الدولة عندما قرر مسؤولية الدولة عن استعمال الشرطة للأسلحة الخطيرة دون اشتراط الخطأ ، ويتعلق الأمر بقضية ” Lecomte ” .التي تعود وقائعها إلى تاريخ 10/02/1945 عندما كان أعوان الأمن العمومي في باريس مكلفين بإيقاف سيارة
مشبوهة رغم استعمال إشارة التوقف ثم الصفارة فإن السيارة تخرق الموقف مما أدى إلى إطلاق النار باتجاه أسفل السيارة من طرف أحد رجال الشرطة ، فأصابت السيد ” Lecomte ” الذي كان جالسا إلى جانب السائق فأرداه قتيلا . فأقر مجلس الدولة الفرنسي المسؤولية دون اشتراط الخطأ لأول مرة ذلك لوجود مخاطر استثنائية ليس في هذه القضية فقط بل وأيضا في قضيتين متشابهتين وهما: Franquette و Dramy .
إن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا اتخذت موقفا خاصا في قضية وزير الداخلية ضد السيد “سماتي نبيل” في قرارها بتاريخ 25/06/1976 تتلخص وقائعها في أن مصالح الشرطة أوقفت السيد سماتي الذي كان يحمل محلق وعلبة حبوب ممنوعة، وبعد تسليمه لمصالح الأمن بالجزائر لاستنطاقه نقل في نفس العشية إلى المستشفى الجامعي لعلاج جروح في عينه نتيجة سقوطه داخل محافظة الشرطة .
فأقرت المحكمة العليا بعد رفع الضحية دعوى تعويض أن مصالح الشرطة مسؤولة على أساس الخطأ المرفقي الناجم عن تهاون رجال الشرطة ( سوء سير المرفق ) بدل من القاعدة المطبقة في هذه الحالة و هي اشتراط الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية مصالح الشرطة عن نشاطها المادي التنفيذي بدون استعمال السلاح.
غير أن هناك موقف آخر للاجتهاد القضائي الجزائري يساير اجتهاد Le comte في قضية وزارة الداخلية ضد السيدة( ل.م).

حيث تعود وقائع القضية في أنه بتاريخ 15/09/1970 أثناء قيام رجال الشرطة بعملية إلقاء القبض على أحد المجرمين في مدينة البليدة أصيب السيد ب.م برصاصة ضائعة و هو واقف أمام دكانه و توفي على إثر ذلك. فرفعت أرملة المرحوم دعوى تعويض ، فصرحت الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي بمسؤولية الدولة على أساس الخطأ، لكن المحكمة العليا عند استئناف الحكم أقامت المسؤولية على أساس المخاطر و ليس على أساس الخطأ. حيث جاء في حيثيات القرار ما يلي:
” حيث أنه إذا كانت مسؤولية مصالح الأمن لا يمكن أن تقام إلا أساس الخطأ الجسيم فإن مسؤولية الدولة قائمة دون وجود أي خطأ عندما تستعمل مصالح الأمن أسلحة نارية قد تشكل مخاطر خاصة بالنسبة للأشخاص و الأموال تتجاوز الأضرار الناجمة عنها، الحدود العادية التي يمكن تحملها…” .
كما أقر مجلس الدولة الجزائري في 01/02/1999 بمسؤولية مصالح الشرطة في قضية المديرية العامة للأمن الوطني ضد أرملة لشاني ومن معها.
حيث أن وقائع القضية تتمثل في أن الشرطي أسندت له مهمة الحراسة بلباس مدني بمستودع ميترو الجزائر وكان حائزا على سلاحه الناري الخاص بعمله، غير أنه أهمل منصبه و ذهب لشراء ” محارق” و قد استعمل سلاحه الناري الخاص بالخدمة ضد المدعو لشاني نور الدين مصيبا إياه بجروح خطيرة أدت إلى وفاته، فرفعت أرملة المرحوم دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر ضد المديرية العامة للأمن الوطني طالبة التعويض، فأصدرت قرارا يقضي بمسؤولية المديرية و ألزمتها بدفع التعويض .
و بعد استئناف المديرية للقرار أمام مجلس الدولة الذي قضى بتأييده مؤسسا قضاءه على المادة 136 من القانون المدني.
ما يلاحظ على قرار مجلس الدولة أنه في قضاءه بتأييد القرار من جعل المسؤولية قائمة على عاتق المديرية العامة للأمن الوطني يكون منصفا للمدعية ، غير أن اللجوء إلى قواعد القانون المدني في تأسيس المسؤولية غير مستساغ لأن قواعد القانون مبنية على أساس مبدأ المساواة، في حين أن نشاط الإدارة يتميز بعلاقات قانونية غير متساوية.
فمسؤولية مصالح الشرطة هي قائمة على أساس استعمال أسلحة خطيرة و ليس على خطأ الشرطي، فالطرف المدني لا يثبت الخطأ بل واقعة استعمال السلاح الناري التابع لمصالح الشرطة والضرر الواقع و العلاقة السببية المؤثرة بينهما.
فالمسؤولية هنا على أساس السلاح الناري و أن دفع المديرية بأن الشرطي كانت له وقت الحادثة السيطرة الكاملة على سلاحه الناري و أنه لم يكن في الخدمة مردود عليه من جهتين:
– السلاح الناري سلم إليه بسبب وظيفته، و على الإدارة التأكد من كونه لن يستعمل سلاحه في إحداث ضرر بالغير لكون السلاح الناري يمتاز بالخطورة.
-الشرطي استعمل سلاحه الناري بمناسبة وظيفته أي لو لا وظيفته كشرطي لما استعمل ذلك السلاح وبعبارة أخرى وظيفته سهلت له ارتكاب الجريمة. ويشترط لتطبيق المسؤولية بدون خطأ و على أساس استعمال السلاح الناري أو السلاح الخطير توافر ثلاثة شروط وهي:
– استعمال أسلحة أو آلات ذات مخاطر استثنائية للأشخاص و الأموال.
– أن تكون الأضرار نتيجة ذلك الإستعمال.
– أن تكون تلك الأضرار متميزة في جسامتها و تتجاوز المساوي العادية الناتجة عن وجود مصالح الشرطة.
و في آخر المطاف، فإن المسؤولية أساسها نظرية المخاطر و لا علاقة لقواعد القانون المدني، و على الأخص الأحكام المتعلقة بالتابع و المتبوع .
كما يقول محافظ الدولة “باربي”: “نظن بأن استعمال السلاح من طرف الأعوان المكلفين بحفظ الأمن يجعل الخواص عرضة لمخاطر غير عادية، و التي تفتح لهم الحق في التعويض إذا تحققت تلك المخاطر.”
فيكفي إذن لتقوم مسؤولية المديرية العامة للشرطة أن يكون هناك سلاحا ناريا، و أن ينتج الضرر عن استعمال ذلك السلاح دون التفكير في وجود خطأ أم لا ما دامت الإدارة هي التي منحت السلاح للشرطي، فأساس المسؤولية هو المخاطر أو خطورة السلاح.
II – حالة الأخطار الناجمة عن المشاركة الظرفية في المرافق العامة(المجانية):
نشير في البداية إلى أنه بالنسبة للأعوان الدائمين التابعين للإدارة و الذين كانوا ضحايا عملهم ، فإن مجلس الدولة أقام المسؤولية في بداية الأمر على أساس المخاطر، لكن قراره هذا عرف تراجعا و لم تكن له فائدة أو أهمية ابتداءا من صدور النصوص المتعلقة بإصابات العمل و الأمراض المهنية، و قد صدرت هذه القوانين الإجتماعية في الجزائر سنة 1983 .
أما بالنسبة للمتعاونين غير الدائمين أو كانوا من الغير و قدموا مساعدتهم مجانا، فإن مجلس الدولة وسع تدريجيا من مفهوم المعاون في علاقته مع المرفق، فبعد أن كان يشترط فيه أن يكون مقبولا من الإدارة صار مطلوبا، ثم قبلت مشاركته الفجائية و نظر إلى حالة الاستعجال نظرة مرنة.
و من أمثلة ذلك المساعدة المجانية في الحفلات المحلية، إنجاد غريق. و أقيمت المسؤولية على أساس المخاطر ، لكن و نظرا للتعويض الكبير من المصالح الإدارية و الهيئات اللامركزية اقترح البعض أن يكون التعويض على حساب الدولة بدلا من مالية الهيئات المحلية .
و كأمثلة في القوانين عن تطبيقات المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر:
– المسؤولية عن مخاطر الكوارث الطبيعية : I
الكارثة الطبيعية فجائية – أي غير متوقعة – وطبيعية أي أن الإنسان لا دخل ولا يد له ، فما دخل مسؤولية الإنسان فيها؟ علما أن المسؤولية الإدارية هي مسؤولية إنسانية لأن الإدارة باعتبارها شخصا معنويا يباشر نشاطها الأعوان الإداريين لصالحها وباسمها .
إن التطور العلمي الذي تعرفه البشرية وسع من تدخل الإنسان في الطبيعة وسيطرته عليها ، فأصبح يغير من جغرافيتها ومحيطها ليستقر ويضمن أمنه ، فإذا لم يكن بإمكاننا استبعاد مسؤولية الإنسان في بعض الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات وانزلاق الأراضي والأعاصير والبراكين فإن هذه المسؤولية تظهر أكثر في مجموعة أخرى من الكوارث والتي تحدث أساسا بفعل الإنسان كانهيار عقارات وانفلات مياه السد ، الحوادث النووية انهيار منجم … الخ . فالإنسان بإنشائه لهذه المنشآت يكون قد أنشأ مخاطر جديدة ومحتملة فهو في هذه الحالة إما يساهم في حدوث تلك الكوارث أو يتسبب مباشرة فيها ولهذا فإن المسؤولية غالبا ما تكون على أساس المخاطر إلا أنها أحيانا تكون على أساس الخطأ وهذا ما سنراه فيما يلي:
1 _ تأسيس مسؤولية الدولة على أساس المخاطر: ومن أمثلة ذلك:
_ المرسوم رقم 25_81 المؤرخ في 28 فيفري 1981 والمتضمن تأسيس لجنة لتعويض ضحايا الشلف ، والذي تم بموجبه تعويض العائلات المنكوبة علي إثر زلزال أكتوبر 1981
_ المادة 202 من القانون رقم 20_ 87 المؤرخ في 23 ديسمبر 1987 والمتضمن قانون المالية لسنة 1988 ، التي تم بموجبها إنشاء صندوق الضمان ضد الكوارث الفلاحية والمرسوم التنفيذي رقم 158_ 90 المؤرخ في 26 ماي 1990 المحدد لكيفيات تطبيقها .
ففي هذه الحالات نحن أمام مسؤولية غير خطئية باعتبار أننا أمام قوة قاهرة بأتم معنى الكلمة إذ يتعلق الأمر بحادث طبيعي خارجي لا يد للإنسان فيه ، كما لا يمكن دفعه أو توقعه وفي القانون المقارنة نجد في التشريع الفرنسي عدة قوانين في هذا المجال نذكر منها :
– قانون 10جويلية 1964 الذي يؤسس نظام الضمان ضد الكوارث الفلاحية .
– قانون 31ديسمبر 1959 لتعويض ضحايا انفلات سد ” Malpasset” .
– قانون 21 ديسمبر 1960 لتعويض ضحايا فيضانات 1960 .
وهذه المسؤوليات جميعها يتم تأسيسها في إطار نظرية المخاطر اعتبارا لحجم الضحايا ومأساة النتائج التي تخلفها مثل هذه الكوارث والتي تفرض على المجتمع كله مجابهة هذه المخاطر الاجتماعية التي تطغى على كل خطأ ، وفكرة التضامن هذه يضمنها الدستور الجزائري في نهاية مقدمته حيث أشار إلى محافظة الشعب على تقاليده في التضامن ، فهناك تداخل بين فكرتي التضامن والمخاطر في تأسيس هذه المسؤولية .
ونشير إلى أنه في الجزائر وبعد الزلزال الرهيب الذي ضرب منطقة الجزائر العاصمة وضواحيها صدر الأمر 03 -12 المؤرخ في 26 غشت 2022 الذي ينص على إلزامية التأمين على الكوارث الطبيعية وتعويض الضحايا، فكل مالك لملك عقاري عليه أن يكتتب عقد التأمين لضمانه من أثار الكوارث الطبيعية ، وتتولى شركات التأمين تغطية الآثار الناجمة عن الكوارث الطبيعية التي عرفتها المادة 02 منه على أنها ” كل حادث طبيعي ذي شدة غير عادية … ” كما نصت المادة 13 منه على أنه ” لا يمكن لأي شخص طبيعي أو معنوي لم يمتثل لهذا الالتزام أن يستفيد من أي تعويض للأضرار التي تلحق بممتلكاته جراء كارثة طبيعية ” وهذا معناه
أن الدولة لم تعد مسؤولة عن تعويض الأضرار المادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية، أما الأضرار الأخرى فلا تزال الدولة تتكفل بها.
2 – تأسيس هذه المسؤولية على أساس الخطأ:
إن كان الأصل هو تأسيس المسؤولية في مجال الكوارث الطبيعية على أساس المخاطر فإنه أحيانا يؤسسها القانون أو القضاء على أساس الخطأ، ومن أمثلة ذلك نجد المادة 140 من قانون البلدية التي تنص على أنه ” في حالة وقوع كارثة أو نكبة أو حريق فلا تتحمل البلدية أية مسؤولية تجاه الدولة والمواطنين إلا عندما تتخلى عن أخذ الإحتياطات المفوضة إليها بمقتضى القوانين والتنظيمات ” هذه الإحتياطات نصت عليها المادة 71 من نفس القانون ضمن صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي .
وفي هذا الصدد دائما نجد المحكمة العليا في إحدى قراراتها تقيم مسؤولية الدولة على أساس عدم أخذ الاحتياطيات اللازمة والتي نصت عليها المادة 75 من قانون الولاية القديم وكذا المادة 76 من قانون المياه،
وقد جاء في منطوق هذا القرار ” متى كان من المقرر قانونا أن الدولة تقوم على مستوى الشبكة الهيدروغرافية بإنجاز منشأة التنظيم والتعديل والمعايرة والحجز وتسوية المرتفعات الخاصة بالفيض قصد حماية الاقتصاد الوطني والأشخاص وممتلكاتهم من مخاطر الأضرار التي تحدثها المياه ومن ثم فإن حدوث فيضانات أدت إلى خسائر
ادية دون أن تقوم بمنعها أو على الأقل بتوقعها والعمل على تجنبها بجميع أشغال الصرف الضرورية، لا يعد قوة قاهرة ويجعل مسؤولية الإدارة قائمة ” .
II- مسؤولية الدولة عن الأعمال الإرهابية :
لمدة طويلة كان مصير ضحايا الأعمال الإرهابية مهمشا باعتبار أن مجلس الدولة الفرنسي كان يرفض الاعتراف بمسؤولية الدولة بدون خطا، فكان يشترط أن يكون هناك خطا جسيم مادام أن ذلك يتعلق بالنشاط المادي لمصالح الأمن . ففي قضية ” yener ” على سبيل المثال والتي تمثلت وقائعها في اغتيال سفير تركيا بفرنسا وهذا وسط مدينة باريس ، فإن الاعتراف بمسؤولية الدولة في هذه القضية كان على أساس الخطأ الجسيم بسبب عدم الاحتياط ضد الهجمات و الاعتداءات ، وعدم كفاية تدابير الأمن لحماية أعضاء بعث دبلوماسية وبقي الأمر على حاله إلى حين صدور القانون المتعلق بمحاربة الإرهاب والمساس بأمن الدولة المؤرخ في 09 سبتمبر 1986 والمعدل في 06 جويلية1990 الذي نص على إنشاء صندوق تضامن Unfond de Garantie
الذي يتكفل بتعويض ضحايا الأعمال الإرهابية المرتكبة على الأراضي الفرنسية وكذا الأشخاص من جنسية فرنسية المتضررين خارج التراب الفرنسي من جراء نفس الأعمال وهذا فيما يخص الأضرار الجسدية بينما تتكفل شركات التأمين بتغطية الأضرار اللاحقة بالممتلكات من جراء هذه الأعمال .
أما في الجزائر فأول نص صدر في هذا المجال هو المادة 145 من قانون المالية لسنة 1993 ، والمرسوم التنفيذي رقم 93-181 المؤرخ في 19 يناير 1993 ، المحدد لكيفيات تطبيق أحكام هذه المادة أين تم إنشاء صندوق خاص بتعويض ضحايا الإرهاب الذي يتكفل بتعويض ذوي حقوق الضحايا المتوفين وكذا الأضرار
الجسدية والمادية ، أما فيما يخص بعض الفئات كموظفي مصالح الأمن والمستخدمين العسكريين والأشخاص المنتمين إلى فئات الموظفين والأعوان العموميين ضحايا الإرهاب بسبب نشاطاتهم المهنية فإنهم يتقاضون معاشات خدمة وتعويضات أخرى من ميزانية الدولة بالإضافة إلى المرسوم التنفيذي رقم 99-47 المؤرخ في 13 فبراير 1993 والذي يعرف ضحية عمل إرهابي على أنه” كل شخص تعرض لعمل ارتكبه إرهابي أو جماعة إرهابية يؤدي إلى الوفاة أو إلى أضرار جسدية أو مادية” والذي تضمن تعويض الناجين من الاغتيالات الجماعية في شكل مساعدات مالية بالإضافة إلى تدابير مطبقة لصالح عائلات ضحايا الاختطاف كما أضاف الأطفال المكفولين ضمن ذوي الحقوق ووسع من دائرة الضحايا بحيث أضاف ضحايا الحوادث الواقعة في إطار مكافحة الإرهاب بالنسبة للأضرار الواقعة بمناسبة القيام بإحدى مهمات مصالح الأمن .
/06/2000 تحت رقم 405 ، الذي قضى بإلزام والي ولاية بجاية بأن يدفع للمدعين مبلغ مالي كمنحة إلى حين سقوطها ومراجعتها قانونا باعتباره تعرض لطلقات نارية بالمكان المسمى آيت شتلة صادر عن عناصر دورية المكلفة بمراقبة إقليم سيدي عيش في إطار مكافحة الإرهاب .
III- نظام مسؤولية البلدية عن التجمهر والتجمعات :
لقد كان التعويض عن الأضرار الناجمة عن التجمهر والتجمعات في فرنسا يخضع إلى نظام تشريعي خاص منذ الثورة الفرنسية في 1789 خاصة بعد المشابكات التي وقعت خلالها وما نتج عنها من أضرار إذ كان يتحمل عبء تعويضها سكان البلدية باعتبارهم المتسببين في الفوضى الواقعة ، وبالتالي فإن عبء التعويض لم
يكن يقع علي ميزانية البلدية بل على سكانها الذين يتحملون دفع غرامة للخزينة إلى جانب التعويض والذين لم يكن بإمكانهم نفي مسؤوليتهم إلا إذا أثبتوا أن التجمهر جاء من خارج البلدية .
وقد غير هذا النظام بالقانون الولائي الصادر في 05/04/1884 الذي جعل مسؤولية البلدية تقوم على أساس الخطأ المفترض المسند إلى الشرطة الولائية ولم يكن بإمكان البلدية نفي مسؤوليتها إلا أثبتت أنها اتخذت كافة الإحتياطات للحفاظ على الأمن العام، إلا أن عبء التعويض بقي على عاتق سكانها وبالتالي إذا كانت الضحية من سكان البلدية فإنها تتحمل دفع الضريبة المخصصة للتعويض عن أضرار هذه التجمهرات أو التجمعات، وبقي الأمر كذلك إلى غاية صدور قانون 16/04/1914 الذي جاء بنظام جديد مفاده أن البلدية مسؤولة مدنبا عن الأضرار الناجمة عن الجنايات والجنح المرتكبة خلال التجمهرات المسلحة أو غير المسلحة المقامة في إقليمها تجاه الأشخاص والأموال العامة أو الخاصة، وفي حالة ما إذا كانت هذه التجمهرات أو التجمعات مشكلة من سكان عدة بلديات فإن كل واحدة منها تكون مسؤولة بالقدر الذي يحدده القاضي، كما أن عبء التعويض كان يقع على البلدية والدولة معا وكان بإمكانها الرجوع على المتسببين في هذه الأضرار، وتجدر الإشارة إلى أن اختصاص النظر في مسؤولية البلدية كان يؤول إلي القاضي العادي بفرنسا وذلك إلى غاية صدور قانون البلدية في 09/01/1986 كما أنه بصدور قانون 07/01/1983 أصبحت الدولة الفرنسية مسؤولة مدنيا ولوحدها عن أضرار التجمهر مع إمكانية ممارسة دعوى الرجوع ضد البلدية في حالة ثبوت قيام مسؤولية هذه الأخيرة .
في الجزائر كرست المادة 139 من قانون البلدية مسؤوليتها عن التجمهر والتجمعات إذ نصت على ” تكون البلدية مسؤولة مدنيا عن الخسائر والأضرار الناجمة عن الجنايات والجنح المرتكبة بالقوة العلنية أو بالعنف غي

ترابها فتصيب الأشخاص أو الأموال أو خلال التجمهرات والتجمعات على أن البلدية ليست مسؤولة عن الإتلاف والأضرار الناجمة عن الحرب أو عندما يساهم المتضررون في إحداثها”.
عند استقراء المادة نلاحظ أن هناك جملة من الشروط الواجب توافرها حتى تترتب مسؤولية البلدية يمكن حصرها في :
– أن ينتج العمل الضار عن تجمهر أو تجمع وبالتالي تستبعد الأعمال الانفرادية إذ أن تزاحم مجموعة من الأشخاص لا بكفي لتطبيق النص، في حين أنه يمكن أن يطبق في حالة تجمع مجموعة من المضربين إذا نتج عنه أضرار إذ لا يشترط طابع العصيان ضد النظام القائم .
والجدير بالذكر أن المادة 139 لم تحدد إن كانت هذه التجمعات أو التجمهرات مسلحة أو غير مسلحة عكس ما هو الحال في قانون البلدية الفرنسي .
– استعمال القوة العلنية والعنف أثناء التجمهرات في ارتكاب الجنايات والجنح خلالها .
– أن يقع الفعل الضار في تراب البلدية ونظرا لعدم وجود نص قانوني يحدد بدقة مفهوم تراب البلدية فإنه يبقى أن نعتمد على ما هو جاري العمل به في القضاء الفرنسي والذي قصد بها الطرق والساحات العمومية إلا أنه تم توسيع مجال تطبيق المادة 131 _1 من قانون البلدية الفرنسي إذ أصبح تراب البلدية يضم حتى الممتلكات الخاصة إذا وقعت بها أعمال العنف بسبب التجمهر والتجمعات .
-فيما يخص صفة مرتكب الضرر فإن القضاء الفرنسي عالج المسألة تحت منظار واسع إذا لم يشترط أن ترتكب أعمال العنف من أحد المشاركين في التجمهر أو التجمع فقط بل جعل مسؤولية البلدية تقوم بناءا على أعمال العنف التي يمارسها رجال الشرطة لتهدئة الوضع.
– فيما يخص صفة الضحية ،فإنه حسب المادة 139 فإن البلدية لا تكون مسؤولة عن الأضرار التي لحقت بالضحية المشاركة في التجمهر ،وينبغي التمييز بين المشارك وغير المشارك جد صعب على عكس القانون الفرنسي الذي يمنح المشارك المتضرر التعويض عما لحقه جراء التجمهر أو التجمع .
وتجدر الملاحظة أنه طبقا لهذه المادة فإن البلدية هي المسؤولة الوحيدة عن الأضرار الناجمة عن التجمهر أو التجمع ، رغم أن المادة 142 من نفس القانون تثير بعض اللبس بقولها :” للدولة أو البلديات المصرح بمسؤوليتها حق الرجوع على المتسببين أو المشتركين في إحداث الأضرار .” لكن لا يرقى المر إلى حد التصريح بمسؤوليتها بصفة قطعية عكس ما كان الحال عليه في ظل قانون البلدية القديم الأمر رقم 24-67 المؤرخ في 18/01/1967 حيث كانت مساهمة الدولة في تعويض الأضرار تساوي النصف .
أما إذا كانت التجمهرات أو التجمعات مكونة من سكان عدة بلديات فإن كل واحدة منها تكون مسؤولة عن الخسائر أو الأضرار الناجمة ، وذلك حسب النسبة التي تحددها الجهة القضائية المختصة وهي الجهة الإدارية طبعا .
وقد صدر قرار عن مجلس الدولة بخصوص مسؤولية البلدية عن التجمهرات والتجمعات باعتبارها مخاطر اجتماعية بتاريخ 26/07/1999 في قضية بلدية حاسي بحبح ضد (ج . ع ) ومن معه إذ قضى مجلس الدولة بتأييد القرار المستأنف الصادر عن مجلس قضاء الجلفة والذي قرر مسؤولية بلدية حاسي بحبح على أساس المادة 139 بشأن طلقة نارية تعرض لها طفل قاصر بمناسبة الاحتفال بفوز السيد اليامين زروال ، رغم أن البلدية دفعت بكون المظاهرات غير مرخص بها أنها قامت باحترام أحكام الماد ة 140 المتعلقة باتخاذ كافة الإحتياطات المفروضة عليها ،وذلك لأن المادة 139 لم تشترط أن تكون التجمعات أو التجمهرات مرخصا

بها حتى تكون البلدية مسؤولة، محل الدفع تتعلق بحالة وقوع نكبة أو حريق وليس بحالة وقوع جرائم بالعنف أو بالقوة العلنية أو في حالة التجمهر أو التجمع .
وفي مجلس قضاء بجاية نجد أن الغرفة الإدارية حملت بقرارها الصادر بتاريخ10/06/2003 تحت رقم فهرسة 500-2003 بلدية القصر المسؤولية عن الأضرار المادية التي لحقت بالمدعي ( د ع م ) بأثاث منزله إثر العمال التخريبية التي جرت بالبلدية .
IV – مسؤولية الدولة عن السيارات التابعة لها :
فيما يخص مسؤولية الدولة عن السيارات التابعة لها نجد المادة الأولى من الأمر 74-15 تنص على إلزامية التأمين على المركبات لتغطية الأضرار التي تسببها هذه الأخيرة للغير ، وفي المادة الثانية من نفس الأمر أعفيت
الدولة من هذا التأمين غير أنه يقع عليها التزامات المؤمن بالنسبة للمركبات التي تملكها أو الموجودة في حراستها وبهذا فهي ملومة بتعويض ضحايا حوادث المركبات التابعة لها ، ويعود الاختصاص ويعود الاختصاص في تقدير ومنح هذا التعويض إلى القضاء العادي وهذا تطبيقا لما جاء في نص المادة 07 مكرر من قانون الإجراءات المدنية والتي تنص على :” خلافا لأحكام المادة 07 تكون من اختصاص :
1- المحاكم :
2- – المنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية والرامية لطلب تعويض الأضرار الناجمة عن سيارة تابعة للدولة أو لإحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري ………. ”

بعد أن وجد تنازع بين الغرفة الإدارية والغرفة الجزائية بالمجلس الأعلى حول هذا الاختصاص حيث اعتمدت الأولى على نص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية الذي يخول لها الاختصاص للنظر في الدعاوى التي تكون الدولة والبلدية والولاية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري طرفا فيها ، في حين اعتمدت الثانية على المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص على : ” يجوز مباشرة الدعوى المدنية مع الدعوى العامة في وقت واحد أمام الجهة القضائية نفسها .
وتكون مقبولة أيا كان الشخص المدني أو المعنوي المعتبر مسؤولا مدنيا عن الضرر.
وكذلك الحال بالنسبة للدولة، والولاية، والبلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري في حالة ما إذا كانت غاية دعوى المسؤولية ترمي إلى التعويض عن ضرر تسببه مركبة.
المطلب الثاني: المسؤولية الإدارية على أساس مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة
تهتم نظرية المساواة أمام الأعباء العامة أساسا بالضرورة وتركز على إصلاحه دون أنى اهتمام بالخطأ أو المخاطر الذين يعتبران حسب وجهة نظر بعض أنصار النظرية مجرد شروط لقيام المسؤولية وليس أساسا لها فحسب الأستاذ ” Delaubadere ” لا يمكن أن ينسب الخطأ في مجال القانون الإداري إلى الإدارة مباشرة. فالخطأ يرتكب من قبل موظفين مجهولين و تتحمل المسؤولية ذمة مالية أخرى غير ذمة مرتكب الخطأ و هو ما يبين أن الخطأ ليس سوى شرط من شروط قيام المسؤولية و ليس أساسا لها.
كذلك فكرة المخاطر فهي لا تتعلق بتأسيس المسؤولية و إنما بالتوازن فقط بين المغانم و المغارم .
إن مبدأ المساواة حسب هذا التحليل هو في حقيقته أساس عام و وحيد للمسؤولية الإدارية و يتطلب تعميمها، فكلما حصل ضرر كلما كان هناك مساس بمبدأ المساواة .
إن مبادئ العدل و الإنصاف تقتضي أن لا يتحمل أي فرد بسبب أضرار الإدارة أعباء إضافية أكثر من الآخرين ، و لذلك ينبغي أن تعوض الدولة – و هي الفاعل غير المباشر- ضحايا هذه الأضرار .
ا لقضاء طبق هذا المبدأ في حالتين و هما مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية و المسؤولية الإدارية بسبب نصوص قانونية و هو ما سنتعرض إليه .
الفرع الأول : مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية
نصت المادة 145 من دستور 1996 م الجزائري على أنه :
“على كل أجهزة الدولة المختصة أن تقوم في كل وقت و في كل مكان و في جميع الظروف بتنفيذ أحكام القضاء.” كما نصت المادة 324 من قانون الإجراءات المدنية على أن :

“جميع الأحكام قابلة للتنفيذ في كل أنحاء أراضي الجمهورية .و لأجل التنفيذ الجبري للأحكام و القرارات يطلب قضاة النيابة العامة مباشرة استعمال القوة العمومية ، و يشعر الوالي بذلك و عندما يكون التنفيذ من شأنه الإخلال بالنظام العام إلى درجة الخطورة ، يمكن للوالي و بطلب مسبب يقدمه في أجل ثلاثين (30) يوما من تاريخ إشعاره أن يلتمس التوقيف المؤقت لمدة أقصاها ثلاثة (3) أشهر.”
و حسنا فعل المشرع عند تعديله لهذه المادة خاصة الفقرة الثالثة منها بموجب قانون رقم 01-05 المؤرخ في : 22/05/2001 المعدل و المتمم للأمر 66/154 المتضمن قانون الإجراءات المدنية بتقييده لحق الوالي في الاعتراض على تنفيذ الحكم القضائي المشعر به إذا كان تنفيذه يشكل إخلال جسيم بالنظام العام .
إذن القاعدة العامة هي أن الأحكام و القرارات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي فيه واجبة النفاذ و يقع على السلطة العامة واجب مد يد العون و القوة العمومية لمساعدة الجهات المعنية على تنفيذها.
و عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية قد يكون بدون مبرر و هنا تكون الإدارة قد أخلت بالتزامها و هو ما يشكل خطأ جسيم يستوجب مسؤوليتها ، و قد يكون بمبرر ، و هنا يكون للمضرور حق في التعويض جراء ما لحقه من أضرار على أساس المسؤولية بدون خطأ و الامتناع يكون في حالتين :
I– حالة رفض الإدارة تنفيذ قرار قضائي صادر ضدها :
غالبا ما ترفض الإدارة تنفيذ القرارات القضائية الصادرة ضدها و هي إشكالية تخص المنازعات الإدارية ذلك أنه في المنازعات العادية نجد جزاءات لعدم التنفيذ من طرف الأفراد كالحجز مثلا .
و لقد أبعدت هذه الجزاءات عن الإدارة لعدم إمكانية الحجز على المال العام ( أموال الإدارة ) أو التصرف فيه أو تملكه بالتقادم ( المادة 689 من القانون المدني ).
و في هذه الحالة أي رفض الإدارة تنفيذ قرار قضائي صادر ضدها نميز بين القرارات المتعلقة بدعوى تجاوز السلطة و تلك المتعلقة بدعوى التعويض .
– مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ القرارات القضائية المتعلقة بدعوى الإلغاء :1
تتوقف سلطة القاضي الإداري في دعوى الإلغاء عند حد النطق بإلغاء القرار الإداري غير المشروع ، فإذا رفضت الإدارة تنفيذ قرار قضائي لصالح من حكم له فعليه أن يرفع دعوى قضائية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء عدم التنفيذ لأن ذلك يعتبر مخالفة للقانون و يرتب مسؤولية الإدارة .
2- مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ قرار قضائي المتعلقة بدعوى التعويض:
نظم المشرع الجزائري كيفيات التعويض بموجب الأمر 75-48 الملغى بموجب القانون رقم 91-02 المؤرخ في 18-01-1991م الذي يحدد القواعد الخاصة المطبقة على بعض أحكام القضاء .
نصت المادة (5) علما أن القرارات القضائية هي المتعلقة فقط بالتعويض بتوفر شرطان و هما:
أ‌- أن تكون القرارت نهائية .
ب‌- أن يحدد المبلغ المحكوم به على الإدارة .
كما نصت المواد من 6 إلى 10 على إجراءات و كيفيات المطالبة بالتعويض عن طريق الخزينة العمومية.
II- حالة رفض الإدارة تنفيذ قرار قضائي صادر لفائدة شخص آخر غير الأشخاص المعنوية العامة :
اعتبر الفقه رفض الإدارة تنفيذ أو منح يد المساعدة من أجل تنفيذ قرار أو حكم نهائي لفائدة فرد ضد آخر يعد خرقا لمبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة و يرتب مسؤوليتها عن تعويض الأضرار اللاحقة بالمدعي صاحب الحكم أو القرار على أساس هذا المبدأ.
أما القضاء ، فإن أول قرار قضائي وضع مبدأ مسؤولية الإدارة بسبب الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء من خلال قرار كوتياس Couiteas اليوناني الأصل و تتلخص وقائع القضية في أنه بتاريخ
13/02/1908 أقرت محكمة سوسة التونسية حق السيد “كوتياس ” في ملكية قطعة أرض اكتسبها من الدولة ، لكن الحكومة الفرنسية رفضت منح القوة المسلحة لتنفيذ الحكم و طرد القبيلة التونسية الحائزة للأرض منذ مدة من الزمن و الرافضة للخروج منها ، و ذلك بحجة الحفاظ على النظام العام.
أقر مجلس الدولة الفرنسي شرعية الامتناع عن التنفيذ في هذه القضية كون الحكومة لم تستعمل سوى صلاحياتها في الحفاظ على النظام و الأمن العموميين .
و في نفس الوقت أقر حق المدعي “كويتاس” في التعويض عن الأضرار اللاحقة به جراء عدم تمكنه من تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته ، لأن هذه الأضرار لا يمكن اعتبارها من تلك الأعباء التي يتحملها المدعي بصفة عادية .
بمعنى أن مجلس الدولة منح التعويض للسيد” كويتاس” تجسيدا لمبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة.
و لقد أخذت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا بنفس الحل الذي توصل إليه القضاء الفرنسي ، فأقرت بمسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية، و مثال قراراتها تلك الصادرة في قضية “بوشــــباط و سعيدي” بتاريخ 20/01/1979، و التي تتلخص وقائعها في أن محكمة الجزائر أصدرت حكما يقضي بإلزام السيدين” قرومي” و “مراح” بدفعهما للمدعين بوشباط و سعيدي مبلغ مالي مقابل إيجار محل تجاري واقع على ملكيتهما ، و هو الحكم المصادق عليه من طرف المجلس، تقدم المدعيان لتنفيذ القرار ، لكن والي الجزائر تقدم برسالة اعتراض على التنفيذ ، حينها تظلم المدعيان أمام وزير العدل و وزير الداخلية ملتمسان تعويضهما عن الأضرار الناجمة بسبب اعتراض الوالي و امتناع عون التنفيذ ، إن هذا السكوت يعد بمثابة قرار بالرفض.
فرفع المعنين دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر ضد هذا القرار الضمني بالرفض ، فقضت بالرفض ، لذلك لجأ المعنيان إلى المحكمة العليا التي أقرت مسؤولية الدولة على أساس الخطأ الجسيم ، لأن الامتناع عن التنفيذ في هذه القضية لا يتعلق بدواعي النظام العام و لأن سلوكها يعتبر غير شرعي.
و في نفس الوقت ذكرت المحكمة العليا بمبدأ المسؤولية بدون خطأ عند الإمتناع عن التنفيذ بسبب ضرورات النظام العام مستعملة نفس العبارات التي استعملها القضاء الفرنسي خاصة في قرار “كوتياس” و القرارات اللاحقة له.
ملاحظـات هـامـة :
1- إذا تعلق الأمر بالامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء بسبب دواعي الحفاظ على النظام و الأمن العموميين ، فإن الإدارة تكون مسؤولة رغم أنها لم ترتكب أي خطأ. بمعنى أن المسؤولية هنا تقوم بدون خطأ. على عكس ما إذا كان امتناع الإدارة عن تنفيذ أحكام القضاء بعيدا عن مبدأ الحفاظ على النظام و الأمن العموميين و بل لأسباب أخرى ، فإن المسؤولية الإدارية هنا تكون على أساس الخطأ المرتكب من جانب الإدارة ، و هنا تخرج عن مجال المسؤولية الإدارية بدون خطأ .
و لقد نص المشرع الجزائري في المادة 138 مكرر من قانون العقوبات ( قانون 01/09 المؤرخ في 26 يونيو 2001) على ما يلي :
«كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته لوقف تنفيذ حكم قضائي أو امتنع أو اعترض أو عرقل تنفيذه يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى ثلاثة (3) سنوات و بغرامة من 5.000 دج إلى 50.000 دج »
و حسنا ما فعل المشرع في هذا التعديل ، إذ أضفى الطابع الجزائي على وقف أو امتناع أو اعتراض أو عرقلة تنفيذ حكم قضائي من طرف الموظف العمومي و قرر عقوبته بالحبس ، و هذا ما يجعل في رأينا نوعا ما من الصرامة في تنفيذ أحكام القضاء.
2- فيما يتعلق بمسؤولية الإدارة بسبب نصوص قانونية ، فإنه يجب التمييز بين مســؤولية هذه الأخيرة و مسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية حيث أن تقرير كلتا المسؤوليتين يقوم على نفس الأساس ألا و هو مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة .
و هو المبدأ الذي اتبعه مجلس الدولة الفرنسي في قضية شركة منتجات الحليب La fleurette و تتلخص وقائعها في أن قانون 09/06/1934 منع صناعة و بيع الكريمة الأمن الحليب الخالص . و من آثار هذا القانون أن توقفت شركة منتجات الحليب من صناعة نوع من الكريمة يدعى «La Gradine» كانت تنتجها من الحليب الخالص و زيت الفول السوداني و صفار البيض .
و من خـلال تنفيذها لهـذا القانون ظهر أنها هي الوحيدة التي توقف إنتاجها لهذا النوع من المنتوج ، مما جعلها ترفع دعوى من أجل طلب التعويض عن الأضرار غير العادية التي لحقت بها و الناجمة عن صدور هذا القانون.
إن مجلس الدولة في قراره الصادر في: 14/01/1938 بهذه المناسبة أقر بعدم وجود ما يسمح بأن المشرع قصد تحميل شركة “لا فلوريت” عبء غير عـادي لا في النص القانوني و لا في الأعمال التحضيرية و لا من ظروف القضية ، حيث أن هذا العبء الذي شرع لفائدة الجميع يجب أن يتحمله الجميع دون إستثناء .
من هنا، قبل مجلس الدولة منح الشركة المتضررة تعويضا على أساس مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العـامة .
و عليه يتضح أنه و لقيام المسؤولية الإدارية بسبب نصوص تشريعية لابد من توافر شروط و تتمثل فيما يلي
1- عدم النص في التشريع على مبدأ عدم التعويض عن الأضرار الناجمة عن تنفيذه .
2- النص على منع نشاط غير مشروع .
3- أن يكون الضرر غير عـادي و خاص .
المسؤولية في القانون العام مثلها في القانون الخاص تستلزم توافر شروط حتى يمكن القول بقيامها،
و بالتالي حق المتضرر في الحصول على التعويض وهو ما سنتطرق إليه من خلال المبحثين الآتيين:
المبحث الأول: شروط قيام المسؤولية الإدارية:
حتى تقوم المسؤولية الإدارية فلا بد من ثلاث شروط أساسية : وجود الضرر، العلاقة السببية بين الفعل الضار و الضرر الناتج عنه، و إمكانية إسناد الضرر أو الفعل الضار الناتج عنه الضرر إلى شخص عمومي معين:
المطلب الأول : الضرر القابل للتعويض في إطار المسؤولية الإدارية (Le préjudice )
القاعدة ” لا مسؤولية و لا تعويض بدون ضرر” ، و حتى يكون الضرر قابلا للتعويض فلا بد من أن تتوفر فيه مجموعة من المميزات و المتمثلة في مميزات عامة تتعلق بالمسؤولية الإدارية سواء القائمة على خطأ أو بدون خطأ، و مميزات خاصة تنفرد بها المسؤولية الإدارية بدون خطأ:
الفرع الأول: المميزات العامة
I- الطابع المؤكد للضرر:
عرفه القضاء الإداري بأنه الضرر الحالي(Actuel)والضرر المقبل(Future)و استثنى الضرر المحتمل.
1 ـ الضرر الحالي: هو الضرر الذي يمكن للقاضي تقديره.
2 ـ الضرر المقبل: هو الضرر الممكن وقوعه لوجود مؤشرات تدل على ذلك، و هو يتميز بالطابع المؤكد في أساسه ، و من أمثلة هذا النوع :
– الطفل الذي سيعاني حتما في المستقبل من نقص في قدراته العملية نتيجة العجز الذي أصابه.

ـ قضيتي ” دبوز ” و ” بن قرين” للتعويض عن الضرر اللاحق بأولياء التلاميذ بسبب وفاة أولادهم في مؤسسات تربوية ، و قررت الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا أن الضررر اللاحق بالمدعين مؤكد حتى و إن لم
يكن حاليا، كما قررت أن هذا الضرر قابل للتعويض بحيث سيمنح أولياءهم مساعدة تقدم لهم في المستقبل
3 ـ الضرر المحتمل: استثنى القضاء الإداري هذا النوع من الضرر من التعويض، و من أمثلته قضـية ” زلاقين” ، حيث طلب إثرها المدعي تعويض ضرر ناجم عن إمتناع غير قانوني للإدارة فأجاب القاضي أن هذا الضرر له طابع إحتمالي، و بالتالي فهو لا يستحق التعويض
و يظهر الطابع المؤكد للضرر أيضا في حالة ” تفويت فرصة” بشرط أن تكون هامة و جدية و من أمثلتها:
ـ منع مترشح لمسابقة الوظيف العمومي من اجتياز الإمتحان، بطريقة غير شرعية يعتبر حالة تفويت فرصة يمكن منح التعويض على أساسها.
ـ كذلك حالة الخطأ في تشخيص المرض المسبب لعجز المريض، فلو كان التشخيص صحيحا كان يمكن تفادي العجز الذي أصيبت به الضحية.
و هو نفس ما سار عليه مجلس الدولة الجزائري في قراره الصادر بتاريخ 07/05/2001 قضية ( ل.أ) ضد رئيس بلدية حاسي بحبح، معتبرا أن الضرر الذي أصاب المستأنف هو تفويت فرصة له في الحصول على سكن آخر كونه كان ينتظر الحصول على المفاتيح منذ سنة 1995.
و مسألة الطابع المؤكد للضرر متروكة لسلطة قاضي الموضوع التقديرية حسب اتجاه مجلس الدولة الفرنسي من خلال قرار 26 نوفمبر 1993.
IIـ الطابع الشخصي للضرر:
يرتبط هذا الطابع بقاعدة الصفة و المصلحة في التقاضي طبقا لنص المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية، و هذا الأمر لا يثير إشكالا إلا بالنسبة للضرر اللاحق بالأفراد:
1 ـ الضرر الذي يلحق الأموال:
يطرح هذا الطابع بالنسبة للأملاك العقارية و يحدد حسب العلاقة بين المال و المتضرر (المدعي):
ـ إذا كان الضرر يمس بجوهر العقار فالتعويض هنا يكون لمالك العقار فقط.
ـ أما إذا كان الضرر يمس بحق الإنتفاع فالطابع الشخصي هنا يرتبط بصاحب حق الإنتفاع سواءا كان المستأجر أو المنتفع و المالك في نفس الوقت.
2 ـ الضرر الذي يلحق الأفراد:
الإشكال هنا لا يطرح بالنسبة للضحية و إنما بالنسبة لذوي حقوقها، و هو ما أطلق عليه القضاء الإداري مصطلح ” الضرر المنعكس” ، كما طبق مبدأ عام ” الحق في التعويض ينتقل إلى الورثة” ، و هنا ميز بين حالتين:
ـ الحالة الأولى: إذا طالبت الضحية بالتعويض قبل وفاتها فهنا ينتقل هذا الحق إلى الورثة سواء كان الضرر ماديا أو معنويا.
ـ الحالة الثانية: إذا توفيت الضحية قبل طلب التعويض فلا يحق للورثة طلب التعويض عن الضرر المتعلق بالآلام الجسدية المتعلقة بالضحية دون غيرها.
● و تبعا لهذا تتأثر العلاقة التي تربط الضحية بذوي حقوقها:
ـ للأصول الحق في التعويض عن الضرر المعنوي بسبب وفاة أحد الأبناء و هو ما جسدته الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضية ” حطاب ” ضد الدولة.
كذلك الضرر المتعلق بالإخلال بظروف المعيشة و هو ما أقرته أيضا الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضيـة ” أرملة مريش” ضد الدولة.
ـ للفروع أولاد الضحية الحق في التعويض عن الضرر المعنوي و عن الإخلال في ظروف المعيشة، أما بالنسبة للتعويض عن الضرر المادي فيشترط أن يكونوا تحت نفقته و هو ما سايرته الغرفة الإدارية بمجلس قضاء بجاية في قضية بين ذوي حقوق المرحومة ” د.ص” ضد ” مدير مستشفى أقبو “.
ـ للزوج الحق في طلب التعويض المادي و الإخلال في ظروف المعيشة.
ـ أخ و أخت الضحية المتوفية لهما الحق في التعويض عن الضرر المعنوي و الإختلال في ظروف المعيشة إذا كانوا تحت نفقته.
IIIـ الطابع المباشر للضرر:
بمعنى أن يكون الضرر ناتجا مباشرة عن العمل الإداري الضار و هو ما يثير قاعدة السببية التي سنتطرق إليها في المطلب الثاني، من هذا المبحث.
IVـ أن يمس الضرر بحق مشروع أو بمصلحة مشروعة :
« Le dommage doit porter à une situation, où a un intérêt légitime et juridiquement protégé (e) »

قبلا كان القضاء الإداري يشترط المساس بحق مشروع و في إطار البحث عن تعويض كل من تضرر نتيجة أعمال الإدارة بالبحث عن الأطراف التي لها الحق في التعويض فوجد أن هناك أشخاصا غير شخص الضـحية
نفسها و تربطهم علاقة بها يلحقهم ضرر par ricochet) ( ، مما أدى به إلى تليين موقــفه و تقرير
تعويض الضرر في حالة المساس بمصلحة مشروعة. و من هنا يخرج من مجال الضرر القابل للتعويض:
ـ الحالات المخالفة للقانون.
ـ الحالات المستبعدة قانونا.
و رغم هذه الحالات يمكن للقاضي الإداري تقدير و رفض التعويض إذا تبين له أنه غير مشروع و هذا حسب المعطيات القانونية و الاجتماعية المقدمة أمامه.
و من بين القرارات التي أشارت لهذا الشرط:
ـ قرار مجلس الدولة الفرنسي في قضية السيدة ” Muësser ” بتاريخ 03 مارس 1978 ،
و هو نفس ما ذهبت إليه الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضية ” بوشاة سحنون” و ” سعدي مالكي” ضد وزيري الداخلية و العدل ، فأشار للطابع المشروع للضرر اللاحق بالضحايا.
الفرع الثاني: المميزات الخاصة بالمسؤولية الإدارية بدون خطأ
إضافة للميزات العامة المذكورة سابقا، هناك ميزتين أساسيين بالنسبة للمسؤولية الإدارية بدون خطأ و تتمثل فيما يلي:
Iـ الطابع الخاص للضرر: L.C. spécial))
حسب الأستاذ محيو: ” إن الطبيعة الخاصة للضرر تكمن في إصابة فرد واحد أو عدد من الأفراد، فإن كان للضرر مدى واسع، فإنه يشكل عبئا عاما يتحمله الجميع و مانعا لحق التعويض “.
يمكن القول أن الطابع الخاص معناه أن يمس الضرر عددا محدودا من الأفراد فإذا مس عددا كبيرا أصبح عبئا يتحمله الجميع لا يمكن منح التعويض على أساسه، فالمعيار المتفق عليه فقها و قضاءا هو”معيار العدد” بمعنى أن يصيب شخص أو عدد قليل من الأشخاص يمكن تحديدهم اسميا مستندين على مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، و هو ما جسدته قضيتي ” لافلوريت” و “كوتياس” .
IIـ الطابع غير العادي للضرر: اختلف الفقه و القضاء الإداريين في تحديد معنى هذا الطابع:
ـ فقها: هو الضرر الذي يفوق ما يؤخذ على عاتق كل مواطن.
ـ قضاءا: حدد هذا الطابع عبر طرق مختلفة لكنه رجح معيار” درجة الضرر” خاصة في مجال الأشغال العمومية و مجال النشاط التشريعي و التنظيمي.
و درجة الضرر بهذا المعنى هي أن يكون جسيما يفوق ما يمكن أن يتحمله عادة الأفراد، و لصعوبة تحديده تبقى للقاضي الإداري السلطة التقديرية في ذلك.
الفرع الثالث: أنواع الضرر القابل للتعويض
اختلف الفقه في تصنيف أنواع الضرر القابل للتعويض، لكن القضاء الإداري أخذ بتقسيم الضرر إلى مادي و معنوي كما سيأتي بيانه:
Iـ الضرر المادي : ينقسم إلى ضرر لاحق بالأموال، ضرر مالي، ضرر جسماني:
1ـ الضرر المادي اللاحق بالأموال: هنا نفرق بين نوعين:
ـ حالة المساس المادي بالمال و ذلك بتحطيمه كليا أو جزئيا.
ـ حالة الضرر المؤدي إلى الإخلال في الإنتفاع بالشيء سواء كان من فعل الغير أو بسبب إيذاء ما :
أ_ الإخلال بالانتفاع بسبب الغير:
أحسن مثال هو مسؤولية الإدارة عن الضرر الناجم عن رفضها تنفيذ القرارات القضائية النهائية الصادرة لصالح مدع ضد شخص آخر، حيث أن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا قضت في قضية ” بوشات سحنون و سعيدي مالكي” ضد وزير الداخلية و وزير العدل بتعويض المدعيين عن الضرر الذي لحق بهما بسبب عدم تنفيذ قرار قضائي صادر لصالحهما على أساس أنه إذا كان للإدارة عدم تنفيذ بعض القرارات القضائية فإن التأجيل في تنفيذ القرار القضائي، الذي يقضي بطرد شاغل ملك لصالح المدعيين يمنعهما من حق الإنتفاع بملكهما و يسبب لهما ضررا قابلا للتعويض”
ب_ الإخلال بالانتفاع بسبب إيذاء ما:
حسب القضاء الإداري يتحقق هذا النوع من الضرر في حالة تغير شروط انتفاع المالك أو الشاغل بصفة ملحوظة مهما كانت طبيعة الإيذاء.
2 ـ الضرر المالي:
هو الضرر اللاحق بالنشاطات المهنية بصفة مباشرة سواء كانت نشاطات خاصة أو عمومية أو وظيفية.
3 ـ الضرر الجسماني: و ينقسم إلى:
أ- ضرر يمس بالسلامة الجسمانية :
و هو ما يسمى بالآلام الجسدية و يمكن أن يكون جماليا و هنا يختلف تقديره من طرف القاضي حسب شخص المضرور . و هو ما أكدته الـغرفة الإداريـة للمحكمة العليا في قضية ” بن سالم” ضد مستشفى الجزائر حينما منحت التعويض عن ضرر جمالي لحق الضحية بسبب بتر ساعده .
ب – ضرر بسبب الإخلال في الظروف المعيشية:
و هنا فإن القضاء الإداري اعتبر أن العجز الدائم سواء كان كليا أو جزئيا فإنه يؤدي إلى الإخلال في الظروف المعيشية، و بالتالي يستوجب التعويض، و هو ما أكدته دائما الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في القضية المذكورة سابقا.
II ـ الضرر المعنوي: و يمكن تقسيمه إلى:
1 ـ الآلام المعنوية: Les sentiments d’affection)):
كان القضاء الإداري الفرنسي و لوقت طويل يرفض تعويض الضرر المعنوي معتبرا أن المساس بمشاعر الحنان لا يقيم بالمال طبقا للمبدأ ” La douleur ne se monnaie pas “.
لكنه لين موقفه إثر قضية ” Le tisserand ” ضد وزير الأشغال العمومية في 24/11/1961 و عوضه عن الضرر المعنوي اللاحق به إثر وفاة ابنه.
كما نهجت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا نفس المنهج بالتعويض عن الآلام المعنوية التي تنجم عادة بعد الوفاة أو الجروح أو العجز الجسدي كقضية ” فريق بوعبد الله” ضد وزير الداخلية في 21/04/1991 ، و قضية ذوي حقوق (ب.م) ضد وزارة الدفاع ، و هو ما جسدته الغرفة الإدارية بمجلس قضاء بجاية في
قضية ذوي حقوق المرحومة (د.ص ) ضد مستشفى أقبو المذكورة سابقا حينما عوضت ذوي حقوق المرحومة عن الضرر المعنوي اللاحق بهم إثر وفاة أمهم .
كذلك قضية ( ال) ضد مدير القطاع الصحي لخراطة و من معه.
2 ـ الضرر المعنوي الذي يمس بعض حقوق الأفراد: كالمساس بشخصية الفرد و سمعته و شرفه و حرياته.
هذا كله فيما يخص الضرر و أحكامه، نتطرق للعلاقة السببية باعتبارها الشرط الثاني لقيام المسؤولية الإدارية.
المطلب الثاني: العلاقة السببية بين الفعل الضار و الضرر الناتج عنه
ورد في قرار بلانكو ” أن المسؤولية الإدارية عن الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب تصرفات الأشخاص الذين تستخدمهم في المرافق العامة… “من هذه القاعدة القضائية يتبين أنه لا تعـويض إلا إذا كان العـمل
أو نشاط الإدارة هو السبب المباشر في حدوث الضرر، و هنا أثيرت مسألة كيفية تحديد العلاقة السببية، و بالتالي السبب المباشر، مما أدى بالفقه الإداري إلى إيجاد عدة نظريات منها:
1 ـ نظرية توازن الأسباب: حسب هذه النظرية يجب الأخذ بكل الظروف التي تسببت في حدوث الضرر بصفة متساوية.
لكنها انتقدت كونها وسعت كثيرا من شروط عقد مسؤولية الأشخاص، مما ادى إلى تصعيب الإجراءات و حصول الضحية على التعويض.
2 ـ نظرية السبب القريب: أخذت هذه النظرية بالسبب القريب من حيث الزمن أي الحدث الأخير.
و ما يعاب عليها عكس النظرية الأولى كونها ضيقت كثيرا من شروط المسؤولية.
3 ـ نظرية السبب الملائم : تأخذ هذه النظرية بالسبب الذي يحتمل حسب السير العادي و الطبيعي للأمور أن يحدث ضررا و هو ما يطلق عليه بالطابع المباشر.
و هو ما أكده الفقه الإداري حيث كتب :
ـ الأستاذ ” ديلوبادير” : ” إن القضاء الإداري لا يلجأ إلى نظرية توازن الأسباب لكنه يبحث من بين الأحداث التي سبقت حدوث الضرر الذي يكون السبب الفعلي ( أو الملائم) في حدوثه”.
ـ الأستاذ ” فودال “: ” إن القضاء الإداري يقبل بصفة واسعة العلاقة المباشرة للسببية”.
ـ الأستاذ ” محيو”: ” إن القضاء الإداري لا يدخل في اجتهادات القضاء العادي التي ولدت نظريات مختلفة للسبب و مع ذلك فإنه يبدي ترددا في تكييف الطابع المباشر للضرر”.
* أما القضاء الإداري و في إطار توجه جديد فإنه يبحث على إيجاد طابع غير مباشر للضرر يمنح على أساسه التعويض ، كل هذا لصالح الضحايا.
و من أهم القرارات التي جسدت الطابع المباشر للضرر، و بالتالي توفر علاقة السببية بين الفعل الضار و الضرر الناتج عنه نجد:
ـ قرار مجلس الدولة الفرنسي في 14 فيفري 1997 و القاضي بإلغاء حكم صدر عن محكمة إدارية على أساس أن هذه الأخيرة ارتكبت خطأ قانونيا عندما أقرت بوجود علاقة سببية مباشرة بين الخطأ المرتكب من طرف المركز الطبي لمدينة ” Nice” في إطارما يسمى amniocentèse (العلا ج عن طريق الأعشاب الطبية ) و الضرر الناتج عنه للضحية (طفل) من العجز الذي أصابه، حيث أنه لا يظهر من أوراق
الملف المقدمة أمام قاضي الموضوع أن العاهة التي يعاني منها الطفل باعتبارها وراثية هي نتيجة هذه amniocentèse.
فمن خلال هذا القرار فإن مجلس الدولة رفض التعويض على أساس عدم قيام مسؤولية المركز الطبي لعدم توافر العلاقة السببية بين الفعل و الضرر.
ـ قرار مجلس قضاء بجاية في قضية ( ا،ل ) ضد مدير القطاع الصحي لخراطة و من معه المذكور آنفا، حيث ورد في إحدى حيثياته ” و حيث يرى المجلس أن العلاقة السببية بين وفاة المرحومة ح.س و التقصير المنسوب إلى بإدارة كما هو مذكور أعلاه ثابت… “.
المطلب الثالث: قاعدة الانتساب: L’imputabilité))
قاعدة الإنتساب تعني العلاقة بين فعل أو عمل ضار و الفاعل، فإذا ثبتت هذه العلاقة تقررت مسؤولية الفاعل، و انطلاقا من هذا المبدأ تتقرر المسؤولية الإدارية إذا انتسب العمل المضر للإدارة.

و في هذا السياق لا بد من التطرق لنقطتين هامتين: تحديد الجهة الإدارية المسؤولة و حالات الإعفاء أو تخفيف المسؤولية الإدارية كما سيأتي:
الفرع الأول: تحديد الجهة الإدارية المسؤولة
رغم صعوبة تحديد الجهة الإدارية المسؤولة إلا أن الفقه الإداري حاول وضع معايير لذلك و انطلق من فكرة أن المسؤولية الإدارية هي مسؤولية تعاقدية و تقصيرية مثل المسؤولية المدنية، و بما أن الإدارة شخص معنوي لا يرتكب أخطاءا شخصية استبعدت فكرة المسؤولية الشخصية للإدارة، و بالتالي فإن مسؤولية الإدارة تكون إما عن عمل الغير أو الأشياء.
و قبل التطرق لهاتين النقطتين نشير إلى أن مفهوم الجهة الإدارية يعني الجهة التي تتوفر فيها شروط الشخص المعنوي العام بأن تتمتع بالشخصية القانونية و الذمة المالية المستقلة.
I ـ تحديد الجهة الإدارية المسؤولة في نظام المسؤولية الإدارية عن عمل الغير
نظرا لتعدد نشاطات الإدارة بطبيعتها المختلفة و خصائص موظفيها ، وجب التفريق بين ثلاث حالات:
1 ـ حالة الموظف يتمتع بازدواجية الوظائف :
– إذا كان الموظف ينتمي لإدارة واحدة فإن الدعوى القضائية توجه ضد الإدارة التي يشتغل بها الموظف.
– أما إذا كان الموظف ينتمي إلى عدة إدارات فهنا وجب على المدعي في دعوى التعويض أن يرفعها ضد الإدارة المستفيدة من العمل الذي تسبب في حدوث الضرر .
2 ـ حالة ممارسة الوصاية الإدارية :
هنا يطرح السؤال هل الإدارة الوصية هي المسؤولة أم الإدارة الموصى عليها في حالة تضرر ضحية من ممارسة الوصاية الإدارية ؟:
ـ عندما يكون العمل المضر نتيجة عملية حلول الإدارة الوصية محل الإدارة الموصى عليها حسبما نص عليه القانون، هنا الإدارة الموصى عليها هي الجهة الإدارية المسؤولة (كون الإدارة الوصية تدخلت باسم و لصالح الإدارة الموصى عليها).
ـ عندما يكون العمل المضر نتيجة عمل الإدارة الوصية في إطار صلاحياتها الخاصة فهنا الإدارة الوصية هي المسؤولة عن تعويض الضرر اللاحق بالضحية.
3ـ حالة تداخل اختصاصات سلطات إدارية :
كأن تتدخل إدارتين أو اكثر لتحقيق عمل أو نشاط واحد فيسبب ضررا مثلا الأنشطة التي تقوم بها مؤسسة تربوية كأن تتدخل البلدية في حالة المدرسة الأساسية، الولاية إذا تعلق الأمر بالثانوية و الدولة إذا تعلق الأمر بموضوع الرقابة التي يقوم بها المعلمين في المؤسسة التربوية و هنا :
ـ إذا كان سبب حدوث الضرر يعود إلى عدم أو سوء صيانة الأقسام المدرسية أو المبنى المدرسي فهنا تكون البلدية أو الولاية هي الجهة الإدارية المسؤولة.
ـ أما إذا كان سبب حدوث الضرر يعود إلى خطأ في الرقابة إرتكبه معلم طبقا لنص المادة 134 من القانون المدني فهنا الدولة ممثلة في الوزير المكلف بالتربية الوطنية أو الوزير الوصي على المؤسسة هي الجهة الإدارية المسؤولة.
II ـ تحديد الجهة الإدارية المسؤولة في نظام المسؤولية الإدارية عن الأشياء:
يتعلق الأمر في هذا الموضوع بالضرر الناتج عن الأشغال العمومية و المبنى العمومي فقط.
و هنا نشير أن الضحية ـ إذا كانت مشارك أو مرتفق أو الغير ـ قد لعبت دورا في موضوع المسؤولية الإدارية ، إلا انها لا تلعب أي دور في موضوع إنتساب الضرر كون أن الأشخاص التي يمكن أن تكون مسؤولة عن الضرر الناجم عن الأشغال العمومية أو المبنى العمومي تتمثل في:
ـ صاحب المبنى Le maître de l’ouvrage.
ـ المقاول Le maître de l’oeuvre.
ـ صاحب الامتياز Le concessionnaire.
ـ المستعمل أو المكلف بصيانة المبنى العمومي.
و هو ما سنتطرق إليه بشيء من التفصيل كما يلي:
I ـ الدعوى القضائية التي ترفع ضد صاحب المبنى العمومي أو الأشغال العمومية :
– في حالة ضرر ناجم عن مبنى عمومي فإن الدعوى القضائية توجه ضد السلطة الإدارية المالكة للمبنى العمومي.
– في حالة ضرر ناجم عن شغل عمومي فإن الدعوى القضائية توجه ضد الجهة الإدارية التي أدارت الشغل العمومي.
و هنا يمكن للضحية رفع الدعوى القضائـية سواء كان الضرر ناجما عن مبنى عمومي أو شغل عمومي ضد صاحب المبنى العمومي.
2 ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد المقاول:
لقد توسع القضاء الإداري في مفهوم المقاول، و في مجال الأشغال العمومية” هو كل شخص يتعهد بالقيام بأعمال مهما كان نوعها كالصيانة، البناء… في إطار شغل عمومي” و هنا:
ـ في حالة ضرر ناجم عن أشغال عمومية قام بها المقاول فإن الدعوى القضائية توجه ضد هذا الأخير.
ـ كما يمكنه رفعها ضد مالك المبنى العمومي أو صاحب الشغل العمومي و المقاول معا.
3ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد صاحب الامتياز:
صاحب الامتياز في مجال الأشغال العمومية هو ” الشخص الذي تكلفه الإدارة بإنجاز عمل يتقاضى أجرا عنه بواسطة استغلال مشروع “.
و هنا ففي حالة ضرر ناجم عن أشغال عمومية قام بها صاحب الامتياز نفرق بين حالتين:
ـ الحالة الأولى: أصلا: إذا كان صاحب الإمتياز مليء الذمة المالية فإن الدعوى القضائية توجه ضده.
ـ الحالة الثانية: استثنائيا: إذا كان صاحب الإمتياز في حالة إفلاس فإن الدعوى القضائية ترفع ضد الجهة الإدارية المالكة للمبنى العمومي أو الأشغال العمومية.
4 ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد مستعمل المبنى العمومي:
في حالة استعمال إدارة معينة لمبنى عمومي تابع لجهة إدارية أخرى فهنا ترفع الدعوى القضائية ضد الجهة الإدارية المستعملة للمبنى العمومي رغم أن طبيعة المبنى العمومي الذي كان سببا في حدوث الضرر يعود أصلا للإدارة المالكة.
5ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد المكلف بصيانة المبنى العمومي:
في حالة ما إذا كلفت جهة إدارية معينة بصيانة مبنى عمومي تابع لجهة إدارية أخرى، فهنا للضحية رفع الدعوى القضائية ضد الإدارة المكلفة بالصيانة أو ضد الإدارة المالكة للمبنى.
و حتى تتحقق قاعدة الإتساب بثبوت العلاقة بين الفعل المحدث للضرر و الإدارة لا بد أن لا تتحقق إحدى الحالات التي تعفي أو تخفف من مسؤولية الإدارة.
الفرع الثاني: حالات إعفاء أو تخفيف المسؤولية الإدارية
تحديد الجهة الإدارية المسؤولة شرط أساسي لكنه غير كاف حتى تتحقق قاعدة الإنتساب، مما يتعين معه التطرق لحالات الإعفاء أو تخفيف المسؤولية الإدارية:
I ـ القوة القاهرة:
اتفق الفقه و القضاء الإداريين أن القوة القاهرة هي حدث خارجي، غير مقاوم و غير متوقع:
1: ـ مميزات القوة القاهرة:
أ_ حدث خارجي : كأن يكون الضرر ناتجا عن كوارث طبيعية مثلا، و هنا للقاضي سلطة التقدير، فمثلا الفيضانات الناتجة عن تساقط الأمطار و نتيجة لقوتها و سقوطها غير المتوقع في المنطقة، مما سبب أضرار
جسيمة، أعتبرت قوة قاهرة معفية من مسؤولية الإدارة.
و على العكس من ذلك أمطار ناتجة عن إعصار في كليدونيا الجديدة لم تعتبر قوة قاهرة كون سقوطها معتاد نظرا لطبيعة المنطقة.
أما إذا كان الضرر ناتجا عن تصرف إنسان كالإضراب مثلا فإن القضاء الإداري أقر الطــابع الخارجي ـ رغم صعوبة الأمر ـ عندما يكون الحدث خارج عن إرادة الإدارة .
ب _ حدث غير متوقع: قضي أن صدمة سنة 1987 نتيجة كارثة Grand Bornand لا تتوفر على ميزة الحدث المتوقع حتى تتحقق القوة القاهرة كونه سبق و أن وقعت فيضانات بنفس المنطقة في 1936.
و قد أكدت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا ضرورة هذا العنصر لتحقق القوة القاهرة في قضية بلدية سكيكدة ضد شركة ” Di Miglid”، و قضية الدولة ضد شركة ” Papeterie et cartonnerie modernes”.
ج_ حدث غير مقاوم: أكد القضاء الإداري على أن يكون الحدث غير مقاوم حتى تتحقق القوة القاهرة و ليس فقط أن يكون صعب التحمل.
2 ـ آثار القوة القاهرة :
تعفي حالة القوة القاهرة الإدارة كليا من مسؤوليتها إذا كانت السبب الوحيد للضرر سواء في نظام المسؤولية بخطأ أو بدون خطأ.
أما إذا كان للإدارة إلى جانب القوة القاهرة يد في حدوث الضرر فهنا الإعفاء يكون جزئيا.
و في هذا الإطار نجد عدة قرارات منها:
ـ قرار مجلس الدولة في قضية بين ” ج ف” و ” بلدية بومقر” حيث قضى بعدم مسؤولية البلدية كليا باعتبار أن القوة القاهرة و المتمثلة في الفيضانات التي أصابت المنطقة السبب الوحيد في الضرر اللاحق بالضحية: ” حيث يستفاد من دراسة الملف أن بلدية بومقر كانت ضحية فيضانات يوم 17/09/97 عمت كافة المنطقة… و أصبحت منكوبة، و لم يكن المستأنف المتضرر الوحيد من جراء هذه الفيضانات و ليس من جراء بناء حائط من البلدية المتسبب له في الأضرار و بالتالي هناك القوة القاهرة … “.
ـ قرار مجلس قضاء بجاية في قضية بين “س. ز ” و ” رئيس بلدية تالة حمزة و من معه” حيث قضى برفض الدعوى لعدم التأسيس و بالتالي عدم مسؤولية البلدية و جاء في حيثية من القرار ” حيث الثابت أن سقوط الأمطار بالصيغة المذكورة أعلاه يعتبر من الكوارث الطبيعية التي لا يمكن التحكم فيها بسبب القوة القاهرة تجعل مسؤولية مصالح البلدية غير قائمة فيما يتعلق بالأضرار الناتجة عن ذلك لعدم ثبوت الخطأ ” .
ـ و بنفس الشيء قضى نفس المجلس في قضية بين ” ب ، ل ” ضد ” رئيس بلدية تالة حمزة”.
II ـ فعل الضحية:
هنا على القاضي الإداري تقدير تصرف الضحية و مقارنته بتصرف رب العائلة العادي :
1 ـ خـصائص فعـل الضحـية:
فعل الضحية لا يعني تعمدها في اقتراف الخطأ، بل بالعكس كثيرا ما يكون ناتجا عن الإهمال و عدم الحيطة،
و منه يمكن الأخذ بفعل الضحية مهما كانت جسامته.
2 ـ آثار فعل الضحية:
تعفى حالة فعل الضحية الإدارة كليا من مسؤوليتها إذا كانت السبب الوحيد للضرر سواء في نظام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ أو بدون خطأ. أما إذا كانت للإدارة إلى جانب الضحية يد في حدوث الضرر فهنا الإعفاء يكون جزئيا و للقاضي الإداري تحديد نسبة مسؤولية كل واحد منهما.
III ـ حالة الظرف الطارئ: إن دراسة هذه الحالة تستدعي تفرقتها عن القوة القاهرة:
1 ـ خصائص الظرف الطارئ:
أ – الفرق بين الظرف الطارئ و القوة القاهرة:
إن التطور الذي عرفه نظام المسؤولية الإدارية أدى إلى ضرورة التفرقة بين الظرف الطارئ و القوة القاهرة كون أنه في الظرف الطارئ يكون سبب الضرر مجهولا لكنه لا ينفصل عن الإدارة ولا يعفيها من المسؤولية إلا في نظام المسؤولية على أساس الخطأ، أما القوة القاهرة فهي سبب خارجي عن الإدارة يعفيها من مسؤوليتها.
ب- معايير الظرف الطارئ:
اختلف الفقه الإداري بين الأخذ بمعيار” الخارجية” و معيار ” السبب المجهول ” للتمييز بين الظرف الطارئ و القوة القاهرة.
أما الأستاذ “محيو” فقد وفق بين الفريقين حين كتب ” حقيقة هناك عنصران مشتركان بينهما: خاصية عدم التوقع و خاصية عدم إمكانية دفعها ، و يظهر الفرق كون الظرف الطارئ يوجد داخل النشاط الضار،
بينما الخاصية الأولى للقوة القاهرة هي كونها خارجية و أجنبية عنه ، و من جهة أخرى فإن الظرف الطارئ ينتج عن سبب مجهول بينما القوة القاهرة تترتب عن حدث معلوم و يمكن القول أن:
الظرف الطارئ ناتج عن سبب له علاقة بالمرفق العام أو بالشيء التابع للإدارة ، و لا يمكن أن يكون مجهولا بصفة مطلقة و إلا كان المدعى عليه (الإدارة) مجهولا مما يصعب رفع الدعوى القضائية ، فإذا نسب الضرر للإدارة فما عليها إلا:
– إثبات أن الضرر يعود لسبب خارجي و قوة غير متوقعة و غير مقاومة و هنا تتحقق حالة القوة القاهرة و ما يترتب عنها من آثار كما سبق التطرق إليه.
ـ إثبات أن الضرر يعود لنشاط مرفق عام أو شيء تابع له لكنه غير متوقع و لا مقاوم ، و هنا نكون بصدد الظرف الطارئ و ما يترتب عليه من آثار كما سيأتي بيانه.
2- الآثار المترتبة عن الظرف الطارئ: تفرق بين حالتين:
– حالة قيام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ، فإن الظرف الطارئ يعفي الإدارة من المسؤولية لأنه يفترض عدم وجود الخطأ.
– حالة قيام المسؤولية الإدارية بدون خطأ، هنا تبقى الإدارة مسؤولة عن الضرر القابل للتعويض و ليس للظرف الطارئ أي أثر حتى و لو كان الخطأ مفترضا.
IV ـ فعل الغير : من هو الغير؟ :
1 ـ مفهومه : فقها هو كل شخص عام أو خاص مهما كانت صفته القانونية غير المدعى عليه و الأشخاص غير الواقعين تحت مسؤوليته.
2 ـ آثار فعل الغير: هنا وجب التفريق حسب نظام المسؤولية الإدارة :
أ – في نظام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ:
– تعفي حالة فعل الغير كليا الإدارة إذا كانت السبب الوحيد للضرر.
– أما إذا كان للإدارة يد في الضرر فهنا الإعفاء يكون جزئيا و للقاضي الإداري تحديد نسبة مسؤولية كل واحد منهما.
ب – في النظام المسؤولية الإدارية بدون خطأ:
في هذه الحالة فعل الغير لا يعفي الإدارة من مسؤوليتها، و هو حل وجد لصالح الضحية خاصة في مجال تعويض الأضرار الناتجة عن الأشغال العمومية.
●و في الأخير وجب الإشارة أن القضاء الإداري لا يطبق مبدأ التضامن في التعويض و لمن دفعه كاملا
حق الرجوع على الطرف الثاني المسؤول، و بتوفر هذه الشروط كاملة تحقق و تقوم مسؤولية الإدارة ،
مما يعطي الضحية الحق في رفع دعوى لطلب التعويض عن الضرر اللاحق به و هو ما سنحـاول التطرق إليه في المبحث الثاني.

المبحث الثاني: سلطات القاضي في تقدير التعويض:
تعتبر دعوى التعويض من أهم دعاوى القضاء الكامل التي يتمتع فيها القاضي بسلطات كبيرة، و تهدف إلى المطالبة بالتعويض و جبر الأضرار المترتبة عن الأعمال الإدارية المادية و القانونية.
و حتى تقبل دعوى التعويض أمام الجهة القضائية المختصة فلا بد من توافر مجموعة من الشروط حتى يمكن للقاضي الانتقال للموضوع، و بالتالي تقدير التعويض و هو ما سنحاول تبيانه من خلال المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: شروط قبول دعوى التعويض و الجهة القضائية المختصة بنظرها:
دعوى التعويض كغيرها من الدعاوى الإدارية و بالإضافة إلى الشروط العامة المنصوص عليها في المادة 459 من ق ا م من صفة و مصلحة فإنه يشترط لقبولها شروطا خاصة و المتمثلة في شرط القرار السابق ـ شرط الميعاد و شرط الاختصاص هذا الأخير سنتطرق إليه في فرع مستقل:
الفرع الأول: شروط قبول دعوى التعويض:
1) ـ شرط القرار السابق (القرار محل الدعوى):
أجمع جمهور الفقه أن القرار الإداري السابق محل الدعوى الإدارية هو:
” عمل قانوني يصدر عن سلطة إدارية أو هيئة لها سلطة إدارية بإرادتها المنفردة، له طابع تنفيذي و يلحق أذى بذاته”.
فبالنسبة للدعاوى الإدارية المتعلقة بالقضاء الكامل و منها دعوى التعويض و التي تعود أصلا لاختصاص المحاكم الإدارية (الغرف الإدارية بالمجالس القضائية حاليا) ـ كما سنبينه في الفرع الثاني من هذا المطلب ـ فنفرق بين مرحلتين:
المرحلة الأولى: قبل صدور قانون 90-23 المؤرخ في 18/08/1990 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات المدنية و بناءا على المادة 169 مكرر/02 منهن كانت نشترط لقبول دعاوى القضاء الكامل ضرورة استيفاء شرط التظلم الإداري السابق، و ما ينتج عن هذا الشرط من رد صريح أو ضمني بالرفض يعد قرارا سابقا يجب إرفاقه بالعريضة عند رفع الدعوى، أو بالمستند المثبت لتاريخ إيداع الشكوى (التظلم).

المرحلة الثانية: بعد صدور قانون 90-23 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات المدنية و التعديل الوارد على المادة 169 مكرر بحذف المشرع لشرط التظلم المسبق كشرط لقبول الدعوى أمام الدرجة الأولى كأصل عام، باستثناء ما ورد في نصوص خاصة، أصبح من غير الممكن استصدار قرار إداري و هذا ما أدى إلى وجود فراغ قانوني و أمام هذا الوضع ارتأت المحكمة العليا ـ الغرفة الإدارية ـ اللجوء إلى الاجتهاد لكن مع وجود نص
(169/2 ، 169 مكرر إ م) ، فخرجت عن وجوب استيفاء شرط القرار محل الدعوى امام المحاكم الإدارية (المجالس القضائية حاليا).
لنسبة للدعاوى القضاء الكامل و هذا في قرارها الصادر في 05/05/1996 ، قضية فريق ” ق م” ضد مديرية الشؤون الدينية لولاية مستغانم و قد جاء في تسبيب هذا القرار: ” و انه لا يشترط وجود قرار إداري مكتوب حتى تكون الجهة القضائية في أول درجة مختصة، و أن كل قرار او تصرف معيب صادر عن هيئة إدارية يمكنه أن يكون محل دعوى أمام القضاء الإداري و هذا تطبيقا لمقتضيات المادة 07 من ق ا م”.
2) ـ شرط الميعاد:
وضع المشرع قواعد تظهر العلاقة المتينة بين هذا الشرط و شرط التظلم الإداري المسبق، و بما أنه و كما قلنا تم حذف شرط التظلم الإداري المسبق المنصوص عليه بالمادة 169 مكرر بعد صدور قانون 90-23 المعدل لقانون إ م ، فهنا تثور إشكالية حول بداية حساب ميعاد 04 أشهر الوارد في نفس المادة في حالة الأعمال الإدارية المادية؟

و إسنادا إلى قضاء الغرفة الإدارية للمحكمة العليا فإن دعاوى القضاء الكامل عامة و التعويض خاصة غير مقيدة بأجل، إلا بآجال تقادم الحق الذي تحميه وفق ما نص عليه القانون المدني و هو ما جسدته في قرارها الصادر في 13/01/1991 ، قضية “الفريق ك و من معهم” ضد المستشفى الجامعي بسطيف و الذي جاء في تسبيبه: ” حيث أن ما مشى عليه اجتهاد المحكمة العليا في مجال قضايا التعويض أن هذه القضايا غير مقيدة بأجل محدد ما دامت الدعوى لم تتقادم بعد”.
الفرع الثاني: الجهة القضائية المختصة بالنظر في دعوى التعويض:
* الأصل: اختصاص القاضي الإداري:
تنص المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي:
” تختص المجالس القضائية ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف أمام المحكمة العليا في جميع القضايا أيا كانت طبيعتها التي تكون الدولة أو الولايات أو البلديات أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها ، و ذلك حسب قواعد الاختصاص التالية:
2 ـ تكون من اختصاص المجالس القضائية التي تحدد قائمتها و كذا اختصاصها الإقليمي عن طريق التنظيم……
ـ المنازعات المتعلقة بالمسؤولية المدنية للدولة و الولاية و البلدية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية و الرامية لطلب التعويض”.
المشرع نص في هذه الفقرة على أهم دعاوى القضاء الكامل و المتمثلة في تلك التي ترفع من اجل الحصول على تعويض عن الأضرار التي تثبت فيها مسؤولية الإدارة فيها على أساس الخطأ أو بدونه . هذه الدعوى تكون من إختصاص الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي كونها صاحبة الولاية العامة في الفصل في القضايا تكون فيها أحد أشخاص القانون العام طرفا فيها و هي تلك الأشخاص المحددة في نص المادة السالفة الذكر.
و تجدر الملاحظة إلى انه يبقى الفصل في هذه القضايا على مستوى الغرف الإدارية بالمجالس القضائية إلى أن يتم التنصيب الفعلي للمحاكم الإدارية التي خول لها القانون العضوي رقم 98-01 هذه الصلاحيات.
حيث تصدر الغرف الإدارية قرارات ابتدائية قابلة للطعن أمام مجلس الدولة (الغرفة الإدارية لدى المحكمة العليا سابقا)
* الاستثناء: اختصاص القاضي العادي:
لقد استثنى المشرع بنص المادة 7 مكرر من ق ا م بعض الحالات اليت هي أصلا من اختصاص القضاء الإداري كون أحد أطراف الدعوى من أشخاص القانون العام و أدرجها ضمن اختصاصات القضاء العادي. و من بينها المنازعات المتعلقة بالتعويض عن حوادث السيارات التابعة للدولة أو لإحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية. و لعل الحكمة التي ابتغاها المشرع من هذا الاستثناء هو أن القانون الواجب التطبيق في حالة التعويض عن الضرار الناجمة عن حوادث السيارات التابعة للأشخاص المعنوية العامة هو الأمر 74-15 المعدل و المتمم بالقانون رقم 88-31 المتعلق بإلزامية التأمين و التعويض عن الضرار و كذا المواد 124 ، 136 و 138 من القانون المدني، و عليه فالقاضي العادي هو المختص.
إضافة إلى أن الإدارة في هذه الدعوى لا تظهر كسلطة عامة بل كشخص عادي.

المطلب الثاني: تقدير التعويض:
بعد دراسة القاضي للملف من الناحية الشكلية و تقريره لاختصاصه بالنظر في الدعوى، ينتقل للجانب الموضوعي أين يتطرق لتوافر شروط المسؤولية الإدارية و من ثم تقدير التعويض الواجب أدائه للمتضرر و هذا ما سنتطرق إليه في الفرعين الآتيين:
الفرع الأول: قواعد تقييم الضرر:
ندرس في هذا الفرع قاعدتين أساسيتين تتعلقان بالضرر أولا هما قاعدة تاريخ تقدير الضرر و ثانيا هما قاعدة تغطية كامل الضرر.
1) ـ تاريخ تقدير الضرر:
في بادئ الأمر كان القضاء الإداري يقيم الضرر بتاريخ تحققه أي تاريخ انتهاء الفعل غير أن المدة الفاصلة بين وقوع الضرر و صدور الحكم بالتعويض كانت تعود لوضعيات غير مرضية (1)، و بتاريخ 21 مارس 1947 أصدر مجلس الدولة الفرنسي قرارا مبدئيا أين ميز فيه بين الأضرار التي تلحق بالأموال و الأضرار التي تلحق بالأشخاص (الأضرار الجسدية). (2)
فبالنسبة للأضرار التي تلحق بالأموال فالأصل يمون في تقييم الضرر بتاريخ انتهاء السبب ، و استثناءا بتاريخ صدور القرار إذا تبين للقاضي أن الضحية لم تكن تستطيع تصليح الضرر لأسباب خارجة عن إرادتها (3)، أو بتاريخ زوال عائق إصلاح الضرر الناجم عن سبب (4) أو قانوني (5).

(1) Jean Pierre , la responsabilité administrative, Casbah édition, P 108.
(2) Michel Paillet, OP.CIT, P 223.
(3) Michel Paillet, IBID, P 222.
(4) Michel Paillet IBID, p 226 (CE, 27 Nov, 1946, consorts , Rec CE p 228: Penurie des materiaux, CE 8 Mai 1968, association syndicale de reconstruction de , Rec CE P 286 necessite dattendre la remise en etat des a lorigine du dommage.
(5) Michel Paillet, IBID, P 222:

و الأهم أن مجلس الدولة الفرنسي في قراره الصادر في 1947 قبل الأخذ بعين الاعتبار الاستحالة المالية، أي قدرة المالك على تمويل الإصلاحات الضرورية، لكن من جهة على من يدعي ذلك أن يقدم الدليل، كأن يبين أنه لم يقرر على الاستدانة، و من جهة أخرى فالقاضي لا يأخذ بالضيق المالي البسيط بل الاستحالة (1).
فالقرار الصادر في 6 مارس 1987 عن مجلس الدولة الفرنسي في قضية السيدة هوريون و التي كانت في استحالة مطلقة للحصول على مساعدة لتمول إعادة شراء محل تجاري دمر نتيجة انفجار الغاز، قدر فيه الضرر بتاريخ أول منطوق حكم (2).
و هذا الاجتهاد يخص الأضرار اللاحقة بالأموال القابلة للتعويض أو الإصلاح، و في الفرضيات الأخرى( ضرر ناجم عن التدمير الكلي للمال، اضطراب في التمتع أو انخفاض القيمة المادية) القاضي يأخذ بتاريخ الاستقرار. (3)
كما اخذ مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ إيداع الخبرة كتاريخ لتقدير الضرر إن عين القضاة خبيرا لتحديد الأضرار. (4)
أما بالنسبة للأضرار التي تلحق بالأشخاص فتقييم الضرر يكون بتاريخ الحكم حتى يتم إصلاح الضرر بصيغة كلية و كاملة. (5)

Michel Paillet, OP.CIT, P 223.
(1) Michel Paillet, IBID, P 223.
(2) Michel Paillet, IBID, P 223.
(3) Michel Paillet, IBID, P 222. CE, 22 Juin 1987, Boulon et société générale d’entreprise c/département des Alpes Maritimes, RFD ad; 1987, p 680 date fixe au second rapport, le premier n’étant pas suffisamemt precis).
(5) خلوفي رشيد، المرجع السابق، ص 141

و في هذا الصدد نذكر قرار مجلس قضاء بجاية الصادر في 03/08/2004 القاضي بإلزام رئيس بلدية أقبو بدفع مبلغ 905783.05 دج كتعويض للمحل التابع بصفته مسير لمؤسسة توزيع المواد للبلدية المالكة لعتاد و سلع كانت بالمحل و تم تخريبها أثناء أحداث الشغب و المظاهرات و التخريب، و جاءت في حيثياته: و حيث أنه يستخلص من الخبرة أن الخبير اعتمد على التقييم المذكور في وثيقة إحصاء العتاد في تاريخ 31/12/99 و عليه يرى المجلس أن هذا التقييم جاء مطابقا لقيمة العتاد في تاريخ يقارب وقوع الأحداث.
و بهذا أخذ بما جاء في قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 1947 أين أخذ تقريبا بتاريخ وقوع الأحداث لتقييم الضرر اللاحق بالمال. (1)
و ما لاحظناه على قرار صادر بتاريخ 28/11/2000 بين (م.ع) و مستشفى بجاية ممثلا في مديره و الشركة الجزائرية للتأمين وكالة إحدادن الممثلة من طرف رئيسها و الكائن مقرها ب 600 مسكن احدادن متدخلة في الخصام، أنه لم يأخذ بما جاء به قرار مجلس الدولة الفرنسي في 21/03/1947 فيما يتعلق بتاريخ تقدير التعويض في الضرار الجسمانية.
فجاء في إحدى حيثياته لكن حيث أن المبالغ المطلوبة من قبل المدعى مبالغ فيها جدا خاصة أنه لم يقدم ما ثبت عن مدخوله الشهري قبل وقوع الحادث فبمفهوم المخالفة لو انه قدم ما يثبت مدخوله قبل وقوع الضرر لقدر التعويض على أساسه. (2)

(1) ملحق رقم .
(2) ملحق رقم .
2)- قاعدة تغطية كامل الضرر:
بمجرد تحديد عناصر المسؤولية فليس للقاضي سوى الاهتمام بضمان التعويض الكامل قدر الإمكان (1) للضحية لارضائها و لتحقيق ذلك لا بد من تغطية الضرر الذي أصابها و الحال هنا لا يختلف عن التعويض عن المسؤولية المدنية (2) و ذلك من خلال الاعتماد على قاعدة التعويض على أساس ما لحق المضرور من خسارة و ما فات من كسب و النظر لجسامة الضرر، و ليس جسامة الخطأ أو وضعية المسؤول عنه، و يعتمد القاضي على ما سبق ذكره ما لم ينص القانون على معايير تحدد تقدير التعويض.

(1) Michel Paillet, OP.CIT, P 254.
(2) معوض عبد التواب ص 613.
الفرع الثاني: سلطات القاضي في تقدير التعويض:
الأصل أن القاضي الحرية الواسعة في تقدير قيمة التعويض التي يمنحها للمتضرر في إطار المسؤولية الإدارية غير أن هناك حدود لهاته الحرية و سنتطرق لما ذكرناه فيما يلي:
1) ـ حرية القاضي في تقدير التعويض:
تظهر حرية القاضي في سلطته الواسعة في تقدير مبلغ التعويض حسب ما يراه مناسبا لجبر الضرر و ذلك بعد الاطلاع على الوثائق المقدمة من طرف المتضرر و إن لم توجد فيقوم بالتقدير الجزافي هذا إن كان الضرر ماديا (1) و فيما يخص الضرر المعنوي فيقيمه جزافيا و في حالات رمزيا. (2)
كما تظهر كذلك في حريته في قبول طلب الضحية المتعلق بالتعويض المؤقت لغاية الفصل النهائي في قيمة التعويض (3)، و كذا في طريقة الوفاء فالقاضي الحرية الكاملة في أن يأمر المسؤول عن الضرر بدفع مبلغ التعويض إما دفعة واحدة أو على أقساط أو في شكل إيراد.
و كأمثلة عن هاته الحرية نذكر بعض القرارات الصادرة عن مجلس الدولة و كذا مجلس قضاء بجاية فيما يلي:
القرار الصادر عن مجلس الدولة في 24/04/2000 في قضية أرملة (م) و من معها ضد والي ولاية جيجل و من معه و الذي حمل الولاية وحدها مسؤولية الحادث و ألزمها بدفع مبلغ 600000.00 دج كتعويض عن الأضرار، في حين المستأنفين التمسوا 600000.00 دج تعويض عن الضرار المادية 100000.00 دج تعويض عن الأضرار المعنوية.
و قد جاءت في إحدى حيثياته: حيث أن مسؤولية الولاية ثابتة و كاملة و عليه يتعين إلزامها بدفع مبلغ التعويض مع إرجاعه إلى الحد المقبول و هو 600000 دج. (4)

(1) خلوفي رشيد، المرجع السابق ص 141.
(2) خلوفي رشيد، نفس المرجع، ص 141.
(3) خلوفي رشيد، نفس المرجع، ص 142.
(4) ملحق رقم .
و كذا القرار الصادر في 01/02/1999 و الذي جاء في إحدى حيثياته: و حيث أنه
عكس ما تدعيه الطاعنة فإن قضاة الدرجة الأولى بتقديرهم للتعويض استنادا ” لسلطتهم التقديرية” يكونوا قد أحسنوا في ذلك، علما أن الأمر يتعلق بتقدير تعويض عن ضرر ناتج عن خطأ شخصي لموظف… (1)
و من قرارات مجلس قضاء بجاية:
القرار الصادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 13/07/2004 في قضية ذوي حقوق ضد مدير مستشفى أقبو.
حيث التمس ذوي حقوق الضحية مبلغ 850000.00 دج كتعويض عن كافة الأضرار التي لحقه بهم جراء وفاة والدتهم.
في حين قدر المجلس التعويض ب 55000 دج و جاء في القرار الحيثية التالية:
و لكن و حيث ثابت أن المبلغ المطالب به مبالغ فيه و عليه يرى المجلس و تطبيقا للمواد 124 ، 182 من ق ا م تحفيظه للحد المعقول. (2)
و كذا القرار الصادر عن نفس المجلس في 28/11/2000 الذي ألزم مدير مستشفى بجاية تحت ضمان شركة التأمين الجزائرية وكالة إحدادن الكائنة ب 600 مسكن احدادن بجاية بدفع مبلغ 300000 دج عن العجز الدائم، 100000 دج عن العجز المؤقت، 30000 دج عن التشوه الجمالي، 10000 دج عن الآلام، 50000 دج عن مصاريف العلاج في حين كانت طلبات المتضرر أكثر من ذلك.
و قد جاء في حيثيات القرار: لكن حيث أن المبالغ المطلوبة من قبل المدعى مبالغ فيها جدا خاصة أنه لم يقدم ما يثبت عن مدخوله الشهري قبل وقوع الحادث. (3)

(1) ملحق رقم .
(2) ملحق رقم .
(3) ملحق رقم .
2) ـ حدود حرية القاضي في تقدير التعويض:
أول ما يمكن ذكره في حدود حرية القاضي في تقدير مبلغ التعويض هو الطلب الذي يقدمه المضرور و الذي يضع حدا أقصى له و ليس للقاضي تجاوزه حتى لا يحكم بأكثر مما طلب منه.
كما أن المشرع قد يضع أيضا حدود لهاته الحرية مثلما هو في التعويض عن الأضرار الجسمانية التي تسببها السيارات فمنذ صدور الأمر 74-15 و النصوص المطبقة له و كذا قانون 88-31 المعدل و المتمم له أصبح القاضي ملزما باتباع مقدار معين من التعويض الذي جاء فيه دون الخروج عن الإطار المحدد لذلك.
كما تجدر الإشارة أيضا إلى المبالغ التي قد تتحصل عليها الضحية في إطار تعوضيها عن الضرر كأن تدفع لها الجهة المسؤولة مبالغ مالية قرار مجلس الدولة الفرنسي في 23 أكتوبر 1981 في قضية السيد برنارد دافال. (1)
و كذا التعويضات التي تحصلت عليها من شركات التأمين أو صناديق الضمان الاجتماعي (2) فعلى القاضي أن يأخذها بعين الاعتبار في تقدير التعويض الاجمالي حتى لا يعوض الضحية بأكثر مما لحقها من ضرر.
و في الأخير نذكر أن القاضي دائما يقدر التعويض بالعملة الوطنية (3) ، و التي قد تسبب بعض المشاكل للمحكوم لهم الأجانب اللذين يضطرون لتحويل المبالغ المحكوم بها لصالحهم إلى عملة بلدهم و قد يأخذ هذا وقتا.

(1) Michel Paillet, OP.CIT, P 261.
(2) Martine Lambard, OP.CIT, P 474.
(3) خلوفي رشيد، المرجع السابق، ص 142.

الـخــــــاتــمــــــة :
بعد انتهائنا من معالجة موضوع المسؤولية الإدارية ومحاولة الإلمام بأهم جوانبه ، تجدر الإشارة إلى أن القضاء الإداري في الجزائر – كما نعلمه – شديد التأثر بالإجتهاد القضائي الفرنسي في هذا المجال ، بإعتباره الأصل وكذا المرجع فيما يخص السابقات القضائية .وبما أن القضاء الإداري الجزائري لا يزال فتيا فإنه لم يصل إلى درجة التطور التي وصل إليها نظيره في فرنسا .
فمن ناحية الإجراءات القضائية المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية ، فهي لاتزال مندمجة ضمن قانون الإجراءات المدنية في حين أنه من الواجب الضروري افرادها بقانون خاص ومستقل .
إضافة إلى ذلك نجد أن النصوص القانونية المتعلقة بالمسؤولية الإدارية متشتتة و غير ملمة بكافة المواضيع المحيطة بها في وقت أصبح التشريع كمصدر أساسي و أولي للقانون في كافة مجالته .
ناهيك عن القضاء الإداري الجزائري الذي لايزال لا يتحكم في هذه المادة ، إذ أن اجتهاده غير مستقر وأن أحكامه غير مسببة تسبيبا كافيا .
ونعتقد ان سبب ذلك يرجع إلى عدم التحقق الفعلي للإزدواجية القضائية في بلادنا والتي تتطلب استقلالية الجهات القضائية بالإضافة إلى تخصص القضاة في القانون الإداري .
ولـهذا فـنـحن نأمل أن تتـحقق ازدواجية حقيقية للـقضـاء الإداري قـانونـا وقضـاءا ، ولا تبقى مجرد حبر على ورق.
قائمة المراجع باللغة الفرنسية :

1- ANDRÈ DE LAUBADÈRE, JEAN-CLAUDE VENEZIA , YVES GAUDEMET ; Traité de droit administratif, Tome 1 : Droit administratif générale , LGDJ,15 eme édition , 1999.

2- ENCYCLOPÈDIE JURIDIQUE DALLOZ ; Répertoire de la responsabilité da la puissance publique, Dalloz, (mise à jour 2022).

3- GILLES LEBRETON ; Droit administratif général, Armond Colin, 2 eme édition, 2000.

4- GEORGE DUPUIS, MARIE-JOSÈ GUEDON, PATRICE CHRETIEN ; Droit administratif, Armond Colin, 7 eme édition, 2000.

5- GEORGE VLACHOS ; Principes généraux du droit administratif, Ellipses , 1993.

6- JACQUE MOREAU ; Droit public , Tome 2 : Droit administratif , CNFPT-Economica, 3 eme édition , 1995.

7- JEAN- PIERRE DUBOIS ; La responsabilité administrative, Casbah édition, 1998.

8- JEAN RIVERO , JEAN WALINE ; Droit administratif, Dalloz, 18 eme édition, 2000.

9- MARCEL MONIN ; Arrêts fondamentaux du droit administratif ( AFDA), Ellipses, 1995.

10- MARTINE LOMBARD ; Droit administratif, 4 eme édition, Dalloz, 2001.

11- MICHEL PAILLET ; La responsabilité administrative, Dalloz, 1996.

12- M.LONG, P.WEIL, G.BRAIBANT, P.DEVOLVÈ, B.GENEVOIS ; Les grands arrêt de la jurisprudence administrative ( GAJA) , Dalloz , 13 eme édition , 2001.

13- PHILIPPE FOILLARD ; Droit administratif ( manuel ) , CPU, 2001.

14- RENÈ CHAPUS ; L’administration et son juge, PUF,1999.




merciتعليم_الجزائر

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

والله خويا يعطيك الصحة والعافية

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

محاضرات المؤسسات السياسية و الادارية في الجزائر


السلام عليكم
محاضرات مقياس المؤسسات السياسية و الادارية في الجزائر

جامعة الجيلالي اليابس -سيدي بلعباس-

[إن نشأة الدولة بمفهومها القانوني تقتضي وجود سلطة يخضع لها جميع أفراد الجماعة و بالتالي توجد دولة لا تملك سلطة على رعاياها و السلطة في النهاية ترد إلى إرادة الأمة و لا يقر بمشروعيتها إلا إذا كانت مستمدة من هذه الإرادة و عليه فإن الحديث عن السلطة من جانبها المؤسساتي و الإداري لأمر بالغ الأهمية بالنظر إلى ما يحمله من أفكار و تصورات طالما شغلت الباحثين و المفكرين غير أن الحديث عن المؤسسات السياسية والإدارية في الجزائر لأمر يستحق الدراسة بعناية كبيرة و ذلك من منطلق ما أثير حولها من تساؤلات خصوصا من الجانب ألممارسي التطبيقي أو العملي.

-التطور المؤسساتي ما قبل 1996:
إن الجزائر و خلافا لبعض الدول المستعمرة عرفت فراغا مؤسساتيا حيث لم تعرف وجود مؤسسات وطنية سابقة على الاستعمار و هكذا فإنه عقب الاستقلال أوكلت مهمة تحضير الوثيقة الدستورية إلى ندوة الإطارات و قدم الدستور في شكل اقتراح قانون إلى البرلمان للموافقة عليه ثم عرضه على الاستفتاء الشعبي و بذلك أقــر دستور 1963 الذي تميز بجمعه تقليد المؤسسات السياسية الغربية من خلال برلمان منتخب و تبني مسؤولية الحكومة أمام البرلمان و قد أرسى دستور 1963 دعائم قوية لمركز رئيس الجمهورية لإعطاءه صلاحيات جد واسعة. كما أسس هذا الدستور لفكرة الأحادية الحزبية التي تمثلت في جبهة التحرير الوطني بدعوى المحافظة على الوحدة الوطنية. و إذ كان تم توقيف العمل بهذا الدستور لفترة وجيزة على تبنيه وفق مبررات مرتبطة بالوضع على الحدود الغربية إلا أن هذا شكل جوا متميزا بعدم الاستقرار الأمر الذي انتهى إلى التصحيح الثوري
بعد 19جوان 1965 دخلت المؤسسات السياسية في الجزائر مرحلة جديدة تختلف عن المراحل السابقة فتم الرجوع إلى الشرعية الثورية، و هكذا انتقلت السلطة إلى مجلس الثورة بموجب الأمر 10جويلية 1965، و بالتالي طغت المؤسسات المنبثقة عن حركة 19جوان ممثلة في مجلس الثورة و مجلس الوزراء، إلا أن العودة إلى الشرعية الدستورية كانت ضرورة حتمية عجلت بظهور دستور 1976 و فيه اخذ مفهوم الدولة معنى جديد فهي السلطة و النظام و وحدة الشعب، وهكذا وضع حد للشرعية الثورية و اتجهت السلطة إلى بناء نظام سياسي ينشئ مؤسسات دستورية تنمي المشاركة السياسية و بالنتيجة تكريس نظام سياسي مد ستر و بالتالي صدر الميثاق الوطني.
الأول ذو طابع سياسي إيديولوجي رئاسة الدولة
الثاني يعتبر تكريسا قانونيا للأول و الذي بموجبه تم إنشاء مؤسسات سياسية جديدة المجلس الشعبي الوطني.
إلا أن الوضع الجديد الذي ميز بناء المؤسسات بعد 1976 و الذي كان ينبغي أن يتبع بموجة أخرى من الإصلاحات التي تدعم و تقوي بشكل اكبر هذه المؤسسات الجديدة و قد كان أول تعديل للدستور سنة 1976 الذي مس: الجهاز التنفيذي الذي عرف توسيعا كبيرا للصلاحيات التي يمارسها رئيس الجمهورية لمراجعة باقي المؤسسات السياسية يتبع مسار الإصلاح الدستوري بتعديل أخر بإنشاء مجلس المحاسبة، إلا أن هذه الإصلاحات أدت في النهاية إلى تردي الأوضاع من الجانبين الاقتصادي و السياسي خصوصا بعد الأزمة الاقتصادية العالمية و هو الأمر الذي عجل بانفجار الوضع سنة 1988 .
و هذه الإصلاحات مست الجانب المؤسساتي حيث استحدث منصب رئيس الحكومة و تبنى الثنائية القطبية للجهاز التنفيذي و تم إلغاء المادة 111 من دستور 1976 و التي تنص على ان رئيس الجمهورية يجسد وحدة القيادة السياسية للحزب و الدولة و كرست الأمر في 23فيفري 1989.
هذا الدستور جاء ليعبر عن نظام مؤسسي جديد قاعدته سيادة الشعب و يهدف إلى إرساء نظام ديمقراطي عن طريق انتخاب الشعب لممثلي في ظل التعددية الحزبية.
إلا أن دستور 1989 اخفق في تنظيم الحياة السياسية من النقلة المفاجئة التي عرفتها البلاد لاعتناقها لنظام كان أساسه الاشتراكية إلى تنظيم ليبرالي مختلف تماما على ما كان عليه الأمر في السابق كل ذلك هيأ لازمة دستورية سنة 1992 نتجت عنها استقالة رئيس الجمهورية و تزامنها مع حل المجلس الشعبي الوطني فحلت محلها مؤسسات انتقالية توزعت على فترتين هما: 1992-1994/ 1994-1997.
الا ان الرغبة للعودة الى الشرعية و المسار الديمقراطي كانت بادية من توجه السلطة سنة 1994 فقلصت المرحلة الانتقالية الثانية و انتخب رئيس الجمهورية و تم عن ذلك مباشرة ثورة قانونية في تاريخ الجزائر انتهت بتبني دستور 1996 الذي كان ثمرة حوار جدي مع مختلف التشكيلات السياسية و الحزبية لينهي المرحلة الانتقالية باعادة انتخاب المجلس الشعبي الوطني و سنة 1997 بتقاسم العملية التشريعية مع مجلس اخر هو مجلس الامة و تكريس الثنائية القطبية و تبني مبدأ الازدواجية القضائية و بالتأسيس للقضاء الاداري المستقل عن القضاء العادي.

المــــــــــؤسسة التــنفيــــــــــــــذيــــــــة:

ان المتمعن للفترات الدستورية التي شهدها النظام السياسي الجزائري يصل الى نتيجة مفادها ان المؤسسة التنفيذية هي اقوى مؤسسة سياسية في البلاد حيث احتلت المركز الموجه و المهيمن و كان لها دور مؤثر في عملية التحول نحو التعددية السياسية و اصبحت في ظل الاصلاحات السياسية مزدوجة التكوين (رئيس الجمهورية و رئيس الحكومة) و التساؤل الذي يطرح حول مركز رئيس الجمهورية و مكانته في النظام السياسي الجزائري وعلاقته بالحكم.

أ-مؤسسة رئاسة الجمهورية:

احتل رئيس الجمهورية على امتداد الفترات الدستورية التي عرفتها الجزائر انطلاقا من دستور 1963-1976 انتهاءا بدستور 1996 مكانة بارزة و متميزة استمدها خصوصا من طريقة اختياره من جهة و السلطات المخولة له من جهة اخرى و كذلك الوسائل السياسية التي طالما عززت من موقعه الى جانب الوسائل القانونية التي اكدتها النصوص و التي مكنته من الحفاظ على مركزه السامي على كل المؤسسات، فالدساتير الجزائرية المتعاقبة منذ الاستقلال اجمعت على انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري من بين مجموعة من المترشحين وفق شروط حددها الدستور والقانون معا على ان يتم الفوز بالحصول على الاغلبية المطلقة من اصوات الناخبين المعبر عنهم و قد وضع الدستور الجزائري مقابل ذلك مجموعة من الشروط التي ينبغي توافرها في اي مواطن جزائري حتى يتسنى له خوض غمار الرئاسيات ومن جملة هذه الشروط ان يكون: (انظر الدستور الجزائري).
بالاضافة الى هذه الشروط الدستورية حددت ايضا شروط قانونية من اهمها:
ان يجمع المواطن الراغب في الترشح لرئاسة الجمهورية 600 توقيع لاعضاء منتخبين في المجالس المنتخبة وطنية أو ولائية أو بلدية أو 75 ألف من توقيعات المواطنين موزعة على 25 ولاية على ان لا يقل عدد الموقعين عن 1500 موقع لكل ولاية شانها في ذلك شأن الحالة الاولى.
اما بالانتقال الى صلاحيات رئيس الجمهورية في الحالات العادية فهم يتمتع بمركز مرموق يعلو فوق جميع المناصب السياسية في الدولة و يلعب الدور الرئيس قي توجيه شؤون الحكم فيه اذ جاء الى منصبه بانتخابات صوت له اغلبية الشعب فيها لذلك يعتبر رئيس الجمهورية الممثل الاول للشعب و المعبر عنه و رعاية مصالحه و تحقيق اهدافه و الساهر على حماية استقلال دولته و يكون من الطبيعي اذن ان يتمتع هذا الرئيس المنتخب من الشعب بسلطات هامة وعليه باعتباره حامي الدستور و مجسد وحدة الامة و مجسد الدولة داخلها و خارجها، فانه يتمتع بصلاحيات واسعة جدا في المجالين الداخلي والخارجي.
و من هنا فالصلاحيات التي يمارسها داخليا هي انه يتولى القيادة العامة للقوات المسلحة و مسؤولية الدفاع الوطني فهو همزة الوصل بين عديد من الهيئات الامنية والعسكرية وهو رئيس المجلس الاعلى للامن و هو الهيئة الامنية المنصوص عليها في المادة 173 كما يملك رئيس الجمهورية صلاحية التعيين بالوظائف العسكرية دون قيد، كما يتولى رئيس الجمهورية مسؤولية الدفاع الوطني و هو ما تجسد خلال جمع رئيس الجمهورية بين منصبه و منصب وزير الدفاع الوطني، كما منح الدستور له رئاسة مجلس الوزراء الذي يباشر عدة مهام كدراسة مشاريع القوانين قبل عرضها على البرلمان و كذا المصادقة على المراسيم التي تصدر في مجلس الوزراء كما يستمع لمجلس الوزراء في الحالات الاستثائية و بالمقابل منح الدستور لرئيس الجمهورية صلاحية الاعتراض على القوانين المتأتية من المجلس الشعبي الوطني على انه يمكن له ان يطلب اجراء المداولة الثانية على قانون تم التصويت عليه من طرف البرلمان او بين دورتيه.
كما يرأس المجلس الاعلى للقضاء و هو الامر الذي اعتمدته العديد من الدساتير من بينها الدستور الفرنسي و هذا الجهاز يعنى بتعيين القضاة و نقلهم وسير سلمهم الوظيفي فرئيس الجمهورية هو صاحب الاختصاص في تعيين القضاة غيران ذلك التعيين بقرار من المجلس الاعلى للقضاء.
اما الصلاحيات التي يمارسها خارجيا فهي الحق في اعتماد سفراء الجمهورية و المبعوثين فوق العادة و الوزراء و ينهي مهامهم و استلام اوراق اعتماد الممثلين الدبلوماسيين الاجانب و اوراق انهاء مهامهم، كما يقرر السياسة الخارجية للامة و حتى ابرام المعاهدات الدولية و المصادقة عليها.
اما اذا انتقلنا للحديث عن سلطات رئيس الجمهورية في الحالات الاستثنائية فنجد ان دستور 1996 اعطى له سلطات واسعة و كبيرة جدا اثناء الظروف الاستثنائية فرئيس الجمهورية هو الذي يقرر حالة الطوارئ و الحصار كما يمكنه تقرير الحالة الاستثنائية اذا كانت البلاد مهددة بخطر داهم يوشك ان يصيب مؤسساتها الدستورية و استقلالها و سلامة ترابها، كما منح صلاحية اعلان الحرب اذا ما تبين انه وقع عدوان فعلي على البلاد او وشك ان يقع.
و خلاصة القول انه اذا كانت المؤسسات السياسية الجزائرية كلها تعمل حول رئيس الجمهورية في حالة السلم فانها في حالة الحرب لا تتقلص و تجتمع في يد رئيس الجمهورية.

ب- مؤسسة رئاسة الحكومة:

في النظام الدستوري الجزائري هي الطرف الثاني في المؤسسة التنفيذية و تتكون من رئيس الجمهورية و من عدد من الوزراء يختارهم رئيس الحكومة و يقدمهم الى رئيس الجمهورية حسبما تقتضيه الحاجة و المصلحة العامة يجتمعون في مجلس واحد متجانس و متضامن يسمى مجلس الحكومة و بحضور رئيس الجمهورية يسمى مجلس الوزراء، و قد تطور مفهوم الحكومة في النظام الدستوري الجزائري حيث انه و بالرجوع الى التسميات التي اعتمدت نجد رئيس المجلس في حكومة احمد بن بلة المستمد من دستور 1946 الفرنسي و الذي نجد اصلها في الجمهورية الثالثة و في قانون 03ديسمبر 1934 و هي التسمية رغم تبنيها عمليا اثر موافقة المجلس الوطني التأسيسي على أول حكومة لرئاسة احمد بن بلة هو الأمر الذي دفع بمؤسس دستور 1976 الى اعادة النظر في هذه التسمية بالنظر الى الانتقادات التي وجهت اليها و استعمال تسمية الوزير الأول التي يعود تاريخها الى النظام البريطاني ثم تلقفتها العديد من الدساتير و منها الدستور الجزائري.
كما أنه أصبح رئيس الجمهورية ملزما بتعيين وزير أول بعدما كان مخيرا قبل ذلك، فهولا يمارس أية سلطة تذكر سوى بمساعدة رئيس الجمهورية و تنسيق العمل الحكومي و تطبيق القرارات المتخذة، إلا أن دستور 1989 تبنى لقب رئيس الحكومة الذي ورد في تعديل 03 نوفمبر1988 حيث اعتبر اللقب أوسع و أشمل من لقب الوزير الأول لأنه لا ينفي التمايز بين الوزير الأول و الوزراء من حيث الرتبة و إنما يعني أيضا أن رئيس الحكومة يختارهم و يوزع الصلاحيات بينهم و يترأس مجلس الحكومة و يضبط برنامج حكومته و يتحمل المسؤولية السياسية أمام البرلمان و باستقالته و ابعاده تتغير الحكومة و هذا النهج هو الذي حافظ عليه الدستور الى غاية التعديل الدستوري 2022 حيث أعاد العمل بمنصب الوزير الأول و ألغي منصب رئيس الحكومة و هي إشارة من المؤسس الدستوري الى العودة إلى النظام الرئاسي.

الحكومة بين التكليف و انهاء المهام في دستور1996:

1 السلطة المختصة بتعيين الحكومة:

يؤدي رئيس الجمهورية بالنظر الى موقعه القيادي و إلى التقارير التي أرساها المؤسس الدستوري منذ الإستقلال دورا راجحا داخل النظام السياسي الجزائري لا تنافسه فيه أي سلطة أو مؤسسة دستورية أخرى، و يتبن ذلك من خلال تقفي حركية النصر و حركية التطبيقات الجارية عليه فإن رئيس الجمهورية ينفرد بتعيين رئيس الحكومة حسب ما تنص عليه المادة 77 فقرة 5 من دستور 1996 “يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة و ينهي مهامه” إلا أنه إذا كان لرئيس الجمهورية حرية التعيين فإن ذلك لا يعني أنه يتمتع بحرية مطلقة من كل قيد باعتباره حامي الدستور و ضامن استقرار المؤسسات، عليه عند توقيع التعيين البحث عن الشخص المناسب للمنصب و مراعاة بعض المقاييس التي تضمن استمرار بقاء من وقع عليه الاختيار.

الاعتبارات الموضوعية عند تعيين رئيس الحكومة في دستور 1996:

إن تبني التعددية السياسية و الحزبية تتحكم في مسألة التعيين و من تم فإن سلطة رئيس الجمهورية مشروطة بالحياة السياسية التي تتقاسمها عدة تيارات سياسية و حزبية ففي حالة نظام الحزب المهيمن و كون الأغلبية البرلمانية و الرئيس من حزب واحد، فإن رئيس الجمهورية يستطيع أن يختار من يشاء لرئاسة الحكومة و حتى أعضائها أنفسهم كون الأغلبية البرلمانية تجد في سياسته ما يحقق برنامجه الذي هو برنامج رئيس الجمهورية.
أما في حالة ما إذا كانت الأحزاب المعارضة في البرلمان لا تحتوي على أغلبية هنا معارضا أو ائتلافا حزبيا معارضا لرئيس الحكومة يعين رئيس الجمهورية و يكون مجبرا سياسيا و ليس قانونيا على اختيار رئيس الحكومة من المعارضة لأجل الحفاظ على استمرار استقرار المؤسسات السياسية، إلا أن الدستور الجزائري قد منح في النهاية لرئيس الجمهورية صلاحية تعيين رئيس الحكومة دون قيد أو شرط قانوني و قد فرضت سلطة رئيس الجمهورية نفسها في هذا الصدد مدفوعة بقوة مصدره الإنتخابي، فإذا كان الرئيس الفرنسي مثلا وفقا لأحكام دستور 1958 يتقيد بمبدأ الأغلبية البرلمانية عند تعيين الوزير الأول فإن الرئيس الجزائري الأحرج عليه في ذلك و لعل مرد ذلك أن النظام الانتخابي الجزائري يأخذ بأسلوب نسبي.

طريقة تشكيل الحكومة:

إن تركيبة الجهاز الحكومي تعرف تزاوجا و تداخلا بحيث لا يتوقف تشكيلها على جزء من السلطة التنفيذية المقصود بها ادارة رئيس الدولة دون رئيس الحكومة في اختيار الأعضاء و توزيع الحقائب عليها بل بتظافر جهودها معها الأول بالتعيين و الثاني باجراء مزدوج ينطوي على انجاز المشاورات و القيام بالاقتراح حفاظا على الانسجام و الاستمرارية و بعد التعرف على الجانب الشخصي المنصب على رئيس الحكومة تتجه نحو الحكومة باعتبارها هيئة حماية غير منفصلة عن رئيسها من حيث طرق تركيبها و القواعد العامة التي تحتكم اليها فإذا كان رئيس الدولة يعين رئيس الحكومة فإن هذا الأخير من جهته يقوم باختيار أعضاء فريق حكومي و توزيع المهام بينهم.

إجراءات تـأليف الجهاز الحكومي:

إن رئيس الحكومة أو الوزير الأول حسب التعديل الدستوري الجديد بعد تعيينه يبدأ في اجراءات و مشاورات مع مختلف التشكيلات السياسية من أجل تشكيل حكومته و أهمها الأحزاب السياسية ذات النفوذ في البرلمان، فالبرلمان التعددي يكون مشكلا من كتل برلمانية حزبية تمتلك سلطة الموافقة على برنامج الحكومة فيما كان معمول به في دستور 1996 و الوزير الأول في التعديل الأخير يقدم مخطط عمل الحكومة و نشاطها بعد المناقشة لهذا يحرم رئيس الحكومة أو الوزير الأول من اخيار اعضاء حكومته حتى يكون هنالك تنويع في التمثيل الحزبي فيها، للحفاظ على استقرارها وديمومتها و ضمان مرور برنامجها أو مخطط عملها، فرئيس الجمهورية يعين الوزير الأول في اطار التعددية الحزبية و القيم الديمقراطية عرفيا لا دستوريا من الحزب الفائز بالأغلبية.
إن لرئيس الجمهورية سلطة تقديرية واسعة في تعيين الوزراء إلا أنه للتفسير و التوضيح أكثر نكون بصدد الحالات التالية:
الحالة الأولى: نفترض اقتران بين أغلبيتين (رئاسية، برلمانية) فبالتأكيد رئيس الجمهورية سيتمتع بحرية في انتقاء الوزراء، فتشكيلة الحكومة سيتم اختيارها بما فيها الوزير الأول وفق رغبة رئيس الجمهورية دون الآخر بالاعتبار لمسألة الحزب الفائز بالأغلبية.
الحالة الثانية: نفترض أنه لم يحصل اقتران بين الأغلبيتين فالراجح في أغلبية الأنظمة البرلمانية أن رئيس الحكومة أو الوزير الأول و الطاقم الوزاري يعين من الفاعلية البرلمانية و بالتالي تكبح من الرئاسية في هذا الصدد و بالنتيجة تولى السلطة حسب مقتضيات الأغلبية المطلقة و بالتالي يتطلب الائتلاف بين حزبين أو أكثر و بالطبع يكون رئيس الجمهورية في وضع مريح من حيث اختيار الوزير الأول و الوزراء خصوصا إذا كان حزبه داخل التكتل السياسي القائم على الائتلاف و يمكن أن يكون حزب الرئيس خارج الائتلاف و مع ذلك لرئيس الجمهورية أن يعين كما يرى الوزير الأول و أعضاء الحكومة لأن الدستور الجزائري لا يحدد بنص صريح أن يختار الطاقم الحكومي من الأغلبية البرلمانية.
و هكذا بالنتيجة يصدر المرسوم الرئاسي المتضمن تشكيل الحكومة إلا أنه و إذا كنا قد أشرنا إلى أن رئيس الحكومة يختار أعضاء الحكومة أو الوزير الأول و يقدمهم لرئيس الجمهورية لأجل تعيينهم نتساءل هل يمكن لرئيس الجمهورية أن يعترض على أحد الوزراء أو مجموعة من الوزراء؟
و قد جاء التعديل الدستوري الأخير ليزيل الغموض حول هذه المسألة و هذا حسب المادة 79 المعدلة و التي أصبح فيها تعيين الوزراء يتم من قبل رئيس الجمهورية بعد استشارة الوزير الأول و بالنتيجة فإن التعديل الدستوري اسقط للوزير الأول حق الاختيار و الاقتراح الذي كان يتمتع به رئيس الحكومة قبل التعديل و أصبح دوره مجرد دور استشاري.
و إذا كان من المعروف كقاعدة عرفية كذلك في الدستور الجزائري إن لرئيس الجمهورية حق اختيار وتعيين الوزراء أصحاب الحقائب السيادية دون العودة إلى الوزير الاول و الأمر هنا لا يقوم بصدده الاشكال إلا أن الاشكال يثور في طريقة توزيع الحقائب الوزارية بين التشكيلات السياسية الراغبة في الإنضمام الى التشكيلة الوزارية خاصة إذا كنا أمام ائتلاف حكومي بين مجموعة من الأخزاب السياسية.

التدرج بين الوزراء:

التدرج آلية تمكن الوزير الأول من ضمان هيمنته على الجهاز التنفيذي أولوية تجد تبريرها في طبيعة الصلاحيات الممنوحة سواءا لاخلاصهم لشخص رئيس الجمهورية أو رئيس الحكمة أو الدعم السياسي الذي يقدمونه.

نائب الوزير الأول:
أضاف التعديل الدستوري الجديد الذي صادق عليه نواب الشعب و أعضاء مجلس الأمة في البرلمان المجتمع منصب نائب الوزير الأول و ذلك في احكام الفقرة 07 من المادة 77 من الدستور الجزائري، إذ يمكن لرئيس الجمهورية أن يعين نائبا أو عدة نواب للوزير الاول لغرض مساعدته في ممارسة وظائفه و ينهي مهامه أو مهامهم، و هذه الفقرة جديدة إذ لم تكن معروفة في النسخة الاصلية منذ دستور 1996 و ادرجت بموجب التعديل الدستوري الاخير، وهكذا فان الوزير الاول يقسم صلاحياته مع نوابه في حالة ما عينهم رئيس الجمهورية ضمن التركيبة الحكومية.

وزير الدولة:
الى جانب الوزير الاول و الوزراء قد يتم استحداث منصب تابع للجهاز التنفيذي يساعد الحكومة في اداء مهامها ووظائفها و المتمثل في منصب وزير الدولة فدستور 1996 و التعيدل الدستوري 2022 لم ينص على هذا المنصب و اكتفى بذكر اعضاء الحكومة و حسب الفقه الدستوري فان هذا المنصب مرتبط بالشخص المعين اكثر من المهمة المسندة اليه و عادة ما يكون هذا الشخص من الموظفين الكبار السابقين و لكن نظرا لسمعته و تجربته في الميدان السياسي يمنح له مثل هذا المنصب و يقوم رئيس الجمهورية بتعيينه خاصة في الامور التابعة لرئاسة الجمهورية هذا فضلا على انه لا يوجد أي نص يحدد مهام وزير الدولة، و هذا الامر متروك لرئيس الجمهورية ليحدد مهامه و عليه فان مرتبة وزير الدولة الدولة ترقى الى مرتبة الوزير العادي و ان كان دور الوزير العادي اكثر فاعليه من منصب وزير الدولة مع مع التاكيد على منصب الوزير الاول يرقى على منصب وزير الدولة.

الوزراء:
يعين رئيس الجمهورية الوزراء و ذلك بعد استشارة الوزير الاول (اعضاء الحكومة) و هكذا فان تعيين الوزراء و اختيارهم اصبح امرا محجوزا لرئيس الجمهورية دون غيره بعد ان تحول دور الوزير الاول الى دور استشاري فقط بعدما كان يملك كرئيس حكومة قبل التعديل سلطة الاقتراح لرئيس الجمهورية و يختص الوزراء كل بحسب القطاع الذي عين من اجل تسييره.

كتاب الدولة:
ان الدستور الجزائري لم ينص على منصب كاتب الدولة الا ان تعيين كتاب الدولة امر معمول ب هاذ غالبا ما يتم الاعلان عن عدد من كتابات الدولة الى جانب الوزارات الموجودة على مستوى الحكومة و دورهم يتمثل في مساعدة الوزراء على اداء مهامهم و هم يعينون من قبل رئيس الجمهورية بناءا على اقتراح من رئيس الحكومة او الوزير، كما ان كتاب الدولة لا يحق لهم اقتراح القوانين او مناقشتها و على الرغم من ذلك يبقى الوزير دائما صاحب الكلمة الاخيرة في اتخاذ القرار.

الوزراء المنتدبين:
يجوز لرئيس الجمهورية و نظرا لتشعب مهامه ان يقوم بتفويض أي شخص للقيام ببعض المهام و ذلك لاحداث منصب الوزير المفوض او الوزير المنتدب و عادة ما يكون هذا الوزير معينا من اجل المهام الخارجية و على الوزير المنتدب ان يتصرف في اطار التفويض الممنوح له دون ان يتعداه، و هو مسؤول امام رئيس الجمهورية.

انهاء عمل الحكومة:

الحالة الادارية حيث كفل للوزير الاول حقه في الاستقالة، الوزير الاول أو رئيس الحكومة قبل التعديل يمكنه ان يقدم استقالته الى رئيس الجمهورية اي الجهة التي تملك سلطة التعيين و الاستقالة الدارية وفق هذا المفهوم تكون غالبا اذا ما وجد رئيس الحكومة او الوزير الاول ان سياسته لم يعد متجاوبا معها او لم تسير مع او وفق البرنامج او مخطط العمل الذي وضعه.
كما يملك رئيس الجمهورية اقالة رئيس الحكومة في اي وقت و هذا الحق ايضا منحه الدستور لرئيس الجمهورية وفق سلطته التقديرية و هو ما اشار اليه الدستور في احكام المادة 77 الفقرة (يعين الوزير الاول و الوزراء و ينهي مهامهم).
تعريف الاستقالة الوجوبية: و هي التي تكون نتيجة اما بالتصويت على ملتمس الرقابة ضد الحكومة في المجلس الشعبي الوطني، و اما اذا رئيس الجمهورية او الوزير الاول يرغب في الترشح لرئاسة الجمهورية و ذلك في حالة حصول مانع لرئيس الجمهورية او في الحالة العكسية و هذا ما اشارت اليه احكالم المادة 90 من الدستور و التي تقول انه لا يمكن ان تقال او تعدل الحكومة القائمة بحصول مانع لرئيس الجمهورية او وفاته او استقالته حتى يشرع رئيس الجمهورية الجديد في ممارسة مهامه.
اما الوزير الاول فيستقيل وجوبا اذا ترشح لرئاسة الجمهورية و يمارس وظيفة الوزير الاول حينئذ احد اعضاء الحكومة الذي يعينه رئيس الدولة.

صلاحيات رئيس الحكومة الدستورية وفق دستور 1996:

تنص المادة 85 من دستور 1996: زيادة عن السلطات التي تخولها اياه صراحة احكام اخرى يمارس رئيس الحكومة الصلاحيات التالية:
-يوزع الصلاحيات بين اعضاء الحكومة مع احترام احكام الدستور.
-يرأس مجلس الحكومة.
-يسهر على تنفيذ القوانين و التنظيمات.
-يوقع المراسيم التنفيذية .
-يعين في وظائف الدولة دون المساس بأحكام المادتين 77 و 78.
-يسهر على حسن سير الإدارة العمومية.
صلاحيات الوزير الاول وفق التعديل الدستوري لسنة 2022:
المادة 85 من دستور 1996: زيادة عن السلطات التي تخولها اياه صراحة احكام اخرى يمارس رئيس الحكومة الصلاحيات التالية:
-يوزع الصلاحيات بين اعضاء الحكومة مع احترام احكام الدستور.
-يسهر على تنفيذ القوانين و التنظيمات.
-يوقع المراسيم التنفيذية بعد موافقة رئيس الجمهورية على ذلك.
-يعين في وظائف الدولة بعد موافقة رئيس الجمهورية دون المساس بأحكام المادتين 77 و 78.
-يسهر على حسن سير الإدارة العمومية.
يملك رئيس الحكومة أو الوزير الاول عدد من الصلاحيات الدستورية تفسر مكانته داخل السلطة التنفيذية و علاقته مع باقي المؤسسات الدستورية، وبالتالي فقد أنيطت به سلطات متعددة بعضها مرتبط بالوظيفة التنفيذية وبعضها ذو طبيعة ادارية باعتباره مشرفا على العمل الاداري، كما يملك سلطات تشريعية واضحة المضامين والأهمية مثل المبادرة بمشاريع القوانين و المشاركة في تحديد جلسات البرلمان.

التحديد الدستوري للصلاحيات التي ينفرد بها الوزير الاول:

ان مهام الوزير الاول تتمثل في تنفيذ و تنسيق برنامج رئيس الجمهورية و هذا ما اشارت اليه المادة 73 من الدستور (ينفذ الوزير الاول برنامج رئيس الجمهورية و ينسق من اجل ذلك عمل الحكومة) و تتمثل عملية التنفيذ بالنسبة للوزير الاول في القيادة و الاشراف و المراقبة و التوجيه للقائمين بهذه العملية من الوزراء، كما يملك صلاحية اتخاذ القرارات بهذا الشأن، أما التنسيق فيتمثل في تحقيق الانسجام بين القطاعات الوزارية.

توزيع الصلاحيات بين اعضاء الحكومة:

يتولى الوزير الاول توزيع الحقائب الوزارية على كل وزير و يحدد صلاحياته، و في هذا الاطار فانه و بعد تعيين كل وزير تحدد له الصلاحية التي يجب عليه احترامها و عدم الاعتداء على صلاحيات الوزارات الأخرى.

رئاسة اجتماعات الحكومة:

بعدما الغى التعديل الدستوري لسنة 2022 مجلس الحكومة و ذلك في اطار التاكيد على مبدأ وحدوية السلطة التنفيذية، جاءت المادة 77 في فقرتها السادسة لتخول للوزير الاول رئاسة اجتماعات الحكومة بناءا على تفويض من رئيس الجمهورية المادة 77 الفقرة 06 (يمكن لرئيس الجمهورية ان يفوض جزءا من صلاحياته للوزير الاول لرئاسة اجتماعات الحكومة).

سلطة الوزير الاول في مجالي التنظيم والتنفيذ:
من أهم مهام الوزير الاول السهر على تنفيذ القوانين و التنظيمات من اجل المحافظة على النظام العام في البلاد، غير ان تعديل تنفيذ القوانين قد يعمل عدة تأويلات و في هذا الصدد يقول جورج فيدال: “إن مضمون تنفيذ القوانين قد يعني أولا نشر القوانين و التذكير بأحكامها استعمال الاكراه و القوة لضمان تنفيذها، اتخاذ الاجراءات المناسبة التي تدخل في اختصاصات الحكومة القيام بالتنفيذ مع الحفاظ على النظام العام” و يرى عبد القادر بولمان أن تنفيذ القوانين هي وظيفة ادارية تعني أولا: قيام رئيس الحكومة بتنفيذ القوانين التي يصادق عليها البرلمان و ثانيا قيام رئيس الحكومة (الوزير الاول) بتنفيذ التنظيمات و ثالثا اتخاذ القرارات الادارية اللازمة لتنفيذ هذه الاعمال.
بينما يرى بوكرع ادريس و أحمد وافي أن تنفيذ القوانين و التنظيمات يمتد لكل القوانين الموضوعة من طرف البرلمان و المراسيم الموضوعة من رئيس الجمهورية، فالوزير الاول يعود له اختصاص المجال التنفيذي المشتق بالعودة الى احكام المادة 125.

توقيع المراسيم التنفيذية بعد موافقة رئيس الجمهورية:

بعدما كان دستور 1996 يمنح للوزير الاول حق اصدار المراسيم التنفيذية بصفة مستقلة دون العودة لرئيس الجمهورية. جاء التعديل الدستوري 2022 ليلغي هذه الاستقلالية و يربط توقيع المراسيم التنفيذية بمدى موافقة رئيس الجمهورية عليها و هو ما يدخل ضمن تكريس وحدوية السلطة التنفيذية لا ثنائيتها و المراسيم التنفيذية هي نتيجة لتكليف الوزير الاول بالسهر على تنفيذ القوانين و التنظيمات ذلك لأن بعض النصوص و التشريعات لا يتم تنفيذها بمجرد الاصدار و النشر بل تتطلب صدور مراسيم توضيحية تفسيرية للنص أو جزء منه، فهنالك بعض النصوص التي تحوي قواعد عامة يترك أمر تحديد كيفية تنفيذها للسلطة التنفيذية عن طريق الوزير الاول بالمراسيم التنفيذية.

صلاحية التعيين:

يتمتع الوزير الاول في اطار ممارسة اختصاصاته المقررة دستوريا بحق تعيين طائفة من موظفي الدولة المصنفين ضمن فئة الوظائف العليا غير ان الدستور وضع قيدا على ممارسة هذا الاختصاص يتمثل في اشتراط موافقة رئيس الجمهورية و عدم المساس باختصاصات رئيس الجمهورية في التعيين و فق احكام المادتين 77 و 78 من الدستور أي تنازع جاء المرسوم الرئاسي 99 رقم 99-239 المتضمن الغاء المرسوم الرئاسي 89-44 و المرسوم التنفيذي 91-307 و عوض بالمرسو م الرئاسي 99-240 الذي يتعلق بالوظائف المدنية و العسكرية المخول لرئيس الجمهورية التعيين فيها.

يسهر على حسن سير الادارة العامة:

اذا كان الوزير الاول يسهر على السلطة التنفيذية فان له مسؤوليات خاصة في الميدان الاداري بالاشراف على الجهاز الاداري و ضمان النظام في تسيير المرافق العامة ومن ذلك فان مساعي الوزير الاول لا تبلغ اهدافها الا اذا تمتع بالوسائل الكيفية و المتمثلة في ادارة قوية مهما كانت طبيعتها على قدر كبير من التنظيم ذات امكانيات و قادرة على اتخاذ اجراءات سريعة و فعالة، فمن المعلوم ان الادارة مصدر المعلومات و اصبحت من اهم الوسائل المتكأ عليها لتحقيق البرامج الحكومية في كافة المجلات و التحكم فيها يعني المسك بالسلطة التنفيذية التي تسهل عملية اتخاذ القرارات السياسية و الادارية.

الوظيفة الاستشارية للوزير الاول:

للوزير الاول مهام استشارية و ذلك بتقديم استشارة حول مسائل معينة كاعلان حالة الطوارئ و الحصار و كذا الحالة الاستثنائية او اعلان الحرب و كذلك اثناء حل المجلس الشعبي الوطني او تنظيم انتخابات او تنظيم انتخابات تشريعية قبل موعدها.

النظام البرلماني:

يعد البرلمان المؤسسة الاكثر ارتباطا بالجمهور و الانفتاح عليه و احدى مؤسسات الحكم الديمقراطي التي تجمع بين وظيفتين الولا هيكل نيابي يعبر عن ارادة المواطنين و اتجاهات الاحزاب السياسية من ناحية و من ناحية اخرى هو آلية سريعة تضع قوانين الدولة، كما ان وضع البرلمان في نظام الحكم و لا سيما في علاقته بالسلطة التنفيذية هو الذي يحدد شكل الدول و نوع نظامها السياسي (النظام السياسي الجزائري يجمع بينهما لكي يميل الى النظام الرئاسوي قريب من النظام البرلماني اي الفصل المرن بين السلطات)
و قد تميز دستور 1996 بارساء مبدأ الثنائية البرلمانية اي وجود غرفتين المجلس الشعبي الوطني و مجلس الامة، و قدا أشارت الى هذا المادة 98 من الدستور و التي تقول: (يمارس السلطة التشريعية البرلمان المتكون من غرفتين المجلس الشعبي الوطني و مجلس الامة) و له سيادة في الاعداد القانوني و التصويت عليه.
فماهي الاسباب التي ادت الى اعتناق هذا النوع في تنظيم مؤسسة البرلمان الجزائري؟ و ما حقيقة العلاقة بين الغرفتين؟ و البرلمان بغرفتيه مع الحكومة من جانب اخر؟
لماذا نظام الغرفتين في دستور 1996؟

الاصول التاريخية لنشأة نظام الغرفتين:

قد يتفاجئ البعض عندما يعلم ان الغرفة الثانية هي الاسبق في الوجود تاريخيا من الغرفة الاولى بزمن قصير، فنظام الغرفتين بدأ مع أواخر القرون الوسطى في انجلترا بصفة أساسية و ذلك منذ بداية القرن 13 ذلك ان غرفة اللوردات نشأت سنة 1215 عندما فرض النبلاء و بارونات انجلترا على الملك جون عدم فرض الضريبة الى بعد استشارتهم و قد دون هذا الاتفاق في الوثيقة التي اصدرها تحت اسم الميثاق الكبير الماقنا كارطا و أنشأ المجلس الكبير الذي تحول الى غرفة الوردات ثم بعد ذلك جاءت غرفة العموم و التي كانت كذلك تسمى بالغرفة السفلى. و بعد ذلك نشأ نظام الغرفتين في الولايات المتحدة الامريكية بموجب دستور 1787 و ذلك لاسباب فدرالية، علما ان بعض الولايات مثل فلاديلفيا و بسيلفانيا كانت لها شبه غرفة برلمانية ابتداءا من 1772، و بعد ذلك انتقل الامر الى فرنسا التي اقتدت بانجلترا و ذلك لنفس الاسباب الا و هي الطبقية و لكن بقي الامر على حاله بسبب تعدد الجمهوريات، وعلى العموم فقد عمل بنظام الغرفتين في عموم القارة الاوروبية خلال القرن 19، و قد كانت و لا زالت في مجملها انظمة برلمانية مما يسمح بالقول ان نظام الغرفتين نظام لصيق بالنظام البرلماني.

مقتضيات تبني نظام الازدواجية البرلمانية في الجزائر:

ذهب المؤسس الجزائري سنة 1996 الى الاخذ بنظام الغرفتين و هو الاصلاح الجديد الذي تجسد في هذا الدستور و من المؤكد ان الوراء من هذا التعديل اسباب منها ماهو معروف ومنها ما هو خاص بالمجتمع و منها ما هو خاص بالنظام السياسي القائم و يمكن ان نقسمها الى اسباب السياسية و اسباب تقنية تنصب على عملية اعداد القانون.

الاسباب السياسية:

يمكن ابراز خلفية هذا التوجه الجديد بالنظر الى الظروف التي عاشتها الجزائر خصوصا بعد توقيف المسار الانتخابي حيث برزت ثغرات دستورية 1989 كان لابد من ملئها، بالاضافة الى ان هذا التعديل جاء ليكرس و يحصل التوجه الديمقراطي و يحمي النظام الجمهوري التعددي، ووجود الغرفة الثانية كان من الآليات الضرورية لتحقيق الاهداف السابقة في هذا الاطار فان المؤسس الجزائري الدستوري لم يغب عن ذهنه الانتخابات التشريعية الاولى التي عرفتها الجزائر 1991 هذه الانتخابات التي ادت الى فوز و استئثار تيار سياسي واحد بأغلبية مقاعد البرلمان من دون ان يكون للنظام السياسي في دستور 1989 الوسائل الدستورية التي تحقق من امتلاك حزب واحد لكل مقاليد السلطة التشريعية خاصة و ان دستور 1989 اعطى السلطة التشريعية الكاملة الى البرلمان و في مثل هذا الظروف فان وجود غرفة ثانية من نشأته ان يخفف جموح المجلس الشعبي الوطني و اعطى الدستور لمجلس الامة الوسائل للوقوف اما المجلس الشعبي الوطني.
و هكذا يمكان ان يلعب مجلس الامة عنصر تلطيف الحياة التشريعية و هناك من يرى بان النظام السياسي الجزائري اعتمد نظام الغرفتين لكي يشرك الجماعات المحلية نظرا لما اصبح لهذه الجماعات المحلية من دور هام في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية مما يجعل مجلس الامة يسمح باكثر لكل المقترحات سواءا من مبادرة الحكومة او النواب لان وجود الغرفة الثانية يمكن ان يخفف من النزاعات التي يمكن ان تنشأ بين السلطة التنفيذية و البرلمان.و بذلك يكون النظام السياسي الجزائري قريبا كثيرا في آلياته الدستورية بالنظام البرلماني.

الاسباب التقنية او القانونية:

اذا كانت الأحزاب السياسية وراء الأخذ بنظام المجلس فلا يخفى على أهدافه انه هناك أسباب قانونية او تقنية، و في هذا المضمار فان نظام المجلسين جاء كضمان لاستمرارية الدولة و مؤسساتها و ديمومتها و في هذا الاطار قول العلامة الدستوري ديسي: (ان الحاجة الى ايجاد مجلسين اصبحت محور السياسة و اساس هذه الحاجة الاعتقاد بميل المجلس الواحد الى التسرع و الاستبداد و الفساد و بالتالي فان نظام المجلسين يحول دون استبداد السلطة التشريعية ذلك أنه اذا كانت الهيئة النيابية تنفرد بسلطة سن القوانين و وضع التشريعات المختلفة دون اي وازع في جانب هام من جوانب السلطة العامة في الدولة فان هذا يعني منح هذه السلطة و بدون مقابل يدا جديدة مستبدة و تفاديا لهذا ينبغي تفادي توزيع السلطات بين المجلسين).

موقف المعارضين للازدواجية البرلمانية (مجلس الامة):

يلخصون هذا الراي في عدم جدوى المجلس و ضرورة الغاءه و الاكتفاء بالمجلس الشعبي الوطني فالغاءه ضرورة اقتصادية تفرضها ظروف الجزائر الراهنة التي تقتضي توفير امول تنفق في غير مواضعها مثلما هو قائم بالنسبة لمجلس الامة و ما ينفق عليه يمكن توجيهه للعمل على تحسين هذه الظروف الاقتصادية و انه يثقل ميزانية الدولة.
النقد الموجه لهؤلاء المعارضين:
هذا المبرر لا جدوى منه طالما تيقنا من انه يجب ان يقف الجميع تحت مظلة الولاء و الوطنية و الانتماء للدولة الجزائرية بغض النظر على الاديولوجيات و المعتقدات و الميولات، كما ان هذا المجلس لم ينشأ رغما عن ارادة الشعب بل جاء بموافقته و بغالبية كبيرة.
كما ان اختصاصات مجلس الامة شبيهة الى حد ما بصلاحيات المجالس الوطنية الاستشارية المتخصصة كالمجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي، وبالتالي هذه الاخيرة يمكن ان تطلع بدورها خاصة و انها تضم خبرات فنية عالية و قادرة على ان تقدم اعمق من المشورة الفنية.
و بالتالي يعد مجلسا وهميا وعديم جدوى و انه غرفة تسجيل وحفظ فقط .
النقد الموجه:
بظهور وظيفة الدولة و اتساع مجال تدخلها و لا يتعارض مع المجالس النيابية و السياسية و لا تستغني احدهما عن الاخرى، فلا بد من تعاونهما الامر الذي يؤدي الى صدورالتشريع و القرار السياسي على ضوء الدراسات الفنية والعلمية، فمجلس الامة هيئة ذات سلطة ايا كان قدرها تشارك في حكم البلاد و استقرارها بينما المجالس الوطنية المتخصصة تحدد تشكيلتها من السلطة التنفيذية حيت تعد من خلالها و جزءا منها.
كما أن نظام المجلسين يؤدي الى التأخير في سير التشريع الى حد الاصراف كما انه قد يكون موضوعه مسلما ب هاو من الواجب الاسراه بشأنه و لذلك شبه بنيامين فرانكلين نظام المجلسين بالعربة التي يجرها جوادان متضاربان و لكن هذا القول يوجد فيه نوع من الاصراف حيث ان نظام المجلسين يعتبر اكثر ضمانا و ثباتا واستقرارا من نظام المجلس الفردي.
و من بين اوجه النقد الى الثنائية البرلمانية الطابع غير الديمقراطي للغرفة الثانية في رأي أنصار هذا التيار حيث يرون ان التمثيل الديمقراطي هو الناتج الوحيد عن الانتخاب العام والمباشر و ان كل اساليب التعيين الاخرى مشكوك فيها الى ان الطرح مردود عليه باعتبار انه لا توجد غرفة مثالية في العالم كله، فنظام التعيين فيها وشروط عدم القابلية لعضويتها تتغير من دولة لاخرى حسب طريقة فهم كل منها و تصورها للديمقراطية و من تم لا يجب تقييم طريقة تكوين الغرفة الثانية على اساس ذات المعيير فالديمقراطية لتكوين الغرفة الاولى اما الغرفة الثانية فتمثل ما لم يمثل في الغرفة الاولى، فالهدف ليس استنساخ نسخة للغرفة الاولى فالى جانب غرفة منتخبة مباشرة و تخضع للتجديد السريع و التقلبات السياسية الظرفية لا يمكن ان يكون من المفيد تاسيس غرفة ثانية اكثر استقرارا و اكثر تخصصا للتأمل و التفكير و الدفاع عن القيم الدائمة و المصالح العميقة للامة بعيدا عن تقلبات الظروف الانتخابية والسياسية.

تشكيلة البرلمان الجزائري:

طريقة تعيين المؤسسات الدستورية لها اهمية كبيرة في دعم الدور المنوط بهذه المؤسسات و لعل اهمها:
البرلمان الذي قسمه المؤسس الدستوري الى غرفتين حيث جعل طريقة تعيين كل غرفة هو الذي يجعل كل واحدة تمارس الاختصاصات المخولة لها دستوريا بشكل اكثر توازنا مع الغرفة الثانية و عليه فالمؤسس الدستوري باعتماده غرفتين معينتين بطريقتين مختلفتين اراد من خلاله ان يعطي للمؤسسة التشريعية اهمية كبيرة من دون ان تستطيع احدى الغرفتين من الاستحواذ على السلطة التشريعية في اطار تكاملي حيث جاءت طريقة تعيين المجلس الشعبي الوطني في المادة 101 اما مجلس الامة فجاءة طريقة تعيينه في المادة 101الفقرة الثانية و ذلك يعني بالتالي ينتخب 2/3 عن طريق الاقتراع غير المباشر و السري من بين اعضاء المجالس الشعبية البلدية و الولائية و يعين رئيس الجمهورية الباقي 1/3 من بين الشخصيات و الكفاءات الوطنية في المجلات العلمية و الثقافية و المهنية و الاقتصادية و الاجتماعية ، اما بالنسبة للغرفة الاولى فان طريقة تعيينها في دستور 1996 تعطى لها الاسبقية في المؤسسات الدستورية على اساس انها تكمل جزءا من السيادة الوطنية و لا تنازعها في ذلك الا طريقة تعيين رئيس الجمهورية المعين بنفس الطريقة الا ان رئيس الجمهورية يتمتع بالاسبقية في الدستور.
ان عدم المساواة بين رئيس الجمهورية و المجلس الشعبي الوطني تكمن في كون رئيس الاجمهورية انتخب ليمثل كافة الشعب اما النائب فلا يمثل الى دائرته الانتخابية.
و بناءا على ذلك اعطى المؤسس الدستوري للمجلس الشعبي الوطني صلاحية واسعة في مواجهة السلطة التنفيذية اقلها مراقبة الحكومة و اجبارها على الاستقالة و ذلك عند مناقشة خطة عملها.
فطريقة تعيين المجلس الشعبي الوطني هي التي تعطي للاغلبية فيه دورا حاسما في قيادة النشاط السياسي في البلاد حيث ان الفوز في الانتخابات التشريعية تعني ان الناخبين وضعوا ثقتهم في جهة او حزب سياسي معين و ما على رئيس الجمهورية الا الامتثال لهذا الواقع سواء كان في صالحه او لا، كما ان طريقة التعيين تعطيه نوعا من السمو السياسي و تجعله وراء كل محاولة للوقوف في وجه السلطة التنفيذية و هكذا فقد اعطى الدستور للمجلس الشعبي الوطني حق اللجوء الى الوسائل الدستورية في مواجهة الجهاز التنفيذي ممثلا في الحكومة هذه الوسائل لا يشاركها فيها مجلس الامة، و هي التي جاءت مبنية في الكثير من المواد الدستورية المتعلقة بالعلاقات بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية.

مجلس الأمة:

تبنى دستور 1996 النيابية البرلمانية بخلاف الدساتير السابقة التي اخذت بمبدأ احادية السلطة التشريعية كما ان اعتماد طريقتين مختلفين في عملية تشكيل كل منهما و هو الامر الذي يمنح للغرفة الثانية ممثلة في مجلس الامة صفة تختلف في جورها عن المجلس الاول و قد حدد الدستور في المادة 101 طريقة تعيين مجلس الامة و بررها المؤسس على انها تمثل طريقة اخرى تمكن الجماعات المحلية المشاركة و ابداء رأيها في الحياة السياسية على اعلى مستوى و اعطاء رئيس الجمهورية حق 1/3 محاولة لاقحام الكفاءات الوطنية في مختلف ميادين التمثيل الوطني و ذلك بالاستعانة بخبرتها عند مناقشة الاعمال التشريعية.


السلام عليكم
أريد الاستفسار :لماذا لا يمكنني الإقتباس من موقعكم رغم عضويتي ؟

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

المسؤولية الادارية

إذا حاولنا إيجاد تعريف عام للمسؤولية فإننا نجد من الناحية اللغوية أنه يقصد بكلمة المسؤولية قيام شخص ما بأفعال أو تصرفات يكون مسؤولا عن نتائجها ، أما من الناحية الإصطلاحية فإن المسؤولية هي : ” تلك التقنية القانونية التي تتكون أساسا من تداخل إرادي ينقل بمقتضاه عبء الضرر الذي وقع على شخص مباشر بفعل قوانين الطبيعة أو البيولوجيا أو البسيكولوجيا أو القوانين الإجتماعية إلى شخص أخر، ينظر إليه على أنه هو الشخص الذي يجب أن يتحمل هذا العبء ” .
والمسؤولية عامة يختلف مفهومها بإختلاف المجال الذي تدرس فيه ، فإذا كانت المسؤولية الأدبية تنتج عن مخالفة واجب أدبي ( لاينص عليه القانون ) ، فإن المسؤولية القانونية تنتج- على عكس ذلك – عن مخالفة إلتزام قانوني ، كما نجد المادة 124 من القانون المدني الجزائري تأتي بقاعدة عامة بحيث تنص على أنـه : ” كل عمل أيا كان ، يرتكبه المرء ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض ” .
فنجد المسؤولية المدنية في القانون المدني ، والمسؤولية الجنائية في القانون الجنائي ، والمسؤولية الدستورية في القانون الدستوري ، والمسؤولية الدولية في القانون الدولي العام ، وفي القانون الإداري نجد المسؤولية الإدارية وهي ما يهمنا في بحثنا هذا ، وهذه الأخيرة تترتب في حالة حدوث ضرر ما من جراء أعمال الإدارة العامة .
ومسؤولية الإدارة العامة ، نجدها في الوقت الراهن في معظم التشريعات ، إلا أنها حديثة النشأة ، إذ أنه لم يبدأ الأخذ بها سوى في أواخر القرن الماضي خاصة مع إتساع مجال تدخل الدولة في جميع الميادين ، فنظرا لما تتمتع به الإدارة من إمتيازات السلطة العامة ، فإن المشرع لأجل تحقيق النفع العام و الراحة العمومية والسكينة العامة والأمن العام والتي تشكل من أهم الإلتزامات التي تقع على عاتق الدولة بحيث تلتزم بتحقيقها
بهدف احترام سيادتها والحفاظ على استمرارها . ولما أن حاجات الأفراد ومتطلباتهم تزداد كلما ازداد عددهم فإن حاجات الدولة لتحقيق التزاماتها نحو الفرد تزداد أيضا ، وبذلك تحاول الدولة خلق وسائل قانونية تستطيع من خلالها التوفيق بين تحقيق مصالح الجماعة وإرضاء الفرد .
فإن المكانة التي تحتلها النشاطات العامة في مجتمعنا ، وكذا الحاجة الحالية إلى تغطية كافة الأضرار ، بالإضافة إلى تطور مفهوم دولة القانون ، تبرر ظهور وتوسع فكرة المسؤولية الإدارية . فنشاط الإدارة كأي عنشاط أخر قد يكون سببا في إحداث أضرار – قد تكون بجسامة معتبرة – بإعتبار الإدارة كسلطة تنفيذية تستعمل وسائل ضخمة وأحيانا خطرة في أداء مهمتها . فهل يحق للضحايا طلب جبر هذه الأضرار ؟ و بأية شروط ؟ .
إن المسؤولية التي تنجر في هذه الحالة هي مسؤولية مدنية وليست جزائية ، فالمسؤولية الجزائية للأشخاص المعنوية يتناولها القانون الجنائي ، بينما ينحصر موضوع بحثنا في المسؤولية الإدارية ، أي في مجال القانون الإداري . كما أنها تخرج عن مجال المسؤولية العقدية ، إذ أن مسؤولية الإدارة التي تنجر عن عدم تنفيذ التزام تعاقدي تدخل ضمن نظرية العقود الإدارية .
إن الإجتهاد القضائي في مجال القضاء الإداري عمل عبر مراحل متتالية على إيجاد حلول خاصة لهذه المسؤولية ، فوضع نظام قائما بذاته يتعلق بها . أما التشريع فلم يتدخل سوى في حالات معينة لتغطية أضرار خاصة . وسوف نرى عبر تحليلنا لهذا الموضوع مختلف الفروق بين نظام المسؤولية في القانون الإداري ، وما هو متداول عليه في القانون المدني بإعتباره القاعدة العامة .
فكيف ظهر مبدأ المسؤولية الإدارية ؟ وكيف تطور ؟ وماهي أهم خصائصه ؟ والأسس التي يقوم عليها ؟ وفي الأخير ماهي النتائج المترتبة عن تحميل الإدارة المسؤولية عن الأضرار المترتبة عن ادائها لنشاطها ؟
و لمعالجة هذه الإشكاليات ، ارتأينا اتباع الخطة المبينة أدناه :

المبحث الأول: نشأة و تطور فكرة المسؤولية الإدارية:
ظلت الدولة بصفة عامة و الإدارة بصفة خاصة و لحقبة طويلة من الزمن غير مسؤولة عن أعمالها ووظائفها المختلفة، و كذا عن أخطاء موظفيها، و يعود ذلك إلى الفكرة التي كانت سائدة آنذاك و هي أن الدولة شخص معنوي مجسدة في شخص الملك الذي لا يخطئ أبدا، و كذا إلى فكرة السيادة باعتبار أن المسؤولية التزام و هو ما يتناقض مع السيادة في شكلها التقليدي بما تنطوي عليه من سمو و إطلاق.
إلا انه في نهاية القرن 19 و بداية القرن 20 بدأ المفهوم المطلق لعدم مسؤولية الدولة يندثر خاصة مع اتساع مجال تدخل الدولة في جميع المجالات مما ينتج عنه تعدد الأضرار على الأشخاص و الأموال، وبدأت فكرة المسؤولية تشق طريقها نحو التطبيق، إذ لجأ في بعض القوانين إلى منح تعويضات عن الأضرار الناتجة عن نشاط الإدارة دون أن يعترف بمسؤولية الإدارة، و طبق القضاء هذا المبدأ بعد مدة طويلة، إذ تطورت مفاهيمه ، و لجأ إلى عدة نظريات حاول من خلالها إيجاد أساس قانوني لهذه المسؤولية و من بينها نظرية الدولة المدينة و نظرية المرفق العام.
و لم يتم خضوع الإدارة بما لها من سلطات و امتيازات للقضاء العادي أو الإداري دفعة واحدة، وإنما تم ذلك ببطئ، و عبر حقب زمنية متتالية، و قد اختلفت مواقف النظم القضائية المقارنة حول تكريس مبدأ مسؤولية الإدارة، إذ ظهرت في الدول الانجلوسكسونية و خاصة انجلترا عدة محاولات لإخضاع تصرفات الإدارة لرقابة القضاء بالرغم من وجود مبدأ عدم مسؤولية التاج.
و مع تمتع الإدارة بسلطات و امتيازات واسعة في الدول الأوربية و على رأسها فرنسا، فإنه لم يكن بإمكان القاضي العادي أن يوجه لها أمرا بالقيام بعمل أو الامتناع عنه أو إلزامها بالقيام بعمل، إلا أن قيام الثورة الفرنسية و ظهور مبدأ الفصل بين السلطات على يد الفقيه ” مونتسكيو” أعطيا دفعا قويا لتكريس مبدأ مسؤولية الإدارة، و هو ما نتج عنه منح القاضي الإداري مهمة الفصل في القضايا التي تكون الإدارة طرفا فيها.
أما عن الدولة الجزائرية فقد عرفت هي الأخرى عدة تطورات بخصوص تطبيق مبدأ مسؤولية الإدارة و هو ما سنتطرق له تباعا.
المطلب الأول: عدم مسؤولية الإدارة
تملصت الإدارة و لمدة طويلة من الزمن من مسؤوليتها عن أعمالها و أخطاء موظفيها على أساس الإعتقاد الذي كان سائدا و هو أن الملك لا يخطئ “The king can do no wrong ” فباعتبار أن التاج صاحب السيادة لا يخطئ فإن الدولة لا تسأل عن أعمالها و أعمال موظفيها .
و يمكن حصر الأسباب و العوامل التي أدت أو ساعدت على سمو مبدأ عدم مسؤولية الدولة فيما يلي:
1- طبيعة الدولة قديما و ظروفها الإجتماعية، السياسية و الإقتصادية، إذ كانت في معظمها دول دكتاتورية بوليسية لا تخضع لمبدأ الشرعية و لا لرقابة القضاء، و هو ما ساعد على انتشار و توسع دائرة عدم مسؤولية الإدارة عن أعمالها غير المشروعة و الضارة.
2- طبيعة العلاقة القانونية التي كانت تربط الموظف بالدولة و التي عرفت بالتعاقدية لاسيما في النظام الانجلوسكسوني، و بالتالي فإن الإدارة لا تسأل عن الأضرار التي يسببها موظفوها للغير، على أساس أن هذه الأضرار تعد خارجة عن نطاق حدود العقد المتعلق بالوظيفة و يتحملون المسؤولية المدنية أمام القاضي العادي .
و قد كرست فرنسا هذه الحماية لموظفيها بعدم إمكانية مقاضاتهم وفقا لنص المادة 75 من دستور السنة الثامنة للثورة، إلا أن هذه الحماية القانونية التي منحت للموظفين والعاملين استعملت بطريقة مبالغ فيها، مما أدى إلى إلغاء المادة 75 بموجب المرسوم الصادر في19/09/ 1970 .
3- الإهتمام بقضايا حقوق الإنسان و الدولة القانونية و العدالة الإجتماعية بصفة نظرية بغض النظر عن أساليب و فنيات تطبيقها.
4- إنعدام الأساليب القانونية و الإجرائية اللازمة لإخضاع الإدارة للرقابة القضائية.
5- عدم بروز و بلورة فكرة التفرقة بين الخطأ المرفقي و الخطأ الشخصي و نظرية المخاطر، و هو ما ساعد على عدم تحديد الخطأ الإداري
6- سمو مبدأ سيادة الدولة، إذ كان ينظر إليه على أنه يتنافى مع مبدأ المسؤولية و لا يلتقيان، فالدولة شخص معنوي تتمتع بكافة الحقوق والإمتيازات و أساليب السلطة العامة، و تتمتع بالسيادة و بالتالي فإنه لا يمكن مساءلتها عن أعمال سلطاتها بما فيها التنفيذية.
الفرع الأول: النظام الفرنسي
كغيرها من الدول القديمة خضعت فرنسا لمقولة ” الملك لا يسيء صنعا ” le roi ne peut mal faire و أنه امتداد لإرادة و ظل الله في أرضه، و هو ما جعله يتمتع بسلطة مطلقة في تسيير شؤون الدولة و عدم خضوعه للرقابة بما فيها الرقابة القضائية، و اعتباره مصدرا للعدالة، و التكفل شخصيا بالفصل في أي منازعة، و كذا وقف تنفيذ الأحكام أو إصدار حق العفو فيها.
و بانتقال فرنسا بعد الثورة الفرنسية سنة 1789 من النظام الملكي إلى الجمهوري، و بظهور نظرية مونتسكيو المتعلقة بالفصل بين السلطات، ظهر جدل فقهي كبير حول عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية، إذ أن مناقشة تصرفات الإدارة أمام القضاء، و إعلان مسؤوليتها و إلزامها بالتعويض عن الأخطاء التي يرتكبها موظفوها يؤدي إلى تدخل السلطة القضائية في أعمال السلطة التنفيذية على خلاف ما يقضي به مبدأ الفصل بين السلطات، و لم يكن الإختلاف قائما حول المبدأ و إنما حول تفسيره، إذ يأخذ البعض بالفصل المطلق بين سلطات الدولة، و هو ما كان يميل إليه رجال الثورة الفرنسية متأثرين في ذلك باعتبارات تاريخية تتمثل في تعسف محاكم النظام القديم، في حين كان الاتجاه الغالــب و الواقع العملي يرجح فكرة الفصل النسبي لما يسمح به من وجود نوع من الرقابة المتبادلة بين سلطات الدولة للحيلولة دون استبداد كل سلطة باختصاصاتها .
فجل الأفكار التي كانت سائدة آنذاك كانت مع فكرة عدم مسؤولية الإدارة عن أعمال جميع موظفيها، إذ رأت السلطة الفرنسية أن المحاكم العادية قد تعرقل الإصلاحات التي تعزم الإدارة القيام بها لذلك عملت على إبعاد منازعات الإدارة عن ولاية المحاكم العادية، و تجسيدا لهذه الأفكار صدر قانون
16-24 سنة 1790 الذي نص في المادة 13 منه ” إن الوظائف القانونية تبقى دائما مستقلة عن الوظائف الإدارية و أن القضاة لا يمكنهم تعطيل أعمال الإدارة بأي طريقة كانت أو مقاضاة أعوانها من اجل أعمال تتصل بوظائفهم و أن كل خرق لهذا المنع يعتبر خرقا فادحا للقانون”
و قد اعتبر المدافعون عن قانون 1790 أن مقاضاة الإدارة أو أعوانها أمام القضاء يؤدي إلى عرقلة أعمالها التي تهدف إلى تحقيق الصالح العام، فمثلا إذا تمت مقاضاة الإدارة حول نزع الملكية من أجل المصلحة العامة فإن ذلك سيؤدي حتما إلى تعطيل المشاريع التي تم من أجلها نزع العقار من مالكه .
و على هذا الأساس صدر في السنة السادسة للثورة قانون يمنع المحاكم صراحة من التعرض لأعمال الإدارة أيا كان نوعها و أصبحت الإدارة بذلك تتولى مهمة الفصل في المنازعات التي تنشأ بينها و بين الأفراد، و تطبيقا لهذا القانون صدر قانون آخر بتاريخ 06/09/1790 يمنح الاختصاص في النظر في القضايا التي تكون الإدارة المحلية طرفا فيها لحكام الأقاليم، و منح للإدارة العامة ممثلة في رئيس الدولة والوزراء ـ كل في حدود اختصاصه ـ للنظر في المنازعات التي تكون الإدارة المركزية طرفا فيها، لتكون الإدارة بذلك الخصم و الحكم في آن واحد و سميت بالإدارة القاضية، و هو ما أعاق تحقيق و تكريس مبدأ الفصل بين السلطات، إذ أنه منع على السلطة القضائية البث في القضايا الإدارية في حين منح للسلطة الإدارية سلطة البث في القضايا الإدارية مع أنها ليست جهة قضائية.
و أمام رفض الفقهاء و القضاء لتمتع الإدارة بهذا الاختصاص الممتاز، تم فصل الإدارة العاملة عن الإدارة القاضية، و تم إنشاء جهة استشارية مختصة في الفصل في المنازعات الإدارية بموجب نص المادة 52 من دستور السنة الثامنة، و هي مجلس الدولة في العاصمة، كما تم إنشاء مجالس المحافظات في باقي الأقاليم.
إلا أن قرارات المجلس لم تكن سوى آراء و مشاريع قرارات معلقة على مصادقة رئيس الدولة، إذ أنها لم تكتسي الطابع القضائي، و لم تكن شاملة و لا نهائية، كما أنه لم يعتمد حال فصله في المنازعات على قواعد خاصة تطبق فقط على المنازعات الإدارية، و إنما طبق قواعد القانون الخاص.
كما نصت المادة 75 من دستور السنة الثامنة من الثورة الفرنسية لسنة 1800 على ضرورة استئذان مجلس الدولة قبل رفع قضايا التعويض على موظفي الحكومة بسبب أعمالهم و وظائفهم.
إلا أن المجلس لم يمنح الإذن إلا نادرا إذ أنه في الفترة الممتدة بين 1852 و 1864 قدم أمامه 264 طلبا لمنح رخصة لمقاضاة موظفين فلم يجب إلا على 34 طلبا منهم فقط و ظل هذا النص يعرقل رفع دعاوى التعويض على الموظفين إلى غاية إلغائه بموجب مرسوم 19/09/1870.
و بتاريخ 24/05/1872 صدر قانون تم الاعتراف بموجبه لمجلس الدولة بصلاحية الفصل في المنازعات الإدارية المرفوعة أمامه بصفة نهائية و دون حاجة إلى مصادقة السلطة الإدارية على قراراته و لم تعد الأحكام تصدر باسم الدولة بل باسم الشعب الفرنسي على غرار أحكام القضاء العادي، و قد نصت
المادة 9 التاسعة منه على أنه ” يختص مجلس الدولة بشكل بات و سيادي في طعون مواد المنازعات الإدارية و في طلبات الإلغاء لتجاوز السلطة “.
و أصبح بذلك مجلس الدولة جهة قضائية عليا و تم الفصل بين القضاء الإداري و القضاء العادي.
الفرع الثاني : النظام الجزائري
من المسلم به تاريخيا أن مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمالها مبدأ حديث النشأة وجد في أواخر القرن 19 و بداية القرن 20 مع ظهور الدولة القانونية، إلا أنه و بالخصوص في تاريخ الجزائر القانوني نجد أن ظهور المسؤولية الإدارية يعود إلى سنين بعيدة تصل إلى صدر الإسلام.
و قد مرت نشأة و تطور مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمالها في النظام الجزائري بعدة مراحل قبل الإحتلال، أثناء الإحتلال و بعد الإستقلال.
و بما أننا خصصنا هذا المطلب لعدم مسؤولية الإدارة فإننا سنتطرق لمرحلة أثناء الإحتلال التي عرفت عدم تطبيق مبدأ المسؤولية الإدارية في الجزائر مع أنها كانت مكرسة في النظام الفرنسي، و نتطرق لمرحلة ما قبل الإحتلال و بعد الإستقلال في المطلب الثاني المتضمن مسؤولية الإدارة على أساس أن النظام الجزائري قد عرف المسؤولية الإدارية في هاتين الحقبتين من الزمن.
لقد امتد تطبيق النظرية الفرنسية لمبدأ مسؤولية الإدارة عن أعمالها إلى الجزائر، إذ طبقت نفس القواعد الموضوعية و الشكلية و لاسيما المتعلقة بأسس مسؤولية الإدارة العامة عن أعمال موظفيها، و مرت بنفس التطورات التي شهدها القضاء الإداري الفرنسي، كما أقيمت جهات قضائية إدارية خاصة للنظرــر و الفصل في القضايا و الدعاوى الإدارية و من بينها المنازعات الخاصة بمسؤولية الإدارة عن
أعمال موظفيها، إذ أنشأت محاكم القضاء الإداري الثلاثة و هي محكمة الجزائر، وهران، قسنطينة بموجب المرسوم المؤرخ في 30 سبتمبر 1953 و ذلك بعد إلغاء مجالس العمالات التي كانت قائمة إلى جــانب مجلس الدولة الفرنسي ، و قد أسندت لهاته المحاكم الثلاثة مهمة النظر و الفصل في المنازعات الإدارية بما فيها المنازعات المتعلقة بمسؤولية الدولة عن أعمال موظفيها، و ذلك تحت رقابة مجلس الدولة الفرنسي بباريس باعتباره جهة قضائية إدارية استثنائية و جهة نقض .
إلا أنه و رغم تقدم و تطور النظرية الفرنسية لمبدأ مسؤولية الدولة على يد القضاء الإداري، فإن تطبيقها لم يكن شاملا و لا عاما، إذ اقتصرت الإدارة على تطبيق هذا المبدأ على الفرنسيين و غيرهم من الأوربيين المستوطنين بالجزائر دون الجزائريين الذين عانوا كثيرا من بطش و تعسف الإدارة الفـــرنسية و اعتداءاتها المستمرة على حقوقهم و حرياتهم دون أن يكون لهم الحق في الاستفادة من هذا المبدأ الهام ومساءلتها أمام القضاء، لأن تطبيق مبدأ المسؤولية في الجزائر يتعارض و غرضها الاستعماري.
و لاستبعاد الجزائريين من دائرة تطبيق مبدأ مسؤولية الإدارة ، أصدرت فرنسا عدة قوانين استثنائية يقتصر تطبيقها على الجزائريين فحسب، تثبيتا لمبدأ ” فرق تسد” و تطبيقا لسياسة ” التمييز العنصري”
و هو ما أعدم لدى الجزائريين مجرد التفكير في اللجوء إلى الجهات القضائية الفرنسية لمطالبة الإدارة بالتعويض عن الأضرار التي أصابتهم من جراء أعمالها و أخطاء موظفيه.
المطلب الثاني: تقرير مسؤولية الإدارة
ظل مبدأ عدم مسؤولية الإدارة عن أعمالها و عدم جواز مطالبها بالتعويض عن الأضرار التي سببتها سائدا و لفترة طويلة إلى غاية أواخر القرن 19 و بداية القرن 20، أين بدأت الإدارة تعترف بمسؤوليتها مع التقدم و ارتفاع درجة الوعي، و انتقاد الرأي العام و الفقهاء لهذا المبدأ على أساس أن الأخذ به يعد مساسا بالعدالة و اهدارا للمبدأ الدستوري الذي ينص على المساواة بين المواطنين أمام الأعداء العامة و الذي لا يتحقق إلا بإلزام الدولة بدفع تعويضات عن الأضرار التي تسببها بأعمالها.
و يمكن تلخيص العوامل التي أدت إلى انهيار مبدأ عدم مسؤولية الإدارة ليقوم مقامه مبدأ مسؤوليتها، إذ أضحى هو الأصل بعد أن كان الإستثناء و لتتحقق المساواة بين الإدارة و الأفراد في:
1- الفهم الصحيح لمبدأ سيادة الدولة، إذ بعد أن كانت تفهم على أنها سلطة مطلقة لا تقيد بالقانون و بالتالي لا يمكن مقاضاتها أو إلزامها بدفع تعويض، فلم تعد حاليا تتنافي مع الخضوع للقانون و لا مطلقة، إذ تقيد بأحكام القانون الدولي العام على مستوى العلاقات الدولية، و تقيد بالقانون الداخلي على مستوى علاقاتها مع الأفراد، و بالتالي يمكن مساءلتها و تتحمل دفع تعويضات إذا ما ألحقت ضررا بأحد المواطنين.
و إن كان الفقيهان دوجي وجيز يريان أن فكرة السيادة خاطئة و تتنافي مع المنطق و المبادئ القانونية الحديثة، لأن الحكام و ممثليهم على مستوى الإدارات يتولون اختصاصاتهم في حدود القانون، و يسألون في حالة خروجهم عنهم.
2- انتشار الديمقراطية في معظم دول العالم، و هي النظام الأكثر تقبلا لفكرة المسؤولية و رقابة القضاء، و احتراما للقانون، إذ تقوم أساسا على مبدأ المشروعية و خضوع الجميع حكاما و محكومين للقانون.
3- إنتقال الدول من المذهب الفردي الحر إلى مذهب التدخل و تبلور دورها من مجرد حارسة تنحصر مهمتها في حماية الأفراد و السهر على أمنهم و سلامتهم داخليا و خارجيا إلى تدخلها في مختلف الأنشطة و اتساع دورها، و هو ما جعلها تقوم بأنشطة مشابهة لأنشطة الأفراد. مما نجم عند ازدياد الأضرار التي تسببها الأفراد كما و نوعا، و زادت معه الحاجة الملحة لمساءلتها و تعويض الأفراد.
و قد كانت مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية هي الأسبق في التحرر شبه الكامل من قيود مبدأ السيادة، و قد ساعد على ذلك أن الإدارة هي أداة الدولة لتنفيذ سياستها و السهر على تطبيق قوانينها و غدارة مرافقها و للاضطلاع بهذه المهام تحتك الإدارة بالأفراد بصفة دائمة و متواصلة، الأمر الذي يعرضهم للإصابة ببعض الأضرار، و هو ما أدى إلى البحث عن وسيلة لجبر هذه الأضرار، و كان من المنطقي الإنصراف عن قاعدة عدم المسؤولية الإدارية و التخلي عنها.
و قد ظهرت المسؤولية الإدارية بصفة و بدرجات متفاوتة بين الدول و ذلك بالنظر إلى نظامها القانوني، إذ طبقت الدول الأنجلوسكسونية على الإدارة نفس نظام المسؤولية المدنية المطبق على الأشخاص العاديين باعتبارها تخضع لمبدأ وحدة النظام القانوني و القضائي، في حين خصت فرنسا المسؤولية الإدارية بنظام قانوني خاص و جهات قضائية مستقلة تختلف عن نظام المسؤولية المطبق على الأشخاص العاديين
باعتبارها تخضع لمبدأ ازدواجية النظام القانوني و القضائي، و هو ما نتج عنه ازدواجية في النظام القانوني والقضائي للمسؤولية الإدارية قضاء عادي و قضاء إداري، أما الجزائر فإنها عرفت تأرجحا بين النظامين.
و لتوضيح نشأة و تطور فكرة المسؤولية الإدارية بدقة سنتطرق لها في فروع متفرقة.
الفرع الأول: النظام الفرنسي
أمام ضغط و تأثير الأفكار الفلسفية و الديمقراطية، و التحولات الاقتصادية و انتقادات الفقه والقضاء بدأت فرنسا تتراجع تدريجيا عن تطبيق مبدأ عدم مسؤولية الدولة بصفة عامة و الإدارة بصفة خاصة، و هو ما اضطر المشرع إلى التدخل و تقرير مسؤولية الإدارة بصفة صريحة و إحلال مسؤوليتها محل الموظفين، كما أنه أباح للمواطنين مقاضاة الموظفين العموميين دون حاجة إلى استئذان الإدارة و ذلك لمنع تعسفها.
إلا أن القضاء لم ينتقل مرة واحدة من مبدأ عدم المسؤولية إلى مبدأ المسؤولية الكاملة و إنما تدرج، إذ بدأ في الحد من مبدأ عدم المسؤولية على أساس التفرقة بين نوعين من أعمال الإدارة، أعمال شبيهة بأعمال الأفراد العاديين تقوم بها بوصفها تاجر أو مسير، و بصفة مجردة من مظاهر و امتيازات السلطة العامة “Actes de gestion ” ، و أعمال السلطة العامة التي تستعمل فيها مظاهر و امتيازات السلطة العامة و التي تسمي ب “Actes de puissance publique ” ، و التي تعفي فيها من المسؤولية إلا إذا وجد نص مخالف، إذ أنه بإمكان المشرع أن يقررإصلاح الأضرار الناجمة عن أعمال السلطة.
و نظرا لعدم دقة معيار التفرقة بين أعمال السلطة و أعمال الإدارة من ناحية، و عدم اتفاق مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة التنفيذية و التطورات و الأفكار المعاصرة من ناحية أخرى عدل مجلس الدولة عن هذا المعيار آخذا بمعايير أخرى .
و بذلك نقول أن قبول فكرة المسؤولية مر بمرحلتين، إذ أعرفت به أولا القوانين الخاصة التي تنص على التعويضات، ثم اعترف به القضاء بإلزام الإدارة بإصلاح الضرر الناتج عن أعمالها .
فبالنسبة للقوانين الخاصة فقد نصت المادة 17 من الإعلان عن حقوق الإنسان و المواطن لسنة 1789 على تكريس الحق في التعويض عن الإعتداء على الملكية العقارية.
كما تعرض قانون 28 بلوفيوز للسنة الثامنة في المادة 4، بصفة عارضة لمسألة التعويض في حالة الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية و منح الإختصاص لمجالس المحافظات للنظر في الشكاوى المقدمة ضد متعهدي الأشغال، و بالرغم من عدم إشارة النص إلى مسؤولية السلطة العامة، إلا أن القضاء الإداري توسع في تفسيره قاضيا باختصاصه بمسؤولية الإدارة عن الأضرار المترتبة عن عقود الأشغال العمومية، و التي صنفت فيما بعد ضمن المسؤولية بدون خطأ و بالتحديد على أساس المخاطر .
و لضمان تطبيق المادة 545 من القانون المدني الفرنسي المأخوذ من نص المادة 17 من الإعلان عن حقوق الإنسان سنة 1789 تمت المصادقة على قانون 8 مارس 1810 المتضمن إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العمومية، كما منح للقاضي العادي صلاحية تقرير نقل الملكية و تحديد مقدار التعويض.
و بذلك أصبحت الأضرار الناتجة عن الأشغال العمومية و نزع الملكية من أجل المنفعة العامة الحالتين الوحيدتين اللتين ينص فيهما القانون على التعويض لمصلحة الأشخاص المعنيين.
أما عن التكريس القضائي للمسؤولية الإدارية فقد ارتبط بالتنازع حول الاختصاص بين المحاكم القضائية و المحاكم الإدارية، إذ أن الأولى كانت تخص بمنح التعويضات عن الأضرار الناجمة عن نشاط
الدولة و ذلك بتطبيق قواعد القانون المدني، و هو ما كرسه الحكم الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 30/01/1843 الذي قضى بأن مبادئ المادة 1384 من القانون المدني تطبق على الإدارات العمومية بسبب الأضرار التي يسببها أعوانها و تابعيها خلال قيامهم بوظائفهم .
إلا أن مجلس الدولة اعترض على هذا الموقف و تمسك باختصاصه مؤسسا ذلك على نظرية الدولة المدينة ” L’Etat débiteur ” … ” كل دين على الدولة يسوى إداريا” .
و لم يتم حل هذا الإختلاف إلا بعد إنشاء محكمة التنازع و ظهور معايير جديدة، و قد كرس مجلس الدولة رفضه لتطبيق قواعد المسؤولية المعروفة في القانون المدني على المسؤولية الإدارية، في الحكم الصادر بتاريخ 06/12/1855 المتعلق بقضية ” ROTCHILD ” ، حيث قرر صراحة أن العلاقات بين الدولة وموظفيها والمرافق العامة من ناحية وبين الأفراد من ناحية أخرى لا تخضع لنصوص القانون المدني لوحدها، و أن مسؤولية الإدارة عن أعمال أو أخطاء موظفيها ليست عامة و لا مطلقة و تتغير تبعا لطبيعة كل مرفق عام .
ثم أيدت محكمة التنازع إتجاه مجلس الدولة الفرنسي من خلال قرار بلانكو الشهير Blanco الصادر في 08/02/1873 و الذي يعد أهم تكريس قضائي للمسؤولية الإدارية للمرفق العام، و تتمثل
وقائعه في انه تعرضت الطفلة إجينز بلانكو لحادث مرور تسببت فيه عربة مقطورة تابعة لوكالة التبغ، فرفع والدها دعوى امام القضاء العادي ضد الدولة للحصول على تعويض جبرا للضرر الذي أصاب ابنته، إلا أن وكالة التبغ دفعت بعدم إختصاص المحاكم العادية، و أن مجلس الدولة هو الجهة المختصة، وهو ما ادى إلى عرض النزاع على محكمة تنازع الاختصاص التي أصدرت قرار في الموضوع بناء على تقرير مفوض الحكومة السيد دافيد و قد تضمن عدة مبادئ هي:
1 ـ أن الدولة مسؤولة عن الأضرار التي تصيب الأفراد و التي يسببها الأشخاص الذين تستخدمهم، و أن هذه المسؤولية لا تخضع لمبادئ القانون المدني التي تحكم العلاقة بين الأفراد على أساس أن نصوصه المراد تطبيقها في مجال مسؤولية الإدارة لا ترمي إلى تنظيم مسؤولية الإدارة حيث تنص على مسؤولية الأفراد العاديين، و هو ما لا ينطبق على الدولة أو الإدارات العامة و موظفيها، كما أن هذه النصوص وضعت في وقت سيطرت فيه قاعدة عدم مسؤولية الإدارة عن أعمالها هذا من ناحية، و من ناحية أحرى فإن القواعد المدنية تقييم المسؤولية على أساس علاقة المتبوع بالتابع، في حين أن علاقة الإدارة بموظفيها هي علاقة تنظيمية و ليست تعاقدية، كما أنه لا يمكن تطبيق قواعد مسؤولية المتبوع عن التابع في
حالة عدم إسناد الفعل الضار لموظف معين و هو ما يقتضي استبعادها لأنها لم تعد تواكب نشاط الإدارة و لا تليق بطبيعة عملها و بالنتيجة وضع قواعد بديلة أكثر ملائمة لطبيعة النشاط الإداري سميت بقواعد القانون الإداري
و يكون بذلك قرار بلانكو قد استبعد صراحة تطبيق أحكام القانون المدني، و كرس الخصائص المتعلقة بالقواعد التي تطبق على المرفق العام.
2 ـ أن هذه المسؤولية ليست مطلقة و لا عامة، و لها قواعد خاصة غير مستقرة و ثابتة و إجراءات تحكمها تختلف باختلاف حاجة المرفق و ضرورة التوفيق بين حقوق الدولة و حقوق الأفراد .
3 ـ تختص المحاكم الإدارية بالنظر و الفصل في قضايا المسؤولية الإدارية و التعويض عن الأضرار الناتجة عن سير المرافق العامة .
و يكون بذلك قرار بلانكو قد استبعد بصفة صريحة و نهائية اختصاص القضاء العادي انطلاقا من نظرية الدولة المدنية ” L’état débiteur ” و فكرة امتيازات السلطة العامة و هي نفس الأسس التي استند عليها مفوض الحكومة دافيد في تقريره . إذ أقر بمسؤولية مصنع التبغ الذي يعتبر مرفق عام كغيره من المرافق التي تشكل النظام المالي للدولة و باعتبار أن هذه المرافق هي فروع للإدارة و الدولة تستعمل في تسيير المرافق السلطة العامة، فإن منازعاتها تخضع للقضاء الإداري.
و بالتالي أصبحت الدولة مسؤولة حتى وإن كان الموظف الذي تسبب في إحداث الأضرار ليست له صفة موظف دائم و إنما عامل مؤقت أو شخص وظف من طرفها للقيام بعمل معين و بموجب عقد محدد المدة .
و بذلك أصبح مجلس الدولة الفرنسي يقر بمسؤولية الإدارة عن الأخطاء المرتكبة من طرف موظفيها و يقضي بتعويض الأفراد المتضررين، مع أن مرتكب الحادث هو شخص عادي لا يتمتع بامتيازات السلطة العامة، بعد أن كان فيما مضى يفصل فقط في دعاوى إلغاء القرارات و الأعمال الصادرة عن السلطة العامة و التي تستعمل فيها امتيازات السلطة العامة.
و بموجب هذا القرار تغير مفهوم النشاط الإداري من كل نشاط تستعمل فيه الإدارة امتيازات السلطة العامة إلى كل عمل تقوم به الإدارة لتسير المرفق العام، و هو ما ينجر عنه مسؤوليتها عن الأضرار اللاحقة بالغير أثناء سير هذا المرفق، و بذلك و بعد قرار بلانكو أصبح ينظر إلى هدف النشاط، أي هل تهدف الإدارة من وراء النشاط الممارس إلى تسيير مرفق عام و تحقيق الصالح العام ؟
و يعد بذلك قرار بلانكو نقطة تحول كبيرة في تاريخ القضاء الفرنسي و قفزة نوعية من عدم مسؤولية الإدارة إلى المسؤولية الإدارية و نقطة تحول نحو الإستقلالية، ليس فقط بالنسبة للمسؤولية الإدارية و إنما أيضا بالنسبة للقانون الإداري ككل، إذ أنه أحدث هزة كبيرة في إثبات ذاتية القانون الإداري باعتباره أ مجموعة قواعد تحكم الإدارة و تتضمن أحكاما استثنائية خاصة لا مثيل لها في القانون الخاص.
و قد صدرت عدة قرارات أخرى بعد قرار بلانكو تؤكد مسؤولية المرافق العمومية منها قرار تيريي Terrier الصادر في 06/02/1903 المتعلق بمسؤولية المرافق العامة القومية، و قضية فيتري Feutry الصادر في 28/02/1908 الذي أقر مسؤولية المرافق العامة المحلية .
الفرع الثاني: النظام الجزائري
كما أشرنا سابقا فإن الجزائر قد عرفت و كرست مبدأ مسؤولية الإدارة في مرحلتين مرحلة ما قبل الإحتلال و التي نتطرق فيها للنظام القضائي الإسلامي و تطبيقاته، و مرحلة ما بعد الإستقلال.
I ـ مبدأ المسؤولية الإدارية قبل عهد الاستقلال:
لا يمكن دراسة التاريخ القانوني للجزائر قبل الإحتلال دون التطرق للنظام القانوني الإسلامي الذي كان مطبقا في الجزائر قبل الإحتلال الفرنسي باعتبارها دولة إسلامية تطبق مبادئ و قواعد الشريعة الإسلامية.
و يعد المذهب الإسلامي أول مذهب أقر المسؤولية بصفة عامة و الإدارية بصفة خاصة عن الأضرار الناتجة عن السلطة التنفيذية الممثلة في الخلفاء و اعوانهم أو السلطة القضائية الممثلة في القضاة و معاوينهم ، و ذلك تطبيقا لمبادئ الشريعة الإسلامية التي تحث على رفع الأضرار عن الرعية و مساءلة مسببيها مهما كانت الجهة التي صدر عنها الضرر، و من هذه المبادئ و القواعد قوله صلى الله عليه و سلم: ” لا ضرر ولا ضرار في الإسلام” قوله تعالى: ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما فلاتظالموا
و قوله: ” اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ” فقد عمل النبي عليه الصلاة و السلام على إخضاع الخلفاء و الولاة و الجنود و الموظفين للقانون و الحرص على عدم إعتدائهم على حقوق الرعية، و لقد ااحتذىالخلفاء الراشيدين من بعده بحذواه إذ عملوا على ترسيخ و توسيع مبدأ مسؤولية الدولة الإسلامية
إلا أنه و مع التطور التاريخ الذي عرفته الأمة الإسلامية و غلبة الطابع الدنيوي أصبح من الضروري إيجاد نظام قانوني و قضائي يتولى تطبيق مبدأ المسؤولية و تعويض المتضررين عن الأضرار الناجمة عن أعمال الدولة أو موظفيها، فظهر ديوان المظالم كجهة قضائية إدارية بالمفهوم الحديث تتولى مقاضاة الولاة رجال الدولة الذين لا يمكن للقضاء العادي مقاضاتهم، و قد باشر الخلفاء الراشدون النظر في المظالم بعد الرسول صلى الله عليه و سلم بأنفسهم كما فعل عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز و أو بواسطة معاونيهم.
و قد كرسوا هذا المبدأ بإعمال قاعدة مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه في نطاق المسؤولية المدنية و التي يتطلب قيامها ثلاثة شروط، علاقة التبعية بين التابع و المتبوع، خطأ التابع و العلاقة السببية بين خطأ المتبوع و ما إستخدم التابع من أجله.
و إذا ما أردنا الإشارة إلى بعض الأمثلة عن تطبيق مبدأ المسؤولية في الشريعة الإسلامية فإننا نجدها كثيرة نذكر منها :
1 ـ قتل خالد بن الوليد شخص في قبيلة جذيمة بعد أن أعلن أهلها الإسلام فوصل ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فدفع دية لهذه القبيلة و رفع وجهه إلى السماء قائلا: ” اللهم أني أرا إليك مما فعل خالد “.
2 ـ روى أبو يوسف أن رجلا أتى عمر بن عبد العزيز و قال له: ” يا امير المؤمنين زرعت زرعا فمر به جيش من اهل الشام فأفسده فعوض الخلفية عشرة ألاف درهم ”
و إذا ما بحثنا عن تطبيق مبدأ المسؤولية في الدولة الجزائرية فإننا نجد أن حكامها الأولين قد حذو حذوحكام الدولة الإسلامية، إذ كان أمراء بنى الأغلب و الفاطمين و سلاطين الموحدين و المرابطين و بنى مرين و بنى زيان يجلسون لنظرا لمظالم و يعتبرونها من صلب وظيفة الإمارة.و قد أبقي على ولاية المظالم في عهد الأتراك مع بعض الاختلاف.
و في عهد الأمير عبد القادر طبق مبدأ مسؤولية الدولة بصفة واسعة و موضوعية، إذ حذى حذو الخلفاء الراشدين و تولى النظر بنفسه في ولاية المظالم و حرص على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، إذ كان يفصل في التظلمات المرفوعة إليه ضد موظفي الدولة و يتولى معاقبتهم مهما سمت درجة وظائفهم و مراكزهم، و يصدر في ذلك أحكام نهائية غير قابلة للطعن فيها .
II ـ مبدأ المسؤولية الإدارية بعد الاستقلال:
إختارت الدولة الجزائرية بعد الإستقلال الإستمرار في تطبيق التشريع الفرنسي خوفا من الوقوع في فراغ قانوني و طبقت ذلك وفقا للقانون 62-153 المؤرخ في 31/12/62 ، الذي قضى باستمرارية تطبيق التشريع الفرنسي إلا ما يتنافى مع السيادة الوطنية كأن يتعلق الأمر بالسياسة الداخلية و الخارجية للدولة الجزائرية أو التفرقة العنصرية، و قد ورد في ديباجة هذا القانون تبرير حول إختيار المشرع لهذا التمديد بقوله: ” إذا كانت الظروف لا تسمح بإعطاء البلاد تشريع يتماشى مع احتياجاتها و طموحاتها فإنه من غير المعقول تركها تسير بدون قانون، و لذلك كان من الضروري تمديد مفعول القانون القديم و إستبعاد الأحكام التي تتنافي و السيادة الوطنية إلى أن يتم التمكن من وضع تشريع جديد ” .
و بموجب الأمر رقم 63-218 المؤرخ في 18/06/1963 تم إنشاء المجلس الأعلى كجهة نقض بالنسبة للقضاء العادي و الإداري.و لم تدم المرحلة الإنتقالية التي شهدها النظام القضائي طويلا، إذ صدر الأمر رقم 65-278 المؤرخ في 16/11/1965 و تضمن عدة إصلاحات و تنظيم قضائي جديد، إذ وضع حدا للإزدواجية في مجال المنازعات بإلغاء المحاكم الإدارية الثلاثة (الجزائر، وهران، قسنطينة) و نقل اختصاصاتها للغرف الإدارية بالمجالس القضائية التي أصبحت بموجب المادةالأولى منه 15 خمس عشرة مجلسا، و أسند للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى مهمة النظر ابتدائيا و نهائيا في الطعون بالبطلان في القرارات الإدارية و تفسيرها و فحص مدى مشروعيتها، كما تولى مجلس الثورة مهمة التشريع خلفا للمجلس الوطني، و قد جعلت هاته الإصلاحات و غيرها من النظام القضائي الجزائري نظاما متميزا عن النظام الفرنسي، و أثبتت الدولة الجزائرية من خلالها أنها حققت نجاحا على مستوى المنظمة القانونية و القضائية بالقضاء على نظام الإزدواجية باعتبار أحد مخلفات الإستعمار.
و في المقابل كان تطبيق مبدأ مسؤولية الدولة بعد الإاستقلال أمر حتمي و ضروري بعد المعاناة الطويلة التي عانى منها الجزائريين من استبداد و تعسف الإدارة الإستعمارية التي طبقت مبدأ عدم المسؤولية بكل أبعاده و آثاره رغم تقدم النظرية الفرنسية و تكريس مبدأ المسؤولية في فرنسا و حتى في الجزائر لكن بالنسبة للفرنسيين و الأجانب فقط.
و قد سار القضاء الجزائري و حتى المشرع على نفس درب التشريع و القضاء الفرنسي، إذ طبق النظرية الفرنسية المتكاملة قضائيا و تشريعا و فقهيا المتعلقة بمبدأ المسؤولية الإدارية، و كرسها في العديد من القرارات القضائية الصادرة عن المجلس الأعلى أو مجلس الدولة بعد إنشائه بموجب القانون العضوى
98-01 المؤرخ في 30/05/98 ، و كذا من خلال العديد من النصوص التشريعية و التي نذكر البعض منها فقط على سبيل المثال لأنه سيتم التطرق لها بنوع من التفصيل في الفصل الثاني من المبحث.
إذ أقر مجلس الدولة (المحكمة العليا حاليا) مسؤولية الإدارة في القرار الصادر في 17/04/82 في قضية وزير الصحة العمومية و مدير القطاع الصحي لمدينة القل ضد “ع. ط” و من معه، و قدجاء في إحدى حيثياته: ” حيث أن مسؤولية الإدارة هي مسؤولية خاصة تخضع لقواعد ذاتية لها، و أن أحكام القانون المدني هي أجنبية غير مطبقة عليها، و كذا قضية حميدوش ضد الدولة إذ أقر أن الإدارة مسؤولة على أساس خطأ مرفقي و بالتالي فهي ملزمة بالتعويض، و ذلك من خلال القرار الصادر في 08/04/66 ، و أقر أيضا مسؤولية وزارة العدل في قضية بلقاسمي 17/04/1972 على أساس عدم سير مرفق القضاء .
كما صدرت عدة نصوص تشريعية هامة تم بموجبها التوسع في أسس المسؤولية القانونية من الخطأ الشخصي للموظف إلى الخطأ المرفقي ثم ظهرت نظرية المخاطر الإدارية، و من بين هذه النصوص المادة 17/2 من القانون الأساسي للوظيفة العامة.
و المادة 139-145 من قانون 90-08 المتعلق بالبلدية التي كرست مسؤولية البلدية عن الأخطاء التي يرتكبها رئيس المجلس الشعبي البلدى و المنتخبون البلديون و موظفي البلدية و كذا مسؤولية البلدية عن الخسائر و الأضرار الناجمة عن الجنايات و الجنح المرتكبة بالقوة العلنية أو بالعنف أو خلال التجمهر والتجمعات و هو ما تقره أيضا المادة 118 من قانون 90-09 المتعلق بقانون الولاية التي تكرس مسؤولية الولاية.
و تجدر الإشارة إلى انه قد تقررت أيضا مسؤولية الإدارة بموجب نص دستوري المادة 145 من دستور 1996
و بتفحصنا لقرارات الغرفة الإدارية لمجلس قضاء بجاية وجدنا أن هناك تكريس واضح و كبير لمبدأ مسؤولية الإدارة، و مثال ذلك القرار الصادر بتاريخ 17/02/98 بين ع. ل القطاع الصحي لخراطة ، و القرار الصادر بتاريخ 10/06/2003 بين ورثة (ب . ع ) و رئيس بلدية اوزلاقن ، القرار الصادر بتاريخ 24/02/2004 بين خ. س و إدارة الجمارك .
المبحث الثاني: خصائص المسؤولية الإدارية
كما بيناه في المبحث السابق فإن قرار بلانكو الصادر عن محكمة التنازع الفرنسية يعتبر نقطة التحول من مرحلة عدم مسؤولية الإدارة إلى مرحلة تقرير مسؤوليتها صراحة و قد اعتبر لمدة طويلة كقرار مبدئي و الحجر الأساس للقانون الإداري برمته كونه وضع القواعد الأساسية و بين خصائص المسؤولية الإدارية، لكن اليوم كثير من الكتاب يجدون أنه قديم و ليس بالأهمية التي أعطيت له، لهذا ارتأينا التطرق إليه بتفاصيل أكثر في المطلبين التاليين:
المطلب الأول: خصائص النظام القانوني للمسؤولية الإدارية على ضوء قرار بلانكو
لاستخراج هذه الخصائص يستوجب علينا الإشارة لمختلف المراحل التي مرت بها القضية، تتمثل وقائعها أن المدعوة ” Agnès Blanco” طفلة في الخامسة من عمرها تعرضت لحادث تسببت فيه عربة مقطورة تابعة لوكالة التبغ التي كانت تنقل إنتاج هذه الأخيرة من المصنع إلى المستودع، مما سبب لها أضرارا جسيمة.
بادر والد الضحية بالإجراءات فرفع دعوى أمام القاضي العادي ضد ممثل الدولة مؤسسا دعواه على أحكام القانون المدني، لا سيما المواد 1382 و 1383 منه و ما يليها، طالبا مبلغ 40 ألف فرنك فرنسي يدفع بالتضامن بين العامل، (سائق المركبة ) و الدولة كتعويض عن الضرر الذي أصاب ابنته.
دفع مدير مقاطعة بوردو بعدم اختصاص المحاكم العادية للنظر في القضية و الفصل فيها و أكد أن وكيل الدولة هو صاحب الاختصاص، و هو ما أدى إلى عرض النزاع على محكمة التنازع الفرنسية التي أصدرت قرارها في الموضوع بترجيح صوت وزير العدل باعتباره رئيسا للمحكمة بعد انقسام أعضاءها إلى
فريقين متساويين، و قضت في 08 فيفري 1873 باختصاص القضاء الإداري بالنظر في النزاع بناء على تقرير مفوض الحكومة السيد ” دافيد ” حيث جاء في حيثية القرار الشهيرة: ” إن مسؤولية الدولة عن الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب تصرفات الأشخاص الذين تستخدمهم في المرفق العام لا يمكن أن تحكمها المبادئ التي يقررها القانون المدني، للعلاقات ما بين الأفراد و هذه المسؤولية ليست بالعامة و لا بالمطلقة بل لها قواعدها الخاصة التي تتغير حسب حاجات المرفق و ضرورة التوفيق بين حـقوق الـدولة و الحـقوق
الخـاصة “.
فمن خلال هذه الحيثية يمكننا استخراج خصائص المسؤولية الإدارية و المتمثلة في:
الفرع الأول: النظام القانوني للمسؤولية الإدارية نظام قضائي أصلا
و تظهر هذه الخاصية من جهتين:
أن المصدر الأصيل و الأساسي للنظام القانوني للمسؤولية الإدارية هو القضاء الإداري الفرنسي على رأسه محكمة التنازع الفرنسية و مجلس الدولة، فمثلا من خلال فكرة التفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي أوجد القضاء الإداري قواعد المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ، و كذا العلاقة بين الخطأ المرفقي و الشخصي و النتائج المترتبة عن ذلك في إطار نظرية الجمع بين الأخطاء ثم المسؤوليات، كذلك أحكام و قواعد و تقنيات العلاقة بين الخطأ التأديبي والخطأ الجنائي بالخطأ المرفقي و نتائجهما.
إضافة إلى أحكام نظرية المخاطر كأساس لقيام المسؤولية الإدارية بدون خطأ و ذلك بتبيان أحكامها، أسسها، شروطها و نطاق تطبيقها.

و يظهر كل هذا من خلال قـــرار ” Anguet” ، ” Lemonier” ، ” Mimeur” ، ” Laruelle” ، ” Solze” ، ” Effimief” ، ” Duplany” ، ” Lafleurette” ….وغيرها والتي جسدت التطور المستمر للمسؤولية الإدارية و قبل كل هذا مبدأ مرونة النظام القانوني للمسؤولية الإدارية و قابليته للتغير طبقا لدواعي المصلحة العامة و المرفق العام المجسدين من خلال قرار بلانكو.
و أكثر أهمية مما سبق فإن المصدر الأصيل لنظام المسؤولية الإدارية و المتمثل في القضاء يرجع إلى قضاء محكمة التنازع باختصاص القضاء الإداري في نظر هذا النوع من المنازعات باعتبارها الجهة الوحيدة المختصة و بالتالي هناك ارتباط بين الاختصاص و المصدر في نظام المسؤولية الإدارية.
الفرع الثاني: النظام القانوني للمسؤولية الإدارية نظام أصيل و مستقل
باعتبار أن المسؤولية الإدارية مرتبطة بالنشاط الإداري و المرافق العامة المتضمنة لمظاهر السلطة العامة، و المستهدفة لتحقيق المصلحة العامة في نطاق الوظيفة الإدارية للدولة، فإنه لا بد من استبعاد قواعد القانون المدني لاسيما المسؤولية المدنية، كونها لا تتناسب و نشاط الإدارة، و هو ما جسده قرار بلانكو بإرسائه مبدأ أن قواعد المسؤولية الإدارية ليست قواعد عامة و لا مطلقة وإانما هي قواعد خاصة تتجاوب وضرورات و دواعي المصلحة العامة ، احتياجات ، متطلبات المرافق العامة و نظامها القانوني.
بمفهوم المخالفة أن الطابع الخاص للقواعد المطبقة على المرافق العامة يحمل في طياته معنيين كونه مستقل باستبعاده القانون المدني و كونه أصيل بإيجاد نظام خاص به من حيث المنطق و النتائج المتوصل إليها، واستقلالية و أصالة هذا النظام تجد مبرراتها في حاجات المرفق العام المتغيرة بتغير النشاط الإداري.
الفرع الثالث: النظام القانوني للمسؤولية الإدارية قائم على مبدأ التوفيق بين المصلحة العامة و المصلحة الخاصة
هذا يعني أن قواعد المسؤولية الإدارية تتضمن في محتواها أحكاما من أجل إيجاد التوازن بين المصلحة العامة و مقتضيات تسيير المرافق العامة، و حتمية الحفاظ على حقوق و حريات الأفراد في مواجهة الأعمال الإدارية الضارة،و يظهر هذا المبدأ جليا من خلال كفتين :
فمقابل عدم قيام مسؤولية الإدارة تقوم مسؤولية الموظف العام الشخصية في مواجهة المتضررين من جراء أخطاءه، و يدفع التعويض من ذمته المالية في نطاق قواعد و أحكام المسؤولية المدنية و أمام جهات القضاء العادي.
و أيضا عدم قيام مسؤولية الإدارة إلا على أساس الخطأ الجسيم كحالة المسؤولية الإدارية عن مرفق الضرائب، و كذا قيام المسؤولية عن الأخطاء الطبية و القضائية، عن مرفق مستشفيات الأمراض العقلية…الخ.
تقوم مسؤولية الإدارة بدوره خطأ و على أساس نظرية المخاطر لصالح حماية حقوق و حريات الأفراد.
إضافة لهذا و في إطار الآثار المترتبة عن قاعدة الجمع بين المسؤوليات، للضحية حق الاختيار في مرافعة الإدارة أمام القضاء الإداري عن الأضرار الناتجة عن الخطأ المرفقي أو مرافعة الموظف عن الخطأ الشخصي المولد للضرر، أمام جهات القضاء العادي وفقا لما يراه أصلح و أضمن لحماية حقوقه لكنه،
بالمقابل لا يمكنه طلب التعويض من الإدارة و الموظف معا كما قال الأستاذ DELAUBADER :” يقابل مبدأ جمع المسؤوليات مبدأ عدم جمع التعويضات إلا إذا كانت هذه التعويضات مبنية على أسس مختلفة “.
و ما تجدر الإشارة إليه أن هذه الخصائص ليست مطلقة و هو ما سنتطرق إليه في المطلب الموالي من خلال التعليق على قرار بلانكو و الخصائص التي كرسها.
المطلب الثاني: حدود الخصائص التي أقرها قرار بلا نكو
بين الإجتهاد القضائي و التشريع أن الخصائص التي كرسها قرار بلا نكو ليست مطلقة و يظهر ذلك فيما يلي :
الفرع الأول: فيما يخص كون النظام القانوني للمسؤولية الإدارية قضائي، أصلا
فيما يخص الوجه الأول: باعتباره ذو مصدر قضائي يمكن القول أن هذه الخاصية نسبية إذ أن نظم المسؤولية الإدارية تنقسم إلى قضائية و تشريعية، هذه الأخيرة تجد مصدرها في التشريع أصلا، حيث يتدخل المشرع بوضع قواعد المسؤولية الإدارية في مجالات متنوعة مثل نظام مسؤولية مرفق القضاء، نظام مسؤولية المعلمين و نظام مسؤولية البلدية .
وفيما يخص الوجه الثاني: باعتبار القضاء الإداري الجهة الوحيدة المختصة في نظر المنازعات الناشئة عن المسؤولية الإدارية فإن الأستاذ ” Renu Chapus ” يرى أن قرار بلا نكو لم يعرف المرافق العامة كما لم تعرفها القوانين السابقة كقانون 1790، و يضيف أن صياغة القرار تصبح أكثر وضوحا بتعريف العمل الإداري باعتباره كل عمل تقوم به الإدارة و يكون هدفه تحقيق الصالح العام أو تسيير مرفق عام هذا حتى تظهر الغاية من منح القضاء الإداري الإختصاص في النظر في المسائل المتعلقة بمسؤولية الإدارة عن الأضرار المرتكبة من طرف موظفيها.
كما يرى أن المعيار الأساسي الذي تم على أساسه منح الإختصاص للقضاء الإداري ليس المعيار المادي باعتباره المعيار الظاهر و المتمثل في نشاط المرفق العام، و إنما هو معيار السلطة العامة باعتبار أن الدولة في تسييرها للمرافق العامة تستعمل دائما امتيازات السلطة العامة و هي الفكرة الأساسية التي جاء
بها قرار بلا نكو و إن لم تكن واضحة، و يضيف أنه أخذ هذا المعيار من حيثيات تقرير مفوض الحكومة الذي استعمل كثيرا مصطلح السلطة العامة و إن كان يقول تارة الدعوى المرفوعة ضد الدولة بمناسبة نشاط مرفق عام و يقول في فكرة أخرى الدعوى التي ترفع ضد الدولة باعتبارها السلطة العامة، و في الحقيقة هما عبارتين مترا دفتين لهما نفس المعنى، و استعمالها بالتناوب كان لتفادي التكرار. كما أنه لم يركز على نشاط الدولة، و إنما على السلطة العامة التي تستعملها الدولة في تسيير المرافق العامة.
و بالنسبة للإجتهاد القضائي فإن معيار المرفق العام ليس معيارا مطلقا لتبرير اختصاص القاضي الإداري، بل يوجد معايير أخرى أهمها معيار السلطة العامة المثار من قبل مفوض الحكومة في تقريره حول قرار بلا نكو، كمعيار كاف لتقرير هذا الإختصاص في مجال المسؤولية و بالعكس من ذلك معيار المرفق العام وحده لا يكفي دائما لتقرير اختصاص القاضي الإداري، فيمكن أن يثار في منازعة دون أن تكون هذه الأخيرة من اختصاص القاضي الإداري كما في حالة تسيير خاص لمرفق عام.
و المشرع الفرنسي نفسه خرج عن قواعد الإختصاص المكرسة من قبل محكمة التنازع في قرار بلا نكو خاصة من خلال القانون المِِِِِِؤرخ في 31/12/1957 أين أصبح من اختصاص المحاكم العادية كل نزاع يتعلق بالتعويض بكل أنواعه عن الأضرار الناتجة عن السيارات مهما كانت.
و هو المنهج الذي سار عليه المشرع الجزائري من خلال المادة 07 مكرر من قانون الإجراءات المدنية بنصه:
” خلافا لأحكام المادة 07 ، تكون من اختصاص المحاكم:
المنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية المدنية و الرامية لطلب تعويض الأضرار الناجمة عن سيارة تابعة للدولة أو لإحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية “.
الفرع الثاني: فيما يخص كون النظام القانوني للمسؤولية الإدارية أصيل و مستقل
إن استقلالية المسؤولية الإدارية و أصالتها عن القانون المدني ليست مطلقة كما أظهرها قرا ر بلا نكو:
ففي كثير من الحالات يقرر القاضي الإداري تطبيق القانون المدني أو المبادئ المقررة فيه بما يتماشى و الوقائع المطروحة عليه خاصة فيما يخص تقدير التعويض و طرقه و غيرها.
إضافة و باعتبار كل من المسؤولية الإدارية و المسؤولية المدنية من أنواع المسؤولية القانونية، فإن نظام كل منهما يشترك مع الآخر في بعض أحكام المسؤولية القانونية كالشروط و الأركان.
كما أنهما نظامان متكاملان و متصلان خاصة و أن نظام المسؤولية الإدارية حديث النشأة، مما يجعله يستمد أحكام و تقنيات تقدير كل من الضرر المادي و المعنوي و كيفية تقدير التعويض في المسؤولية الإدارية لتحقيق و تطبيق مبدأ التعويض الكامل في دعوى المسؤولية و التعويض الإداري.
و ما تجدر الإشارة إليه أن النظام القانوني للمسؤولية المدنية يطبق بصفة جزئية، و استثنائية في النظام القضائي القائم على أساس مبدأ ازداوجية القضاء عكس النظام القضائي الأنجلوسكسوني باعتباره نظاما موحدا.
و في الأخير يمكن القول أن قرار بلا نكو حتى و إن أكل عليه الدهر و شرب حسب البعض، إلا أنه يبقى الأساس الذي يعتمد عليه في كل زمان بدليل أن النتائج المترتبة عنه لا تزال مطبقة ليومنا هذا وصدق من قال أنه: ” ثورة حقيقية في الاجتهاد القضائي “.
بعد تطرقنا إلى المسؤولية الإدارية كمبدأ ، من حيث نشأته و تطوره و أهم خصائصه ، فإن السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا هو : على أي أساس تقوم هذه المسؤولية ؟ فهل هو نفسه الذي تقوم عليه المسؤولية المدنية في القانون العام (le droit commun) ، أم أن الأسس تختلف؟
لقد رأينا عند تطرقنا إلى تطور مبدأ المسؤولية الإدارية ، أن هذه الأخيرة كانت في بداية الأمر تقوم أساسا على فكرة ” الخطأ” ، باعتباره الأساس التقليدي للمسؤولية عامة . فهل يعني ذلك أن هذه الفكــرة – أي الخطأ- قد تمت استعارتها بنفس الصفة التي هي عليها في القواعد العامة؟ أم أنه أدخلت عليها بعض المميزات و الخصائص؟
كما رأينا كذلك أن الاجتهاد القضائي فيما بعد قد خطا خطوة كبيرة في هذا المجال حين وسع من نطاق المسؤولية الإدارية مؤسسا نظاما جديدا للمسؤولية ” بدون خطأ” ، و سوف نتطرق إلى هاذين النظامين بالتفصيل فيما يلي:
لمبحث الأول : نظام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ
تقوم المسؤولية عامة على ثلاثة أركان أساسية و هي – كما هو معلوم-: الخطأ و الضرر و العلاقة السببية. و ما يهمنا في مجال القانون الإداري هو ” الخطأ”، فالقانون الإداري لم يستعر هذه الفكرة بالحال الذي هو عليه في القانون المدني ، ففي مجال المسؤولية الإدارية نجد ميزة خاصة – أضفاها مجلس الدولة الفرنسي- تتمثل في التفرقة بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي.
فكيف ظهرت هذه التفرقة ؟ و ما هي أهم جوانب كلا الخطأين، و العلاقة بينهما؟
المطلب الأول : ظهور التفرقة بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي
الفـرع الأول : مرحلة عدم الاعتراف بمسؤولية الموظف العام
نصت المادة 15 من إعلان حقوق الإنسان و المواطن الصادر بتاريخ 26غشت 1789 – على إثر الثورة الفرنسية-، على انه: ” يحق للمجتمع مساءلة أي موظف في إدارات الدولة ” ، هذه المادة كان من شانها أن تعترف بالمسؤولية الشخصية للموظف، و لكن آنذاك أعطي لها تفسيرا ضيقا ، و تم فهمها على أنها مسؤولية سياسية للمسؤولين و أن مسؤولية الموظف هي مسؤولية تأديبية فقط .
بالإضافة إلى المنع الذي كان يصادفه القاضي العادي لمراقبة أعمال الموظفين العموميين و الذي يفرضه مبدأ الفصل بين السلطات و التفسير الضيق له الذي أتى به قانون 16-24 غشت 1790 ، في وقت لم تحدث فيه جهات قضائية إدارية ( إلى حين سنة 1872 ) .
و بالتالي فالقول بظهور فكرة المسؤولية الشخصية للموظف يتزامن مع ظهور دستور العام الثامن ، بحيث تنص المادة 75 منه – و التي جاءت في باب ضمانات الموظف – على إمكانية متابعة الموظف أمام المحاكم العادية و لكنها أوقفتها على شرط الحصول على ترخيص من مجلس الدولة .
و لكن رغم هذا، فإن مجلس الدولة – حديث النشأة آنذاك – كان يرفض تسليم هذه التراخيص خوفا من خرق مبدأ الفصل بين السلطات و هذا بتدخل القضاء في عمل الإدارة.
الفرع الثاني: مرحلة الإعتراف بمسؤولية الموظف العام
بتاريخ 19 سبتمبر 1870 صدر مرسوم تشريعي عن الحكومة المؤقتة يلغي المادة 75 من دستور العام الثامن، و على إثر صدور هذا القانون كان مجلس الدولة و محكمة النقض الفرنسية – في بادىء الأمر – يجيزان المتابعات القضائية ضد الموظفين العموميين أمام القضاء العادي و هذا بكل حرية.
و لكن بصدور قرار ” Pelletier” ، و الذي يعد قرارا مبدئيا في هذا الشأن، تم وضع مفهوم جديد لمسؤولية الموظف.
فالسيد Pelletier رفع دعوة أمام محكمة Senlis ضد كل من النقيب de L’Admirault ، الذي أمر بإعلان حالة الحصار في منطقة L’ oise إضافة إلى السيد M.Chopin محافظ المنطقة و السيــد M. Leudot محافظ الشرطة قصد إلغاء الحجز الذي وقع على صحيفته و استرجاع النماذج المحجوز عليها مع الحكم على المدعى عليهم بالتعويض تضامنا بينهم عن الأضرار اللاحقة به.
بالمناسبة تطرقت محكمة التنازع إلى أثار إلغاء المادة 75 من دستور العام الثامن من قبل المرسوم الصادر بتاريخ 19 سبتمبر 1870، فعلى خلاف التفسير الذي أعطته محكمة Senlis التي اعتبرت أن هذا المرسوم قد ألغى جميع الضمانات التي كانت ممنوحة للموظف، و التي كانت تحميه من جميع الدعاوى التي قد ترفع ضده أمام المحاكم العادية ليصبح وضعه شبيها بوضع الموظف في النظام الأنجلوساكسوني، فإن محكمة التنازع قد أعطت تفسيرا مغايرا و جد ضيق، إذ أن محافظ الحكومة دافيد ” David ” اعتبر أن نص المرسوم يجب أن لا
يتعارض أو يتناقض مع النصوص السابقة المكرسة لمبدأ الفصل بين السلطات، لا سيما قانون 16-24 غشت 1790، المادة 13 منه من الباب الثاني و كذا مرسوم 16 فروكتدور من العام الثالث .
فالمادة 75 من الدستور السالف الذكر لم تتحدث عن منع المحاكم العادية من مراقبة عمل الإدارة و إنما خصت فقط منع هذه المحاكم من مساءلة الموظفين الإداريين أمامها بسبب وظيفتهم. فمنع المحاكم العادية من مراقبة عمل الإدارة هي قاعدة اختصاص مطلقة و هي من النظام العام ، تهدف إلى حماية الأعمال الإدارية .
أما المنع من مساءلة الموظف بدون إذن مسبق فهي تهدف إلى حماية الموظف من الدعاوى التي لا أساس لها و هي ليست قاعدة اختصاص نوعي و إنما تعتبر قيدا على رفع الدعوى التي تباشر ضد الموظف العام متى كان في ذلك علاقة بوظيفته .
فالمرسوم الصادر عن الحكومة المؤقتة و الذي يلغي هذه المادة، قصد من ورائه إلغاء القيد الذي جاءت به. بالتالي، أصبحت للمحاكم العادية الحرية في قبول الدعاوى ( و هذا في حدود اختصاصها)، و لكنه من جهة أخرى لم يتم إلغاء الأحكام الأخرى التي تمنع المحاكم العادية من مراقبة أعمال الإدارة.
و منه اعتبر أن الحجز الذي قام به النقيب العسكري يعتبر إجراءا تحفظيا منوط بالضبط الإداري السامي باعتباره ممثلا عن السلطة العامة و هذا في حدود الاختصاصات التي يمنحها له القانون، فإن المسؤولية هنا ترجع على الدولة التي منحته هذه الصلاحيات.
و عليه وصل إلى النتيجة التالية:
” مادام أن طلب المدعي ينصب أساسا حول هذا التدبير التحفظي الذي يدخل ضمن الصلاحيات العسكرية للنقيب، هذا الأخير الذي لا يحمله المدعي ارتكاب أي “خطأ شخصي ” من شأنه أن تترتب عنه مسؤوليته الشخصية ، فإن الدعوى بذاتها تستهدف بذلك القرار الإداري نفسه ( قرار الحجز) و ليس الموظف
شخصيا و ما دام أنها لا تثير أي عمل شخصي من شانه أن يقضي إلى مسؤولية الموظف الشخصية ، فإنها بذلك تخرج عن اختصاص المحاكم العادية “.
و من هذا تنجر التفرقة الشهيرة بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي ، و التي تتضمن وجهتين :
وجهة فيما يخص الاختصاص ووجهة فيما يخص الموضوع.
1- فيما يخص الاختصاص :
الخطأ الشخصي هو المعيار الذي يخرجنا عن المرفق ككل ، فيصبح بإمكانية القاضي العادي تطبيق نوع من المراقبة دون أن يكون بذلك قد تدخل في صلاحيات الإدارة نفسها، بينما الخطأ المرفقي على عكس ما ذكر ، له اتصال وثيق بالمرفق بحيث لا يستطيع القاضي العادي النظر فيه دون أن يعطي تقييما لسير المرفق
و هذا لا يدخل ضمن اختصاصه.
فهذه نتيجة حتمية للتمييز بين الخطأين . و لأن الاختصاص النوعي للمحاكم هو مسألة في غاية الأهمية باعتبارها من النظام العام ، فإن هذا جعل محكمة التنازع الفرنسية تبحث عن معايير للتمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي وهذا لتفادي مساءلة الإدارة أمام المحاكم العادية عن عمل لا يمكن فصله عن المرفق التابع له ، مما يجعله عملا إداريا بحثا ، تكون بموجبه المحاكم العادية غير مختصة للنظر فيه سواء كانت الدعوى موجهة ضد الموظف أم ضد الإدارة ( ولو أن توجيه الدعوى ضد الموظف شخصيا يسمح باختصاص المحاكم وإن كانت سترفضها في الموضوع متى ثبت انعدام أي خطأ شخصي ) .
2- فيما يخص الموضوع :
إن التمييز بين الأخطاء خلق تقسيما في المسؤولية بين الإدارة والموظف. فإذا كان الخطــأ الشخصي
تترتب عنه المسؤولية الشخصية للموظف وبالتالي فإنه يلتزم بالتعويض من ذمته المالية الخاصة ، فإن تحميله المسؤولية نفسها في حالة الخطأ المرفقي يعد إجحافا في حقه .
– وقد عمل القضاء بعد سنة 1873 على التمييز بين مسؤولية الموظف في مواجهة الضحية ( أ ) وبين مسؤولية الموظف في مواجهة الإدارة (ب ) ، وهذا على النحو التالـــي :
أ – مسؤولية الموظف في مواجهة الضحية:
حماية للمواطن من إعسار الموظف ، ومن جهة أخرى حماية للموظف من المتابعات التعسفية للمواطنين ، عمل القضاء على التضييق من مفهوم الخطأ الشخصي وبالتالي على تضييق المسؤولية الشخصية للموظف فوضع مجموعة من المعايير -نتطرق إليها فيما بعد – لأنه أدرك وجوب عدم التشدد في مسؤولية الموظف ، فقد يقتل فيه ذلك روح المبادرة ويجعله يتهرب من واجباته ، كما أنه ليس من العدل أن يتحمل الموظف كل هذه النتائج ، فقد يكون الخطأ بسيطا ولكن نتائجه وخيمة .
• ملاحظة: إن مجلس الدولة رغم الحلول التي جاء بها الفقهاء فإنه لم يتقيد بقواعد عامة وإنما كان يتصدى لكل حالة على حدى.
ب – مسؤولية الموظف في مواجهة الإدارة :
أحيانا قد نكون أمام خطأ شخصي، ولكن على الرغم من ذلك تلتزم الإدارة بالتعويض ، فالخطأ الشخصي الذي قد تحاسب عليه الإدارة الموظف قد لا يكون بالضرورة نفسه الذي قد تنسبه الضحية إليه
لان علاقة الموظف بالضحية تختلف عن علاقته مع الإدارة.
و الاختصاص يعود في الحالة الأخيرة إلى القضاء الإداري مادام أن الأمر يتعلق بالعلاقة (إدارة – موظف) ، ونحن في هذه الحالة الأخيرة بعيدين كل البعد عن ما جاء به قرار ”pelletier” سواء في الموضوع أو الاختصاص.
المطلب الثاني : الخطأ الشخصي
لما يتضرر المواطن من فعل الإدارة فإنه يعين مباشرة الموظف الذي تسبب في ذلك الضرر فقد يكون رئيس البلدية الذي رفض أن يسلم له رخصة البناء أو الشرطي الذي تعدى عليه بالضرب…
فإذا كان ذلك العمل الضار يدخل في إطار الوظيفة أو بمناسبتها فإن الإدارة هي التي تتكفل بتغطية تلك الأضرار و لكن الأمر يختلف بالنسبة للحالات التي يتسبب فيها الموظف بأضرار للغير و هذا في ظروف متميزة تعطي للضحية إمكانية مقاضاة الموظف شخصيا لإلزامه بدفع التعويضات المستحقة. فالموظف في نهاية المطاف كبقية المواطنين العاديين عليه بجبر الضرر الذي قد يسببه لغيره.
كما أن الدعوى التي بإمكان الضحية رفعها ضد الموظف لا تكون ممكنة إلا في حالة ثبوت الخطأ الشخصي للموظف. فلابد إذا من تحديد مفهوم الخطأ الشخصي و تمييزه عن المفاهيم المماثلة له.
الفرع الأول : مفهوم الخطأ الشخصي
كما رأينا سابقا فإن هذا المفهوم انبثق عن قرار Pelletier الشهير الذي ميز بين الخطأ المرفقي الذي يخرج عن اختصاص القاضي العادي، و الخطأ الشخصي الذي على عكس ذلك يستطيع القاضي العادي التطرق إليه و النظر فيه دون أن يكون هناك أي مساس باستقلالية السلطات، هذا كل ما جاءت به محكمة التنازع في هذا الصدد فهي لم تعرف الخطأ الشخصي كما انها لم تضع معيارا معينا لتمييزه عن الخطأ المرفقي ، إلا ان قضاءها اللاحق بالإضافة إلى قضاء كل من مجلس الدولة و محكمة النقض حاولوا وضع معايير ثابتة للتمييز بين الخطأين، كما لعب الفقه دورا كبيرا في ذلك و هذا لتوضيح العلاقة بين الإدارة و أعوانها و جعلها أكثر شفافية.
I-أهم المعايير التي تميز بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي :
حاليا يمكننا القول أن القضاء و الفقه قد توصلوا إلى وضع حلول من شأنها أن ترفع كل لبس في هذا المجال، إذ تم الإجماع على ان الخطأ الشخصي هو كل خطأ منفصل عن الوظيفة ( détachable du service)، وذلك إذا ارتكب في إطار خارج عن الوظيفة المؤداة من قبل الموظف، أو سواء كان في إطار هذه الأخيرة و لكنه ينفصل عنها لأسباب معينة.
قبل التطرق إلى هذه المعايير من الأجدر ان نحاول إيجاد تعريف للخطأ بصفة عامة و لعل التعريف الذي جاء به Planiol يؤدي الغرض المطلوب، فقد عرفه هذا الأخير على أنه كل إخلال بالتزام سابق
( Un manquement à une obligation pré-existante)، فينبغي عدم الخلط بين الخطأ و اللامشروعية ، فإذا كان كل عمل غير مشروع يعد خطأ فإن العكس غير صحيح ، باعتبار أنه ليس كل خطأ
عمل غير مشروع. فالخطأ يدخل في إطار دعاوى القضاء الكامل التي يترتب عنها التعويض، بينما مبدأ اللامشروعية فإنه يدخل ضمن قضاء الإلغاء أو تجاوز السلطة و تقدير المشروعية و ينجر عنها الإلغاء.
أ‌- الخطأ الخارج عن الوظيفة :
و هو الخطأ الأكثر تشخيصا، و هذا لارتباطه بالحياة الشخصية للموظف بصفة لا تدع مجالا للخطأ المرفقي ، و هذا ما جاء به الفقيهين : MM. Vedel و Delvolvé ، فلا يمكن تحميل الإدارة تصرفا لا يعنيها بشيء و هذا مهما اختلفت درجة جسامته أو النية في إحداثه ، كالعسكري الذي يتسبب في حادث في طريقه إلى العمل و هذا بواسطة سيارته الخاصة أو الجمركي الذي يغتال شخصا بواسطة سلاحه و هذا خارج وظيفته أو الحريق العمدي الذي يقبل عليه رجل المطافيء خارج إطار وظيفته ، أو إهمال من قبل رائد ميناء طلب منه بصفة شخصية حراسة باخرة .
و لكن قد يكون الخطأ المرتكب خارج عن الوظيفة و لكننا لا يمكننا القول أنه ليست له اية علاقة بها غير ان تشخيص هذا النوع من الأخطاء يكون أكثر صعوبة فهو يجمع كافة الأخطاء غير الإرادية و التي و إن حدثت خارج الوظيفة، إلا ان هذه الأخيرة قد سهلت وقوعها عن طريق :
– سوءا الوسائل الممنوحة للموظف بمناسبة هذه الوظيفة ، و لدينا في هذا الصدد قرار Sadoudi ، أين تسبب شرطي في قتل شخص بواسطة سلاحه الذي يلزمه النظام الداخلي على الاحتفاظ به خارج الخدمة – أو عن طريق الاستغلال لأغراض شخصية لمهمة ممنوحة في إطار الخدمة كرجل المطافيء الذي ينحرف عن المسار المحدد في مهمته ليحدث حريقا في مكان آخر .
ب‌- الخطأ المرتكب في إطار الوظيفة و المنفصل عنها:
كأصل عام الخطأ المرتكب في إطار الوظيفة سواء اثناء ها او بمناسبتها يعتبر خطأ مرفقيا، و لكن إستثناءا عن هذا المبدأ فقد يعتبر هذا الخطا منفصلا عن المرفق و بالتالي شخصيا ، و هذا في حالتين اساسيتين هما :
1- الخطأ العمدي :
هذا المعيار يدعى كذلك معيار الأهواء الشخصية ( Passions personnelles ) و هي نظرية تقليدية لا تزال عبارتها الشهيرة متداولة إلى يومنا هذا و هي ما جاء به Lafferiére في خلاصته في قضية Laumonnier- Carriol :
” إذا كان العمل الضار موضوعيا و إذا كشف موظفا وكيلا للدولة معرضا لارتكاب أخطاء و ليس إنسانا بضعفه و أهوائه و غفلته فيبقى العمل إداري و بخلاف ذلك إذا انكشفت شخصية الموظف في أخطاء عادية أو اعتداء مادي أو غفلة فينسب الخطأ للموظف و ليس للوظيفة.”
« Si l’acte dommageable est impersonnel, s’il révèle un administrateur mandataire de l’état plus au moins sujet à erreur et non l’homme avec ses faiblesses, ses passions et ses imprudences, l’acte

reste administrative, si au contraire la personnalité de l’agent se révèle par des fautes de droit commun, par une voie de fait, une imprudence, la faute est imputable au fonctionnaire et non à la fonction . »
فهذا المعيار يدفع بنا إلى البحث عن النية أو الدافع الذي حفز الموظف على إتيان الفعل الضار .
فقد يدفعه على ذلك الرغبة في الإضرار و سوء النية فيستغل منصبه ووظيفته للانتقام من شخص معين، كالشرطي الذي يلجأ إلى استعمال العنف أثناء أدائه لمهمة ما ، او الذي يقتل خطأ بدافع الانتقام كقضية ( Pothier) ، او موظف البريد الذي يتعدى على أحد المتعاملين . فكل خطا يتضمن النية بالإضرار يعتبر منفصلا عن الإدارة .
أو في حالة كذلك إذا ما استغل الموظف وظيفته لتحقيق مصلحة شخصية كالإختلاسات وتحويل الأموال ، أو السرقة المنظمة .
ونجد في هذا الصدد كل من محكمة النقض الفرنسية ومجلس الدولة الفرنسي يأخذان بمعيار نية الموظف حيث إعتبرت محكمة النقض بأنه يعتبر الخطأ شخصيا لما يتصرف الموظف بسوء نية أو لأجل تحقيق مصلحة خاصة ،
كما رأى مجلس الدولة بأنه لا يعتبر خطأ شخصيا في الحالة التي لم يتصرف فيها الموظف لأهداف بعيدة عن الصالح العام ولا بدون تحيز .
الخطأ الجسيم :
هذا المعيار جاء به كل من الفقيهين : Maurice Horiou ، Gaston Jeze.
كما نجد كل من Vedel وDelvolvé، الذين اعتبرا أن الخطأ يكون بجسامة فادحة إذا تجاوز الحد المعقول للأخطاء التي يمكن توقعها .
« Il y a faute personnel, si la faute commise est d’une gravite particulière dépassant la moyenne de fautes aux quelles on peut s’attendre . »
وهناك من أتى بتعريفات أكثر حصرا كالفقيه M.Moreau الذي حصرها في الأخطاء المهنية الجد خاصة « Faute professionnelle est très caractérisées » و الفقيه M.chapus الذي تكلم عن الخطاء ذات الجسامة التي لا تفتح مجالا للنقاش .
هذا المعيار يأخذ به القضاء و لكن بحذر كبير إذ عمل على تضييق مفهومه. فقد يتمثل هذا الخطأ إما في خروج تام عن أخلاقيات المهنة، و إما أخطاءا مهنية جد فادحة ، فهذا المعيار يخص عامة الأعمال المادية و ليس التصرفات القانونية ، لأن هذه الأخيرة نبحث فيها عن نية الموظف( معيار الخطأ العمدي) و لا نأخذ بعين الاعتبار جسامة الخطأ .
– IIالتمييز بين الخطأ الشخصي و المفاهيم الأخرى:
إن التطرق إلى الخطأ الشخصي يدفعنا إلى تمييزه عن بعض الأخطاء الأخرى و هذا لتوضيح مفهومه أكثــر و تفادي اللبس، كما سنتطرق إلى أثر أوامر الرئيس على تصرفات الموظف.
أ‌- الخطأ الشخصي و الخطأ الجزائي :
إذا كان الاتجاه الفقهي في بادئ أمره يجعل من الخطأ الجزائي صورة مثلى للخطأ الشخصي فإن ما جاءت به محكمة التنازع في قرار Thepaz ، زعزع من حجية هذه الفكرة فقد يتطابق المفهومين و لكن ليس في جميع الحالات .
فإذا كان الموظف بارتكابه لجريمة ما سيمتثل حتما أمام القاضي الجنائي فهذا لا يعني أنه مضطرا لدفع التعويضات للطرف المدني إلا إذا ثبت خطأه الشخصي ، أي إذا كانت الجريمة التي إرتكبها تمثل خطأ شخصيا .
فبموجب هذا القرار تم الفصل نهائيا بين المفهومين فقد يتمثل دور الطرف المدني أساسا في تحريك الدعوى العمومية التي لا ينحصر تحريكها على النيابة العامة فقط ( كما هو معروف في ق ا ج) ، و لكن ذلك لا يعني ثبوت حقه في التعويض و هذا في حالة ما إذا كيف خطأ الموظف على أنه خطأ مرفقي ، لأن ثبوت الخطأ المرفقي لا يمنع أبدا المتابعات الجزائية.
فقد تشكل الجنايات في جميع الحالات خطأ شخصيا بينما الجنح فلابد من التمييز بين ما هو عمدي و الذي يكون خطا شخصيا ( معيار نية الموظف )، أما فيما يخص الجنح غير العمدية فلا مجال في الغالب للحديث عن الخطأ الشخصي و على أية حال فلا بد على القاضي الجزائي أن يرجع إلى المعايير السالفة الذكر لتحديد ما إذا كان الخطأ شخصيا أم انه كان يستهدف من ورائه تحقيق الصالح العام، و هذا حالة بحالة .

ب‌- الخطأ الشخصي و التعدي المادي :
التعدي المادي – كما هو معروف – هو كل عمل إداري يتسم بلا مشروعية صارخة يمس أساسا بالحريات الأساسية للأفراد أو ممتلكاتهم.
و في هذا الصدد كذلك بدأ القضاء يتراجع عن فكرة تطابق المفهومين خاصة بعد القرار الصادر عن محكمة التنازع الفرنسية بتاريخ 8 أفريل 1935 ، بحيث جاء في خلا صات محافظ الحكومة Josse التي جاء فيها
أن القاضي العادي يمنحه الاختصاص الاستثنائي في حالات التعدي للنظر في مسؤولية الإدارة في الوقت نفسه الذي ينظر فيه في مسؤولية الموظف، عليه أن يبحث فيما إذا كان هذا الأخير قد ارتكب خطأ شخصيا و هذا لتبرير مسؤوليته المالية و إلزامه بالتعويض.
ج- الخطأ الشخصي و أوامر الرئيس:
هل يمكننا القول بأن الموظف ارتكب خطأ شخصيا عندما يقتصر عمله على تنفيذ أوامر رؤسائه حسب ما يقتضيه التسلسل السلطاوي؟
إن مع تطور القضاء ، و القانون ، أنشىء التزام بعدم الطاعة للموظف فيما يخص أوامر رؤسائه و التي تبدو بوضوح بأنها غير مشروعة و انه من شأنها أن تمس أو تعرقل الصالح العام بصورة خطيرة.
و في حالة عدم التزام الموظف بذلك فإنه من الممكن جدا القول بارتكاب الموظف خطأ شخصيا، و هذا يخرج بنا عن المبدأ القائل بأن تنفيذ أمر صادر عن رئيس ينقل المسؤولية الشخصية إلى هذا الأخير ، فهو استثناء عن المبدأ و الذي نصت عليه المادة 129 من قانوننا المدني .
كما تكون مسؤولية المرؤوس شخصية في حالة إذا ما تجاوز حدود ما طلب منه فيكون بذلك قد إرتكب خطأ شخصيا.
الفرع الثاني : آثار الخطأ الشخصي
في حالة ارتكاب الموظف لخطأ شخصي فإنه يكون محل متابعة قضائية من قبل الضحية بقصد تعويضه عن الضرر اللاحق به ، فهذا هو المبدأ (1) ، إلا أن هناك ثمة استثناءات عن هذا الأخير (2):
1- المبدأ : الدعوى التي يرفعها الضحية ضد الموظف العام امام المحاكم العادية
هذا المبدأ تنجر عنه مجموعة من النتائج :
أ‌- الإختصاص : ( القاضي الناظر في النزاع)
لقد وضع أساس هذا المبدأ قرارPelletier – السالف الذكر- فلا يحق للقاضي الإداري مساءلة الموظف عن خطئه الشخصي الذي تنجر عنه مسؤوليته الشخصية، و هذا المنع جد منطقي ما دام أن النزاع ينحصر بين شخصين طبيعيين عاديين .
فالقاضي الذي ينظر إذا في النزاع هو القاضي المدني و قد يكون القاضي الجنائي متى كان الخطأ يشكل جريمة يعاقب عليها القانون.
ب‌- المكلف بالتعويض :
يتكلف الموظف شخصيا بالتعويض و هذا من ذمته الخاصة أي من ماله الخاص -و هذا متى طلب ذلك الضحية- ما دام أن مسؤوليته شخصية.

ج- القواعد المطبقة : ( القانون الواجب التطبيق )
إن القواعـد التي يطبقهـا القاضي في هذه الحـالة هي نفس القواعد الموجـودة في القانون العــــام ( Le droit commun) ، فعلى القاضي الرجوع إلى المبادىء العام
و من هنا نلمس أهمية التمييز بين الخطأ الشخصي و الخطأ المرفقي .
2- الإستثناءات :
نجد هذه الإستثناءات على المبدأ في مجال حلول الدولة محل الموظف فعلى الرغم من ثبوت الخطأ الشخصي في حق الموظف إلا أن الدولة تتدخل و تحل محله فيما يخص الإلتزام بالتعويض و جبر الضرر.
فنجد مثلا : – حلول الدولة محل المعلم .
– حلول الدولة محل السائق في حالة الحوادث التي تحدثها المركبات التابعة لها… .
فالاختصاص في هذه الحالات يعود إلى القاضي الإداري على الرغم من ان الخطأ شخصي ما دام ان الإدارة ستتكفل بالتعويض – ما لم ينص القانون على خلاف ذلك- .
المطلب الثالث: الخـطــأ الـمـرفـقـي
على عكس الخطأ الشخصي فإن الخطأ المرفقي حسب تعريف “Laferrière” هو الذي يكشف الرجل الإداري محلا للخطأ و ليس الرجل العادي بضعفه و عواطفه و عدم حرصه ، بمعنى آخر هو الخطأ العادي الذي نعترف بإمكانية ارتكابه من طرف أي عون في إطار المرفق دون أن يكون خطأ عمديا أو ذو جسامة غير مقبولة .
الفرع الأول : مفهوم الخطأ المرفقي و إثباته:
إن عبارة الخطأ المرفقي لها معنيان متميزان في الاجتهاد القضائي، فمن جهة الأخطاء الناجمة عن التنظيم السيئ أو التسيير السيئ كذلك للمرفق العام، و الأخطاء التي ارتكبت من طرف موظفين مجهولين هي أخطاء مرفقية بالمعنى الدقيق، و من جهة أخرى فإن الأخطاء المنسوبة لأعوان المرفق العام و المرتكبة من قبلهم في إطار تأدية مهامهم هي أخطاء شخصية و لكن بما أن المرفق لا ينفصل عنها فإنها تعتبر بالتالي أخطاء مرفقية .
و يمكن وصف الخطأ المرفقي على سبيل الاستهداء و وفقا لمعايير بعض الفقهاء بأنه ” الخطأ غير المطبوع بطابع شخصي ، و الذي يسند إلى موظف يكون عرضة للخطأ او الصواب ” ( معيار Laferrière) أو انــه
” الخطأ الذي لا يمكن فصله عن واجبات الوظيفة بحيث يعتبر من المخاطر التي يتعرض لها الموظفون ” ( معيار Horiou )، أو : ” هو الخطأ الذي يرتكبه الموظف بقصد تحقيق غرض إداري ” ( معيار Duguو أمثلة الأخطاء المرفقية عديدة كعمليات مادية مختلفة ، خرق لنص قانوني، خطأ في التقدير، السحب غير المنتظم لقرار أنتج حقوق ، رفض اتخاذ إجراء ضروري ، الإهمال في ممارسة السلطة …
إن الإلمام بمفهوم الخطأ المرفقي يتطلب التطرق إلى خصائصه و الصور التي يتخذها.
-Iالخصائص العامة للخطأ المرفقي:
للخطأ المرفقي طابعين أساسيين :
1-طابع الخطأ المجهول:
عادة ما يكون الخطأ مرتكبا ماديا من قبل أعوان عموميون معلومين ، أي أن مرتكب الخطأ يكون معلوم ، ففي هذه الصورة نتحدث عن خطا المرفق ، « Faute de service » إلا أن عبارة الخطأ المرفقي « Faute du service publique » يقصد بها حسب بعض الفقهاء أن مرتكب الخطأ مجهول ، و مهما يكن من امر هذا التمييز فإن شخص العون لا يهم كثيرا ذلك أن التزامات الإدارة هي محل مساءلة و ليس التزامات هذا العون .
و يظهر طابع الخطأ المرفقي كخطأ مجهول في صورتين:
– صورة خطأ مرفقي أرتكب من طرف شخص واحد لكنه مجهول مثل قضية Auxerre ، أين اعتبرت الإدارة مسؤولة عن حادثة أدت إلى قتل جندي إثر مناورات عسكرية كان من المفروض أن تستعمل خلالها خراطيش مزيفة ، و استحال خلالها معرفة الفاعل المسؤول عن قتل الجندي .
– صورة الخطأ المرفقي الذي ينتج عن مجموعة أخطاء ارتكبت من طرف موظفين مجهولين كما هو الحال في قضية السيدة Boigard ، حيث دخلت هذه الأخيرة إلى مستشفى عمومي في الصباح و لم يتم
فحصها إلا في آخر اليوم و مع ذلك إزداد مرضها و توفيت إثر نقلها إلى مستشفى آخر ليتبين عند إجراء التحقيق أن سبب وفاتها يعود لعدة أخطاء تتمثل في عدم المراقبة الكافية و غياب الطبيب المختص في الإنعاش و الرقابة السيئة خلال نقل الضحية . و بالتالي أعتبر مجلس الدولة ان هذه الأخطاء مرفقية تنسب للمستشفى بسبب سوء تسييره و ليس لأشخاص معينة .
فالخطأ المرفقي المرتكب من قبل أحد او عدة أعوان لا ينفصل عن ممارسة الوظائف و لا تقع المسؤولية على العون و إنما على الإدارة فتصبح بذلك المنازعات إدارية محضة.
2-الطابع المباشر :
يجب أن ينسب الخطأ المرفقي مباشرة إلبى شخص عمومي قام بتصرف خاطيء أثناء ممارسة أعماله ، و بالتالي حينما تختفي شخصية العون خلف المرفق العام الذي ينتمي إليه فإن الخطأ المرفقي يعتبر مرتكبا من قبل الإدارة ، و بمعنى آخر يعتبر القاضي أن الخطأ قد أرتكب من طرف الشخص العمومي الذي نسب إليه .
-IIصور الخطأ المرفقي :
يكون خطأ الإدارة في عدة حالات يمكن تصنيفها إلى ثلاث طوائف تمثل في ذات الوقت التطور التاريخي لقضاء مجلس الدولة الفرنسي في هذا الصدد .
1- التنظيم السيئ للمرفق العام :
إن الإدارة ملزمة بتنظيم المرفق العام و عندما لا تقوم بذلك فإنها تكون مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن سوء التنظيم ، و تكمن أمثلة هذه الصورة عادة في : فقدان ملفات – التنفيذ المادي غير المنتظم – خرق قواعد
تنظيم القرارات الإدارية… ، وفي هذا الصدد صدر قرار عن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضية ” بن مشيش ” ضد ” بلدية الخروب ” بتاريخ 6 أبريل 1973 ، إذ تتلخص وقائعها في أنه بتاريخ 28 ماي 1969 شب حريق في مصنع للنجارة ملك للسيد بن مشيش بسبب رمي المفرقعات من طرف أطفال يحتفلون بالمولد النبوي الشريف، و قد جاء في حيثيات قرار الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى فيما يتعلق بمرفق مكافحة الحرائق في ظل قانون البلدية السابق :
ـ حيث انه ينجم عن الملف أن الظروف التي تمت فيها مكافحة الحريق تبين نقصا في الوسائل.
ـ حيث يتبين حينئذ أنه لم يوجد أي خطأ في تنظيم و سير مرفق عام لمكافحة الحريق …”
و بذلك اعتبر القرار أن نقص الوسائل لا يشكل خطأ في تنظيم المرفق العام و بالتالي فلا وجود لأي خطأ مرفقي .
2- التسيير السيئ للمرفق العام:
إن عدم الكفاءة أو الإهمال من طرف الأعوان العموميين يؤدي إلى التسيير السيئ للمرفق العام و كذلك التأخير المفرط في تسييره، فمتى أدى ذلك إلى ضرر ما فإنه يمكن للمضرور مطالبة الإدارة بالتعويض.
و قد أصدرت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى قرارا بتاريخ 8 أفريل 1966 في هذا النطاق فيما يخص قضيـة ” حميدوش ” ضد الدولة و الذي تم توظيفه وفق شروط غير نظامية، و بعد 8 سنوات قامت الإدارة بتصحيح الإجراء و هذا بإلغاء قرار توظيفه ، فرفع الأمر أمام الغرفة الإدارية التي قررت بأن ذلك يشكل خطأ مصلحيا تنجر عنه مسؤولية الإدارة.
3-عدم تسيير المرفق أو الجمود الإداري :
في هذه الحالة لم يقم العون العمومي بعمله على الإطلاق ، و قد فصلت الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى في قضية في هذا الشأن أصدرت بموجبها قرارا بتاريخ 19/04/1972 ,تتلخص وقائعها في انه تلقى أحد كتاب الضبط مبلغا من المال في شكل أوراق مصرفية لإيداعه اثر عملية حجز قامت بها الشرطة القضائية ، و بعدها تم إصدار أوراق نقدية جديدة ، فنسي هذا الكاتب إن يبدل الأوراق المحجوزة ، و بعد الحكم ببراءة صاحب المال و الإفراج عنه قام هذا الأخير برفع دعوى ضد وزارة العدل فاعترف مجلس قضاء الجزائر بمسؤولية الإدارة على أساس سوء تسيير المرفق ، وحصل المعني على حقوقه بسبب إهمال كاتب الضبط المعتبر عونا للدولة .
و قد صدر قرار مماثل عن مجلس الدولة في 31/01/2000 صرح خلاله بمسؤولية البلدية على أساس الخطأ المرفقي في قضية “بلدية الذرعان” ضد “سوايبية عبد المجيد و من معه” ، و ذالك لتأييده لقرار الغرفة الإدارية لمجلس قضاء عنابة ، إذ يتجلى من دراسة الملف أن المستأنف عليه “سوايبية” كان متابعا جزائيا أمام محكمة الدرعان بتهمة التزوير فحجزت سيارته ووضعت بالحضيرة التابعة لبلدية الذرعان , وبعد استفادته من البراءة طلب استرجاع سيارته إلا أنها ضاعت من الحضيرة فاعتبر مجلس الدولة : “أن الحضيرة تابعة للبلدية و تشرف على تسييرها و تعتبر البلدية كحارس الشيء و ملزمة برد السيارة أو تعويضها نقدا “.
ففعل البلدية هنا يدجل في إطار عدم تأدية المرفق للخدمة المتمثلة في المحا فظة على السيارة و إعادتها كما استلمتها إذ أن البلدية لم تؤد الخدمة على الإطلاق.
هذه هي الأنواع الثلاثة الأساسية التي تجسد الخطأ المرفقي, ويبقى التساؤل مطروحا حول على من يقع إثبات هذا الخطأ ؟.
-IIIإثبات الخطأ المرفقي:
حسب المبادىء العامة في الإجراءات القضائية فإنه على من يدعي الفعل الضار أن يثبته , وبناءا على ذلك فإنه على طالب التعويض الذي يدعي الخطأ المرفقي أن يثبت وجوده , إلا أن هذه القاعدة تصطدم بعدة صعوبات تواجهها الضحية ذلك لان إثبات الخطأ يوجد عادة في ملفات الإدارة , وهذا ما جعل التطورات الحديثة تتجه إلى البحث عن طرق لتسهيل إثبات الخطأ من قبل الضحية كإلزام الإدارة بتسبيب قراراتها و فرض إمكانية الإطلاع على ملفاتها , وذلك إلى جانب الدور الذي أصبح يلعبه القاضي الإداري في الإجراءات القضائية ، فعندما تمتنع الإدارة أو تعجز عن تقديم وثيقة أو ملف بناءا على طلب القاضي فان هذا الأخير يعتبر الخطأ المرفقي قائما , وكذلك الأمر في حالة ادعاء الإدارة وجود سبب لنفي مسؤوليتها فعليها إثبات ذلك .
وقد جاء الاجتهاد القضائي في بعض الميادين بما يسمى بالخطأ المفترض ومفاده نقل عبء الإثبات, إذ أن تقنية الافتراض تسمح باستنتاج حقيقة الأفعال الضارة التي يستحيل إثباتها من خلال وجود أفعال ضارة ثابتة ، وهنا نجد أن القاضي الإداري يستعمل عادة مصطلح ” يكشف” (Révèle) ،خاصة في الميدان الطبي , وبالتالي إذا كان مريض متواجد بالمستشفى بسبب مرض معين ليجد نفسه مصابا بمرض أخر لا علاقة له بمرضه الأول في نفس المصلحة , فإن القاضي يعتبر الإصابة ناتجة عن خطأ ينسب إلى المستشفى , وقد
صدر :قرار عن مجلس الدولة في هذا الإطار بتاريخ : 01 مارس 1989 قرار “BALLY” ،إذ تم نقل مكروب إلى جسم مريض خلال عملية جراحية .
كما أنه يمكن للقاضي الإداري لتكوين اقتناعه حول وجود الخطأ المرفقي أن يأمر بإجراء تحقيق تكميلي كاللجوء إلى الخبرة بخلاف الانتقال إلى المعاينة الذي هو قليل الاستعمال، و مهما يكن من أمر فإن القاضي يبقى حرا في تقديره لوجود الخطأ المرفقي و نسبته إلى الإدارة، و من تم في تقديره لأدلة إثبات الأطراف.
الفرع الثاني : درجة جسامة الخطأ المرفقي :
ينقسم الخطأ المرفقي في نظام المسؤولية الإدارية إلى خطأ بسيط و خطأ جسيم، ففي الحالات العادية و استنادا إلى قواعد القانون المدني يكون الخطأ البسيط كافيا لقيام المسؤولية، غير أن القضاء الإداري اشترط وقوع خطأ جسيم في حالات معينة كما هو الحال في القرارات الإدارية ، كما اشترط هذه الدرجة من الجسامة في الخطأ المرفقي لإقامة مسؤولية بعض المرافق العامة التي يتميز نشاطها بصعوبة معينة .
– I الخطأ في حالة القرارات الإدارية:
إذا كان الضرر يرجع إلى قرار أصدرته الإدارة ، كما لو أمرت بفصل موظف أو برفض التصريح لأحد الأفراد بمزاولة عمل معين ، أو بهدم منزل أو بإغلاق محل عام أو فرضت قيودا معينة بلائحة على نشاط فردي… ففي هذه الصور و أمثالها يأخذ الخطأ صورة ملموسة هي ” عدم المشروعية” ، ذلك ان عدم المشروعية بأوجهها الأربعة كما هي مصدر للإلغاء ، فإنها مصدر للمسؤولية .
أ-عيب عدم الإختصاص :
إن عدم الاختصاص من أول أسباب إلغاء القرار الإداري، و هو يتعلق بالنظام العام ، و من تم يملك القاضي الإداري إثارته من تلقاء نفسه، إلا أن الأمر يختلف في نطاق التعويض فلا يؤدي هذا العيب إلى
تعويض الضحية إذا كان سيقع في حالة صدور القرار من الجهة المختصة، فقد أتجه مجلس الدولة الفرنسي إلى إعلان عدم المسؤولية عن عيب عدم الاختصاص إذا ما كان الضرر المطالب بالتعويض عنه لاحقا بالفرد لو ان القرار ذاته صدر من الجهة المختصة.
ب- عيب الشكل:
عند إصدار قرار إداري فعلى الإدارة أن تحترم بعض الأشكال و الإجراءات،و القاضي الإداري لا يشترط احترام جميع الأشكال و ذلك حتى لا يعرقل نشاط الإدارة ، فنجده هنا يميز بين الأشكال الجوهرية
و الأشكال غير الجوهرية، ووفقا لذلك تؤدي مخالفة الشكل الجوهري وحدها إلى إلغاء القرار الإداري ومع ذلك لا يوجد تلازم بين إلغاء القرار لعيب الشكل والحصول على تعويض ، ذلك أن التعويض مقصور على الحالات التي يؤثر فيها الشكل على مضمون القرار .
ج- عيب الإنحراف استعمال السلطة:
تحدث حالة انحراف السلطة عندما تستعمل الإدارة سلطتها لغرض يختلف عن الغرض الذي منحت لها من اجله هذه السلطة ، إذ أن القاضي يعاقب دائما و بصفة مشددة هذه الصورة من عدم المشروعية ، و نجد نفس التشديد في ميدان المسؤولية بحيث أن كل ضرر ناتج عن الإنحراف بالسلطة من اللازم إصلاحه ،و من تم يمكن القول أن عيب الإنحراف بالسلطة يعد مصدرا للمسؤولية لأن هذا الخطأ يستوجب التعويض إذا ترتب عليه ضرر ثابت .
د- عيب مخالفة القانون:
عندما يبحث القاضي الإداري عن عيب مخالفة القانون، فإنه يفحص القرار المطعون فيه و يقوم بدراسة أسبابه ، فإذا كان الخطأ على مستوى الأسباب القانونية فإننا نكون بصدد قرار معيب بخطأ قانوني ، أما إذا
كان الخطأ يرجع إلى وقائع القرار فإننا نكون بصدد خطأ في الوقائع، و يبدو ان القضاء يعطي دائما الحق في التعويض في حالات الخطأ في القانون ، في حين انه يتبنى موقفا متباينا في حالة الغلط الفعلي و قد أخذت الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى بهذا التمييز في قرار صادر عنها بتاريخ : 09/04/1971 ، في قضيــــة ” دخلي” ضد ” والي ولاية الجزائر” ، إذ قام هذا الأخير بغلق محل المدعي ووضعه بصفة غير مشروعة تحت حماية الدولة ليعيده إليه فيما بعد، مما جعل السيد” دخلي” يطالب بالتعويض أمام القاضي الإداري الذي منحه إياه على أساس أن اللامشروعية في حد ذاتها جسيمة .
و في الأخير يمكن القول أنه في بعض الحالات لا تشكل اللامشروعية خطأ إذا ارتكبت لفائدة الصالح العام، إذ أن مسؤولية الإدارة تقوم على أساس المساواة في تحمل اللأعباء العامة كما أن عدم قبول دعوى الإلغاء ضد قرار معين لا يعد عائقا في ممارسة دعوى التعويض المؤسسة على ضرر ناتج عن القرار اللامشروع محل دعوى الإلغاء
II- الخطأ البسيط و الخطا الجسيم:
من المفروض أن الحطأ البسيط يكفي لترتيب المسؤولية الإدارية ، إلا انه أحيانا يشترط القاضي الإداري خطأ يوصف بالخطا الجسيم و ذلك في بعض نشاطات المرافق العامة التي تجد صعوبة خاصة في تنفيذها مما يجعل الخطأ البسيط معذور ومن تم يرتب الخطأ الجسيم وحده مسؤولية هذه المرافق العامة، فعكس القانون المدني الذي يحاول في كل الحالات حماية الضحية فإننا نجد أن القاضي الإداري يلتزم بالبحث عن حل توفيقي
بين ضرورة تعويض الأشخاص و بين رغبته في إظهار بعض الامتنان اتجاه الإدارة فيما يخص بعض المرافق لأنه يعتبر أن نشاطاتها صعبة التنفيذ و تتطلب بعض التسامح و هذا كله حتى لا يعرقل نشاطاتها و من تم حتى لا يحول دون تحقيق المصلحة العامة.
و في هذا الصدد نجد ان الخطأ الجسيم يكون لازما في كل او بعض أنشطة مرافق محددة، في حين انه يكفي الخطأ البسيط لترتيب مسؤولية مرافق أخرى، و بالتالي يستند القاضي الإداري إلى طبيعة النشاطات الإدارية المتسببة في الفعل الضار في تحديده لدرجة جسامة الخطأ.
و نستهل دراستنا بأهم المرافق التي تتطلب في بعض نشاطاتها الخطأ الجسيم لترتب مسؤوليتها و الخطأ البسيط في نشاطاتها الأخرى مع المرور بمراحل التطور التي مر بها الاجتهاد القضائي في كل مرفق منها و هي
– نشاط مصالح الشرطة – نشاط مصالح السجون – نشاط الرقابة الوصائية – نشاط مصالح الضرائب – نشاط مصالح مكافحة الحريق- النشاط الطبي.
1- نشاطات مصالح الشرطة :
لم يتخلى مجلس الدولة الفرنسي عن مبدئه القديم و المتمثل في عدم مسؤولية القوة العمومية إلا في 1905 من خلال القرار ” Tomaso Gréco” الصادر بتاريخ 10/02/1905 ، حيث توسعت مسؤولية الشرطة منذ هذا التاريخ فنجدها تارة بدون خطأ و تارة تقوم على أساس الخطأ البسيط ، و أحيانا أخرى تقوم على أساس الخطأ الجسيم ، فتكون المسؤولية بدون خطأ في حالة الأضرار الناجمة عن تجمهر او حالة إستعمال سلاح ناري ضد ضحية لم تكن مستهدفة خلال مباشرة مصالح الشرطة لعملية محـــددة ، و تكون المسؤولية على أساس الخطأ البسيط في حالة الأضرار الناجمة عن استعمال سلاح ناري عندما تكون الضحية مستهدفة خلال العملية ، و بصفة عامة تكون مسؤولية مصالح الشرطة في حالة الأضرار الناجمة عن التصرفات القضائية أو المادية عندما لا يشكل التدخل صعوبة خاصة .
و مع ذلك نجد أن المسؤولية على أساس الخطأ الجسيم هي التي تحتل الصدارة في إطار مسؤولية مصالح الشرطة، إذ منذ 1925 أصبح الاجتهاد القضائي يشترط الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية الإدارة عن نشاط الضبطية الإدارية عندما يشكل هذا الأخير صعوبة خاصة في التدخل، و ذلك إثر قرار” Clef R.DP” الصادر عن مجلس الدولة بتاريخ 13/03/1925 ، و عادة ما يرتب نشاط الضبطية الإدارية مسؤولية المرفق على أساس خطأ بسيط لأن مباشرة الأعمال القضائية لا تشكل صعوبة خاصة إلا استثناءا، إذ أن الصعوبات
التي تتلقاها مثلا شرطة الطرق في باريس خلال تنظيمها لحركة المرور لا بد أن يرقى الخطأ الناتج عنها إلى درجة الخطأ الجسيم حتى تترتب مسؤولية ولاية باريس عن تنظيم حركة المرور فيها .
2- نشاطات مصالح السجون :
يشترط مجلس الدولة الفرنسي الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية مصالح السجون، و ذلك منذ سنة 1958 في قضية ” Rakotoarinovy” حيث صدر فيها قرار بتاريخ 03/10/1958 ،و قد كان لابد قبل هذا التاريخ أن يكون الخطأ جليا و ذو خطورة خاصة ، كما صدر قرار بتاريخ 05/01/1971 في قضـــية ” Veuve Picard” اعتبر فيه مجلس الدولة أن قتل مسجون من قبل مسجون آخر لا يرتب مسؤولية المرفق كونه لم يبين وجود خطأ جسيم في المراقبة، في حين قرر في قضية أخــرى بتاريخ 16/11/1988 ” Epoux Deviller” أن الإهمال الخطير من قبل الأعوان و المتمثل في عدم الإعلان الطارىء عند اكتشافهم لمسجون مغمى عليه يشكل خطأ جسيما، و بالتالي يرتب مسؤولية المرفق.
و تجدر الإشارة إلى أن الخطأ الجسيم يشترط في هذه الحالة سواء كانت الضحية مسجون أو موظف ألحق به ضرر من قبل موقوف.
3-نشاط الرقابة الوصائية :
يتعلق الأمر بالرقابة التي تمارسها الدولة على الجماعات المحلية و كذا الأشخاص المعنوية، وهنا كذلك يشترط الاجتهاد القضائي الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية الإدارة عن ممارسة رقابتها الوصائية بشكل عام، و قد ظهر هذا الإتجاه من خلال قرار صادر عن مجلس الدولة يتعلق بالوصاية على الجماعات المحلية في
29/03/1946 : ” Caisse d’assurances sociales de Meurth – et- Moselle” و قرار “Meunier ” الصادر في 20/03/1966
و ما يلاحظ حاليا أن الخطأ الجسيم لم يعد لازما لترتيب مسؤولية الإدارة إذ صدرت عدة قرارات حديثة عن مجلس الدولة قضت بمسؤولية هذه الأخيرة رغم وجود خطأ بسيط مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية سلطة الرقابة التي تملكها هذه الإدارة من بينها قرار “Société Hilton internationale ” الصادر في 22/02/1991 يخص الترخيص حول عتاد الهاتف و قرار صادر في 13/03/1998 “Améon” يخص ترتيب مسؤولية الدولة في نشاطات الرقابة التقنية التي تمارسها على السفن.
4- نشاطات مصالح الضرائب:
“Yvon Bourgeois” يخص أخطاء الحفظ و المعالجة المعلوماتية للتصريحات وتنفيذ الاقتطاعات الشهرية ،قضى فيه بمسؤولية مصالح الضرائب علي
أساس الخطأ البسيط في كل نشاطاتها وذلك في غياب صعوبات خاصة في معالجة المشاركين ، أما الخطأ الجسيم فبقى لازما فيما يخص نشاط إقرار أساس الضرائب و التحصيل عليها .
5 – نشاط مصالح مكافحة الحريق:
لا يميز القضاء الإداري بين الأخطاء المتعلقة بتنظيم أو سير مصالح مكافحة الحريق وبين الأخطاء المتعلقة بتدخلها ويشترط في كل هذه الحالات الخطأ الجسيم .
إلا أنه منذ 1998 أصبحت نشاطات مكافحة الحريق و الإنقاذ في البحر ترتب مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ البسيط رغم الصعوبة الخاصة التي تمتاز بها هذه النشاطات و ذلك من خلال قرار “Améon” الصادر عن مجلس الدولة في 13/03/1998 بالنسبة للاتقاد في البحر،وقرار ” Commune de Hannapes ” الصادر في 29/04/1998 بالنسبة لمكافحة الحرائق .
6- الـنـشـاط الــطــبـي :
كان القضاء الإداري يميز ضمن نشاطات المستشفى بين النشاط الإداري لهذا المرفق وبين النشاط الطبي . وذلك إلى غاية 1992 ، فبالنسبة للأضرار الناجمة عن ظروف تنظيم أو تسيير مرفق المستشفى فإن الخطأ البسيط يكفي لترتيب مسؤولية هذا الأخير كأن لا يتضمن طاقمه أي طبيب مختص في التخدير ، أو الحراسة غير الكافية في مصلحة الأمراض العقلية . أو استعمال أدوات غير صالحة أو الإهمال مثل معالجة ضحية حادث مرور في قاعة مخصصة لمصابين بأوبئة معدية .أما بالنسبة للأضرار الناجمة عن الخطأ الطبي فإن
الاجتهاد القضائي قبل 1992 يختلف عنه بعد 1992 ، فقبل هذا التاريخ كان الخطأ الجسيم وحده يرتب مسؤولية المستشفى بسبب الخطأ الطبي ، وهذه الصرامة كانت منتقدة من قبل الفقه الفرنسي طالما أن
الجهات القضائية كانت تكتفي بالخطأ البسيـط لتحميل العـيادات الخاصة مسؤولية الأضرار الناجمة عن أخطائها الطبية .
أما بعد 1992 أصبح مجلس الدولة يرتب مسؤولية المستشفى على أساس الخطأ البسيط رغم أن العمليات تتطلب صعوبة خاصة ، ومهما كانت طبيعة هذا الخطأ وذلك من خلال قرار ” Epoux .V ” الصادر عنه في 10/04 1992 وقد ذهب مجلس الدولة الفرنسي أحيانا إلى أبعد من ذلك إذ قضى بمسؤولية المستشفى بدون خطأ عندما يكون الضرر ذو خطورة خاصة ناتجة عن نشاط طبي يشكل خطرا معترف به والذي يكون تحقيقه استثنائيا وذلك في قرار ” Bianchi ” الصادر عنه في 09/04/1993 .
وقد صدر قرار عن مجلس الدولة في الجزائر بتاريخ 19/04/1999 يتعلق بمسؤولية المستشفى عن الخطأ الطبي ، وتتلخص وقائع القضية في أن السيدة “رقية ” انتقلت إلى مستشفى أدرار لوضع حملها فأجريت لها عمليتان جراحيتان أثناء الولادة ، فتوفيت المولودة مباشرة وأصيبت السيدة بعاهة مستديمة تتمثل في العقم ، فرفعت هذه الأخيرة دعوى أمام الغرفة الإدارية لمجلس أدرار للمطالبة بالتعويض و التي عينت خبير مختص توصل إلى أن الخطأ الطبي هو الذي أدى إلى عقم السيدة ووفاة ابنتها ، فقضت لها الغرفة الإدارية بتعويض عن الضرر المادي والمعنوي مما جعل القطاع الصحي لأدرار يستأنف القرار ، وهنا قضى مجلس الدولة بالتأييد على أساس عدة أخطاء طبية مؤكدة أثناء عملية بسيطة ، وما نلاحظه في القرار الصادر عنه أن مجلس الدولة لم
يتكلم في حيثياته عن وجوب اشتراط الخطأ الجسيم في الخطأ الطبي ، كما أنه لم يعط أي وصف لهذا الخطأ الطبي ، وبالتالي نستشف من خلال ذلك أن مسؤولية المستشفى قائمة بغض النظر عن نوعية الخطأ المرتكب .
وقد اتخذ مجلس الدولة نفس الموقف في قرار آخر صادر عنه بتاريخ 17/01/2000 في قضية المستشفى الجامعي (ض) ، ضد (س . م) ، حيث لم يقم بتكييف الخطأ المتمثل في عدم اتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة وعدم ربط الهالكة طبقا للتعليمات الطبية مما أدى إلى رمي نفسها من نافذة الطابق الأول والتي كانت مصابة بالكوليرا التي ترفع لها درجة الحمى وبالتالي تأثر على حالتها النفسية ، ونجد هنا أن مجلس الدولة قد اعتبر عدم ربط المريضة على سريرها بناءا على تعليمات الطبيب خطأ مرفقيا وليس خطأ شخصيا ذلك لأن عملية ربط المريضة هي إجراء وقائي لتفادي الحاقها الضرر بنفسها مما يشكل اهمال صادر عن موظفي المستشفى الذي يعد في هذه القضية مرفقا متوقفا عن سيره أي أننا أمام صورة عدم تسيير مرفق عام السابق ذكرها .
/2002 إذ قضت فيه بمسؤولية القطاع الصحي وعيادة الولادة على أساس الخطأ الطبي المرتكب أثناء عملية توليد المدعية ، ونلاحظ هنا أيضا عدم استعمال قضاة الغرفة لعبارة خطأ جسيم أو خطأ بسيط أي أنهم اكتفوا بتأسيس قرارهم على الخطـأ الطبي دون تحديد وصف لهم وهذا يعني عدم اشتراط الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية مرفق المستشفى ، كما صدر قرار آخر عن نفس الغرفة بتاريخ 13/07/2004 تحت رقم فهرسه443/04 في إحدى حيثياته : ” إن
الوفاة لم تكن ناتجة عن خطأ علاجي إلا أن مسؤولية المستشفى قائمة باعتبار أن اهمال الممرضين دورهم في مراقبة مساعدة المريضة لقضاء حاجتها ساهم في تدهور حالتها الصحية نظرا لما بذلته من جهد يفوق طاقتها وهي تتوجه بمفردها إلى دورة المياه”. فالغرفة الإدارية أسست مسؤولية المستشفى على أساس الخطأ المرتكب من طرف ممرضي المصلحة الذين يقع عليهم واجب حراسة ومساعدة المرضى .
وفي الأخير يمكن القول أنه في مختلف النشاطات والمرافق التي تطرقنا إليها فإن معيار الصعوبة ” Critère de la difficulté ” الذي أصبح مستعملا في النشاط المعني وذلك حالة بحالة وليس مرفق بمرفق كما كان الحال سابقا ، والذي بات يعد حاليا الأداة الحاسمة لتحديد مجال تطبيق نظام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ الجسيم .
المطلب الرابع: قــاعــدة الجــمـع
تظهر أهمية تحديد طبيعة الخطأ في توزيع المسؤوليات وبالتالي في توزيع الاختصاص بين الجهات القضائية ، فإذا كان الخطأ المرتكب خطأ شخصيا فإن الجهة القضائية العادية هي التي تنظر في الدعـوى و تحمل الموظف عبء تعويض الضحية من ماله الخاص ، أما إذا كان الخطأ المرتكب خطأ مرفقيا فـإن الإدارة تكون مسؤولة عن تعويض الضرر الذي لحق الضحية أمام جهة القضاء الإداري ، و في حـالة وجود لبس وغموض حول طبيعة الخطأ المرتكب فإن الإدارة كانت ترفع النزاع أمام محكمة التنازع بفرنسا .
ومن تمﱠ فإن فكرة الجمع بين المسؤوليات كانت مستبعدة تماما باتفاق الفقه والقضاء على عدم الجمع بين مسؤولية الإدارة ومسؤولية الموظـف على أساس الـفصل التـام بين الخطأين، وعـدم إمكان تصور اشتراك الخطأين في إحداث الضرر للضحية .
وقد أدى هذا الاتجاه إلى وضع مضر بالضحية خاصة في حالة كان الموظف مرتكب الخطأ مفلـسا وهي الحالة الغالبة ، وهذا ما جعل القضاء الإداري يتساءل عما إذا كان الخطأ الشخصي يلزم الإدارة اتجاه الضحية عوض الموظف وذلك في إطار تحسين مصير الضحية ، بتمكينها من مطالبة اّلإدارة بتعويض الضرر باعتبار هذه الأخيرة عامرة الذمة دائما ومن تم يكون حصول الضحية على التعويض أكيــدا .
وقد مرت نظرية الجمع بمرحلتين، أولـها جمع الأخطاء وثانيها جمع المسـؤوليات، كما أنه تترتب عن هذه القاعدة عدة نتائج تتعلق من جهة بحقوق الضحية ومن جهة أخـرى بدعاوى الرجوع، و سنتطرق إلى كل ذلك فيما يلـــي :
الفرع الأول : جـمــــع الأخـطــــاء:
بعد صدور قرار “Pelletier” في 1873 استبعدت كل إمكانية للجمع بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي ، و جسد ت فكرة قيام إما مسؤولية الإدارة أو مسؤولية الموظف حسب طبيعة الخطأ وأمــام الجـهـة القــــضائية المختصة ، وفي 1911 منح قرار ” Anguet” للضحية إمكانية الاختيار بين متابعة الموظف المتسبب في الضرر أو متابعة الإدارة للحصول على تعويض، و هنا نكون امام خطأ شخصي و خطأ مرفقي في آن واحد .
أس وتتلخص وقائع قضيةAnguet 1 في أن هذا الأخير دخل مكتب البريد قبل غلقه لقبض حوالة ، ولما همﱠ بالخروج وجد أبوابه مغلقة ، فقصد الباب الخلفي المخصص لخروج العمال ، وفي طريقه إليه مرﱠ بقاعة الطرود فظنه بعض الموظفين لصا وهجموا عليه بالضرب ودفعوه مما أدى إلى سقوطه وكسر ساقه ، وقد ثبت أن ساعة المكتب لم تكن مضبوطة مما جعل الموظفين يغلقونه قبل الموعد الرسمي بدقائق ، فالخطأ المرفقي يتمثل في سوء تسيير مصلحة البريد بغلق أبواب المكتب قبل الموعد الرسمي ، أما الخطأ الشخصي فيتمثل في المعاملة غير العادية التي تلقاها السيد Anguet من قبل الموظفين مما أدى إلى كسر رجله.
في هذه الحالة كان يمكن للضحية الخيار بين المسؤوليتين ، فبإمكانها المطالبة بكامل التعويض عن الضرر من الموظف أمام القضاء العادي على أساس الخطأ الشخصي ، أو مطالبة الإدارة أمام القاضي الإداري بالتعويض الكامل على أساس الخطأ المرفقي .
ونلاحظ هنا أن جمع الأخطاء يطرح بصفة منطقية ، إذ أن هذه الصورة من الجمع قبلت في وقت مبكر وهي محل إجتهادات قضائية مستمرة .
الفرع الثانــي : جــمــع ا لـمـسـؤولـيـات
نكون أمام حالة جمع المسؤوليات عند حدوث ضرر ناتج عن خطأ شخصي مرتكب من قبل الموظف ويقرر القاضي الإداري مسؤولية الإدارة ، وقد ظهرت هذه الصورة من الجمع بعد فكرة جمع الأخطاء بسنوات مما أدى إلى توسيع مجال المسؤولية الإدارية ، فبعد أن كانت تقوم على أساس الخطأ المرفقي وحده ثم على اس الخطأ المرفقي والخطأ الشخصي معا ، أصبحت تقوم رغم وجود خطأ شخصي فقط.
وفي هذا الإطار وقع تطور هام ، إذ بعد اعتراف القضاء الإداري بمسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الشخصي المرتكب داخل المرفق أصبح يعترف بمسؤولية هذه الأخيرة رغم أن الخطأ الشخصي ارتكب خارج المرفق.
1 – مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الشخصي المرتكب من طرف العون العمومي أثناء القيام بتسيير المرفق :
قد يرتكب العون العمومي خطأ أثناء تأديته لعمله دون أن يكون لهذا الخطأ علاقة بتسيير المرفق العام فيكون بذلك هذا الخطأ شخصيا، ورغم هذا فإن القضاء الفرنسي قرر لأول مرة في قراره المبدئي “Arrêt Lemonnier ” أن الإدارة مسؤولة عن الخطأ الشخصي ، وتتلخص وقائع هذه القضية في أنه عند التحضير لحفلة محلية نظمت ألعاب نارية أو ألعاب بالسلاح على أهداف عائمة في نهر صغير ، فأعلم رئيس البلدية بخطورة هذه الألعاب لعدم توفير الشروط الأمنية اللازمة إضافة إلى هذا عدم براعة المشاركين ، ولكن هذا الأخير لم يأخذ هذا الرأي بعين الاعتبار فلم يتخذ أي إجراء لمنع المارة من السير والمرور في الضفة الأخرى للنهر ، واكتفى بنصح اللاعبين بمزيد من المهارة في التصويب ، فحدث أن أصابت رصاصة طائشة السيدة Lemonnier التي كانت تسير مع زوجها وذلك في خذها الأيمن لتستقر بين عمودها الفقري وحنجرتها
، فقام الزوجان برفع دعوى أمام القاضي العادي ضد رئيس البلدية ، ودعوى أخرى ضد البلدية أمام مجلس الدولة ، وهنا حكم لهما هذا الأخير بالتعويض ، معلنا أن تقرير المسؤولية الشخصية للموظف لا تحول دون قيام مسؤولية الإدارة ، وإن كان هذا الجمع بين المسؤوليتين لا يعطي للمضرور الحق في التعويض مرتين تطــبـيـقا لـمـبـادئ الـعـدالـــة .
وقد سلم مجلس الدولة الفرنسي بقاعدة الجمع بين مسؤولية الإدارة و مسؤولية الموظف عند ارتكاب هذا الاخير خطأ شخصيا داخل المرفق و ذلك بناء على رأي مفوض الدولة ” Léon Blum” في هذه القضية الذي جاء فيه : ” إذا كان الخطأ قد ارتكب داخل المرفق أو بمناسبة مباشرة العمل به ، وإذا كانت وسائل وأدوات الخطأ قد وضعت تحت تصرف الجاني بواسطة المرفق ، وباختصار إذا كان المرفق قد مهد لارتكاب الخطأ فالقاضي الإداري يمكنه بل يجب عليه القول : أن الخطأ قد يكون شخصيا وينفصل عن المرفق وهذا أمر متروك تقديره للمحاكم العادية ، ولكن المرفق لا يمكن أن ينفصل عن الخطأ ” فمجلس الدولة إذن اعتمد جمع المسؤوليتين رغم أن الخطأ شخصي على أساس التسيير السيئ للمرفق .
وهناك حالات مشابهة طرحت أمام المجلس الأعلى الذي فصل في الاتجاه ذاته ، إذ ذهب أحد الجنود المناوبين في الثكنة إلى حفل أقيم في جوار الثكنة ، مصطحبا معه سلاحه ودون ترخيص فوقع حادث مميت أدى إلى صدور حكم جنائي من طرف مجلس قضاء الجزائر ضد الجندي وحكم نقدي ضد الدولة باعتبارها المسؤولة مدنيا ، وقد تعرض هذا الحكم للنقض من طرف المجلس الأعلى (04 جويلية 1966 ) لأنه من جهة الجرم الجنائي المرتكب من طرف الجندي يخضع لاختصاص المحاكم العسكرية الدائمة وليس للقاضي الجنائي العادي ، ومن جهة أخرى التعويض المدني الذي يقع على الإدارة بسبب الخطأ الشخصي للجندي يدخل في ا
ختصاص المحاكم المختصة بالنظر في المواد الإدارية ، وبالتالي نجد أن قرار المجلس الأعلى قد اعتمد ولو ضمنيا موقف القضاء الإداري الفرنسي في القضية المذكورة كونه نقض القرار الصادر عن مجلس قضاء الجزائر لمسائل إجرائية وليس موضوعية ، وهذا ما تبينه من خلال الحيثية الثانية المتعلقة بالتعويض المدني .
وتقوم مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الشخصي المرتكب من طرف العون العمومي أثناء تسيير مرفق عام في حالات أخرى وبمقتضى نصوص تشريعية فنجد مثلا أن مسؤولية الدولة تحل محل مسؤولية المعلمين والمربين عن أخطائهم الشخصية فيما يخص الأضرار اللاحقة بالتلاميذ أو الناتجة عن أفعالهم ، وهذا الحلول لا يمس إلا أعضاء أسرة التعليم العمومي على المستوى الابتدائي و الثانوي ويتمثل الخطأ الشخصي للمعلم هنا في إخلاله بالتزام المراقبة الذي يقع عليه اتجاه تلامذته وقد ورد النص على أن مسؤولية المعلمين والمربين في المادة 135/1 ق. المدني وذلك عن الأضرار التي يسببها تلامذتهم في الوقت الذي يكونون تحت رقابتهم ، والمثير للاهتمام أن المادة اقتصرت على الأضرار تسبب فيها التلاميذ دون الأضرار التي تلحق بهم عكس ما هو وارد في القضاء الإداري الفرنسي الذي يأخذ كذلك بدعوى الرجوع التي تمارسها الدولة ضد المعلم الذي يرتكب الخطأ الشخصي في حين لا وجود لحكم مماثل في المادة المذكورة .
كما أن هناك حالة أخرى تكون فيها البلدية أو الولاية مسؤولة عن الأضرار التي يتسبب فيها منتخبوها المحليين في غياب أي خطأ مرفقي ، إذ نصت المادة 145 من القانون رقم 90-08 المؤرخ في 07 أفريل 1990 والمتعلق بالبلدية على أن البلدية تكون مسؤولة عن الأخطاء التي يرتكبها رئيس المجلس الشعبي البلدي والمنتخبون البلديون وهم أعضاء المجلس وموظفو البلدية وهذا أثناء قيامهم بوظائفهم أو بمناسبتها شريطة أن يكونوا موكلين من طرفها للعمل باسمها بصفة خاصة ، على أنه يمكن للبلدية مباشرة دعوى ضد هؤلاء في
حالة كان الخطأ المرتكب شخصيا ويبقى إذن حق البلدية في ممارسة دعوى الرجوع ضد هم منوطا بها، وقد نصت المادة 118 من قانون الولاية الصادر07أفريل 1990 تحت رقم 90-09 على مسؤولية الولاية مدنيا
عن الأخطاء التي يرتكبها أعضاء المجلس الشعبي الولائي بما فيهم رئيسه ، على أنه يمكن للولاية الطعن لدى القضاء الإداري ضد مرتكب هذه الأخطاء وذلك في شكل دعوى الرجوع .
2 – مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الشخصي المرتكب من طرف العون العمومي خارج تسيير المرفق العام :
من المنطقي أن يسند الخطأ المرتكب من طرف الموظف خارج تسيير المرفق العام له شخصيا ويؤدي إلى مسؤوليته الشخصية ، ولكن رغم ذلك ولمساعدة الضحية جاء مجلس الدولة الفرنسي بحل يختلف عن هذه القاعدة المنطقية ، وكان ذلك في عدة قضايا تتعلق كلها بحوادث المرور التي تسبب فيها سيارات الإدارة والمستعملة من طرف أعوانها العموميين خارج تخصيصها الطبيعي أولها قضية الآنسة Mimeur . وتتلخص وقائع الآنسة ميمور أن سائق شاحنة عسكرية لم يتحكم في سياقتها فاصطدم بسكن الآنسة ميمور التي رفعت دعوى ضد وزارة الدفاع تطلب فيها تعويضها عن الأضرار التي لحقت بسكنها، إلا أن دعواها رفضت على أساس أن الجندي وقت الحادث لم يكن في مهمة خاصة بالمرفق العام، إذ أتضح عند التحقيق أن العسكري بعدما أنهى مهمته كان راجعا لمقر عمله وأثناء ذلك مرﱠعلى طريق غير مباشر لزيارة عائلته، فاعتبر مجلس الدولة أنه رغم وجود خطأ شخصي قام به الجندي في سياقة شاحنة ملك للإدارة إلا أن هذا الخطأ له علاقة ولو غير مباشر مع المرفق العام مما جعل جزء من التعويض يقع على عاتق الإدارة .
ورغم أن تعويض الأضرار التي تسببت فيها سيارة الإدارة أصبح من اختصاص القاضي العادي إلا أن مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ الشخصي للعون العمومي خارج تسيير المرفق العام مازالت تطرح بغض النظــر عن حــوادث المرور ، إذ صــدر قرار عن مجلس الدولة في 28 أكتوبر 1953
” Dame Banquet ” يخص قيام أعوان مكلفين بالتفتيش بسرقة أموال منقولة كما صدر قرار آخر عنه رتب مسؤولية الإدارة رغم وقوع الخطأ الشخصي خارج أوقات العمل في 26 أكتوبر 1973 “Sadoudi ” وتتلخص وقائعه في أن شرطيا كان بغرفته بصحبة المدعو “Sadoudi ” وعند تنظيف مسدسه انطلقت طلقة نارية أدت إلى وفاة هذا الأخير، واعتبر مجلس الدولة أن الإدارة مسؤولة مع العون العمومي رغم أن العون لم يكن يقوم بتنفيذ مرفق عام أثناء الحادث ، وذلك لأن قواعد تنظيم المهنة كانت تلزم الأعوان بإبقاء المسدس في منازلهم ونظرا للخطورة التي يشكلها التزام حفظ السلاح في منازل الأعوان على الغير فإنه لا يمكن القول بعدم وجود علاقة بين الحادث والمرفق .
وفي هذا المجال يحاول القضاء الوصول إلى علاقة بين خطأ العون العمومي والمرفق العام، وذلك حتى عندما تكون الأشياء المستعملة لارتكاب الخطأ لم تكن تلك المستعملة لتسيير المرفق العام .
حـيـث صــدر عـن مـجـلـس الـدولـة فـــي 18 نـوفـمـبـر 1988 فـي قـضـية الـزوجـيـن “RASZEWSKI” ، في هذه القضية كان دركي يقوم بسرقة السيارات ويتعدى على الأشخاص بسلاحه وذلك عن طريق إطلاق النار عليهم ، فقام بقتل شخص بمسدسه الشخصي وبينما يظهر أنه لا توجد أية علاقة بين الأخطاء الشخصية التي كان يقوم بها ذلك الدر كي والمرفق العام ، اعتبر مجلس الدولة أن الاقتتال له ارتباط مع المرفق العام بحيث أن العون العمومي كان در كيا يشرف على
التحقيق حول كل الأخطار التي كان يقوم بها شخصيا الشيء الذي جعله يستمر خلال مدة طويلة في القيام بعدة جنايات ، فمشاركته في التحقيقات حول كل الأفعال الإجرامية التي كان يقوم بها بالدائرة التي يمارس فيها مهامه ساعدته في الهروب من إلقاء القبض عليه وكشف أمره وبالتالي في القيام بفعل القتل .
وبالتالي يمكن القول أن طبيعة العلاقة بين الخطأ الشخصي والمرفق العام إما أن تكون مكانية أي أن الخطأ يرتكب بالمكان الذي يمارس فيه العون العمومي مهامه ، وإما أن تكون زمنية أي أن الخطأ يرتكب في الوقت الذي كان على العون العمومي أن يمارس خلاله مهامه .
الفرع الثالث : نتائج الجمع
إن النتائج التي ترتبها قاعدة الجمع تتعلق من جهة بحقوق الضحية المجسدة في الدعوى التي يمكنها رفعها ، وبالعلاقة الموجودة بين الإدارة والموظف مرتكب الخطأ من جهة أخرى.
1- دعوى المضرور ( حقوق الضحية ) :
إن الاعتراف بجمع المسؤوليات فيما يخص حقوق الضحية يخضع للقواعد التالية :
1 – يكون للضحية حق الاختيار بكل حرية بين رفع دعوى ضد الإدارة أمام القاضي الإداري للمطالبة بالتعويض الكامل وبين رفع دعوى ضد الموظف أمام القاضي العادي للمطالبة بكامل التعويض أيضا ، وفي الواقع نجد أن الضحية تفضل عادة متابعة الإدارة لتضمن دفع مبلغ التعويض ودون تماطل .
2 – إذا كان مبدأ جمع المسؤوليات يهدف إلى تمكين الضحية من الاختيار بين متابعة الإدارة أو متابعة الموظف ، فإنه لا يمكنه أن يسمح بتعويض الضحية مرتين نتيجة الدعويين المرفوعتين ، وبالتالي يقابل مبدأ جمع المسؤوليات مبدأ عدم الجمع بين تعويضين .
ومن أجل ضمان إمكانية تعويض واحد فإن الاجتهاد القضائي كان يعتمد مبدأ الضمان ، وتبعا لذلك يكون على القاضي الإداري أن يأخذ بعين الاعتبار ما حكم به القاضي العادي ، فإما أن يحمل الإدارة بكامل التعويض أو يحملها بجزء منه ، ونظرا للنتائج المعقدة التي تتطلبها طريقة الضمان لطول الإجراءات وتعقيدها لتجد في الأخير موظف معسر في معظم الأحوال ، هجر القضاء الإداري هذه الطريقة وأصبح يطبق مبدأ الحلول وذلك منذ قرار”THévenet” في 23 جوان 1916 ، وبالتالي أصبح القاضي الإداري يحكم على الإدارة بكامل التعويض .
2 – دعاوى الرجوع :
إذا كانت نتائج جمع المسؤوليات بسيطة فيما يخص علاقة الضحية بالإدارة والموظف فإنها أكثر تعقيدا فيما يخص عبء التعويض الذي يقع عادة على الإدارة ، إذ تكون تصفية التعويض عن طريق دعوى الرجوع التي تمارسها الإدارة ضد الموظف في حالة قيامها بدفع المبلغ كاملا للضحية أو يمارسها الموظف ضد الإدارة في الحالة العكسية .
2- 1- دعوى الرجوع المرفوعة من الإدارة على الموظف :
نظرا لكون الضحية تفضل غالبا رفع دعوى التعويض ضد الإدارة ، فإننا نجد أن دعوى الرجوع المرفوعة من الإدارة على الموظف هي الأكثر استعمالا ، وهذا يثير مسؤولية الموظف اتجاه الإدارة فيما يخص متابعتها أمام القاضي الإداري بسبب الخطأ الشخصي لهذا الموظف .
• في النظام القديم :
لم يكن مسموح للإدارة المحكوم عليها بدفع كامل التعويض – دون أن يكون هناك خطأ مرفقي- إما على أساس جمع الأخطاء أو جمع المسؤوليات الرجوع على الموظف مرتكب الخطأ محل التعويض ، والذي
كانت مسؤولياته تفلت من كل عقاب ، ففكرة الجمع كانت تؤدي إلى الحصانة الكاملة للموظف من الأخطاء الشخصية ليس فيما يخص المجال المالي فقط ، وإنما حتى فيما يخص حسن سير الإدارة ، إذ أن الاجتهاد القضائي كان يعترف فقط بمبدأ الحلول منذ 1916، من خلال قرار “Thévenet” ، وقد صدر قرار عن مجلس الدولة في هذا الشأن بتاريخ 28 مارس 1924 “Poursines ” ، في هذه القضية السيد “Boxtel ” تم قتله بناءا على أمر الضابط ” Poursines” باعتباره مشبوه فيه قامت الدولة بتعويض ورثة “Boxtel ” بمبلغ أربعون ألف فرنك فرنسي ، وبعدها قام وزير الحرب آنذاك بإعذار الضابط المسؤول بدفع مبلغ التعويض للدولة ، في 02 جويلية أصدر أمر يلزمه برد المبلغ ، فطلب الضابط إلغاء هذا التصرف من مجلس الدولة الذي رأى أنه طبقا لقانون 24 ماي 1872 فإن مسؤولية الموظف غير المحاسب العمومي لا تقوم اتجاه الدولة بسبب الأخطاء التي ارتكبها عند مباشرة مهامه إلا إذا صدرت نصوص تشريعية خاصة تسمح للوزير بالتصريح بمديونية الموظف اتجاه الدولة ، وفي غياب مثل هذه النصوص تكون إدارة الحرب قد أخطأت حينما حملت الضابط عن طريق قرار بإلزامه بأن يرد لها مبلغ أربعون ألف فرنك نتيجة التعويض الذي دفعته لورثة الضحية ، وقرر مجلس الدولة في الأخير إلغاء قرار وزير الحرب .
• في النظام الحالي :
لقد جاء قرار “Laruelle ” الصادر عن مجلس الدولة في 28 /07/1951 بقواعد جديدة تقضي بمسؤولية الموظف مرتكب الخطأ الشخصي اتجاه الإدارة على أساس قيام هذه الأخيرة بتعويض الضحية عن الضرر الذي لحقها من جراء هذا الخطأ ، وتتلخص وقائع القضية في أن : “Laruelle ” ، ضابط صف قام بتاريخ15 جوان 1945 بصدم الضحية السيدة “Marchand ” بواسطة سيارة عسكرية كان يستعملها لأغراض شخصية لا علاقة لها بعمله ، فصدر قرار من مجلس الدولة بتاريخ 12 مارس 1948 يلزم الإدارة ب
تعويض الضحية وذلك على أساس أن السلطة العسكرية لم تتخذ الإجراءات اللازمة لمراقبة خروج سياراتها من المرآب ، وبناءا على هذا القرار صدر قرار “Laruelle ” مفاده ترتيب مسؤولية هذا الأخير اتجاه الإدارة وبالتالي تحميله بمبلغ التعويض الذي دفعته للضحية .
وقد صدرت عدة قرارات عن مجلس الدولة في هذا الشأن أهمها قـرار “Delville ” وقرار “Moritz” نتجت عنها عدة قواعد أهمها :
1- يمكن للإدارة بعدما تقوم بتعويض الضحية التي رافعتها أمام القاضي الإداري أن ترفع دعوى رجوع أمام نفس الجهة حتى في غياب أي دعوى ضد الموظف ترفعها الضحية (Laruelle) وكذلك حتى ولو قامت بدفع التعويض تطوعا (Moritz ).
وبالتالي يمكن للإدارة حتى تضمن رد مبلغ التعويض من قبل عونها أن تلجأ إلى إجراءات تنفيذية.
2- يكون للقاضي الإداري النظر في توزيع المسؤولية بين الإدارة والموظف وبالتالي في توزيع عبء التعويض بينهما ، وفي حالة تعدد الموظفين المتسببين في الضرر اللاحق للضحية فإن فكرة الضمان مستبعدة ويكون بذلك كل واحد منهم مسؤول اتجاه الإدارة بقدر حصته في التعويض لقاء حصته في المســـــؤولية ” Jeannier ” .
3 – وعلى القاضي الإداري أن يأخذ بعين الإعتبار وجود الأخطاء المرتكبة من طرف الإدارة والموظف ومدى خطورتها فيكون للإدارة في حالة نتج جمع المسؤوليات عن خطأ شخصي أن تعود على الموظف بكامل التعويض الذي دفعته للضحية أو بتحميله بجزء منه كما حدث في قرار ” Jeannier ” الصادر عن مجلس الدولة في 22 مارس 1957 أين حاولت الإدارة تحميل الجنود الستة الذين كانوا في الشاحنة
العسكرية المتسببة في الحادث بكامل التعويض ، وقد قرر مجلس الدولة عندما رفعت الدعوى أمامه تحميلهم بربع قيمة التعويض المحكوم به على الإدارة .
4- إن القرار القضائي الذي ألزمت بموجبه الإدارة بتعويض الضحية لا يحوز قوة الشيء المقضي فيه في مواجهة الموظف أي انه لا يمكن له أن يحتج به كدفع في دعوى الرجوع المقامة ضده من قبل الإدارة ، فيكون له أن يطلب مراجعة قيمة مبلغ التعويض أو مبدأ مسؤوليته في حد ذاته “Laruelle ” .
وقد كرس المشرع الجزائري أحيانا وبشكل قاطع دعوى الرجوع للإدارة على الموظف، فحسب المادة 145 الفقرة التالية من قانون البلدية 90-08 فإنه يحق لهذه الأخيرة أن ترفع دعوى ضد منتخبيها المحليين في حالة إرتكابهم لخطأ شخصي وحملت البلدية بموجبه بتعويض المتضررين ، وكذلك الأمر في قانون الولاية 90-09 في المادة 118 منه ، حيث يخول للولاية ممارسة دعوى الرجوع ضد منتخبيها عندما تتحمل التعويض عن أخطائهم الشخصية اتجاه الغير .
وقد ورد بالأمر رقم 75-74 المؤرخ في 12 نوفمبر 1975 المتعلق بإعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري في مادته 23 حكم خاص يرتب مسؤولية الدولة بسبب الأخطاء المضرة بالغير ، والتي يرتكبها المحافظ العقاري أثناء ممارسة مهامه ، على أن تحرك دعوى المسؤولية ضد الدولة في أجل عام واحد ابتدءا من اكتشاف الفعل الضار ، تحت طائلة سقوط الحق في الدعوى ، ويكون الدولة بناءا على ذلك حق الرجوع على المحافظ العقاري الذي ارتكب الخطأ الجسيم الذي رتب مسؤوليتها وبالتالي حملها عبء التعويض .
2-2دعوى الرجوع المرفوعة من الموظف ضد الإدارة :
يمكن استعمال دعوى الرجوع من طرف الموظف ضد الإدارة ويكون ذلك في صورتي نظرية الجمع :
1- قد يحدث أن ترافع الضحية الموظف أمام القاضي العادي الذي يقرر خطأ شخصي يسنده إلى هذا الموظف رغم أن الخطأ مرفقي ، فيحكم عليه بدفع مبلغ التعويض للضحية بكامله ، فيجد هذا الموظف نفسه يتحمل نتائج الخطأ المرفقي لوحده ، ولذلك جاء الاجتهاد القضائي لتفادي مثل هذا الوضع بحل جديد إلا أنه غير كاف إذ يعطي الحق للموظف في متابعة الإدارة في مثل هذه الحالة وذلك قبل صدور الحكم عن القاضي العادي ، وبقي الأمر كذلك بفرنسا إلى غاية صـدور قـانـون يتضمـن حـقـوق والتـزامات المـوظف بتاريخ 13جويلية1983 جاء في مادته 11 أنه على الجماعة المحاسبة أن تعيد للموظف التعويضات
لمدنية المحكوم بها ضده ، وقد اعتبر مجلس الدولة أن هذا المبدأ الجديد ليس إلا مبدأ من المبادئ العــامة للقانون .
أما في القانون الجزائري فإننا نجد ما يقابل هذه المـادة في القــانون الأساسي العام للوظيفة العمومية رقم 85-59 الصادر بـ 23 مارس 1985 ، إذ تنص المادة 17 الفقرة الثانية منها على : ” عندما يلاحق موظف بسبب خطأ مصلحي ، فإن الإدارة أو الهيئة العمومية التي يتبعها ملزمة ، حين يكون الخطأ الشخصي منفصل عن ممارسة وظائفه وغير منسوب لهذا الموظف ، بحمايته من الأحكام المدنية الموجهة ضده ” .
2- وقد يحدث أن يحاكم الموظف أمام جهة القضاء العادي رغم وجود خطأ شخصي و خطأ مرفقي في آن واحد ، فيتحمل هذا الأخير مبلغ التعويض بكامله رغم أن المسؤولية مشتركة بينه وبين الإدارة ، فنجد أن الاجتهاد القضائي قد اعترف للموظف بحقه في مباشرة دعوى الرجوع ضد الإدارة ، وفي هذه الحالة لا يكون
القاضي الإداري ملزما بما خلص إليه القاضي العادي في ما يخص تقدير التعويض الإجمالي لمبلغ التعويض أو توزيع عبء التعويض بين الإدارة والموظف .
2- 3- دعوى الرجوع المرفوعة من الإدارة ضد الغير :
تطبق نفس القواعد في حالة ما إذا كان الضرر المستحق للتعويض ناتجا عن فعل الغير ضد موظف تابع لإدارة معينة قامت بتعويضه ، إذ تحل هنا هذه الإدارة محل حقوق المضرور ألا وهو موظفها ، لاسترداد المبالغ التي دفعتها له وذلك عن طريق دعوى الرجوع ضد الغير المتسبب في الضرر ، ذلك أن فعل الغير يعفي جزئيا أو كليا الإدارة ، وبالتالي ينفي مسؤولياتها بقدر نسبة مشاركتها في الخطأ .
وقد نصت المادة 142 من قانون البلدية بإمكانية هذه الأخيرة في ممارسة دعوى الرجوع ضد المتسببين أو المشاركين في إحداث الضرر ، عندما تكون قد عوضت الموظف الذي لحــق بـه الضـرر ، وكذلك الأمر بالنـسبة لقــــانـون الـولاية إذ تضـمـن نفـس الحكم في المادة 117 منه .
وفي الأخير فإننا نشير إلى أن القضاء الإداري يكون دائما مختصا بالنظر في جميع دعاوى الرجوع باختلاف أطرافها ، باعتبار أن العلاقة بين الإدارة والموظف تخضع للقانون العام .
المبحث الثاني : نظام المسؤولية الإدارية بدون خطأ
المسؤولية الإدارية بدون خطأ كما تدل عليه تسميتها، تقوم في غياب ركن الخطأ فبعدما كانت المسؤولية الإدارية لا تقوم إلا في حالة ارتكاب خطأ ينسب للإدارة و هو ما يعرف بالمسؤولية الإدارية على أساس الخطأ، أصبحت المسؤولية الإدارية تقوم أيضا حتى في حالة عدم ارتكاب أي خطأ من جانب الإدارة، و هو ما يرتب مسؤوليتها في تعويض الأفراد جبرا للضرر الذي ألحق بهم.
و لقد عرفها مفوض الدولة Bertrand أمام مجلس الدولة الفرنسي في قضية ” سولز” و الذي أخذ مجلس الدولة برأيه في الحكم الصادر بتاريخ 06/11/1968 بمناسبة هذه القضية قـائـلا:
” إن مسؤولية الدولة بلا خطأ منها إنما هي تصحيح أدخله القضاء على ما يتسم به القانون العام من طابع اللامساواة، و هي تستوي عند نقطة التوازن بين مبدأ تغليب المصلحة العامة التي تضطلع الإدارة بتطبيقه في جميع الحالات التي يصطدم فيها بالمصالح الخاصة، و بين مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، و هو يتطلب التعويض عن كل ضرر منسوب إلى نشاط عام عندما يتجاوز الحدود اللازمة لظروف الحياة في المجتمع”.
و تتميز المسؤولية الإدارية بخصائص و هي:
– ليست مطلقة في مداها و هذا انسجاما مع خصائص المسؤولية الإدارية التي تبينها قرار بلا نكو هي تكميلية استثنائية من أجل المحافظة على التوازن بين الحقوق و الإمتيازات المقررة للإدارة و حقوق الأفراد ومتطلبات العدالة.
– يعوض عن الضرر إذا بلغ درجة معينة من الخطورة، بمعنى آخر أن يكون الضرر غير عادي و استثنائي.

– على الضحية إثبات العلاقة السببية بين الضرر و عمل الإدارة للحصول على التعويض دون حاجة لإثبات الخطأ كون المسؤولية تقوم بدونه.
– لا تعفي الإدارة من مسؤوليتها إلا في حالتين و هما القوة القاهرة و خطأ الضحية.
كما أن المسؤولية الإدارية بدون خطأ و فيما يخص الأسس القانونية التي ترتكز عليها أثارت جدلا كبيرا إلا أن غالبية الفقه و بناءا على التطبيقات القضائية لها اعتبروا أن كل من المخاطر و مبدأ المساواة في تحمل الأعباء العامة يشكلان أساس المسؤولية الإدارية بدون خطأ، و ذلك راجع لسبب منطقي و موضوعي يتمثل في وجود بعض الأضرار لا يتحملها الأفراد كونها ناتجة عن مخاطر أو نشاط إداري يمتاز بخطورة بل استنادا إلى مبدأ المساواة في تحمل الأعباء العامة.
هذا المبدأ ـ و الذي يتخذ وجهين هما المساواة في الحقوق و المنافع و المساواة في تحمل الأعبــــاء و التكاليف العامة ـ يوجب قيام مسؤولية الإدارة دون خطأ و ذلك بتحمل جميع أفراد الجماعة خسارة الأضرار الخاصة (غير العادية) و الاستثنائية اللاحقة بالأفراد و إلزامهم بالتعويض.
و على ضوء هذا الموقف الذي يجعل أساس المسؤولية الإدارية بدون خطأ هو كل من نظرية المخـاطر ومبدأ المساواة في تحمل الأعباء العامة، سنقسم دراستنا لهذا المبحث إلى مطلبين، و في كل واحد متهما سنتناول بشيء من التفصيل نظرية المخاطر و مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة.
لمطلب الأول: المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر
ظهرت المسؤولية عن المخاطر أساسا في القانون الخاص، لكنها تطورت في إطار القانون العام إلى درجة أنها أصبحت تشمل مختلف ميادين النشاط الإداري و لو أنها ما زالت مسؤولية احتياطية بحيث تظل المسؤولية عن الخطأ المرفقي هي الأصل و الاستثناء هو المسؤولية بدون خطأ عن مخاطر النشاط الإداري.
و المقصود بنظرية المخاطر هو أنه من أنشأ مخاطر ينتفع منها، فعليه تحمل تبعة الأضرار الناتجة عنها.
ففي بادئ الأمر طبق القضاء الإداري هذه النظرية في مجال الأشغال العمومية ثم امتد مجال تطبيقها بداية من القرن العشرين إلى مسؤولية الإدارة عن بعض الأنشطة و الأشياء الخطرة و التي تشكل مخاطر غير عادية.
و على هذا الأساس ارتأينا دراسة المطلب الأول في فرعين: الأول نتناول فيه المسؤولية الإدارية عن الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية، و الثاني المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر غير العادية.
الفرع الأول: المسؤولية الإدارية عن الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية
إن الضرر الناجم عن الأشغال العمومية هو أول ضرر لا يشترط لتعويضه وجود خطأ مرفقي، بحيث قد تلحق أشغال عمومية أضرارا بالأفراد دون أي خطأ. و ما دامت الأضرار الناجمة عن هذه الأخيرة يتحملها جميع أفراد الجماعة، فلا مسؤولية و لا تعويض إلا إذا بلغ هذا الضرر درجة معينة من الخطورة و مس عدد محدود و معين من الأفراد.
I ـ مفهوم الأشغال العمومية:
عرف الشغل العمومي على أنه كل عمل يقوم به شخص معنوي عام لصالحه أو لصالح شخص آخر معنوي ينصب على عقار يهدف من وراء تنفيذه تحقيق مصلحة عامة، هذا التعريف التقليدي للشغل العمومي يتضمن ثلاثة عناصر و هي:
1- عمل يقوم به شخص معنوي عام: و يجب أن يكون العمل ماديا كبناء، ترميم، صيانة، حفر أو هدم، و الشخص المعنوي العام محدد بنصوص قانونية من ذلك نص المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية.
2 -ينصب على عقار سواء كان بطبيعته أو بالتخصيص: و بالمقابل تستبعد المنقولات التي تملكها الإدارة العامة و لو كانت من أموالها العامة.
3 – تهدف من وراء تنفيذه تحقيق مصلحة عامة و تؤخذ في معناها الواسع.
ولقد تجاوز القضاء هذا التعريف التقليدي و وسع من مفهوم الأشغال العمومية انطلاقا من قرار” Effimief ” أين اعتبرت محكمة التنازع الأشغال المنجزة أشغالا عامة رغم أنها ـ و إن كانت أشغالا عقارية ـ تهدف إلى إعادة بناء عقارات تشكل ملكيات خاصة، و بالتالي فإن الأشغال لم تهدف إذن إلى تحقيق مصلحة عامة.
و بذلك أصبح يهدف من وراء الشغل العمومي تحقيق خدمة المرفق، بمعنى أنه يعتبر عاما و لو أنجز لصالح شخص خاص.
و من خلال هذا التعريف، يتميز الشغل العمومي عن المبنى العمومي الذي استعمل في وقت ما كمرادف له، و بعد تطور قواعد المسؤولية الإدارية التي تحكم الشغل العمومي تم التمييز بينهما على أساس أن الشغل العمومي هو العمل و النشاط ، في حين صنف المبنى العمومي ضمن الأموال، و ارتبط هذا التمييز بالنظرة إلى
مفهوم الشغل العمومي، بحيث لم يعد الشغل العمومي منحصرا في عملية ترميم المبنى العمومي أوهدمه، و إنما اتسع مجاله و بالمقابل فإن المبنى العمومي أصبح يقام بواسطة نشاط خاص، و يترتب عن تحديد
مفهوم الشغل العمومي تطبيق النظام القانوني الخاص بالأشغال العمومية و ذلك كلما توفر في نشاط إداري ما عنصر من العناصر المذكورة حتى و لو كان عقد تموين إن تعلق موضوعه بنقل مواد بناء إلى مكان إنجاز الشغل العمومي.
II – نظام المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية:
1 ـ معايير تحديد نظام المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية:
طرح الفقه على ضوء التطبيقات القضائية المسؤولية عن الأشغال العمومية معيارا لتحديد قواعد المسؤولية عن الأضرار الناجمة عنها و يستند هذا المعيار إلى طبيعة الضرر، و ميز فيه بين الضرر الدائم و الضرر العرضي، ففي الأول أسس المسؤولية دون خطأ أي على أساس المخاطر باعتبار الضرر نتيجة حتمية و محسوبة ضمن مخاطر تنفيذ الأشغال العمومية، أما في الثاني اشترط لتعويضه وقوع خطأ، فهي إذن مسؤولية مشروطة لأن الضرر كان ممكنا ألا يحصل كونه ليس نتيجة حتمية للأشغال بل حادث من حوادث تنفيذها.
أما القضاء فقد هجر هذا المعيار و استند إلى معيار الضحية، و ميز بين ما إذا كانت الضحية من الغير أو المشارك أو المرتفق و رتب المسؤولية أحيانا على أساس الخطأ و أحيانا أخرى بدون خطأ و هو ما سنتناوله بالتفصيل في قواعد المسؤولية الإدارية عن أضرار الأشغال العمومية.
2 ـ قواعد المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية:
كما سبق الإشارة إليه سالفا فإن القضاء يعتمد معيار طبيعة الضحية، و عليه فقواعد المسؤولية يختلف باختلاف هذه الأخيرة.
أ ـ الأضرار الواقعة على المشاركين:
المشارك هو الشخص الذي ينفذ بطريقة أو بأخرى الشغل العمومي (أي يشارك في إنشاء المبنى العمومي) و يندرج تحت هذا التعريف المقاول و عماله، الوكيل و مساعديه، و قد يكون المشارك شخصا اعتباريا.
إن تعويض الأضرار التي يتحملها هؤلاء يؤسس على الخطأ و ليس على المخاطر باعتبار أن المشارك ليس غريب عن مخاطر العملية كونه يشارك في إنجاز المبنى.
هذا الحل هو المتبع في الجزائر، حيث اعتبرت الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر في 16 أكتوبر 1964 بشأن حادث وقع أثناء أشغال قامت بها شركة كهرباء و غاز الجزائر بأن الشركة لا يمكن اعتبارها مسؤولة في مواجهة العمال الذين كانوا حين وقوع الحادث يشاركون في أشغال الصيانة للمنشآت المذكورة إلا إذا كان الحادث قد نتج عن خطأ ينسب لتلك المؤسسة العمومية.
ب ـ الأضرار الواقعة على المرتفقين:
المرتفق هو الشخص الذي يستعمل فعلا المبنى العمومي و المتسبب في الضرر، معنى ذلك أن العلاقة المباشرة ما بين الضحية و استعمال المبنى تعتبر معيارا أساسيا في تحديد المرفق كوقوع شجرة على أشخاص في حديقة عمومية. و يعتبر مرتفقا كذلك المستفيد بمرافق الماء، الغاز و الكهرباء، بحيث يكون الشخص مرتفقا عندما يصيبه ضررا من القناة التي يستفيد منها، و يعتبر من الغير إن كان مصدر الضرر القناة الرئيسية.
أما عن أساس المسؤولية الإدارية في حالة الضرر الذي يلحق المرتفق و لا تعفى الإدارة عن مسؤوليتها إلا إذا أثبتت أنها قامت بالصيانة العادية في حالة ما إذا كان الشخص مرتفقا.
أما إن لحق الضرر الغير فلا تعفى و لا يمكنها التذرع بقاعدة الصيانة العامة التي تعني السهر على صيانة المباني العمومية و سيرها العادي حتى يتمكن المرتفق من استعمالها دون خطر.
و لقد أخذ القضاء بنظرية غياب الصيانة العادية للمبنى العمومي كأساس للمسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية في حالة المرتفق ( اعتمد فكرة الخطأ كأساس ).
مثال ذلك ما أقر به مجلس قضاء قسنطينة في تعويض مرتفقي الطرق ( السواق )بسبب انعدام الصيانة في قراره بتاريخ 02/03/1983 عندما عوض ذوي حقوق السيد (ب،ع)الذي توفي على إثر حادث مرور من جراء انقلاب سيارته في منعرج خطير ليس به إشارة الخطر . اعتبر المجلس انعدام الإشارة بمثابة انعدام الصيانة مستوجبا قيام المسؤولية الإدارية.
كما أخذت المحكمة العليا في قرارها بتاريخ 17/04/1982 بمسؤولية الإدارة عن خطأ انعدام الصيانة عندما قررت تعويض الضحية التي اختنقت بغرفة الاستحمام بالمستشفى بسبب انعدام التهوية و المنافذ اللازمة لانفلات الغاز المحترق من جهاز تسخين مياه الاستحمام.
ج-الأضرار الواقعة على الغير:
يصعب تقديم تعريف للغير ، لذا فقد عرف بالسلب فالغير هو كل شخص لا يعتبر مرتفقا أو مشاركا.
و هناك محاولة عرفته بأنه ذلك الشخص الذي لا يستعمل المبني العمومي و لا يستفيد من أشغال عمومية.
و السؤال المطروح هنا هو : ما أساس المسؤولية الإدارية في هذه الحالة ؟و ما طبيعة الضرر الذي يلحق بالغير ؟
تؤسس المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر و تعوض الضحية الغير دون حاجة لتقديم أي إثبات سوى العلاقة السببية بين الضرر الحاصل و الأشغال العمومية.
أما بالنسبة للضرر ، فيشترط فيه أن يكون من طبيعة غير عادية ؛ بمعنى أنه يفوق الإزعاجات و العقبات البسيطة التي يتحملها عامة الناس. كما يجب أن يمس هذا الضرر حقا مشروعا بحيث لا يستفيد من التعويض الشاغل لملك عمومي.
و لقد قضى مجلس الدولة في 08/03/1999 بتأييد القرار المستأنف بتأييد القرار المستأنف كون أشغال الحفر كانت تحت إشراف البلدية و إدارتها و هي التي رخصت بها لسكان القرية، وكان يجب عليها أخذ الإجراءات السارية قانونا لحماية الحفرة و التأكد من كونها لا تشكل خطرا،و أن إهمالها لذلك يجعل مسؤوليتها قائمة.
و يتعلق موضوع القضية في سقوط طفل في حفرة أدى إلى وفاته، هذه الحفرة أنجزت لتخزين المياه حفرها سكان القرية الكائنة بعين أزال.
أقام ذوي حقوق الطفل دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء سطيف ضد بلدية عين أزال، فقضى بتحميل البلدية مسؤولية سقوط الضحية في الحفرة الموجودة تحت حراسة البلدية مع إلزام هذه الأخيرة بالتعويض.
يتعلق الأمر هنا بالمسؤولية عن الأشغال العمومية، و بما أن البلدية هي المرخصة بتلك الأشغال فإنها تعتبر صاحبة الأشغال خاصة و أنها تمت تحت إشرافها و إدارتها، وأن الضحية يعتبر من الغير بالنسبة لتلك الأشغال، فهو ليس مستعملا للأشغال و لا قائما عليها فهو مجرد طفل.
و لقد استقر القضاء الإداري على اعتبار هذه المسؤولية غير قائمة على الخطأ بل على أساس نظرية المخاطر، خاصة و أن الضحية ليس بالمشارك في تلك الأشغال العامة. فعملية إحداث حفرة كبيرة يعد مشروعا عموميا ذو طابع خطير، و أن وجود حفرة غير مغطاة و عير محاطة بسياج يحول دون وصول الأطفال إليها لهو شروع خطير ، و أن إشراف البلدية على عملية الحفر يجعل مسؤوليتها قائمة، ذلك أن عملية حفر حفرة كبيرة داخل محيط القرية يشكل خطرا يتجاوز ما يجوز أن يتحمله الخواص على أساس مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة.فترك حفرة دون سياج يعد خطرا و تسأل البلدية عنه.
و يلاحظ بأن إقامة مجلس الدولة و معه الغرفة الإدارية لمجلس قضاء سطيف المسؤولية على أساس خطأ غير عمدي أو إهمال في غير محله، ذلك أنه لا يشترط في مثل هذه الحالات (الأشغال العامة) ارتكاب خطأ و لو عمدي من قبل البلدية بل يكفي أن يكون هناك ضرر استثنائي (و هو الوفاة في حالتنا هذه)، يكون نتيجة لوجود مشروع عموم(الحفرة) و التي تشكل خطرا سواء بالنسبة للغير أو لمستعملي المشروع العام.
كما يذهب القضاء الإداري الفرنسي بأنه يكفي للضحايا أو ذوي حقوقهم إثبات “عيب الصيانة العادية” للحصول على التعويض.
وفي هذه القضية فإن عيب الصيانة العادية متوفر، لعدم قيام البلدية بإحاطة الحفرة بسياج يحمي الأطفال من عدم السقوط فيها و كذا الحيوانات الأليفة، و هو ما لم تقم به البلدية و علية فهي مسؤولة و تتحمل التعويض .
3- طبيعة الضرر في نظام المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية و صوره:
أ – طبيعة الضرر :
إلى جانب الشروط العامة للضرر القابل للتعويض بأن يكون شخصيا ، مؤكدا أو محققا ، و أن يمس بمصلحة مشروعة ، يجب أن يكون الضرر مادي و غير عادي و أن تكون العلاقة مباشرة ما بين الضرر وشغل العمومي .
ب- صور الضرر : من صور الضرر الناجم عن الأشغال العمومية ما يلي :
– ضرر ناجم عن إنجاز أشغال عمومية.
– ضرر ناجم عن عدم تنفيذ شغل عمومي كعدم وجود إشارات متعلقة بوجود أشغال عمومية، و هو ما جسد في قضية شركة التأمين Le soleil “” حيث اعتبرت الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر أن عدم الإشارة لوجود الخطر على طريق عمومي ( مبنى عمومي ) كان سبب في حدوث ضرر أدى إلى وفاة الضحية .
إذ تتلخص وقائع القضية في وفاة مسافر كان على متن شاحنة صغيرة مارة ببلدية ابن عكنون بسبب اصطدام سقف الشاحنة بشجرة تشرف على الطريق .
-ضرر ناجم عن سوء أو عدم صيانة مبنى عمومي .
– ضرر ناجم عن سوء سير مبنى عمومي كتدفق مياه ملوثة أو رائحة كريهة يعود مصدرها إلى شغل عمومي أو مبنى عمومي.
و الأضرار الواردة في هذه القائمة هي على سبيل المثال لا الحصر، لأن مسألة تحديد الأضرار الناجمة عن الأشغال العمومية تعود إلى السلطة التقديرية للقاضي الإداري حسب ظروف و ملابسات و طبيعة الضرر وعلاقته بالشغل العمومي.
III- قواعد الإختصاص في منازعات الأشغال العمومية :
1 – الإختصاص النوعي:
حسب المادة 7 فقرة أخيرة من قانون الإجراءات المدنية فإن الإختصاص النوعي في حالة المسؤولية الإدارية عن الأشغال العمومية يعود إلى الغرفة الإدارية بالمجالس القضائية كأول درجة ( إلى حين تنصيب المحاكم الإدارية في الميدان) و التي تصدر قرارات ابتدائية قابلة للإستئناف أمام مجلس الدولة ( الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا سابقا ) .
2 – الإختصاص الإقليمي :
إن قواعد الإختصاص الإقليمي في منازعات الأشغال العمومية تحكمه المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية المعدلة بقانون 90/23 و المنظمة بالمرسوم رقم 90/407 و المراسيم التنفيذية اللاحقة التي تحدد كيفية تقسيم المجالس القضائية و المادة 8 من نفس القانون و التي تنص على: ” …. في القواعد المتعلقة بالأشغال العمومية أمام الجهة القضائية التي تقع في دائرة اختصاصها مكان تنفيذ الأشغال…”
وفي فقرة أخرى نصت على أنه: ” … في الدعاوى العقارية أو الأشغال أمام المحكمة التي يقع العقار في دائرة اختصاصها “.
الفرع الثاني : المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر غير العادية
امتد مجال تطبيق نظرية المخاطر ليشمل بعض الأنشطة و الأشياء الخطرة، و كذا بعض الحالات الناجمة عن المشاركة الظرفية في المرافق العامة ، وهو ما سنتناوله في النقاط التالية :
I – الأنشطة و الأشياء الخطرة : و تندرج تحتها الحالات الآتية :
1- المتفجرات و الذخيرة:
لقد وضع القضاء الإداري قواعدها ابتدءا من قضية ٌRegnault Desroziers و تعود وقائع القضية أنه بتاريخ 04/03/1916 وقع انفجار مهول في قلعة La double couronneفي شمال Saint-Denis أين تم تخزين مجموعة من الذخيرة الحربية ، و قد خلف الحادث في المدينة و المناطق العمرانية المجاورة العديد من الضحايا و أضرارا مادية بليغة، فطلب المدعون التعويض عن الأضرار التي أصابتهم و قبل مجلس الدولة الطلب على أساس المخاطر الاستثنائية للجوار دون أن يلجأ إلى الخطأ معترفا بأن حيازة وزارة الحربية لآلات خطيرة في ظروف مماثلة تحتوي على مخاطر تفوق تلك التي تنتج عادة عن الجوار يرتب مسؤوليتها.
و لقد سنحت الفرصة بعد ذلك للمحكمة العليا للتعبير عن موقفها بوضوح و إعلانها تطبيق نظرية المخاطر الإسثنائية للجوار، و بالتالي السير على طريق الإجتهاد القضائي الفرنسي ، و يتضح ذلك من خلال قضية ” بن حسان احمد ” ضد وزير الداخلية .
حيث تتلخص وقائع القضية في اشتعال حريق في مرآب تابع لمحافظة الشرطة المركزية بالجزائر العاصمة، و كان نتيجة لانفجار خزان بنزين، فأسفر الحادث عن وفاة زوجة المدعي بن حسان احمد و جنينها
و إبنته، فرفع دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر قصد تعويضه ، فقضت على الدولة ممثلة في وزير الداخلية بالتعويض .و أقرت حول تأسيس مسؤولية الإدارة أن وجود مثل هذا الخزان يشكل مخاطر استثنائية على الأشخاص و الأموال و أن الأضرار التي تلحق بالضحايا ضمن هذه الظروف تتجاوز في خطورتها الأعباء التي يتحملها عادة الأفراد.
1-المسؤولية الإدارية بسبب أنشطة مراكز التربية و المراقبة:
أنشئت هذه المراكز خصيصا لتربية الجانحين الأحداث و بهدف إدراجهم في الحياة العادية، فما هو أساس المسؤولية في حالة هروب أحدهم منها ؟ و أثناء فراره ارتكب جريمة على الغير أو على جيران المركز؟
لقد كان قرار مجلس الدولة في 03/02/1956 في قضية Thouzellier ضد وزير العدل أول قرار دشن المسؤولية بدون خطأ عن المخاطر الخاصة التي يتسبب فيها الأحداث المجرمين.
حيث هرب اثنان من الأحداث الموجودين بإحدى مراكز التربية عندما كانوا في نزهة نظمها مسؤولو الإصلاحية و قاما بسرقة أحد المنازل المجاورة . و رغم انعدام الخطأ لأن المشرفين بلغوا عن هروب الحدثين، إلا أن مجلس الدولة الفرنسي قضى بالتعويض.
و الحقيقة أن هذا القرار يضيف جديدا و يؤكد قديما ، فالجديد أنه من الآن فصاعدا فإن مخاطر الجوار ستشمل كافة النشاطات الخطرة و ليس انفجار الأشياء فقط كما كان الأمر في قضية Regnault Desroziers ، و القديم أن قرار Thouzellier مازال متمسكا بفكرة الجوار حيث لا تعوض إلا الأضرار اللاحقة بالأشخاص و الملكيات المجاورة .
ثم لين مجلس الدولة موقفه و أعاد النظر في مفهوم الجوار خاصة بعد تطور وسائل النقل السريعة التي تسمح للأحداث الفارين من ارتكاب جرائمهم بعيدا عن مراكزهم و على ذلك أصبح القضاء الإداري يأخذ
بنظرية المخاطر غير العادية للغير بدلا من المخاطر غير العادية للجوار مما أدى إلى توسيع مفهوم الضحايا الذين لهم الحق في التعويض عن هذا النوع من هذا الضرر ، مع اشتراط أن يكون تاريخ ارتكاب الجرائم غير بعيد عن تاريخ فرار الحدث من مركزه و هذا لتلاشي العلاقة السببية بين الفرار و الضرر.
أما إذا كانت الضحية هو الحدث فإن المحكمة العليا قضت في قضية ” منصوري ” ضد وزارة الشباب و الرياضة و التي تتلخص وقائعها في أن الشاب ” منصوري ” قد وضع في مركز خاص بإعادة التربية بقسنطينة وبعد 3 أيام هرب من المركز و أعيد إليه من طرف مصالح الشرطة، إلا أنه فر ثانية في نفس اليوم ثم عثر عليه في اليوم الموالي ميتا.
حيث قررت المحكمة العليا الغرفة الإدارية أن عدم المراقبة و الخلل المرتكب من طرف المركز يعد خطأ جسيم يرتب مسؤولية المركز. وعليه فهي أسست مسؤولية مراكز التربية و المراقبة على أساس الخطأ الجسيم ربما لان الهارب في القضية التي رفعت أمامها هو نفسه الضحية.
3- مسؤولية مستشفيات الأمراض العقلية :
ويحكمها الأمر المؤرخ في 23/10/1976 المتضمن قانون الصحـة المعـدل و المتمـم .
و لقد أقيمت المسؤولية في بادئ الأمر على الخطأ الجسيم ، و بالتطور أسست على المخاطر لأن الخروج منها و لو كان مرخصا لبعض المرضى فانه يشكل مخاطر غير عادية .
4- الأسلحة النارية :
ومن بينها استعمال الأسلحة النارية من طرف أعوان مصالح الأمن. ولقد استقر الفقه و القضاء الإداريين على مبدأ عدم مسؤولية الدولة عن نشاط مرفق الشرطة كقاعدة عامة و لم تنتف مسؤوليتها الخطئية إلا في 10/01/1905 بمناسبة قضية ” Tomaso – Gricco” ( وتتلخص وقائع القضية في إصابة هذا الأخير بجروح أثناء مطاردة رجال الدرك لثور هائج في إحدى الأحياء التونسية فرفض مجلس الدولة طلبه على أساس انه لم يثبت أن الطلقة التي أصابته صادرة عن الدرك ، ولا ما يثبت أن الحادثة تعود إلى خطأ مصلحي ) وذلك على أساس الخطأ الجسيم ، ثم وقع في تاريخ لاحق التمييز بين النشاط الإداري المرفقي وأسست فيه المسؤولية على أساس الخطأ البسيط ، والعمل المادي التنفيذي وأسست فيه المسؤولية على أساس الخطأ الجسيم . بعد ذلك وفي إطار العمل المادي التنفيذي فرق القضاء بين حالتين وهما:
أ – حالة عدم استعمال السلاح : أقيمت المسؤولية في هذه الحالة على أساس الخطأ الجسيم .
ب- حالة استعمال السلاح : ميز في هذه الحالة بينما إذا كانت الضحية مقصودة أو غير مقصودة . ففي الحالة الأولى يشترط القضاء الإداري لترتيب مسؤولية مصالح الشرطة الخطأ البسيط ( قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 27 /07/1951 في قضية ” Aubergé et Dumant ” ) .
أما في الحالة الثانية، فتؤسس مسؤولية مصالح الشرطة على أساس المخاطر.
حيث أنه في عام 1949 حدث تحول هام في قضاء مجلس الدولة عندما قرر مسؤولية الدولة عن استعمال الشرطة للأسلحة الخطيرة دون اشتراط الخطأ ، ويتعلق الأمر بقضية ” Lecomte ” .التي تعود وقائعها إلى تاريخ 10/02/1945 عندما كان أعوان الأمن العمومي في باريس مكلفين بإيقاف سيارة
مشبوهة رغم استعمال إشارة التوقف ثم الصفارة فإن السيارة تخرق الموقف مما أدى إلى إطلاق النار باتجاه أسفل السيارة من طرف أحد رجال الشرطة ، فأصابت السيد ” Lecomte ” الذي كان جالسا إلى جانب السائق فأرداه قتيلا . فأقر مجلس الدولة الفرنسي المسؤولية دون اشتراط الخطأ لأول مرة ذلك لوجود مخاطر استثنائية ليس في هذه القضية فقط بل وأيضا في قضيتين متشابهتين وهما: Franquette و Dramy .
إن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا اتخذت موقفا خاصا في قضية وزير الداخلية ضد السيد “سماتي نبيل” في قرارها بتاريخ 25/06/1976 تتلخص وقائعها في أن مصالح الشرطة أوقفت السيد سماتي الذي كان يحمل محلق وعلبة حبوب ممنوعة، وبعد تسليمه لمصالح الأمن بالجزائر لاستنطاقه نقل في نفس العشية إلى المستشفى الجامعي لعلاج جروح في عينه نتيجة سقوطه داخل محافظة الشرطة .
فأقرت المحكمة العليا بعد رفع الضحية دعوى تعويض أن مصالح الشرطة مسؤولة على أساس الخطأ المرفقي الناجم عن تهاون رجال الشرطة ( سوء سير المرفق ) بدل من القاعدة المطبقة في هذه الحالة و هي اشتراط الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية مصالح الشرطة عن نشاطها المادي التنفيذي بدون استعمال السلاح.
غير أن هناك موقف آخر للاجتهاد القضائي الجزائري يساير اجتهاد Le comte في قضية وزارة الداخلية ضد السيدة( ل.م).

حيث تعود وقائع القضية في أنه بتاريخ 15/09/1970 أثناء قيام رجال الشرطة بعملية إلقاء القبض على أحد المجرمين في مدينة البليدة أصيب السيد ب.م برصاصة ضائعة و هو واقف أمام دكانه و توفي على إثر ذلك. فرفعت أرملة المرحوم دعوى تعويض ، فصرحت الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي بمسؤولية الدولة على أساس الخطأ، لكن المحكمة العليا عند استئناف الحكم أقامت المسؤولية على أساس المخاطر و ليس على أساس الخطأ. حيث جاء في حيثيات القرار ما يلي:
” حيث أنه إذا كانت مسؤولية مصالح الأمن لا يمكن أن تقام إلا أساس الخطأ الجسيم فإن مسؤولية الدولة قائمة دون وجود أي خطأ عندما تستعمل مصالح الأمن أسلحة نارية قد تشكل مخاطر خاصة بالنسبة للأشخاص و الأموال تتجاوز الأضرار الناجمة عنها، الحدود العادية التي يمكن تحملها…” .
كما أقر مجلس الدولة الجزائري في 01/02/1999 بمسؤولية مصالح الشرطة في قضية المديرية العامة للأمن الوطني ضد أرملة لشاني ومن معها.
حيث أن وقائع القضية تتمثل في أن الشرطي أسندت له مهمة الحراسة بلباس مدني بمستودع ميترو الجزائر وكان حائزا على سلاحه الناري الخاص بعمله، غير أنه أهمل منصبه و ذهب لشراء ” محارق” و قد استعمل سلاحه الناري الخاص بالخدمة ضد المدعو لشاني نور الدين مصيبا إياه بجروح خطيرة أدت إلى وفاته، فرفعت أرملة المرحوم دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر ضد المديرية العامة للأمن الوطني طالبة التعويض، فأصدرت قرارا يقضي بمسؤولية المديرية و ألزمتها بدفع التعويض .
و بعد استئناف المديرية للقرار أمام مجلس الدولة الذي قضى بتأييده مؤسسا قضاءه على المادة 136 من القانون المدني.
ما يلاحظ على قرار مجلس الدولة أنه في قضاءه بتأييد القرار من جعل المسؤولية قائمة على عاتق المديرية العامة للأمن الوطني يكون منصفا للمدعية ، غير أن اللجوء إلى قواعد القانون المدني في تأسيس المسؤولية غير مستساغ لأن قواعد القانون مبنية على أساس مبدأ المساواة، في حين أن نشاط الإدارة يتميز بعلاقات قانونية غير متساوية.
فمسؤولية مصالح الشرطة هي قائمة على أساس استعمال أسلحة خطيرة و ليس على خطأ الشرطي، فالطرف المدني لا يثبت الخطأ بل واقعة استعمال السلاح الناري التابع لمصالح الشرطة والضرر الواقع و العلاقة السببية المؤثرة بينهما.
فالمسؤولية هنا على أساس السلاح الناري و أن دفع المديرية بأن الشرطي كانت له وقت الحادثة السيطرة الكاملة على سلاحه الناري و أنه لم يكن في الخدمة مردود عليه من جهتين:
– السلاح الناري سلم إليه بسبب وظيفته، و على الإدارة التأكد من كونه لن يستعمل سلاحه في إحداث ضرر بالغير لكون السلاح الناري يمتاز بالخطورة.
-الشرطي استعمل سلاحه الناري بمناسبة وظيفته أي لو لا وظيفته كشرطي لما استعمل ذلك السلاح وبعبارة أخرى وظيفته سهلت له ارتكاب الجريمة. ويشترط لتطبيق المسؤولية بدون خطأ و على أساس استعمال السلاح الناري أو السلاح الخطير توافر ثلاثة شروط وهي:
– استعمال أسلحة أو آلات ذات مخاطر استثنائية للأشخاص و الأموال.
– أن تكون الأضرار نتيجة ذلك الإستعمال.
– أن تكون تلك الأضرار متميزة في جسامتها و تتجاوز المساوي العادية الناتجة عن وجود مصالح الشرطة.
و في آخر المطاف، فإن المسؤولية أساسها نظرية المخاطر و لا علاقة لقواعد القانون المدني، و على الأخص الأحكام المتعلقة بالتابع و المتبوع .
كما يقول محافظ الدولة “باربي”: “نظن بأن استعمال السلاح من طرف الأعوان المكلفين بحفظ الأمن يجعل الخواص عرضة لمخاطر غير عادية، و التي تفتح لهم الحق في التعويض إذا تحققت تلك المخاطر.”
فيكفي إذن لتقوم مسؤولية المديرية العامة للشرطة أن يكون هناك سلاحا ناريا، و أن ينتج الضرر عن استعمال ذلك السلاح دون التفكير في وجود خطأ أم لا ما دامت الإدارة هي التي منحت السلاح للشرطي، فأساس المسؤولية هو المخاطر أو خطورة السلاح.
II – حالة الأخطار الناجمة عن المشاركة الظرفية في المرافق العامة(المجانية):
نشير في البداية إلى أنه بالنسبة للأعوان الدائمين التابعين للإدارة و الذين كانوا ضحايا عملهم ، فإن مجلس الدولة أقام المسؤولية في بداية الأمر على أساس المخاطر، لكن قراره هذا عرف تراجعا و لم تكن له فائدة أو أهمية ابتداءا من صدور النصوص المتعلقة بإصابات العمل و الأمراض المهنية، و قد صدرت هذه القوانين الإجتماعية في الجزائر سنة 1983 .
أما بالنسبة للمتعاونين غير الدائمين أو كانوا من الغير و قدموا مساعدتهم مجانا، فإن مجلس الدولة وسع تدريجيا من مفهوم المعاون في علاقته مع المرفق، فبعد أن كان يشترط فيه أن يكون مقبولا من الإدارة صار مطلوبا، ثم قبلت مشاركته الفجائية و نظر إلى حالة الاستعجال نظرة مرنة.
و من أمثلة ذلك المساعدة المجانية في الحفلات المحلية، إنجاد غريق. و أقيمت المسؤولية على أساس المخاطر ، لكن و نظرا للتعويض الكبير من المصالح الإدارية و الهيئات اللامركزية اقترح البعض أن يكون التعويض على حساب الدولة بدلا من مالية الهيئات المحلية .
و كأمثلة في القوانين عن تطبيقات المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر:
– المسؤولية عن مخاطر الكوارث الطبيعية : I
الكارثة الطبيعية فجائية – أي غير متوقعة – وطبيعية أي أن الإنسان لا دخل ولا يد له ، فما دخل مسؤولية الإنسان فيها؟ علما أن المسؤولية الإدارية هي مسؤولية إنسانية لأن الإدارة باعتبارها شخصا معنويا يباشر نشاطها الأعوان الإداريين لصالحها وباسمها .
إن التطور العلمي الذي تعرفه البشرية وسع من تدخل الإنسان في الطبيعة وسيطرته عليها ، فأصبح يغير من جغرافيتها ومحيطها ليستقر ويضمن أمنه ، فإذا لم يكن بإمكاننا استبعاد مسؤولية الإنسان في بعض الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات وانزلاق الأراضي والأعاصير والبراكين فإن هذه المسؤولية تظهر أكثر في مجموعة أخرى من الكوارث والتي تحدث أساسا بفعل الإنسان كانهيار عقارات وانفلات مياه السد ، الحوادث النووية انهيار منجم … الخ . فالإنسان بإنشائه لهذه المنشآت يكون قد أنشأ مخاطر جديدة ومحتملة فهو في هذه الحالة إما يساهم في حدوث تلك الكوارث أو يتسبب مباشرة فيها ولهذا فإن المسؤولية غالبا ما تكون على أساس المخاطر إلا أنها أحيانا تكون على أساس الخطأ وهذا ما سنراه فيما يلي:
1 _ تأسيس مسؤولية الدولة على أساس المخاطر: ومن أمثلة ذلك:
_ المرسوم رقم 25_81 المؤرخ في 28 فيفري 1981 والمتضمن تأسيس لجنة لتعويض ضحايا الشلف ، والذي تم بموجبه تعويض العائلات المنكوبة علي إثر زلزال أكتوبر 1981
_ المادة 202 من القانون رقم 20_ 87 المؤرخ في 23 ديسمبر 1987 والمتضمن قانون المالية لسنة 1988 ، التي تم بموجبها إنشاء صندوق الضمان ضد الكوارث الفلاحية والمرسوم التنفيذي رقم 158_ 90 المؤرخ في 26 ماي 1990 المحدد لكيفيات تطبيقها .
ففي هذه الحالات نحن أمام مسؤولية غير خطئية باعتبار أننا أمام قوة قاهرة بأتم معنى الكلمة إذ يتعلق الأمر بحادث طبيعي خارجي لا يد للإنسان فيه ، كما لا يمكن دفعه أو توقعه وفي القانون المقارنة نجد في التشريع الفرنسي عدة قوانين في هذا المجال نذكر منها :
– قانون 10جويلية 1964 الذي يؤسس نظام الضمان ضد الكوارث الفلاحية .
– قانون 31ديسمبر 1959 لتعويض ضحايا انفلات سد ” Malpasset” .
– قانون 21 ديسمبر 1960 لتعويض ضحايا فيضانات 1960 .
وهذه المسؤوليات جميعها يتم تأسيسها في إطار نظرية المخاطر اعتبارا لحجم الضحايا ومأساة النتائج التي تخلفها مثل هذه الكوارث والتي تفرض على المجتمع كله مجابهة هذه المخاطر الاجتماعية التي تطغى على كل خطأ ، وفكرة التضامن هذه يضمنها الدستور الجزائري في نهاية مقدمته حيث أشار إلى محافظة الشعب على تقاليده في التضامن ، فهناك تداخل بين فكرتي التضامن والمخاطر في تأسيس هذه المسؤولية .
ونشير إلى أنه في الجزائر وبعد الزلزال الرهيب الذي ضرب منطقة الجزائر العاصمة وضواحيها صدر الأمر 03 -12 المؤرخ في 26 غشت 2022 الذي ينص على إلزامية التأمين على الكوارث الطبيعية وتعويض الضحايا، فكل مالك لملك عقاري عليه أن يكتتب عقد التأمين لضمانه من أثار الكوارث الطبيعية ، وتتولى شركات التأمين تغطية الآثار الناجمة عن الكوارث الطبيعية التي عرفتها المادة 02 منه على أنها ” كل حادث طبيعي ذي شدة غير عادية … ” كما نصت المادة 13 منه على أنه ” لا يمكن لأي شخص طبيعي أو معنوي لم يمتثل لهذا الالتزام أن يستفيد من أي تعويض للأضرار التي تلحق بممتلكاته جراء كارثة طبيعية ” وهذا معناه
أن الدولة لم تعد مسؤولة عن تعويض الأضرار المادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية، أما الأضرار الأخرى فلا تزال الدولة تتكفل بها.
2 – تأسيس هذه المسؤولية على أساس الخطأ:
إن كان الأصل هو تأسيس المسؤولية في مجال الكوارث الطبيعية على أساس المخاطر فإنه أحيانا يؤسسها القانون أو القضاء على أساس الخطأ، ومن أمثلة ذلك نجد المادة 140 من قانون البلدية التي تنص على أنه ” في حالة وقوع كارثة أو نكبة أو حريق فلا تتحمل البلدية أية مسؤولية تجاه الدولة والمواطنين إلا عندما تتخلى عن أخذ الإحتياطات المفوضة إليها بمقتضى القوانين والتنظيمات ” هذه الإحتياطات نصت عليها المادة 71 من نفس القانون ضمن صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي .
وفي هذا الصدد دائما نجد المحكمة العليا في إحدى قراراتها تقيم مسؤولية الدولة على أساس عدم أخذ الاحتياطيات اللازمة والتي نصت عليها المادة 75 من قانون الولاية القديم وكذا المادة 76 من قانون المياه،
وقد جاء في منطوق هذا القرار ” متى كان من المقرر قانونا أن الدولة تقوم على مستوى الشبكة الهيدروغرافية بإنجاز منشأة التنظيم والتعديل والمعايرة والحجز وتسوية المرتفعات الخاصة بالفيض قصد حماية الاقتصاد الوطني والأشخاص وممتلكاتهم من مخاطر الأضرار التي تحدثها المياه ومن ثم فإن حدوث فيضانات أدت إلى خسائر
ادية دون أن تقوم بمنعها أو على الأقل بتوقعها والعمل على تجنبها بجميع أشغال الصرف الضرورية، لا يعد قوة قاهرة ويجعل مسؤولية الإدارة قائمة ” .
II- مسؤولية الدولة عن الأعمال الإرهابية :
لمدة طويلة كان مصير ضحايا الأعمال الإرهابية مهمشا باعتبار أن مجلس الدولة الفرنسي كان يرفض الاعتراف بمسؤولية الدولة بدون خطا، فكان يشترط أن يكون هناك خطا جسيم مادام أن ذلك يتعلق بالنشاط المادي لمصالح الأمن . ففي قضية ” yener ” على سبيل المثال والتي تمثلت وقائعها في اغتيال سفير تركيا بفرنسا وهذا وسط مدينة باريس ، فإن الاعتراف بمسؤولية الدولة في هذه القضية كان على أساس الخطأ الجسيم بسبب عدم الاحتياط ضد الهجمات و الاعتداءات ، وعدم كفاية تدابير الأمن لحماية أعضاء بعث دبلوماسية وبقي الأمر على حاله إلى حين صدور القانون المتعلق بمحاربة الإرهاب والمساس بأمن الدولة المؤرخ في 09 سبتمبر 1986 والمعدل في 06 جويلية1990 الذي نص على إنشاء صندوق تضامن Unfond de Garantie
الذي يتكفل بتعويض ضحايا الأعمال الإرهابية المرتكبة على الأراضي الفرنسية وكذا الأشخاص من جنسية فرنسية المتضررين خارج التراب الفرنسي من جراء نفس الأعمال وهذا فيما يخص الأضرار الجسدية بينما تتكفل شركات التأمين بتغطية الأضرار اللاحقة بالممتلكات من جراء هذه الأعمال .
أما في الجزائر فأول نص صدر في هذا المجال هو المادة 145 من قانون المالية لسنة 1993 ، والمرسوم التنفيذي رقم 93-181 المؤرخ في 19 يناير 1993 ، المحدد لكيفيات تطبيق أحكام هذه المادة أين تم إنشاء صندوق خاص بتعويض ضحايا الإرهاب الذي يتكفل بتعويض ذوي حقوق الضحايا المتوفين وكذا الأضرار
الجسدية والمادية ، أما فيما يخص بعض الفئات كموظفي مصالح الأمن والمستخدمين العسكريين والأشخاص المنتمين إلى فئات الموظفين والأعوان العموميين ضحايا الإرهاب بسبب نشاطاتهم المهنية فإنهم يتقاضون معاشات خدمة وتعويضات أخرى من ميزانية الدولة بالإضافة إلى المرسوم التنفيذي رقم 99-47 المؤرخ في 13 فبراير 1993 والذي يعرف ضحية عمل إرهابي على أنه” كل شخص تعرض لعمل ارتكبه إرهابي أو جماعة إرهابية يؤدي إلى الوفاة أو إلى أضرار جسدية أو مادية” والذي تضمن تعويض الناجين من الاغتيالات الجماعية في شكل مساعدات مالية بالإضافة إلى تدابير مطبقة لصالح عائلات ضحايا الاختطاف كما أضاف الأطفال المكفولين ضمن ذوي الحقوق ووسع من دائرة الضحايا بحيث أضاف ضحايا الحوادث الواقعة في إطار مكافحة الإرهاب بالنسبة للأضرار الواقعة بمناسبة القيام بإحدى مهمات مصالح الأمن .
/06/2000 تحت رقم 405 ، الذي قضى بإلزام والي ولاية بجاية بأن يدفع للمدعين مبلغ مالي كمنحة إلى حين سقوطها ومراجعتها قانونا باعتباره تعرض لطلقات نارية بالمكان المسمى آيت شتلة صادر عن عناصر دورية المكلفة بمراقبة إقليم سيدي عيش في إطار مكافحة الإرهاب .
III- نظام مسؤولية البلدية عن التجمهر والتجمعات :
لقد كان التعويض عن الأضرار الناجمة عن التجمهر والتجمعات في فرنسا يخضع إلى نظام تشريعي خاص منذ الثورة الفرنسية في 1789 خاصة بعد المشابكات التي وقعت خلالها وما نتج عنها من أضرار إذ كان يتحمل عبء تعويضها سكان البلدية باعتبارهم المتسببين في الفوضى الواقعة ، وبالتالي فإن عبء التعويض لم
يكن يقع علي ميزانية البلدية بل على سكانها الذين يتحملون دفع غرامة للخزينة إلى جانب التعويض والذين لم يكن بإمكانهم نفي مسؤوليتهم إلا إذا أثبتوا أن التجمهر جاء من خارج البلدية .
وقد غير هذا النظام بالقانون الولائي الصادر في 05/04/1884 الذي جعل مسؤولية البلدية تقوم على أساس الخطأ المفترض المسند إلى الشرطة الولائية ولم يكن بإمكان البلدية نفي مسؤوليتها إلا أثبتت أنها اتخذت كافة الإحتياطات للحفاظ على الأمن العام، إلا أن عبء التعويض بقي على عاتق سكانها وبالتالي إذا كانت الضحية من سكان البلدية فإنها تتحمل دفع الضريبة المخصصة للتعويض عن أضرار هذه التجمهرات أو التجمعات، وبقي الأمر كذلك إلى غاية صدور قانون 16/04/1914 الذي جاء بنظام جديد مفاده أن البلدية مسؤولة مدنبا عن الأضرار الناجمة عن الجنايات والجنح المرتكبة خلال التجمهرات المسلحة أو غير المسلحة المقامة في إقليمها تجاه الأشخاص والأموال العامة أو الخاصة، وفي حالة ما إذا كانت هذه التجمهرات أو التجمعات مشكلة من سكان عدة بلديات فإن كل واحدة منها تكون مسؤولة بالقدر الذي يحدده القاضي، كما أن عبء التعويض كان يقع على البلدية والدولة معا وكان بإمكانها الرجوع على المتسببين في هذه الأضرار، وتجدر الإشارة إلى أن اختصاص النظر في مسؤولية البلدية كان يؤول إلي القاضي العادي بفرنسا وذلك إلى غاية صدور قانون البلدية في 09/01/1986 كما أنه بصدور قانون 07/01/1983 أصبحت الدولة الفرنسية مسؤولة مدنيا ولوحدها عن أضرار التجمهر مع إمكانية ممارسة دعوى الرجوع ضد البلدية في حالة ثبوت قيام مسؤولية هذه الأخيرة .
في الجزائر كرست المادة 139 من قانون البلدية مسؤوليتها عن التجمهر والتجمعات إذ نصت على ” تكون البلدية مسؤولة مدنيا عن الخسائر والأضرار الناجمة عن الجنايات والجنح المرتكبة بالقوة العلنية أو بالعنف غي

ترابها فتصيب الأشخاص أو الأموال أو خلال التجمهرات والتجمعات على أن البلدية ليست مسؤولة عن الإتلاف والأضرار الناجمة عن الحرب أو عندما يساهم المتضررون في إحداثها”.
عند استقراء المادة نلاحظ أن هناك جملة من الشروط الواجب توافرها حتى تترتب مسؤولية البلدية يمكن حصرها في :
– أن ينتج العمل الضار عن تجمهر أو تجمع وبالتالي تستبعد الأعمال الانفرادية إذ أن تزاحم مجموعة من الأشخاص لا بكفي لتطبيق النص، في حين أنه يمكن أن يطبق في حالة تجمع مجموعة من المضربين إذا نتج عنه أضرار إذ لا يشترط طابع العصيان ضد النظام القائم .
والجدير بالذكر أن المادة 139 لم تحدد إن كانت هذه التجمعات أو التجمهرات مسلحة أو غير مسلحة عكس ما هو الحال في قانون البلدية الفرنسي .
– استعمال القوة العلنية والعنف أثناء التجمهرات في ارتكاب الجنايات والجنح خلالها .
– أن يقع الفعل الضار في تراب البلدية ونظرا لعدم وجود نص قانوني يحدد بدقة مفهوم تراب البلدية فإنه يبقى أن نعتمد على ما هو جاري العمل به في القضاء الفرنسي والذي قصد بها الطرق والساحات العمومية إلا أنه تم توسيع مجال تطبيق المادة 131 _1 من قانون البلدية الفرنسي إذ أصبح تراب البلدية يضم حتى الممتلكات الخاصة إذا وقعت بها أعمال العنف بسبب التجمهر والتجمعات .
-فيما يخص صفة مرتكب الضرر فإن القضاء الفرنسي عالج المسألة تحت منظار واسع إذا لم يشترط أن ترتكب أعمال العنف من أحد المشاركين في التجمهر أو التجمع فقط بل جعل مسؤولية البلدية تقوم بناءا على أعمال العنف التي يمارسها رجال الشرطة لتهدئة الوضع.
– فيما يخص صفة الضحية ،فإنه حسب المادة 139 فإن البلدية لا تكون مسؤولة عن الأضرار التي لحقت بالضحية المشاركة في التجمهر ،وينبغي التمييز بين المشارك وغير المشارك جد صعب على عكس القانون الفرنسي الذي يمنح المشارك المتضرر التعويض عما لحقه جراء التجمهر أو التجمع .
وتجدر الملاحظة أنه طبقا لهذه المادة فإن البلدية هي المسؤولة الوحيدة عن الأضرار الناجمة عن التجمهر أو التجمع ، رغم أن المادة 142 من نفس القانون تثير بعض اللبس بقولها :” للدولة أو البلديات المصرح بمسؤوليتها حق الرجوع على المتسببين أو المشتركين في إحداث الأضرار .” لكن لا يرقى المر إلى حد التصريح بمسؤوليتها بصفة قطعية عكس ما كان الحال عليه في ظل قانون البلدية القديم الأمر رقم 24-67 المؤرخ في 18/01/1967 حيث كانت مساهمة الدولة في تعويض الأضرار تساوي النصف .
أما إذا كانت التجمهرات أو التجمعات مكونة من سكان عدة بلديات فإن كل واحدة منها تكون مسؤولة عن الخسائر أو الأضرار الناجمة ، وذلك حسب النسبة التي تحددها الجهة القضائية المختصة وهي الجهة الإدارية طبعا .
وقد صدر قرار عن مجلس الدولة بخصوص مسؤولية البلدية عن التجمهرات والتجمعات باعتبارها مخاطر اجتماعية بتاريخ 26/07/1999 في قضية بلدية حاسي بحبح ضد (ج . ع ) ومن معه إذ قضى مجلس الدولة بتأييد القرار المستأنف الصادر عن مجلس قضاء الجلفة والذي قرر مسؤولية بلدية حاسي بحبح على أساس المادة 139 بشأن طلقة نارية تعرض لها طفل قاصر بمناسبة الاحتفال بفوز السيد اليامين زروال ، رغم أن البلدية دفعت بكون المظاهرات غير مرخص بها أنها قامت باحترام أحكام الماد ة 140 المتعلقة باتخاذ كافة الإحتياطات المفروضة عليها ،وذلك لأن المادة 139 لم تشترط أن تكون التجمعات أو التجمهرات مرخصا

بها حتى تكون البلدية مسؤولة، محل الدفع تتعلق بحالة وقوع نكبة أو حريق وليس بحالة وقوع جرائم بالعنف أو بالقوة العلنية أو في حالة التجمهر أو التجمع .
وفي مجلس قضاء بجاية نجد أن الغرفة الإدارية حملت بقرارها الصادر بتاريخ10/06/2003 تحت رقم فهرسة 500-2003 بلدية القصر المسؤولية عن الأضرار المادية التي لحقت بالمدعي ( د ع م ) بأثاث منزله إثر العمال التخريبية التي جرت بالبلدية .
IV – مسؤولية الدولة عن السيارات التابعة لها :
فيما يخص مسؤولية الدولة عن السيارات التابعة لها نجد المادة الأولى من الأمر 74-15 تنص على إلزامية التأمين على المركبات لتغطية الأضرار التي تسببها هذه الأخيرة للغير ، وفي المادة الثانية من نفس الأمر أعفيت
الدولة من هذا التأمين غير أنه يقع عليها التزامات المؤمن بالنسبة للمركبات التي تملكها أو الموجودة في حراستها وبهذا فهي ملومة بتعويض ضحايا حوادث المركبات التابعة لها ، ويعود الاختصاص ويعود الاختصاص في تقدير ومنح هذا التعويض إلى القضاء العادي وهذا تطبيقا لما جاء في نص المادة 07 مكرر من قانون الإجراءات المدنية والتي تنص على :” خلافا لأحكام المادة 07 تكون من اختصاص :
1- المحاكم :
2- – المنازعات المتعلقة بكل دعوى خاصة بالمسؤولية والرامية لطلب تعويض الأضرار الناجمة عن سيارة تابعة للدولة أو لإحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري ………. ”

بعد أن وجد تنازع بين الغرفة الإدارية والغرفة الجزائية بالمجلس الأعلى حول هذا الاختصاص حيث اعتمدت الأولى على نص المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية الذي يخول لها الاختصاص للنظر في الدعاوى التي تكون الدولة والبلدية والولاية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري طرفا فيها ، في حين اعتمدت الثانية على المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص على : ” يجوز مباشرة الدعوى المدنية مع الدعوى العامة في وقت واحد أمام الجهة القضائية نفسها .
وتكون مقبولة أيا كان الشخص المدني أو المعنوي المعتبر مسؤولا مدنيا عن الضرر.
وكذلك الحال بالنسبة للدولة، والولاية، والبلدية أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري في حالة ما إذا كانت غاية دعوى المسؤولية ترمي إلى التعويض عن ضرر تسببه مركبة.
المطلب الثاني: المسؤولية الإدارية على أساس مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة
تهتم نظرية المساواة أمام الأعباء العامة أساسا بالضرورة وتركز على إصلاحه دون أنى اهتمام بالخطأ أو المخاطر الذين يعتبران حسب وجهة نظر بعض أنصار النظرية مجرد شروط لقيام المسؤولية وليس أساسا لها فحسب الأستاذ ” Delaubadere ” لا يمكن أن ينسب الخطأ في مجال القانون الإداري إلى الإدارة مباشرة. فالخطأ يرتكب من قبل موظفين مجهولين و تتحمل المسؤولية ذمة مالية أخرى غير ذمة مرتكب الخطأ و هو ما يبين أن الخطأ ليس سوى شرط من شروط قيام المسؤولية و ليس أساسا لها.
كذلك فكرة المخاطر فهي لا تتعلق بتأسيس المسؤولية و إنما بالتوازن فقط بين المغانم و المغارم .
إن مبدأ المساواة حسب هذا التحليل هو في حقيقته أساس عام و وحيد للمسؤولية الإدارية و يتطلب تعميمها، فكلما حصل ضرر كلما كان هناك مساس بمبدأ المساواة .
إن مبادئ العدل و الإنصاف تقتضي أن لا يتحمل أي فرد بسبب أضرار الإدارة أعباء إضافية أكثر من الآخرين ، و لذلك ينبغي أن تعوض الدولة – و هي الفاعل غير المباشر- ضحايا هذه الأضرار .
ا لقضاء طبق هذا المبدأ في حالتين و هما مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية و المسؤولية الإدارية بسبب نصوص قانونية و هو ما سنتعرض إليه .
الفرع الأول : مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية
نصت المادة 145 من دستور 1996 م الجزائري على أنه :
“على كل أجهزة الدولة المختصة أن تقوم في كل وقت و في كل مكان و في جميع الظروف بتنفيذ أحكام القضاء.” كما نصت المادة 324 من قانون الإجراءات المدنية على أن :

“جميع الأحكام قابلة للتنفيذ في كل أنحاء أراضي الجمهورية .و لأجل التنفيذ الجبري للأحكام و القرارات يطلب قضاة النيابة العامة مباشرة استعمال القوة العمومية ، و يشعر الوالي بذلك و عندما يكون التنفيذ من شأنه الإخلال بالنظام العام إلى درجة الخطورة ، يمكن للوالي و بطلب مسبب يقدمه في أجل ثلاثين (30) يوما من تاريخ إشعاره أن يلتمس التوقيف المؤقت لمدة أقصاها ثلاثة (3) أشهر.”
و حسنا فعل المشرع عند تعديله لهذه المادة خاصة الفقرة الثالثة منها بموجب قانون رقم 01-05 المؤرخ في : 22/05/2001 المعدل و المتمم للأمر 66/154 المتضمن قانون الإجراءات المدنية بتقييده لحق الوالي في الاعتراض على تنفيذ الحكم القضائي المشعر به إذا كان تنفيذه يشكل إخلال جسيم بالنظام العام .
إذن القاعدة العامة هي أن الأحكام و القرارات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي فيه واجبة النفاذ و يقع على السلطة العامة واجب مد يد العون و القوة العمومية لمساعدة الجهات المعنية على تنفيذها.
و عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية قد يكون بدون مبرر و هنا تكون الإدارة قد أخلت بالتزامها و هو ما يشكل خطأ جسيم يستوجب مسؤوليتها ، و قد يكون بمبرر ، و هنا يكون للمضرور حق في التعويض جراء ما لحقه من أضرار على أساس المسؤولية بدون خطأ و الامتناع يكون في حالتين :
I– حالة رفض الإدارة تنفيذ قرار قضائي صادر ضدها :
غالبا ما ترفض الإدارة تنفيذ القرارات القضائية الصادرة ضدها و هي إشكالية تخص المنازعات الإدارية ذلك أنه في المنازعات العادية نجد جزاءات لعدم التنفيذ من طرف الأفراد كالحجز مثلا .
و لقد أبعدت هذه الجزاءات عن الإدارة لعدم إمكانية الحجز على المال العام ( أموال الإدارة ) أو التصرف فيه أو تملكه بالتقادم ( المادة 689 من القانون المدني ).
و في هذه الحالة أي رفض الإدارة تنفيذ قرار قضائي صادر ضدها نميز بين القرارات المتعلقة بدعوى تجاوز السلطة و تلك المتعلقة بدعوى التعويض .
– مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ القرارات القضائية المتعلقة بدعوى الإلغاء :1
تتوقف سلطة القاضي الإداري في دعوى الإلغاء عند حد النطق بإلغاء القرار الإداري غير المشروع ، فإذا رفضت الإدارة تنفيذ قرار قضائي لصالح من حكم له فعليه أن يرفع دعوى قضائية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء عدم التنفيذ لأن ذلك يعتبر مخالفة للقانون و يرتب مسؤولية الإدارة .
2- مسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ قرار قضائي المتعلقة بدعوى التعويض:
نظم المشرع الجزائري كيفيات التعويض بموجب الأمر 75-48 الملغى بموجب القانون رقم 91-02 المؤرخ في 18-01-1991م الذي يحدد القواعد الخاصة المطبقة على بعض أحكام القضاء .
نصت المادة (5) علما أن القرارات القضائية هي المتعلقة فقط بالتعويض بتوفر شرطان و هما:
أ‌- أن تكون القرارت نهائية .
ب‌- أن يحدد المبلغ المحكوم به على الإدارة .
كما نصت المواد من 6 إلى 10 على إجراءات و كيفيات المطالبة بالتعويض عن طريق الخزينة العمومية.
II- حالة رفض الإدارة تنفيذ قرار قضائي صادر لفائدة شخص آخر غير الأشخاص المعنوية العامة :
اعتبر الفقه رفض الإدارة تنفيذ أو منح يد المساعدة من أجل تنفيذ قرار أو حكم نهائي لفائدة فرد ضد آخر يعد خرقا لمبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة و يرتب مسؤوليتها عن تعويض الأضرار اللاحقة بالمدعي صاحب الحكم أو القرار على أساس هذا المبدأ.
أما القضاء ، فإن أول قرار قضائي وضع مبدأ مسؤولية الإدارة بسبب الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء من خلال قرار كوتياس Couiteas اليوناني الأصل و تتلخص وقائع القضية في أنه بتاريخ
13/02/1908 أقرت محكمة سوسة التونسية حق السيد “كوتياس ” في ملكية قطعة أرض اكتسبها من الدولة ، لكن الحكومة الفرنسية رفضت منح القوة المسلحة لتنفيذ الحكم و طرد القبيلة التونسية الحائزة للأرض منذ مدة من الزمن و الرافضة للخروج منها ، و ذلك بحجة الحفاظ على النظام العام.
أقر مجلس الدولة الفرنسي شرعية الامتناع عن التنفيذ في هذه القضية كون الحكومة لم تستعمل سوى صلاحياتها في الحفاظ على النظام و الأمن العموميين .
و في نفس الوقت أقر حق المدعي “كويتاس” في التعويض عن الأضرار اللاحقة به جراء عدم تمكنه من تنفيذ الحكم الصادر لمصلحته ، لأن هذه الأضرار لا يمكن اعتبارها من تلك الأعباء التي يتحملها المدعي بصفة عادية .
بمعنى أن مجلس الدولة منح التعويض للسيد” كويتاس” تجسيدا لمبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة.
و لقد أخذت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا بنفس الحل الذي توصل إليه القضاء الفرنسي ، فأقرت بمسؤولية الإدارة عن عدم تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية، و مثال قراراتها تلك الصادرة في قضية “بوشــــباط و سعيدي” بتاريخ 20/01/1979، و التي تتلخص وقائعها في أن محكمة الجزائر أصدرت حكما يقضي بإلزام السيدين” قرومي” و “مراح” بدفعهما للمدعين بوشباط و سعيدي مبلغ مالي مقابل إيجار محل تجاري واقع على ملكيتهما ، و هو الحكم المصادق عليه من طرف المجلس، تقدم المدعيان لتنفيذ القرار ، لكن والي الجزائر تقدم برسالة اعتراض على التنفيذ ، حينها تظلم المدعيان أمام وزير العدل و وزير الداخلية ملتمسان تعويضهما عن الأضرار الناجمة بسبب اعتراض الوالي و امتناع عون التنفيذ ، إن هذا السكوت يعد بمثابة قرار بالرفض.
فرفع المعنين دعوى أمام الغرفة الإدارية بمجلس قضاء الجزائر ضد هذا القرار الضمني بالرفض ، فقضت بالرفض ، لذلك لجأ المعنيان إلى المحكمة العليا التي أقرت مسؤولية الدولة على أساس الخطأ الجسيم ، لأن الامتناع عن التنفيذ في هذه القضية لا يتعلق بدواعي النظام العام و لأن سلوكها يعتبر غير شرعي.
و في نفس الوقت ذكرت المحكمة العليا بمبدأ المسؤولية بدون خطأ عند الإمتناع عن التنفيذ بسبب ضرورات النظام العام مستعملة نفس العبارات التي استعملها القضاء الفرنسي خاصة في قرار “كوتياس” و القرارات اللاحقة له.
ملاحظـات هـامـة :
1- إذا تعلق الأمر بالامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء بسبب دواعي الحفاظ على النظام و الأمن العموميين ، فإن الإدارة تكون مسؤولة رغم أنها لم ترتكب أي خطأ. بمعنى أن المسؤولية هنا تقوم بدون خطأ. على عكس ما إذا كان امتناع الإدارة عن تنفيذ أحكام القضاء بعيدا عن مبدأ الحفاظ على النظام و الأمن العموميين و بل لأسباب أخرى ، فإن المسؤولية الإدارية هنا تكون على أساس الخطأ المرتكب من جانب الإدارة ، و هنا تخرج عن مجال المسؤولية الإدارية بدون خطأ .
و لقد نص المشرع الجزائري في المادة 138 مكرر من قانون العقوبات ( قانون 01/09 المؤرخ في 26 يونيو 2001) على ما يلي :
«كل موظف عمومي استعمل سلطة وظيفته لوقف تنفيذ حكم قضائي أو امتنع أو اعترض أو عرقل تنفيذه يعاقب بالحبس من ستة (6) أشهر إلى ثلاثة (3) سنوات و بغرامة من 5.000 دج إلى 50.000 دج »
و حسنا ما فعل المشرع في هذا التعديل ، إذ أضفى الطابع الجزائي على وقف أو امتناع أو اعتراض أو عرقلة تنفيذ حكم قضائي من طرف الموظف العمومي و قرر عقوبته بالحبس ، و هذا ما يجعل في رأينا نوعا ما من الصرامة في تنفيذ أحكام القضاء.
2- فيما يتعلق بمسؤولية الإدارة بسبب نصوص قانونية ، فإنه يجب التمييز بين مســؤولية هذه الأخيرة و مسؤولية الدولة عن أعمالها التشريعية حيث أن تقرير كلتا المسؤوليتين يقوم على نفس الأساس ألا و هو مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العامة .
و هو المبدأ الذي اتبعه مجلس الدولة الفرنسي في قضية شركة منتجات الحليب La fleurette و تتلخص وقائعها في أن قانون 09/06/1934 منع صناعة و بيع الكريمة الأمن الحليب الخالص . و من آثار هذا القانون أن توقفت شركة منتجات الحليب من صناعة نوع من الكريمة يدعى «La Gradine» كانت تنتجها من الحليب الخالص و زيت الفول السوداني و صفار البيض .
و من خـلال تنفيذها لهـذا القانون ظهر أنها هي الوحيدة التي توقف إنتاجها لهذا النوع من المنتوج ، مما جعلها ترفع دعوى من أجل طلب التعويض عن الأضرار غير العادية التي لحقت بها و الناجمة عن صدور هذا القانون.
إن مجلس الدولة في قراره الصادر في: 14/01/1938 بهذه المناسبة أقر بعدم وجود ما يسمح بأن المشرع قصد تحميل شركة “لا فلوريت” عبء غير عـادي لا في النص القانوني و لا في الأعمال التحضيرية و لا من ظروف القضية ، حيث أن هذا العبء الذي شرع لفائدة الجميع يجب أن يتحمله الجميع دون إستثناء .
من هنا، قبل مجلس الدولة منح الشركة المتضررة تعويضا على أساس مبدأ المساواة في تحمل الأعباء و التكاليف العـامة .
و عليه يتضح أنه و لقيام المسؤولية الإدارية بسبب نصوص تشريعية لابد من توافر شروط و تتمثل فيما يلي
1- عدم النص في التشريع على مبدأ عدم التعويض عن الأضرار الناجمة عن تنفيذه .
2- النص على منع نشاط غير مشروع .
3- أن يكون الضرر غير عـادي و خاص .
المسؤولية في القانون العام مثلها في القانون الخاص تستلزم توافر شروط حتى يمكن القول بقيامها،
و بالتالي حق المتضرر في الحصول على التعويض وهو ما سنتطرق إليه من خلال المبحثين الآتيين:
المبحث الأول: شروط قيام المسؤولية الإدارية:
حتى تقوم المسؤولية الإدارية فلا بد من ثلاث شروط أساسية : وجود الضرر، العلاقة السببية بين الفعل الضار و الضرر الناتج عنه، و إمكانية إسناد الضرر أو الفعل الضار الناتج عنه الضرر إلى شخص عمومي معين:
المطلب الأول : الضرر القابل للتعويض في إطار المسؤولية الإدارية (Le préjudice )
القاعدة ” لا مسؤولية و لا تعويض بدون ضرر” ، و حتى يكون الضرر قابلا للتعويض فلا بد من أن تتوفر فيه مجموعة من المميزات و المتمثلة في مميزات عامة تتعلق بالمسؤولية الإدارية سواء القائمة على خطأ أو بدون خطأ، و مميزات خاصة تنفرد بها المسؤولية الإدارية بدون خطأ:
الفرع الأول: المميزات العامة
I- الطابع المؤكد للضرر:
عرفه القضاء الإداري بأنه الضرر الحالي(Actuel)والضرر المقبل(Future)و استثنى الضرر المحتمل.
1 ـ الضرر الحالي: هو الضرر الذي يمكن للقاضي تقديره.
2 ـ الضرر المقبل: هو الضرر الممكن وقوعه لوجود مؤشرات تدل على ذلك، و هو يتميز بالطابع المؤكد في أساسه ، و من أمثلة هذا النوع :
– الطفل الذي سيعاني حتما في المستقبل من نقص في قدراته العملية نتيجة العجز الذي أصابه.

ـ قضيتي ” دبوز ” و ” بن قرين” للتعويض عن الضرر اللاحق بأولياء التلاميذ بسبب وفاة أولادهم في مؤسسات تربوية ، و قررت الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا أن الضررر اللاحق بالمدعين مؤكد حتى و إن لم
يكن حاليا، كما قررت أن هذا الضرر قابل للتعويض بحيث سيمنح أولياءهم مساعدة تقدم لهم في المستقبل
3 ـ الضرر المحتمل: استثنى القضاء الإداري هذا النوع من الضرر من التعويض، و من أمثلته قضـية ” زلاقين” ، حيث طلب إثرها المدعي تعويض ضرر ناجم عن إمتناع غير قانوني للإدارة فأجاب القاضي أن هذا الضرر له طابع إحتمالي، و بالتالي فهو لا يستحق التعويض
و يظهر الطابع المؤكد للضرر أيضا في حالة ” تفويت فرصة” بشرط أن تكون هامة و جدية و من أمثلتها:
ـ منع مترشح لمسابقة الوظيف العمومي من اجتياز الإمتحان، بطريقة غير شرعية يعتبر حالة تفويت فرصة يمكن منح التعويض على أساسها.
ـ كذلك حالة الخطأ في تشخيص المرض المسبب لعجز المريض، فلو كان التشخيص صحيحا كان يمكن تفادي العجز الذي أصيبت به الضحية.
و هو نفس ما سار عليه مجلس الدولة الجزائري في قراره الصادر بتاريخ 07/05/2001 قضية ( ل.أ) ضد رئيس بلدية حاسي بحبح، معتبرا أن الضرر الذي أصاب المستأنف هو تفويت فرصة له في الحصول على سكن آخر كونه كان ينتظر الحصول على المفاتيح منذ سنة 1995.
و مسألة الطابع المؤكد للضرر متروكة لسلطة قاضي الموضوع التقديرية حسب اتجاه مجلس الدولة الفرنسي من خلال قرار 26 نوفمبر 1993.
IIـ الطابع الشخصي للضرر:
يرتبط هذا الطابع بقاعدة الصفة و المصلحة في التقاضي طبقا لنص المادة 459 من قانون الإجراءات المدنية، و هذا الأمر لا يثير إشكالا إلا بالنسبة للضرر اللاحق بالأفراد:
1 ـ الضرر الذي يلحق الأموال:
يطرح هذا الطابع بالنسبة للأملاك العقارية و يحدد حسب العلاقة بين المال و المتضرر (المدعي):
ـ إذا كان الضرر يمس بجوهر العقار فالتعويض هنا يكون لمالك العقار فقط.
ـ أما إذا كان الضرر يمس بحق الإنتفاع فالطابع الشخصي هنا يرتبط بصاحب حق الإنتفاع سواءا كان المستأجر أو المنتفع و المالك في نفس الوقت.
2 ـ الضرر الذي يلحق الأفراد:
الإشكال هنا لا يطرح بالنسبة للضحية و إنما بالنسبة لذوي حقوقها، و هو ما أطلق عليه القضاء الإداري مصطلح ” الضرر المنعكس” ، كما طبق مبدأ عام ” الحق في التعويض ينتقل إلى الورثة” ، و هنا ميز بين حالتين:
ـ الحالة الأولى: إذا طالبت الضحية بالتعويض قبل وفاتها فهنا ينتقل هذا الحق إلى الورثة سواء كان الضرر ماديا أو معنويا.
ـ الحالة الثانية: إذا توفيت الضحية قبل طلب التعويض فلا يحق للورثة طلب التعويض عن الضرر المتعلق بالآلام الجسدية المتعلقة بالضحية دون غيرها.
● و تبعا لهذا تتأثر العلاقة التي تربط الضحية بذوي حقوقها:
ـ للأصول الحق في التعويض عن الضرر المعنوي بسبب وفاة أحد الأبناء و هو ما جسدته الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضية ” حطاب ” ضد الدولة.
كذلك الضرر المتعلق بالإخلال بظروف المعيشة و هو ما أقرته أيضا الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضيـة ” أرملة مريش” ضد الدولة.
ـ للفروع أولاد الضحية الحق في التعويض عن الضرر المعنوي و عن الإخلال في ظروف المعيشة، أما بالنسبة للتعويض عن الضرر المادي فيشترط أن يكونوا تحت نفقته و هو ما سايرته الغرفة الإدارية بمجلس قضاء بجاية في قضية بين ذوي حقوق المرحومة ” د.ص” ضد ” مدير مستشفى أقبو “.
ـ للزوج الحق في طلب التعويض المادي و الإخلال في ظروف المعيشة.
ـ أخ و أخت الضحية المتوفية لهما الحق في التعويض عن الضرر المعنوي و الإختلال في ظروف المعيشة إذا كانوا تحت نفقته.
IIIـ الطابع المباشر للضرر:
بمعنى أن يكون الضرر ناتجا مباشرة عن العمل الإداري الضار و هو ما يثير قاعدة السببية التي سنتطرق إليها في المطلب الثاني، من هذا المبحث.
IVـ أن يمس الضرر بحق مشروع أو بمصلحة مشروعة :
« Le dommage doit porter à une situation, où a un intérêt légitime et juridiquement protégé (e) »

قبلا كان القضاء الإداري يشترط المساس بحق مشروع و في إطار البحث عن تعويض كل من تضرر نتيجة أعمال الإدارة بالبحث عن الأطراف التي لها الحق في التعويض فوجد أن هناك أشخاصا غير شخص الضـحية
نفسها و تربطهم علاقة بها يلحقهم ضرر par ricochet) ( ، مما أدى به إلى تليين موقــفه و تقرير
تعويض الضرر في حالة المساس بمصلحة مشروعة. و من هنا يخرج من مجال الضرر القابل للتعويض:
ـ الحالات المخالفة للقانون.
ـ الحالات المستبعدة قانونا.
و رغم هذه الحالات يمكن للقاضي الإداري تقدير و رفض التعويض إذا تبين له أنه غير مشروع و هذا حسب المعطيات القانونية و الاجتماعية المقدمة أمامه.
و من بين القرارات التي أشارت لهذا الشرط:
ـ قرار مجلس الدولة الفرنسي في قضية السيدة ” Muësser ” بتاريخ 03 مارس 1978 ،
و هو نفس ما ذهبت إليه الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في قضية ” بوشاة سحنون” و ” سعدي مالكي” ضد وزيري الداخلية و العدل ، فأشار للطابع المشروع للضرر اللاحق بالضحايا.
الفرع الثاني: المميزات الخاصة بالمسؤولية الإدارية بدون خطأ
إضافة للميزات العامة المذكورة سابقا، هناك ميزتين أساسيين بالنسبة للمسؤولية الإدارية بدون خطأ و تتمثل فيما يلي:
Iـ الطابع الخاص للضرر: L.C. spécial))
حسب الأستاذ محيو: ” إن الطبيعة الخاصة للضرر تكمن في إصابة فرد واحد أو عدد من الأفراد، فإن كان للضرر مدى واسع، فإنه يشكل عبئا عاما يتحمله الجميع و مانعا لحق التعويض “.
يمكن القول أن الطابع الخاص معناه أن يمس الضرر عددا محدودا من الأفراد فإذا مس عددا كبيرا أصبح عبئا يتحمله الجميع لا يمكن منح التعويض على أساسه، فالمعيار المتفق عليه فقها و قضاءا هو”معيار العدد” بمعنى أن يصيب شخص أو عدد قليل من الأشخاص يمكن تحديدهم اسميا مستندين على مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، و هو ما جسدته قضيتي ” لافلوريت” و “كوتياس” .
IIـ الطابع غير العادي للضرر: اختلف الفقه و القضاء الإداريين في تحديد معنى هذا الطابع:
ـ فقها: هو الضرر الذي يفوق ما يؤخذ على عاتق كل مواطن.
ـ قضاءا: حدد هذا الطابع عبر طرق مختلفة لكنه رجح معيار” درجة الضرر” خاصة في مجال الأشغال العمومية و مجال النشاط التشريعي و التنظيمي.
و درجة الضرر بهذا المعنى هي أن يكون جسيما يفوق ما يمكن أن يتحمله عادة الأفراد، و لصعوبة تحديده تبقى للقاضي الإداري السلطة التقديرية في ذلك.
الفرع الثالث: أنواع الضرر القابل للتعويض
اختلف الفقه في تصنيف أنواع الضرر القابل للتعويض، لكن القضاء الإداري أخذ بتقسيم الضرر إلى مادي و معنوي كما سيأتي بيانه:
Iـ الضرر المادي : ينقسم إلى ضرر لاحق بالأموال، ضرر مالي، ضرر جسماني:
1ـ الضرر المادي اللاحق بالأموال: هنا نفرق بين نوعين:
ـ حالة المساس المادي بالمال و ذلك بتحطيمه كليا أو جزئيا.
ـ حالة الضرر المؤدي إلى الإخلال في الإنتفاع بالشيء سواء كان من فعل الغير أو بسبب إيذاء ما :
أ_ الإخلال بالانتفاع بسبب الغير:
أحسن مثال هو مسؤولية الإدارة عن الضرر الناجم عن رفضها تنفيذ القرارات القضائية النهائية الصادرة لصالح مدع ضد شخص آخر، حيث أن الغرفة الإدارية للمحكمة العليا قضت في قضية ” بوشات سحنون و سعيدي مالكي” ضد وزير الداخلية و وزير العدل بتعويض المدعيين عن الضرر الذي لحق بهما بسبب عدم تنفيذ قرار قضائي صادر لصالحهما على أساس أنه إذا كان للإدارة عدم تنفيذ بعض القرارات القضائية فإن التأجيل في تنفيذ القرار القضائي، الذي يقضي بطرد شاغل ملك لصالح المدعيين يمنعهما من حق الإنتفاع بملكهما و يسبب لهما ضررا قابلا للتعويض”
ب_ الإخلال بالانتفاع بسبب إيذاء ما:
حسب القضاء الإداري يتحقق هذا النوع من الضرر في حالة تغير شروط انتفاع المالك أو الشاغل بصفة ملحوظة مهما كانت طبيعة الإيذاء.
2 ـ الضرر المالي:
هو الضرر اللاحق بالنشاطات المهنية بصفة مباشرة سواء كانت نشاطات خاصة أو عمومية أو وظيفية.
3 ـ الضرر الجسماني: و ينقسم إلى:
أ- ضرر يمس بالسلامة الجسمانية :
و هو ما يسمى بالآلام الجسدية و يمكن أن يكون جماليا و هنا يختلف تقديره من طرف القاضي حسب شخص المضرور . و هو ما أكدته الـغرفة الإداريـة للمحكمة العليا في قضية ” بن سالم” ضد مستشفى الجزائر حينما منحت التعويض عن ضرر جمالي لحق الضحية بسبب بتر ساعده .
ب – ضرر بسبب الإخلال في الظروف المعيشية:
و هنا فإن القضاء الإداري اعتبر أن العجز الدائم سواء كان كليا أو جزئيا فإنه يؤدي إلى الإخلال في الظروف المعيشية، و بالتالي يستوجب التعويض، و هو ما أكدته دائما الغرفة الإدارية للمحكمة العليا في القضية المذكورة سابقا.
II ـ الضرر المعنوي: و يمكن تقسيمه إلى:
1 ـ الآلام المعنوية: Les sentiments d’affection)):
كان القضاء الإداري الفرنسي و لوقت طويل يرفض تعويض الضرر المعنوي معتبرا أن المساس بمشاعر الحنان لا يقيم بالمال طبقا للمبدأ ” La douleur ne se monnaie pas “.
لكنه لين موقفه إثر قضية ” Le tisserand ” ضد وزير الأشغال العمومية في 24/11/1961 و عوضه عن الضرر المعنوي اللاحق به إثر وفاة ابنه.
كما نهجت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا نفس المنهج بالتعويض عن الآلام المعنوية التي تنجم عادة بعد الوفاة أو الجروح أو العجز الجسدي كقضية ” فريق بوعبد الله” ضد وزير الداخلية في 21/04/1991 ، و قضية ذوي حقوق (ب.م) ضد وزارة الدفاع ، و هو ما جسدته الغرفة الإدارية بمجلس قضاء بجاية في
قضية ذوي حقوق المرحومة (د.ص ) ضد مستشفى أقبو المذكورة سابقا حينما عوضت ذوي حقوق المرحومة عن الضرر المعنوي اللاحق بهم إثر وفاة أمهم .
كذلك قضية ( ال) ضد مدير القطاع الصحي لخراطة و من معه.
2 ـ الضرر المعنوي الذي يمس بعض حقوق الأفراد: كالمساس بشخصية الفرد و سمعته و شرفه و حرياته.
هذا كله فيما يخص الضرر و أحكامه، نتطرق للعلاقة السببية باعتبارها الشرط الثاني لقيام المسؤولية الإدارية.
المطلب الثاني: العلاقة السببية بين الفعل الضار و الضرر الناتج عنه
ورد في قرار بلانكو ” أن المسؤولية الإدارية عن الأضرار التي تلحق الأفراد بسبب تصرفات الأشخاص الذين تستخدمهم في المرافق العامة… “من هذه القاعدة القضائية يتبين أنه لا تعـويض إلا إذا كان العـمل
أو نشاط الإدارة هو السبب المباشر في حدوث الضرر، و هنا أثيرت مسألة كيفية تحديد العلاقة السببية، و بالتالي السبب المباشر، مما أدى بالفقه الإداري إلى إيجاد عدة نظريات منها:
1 ـ نظرية توازن الأسباب: حسب هذه النظرية يجب الأخذ بكل الظروف التي تسببت في حدوث الضرر بصفة متساوية.
لكنها انتقدت كونها وسعت كثيرا من شروط عقد مسؤولية الأشخاص، مما ادى إلى تصعيب الإجراءات و حصول الضحية على التعويض.
2 ـ نظرية السبب القريب: أخذت هذه النظرية بالسبب القريب من حيث الزمن أي الحدث الأخير.
و ما يعاب عليها عكس النظرية الأولى كونها ضيقت كثيرا من شروط المسؤولية.
3 ـ نظرية السبب الملائم : تأخذ هذه النظرية بالسبب الذي يحتمل حسب السير العادي و الطبيعي للأمور أن يحدث ضررا و هو ما يطلق عليه بالطابع المباشر.
و هو ما أكده الفقه الإداري حيث كتب :
ـ الأستاذ ” ديلوبادير” : ” إن القضاء الإداري لا يلجأ إلى نظرية توازن الأسباب لكنه يبحث من بين الأحداث التي سبقت حدوث الضرر الذي يكون السبب الفعلي ( أو الملائم) في حدوثه”.
ـ الأستاذ ” فودال “: ” إن القضاء الإداري يقبل بصفة واسعة العلاقة المباشرة للسببية”.
ـ الأستاذ ” محيو”: ” إن القضاء الإداري لا يدخل في اجتهادات القضاء العادي التي ولدت نظريات مختلفة للسبب و مع ذلك فإنه يبدي ترددا في تكييف الطابع المباشر للضرر”.
* أما القضاء الإداري و في إطار توجه جديد فإنه يبحث على إيجاد طابع غير مباشر للضرر يمنح على أساسه التعويض ، كل هذا لصالح الضحايا.
و من أهم القرارات التي جسدت الطابع المباشر للضرر، و بالتالي توفر علاقة السببية بين الفعل الضار و الضرر الناتج عنه نجد:
ـ قرار مجلس الدولة الفرنسي في 14 فيفري 1997 و القاضي بإلغاء حكم صدر عن محكمة إدارية على أساس أن هذه الأخيرة ارتكبت خطأ قانونيا عندما أقرت بوجود علاقة سببية مباشرة بين الخطأ المرتكب من طرف المركز الطبي لمدينة ” Nice” في إطارما يسمى amniocentèse (العلا ج عن طريق الأعشاب الطبية ) و الضرر الناتج عنه للضحية (طفل) من العجز الذي أصابه، حيث أنه لا يظهر من أوراق
الملف المقدمة أمام قاضي الموضوع أن العاهة التي يعاني منها الطفل باعتبارها وراثية هي نتيجة هذه amniocentèse.
فمن خلال هذا القرار فإن مجلس الدولة رفض التعويض على أساس عدم قيام مسؤولية المركز الطبي لعدم توافر العلاقة السببية بين الفعل و الضرر.
ـ قرار مجلس قضاء بجاية في قضية ( ا،ل ) ضد مدير القطاع الصحي لخراطة و من معه المذكور آنفا، حيث ورد في إحدى حيثياته ” و حيث يرى المجلس أن العلاقة السببية بين وفاة المرحومة ح.س و التقصير المنسوب إلى بإدارة كما هو مذكور أعلاه ثابت… “.
المطلب الثالث: قاعدة الانتساب: L’imputabilité))
قاعدة الإنتساب تعني العلاقة بين فعل أو عمل ضار و الفاعل، فإذا ثبتت هذه العلاقة تقررت مسؤولية الفاعل، و انطلاقا من هذا المبدأ تتقرر المسؤولية الإدارية إذا انتسب العمل المضر للإدارة.

و في هذا السياق لا بد من التطرق لنقطتين هامتين: تحديد الجهة الإدارية المسؤولة و حالات الإعفاء أو تخفيف المسؤولية الإدارية كما سيأتي:
الفرع الأول: تحديد الجهة الإدارية المسؤولة
رغم صعوبة تحديد الجهة الإدارية المسؤولة إلا أن الفقه الإداري حاول وضع معايير لذلك و انطلق من فكرة أن المسؤولية الإدارية هي مسؤولية تعاقدية و تقصيرية مثل المسؤولية المدنية، و بما أن الإدارة شخص معنوي لا يرتكب أخطاءا شخصية استبعدت فكرة المسؤولية الشخصية للإدارة، و بالتالي فإن مسؤولية الإدارة تكون إما عن عمل الغير أو الأشياء.
و قبل التطرق لهاتين النقطتين نشير إلى أن مفهوم الجهة الإدارية يعني الجهة التي تتوفر فيها شروط الشخص المعنوي العام بأن تتمتع بالشخصية القانونية و الذمة المالية المستقلة.
I ـ تحديد الجهة الإدارية المسؤولة في نظام المسؤولية الإدارية عن عمل الغير
نظرا لتعدد نشاطات الإدارة بطبيعتها المختلفة و خصائص موظفيها ، وجب التفريق بين ثلاث حالات:
1 ـ حالة الموظف يتمتع بازدواجية الوظائف :
– إذا كان الموظف ينتمي لإدارة واحدة فإن الدعوى القضائية توجه ضد الإدارة التي يشتغل بها الموظف.
– أما إذا كان الموظف ينتمي إلى عدة إدارات فهنا وجب على المدعي في دعوى التعويض أن يرفعها ضد الإدارة المستفيدة من العمل الذي تسبب في حدوث الضرر .
2 ـ حالة ممارسة الوصاية الإدارية :
هنا يطرح السؤال هل الإدارة الوصية هي المسؤولة أم الإدارة الموصى عليها في حالة تضرر ضحية من ممارسة الوصاية الإدارية ؟:
ـ عندما يكون العمل المضر نتيجة عملية حلول الإدارة الوصية محل الإدارة الموصى عليها حسبما نص عليه القانون، هنا الإدارة الموصى عليها هي الجهة الإدارية المسؤولة (كون الإدارة الوصية تدخلت باسم و لصالح الإدارة الموصى عليها).
ـ عندما يكون العمل المضر نتيجة عمل الإدارة الوصية في إطار صلاحياتها الخاصة فهنا الإدارة الوصية هي المسؤولة عن تعويض الضرر اللاحق بالضحية.
3ـ حالة تداخل اختصاصات سلطات إدارية :
كأن تتدخل إدارتين أو اكثر لتحقيق عمل أو نشاط واحد فيسبب ضررا مثلا الأنشطة التي تقوم بها مؤسسة تربوية كأن تتدخل البلدية في حالة المدرسة الأساسية، الولاية إذا تعلق الأمر بالثانوية و الدولة إذا تعلق الأمر بموضوع الرقابة التي يقوم بها المعلمين في المؤسسة التربوية و هنا :
ـ إذا كان سبب حدوث الضرر يعود إلى عدم أو سوء صيانة الأقسام المدرسية أو المبنى المدرسي فهنا تكون البلدية أو الولاية هي الجهة الإدارية المسؤولة.
ـ أما إذا كان سبب حدوث الضرر يعود إلى خطأ في الرقابة إرتكبه معلم طبقا لنص المادة 134 من القانون المدني فهنا الدولة ممثلة في الوزير المكلف بالتربية الوطنية أو الوزير الوصي على المؤسسة هي الجهة الإدارية المسؤولة.
II ـ تحديد الجهة الإدارية المسؤولة في نظام المسؤولية الإدارية عن الأشياء:
يتعلق الأمر في هذا الموضوع بالضرر الناتج عن الأشغال العمومية و المبنى العمومي فقط.
و هنا نشير أن الضحية ـ إذا كانت مشارك أو مرتفق أو الغير ـ قد لعبت دورا في موضوع المسؤولية الإدارية ، إلا انها لا تلعب أي دور في موضوع إنتساب الضرر كون أن الأشخاص التي يمكن أن تكون مسؤولة عن الضرر الناجم عن الأشغال العمومية أو المبنى العمومي تتمثل في:
ـ صاحب المبنى Le maître de l’ouvrage.
ـ المقاول Le maître de l’oeuvre.
ـ صاحب الامتياز Le concessionnaire.
ـ المستعمل أو المكلف بصيانة المبنى العمومي.
و هو ما سنتطرق إليه بشيء من التفصيل كما يلي:
I ـ الدعوى القضائية التي ترفع ضد صاحب المبنى العمومي أو الأشغال العمومية :
– في حالة ضرر ناجم عن مبنى عمومي فإن الدعوى القضائية توجه ضد السلطة الإدارية المالكة للمبنى العمومي.
– في حالة ضرر ناجم عن شغل عمومي فإن الدعوى القضائية توجه ضد الجهة الإدارية التي أدارت الشغل العمومي.
و هنا يمكن للضحية رفع الدعوى القضائـية سواء كان الضرر ناجما عن مبنى عمومي أو شغل عمومي ضد صاحب المبنى العمومي.
2 ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد المقاول:
لقد توسع القضاء الإداري في مفهوم المقاول، و في مجال الأشغال العمومية” هو كل شخص يتعهد بالقيام بأعمال مهما كان نوعها كالصيانة، البناء… في إطار شغل عمومي” و هنا:
ـ في حالة ضرر ناجم عن أشغال عمومية قام بها المقاول فإن الدعوى القضائية توجه ضد هذا الأخير.
ـ كما يمكنه رفعها ضد مالك المبنى العمومي أو صاحب الشغل العمومي و المقاول معا.
3ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد صاحب الامتياز:
صاحب الامتياز في مجال الأشغال العمومية هو ” الشخص الذي تكلفه الإدارة بإنجاز عمل يتقاضى أجرا عنه بواسطة استغلال مشروع “.
و هنا ففي حالة ضرر ناجم عن أشغال عمومية قام بها صاحب الامتياز نفرق بين حالتين:
ـ الحالة الأولى: أصلا: إذا كان صاحب الإمتياز مليء الذمة المالية فإن الدعوى القضائية توجه ضده.
ـ الحالة الثانية: استثنائيا: إذا كان صاحب الإمتياز في حالة إفلاس فإن الدعوى القضائية ترفع ضد الجهة الإدارية المالكة للمبنى العمومي أو الأشغال العمومية.
4 ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد مستعمل المبنى العمومي:
في حالة استعمال إدارة معينة لمبنى عمومي تابع لجهة إدارية أخرى فهنا ترفع الدعوى القضائية ضد الجهة الإدارية المستعملة للمبنى العمومي رغم أن طبيعة المبنى العمومي الذي كان سببا في حدوث الضرر يعود أصلا للإدارة المالكة.
5ـ الدعوى القضائية التي توجه ضد المكلف بصيانة المبنى العمومي:
في حالة ما إذا كلفت جهة إدارية معينة بصيانة مبنى عمومي تابع لجهة إدارية أخرى، فهنا للضحية رفع الدعوى القضائية ضد الإدارة المكلفة بالصيانة أو ضد الإدارة المالكة للمبنى.
و حتى تتحقق قاعدة الإتساب بثبوت العلاقة بين الفعل المحدث للضرر و الإدارة لا بد أن لا تتحقق إحدى الحالات التي تعفي أو تخفف من مسؤولية الإدارة.
الفرع الثاني: حالات إعفاء أو تخفيف المسؤولية الإدارية
تحديد الجهة الإدارية المسؤولة شرط أساسي لكنه غير كاف حتى تتحقق قاعدة الإنتساب، مما يتعين معه التطرق لحالات الإعفاء أو تخفيف المسؤولية الإدارية:
I ـ القوة القاهرة:
اتفق الفقه و القضاء الإداريين أن القوة القاهرة هي حدث خارجي، غير مقاوم و غير متوقع:
1: ـ مميزات القوة القاهرة:
أ_ حدث خارجي : كأن يكون الضرر ناتجا عن كوارث طبيعية مثلا، و هنا للقاضي سلطة التقدير، فمثلا الفيضانات الناتجة عن تساقط الأمطار و نتيجة لقوتها و سقوطها غير المتوقع في المنطقة، مما سبب أضرار
جسيمة، أعتبرت قوة قاهرة معفية من مسؤولية الإدارة.
و على العكس من ذلك أمطار ناتجة عن إعصار في كليدونيا الجديدة لم تعتبر قوة قاهرة كون سقوطها معتاد نظرا لطبيعة المنطقة.
أما إذا كان الضرر ناتجا عن تصرف إنسان كالإضراب مثلا فإن القضاء الإداري أقر الطــابع الخارجي ـ رغم صعوبة الأمر ـ عندما يكون الحدث خارج عن إرادة الإدارة .
ب _ حدث غير متوقع: قضي أن صدمة سنة 1987 نتيجة كارثة Grand Bornand لا تتوفر على ميزة الحدث المتوقع حتى تتحقق القوة القاهرة كونه سبق و أن وقعت فيضانات بنفس المنطقة في 1936.
و قد أكدت الغرفة الإدارية للمحكمة العليا ضرورة هذا العنصر لتحقق القوة القاهرة في قضية بلدية سكيكدة ضد شركة ” Di Miglid”، و قضية الدولة ضد شركة ” Papeterie et cartonnerie modernes”.
ج_ حدث غير مقاوم: أكد القضاء الإداري على أن يكون الحدث غير مقاوم حتى تتحقق القوة القاهرة و ليس فقط أن يكون صعب التحمل.
2 ـ آثار القوة القاهرة :
تعفي حالة القوة القاهرة الإدارة كليا من مسؤوليتها إذا كانت السبب الوحيد للضرر سواء في نظام المسؤولية بخطأ أو بدون خطأ.
أما إذا كان للإدارة إلى جانب القوة القاهرة يد في حدوث الضرر فهنا الإعفاء يكون جزئيا.
و في هذا الإطار نجد عدة قرارات منها:
ـ قرار مجلس الدولة في قضية بين ” ج ف” و ” بلدية بومقر” حيث قضى بعدم مسؤولية البلدية كليا باعتبار أن القوة القاهرة و المتمثلة في الفيضانات التي أصابت المنطقة السبب الوحيد في الضرر اللاحق بالضحية: ” حيث يستفاد من دراسة الملف أن بلدية بومقر كانت ضحية فيضانات يوم 17/09/97 عمت كافة المنطقة… و أصبحت منكوبة، و لم يكن المستأنف المتضرر الوحيد من جراء هذه الفيضانات و ليس من جراء بناء حائط من البلدية المتسبب له في الأضرار و بالتالي هناك القوة القاهرة … “.
ـ قرار مجلس قضاء بجاية في قضية بين “س. ز ” و ” رئيس بلدية تالة حمزة و من معه” حيث قضى برفض الدعوى لعدم التأسيس و بالتالي عدم مسؤولية البلدية و جاء في حيثية من القرار ” حيث الثابت أن سقوط الأمطار بالصيغة المذكورة أعلاه يعتبر من الكوارث الطبيعية التي لا يمكن التحكم فيها بسبب القوة القاهرة تجعل مسؤولية مصالح البلدية غير قائمة فيما يتعلق بالأضرار الناتجة عن ذلك لعدم ثبوت الخطأ ” .
ـ و بنفس الشيء قضى نفس المجلس في قضية بين ” ب ، ل ” ضد ” رئيس بلدية تالة حمزة”.
II ـ فعل الضحية:
هنا على القاضي الإداري تقدير تصرف الضحية و مقارنته بتصرف رب العائلة العادي :
1 ـ خـصائص فعـل الضحـية:
فعل الضحية لا يعني تعمدها في اقتراف الخطأ، بل بالعكس كثيرا ما يكون ناتجا عن الإهمال و عدم الحيطة،
و منه يمكن الأخذ بفعل الضحية مهما كانت جسامته.
2 ـ آثار فعل الضحية:
تعفى حالة فعل الضحية الإدارة كليا من مسؤوليتها إذا كانت السبب الوحيد للضرر سواء في نظام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ أو بدون خطأ. أما إذا كانت للإدارة إلى جانب الضحية يد في حدوث الضرر فهنا الإعفاء يكون جزئيا و للقاضي الإداري تحديد نسبة مسؤولية كل واحد منهما.
III ـ حالة الظرف الطارئ: إن دراسة هذه الحالة تستدعي تفرقتها عن القوة القاهرة:
1 ـ خصائص الظرف الطارئ:
أ – الفرق بين الظرف الطارئ و القوة القاهرة:
إن التطور الذي عرفه نظام المسؤولية الإدارية أدى إلى ضرورة التفرقة بين الظرف الطارئ و القوة القاهرة كون أنه في الظرف الطارئ يكون سبب الضرر مجهولا لكنه لا ينفصل عن الإدارة ولا يعفيها من المسؤولية إلا في نظام المسؤولية على أساس الخطأ، أما القوة القاهرة فهي سبب خارجي عن الإدارة يعفيها من مسؤوليتها.
ب- معايير الظرف الطارئ:
اختلف الفقه الإداري بين الأخذ بمعيار” الخارجية” و معيار ” السبب المجهول ” للتمييز بين الظرف الطارئ و القوة القاهرة.
أما الأستاذ “محيو” فقد وفق بين الفريقين حين كتب ” حقيقة هناك عنصران مشتركان بينهما: خاصية عدم التوقع و خاصية عدم إمكانية دفعها ، و يظهر الفرق كون الظرف الطارئ يوجد داخل النشاط الضار،
بينما الخاصية الأولى للقوة القاهرة هي كونها خارجية و أجنبية عنه ، و من جهة أخرى فإن الظرف الطارئ ينتج عن سبب مجهول بينما القوة القاهرة تترتب عن حدث معلوم و يمكن القول أن:
الظرف الطارئ ناتج عن سبب له علاقة بالمرفق العام أو بالشيء التابع للإدارة ، و لا يمكن أن يكون مجهولا بصفة مطلقة و إلا كان المدعى عليه (الإدارة) مجهولا مما يصعب رفع الدعوى القضائية ، فإذا نسب الضرر للإدارة فما عليها إلا:
– إثبات أن الضرر يعود لسبب خارجي و قوة غير متوقعة و غير مقاومة و هنا تتحقق حالة القوة القاهرة و ما يترتب عنها من آثار كما سبق التطرق إليه.
ـ إثبات أن الضرر يعود لنشاط مرفق عام أو شيء تابع له لكنه غير متوقع و لا مقاوم ، و هنا نكون بصدد الظرف الطارئ و ما يترتب عليه من آثار كما سيأتي بيانه.
2- الآثار المترتبة عن الظرف الطارئ: تفرق بين حالتين:
– حالة قيام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ، فإن الظرف الطارئ يعفي الإدارة من المسؤولية لأنه يفترض عدم وجود الخطأ.
– حالة قيام المسؤولية الإدارية بدون خطأ، هنا تبقى الإدارة مسؤولة عن الضرر القابل للتعويض و ليس للظرف الطارئ أي أثر حتى و لو كان الخطأ مفترضا.
IV ـ فعل الغير : من هو الغير؟ :
1 ـ مفهومه : فقها هو كل شخص عام أو خاص مهما كانت صفته القانونية غير المدعى عليه و الأشخاص غير الواقعين تحت مسؤوليته.
2 ـ آثار فعل الغير: هنا وجب التفريق حسب نظام المسؤولية الإدارة :
أ – في نظام المسؤولية الإدارية على أساس الخطأ:
– تعفي حالة فعل الغير كليا الإدارة إذا كانت السبب الوحيد للضرر.
– أما إذا كان للإدارة يد في الضرر فهنا الإعفاء يكون جزئيا و للقاضي الإداري تحديد نسبة مسؤولية كل واحد منهما.
ب – في النظام المسؤولية الإدارية بدون خطأ:
في هذه الحالة فعل الغير لا يعفي الإدارة من مسؤوليتها، و هو حل وجد لصالح الضحية خاصة في مجال تعويض الأضرار الناتجة عن الأشغال العمومية.
●و في الأخير وجب الإشارة أن القضاء الإداري لا يطبق مبدأ التضامن في التعويض و لمن دفعه كاملا
حق الرجوع على الطرف الثاني المسؤول، و بتوفر هذه الشروط كاملة تحقق و تقوم مسؤولية الإدارة ،
مما يعطي الضحية الحق في رفع دعوى لطلب التعويض عن الضرر اللاحق به و هو ما سنحـاول التطرق إليه في المبحث الثاني.

المبحث الثاني: سلطات القاضي في تقدير التعويض:
تعتبر دعوى التعويض من أهم دعاوى القضاء الكامل التي يتمتع فيها القاضي بسلطات كبيرة، و تهدف إلى المطالبة بالتعويض و جبر الأضرار المترتبة عن الأعمال الإدارية المادية و القانونية.
و حتى تقبل دعوى التعويض أمام الجهة القضائية المختصة فلا بد من توافر مجموعة من الشروط حتى يمكن للقاضي الانتقال للموضوع، و بالتالي تقدير التعويض و هو ما سنحاول تبيانه من خلال المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: شروط قبول دعوى التعويض و الجهة القضائية المختصة بنظرها:
دعوى التعويض كغيرها من الدعاوى الإدارية و بالإضافة إلى الشروط العامة المنصوص عليها في المادة 459 من ق ا م من صفة و مصلحة فإنه يشترط لقبولها شروطا خاصة و المتمثلة في شرط القرار السابق ـ شرط الميعاد و شرط الاختصاص هذا الأخير سنتطرق إليه في فرع مستقل:
الفرع الأول: شروط قبول دعوى التعويض:
1) ـ شرط القرار السابق (القرار محل الدعوى):
أجمع جمهور الفقه أن القرار الإداري السابق محل الدعوى الإدارية هو:
” عمل قانوني يصدر عن سلطة إدارية أو هيئة لها سلطة إدارية بإرادتها المنفردة، له طابع تنفيذي و يلحق أذى بذاته”.
فبالنسبة للدعاوى الإدارية المتعلقة بالقضاء الكامل و منها دعوى التعويض و التي تعود أصلا لاختصاص المحاكم الإدارية (الغرف الإدارية بالمجالس القضائية حاليا) ـ كما سنبينه في الفرع الثاني من هذا المطلب ـ فنفرق بين مرحلتين:
المرحلة الأولى: قبل صدور قانون 90-23 المؤرخ في 18/08/1990 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات المدنية و بناءا على المادة 169 مكرر/02 منهن كانت نشترط لقبول دعاوى القضاء الكامل ضرورة استيفاء شرط التظلم الإداري السابق، و ما ينتج عن هذا الشرط من رد صريح أو ضمني بالرفض يعد قرارا سابقا يجب إرفاقه بالعريضة عند رفع الدعوى، أو بالمستند المثبت لتاريخ إيداع الشكوى (التظلم).

المرحلة الثانية: بعد صدور قانون 90-23 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات المدنية و التعديل الوارد على المادة 169 مكرر بحذف المشرع لشرط التظلم المسبق كشرط لقبول الدعوى أمام الدرجة الأولى كأصل عام، باستثناء ما ورد في نصوص خاصة، أصبح من غير الممكن استصدار قرار إداري و هذا ما أدى إلى وجود فراغ قانوني و أمام هذا الوضع ارتأت المحكمة العليا ـ الغرفة الإدارية ـ اللجوء إلى الاجتهاد لكن مع وجود نص
(169/2 ، 169 مكرر إ م) ، فخرجت عن وجوب استيفاء شرط القرار محل الدعوى امام المحاكم الإدارية (المجالس القضائية حاليا).
لنسبة للدعاوى القضاء الكامل و هذا في قرارها الصادر في 05/05/1996 ، قضية فريق ” ق م” ضد مديرية الشؤون الدينية لولاية مستغانم و قد جاء في تسبيب هذا القرار: ” و انه لا يشترط وجود قرار إداري مكتوب حتى تكون الجهة القضائية في أول درجة مختصة، و أن كل قرار او تصرف معيب صادر عن هيئة إدارية يمكنه أن يكون محل دعوى أمام القضاء الإداري و هذا تطبيقا لمقتضيات المادة 07 من ق ا م”.
2) ـ شرط الميعاد:
وضع المشرع قواعد تظهر العلاقة المتينة بين هذا الشرط و شرط التظلم الإداري المسبق، و بما أنه و كما قلنا تم حذف شرط التظلم الإداري المسبق المنصوص عليه بالمادة 169 مكرر بعد صدور قانون 90-23 المعدل لقانون إ م ، فهنا تثور إشكالية حول بداية حساب ميعاد 04 أشهر الوارد في نفس المادة في حالة الأعمال الإدارية المادية؟

و إسنادا إلى قضاء الغرفة الإدارية للمحكمة العليا فإن دعاوى القضاء الكامل عامة و التعويض خاصة غير مقيدة بأجل، إلا بآجال تقادم الحق الذي تحميه وفق ما نص عليه القانون المدني و هو ما جسدته في قرارها الصادر في 13/01/1991 ، قضية “الفريق ك و من معهم” ضد المستشفى الجامعي بسطيف و الذي جاء في تسبيبه: ” حيث أن ما مشى عليه اجتهاد المحكمة العليا في مجال قضايا التعويض أن هذه القضايا غير مقيدة بأجل محدد ما دامت الدعوى لم تتقادم بعد”.
الفرع الثاني: الجهة القضائية المختصة بالنظر في دعوى التعويض:
* الأصل: اختصاص القاضي الإداري:
تنص المادة 7 من قانون الإجراءات المدنية على ما يلي:
” تختص المجالس القضائية ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف أمام المحكمة العليا في جميع القضايا أيا كانت طبيعتها التي تكون الدولة أو الولايات أو البلديات أو إحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها ، و ذلك حسب قواعد الاختصاص التالية:
2 ـ تكون من اختصاص المجالس القضائية التي تحدد قائمتها و كذا اختصاصها الإقليمي عن طريق التنظيم……
ـ المنازعات المتعلقة بالمسؤولية المدنية للدولة و الولاية و البلدية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية و الرامية لطلب التعويض”.
المشرع نص في هذه الفقرة على أهم دعاوى القضاء الكامل و المتمثلة في تلك التي ترفع من اجل الحصول على تعويض عن الأضرار التي تثبت فيها مسؤولية الإدارة فيها على أساس الخطأ أو بدونه . هذه الدعوى تكون من إختصاص الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي كونها صاحبة الولاية العامة في الفصل في القضايا تكون فيها أحد أشخاص القانون العام طرفا فيها و هي تلك الأشخاص المحددة في نص المادة السالفة الذكر.
و تجدر الملاحظة إلى انه يبقى الفصل في هذه القضايا على مستوى الغرف الإدارية بالمجالس القضائية إلى أن يتم التنصيب الفعلي للمحاكم الإدارية التي خول لها القانون العضوي رقم 98-01 هذه الصلاحيات.
حيث تصدر الغرف الإدارية قرارات ابتدائية قابلة للطعن أمام مجلس الدولة (الغرفة الإدارية لدى المحكمة العليا سابقا)
* الاستثناء: اختصاص القاضي العادي:
لقد استثنى المشرع بنص المادة 7 مكرر من ق ا م بعض الحالات اليت هي أصلا من اختصاص القضاء الإداري كون أحد أطراف الدعوى من أشخاص القانون العام و أدرجها ضمن اختصاصات القضاء العادي. و من بينها المنازعات المتعلقة بالتعويض عن حوادث السيارات التابعة للدولة أو لإحدى الولايات أو البلديات أو المؤسسات العمومية ذات الصيغة الإدارية. و لعل الحكمة التي ابتغاها المشرع من هذا الاستثناء هو أن القانون الواجب التطبيق في حالة التعويض عن الضرار الناجمة عن حوادث السيارات التابعة للأشخاص المعنوية العامة هو الأمر 74-15 المعدل و المتمم بالقانون رقم 88-31 المتعلق بإلزامية التأمين و التعويض عن الضرار و كذا المواد 124 ، 136 و 138 من القانون المدني، و عليه فالقاضي العادي هو المختص.
إضافة إلى أن الإدارة في هذه الدعوى لا تظهر كسلطة عامة بل كشخص عادي.

المطلب الثاني: تقدير التعويض:
بعد دراسة القاضي للملف من الناحية الشكلية و تقريره لاختصاصه بالنظر في الدعوى، ينتقل للجانب الموضوعي أين يتطرق لتوافر شروط المسؤولية الإدارية و من ثم تقدير التعويض الواجب أدائه للمتضرر و هذا ما سنتطرق إليه في الفرعين الآتيين:
الفرع الأول: قواعد تقييم الضرر:
ندرس في هذا الفرع قاعدتين أساسيتين تتعلقان بالضرر أولا هما قاعدة تاريخ تقدير الضرر و ثانيا هما قاعدة تغطية كامل الضرر.
1) ـ تاريخ تقدير الضرر:
في بادئ الأمر كان القضاء الإداري يقيم الضرر بتاريخ تحققه أي تاريخ انتهاء الفعل غير أن المدة الفاصلة بين وقوع الضرر و صدور الحكم بالتعويض كانت تعود لوضعيات غير مرضية (1)، و بتاريخ 21 مارس 1947 أصدر مجلس الدولة الفرنسي قرارا مبدئيا أين ميز فيه بين الأضرار التي تلحق بالأموال و الأضرار التي تلحق بالأشخاص (الأضرار الجسدية). (2)
فبالنسبة للأضرار التي تلحق بالأموال فالأصل يمون في تقييم الضرر بتاريخ انتهاء السبب ، و استثناءا بتاريخ صدور القرار إذا تبين للقاضي أن الضحية لم تكن تستطيع تصليح الضرر لأسباب خارجة عن إرادتها (3)، أو بتاريخ زوال عائق إصلاح الضرر الناجم عن سبب (4) أو قانوني (5).

(1) Jean Pierre , la responsabilité administrative, Casbah édition, P 108.
(2) Michel Paillet, OP.CIT, P 223.
(3) Michel Paillet, IBID, P 222.
(4) Michel Paillet IBID, p 226 (CE, 27 Nov, 1946, consorts , Rec CE p 228: Penurie des materiaux, CE 8 Mai 1968, association syndicale de reconstruction de , Rec CE P 286 necessite dattendre la remise en etat des a lorigine du dommage.
(5) Michel Paillet, IBID, P 222:

و الأهم أن مجلس الدولة الفرنسي في قراره الصادر في 1947 قبل الأخذ بعين الاعتبار الاستحالة المالية، أي قدرة المالك على تمويل الإصلاحات الضرورية، لكن من جهة على من يدعي ذلك أن يقدم الدليل، كأن يبين أنه لم يقرر على الاستدانة، و من جهة أخرى فالقاضي لا يأخذ بالضيق المالي البسيط بل الاستحالة (1).
فالقرار الصادر في 6 مارس 1987 عن مجلس الدولة الفرنسي في قضية السيدة هوريون و التي كانت في استحالة مطلقة للحصول على مساعدة لتمول إعادة شراء محل تجاري دمر نتيجة انفجار الغاز، قدر فيه الضرر بتاريخ أول منطوق حكم (2).
و هذا الاجتهاد يخص الأضرار اللاحقة بالأموال القابلة للتعويض أو الإصلاح، و في الفرضيات الأخرى( ضرر ناجم عن التدمير الكلي للمال، اضطراب في التمتع أو انخفاض القيمة المادية) القاضي يأخذ بتاريخ الاستقرار. (3)
كما اخذ مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ إيداع الخبرة كتاريخ لتقدير الضرر إن عين القضاة خبيرا لتحديد الأضرار. (4)
أما بالنسبة للأضرار التي تلحق بالأشخاص فتقييم الضرر يكون بتاريخ الحكم حتى يتم إصلاح الضرر بصيغة كلية و كاملة. (5)

Michel Paillet, OP.CIT, P 223.
(1) Michel Paillet, IBID, P 223.
(2) Michel Paillet, IBID, P 223.
(3) Michel Paillet, IBID, P 222. CE, 22 Juin 1987, Boulon et société générale d’entreprise c/département des Alpes Maritimes, RFD ad; 1987, p 680 date fixe au second rapport, le premier n’étant pas suffisamemt precis).
(5) خلوفي رشيد، المرجع السابق، ص 141

و في هذا الصدد نذكر قرار مجلس قضاء بجاية الصادر في 03/08/2004 القاضي بإلزام رئيس بلدية أقبو بدفع مبلغ 905783.05 دج كتعويض للمحل التابع بصفته مسير لمؤسسة توزيع المواد للبلدية المالكة لعتاد و سلع كانت بالمحل و تم تخريبها أثناء أحداث الشغب و المظاهرات و التخريب، و جاءت في حيثياته: و حيث أنه يستخلص من الخبرة أن الخبير اعتمد على التقييم المذكور في وثيقة إحصاء العتاد في تاريخ 31/12/99 و عليه يرى المجلس أن هذا التقييم جاء مطابقا لقيمة العتاد في تاريخ يقارب وقوع الأحداث.
و بهذا أخذ بما جاء في قرار مجلس الدولة الفرنسي الصادر بتاريخ 1947 أين أخذ تقريبا بتاريخ وقوع الأحداث لتقييم الضرر اللاحق بالمال. (1)
و ما لاحظناه على قرار صادر بتاريخ 28/11/2000 بين (م.ع) و مستشفى بجاية ممثلا في مديره و الشركة الجزائرية للتأمين وكالة إحدادن الممثلة من طرف رئيسها و الكائن مقرها ب 600 مسكن احدادن متدخلة في الخصام، أنه لم يأخذ بما جاء به قرار مجلس الدولة الفرنسي في 21/03/1947 فيما يتعلق بتاريخ تقدير التعويض في الضرار الجسمانية.
فجاء في إحدى حيثياته لكن حيث أن المبالغ المطلوبة من قبل المدعى مبالغ فيها جدا خاصة أنه لم يقدم ما ثبت عن مدخوله الشهري قبل وقوع الحادث فبمفهوم المخالفة لو انه قدم ما يثبت مدخوله قبل وقوع الضرر لقدر التعويض على أساسه. (2)

(1) ملحق رقم .
(2) ملحق رقم .
2)- قاعدة تغطية كامل الضرر:
بمجرد تحديد عناصر المسؤولية فليس للقاضي سوى الاهتمام بضمان التعويض الكامل قدر الإمكان (1) للضحية لارضائها و لتحقيق ذلك لا بد من تغطية الضرر الذي أصابها و الحال هنا لا يختلف عن التعويض عن المسؤولية المدنية (2) و ذلك من خلال الاعتماد على قاعدة التعويض على أساس ما لحق المضرور من خسارة و ما فات من كسب و النظر لجسامة الضرر، و ليس جسامة الخطأ أو وضعية المسؤول عنه، و يعتمد القاضي على ما سبق ذكره ما لم ينص القانون على معايير تحدد تقدير التعويض.

(1) Michel Paillet, OP.CIT, P 254.
(2) معوض عبد التواب ص 613.
الفرع الثاني: سلطات القاضي في تقدير التعويض:
الأصل أن القاضي الحرية الواسعة في تقدير قيمة التعويض التي يمنحها للمتضرر في إطار المسؤولية الإدارية غير أن هناك حدود لهاته الحرية و سنتطرق لما ذكرناه فيما يلي:
1) ـ حرية القاضي في تقدير التعويض:
تظهر حرية القاضي في سلطته الواسعة في تقدير مبلغ التعويض حسب ما يراه مناسبا لجبر الضرر و ذلك بعد الاطلاع على الوثائق المقدمة من طرف المتضرر و إن لم توجد فيقوم بالتقدير الجزافي هذا إن كان الضرر ماديا (1) و فيما يخص الضرر المعنوي فيقيمه جزافيا و في حالات رمزيا. (2)
كما تظهر كذلك في حريته في قبول طلب الضحية المتعلق بالتعويض المؤقت لغاية الفصل النهائي في قيمة التعويض (3)، و كذا في طريقة الوفاء فالقاضي الحرية الكاملة في أن يأمر المسؤول عن الضرر بدفع مبلغ التعويض إما دفعة واحدة أو على أقساط أو في شكل إيراد.
و كأمثلة عن هاته الحرية نذكر بعض القرارات الصادرة عن مجلس الدولة و كذا مجلس قضاء بجاية فيما يلي:
القرار الصادر عن مجلس الدولة في 24/04/2000 في قضية أرملة (م) و من معها ضد والي ولاية جيجل و من معه و الذي حمل الولاية وحدها مسؤولية الحادث و ألزمها بدفع مبلغ 600000.00 دج كتعويض عن الأضرار، في حين المستأنفين التمسوا 600000.00 دج تعويض عن الضرار المادية 100000.00 دج تعويض عن الأضرار المعنوية.
و قد جاءت في إحدى حيثياته: حيث أن مسؤولية الولاية ثابتة و كاملة و عليه يتعين إلزامها بدفع مبلغ التعويض مع إرجاعه إلى الحد المقبول و هو 600000 دج. (4)

(1) خلوفي رشيد، المرجع السابق ص 141.
(2) خلوفي رشيد، نفس المرجع، ص 141.
(3) خلوفي رشيد، نفس المرجع، ص 142.
(4) ملحق رقم .
و كذا القرار الصادر في 01/02/1999 و الذي جاء في إحدى حيثياته: و حيث أنه
عكس ما تدعيه الطاعنة فإن قضاة الدرجة الأولى بتقديرهم للتعويض استنادا ” لسلطتهم التقديرية” يكونوا قد أحسنوا في ذلك، علما أن الأمر يتعلق بتقدير تعويض عن ضرر ناتج عن خطأ شخصي لموظف… (1)
و من قرارات مجلس قضاء بجاية:
القرار الصادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 13/07/2004 في قضية ذوي حقوق ضد مدير مستشفى أقبو.
حيث التمس ذوي حقوق الضحية مبلغ 850000.00 دج كتعويض عن كافة الأضرار التي لحقه بهم جراء وفاة والدتهم.
في حين قدر المجلس التعويض ب 55000 دج و جاء في القرار الحيثية التالية:
و لكن و حيث ثابت أن المبلغ المطالب به مبالغ فيه و عليه يرى المجلس و تطبيقا للمواد 124 ، 182 من ق ا م تحفيظه للحد المعقول. (2)
و كذا القرار الصادر عن نفس المجلس في 28/11/2000 الذي ألزم مدير مستشفى بجاية تحت ضمان شركة التأمين الجزائرية وكالة إحدادن الكائنة ب 600 مسكن احدادن بجاية بدفع مبلغ 300000 دج عن العجز الدائم، 100000 دج عن العجز المؤقت، 30000 دج عن التشوه الجمالي، 10000 دج عن الآلام، 50000 دج عن مصاريف العلاج في حين كانت طلبات المتضرر أكثر من ذلك.
و قد جاء في حيثيات القرار: لكن حيث أن المبالغ المطلوبة من قبل المدعى مبالغ فيها جدا خاصة أنه لم يقدم ما يثبت عن مدخوله الشهري قبل وقوع الحادث. (3)

(1) ملحق رقم .
(2) ملحق رقم .
(3) ملحق رقم .
2) ـ حدود حرية القاضي في تقدير التعويض:
أول ما يمكن ذكره في حدود حرية القاضي في تقدير مبلغ التعويض هو الطلب الذي يقدمه المضرور و الذي يضع حدا أقصى له و ليس للقاضي تجاوزه حتى لا يحكم بأكثر مما طلب منه.
كما أن المشرع قد يضع أيضا حدود لهاته الحرية مثلما هو في التعويض عن الأضرار الجسمانية التي تسببها السيارات فمنذ صدور الأمر 74-15 و النصوص المطبقة له و كذا قانون 88-31 المعدل و المتمم له أصبح القاضي ملزما باتباع مقدار معين من التعويض الذي جاء فيه دون الخروج عن الإطار المحدد لذلك.
كما تجدر الإشارة أيضا إلى المبالغ التي قد تتحصل عليها الضحية في إطار تعوضيها عن الضرر كأن تدفع لها الجهة المسؤولة مبالغ مالية قرار مجلس الدولة الفرنسي في 23 أكتوبر 1981 في قضية السيد برنارد دافال. (1)
و كذا التعويضات التي تحصلت عليها من شركات التأمين أو صناديق الضمان الاجتماعي (2) فعلى القاضي أن يأخذها بعين الاعتبار في تقدير التعويض الاجمالي حتى لا يعوض الضحية بأكثر مما لحقها من ضرر.
و في الأخير نذكر أن القاضي دائما يقدر التعويض بالعملة الوطنية (3) ، و التي قد تسبب بعض المشاكل للمحكوم لهم الأجانب اللذين يضطرون لتحويل المبالغ المحكوم بها لصالحهم إلى عملة بلدهم و قد يأخذ هذا وقتا.

(1) Michel Paillet, OP.CIT, P 261.
(2) Martine Lambard, OP.CIT, P 474.
(3) خلوفي رشيد، المرجع السابق، ص 142.

الـخــــــاتــمــــــة :
بعد انتهائنا من معالجة موضوع المسؤولية الإدارية ومحاولة الإلمام بأهم جوانبه ، تجدر الإشارة إلى أن القضاء الإداري في الجزائر – كما نعلمه – شديد التأثر بالإجتهاد القضائي الفرنسي في هذا المجال ، بإعتباره الأصل وكذا المرجع فيما يخص السابقات القضائية .وبما أن القضاء الإداري الجزائري لا يزال فتيا فإنه لم يصل إلى درجة التطور التي وصل إليها نظيره في فرنسا .
فمن ناحية الإجراءات القضائية المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية ، فهي لاتزال مندمجة ضمن قانون الإجراءات المدنية في حين أنه من الواجب الضروري افرادها بقانون خاص ومستقل .
إضافة إلى ذلك نجد أن النصوص القانونية المتعلقة بالمسؤولية الإدارية متشتتة و غير ملمة بكافة المواضيع المحيطة بها في وقت أصبح التشريع كمصدر أساسي و أولي للقانون في كافة مجالته .
ناهيك عن القضاء الإداري الجزائري الذي لايزال لا يتحكم في هذه المادة ، إذ أن اجتهاده غير مستقر وأن أحكامه غير مسببة تسبيبا كافيا .
ونعتقد ان سبب ذلك يرجع إلى عدم التحقق الفعلي للإزدواجية القضائية في بلادنا والتي تتطلب استقلالية الجهات القضائية بالإضافة إلى تخصص القضاة في القانون الإداري .
ولـهذا فـنـحن نأمل أن تتـحقق ازدواجية حقيقية للـقضـاء الإداري قـانونـا وقضـاءا ، ولا تبقى مجرد حبر على ورق.
قائمة المراجع باللغة الفرنسية :

1- ANDRÈ DE LAUBADÈRE, JEAN-CLAUDE VENEZIA , YVES GAUDEMET ; Traité de droit administratif, Tome 1 : Droit administratif générale , LGDJ,15 eme édition , 1999.

2- ENCYCLOPÈDIE JURIDIQUE DALLOZ ; Répertoire de la responsabilité da la puissance publique, Dalloz, (mise à jour 2022).

3- GILLES LEBRETON ; Droit administratif général, Armond Colin, 2 eme édition, 2000.

4- GEORGE DUPUIS, MARIE-JOSÈ GUEDON, PATRICE CHRETIEN ; Droit administratif, Armond Colin, 7 eme édition, 2000.

5- GEORGE VLACHOS ; Principes généraux du droit administratif, Ellipses , 1993.

6- JACQUE MOREAU ; Droit public , Tome 2 : Droit administratif , CNFPT-Economica, 3 eme édition , 1995.

7- JEAN- PIERRE DUBOIS ; La responsabilité administrative, Casbah édition, 1998.

8- JEAN RIVERO , JEAN WALINE ; Droit administratif, Dalloz, 18 eme édition, 2000.

9- MARCEL MONIN ; Arrêts fondamentaux du droit administratif ( AFDA), Ellipses, 1995.

10- MARTINE LOMBARD ; Droit administratif, 4 eme édition, Dalloz, 2001.

11- MICHEL PAILLET ; La responsabilité administrative, Dalloz, 1996.

12- M.LONG, P.WEIL, G.BRAIBANT, P.DEVOLVÈ, B.GENEVOIS ; Les grands arrêt de la jurisprudence administrative ( GAJA) , Dalloz , 13 eme édition , 2001.

13- PHILIPPE FOILLARD ; Droit administratif ( manuel ) , CPU, 2001.

14- RENÈ CHAPUS ; L’administration et son juge, PUF,1999.



شكرا لطرحك للموضوع جزاك الله الف خير

مشكور على الموضوع الرائع

merciiiiiiii

merci beacoup pour ce travail

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

امتحان السداسي الثالث في مقياس المؤسسات السياسية والادارية


السؤال الاول

–اشرج المفاهيم التالية–
*رئيس الحكومة
*الوزير الاول

السؤال الثاني
بين الفرق الموجود بين مفهومي احادية السلطة التنفيذية ازدواجيتها ,مستعينا بامثلة من الدساتير الجزائرية

السؤال الثالث
احدثت استقالة الرئيس الشادلي بن جديد يوم 11 جانفي 1992 م , ما اصطلح على تسميته باشكالية الفراغ الدستوري , وهو ما قاد البلاد الى مرحلة استثنائية ميزها عديد الاحداث وكدا عديد المؤسسات التي وصفت في اكثر من حالة باللاشرعية وعدم الدستورية
–حلل وناقش

ملاحظة
-يكون شرح المفاهيم مباشرة اذ لا يتعدى شرح المفهوم الاوجد سطرين اثنين
-لا تتعدى اجابة السؤال الثاني ثمانية اسطر
-ينبغي وجوبا ارفاق الاجابة الثالثة بخطة منهجية

*المدة 1 سا ونصف*


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

مخطط عملية الإتصال في الأنشطة الادارية


مخطط عملية الإتصال في الأنشطة الادارية

رابط التحميل

4shared.com – online file sharing and storage – downloadة.docx


التصنيفات
السنة الخامسة ابتدائي وتحضير شهادة التعليم الابتدائي 2014

الاسطوانة التعليمية الخاصة بالفرنسية ابتدائي الوثائق الادارية و البرامج و المذكرات

الاسطوانة التعليمية الخاصة بالفرنسية ابتدائي – العدد الاول – الوثائق الادارية و البرامج و المذكرات

تعليم_الجزائر

الاسطوانة التعلمية الاولى ( الوثائق البيداغوجية الخاصة باستاذ الفرنسية ابتدائي )
La 1° collection pédagogique du professeur du primaire

تعليم_الجزائر

يشرفني ان اشارك زملائي اساتذة اللغة الفرنسية في الابتدائي سلسلة من الوثائق البيداغوجية الخاصة بالتدريس
عبر مجموعة من السلسلات تتضمن كل منها جانبا من جوانب مهمة التدريس
J’ai l’honneur de paratger avec mes collègues du primaire
cette collection de documents pédagogiques


في العدد الاول :

– الوثائق الادراية ( الكراس اليومي – التوازيع – المعلقات ….الخ )
– كل ما يتعلق بالاقسام الدراسية ( 3AP – 4AP – 5AP) من مذكرات و برنامج و منهاج دراسي

Dans la 1° série vous trouvez tous ce qui concerne
les documents du professeur
( le programme – les progressions – les répartitionles fiches pédagogiques .L’affichage…….. )

السنة الثالثة ابتدائي ……… Classe 3°AP

لاتعليم_الجزائر

تعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر

– مجموعة من الهدايا و المفاجآت ……. Des cadeaux

تعليم_الجزائر

للتحميل :http://www.2shared.com/file/KBB31fRC…ur_du_pri.html

ننتظر تقنراحاتكم و ارائكم حول هذه التجمعية التعليمية
في انتظار الاعداد الاخرى


التصنيفات
الطلبات والاستفسارات للسنة الثالثة متوسط

الرسالة الادارية

الرسالة الإدارية
الرسالة نوع من أنواع الكتابة الوظيفية يتم فيها الاتصال بين طرفين كتابيا.
الرسائل فن كتابي عربي قديم *وهي وسيلة من وسائل الاتصال*وعندما تتبادل الإدارات الحكومية الطلبات والمعلومات*أو ترسل منشأة تجارية إلى العملاء*أو يرسل عميل أو موظف إلى دائرة يطلب شيئا ما*أو يتعامل المرؤسون مع رؤسائهم*أو العكس*في ديوان حكومي*فإن الرسائل هي الطريق لكل ذلك*وفي هذه الوحدة سنتعرف على تفصيل ذلك.
سيشتمل هذا الدرس على الـمفردات التالية:
· تعريف الرسالة الإدارية.
· أهمية الرسالة الإدارية.
· أنواع الرسالة الإدارية.
· أمور تجب مراعاتها في الرسالة الإدارية.
· نموذج للرسالة الإدارية والرسالة التجارية.
تعريف الرسالة الإدارية
الرسالة الإدارية : هي نوع من أنواع الكتابة الوظيفية*وتقوم على أساس الاتصال الكتابي بين جهتين
وهي كل مخاطبة مكتوبة تتم بين جهتين رسميتين *أو بين جهة رسمية وشخص أو العكس*أو بين شخصين لغرض وظيفي.
أهميته الرسالة الإدارية.
للرسالة أهمية كبيرة في الحياة الاجتماعية والوظيفية*فهي وسيلة مهمة من وسائل الاتصال*وهي
1 ـ وسيلة التخاطب الكبرى بين الدوائر الحكومية وغير الحكومية *وعلى مستوى الفرد والمؤسسة..
2ـ أنها تختصر الجهد والمسافة بين مواقع جهات المراسلة .
3 ـ وثيقة قانونية يمكن الرجوع إليها عند الحاجة.
4 ـ اعتمادها وسيلة من وسائل الإعلان وبخاصة في الرسائل التجارية.
أنواع الرسالة الإدارية:
للرسالة الإدارية نوعان:
1- الرسالة التجارية:وتستخدم في الأغراض التجارية(تسويق بضاعة أو عرض خدمةأو طلب شراء أو…)*وأهم ما يميزها هو الناحية الدعائية للمؤسسة أو الشركة*وتحتوي في أعلاها على ما يسمى بالترويسة*وفيها تسجل معلومات الشركة أو المؤسسة كاملة*من(اسم الشركة أو المؤسسة ومكانها ونوع التجارة ورقم السجل التجاري وصندوق البريد ورقم الهاتف *والبريد الإلكتروني * والشعار الخاص).
2- والرسالة الرسمية:وهي التي تتعلق بالجوانب الوظيفية*ويدخل فيها: ما يسمى بالمعروض*والاستدعاءات*والتعاميم*والقرارات الإدارية الموجهة*والبلاغات و…
أجزاء الرسالة الإدارية*وكيفية كتابتها:
للرسالة الإدارية أجزاء تتألف منها*وذلك على هذا النحو:
1- الترويسة،وقد سبق ذكرها،وتمت الإشارة إلى أنها خاصة بالرسائل التجارية*وتجدر الإشارة إلى أنها عادة ما تكون مطبوعة جاهزة*وقد تكون في الرسائل الحكومية ؛لإثبات رسميتها.
2- التاريخ*وقد يكتب في المعروض آخر الرسالة مع الاسم.
3- مخاطبة المرسل إليه مع ذكر مرتبته الوظيفية( رئيس- مدير- أمين – أمير…) وما يناسبه من ألفاظ التبجيل(السيد – سعادة – معالي- فضيلة).
4- التحية الافتتاحية(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

5- جسم الرسالة:وهو موضوع الرسالة*ويعرض في فقرات(بحسب الحاجة)*تبدأ الأولى بتمهيد موجز يهيئ به ذهن المخاطب لموضوع الرسالة*وقد يكون إشارة إلى موضوع سابق(إشارة إلى – إلحاقا ل…- توضيحا ل…)* وتختتم الفقرة الأخيرة من تلك الفقرات بعبارة مناسبة تتطلب غالبا الرد *أو الحض على إنجاز الطلب*أو تعيد التأكيد على أمر….
6- تحية الختام:وتأتي بعد آخر فقرة*وعادة ما يكون فيها(مع دعائي لكمبالتوفيق_وتفضلوا بقبول أصدق التحايا-أو شاكرا لكم حسن تعاونكم).
7 – التوقيع والاسم*وقد تكتب الوظيفة.
أمور تجب مراعاتها في الرسالة الإدارية:
يجب التنبه إلى بعض الأمور التي يسبب عدم مراعاتها خللا في الرسالة الإدارية*ومنها:
1- الدقة والوضوح في ألفاظ الرسالة وأفكارها.
2- الموضوعية *والابتعاد عن الأساليب الأدبية والمعاني الشعرية من خيال وصور.
3-الإيجاز* وهي صفة محمودة في مجالات الكتابة الوظيفية.
4- التنبه إلى لقب تبجيل المرسل إليه*فإن مخالفة ذلك أو الخلط فيه يجعلك موضعا للتندر.
5-عند الرد على خطاب سابق يشار إلى ذلك الخطاب برقمه وتاريخه وموضوعه.
6- مراعاة حسن تقسيم الأفكار والانتقال بينها من الفكرة السابقة- بعد أن تستوفى- إلى التالية وبتسلسل منطقي.
7- عند الرد على رسالة ذات نقاط متعددة* يجب أن يتضمن الرد كل تلك النقاط مرتبة حسب ورودها في الخطاب الأصلي.
1. نموذج للرسالة الإدارية والتجارية:

هذا نموذج للرسالة يكتبها الطالب الجامعي لمشكلة حدثت له

بسم الله الرحمن الرحيم

سعادة رئيس قسم………… الدكتور…………….. سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته *وبعد:

أفيدكم أني أحد طلاب هذا القسم الموقر*ومن دفعة 2022 *وأنا الآن في المستوى الخامس*ومعدلي التراكمي 3،7 ولم تصادفني أية مشكلة منذ التحاقي بالجامعة على كل الأصعدة. غير أني مع بداية هذا الفصل الدراسي 051 فوجئت بإلغاء اسمي من قائمة مادة (201 عربي)مع أني سجلت في هذه المادة مبكرا*وليس علي أية ملاحظة من قبل المسجل أو من قبل أستاذ المادة *وأنا حريص أشد الحرص على إتمامي لدراسة هذه المادة بأي شكل.

لذا أرجو من سعادتكم النظر في موضوعي هذا بما عهد عنكم من تيسير أمور الطلاب وحل مشكلاتهم*شاكرا لكم حسن تعاونكم * والله يحفظكم.

مقدمه:

الطالب/………………………………………..
الرقم الجامعي/
التاريخ/
والتوقيع:…………….

والتجارية كما أسلفنا تختلف من حيث الترويسة أو الواجهة الإعلانية التي تُذكر كاملة المعلومات في أعلى الرسالة*وعادة ما تكون تلك الإعلانات مطبوعة في أوراق جاهزة للاستخدام


اسفة لم نصحح هاد النشاط

واهلا بك فالمنتدى

الرسالة الإدارية
الرسالة نوع من أنواع الكتابة الوظيفية يتم فيها الاتصال بين طرفين كتابيا.
الرسائل فن كتابي عربي قديم *وهي وسيلة من وسائل الاتصال*وعندما تتبادل الإدارات الحكومية الطلبات والمعلومات*أو ترسل منشأة تجارية إلى العملاء*أو يرسل عميل أو موظف إلى دائرة يطلب شيئا ما*أو يتعامل المرؤسون مع رؤسائهم*أو العكس*في ديوان حكومي*فإن الرسائل هي الطريق لكل ذلك*وفي هذه الوحدة سنتعرف على تفصيل ذلك.
سيشتمل هذا الدرس على الـمفردات التالية:
· تعريف الرسالة الإدارية.
· أهمية الرسالة الإدارية.
· أنواع الرسالة الإدارية.
· أمور تجب مراعاتها في الرسالة الإدارية.
· نموذج للرسالة الإدارية والرسالة التجارية.
تعريف الرسالة الإدارية
الرسالة الإدارية : هي نوع من أنواع الكتابة الوظيفية*وتقوم على أساس الاتصال الكتابي بين جهتين
وهي كل مخاطبة مكتوبة تتم بين جهتين رسميتين *أو بين جهة رسمية وشخص أو العكس*أو بين شخصين لغرض وظيفي.
أهميته الرسالة الإدارية.
للرسالة أهمية كبيرة في الحياة الاجتماعية والوظيفية*فهي وسيلة مهمة من وسائل الاتصال*وهي
1 ـ وسيلة التخاطب الكبرى بين الدوائر الحكومية وغير الحكومية *وعلى مستوى الفرد والمؤسسة..
2ـ أنها تختصر الجهد والمسافة بين مواقع جهات المراسلة .
3 ـ وثيقة قانونية يمكن الرجوع إليها عند الحاجة.
4 ـ اعتمادها وسيلة من وسائل الإعلان وبخاصة في الرسائل التجارية.
أنواع الرسالة الإدارية:
للرسالة الإدارية نوعان:
1- الرسالة التجارية:وتستخدم في الأغراض التجارية(تسويق بضاعة أو عرض خدمةأو طلب شراء أو…)*وأهم ما يميزها هو الناحية الدعائية للمؤسسة أو الشركة*وتحتوي في أعلاها على ما يسمى بالترويسة*وفيها تسجل معلومات الشركة أو المؤسسة كاملة*من(اسم الشركة أو المؤسسة ومكانها ونوع التجارة ورقم السجل التجاري وصندوق البريد ورقم الهاتف *والبريد الإلكتروني * والشعار الخاص).
2- والرسالة الرسمية:وهي التي تتعلق بالجوانب الوظيفية*ويدخل فيها: ما يسمى بالمعروض*والاستدعاءات*والتعاميم*والقرارات الإدارية الموجهة*والبلاغات و…
أجزاء الرسالة الإدارية*وكيفية كتابتها:
للرسالة الإدارية أجزاء تتألف منها*وذلك على هذا النحو:
1- الترويسة،وقد سبق ذكرها،وتمت الإشارة إلى أنها خاصة بالرسائل التجارية*وتجدر الإشارة إلى أنها عادة ما تكون مطبوعة جاهزة*وقد تكون في الرسائل الحكومية ؛لإثبات رسميتها.
2- التاريخ*وقد يكتب في المعروض آخر الرسالة مع الاسم.
3- مخاطبة المرسل إليه مع ذكر مرتبته الوظيفية( رئيس- مدير- أمين – أمير…) وما يناسبه من ألفاظ التبجيل(السيد – سعادة – معالي- فضيلة).
4- التحية الافتتاحية(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

5- جسم الرسالة:وهو موضوع الرسالة*ويعرض في فقرات(بحسب الحاجة)*تبدأ الأولى بتمهيد موجز يهيئ به ذهن المخاطب لموضوع الرسالة*وقد يكون إشارة إلى موضوع سابق(إشارة إلى – إلحاقا ل…- توضيحا ل…)* وتختتم الفقرة الأخيرة من تلك الفقرات بعبارة مناسبة تتطلب غالبا الرد *أو الحض على إنجاز الطلب*أو تعيد التأكيد على أمر….
6- تحية الختام:وتأتي بعد آخر فقرة*وعادة ما يكون فيها(مع دعائي لكمبالتوفيق_وتفضلوا بقبول أصدق التحايا-أو شاكرا لكم حسن تعاونكم).
7 – التوقيع والاسم*وقد تكتب الوظيفة.
أمور تجب مراعاتها في الرسالة الإدارية:
يجب التنبه إلى بعض الأمور التي يسبب عدم مراعاتها خللا في الرسالة الإدارية*ومنها:
1- الدقة والوضوح في ألفاظ الرسالة وأفكارها.
2- الموضوعية *والابتعاد عن الأساليب الأدبية والمعاني الشعرية من خيال وصور.
3-الإيجاز* وهي صفة محمودة في مجالات الكتابة الوظيفية.
4- التنبه إلى لقب تبجيل المرسل إليه*فإن مخالفة ذلك أو الخلط فيه يجعلك موضعا للتندر.
5-عند الرد على خطاب سابق يشار إلى ذلك الخطاب برقمه وتاريخه وموضوعه.
6- مراعاة حسن تقسيم الأفكار والانتقال بينها من الفكرة السابقة- بعد أن تستوفى- إلى التالية وبتسلسل منطقي.
7- عند الرد على رسالة ذات نقاط متعددة* يجب أن يتضمن الرد كل تلك النقاط مرتبة حسب ورودها في الخطاب الأصلي.
1. نموذج للرسالة الإدارية والتجارية:

هذا نموذج للرسالة يكتبها الطالب الجامعي لمشكلة حدثت له

بسم الله الرحمن الرحيم

سعادة رئيس قسم………… الدكتور…………….. سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته *وبعد:

أفيدكم أني أحد طلاب هذا القسم الموقر*ومن دفعة 2022 *وأنا الآن في المستوى الخامس*ومعدلي التراكمي 3،7 ولم تصادفني أية مشكلة منذ التحاقي بالجامعة على كل الأصعدة. غير أني مع بداية هذا الفصل الدراسي 051 فوجئت بإلغاء اسمي من قائمة مادة (201 عربي)مع أني سجلت في هذه المادة مبكرا*وليس علي أية ملاحظة من قبل المسجل أو من قبل أستاذ المادة *وأنا حريص أشد الحرص على إتمامي لدراسة هذه المادة بأي شكل.

لذا أرجو من سعادتكم النظر في موضوعي هذا بما عهد عنكم من تيسير أمور الطلاب وحل مشكلاتهم*شاكرا لكم حسن تعاونكم * والله يحفظكم.

مقدمه:

الطالب/………………………………………..
الرقم الجامعي/
التاريخ/
والتوقيع:…………….

والتجارية كما أسلفنا تختلف من حيث الترويسة أو الواجهة الإعلانية التي تُذكر كاملة المعلومات في أعلى الرسالة*وعادة ما تكون تلك الإعلانات مطبوعة في أوراق جاهزة للاستخدام

منقول


الجمهورية الجزائرية الديـــــــــــــــمقراطية الشــــــــعبية
المرسل: (اسم جدك) المرسل اليه:السيد مدير مركز صندوق التقاعد
الموضوع:التبليغ بتسليم الوثائق المطلوبة يوم 6/03/2011
المرجع:طلبكم المؤرخ في 27_02_

سيدي
جواباعلى مراسلتكم يشرفني بمزيد من التقدير و الاحترام ان ارد عليكم بدل جدي و ذلك لان جدي لا يحسن الكتابة و القراءة على رسالتكم المؤورخة في 27/02/2011وأخبركم في ردي ان جدي قد سلم الوثائق المطلوبة شخصيا الى المصلحة المعنبة.
وفي انتظار تجديديكم للوثائق تقبل مني سيدي المدير فائق عبارات التقدير و الاحترام
التوقيع: (اسم جدك)

منقول أيضا


التصنيفات
الطلبات والاستفسارات للسنة الثالثة متوسط

الرسالة الادارية

الرسالة الإدارية
الرسالة نوع من أنواع الكتابة الوظيفية يتم فيها الاتصال بين طرفين كتابيا.
الرسائل فن كتابي عربي قديم *وهي وسيلة من وسائل الاتصال*وعندما تتبادل الإدارات الحكومية الطلبات والمعلومات*أو ترسل منشأة تجارية إلى العملاء*أو يرسل عميل أو موظف إلى دائرة يطلب شيئا ما*أو يتعامل المرؤسون مع رؤسائهم*أو العكس*في ديوان حكومي*فإن الرسائل هي الطريق لكل ذلك*وفي هذه الوحدة سنتعرف على تفصيل ذلك.
سيشتمل هذا الدرس على الـمفردات التالية:
· تعريف الرسالة الإدارية.
· أهمية الرسالة الإدارية.
· أنواع الرسالة الإدارية.
· أمور تجب مراعاتها في الرسالة الإدارية.
· نموذج للرسالة الإدارية والرسالة التجارية.
تعريف الرسالة الإدارية
الرسالة الإدارية : هي نوع من أنواع الكتابة الوظيفية*وتقوم على أساس الاتصال الكتابي بين جهتين
وهي كل مخاطبة مكتوبة تتم بين جهتين رسميتين *أو بين جهة رسمية وشخص أو العكس*أو بين شخصين لغرض وظيفي.
أهميته الرسالة الإدارية.
للرسالة أهمية كبيرة في الحياة الاجتماعية والوظيفية*فهي وسيلة مهمة من وسائل الاتصال*وهي
1 ـ وسيلة التخاطب الكبرى بين الدوائر الحكومية وغير الحكومية *وعلى مستوى الفرد والمؤسسة..
2ـ أنها تختصر الجهد والمسافة بين مواقع جهات المراسلة .
3 ـ وثيقة قانونية يمكن الرجوع إليها عند الحاجة.
4 ـ اعتمادها وسيلة من وسائل الإعلان وبخاصة في الرسائل التجارية.
أنواع الرسالة الإدارية:
للرسالة الإدارية نوعان:
1- الرسالة التجارية:وتستخدم في الأغراض التجارية(تسويق بضاعة أو عرض خدمةأو طلب شراء أو…)*وأهم ما يميزها هو الناحية الدعائية للمؤسسة أو الشركة*وتحتوي في أعلاها على ما يسمى بالترويسة*وفيها تسجل معلومات الشركة أو المؤسسة كاملة*من(اسم الشركة أو المؤسسة ومكانها ونوع التجارة ورقم السجل التجاري وصندوق البريد ورقم الهاتف *والبريد الإلكتروني * والشعار الخاص).
2- والرسالة الرسمية:وهي التي تتعلق بالجوانب الوظيفية*ويدخل فيها: ما يسمى بالمعروض*والاستدعاءات*والتعاميم*والقرارات الإدارية الموجهة*والبلاغات و…
أجزاء الرسالة الإدارية*وكيفية كتابتها:
للرسالة الإدارية أجزاء تتألف منها*وذلك على هذا النحو:
1- الترويسة،وقد سبق ذكرها،وتمت الإشارة إلى أنها خاصة بالرسائل التجارية*وتجدر الإشارة إلى أنها عادة ما تكون مطبوعة جاهزة*وقد تكون في الرسائل الحكومية ؛لإثبات رسميتها.
2- التاريخ*وقد يكتب في المعروض آخر الرسالة مع الاسم.
3- مخاطبة المرسل إليه مع ذكر مرتبته الوظيفية( رئيس- مدير- أمين – أمير…) وما يناسبه من ألفاظ التبجيل(السيد – سعادة – معالي- فضيلة).
4- التحية الافتتاحية(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

5- جسم الرسالة:وهو موضوع الرسالة*ويعرض في فقرات(بحسب الحاجة)*تبدأ الأولى بتمهيد موجز يهيئ به ذهن المخاطب لموضوع الرسالة*وقد يكون إشارة إلى موضوع سابق(إشارة إلى – إلحاقا ل…- توضيحا ل…)* وتختتم الفقرة الأخيرة من تلك الفقرات بعبارة مناسبة تتطلب غالبا الرد *أو الحض على إنجاز الطلب*أو تعيد التأكيد على أمر….
6- تحية الختام:وتأتي بعد آخر فقرة*وعادة ما يكون فيها(مع دعائي لكمبالتوفيق_وتفضلوا بقبول أصدق التحايا-أو شاكرا لكم حسن تعاونكم).
7 – التوقيع والاسم*وقد تكتب الوظيفة.
أمور تجب مراعاتها في الرسالة الإدارية:
يجب التنبه إلى بعض الأمور التي يسبب عدم مراعاتها خللا في الرسالة الإدارية*ومنها:
1- الدقة والوضوح في ألفاظ الرسالة وأفكارها.
2- الموضوعية *والابتعاد عن الأساليب الأدبية والمعاني الشعرية من خيال وصور.
3-الإيجاز* وهي صفة محمودة في مجالات الكتابة الوظيفية.
4- التنبه إلى لقب تبجيل المرسل إليه*فإن مخالفة ذلك أو الخلط فيه يجعلك موضعا للتندر.
5-عند الرد على خطاب سابق يشار إلى ذلك الخطاب برقمه وتاريخه وموضوعه.
6- مراعاة حسن تقسيم الأفكار والانتقال بينها من الفكرة السابقة- بعد أن تستوفى- إلى التالية وبتسلسل منطقي.
7- عند الرد على رسالة ذات نقاط متعددة* يجب أن يتضمن الرد كل تلك النقاط مرتبة حسب ورودها في الخطاب الأصلي.
1. نموذج للرسالة الإدارية والتجارية:

هذا نموذج للرسالة يكتبها الطالب الجامعي لمشكلة حدثت له

بسم الله الرحمن الرحيم

سعادة رئيس قسم………… الدكتور…………….. سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته *وبعد:

أفيدكم أني أحد طلاب هذا القسم الموقر*ومن دفعة 2022 *وأنا الآن في المستوى الخامس*ومعدلي التراكمي 3،7 ولم تصادفني أية مشكلة منذ التحاقي بالجامعة على كل الأصعدة. غير أني مع بداية هذا الفصل الدراسي 051 فوجئت بإلغاء اسمي من قائمة مادة (201 عربي)مع أني سجلت في هذه المادة مبكرا*وليس علي أية ملاحظة من قبل المسجل أو من قبل أستاذ المادة *وأنا حريص أشد الحرص على إتمامي لدراسة هذه المادة بأي شكل.

لذا أرجو من سعادتكم النظر في موضوعي هذا بما عهد عنكم من تيسير أمور الطلاب وحل مشكلاتهم*شاكرا لكم حسن تعاونكم * والله يحفظكم.

مقدمه:

الطالب/………………………………………..
الرقم الجامعي/
التاريخ/
والتوقيع:…………….

والتجارية كما أسلفنا تختلف من حيث الترويسة أو الواجهة الإعلانية التي تُذكر كاملة المعلومات في أعلى الرسالة*وعادة ما تكون تلك الإعلانات مطبوعة في أوراق جاهزة للاستخدام


اسفة لم نصحح هاد النشاط

واهلا بك فالمنتدى

الرسالة الإدارية
الرسالة نوع من أنواع الكتابة الوظيفية يتم فيها الاتصال بين طرفين كتابيا.
الرسائل فن كتابي عربي قديم *وهي وسيلة من وسائل الاتصال*وعندما تتبادل الإدارات الحكومية الطلبات والمعلومات*أو ترسل منشأة تجارية إلى العملاء*أو يرسل عميل أو موظف إلى دائرة يطلب شيئا ما*أو يتعامل المرؤسون مع رؤسائهم*أو العكس*في ديوان حكومي*فإن الرسائل هي الطريق لكل ذلك*وفي هذه الوحدة سنتعرف على تفصيل ذلك.
سيشتمل هذا الدرس على الـمفردات التالية:
· تعريف الرسالة الإدارية.
· أهمية الرسالة الإدارية.
· أنواع الرسالة الإدارية.
· أمور تجب مراعاتها في الرسالة الإدارية.
· نموذج للرسالة الإدارية والرسالة التجارية.
تعريف الرسالة الإدارية
الرسالة الإدارية : هي نوع من أنواع الكتابة الوظيفية*وتقوم على أساس الاتصال الكتابي بين جهتين
وهي كل مخاطبة مكتوبة تتم بين جهتين رسميتين *أو بين جهة رسمية وشخص أو العكس*أو بين شخصين لغرض وظيفي.
أهميته الرسالة الإدارية.
للرسالة أهمية كبيرة في الحياة الاجتماعية والوظيفية*فهي وسيلة مهمة من وسائل الاتصال*وهي
1 ـ وسيلة التخاطب الكبرى بين الدوائر الحكومية وغير الحكومية *وعلى مستوى الفرد والمؤسسة..
2ـ أنها تختصر الجهد والمسافة بين مواقع جهات المراسلة .
3 ـ وثيقة قانونية يمكن الرجوع إليها عند الحاجة.
4 ـ اعتمادها وسيلة من وسائل الإعلان وبخاصة في الرسائل التجارية.
أنواع الرسالة الإدارية:
للرسالة الإدارية نوعان:
1- الرسالة التجارية:وتستخدم في الأغراض التجارية(تسويق بضاعة أو عرض خدمةأو طلب شراء أو…)*وأهم ما يميزها هو الناحية الدعائية للمؤسسة أو الشركة*وتحتوي في أعلاها على ما يسمى بالترويسة*وفيها تسجل معلومات الشركة أو المؤسسة كاملة*من(اسم الشركة أو المؤسسة ومكانها ونوع التجارة ورقم السجل التجاري وصندوق البريد ورقم الهاتف *والبريد الإلكتروني * والشعار الخاص).
2- والرسالة الرسمية:وهي التي تتعلق بالجوانب الوظيفية*ويدخل فيها: ما يسمى بالمعروض*والاستدعاءات*والتعاميم*والقرارات الإدارية الموجهة*والبلاغات و…
أجزاء الرسالة الإدارية*وكيفية كتابتها:
للرسالة الإدارية أجزاء تتألف منها*وذلك على هذا النحو:
1- الترويسة،وقد سبق ذكرها،وتمت الإشارة إلى أنها خاصة بالرسائل التجارية*وتجدر الإشارة إلى أنها عادة ما تكون مطبوعة جاهزة*وقد تكون في الرسائل الحكومية ؛لإثبات رسميتها.
2- التاريخ*وقد يكتب في المعروض آخر الرسالة مع الاسم.
3- مخاطبة المرسل إليه مع ذكر مرتبته الوظيفية( رئيس- مدير- أمين – أمير…) وما يناسبه من ألفاظ التبجيل(السيد – سعادة – معالي- فضيلة).
4- التحية الافتتاحية(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

5- جسم الرسالة:وهو موضوع الرسالة*ويعرض في فقرات(بحسب الحاجة)*تبدأ الأولى بتمهيد موجز يهيئ به ذهن المخاطب لموضوع الرسالة*وقد يكون إشارة إلى موضوع سابق(إشارة إلى – إلحاقا ل…- توضيحا ل…)* وتختتم الفقرة الأخيرة من تلك الفقرات بعبارة مناسبة تتطلب غالبا الرد *أو الحض على إنجاز الطلب*أو تعيد التأكيد على أمر….
6- تحية الختام:وتأتي بعد آخر فقرة*وعادة ما يكون فيها(مع دعائي لكمبالتوفيق_وتفضلوا بقبول أصدق التحايا-أو شاكرا لكم حسن تعاونكم).
7 – التوقيع والاسم*وقد تكتب الوظيفة.
أمور تجب مراعاتها في الرسالة الإدارية:
يجب التنبه إلى بعض الأمور التي يسبب عدم مراعاتها خللا في الرسالة الإدارية*ومنها:
1- الدقة والوضوح في ألفاظ الرسالة وأفكارها.
2- الموضوعية *والابتعاد عن الأساليب الأدبية والمعاني الشعرية من خيال وصور.
3-الإيجاز* وهي صفة محمودة في مجالات الكتابة الوظيفية.
4- التنبه إلى لقب تبجيل المرسل إليه*فإن مخالفة ذلك أو الخلط فيه يجعلك موضعا للتندر.
5-عند الرد على خطاب سابق يشار إلى ذلك الخطاب برقمه وتاريخه وموضوعه.
6- مراعاة حسن تقسيم الأفكار والانتقال بينها من الفكرة السابقة- بعد أن تستوفى- إلى التالية وبتسلسل منطقي.
7- عند الرد على رسالة ذات نقاط متعددة* يجب أن يتضمن الرد كل تلك النقاط مرتبة حسب ورودها في الخطاب الأصلي.
1. نموذج للرسالة الإدارية والتجارية:

هذا نموذج للرسالة يكتبها الطالب الجامعي لمشكلة حدثت له

بسم الله الرحمن الرحيم

سعادة رئيس قسم………… الدكتور…………….. سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته *وبعد:

أفيدكم أني أحد طلاب هذا القسم الموقر*ومن دفعة 2022 *وأنا الآن في المستوى الخامس*ومعدلي التراكمي 3،7 ولم تصادفني أية مشكلة منذ التحاقي بالجامعة على كل الأصعدة. غير أني مع بداية هذا الفصل الدراسي 051 فوجئت بإلغاء اسمي من قائمة مادة (201 عربي)مع أني سجلت في هذه المادة مبكرا*وليس علي أية ملاحظة من قبل المسجل أو من قبل أستاذ المادة *وأنا حريص أشد الحرص على إتمامي لدراسة هذه المادة بأي شكل.

لذا أرجو من سعادتكم النظر في موضوعي هذا بما عهد عنكم من تيسير أمور الطلاب وحل مشكلاتهم*شاكرا لكم حسن تعاونكم * والله يحفظكم.

مقدمه:

الطالب/………………………………………..
الرقم الجامعي/
التاريخ/
والتوقيع:…………….

والتجارية كما أسلفنا تختلف من حيث الترويسة أو الواجهة الإعلانية التي تُذكر كاملة المعلومات في أعلى الرسالة*وعادة ما تكون تلك الإعلانات مطبوعة في أوراق جاهزة للاستخدام

منقول


الجمهورية الجزائرية الديـــــــــــــــمقراطية الشــــــــعبية
المرسل: (اسم جدك) المرسل اليه:السيد مدير مركز صندوق التقاعد
الموضوع:التبليغ بتسليم الوثائق المطلوبة يوم 6/03/2011
المرجع:طلبكم المؤرخ في 27_02_

سيدي
جواباعلى مراسلتكم يشرفني بمزيد من التقدير و الاحترام ان ارد عليكم بدل جدي و ذلك لان جدي لا يحسن الكتابة و القراءة على رسالتكم المؤورخة في 27/02/2011وأخبركم في ردي ان جدي قد سلم الوثائق المطلوبة شخصيا الى المصلحة المعنبة.
وفي انتظار تجديديكم للوثائق تقبل مني سيدي المدير فائق عبارات التقدير و الاحترام
التوقيع: (اسم جدك)

منقول أيضا


التصنيفات
إدارة أعمال

ماهية القيادة الادارية

القيادة الإدارية وأنواعها نذ الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي بدأت العديد من المنظمات الكبيرة بالعمل على تحسين و تطوير عملية إختيار من يخلف كبار المسؤولين التنفيذين و التعرف المبكر على المواهب القيادية لهم ،وذلك لأثرها على سلوك الأفراد و الجماعات ومستوى أداءهم في التنظيم وبالتالي على تحقيق الأهداف بشكل مباشر.
فالمنظمة تستطيع قياس مدى نجاحها و كفاءتها من خلال معاملة القيادة الإدارية للأفراد العاملين ، فكلما كانت القيادة كفء و جيدة ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المنظمة وتستطيع أن تحقق أهدافها ، فالقادة أناس مبدعون يبحثون عن المخاطر لإكتساب الفرص و المكافآت.
أولاً: مفهوم القيادة الإدارية و أنواعها:

كثيرون هم الذين تطرقوا إلى تعريف القيادة سواء كانوا علماء أم قادة ظهروا في التاريخ ،لكن القيادة لم تكن في كل هذه التعاريف موضوعا قابلا للجدل بقدر ما كانت موضوعا يستدعي الرصد المستمر و الدراسة و المناقشة .
وتعرف القيادة الإدارية بأنها النشاط الذي يمارسه القائد الإداري في مجال اتخاذ وإصدار القرار و إصدار الأوامر و الإشراف الإداري على الآخرين باستخدام السلطة الرسمية وعن طريق التأثير والاستمالة بقصد تحقيق هدف معين، فالقيادة الإدارية تجمع في هذا المفهوم بين استخدام السلطة الرسمية وبين التأثير على سلوك الآخرين و استمالتهم للتعاون لتحقيق الهدف .
و يمكن تصنيف القيادة إلى:

1. القيادة الرسمية:
وهي القيادة التي تمارس مهامها وفقا لمنهج التنظيم)أي اللوائح و القوانين( التي تنظم أعمال المنظمة، فالقائد الذي يمارس مهامه من هذا المنطلق تكون سلطاته و مسؤولياته محددة من قبل مركزه الوظيفي والقوانين و اللوائح المعمول بها.
2. القيادة غير الرسمية:
وهي تلك القيادة التي يمارسها بعض الأفراد في التنظيم وفقا لقدراتهم و مواهبهم القيادية وليس من مركزهم ووضعهم الوظيفي، فقد يكون البعض منهم في مستوى الإدارة التنفيذية أو الإدارة المباشرة إلا أن مواهبه القيادية و قوة شخصيته بين زملاؤه وقدرته على التصرف و الحركة و المناقشة و الإقناع يجعل منه قائدا ناجحا، فهناك الكثير من النقابيين في بعض المنظمات يملكون مواهب قيادية تشكل قوة ضاغطة على الإدارة في تلك المنظمات.
وبشكل عام فإن كلا من هذين النوعين من القيادة لا غنى عنه في المنظمة فالقيادة الرسمية وغير الرسمية متعاونان في كثير من الأحيان لتحقيق أهداف المنظمة و قلما أن تجتمعان في شخص واحد.
ثانيا: هل القائد يولد أم يصنع؟

وهو تساؤل مشهور اختلفت إجابات المتخصصين عليه اختلافا واسعًا، فأكد بعضهم إلى أن القيادة موهبة فطرية تمتلكها فئة معينة قليلة من الناس ،يقول وارين بينسي: “لا تستطيع تعلم القيادة، القيادة شخصية وحكمة وهما شيئان لا يمكنك تعليمهما” ،وأكد آخرون أن القيادة فن يمكن اكتسابه بالتعلم والممارسة والتمرين، يقول وارن بلاك:” لم يولد أي إنسان كقائد، القيادة ليست مبرمجة في الجينات الوراثية ولا يوجد إنسان مركب داخليًا كقائد ” ومثله بيتر دركر يقول :” القيادة يجب أن تتعلمها وباستطاعتك ذلك”.
والذي يتبين لنا أن القيادة تارة تكون فطرية وأخرى تكون مكتسبة، فبعض الناس يرزقهم الله تعالى صفات قيادية فطرية ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للأحنف بن قيس رضي الله عنه “إنك فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة، فقال الأحنف: يا رسول الله: أنا تخلقت بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله”.
ثالثا: صفات القائد الإداري:

قام كلا من داني كوكس(Danny Cox) وجون هوفر(John Hoover) بدراسة على مجموعة من القادة الإداريين في بعض المنظمات و استطاعوا من خلالها تلخيص صفات القادة إلى عشر صفات هي:
1- صقل المقاييس العليا للأخلاقيات الشخصية :
بحيث لا يستطيع القائد الفعَال أن يعيش أخلاقيات مزدوجة إحداها في حياته العامة (الشخصية) و الأخرى في العمل ،فالأخلاقيات الشخصية لابد أن تتطابق مع الأخلاقيات المهنية.
2- النشاط العالي:
بحيث يترفع القائد عن توافه الأمور و ينغمس في القضايا الجليلة في حال اكتشافه بأنها مهمة و مثيرة.
3- الإنجاز:
فالقائد الفعَال تكون لديه القدرة على إنجاز الأولويات ،غير أن هناك فرقا مابين إعداد الأولويات وإنجازها.
4- امتلاك الشجاعة:
فهناك فرق في الطريقة التي يتعامل بها الشخص الشجاع و الشخص الخجول مع الحياة ،فالشخص الجريء المقدام قد يلجأ إلى المشي على الحافة بهدف إنجاز الأعمال مع تحمله لكافة النتائج المترتبة على ذلك والمسؤولية الكاملة ،في حين أن الشخص المسالم ذا الحركة البطيئة و الثقيلة يعكف على المشي بحذر وعلى أطراف الأصابع بهدف الوصول إلى الموت بسلام.
5- العمل بدافع الإبداع:
يتميز القادة الفعالون بدوافعهم الذاتية للإبداع و الشعور بالضجر من الأشياء التي لا تجدي نفعا أما الأفراد الذين يتمتعون بالحماس و الإقدام فلن يكون لديهم الصبر لانتظار رنين الهاتف من أجل البدء بالعمل ،فالقائد الفعال هو شخص مبدع خلاَق يفضل أن يبدأ بطلب المغفرة على طلب الإذن.
6- العمل الجاد بتفان والتزام:
فالقادة الفعالين يقوموا بإنجاز أعمالهم بتفان و عطاء كبير كما يكون لديهم التزام تجاه تلك الأعمال.
7- تحديد الأهداف:
فجميع القادة الفعَالين الذين تم دراستهم يمتلكون صفة تحديد الأهداف الخاصة بهم والتي تعتبر ذات ضرورة قصوى لاتخاذ القرارات الصعبة.
8- استمرار الحماس:
إن أغلب القادة يمتلكون حماسا ملهما ،فهم تماما كالشعلة التي لا تنطفئ أبدا لتبقى متقدة على الدوام ،فنمو القائد وتطوره يتطلب حماسا حقيقيا ملهما وإذا كان الفرد في حيرة حول الكيفية التي يمكن الحصول بها على ذلك الحماس فما عليه إذا إلا إعادة الصفات القيادية السابقة لوجود علاقة وثيقة و متراصة بين تلك الصفات.
9- امتلاك الحنكة:
فالقائد الفعَال هو ذلك الشخص الذي يمتلك مستوى رفيعا من الحنكة بحيث يتمكن من تنظيم المواقف الفوضوية، فهو لا يتجاوب مع المشاكل بل يستجيب لها.
10- مساعدة الآخرين على النمو:
فالقادة الحقيقيون لا يسعون للتطوير و النمو الذاتي فقط ،وعندما يكون جو العمل سليما و صحيا و خاليا من التفاهات يتم حينها تبادل الأفكار بحرية مما يؤدي إلى التعاون ،ومن خلال هذا التعاون تصبح المنظمة و العاملون فيها جزءا متكاملا لا يتجزأ منتجين فريقا يتصدى لأقوى الفرق و المهام.
أما د.السيد عليوة حدد الصفات الشخصية و القيادية كما يلي:

الصفات الشخصية:
السمعة الطيبة و الأمانة و الأخلاق الحسنة.
الهدوء و الاتزان في معالجة الأمور و الرزانة و التعقل عند اتخاذ القرارات.
القوة البدنية و السلامة الصحية.
المرونة وسعة الأفق.
القدرة على ضبط النفس عند اللزوم.
المظهر الحسن.
احترام نفسه و احترام الغير.
الإيجابية في العمل.
القدرة على الابتكار و حسن التصرف.
أن تتسم علاقاته مع زملائه و رؤسائه و مرؤوسيه بالكمال والتعاون.
الصفات القيادية: كالمهارات والقدرات الفنية والتي يمكن تنميتها بالتدريب وأهمها ما يلي :
الإلمام الكامل بالعلاقات الإنسانية وعلاقات العمل.
الإلمام الكامل باللوائح و القوانين المنظمة للعمل.
القدرة على اكتشاف الأخطاء وتقبل النقد البناء.
القدرة على اتخاذ القرارات السريعة في المواقف العاجلة دون تردد.
الثقة في النفس عن طريق الكفاءة العالية في تخصصه واكتساب ثقة الغير.
الحزم وسرعة البت وتجنب الاندفاع و التهور.
الديمقراطية في القيادة وتجنب الاستئثار بالرأي أو السلطة.
القدرة على خلق الجو الطيب و الملائم لحسن سير العمل.
المواظبة و الانتظام حتى يكون قدوة حسنة لمرؤوسيه.
سعة الصدر و القدرة على التصرف و مواجهة المواقف الصعبة.
توخي العدالة في مواجهة مرؤوسيه.
تجنب الأنانية وحب الذات وإعطاء الفرصة لمرؤوسيه لإبراز مواهبهم وقدراتهم.
رابعا: اختيار القادة الإداريين واكتشافهم:

تفشل الكثير من المنظمات في الوصول إلى صورة محددة و واضحة عن المرشحين لمراكز قيادية بسبب الخلل في الإجراءات التي تتخذها لتقييم المرشحين لتلك المراكز ،فغالبا ما يؤاخذ أشخاص واعدين جدا بخطأ واحد في حين يصل المحظوظون متوسطو الكفاءة إلى المراكز العالية.
فعملية اختيار القادة الإداريين غاية في الدقة وتتطلب عناية بالغة ،لذلك فإنه يمكن أن تتم وفق القواعد التالية:

أولا: تقدم رئاسات الأجهزة ترشيحها للأفراد الذين يتولون المناصب القيادية دون التقيد بقاعدة الأقدمية على أن تؤخذ في الاعتبار عند الترشيح القواعد والمعايير التالية:
توافر الصفات المطلوبة في القائد الإداري.
الكفاءة في العمل و القدرة على الإنتاج.
أن تكون التقارير التي كتبت عنه طوال مدة خدمته عالية التقدير وخالية من الانحرافات.
أن يكون سلوكه خارج مجتمع الوظيفة سلوكا سليما.
أن يكون مارس أعمال القيادة في المستوى الإشرافي الأول بنجاح.
أن يكون الاختيار النهائي مبني على نتائج التدريب.
توافر الصفات العامة و الخاصة التي تلزم الوظيفة المرشح لها.
ثانيا: أن يكون الترشيح قبل التعيين في الوظيفة القيادية بفترة زمنية معقولة تتيح لجهات الاختصاص تحري الدقة اللازمة في إجراء عملية الاختيار.
ثالثا: أن تعد من حين لأخر دورة تدريبية لإعداد المرشحين للمستوى القيادي المطلوب ،ويتم تقييم المرشحين خلال ستة أشهر عن طريق:
التقارير عن المرشح في نهاية الدورة التدريبية.
التقرير الفني عن أداء و إنتاج المرشح الذي تعده رئاسته الفنية نتيجة للتفتيش الفني في أدائه.
التقرير عن الكفاءة الإدارية نتيجة للتفتيش الإداري بواسطة أجهزة الرقابة المختصة.
التقرير عن النواحي السلوكية و العقائدية.
ويتم تجميع التقارير المطلوبة وترفع إلى الجهة صاحبة السلطة في التعيين لإصدار القرار اللازم.
ويتأثر إختيار القائد بمؤثرات قد تختلف بعض الشيء في جوهرها عن إختيار المدير ومن أهمها:

حجم المنظمة ونوعها:
فحجم المنظمة ونوعها يمكننا من خلق الظروف المواتية لصنع القائد ووجود جمع من الأتباع يساندونه.
موقع المنظمة: فوجود المنظمة في منطقة مكتظة بالسكان له تأثير مخالف عن وجودها في منطقة نائية أو غير مكتظة بالسكان.
نوع المشكلة التي تصنع الموقف الذي بدوره يصنع القائد: فهل هي مشكلة عامة تتعلق بالأجور والحوافز أم مشكلة فنية تتعلق بالأجهزة والآلات والمعدات، وعلى سبيل المثال فإن مشكلة استخدام معدات مستهلكة وأسلحة وذخيرة فاسدة في حرب 1948م ضد اليهود في فلسطين وما ترتب على ذلك من آثار خلفت مواقف وصنعت قيادات قامت بثورة يوليو سنة 1952م.
نوع العاملين ومدى إيمانهم بمشكلتهم: أي مدى معرفتهم لأبعادها وقدرتهم على صنع القيادة بتأييدها و الالتفاف من حولها و حمايتها من الضغوط التي تقع عليها والأذى الذي قد يتوقعها.
المناخ المناسب لظهور القائد و القدرة على الاستمرار في الوقوف من حوله: فالمناخ الديمقراطي يساعد على ظهور القيادات كما يعاونها على الحركة أما المناخ الاستبدادي الذي يعتمد على القهر وعلى البطش فلا يساعد على ظهور القيادات وممارستها لمهامها ولكنه قد يصنعها لتعمل طويلا في الخفاء.
الوقت المناسب: فكما أن المناخ يؤثر في صنع القيادات وظهورها فإن الوقت المناسب يكون له تأثير بالغ على ذلك أيضا.
مقدار الوقت المتاح: يؤثر هو الآخر في صنع القيادات وظهورها، ففي المنظمات الحديثة قد لا تتاح الفرصة لصنع القيادات (بينما قد يحتاج ذلك لتلك المنظمة في الأجل الطويل).
خامسا: الأخطاء الرئيسية في عملية التقييم

قد لا ينتج معلومات دقيقة ومتكاملة عن عملية التقييم في العديد من المنظمات مما يجعل كبار المديرين عرضة للكثير من الأخطاء عند تقييمهم للمرشحين ،ومن تلك الأخطاء الرئيسية النزعة إلى المبالغة في تقدير أهمية بعض الصفات و الخصائص مثل :
المهارة في العمل كعضو في فريق: يفضل كبار المديرين الأشخاص الذين يديرون إداراتهم أو أقسامهم بسلاسة وبدون مشاكل مع العاملين ومثل هؤلاء الأشخاص عادة ما يصعدون السلالم الوظيفية بسرعة بسبب هذه الخاصية ،لأن كبار المديرين لا يريدون أن يضيعوا وقتهم في حل المشاكل و الحفاظ على الوئام بين مديري الإدارات و الأقسام وموظفيهم، إلا أن مثل هؤلاء الأشخاص لا يمكن أن يصبحوا قادة مميزين، لأن القادة المميزين ليسوا عادة لاعبين ضمن فريق بل ربما يفضلون أن يعمل الآخرون كفريق في حين أنهم يرددون الشعارات المؤيدة للفرق ،ولكن عندما يتطلب الأمر اتخاذ قرار حاسم فإنهم يدركون أنهم ليسوا في حاجة ماسة إلى الاستماع الكامل إلى الآخرين قبل القيام بخطوتهم ،فهم مستقلون في تفكيرهم ولا يمانعون في اتخاذ القرارات بأنفسهم وهي قرارات تجعلهم في عزلة عن المجموعة.
1. التدريب الشخصي:
من الاعتقادات الخاطئة و الشائعة أن القادة يمكن أن يطوروا الآخرين عن طريق التدريب الشخصي و المباشر لهم ،إلا أن الكثير من القادة المتميزين يفضلون إختيار مرشحين أقوياء ومتمكنين ومن ثم إعطائهم صلاحيات كافية ومنحهم الفرص لتطوير أنفسهم من خلال تجاربهم و الاستفادة من أخطائهم.
2. البراعة في الأعمال التشغيلية:
كثير من كبار المديرين يبالغون في تقدير قيمة المديرين الجيدين في أداء الأعمال التشغيلية وفي حل المشكلات لأنهم يسهلون و ييسرون عليهم العمل ،وعلى الرغم من أن مثل هؤلاء قد يكونون في وضع جيد في منظماتهم ،إلا أنهم غالبا لا يكونون قادة فعالين، حيث يعتمد هؤلاء المديرون الفنيون و المختصون بشكل رئيس على الأنظمة و السياسات و الإجراءات فيكون هناك جمود تام ،لذا فإنهم يعتقدون أنه على كل شخص أن يعمل بنفس الأسلوب و الطريقة ،فهؤلاء يمكن أن ينجحوا في منظماتهم وأن يصلوا إلى أرفع المراكز ،لكن هذا الأمر قد يؤدي إلى اغتراب و انعزال الآخرين في المنظمة و الحد من إبداعهم.
3. الخطابة الفعالة:
إن كبار المديرين يبالغون في أهمية كيفية الظهور أمام الناس ،وبشكل خاص يركزون على مهارات الإلقاء ومع أن هذه المهارات مهمة إلا أنه يمكن أن تطور بالتدريب المكثف.

4. الطموح الواضح:
يتسبب الانطباع المتعلق بعدم وجود طموح واضح في فقد الكثير من الناس للترقيات المستحقة ،ولسوء الحظ فإن كبار المديرين يغفلون عن أن طموح الشخص قد لا يكون معبرا عنه.

5. التشابه و الانسجام:
كثير من كبار المديرين يفضلون الأشخاص الذين لديهم خلفيات و تجارب و صفات تشبههم ،وفي بعض الأحيان فإن المرشحين الواعدين يتم تجاهلهم بسبب الاختلاف في العرق أو الجنس أو الخلفية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الأكاديمية أو الجغرافية أو بسبب أنهم لم يتولوا مناصب في شركات متشابهة.
سادسا: المهام الأساسية للقائد المدير

لا شك أن القيادة لا تأتي بالتنصيب أو الاعتبارات الخاصة ولا تأتي بالمال أيضاً ،بل هي قدرات خاصة ومواهب يعتمد عليها القائد وتضفي عليها التجارب وقوة التفكير وسعة الأفق ورحابة الصدر مهارات رائعة تجعله يمسك بزمام الأمور بثقة واقتدار بل لا بد أن يتولى القائد مهاماً أساسية في المنظمة التي يديرها حتى يصلح أن يكون في هذا المقام ،وتقسم مهام القائد في الغالب إلى قسمين:
مهام رسمية تنظيمية:

وتتلخص المهام الرسمية في مراعاة تنفيذ مبادئ التنظيم الإداري في المنظمة لكي تسير الأمور بانضباط وجدية، وأبرز هذه المهام ما يلي:
1. التخطيط:
أي رسم السياسات ووضع الإستراتيجيات وتحديد الأهداف البعيدة والقريبة، ووضع الخطط الموصلة إليها، وتحديد الموارد والإمكانات المادية والبشرية في ذلك كله. ولكي يتمكن القائد من إنجاز مهامه بشكل فاعل وناجح عليه أن يقوم بتوضيح أهداف المنظمة للعاملين معه، والاستماع إلى آرائهم حول القضايا، والتعرف إلى أهدافهم الشخصية، وليس الحصول على تعهداتهم والتزاماتهم بالمشاركة في إنجاز الأدوار والخطط فقط ، فالقيادة الناجحة و الفاعلة تقوم على القناعات الشخصية للأفراد وتحظى بالتعاطف والتعاون بإرادة ورضا، وهذا لا يتحقق في الغالب إلا إذا شعر الأفراد أن في إنجاز خطط المنظمة وتحقيق أهدافها تحقيقاً لأهدافهم وطموحاتهم أيضاً، ولو تلك الطموحات الذاتية التي يجب أن يشعر فيها الكثير من الأفراد بالاحترام والتقدير والاعتناء برأيهم والاهتمام بدورهم.
2. التنظيم:
أي تقسيم العمل وتوزيع المسؤوليات والوظائف بين الأفراد وتوزيع العاملين عليها حسب الكفاءات والخبرات والقدرات والطموحات. ولا يكون التوزيع ناجحاً إلا إذا وضع الرجل المناسب في مكانه المناسب، وهذا ما يفرض عليه أن يراعي الخبرة والتخصص والقدرة والفاعلية في الأفراد، ولعلّ أنجح أسلوب وأبقى لضمان التنظيم الأقوى هو التوزيع على أساس اللجان أو الهيئات والجماعات المستقلة التي تحظى بصلاحية التفكير والتخطيط في مهامها حسب نظام شورى مفتوح، ويبقى للمدير دور الاستشارة لأنه في هذا يضمن تفرغاً كبيراً للإدارة الأهم ويضمن للأفراد طموحاتهم واحترام آرائهم،فهذا الأسلوب يؤدي دوراً كبيراً في دفع العاملين إلى المشاركة في العمل بحماس وقناعة ويضمن التزامهم في تحقيق الأهداف وبهذا يكفي نفسه المزيد من الرقابة والقلق من التسيب والانفلات.
3. التنسيق بين أطراف العمل وأجنحته وتوجيه الجميع للمسير باتجاه هدف المنظمة الأول والحث على الأداء بأعلى مستوى من الكفاءة والفاعلية:
وهنا لابد للمدير من العمل على تذليل العقبات التي تقف أمام التنسيق وتمنع من تحققه أو تعرقل نجاحه من النزاعات الشخصية بين الأفراد أو عدم قناعة البعض الآخر المؤمن بالفردية أو الذي يصعب عليه تجاوزها للقبول بالجماعية والتنسيق، وغير ذلك من الموانع والمعرقلات التي تواجه التنسيق والتعاون، وهذا ما يتطلب منه الاتصال الدائم مع العاملين وشرح أهداف المنظمة لهم وتذكيرهم بها باستمرار لشحذ هممهم وتحفيزهم للتعاون، وبعبارة مختصرة عليه أن يعمل دائماً لخلق روح الفريق المتكامل والمتعامل المتحد الأهداف والطموحات.
4. تشكيل شبكة من الاتصالات العمودية والأفقية:
وذلك لنقل المعلومات والأفكار والقرارات والإطلاع على مجريات الأمور وتذليل الصعوبات أو معرفتها ليكون الجميع في أجواء العمل وتفهم حاجاته ومتطلباته.
5. المتابعة والإشراف:
فنجاح و استمرار الكثير من الأعمال يعود على مهمة المتابعة التي يقوم بها المدير مباشرة أو بوساطة المهام والخطط، كما تعد المتابعة المستمرة وسيلة للثواب والعقاب وأداة للإصلاح والتقويم والتطوير،وأيضاً تعد مهمة كبيرة لاكتشاف الطاقات الكبيرة من تلك الخاملة، لتحفيز الخامل وترقية الكفء المتحمس إلى غير ذلك من فوائد جمة ،فمهمة المتابعة المتواصلة من المدير تعد من أكثر المهام تأثيراً على الإنجاز وتحقيقاً للنجاحات.
مهام غير رسمية:

تعتمد بشكل كبير على شخصيته وآفاقه وأسلوبه الشخصي في التعامل مع الآخرين، إلا أن لها الدور الكبير في تحقيق أهداف المنظمة وتطوير العاملين وتماسكهم ،ومن هذه المهام:
1. الإهتمام بالجماعات غير الرسمية:
وهي عبارة عن جماعات تتكون بشكل طبيعي ،وفي كل جماعة مصالح مشتركة تجمعهم بشكل اختياري أو مخطط فيعملون على فرض سياسة تخدم أهدافهم بعيداً عن شكل الإدارة الرسمي كجماعات الاختصاص العلمي أو الانتماء الإقليمي أو الديني أو غير ذلك وهنا يتوجب على القائد الإهتمام بهذه الجماعات وإقامة اتصالات جيدة معهم وذلك بهدف الاقتراب منهم والتعرف على مشكلاتهم وأفكارهم من الداخل لتذليل الصعوبات وتحقيق ما يمكن تحقيقه بما لا يضر بمصالح المنظمة بل يصب في خدمتها.
2. الاتصال مع الجماعات المختلفة في المنظمة:
بحيث يكسر الحاجز بين الطابع الرسمي الذي يفرضه العمل وغير الرسمي الذي يفرضه الشعور أو الطموح أو المصلحة المشتركة مما يجعل المدير متفهماً لمطالبهم ،وبذلك يحتويهم نفسياً وفكرياً ويبعد عنهم المضايقات كما يقرب وجهات النظر معهم من خلال شرح رؤيته بلا نقل من الغير،كما يمنع من الحدس والتحليلات البعيدة عن الواقع فيحول دون الإنقسامات والاضطرابات التي قد تحدث جراء هذا الخلاف وبهذا يكون قد ضمن الوحدة والتفاهم وتحقيق النجاح للجميع.
3. المشاركة:
وقد بات أنموذج الإدارة التشاركية حقيقة مفروضة على واقع المنظمات إذا أرادت الانتصار في المجالات المختلفة ،وتتمثل القيادة التشاركية في إقامة العلاقات الإنسانية الطيبة بين القائد والعاملين معه واحتوائهم عاطفياً وتحسيسهم بأهميتهم وموقعهم من قلب القائد ورعايته فيجعلهم دائماً في ظله وكنفه ينعمون بالراحة والطمأنينة والثقة به،وبهذا يمنع من وجود أفراد يسبحون خارج فضاء المنظمة وإن وجد منهم فإن أسلوبه الحكيم هذا من شأنه أن يحتويهم ويرجعهم إلى الأجواء.
4. مشاركة العاملين في اتخاذ القرارات الإدارية وبحث مشكلات العمل ومعالجتها و وضع الحلول الناجحة لها بروح جماعية متوحدة:
فمن الخطأ أن يتصور بعض المدراء أن مشاركة المدير للعاملين معه في الرأي والقرار يقلل من شأن المدير القائد أو ينزل من مستواه ،بل الروح الجماعية المتفتحة ترفع من شأن المدير وتعطيه قوة فوق قوته وتضفي عليه احتراما وتقديراً قد لا يحصل عليه إلا بهذا الأسلوب كما تعد من أبرز عوامل نجاحه في القيادة وتأثيره على الأفراد وحفظ تماسك المنظمة وتحقيق أهدافها.
5. درجة الرعاية التي يبديها المدير تجاه القيم والمثل الإنسانية والأخلاقية في التعامل:
كقيمة الوفاء والستر على النواقص و العثرات والعفو والصفح والسماحة والكرم وغيرها من صفات إنسانية نبيلة تجعله قدوة وأسوة يحتذيها الجميع ،فيسعى لتقمص شخصيتها وبذلك يحول المدير منظمته إلى مدرسة للتربية والتهذيب والتعليم وهي تمارس أدوارها اليومية في العمل.
6. مهارة تبصر الأهداف العامة للمنظمة وربطها بأهداف المجتمع ومعالجة المشكلات الإدارية في إطار الأعراف العامة:
وهذا يتطلب منه معرفة جيدة بالسياسة العامة للدولة، وتفهم كافي للاتجاهات السياسية وتبصرها والقدرة على التعامل معها بحكمة، ليكون أقدر على التوفيق بين الضغوط العامة واتجاهات المجتمع والدولة وبين نشاط المنظمة ،مع إعطاء الأهمية للصالح العام.
7. المهارة في تنظيم الوقت وإدارته:
وذلك من خلال تحديد المهمات المطلوب إنجازها وتحديد الأولويات وتتابعها الإنجازي على مراحل الزمن ، وتلافي الأوقات المهدورة.
سابعا : النظريات القيادية

هناك العديد من النظريات التي تناولت القيادة من جوانبها المتعددة ،ومن هذه النظريات:
أولا: نظريات التأثير على المرؤوسين

وتتعلق بالأسباب أو الأساليب التي تمكن القادة من التأثير على مرؤوسيه ،بغض النظر عن فعاليته كقائد ،وهي من أوائل النظريات القيادية ومنها:
1. السمات القيادية:
وهي صفات شخصية يمتلكها القائد ،مثل: القوة الجسدية و الذكاء و قوة الشخصية ،مما يجعل المرؤوسين يقبلوا به كقائد و يتأثروا به.
2. القدوة:
حيث يقوم المرؤوسون بتقليد قائدهم الذي يعتبرونه نموذجا لتصرفهم ،وعندما لا يكون تصرف القائد قدوة ،فإنه يرسخ عدم الثقة في نفوس مرؤوسيه.
3. الحزم و الإصرار:
يستجيب المرؤوسين لقائدهم نتيجة حزمه في طلبه و إصراره عليه ،ويكون هذا القائد عادة صريحا و واضحا في طلبه.
4. التبرير المنطقي:
القائد هنا يحمل أتباعه على الأداء المطلوب عن طريق تبريره و تسويغه لهم.
5. التودد للمرؤوسين و الثناء عليهم:
بعد ذلك يطلب منهم ما يراد أداؤه ،وهذا أسلوب يتبعه كل قائد لا يثق بنفسه.
ثانيا: نظريات سلوك القائد وقدراته

تطورت هذه النظريات عن سابقاتها ،حيث يقول أصحابها ليس المهم حمل المرؤوسين على أداء المهمة فحسب ،وإنما المهم هو فعالية هذا الأداء ومن هذه النظريات:
1. القائد السلطوي:
هو القائد الذي لديه تصميم على استخدام سلطته للتأثير على تفكير وسلوك مرؤوسيه، وأن يظهر دائما أمامهم بمظهر القوة.
2. القائد الميال للإنجاز:
بحيث يميل القائد للإنجاز و الشروع بمشاريع جديدة يتم إنجازها تحت بصره.
3. القدرة على حل المشاكل:
فالقائد الفعال هو القائد القادر على حل المشاكل ،ومثل هذا القائد يكون ذكيا و قادرا على وضع الخطط و الإستراتيجيات و صنع القرارات الفعالة.
4. القدرة على المبادرة:
فالقائد الفعَال هو القائد القادر على الشروع بأعمال جديدة من تلقاء نفسه ،ويعتبر هذا القائد ممن يثقون بأنفسهم و لديهم القدرة على المبادرة باكتشاف المشاكل و الثغَرات.
5. القدرة الفنية:
بالإضافة إلى القدرات الإدارية يعتبر القائد الذي يمتلك قدرات فنية في العمل الذي يديره أكثر صلة بمرؤوسيه ممن لا يمتلك مثل هذه القدرات الفنية ،وبذلك يكون هذا القائد أكثر كفاءة و أكثر فعالية.
6. دعم المرؤوسين:
فالمدير الذي يشجع مرؤوسيه و يثني عليهم و يمدحهم بشكل يساعد على رفع معنوياتهم و دفعهم لمزيد من العطاء ،يكون أكثر فعالية من غيره وقد يدفع لمزيد من الأداء عن طريق رفع معايير الأداء.
7. التغذية الراجعة :
وهي خاصية مهمة لابد من توافرها لدى القائد ليكون فعالا ،بحيث تمكن المرؤوسين من معرفة موقعهم و بعدهم عن الأهداف التي يسعون لتحقيقها ،كما أنها تمكنهم من معرفة أداءهم الفعَال وفي ذلك تعزيز إيجابي لهم.
ثالثا:نظريات النمط القيادي

و تصف هذه النظريات نمط القائد الذي ينشأ عن مجموعة توجهات القائد و بناءا على هذه النظريات فإنه يمكن أن نتنبأ بسلوك القائد مع مرؤوسيه بمجرد أن نعرف نمطه القيادي و الذي قد يكون فعَالا أو غير فعال ،ومن هذه النظريات:
1) أنماط استخدام السلطة:

أي مدى استئثار القائد بعملية صنع القرار، وهناك العديد من النماذج التي وضحت هذه الأنماط ومنها:
أ‌- نموذج وايت و ليبيت: ومن هذه الأنماط
السلطوي (الأوتوقراطي): حيث يحاول القائد أن يستأثر بأكبر قدر من السلطة وعلى المرؤوسين الإطاعة و الاستجابة.
النمط المشارك: وهو النمط الفعَال في هذا النموذج حيث يشترك المرؤوسين بصنع القرار ،ومن صور هذا النمط ما يسمى (الإدارة بالتجوال) ،حيث يقوم القائد بجمع المعلومات من المرؤوسين أثناء الجولات التي يقوم بها على أقسام المنظمة ،ويتخذ في هذا النمط قراره بأسلوبين هما:
القرار بالإجماع : بحيث يشجع القائد النقاش حول الموضوع ،وبعد ذلك يتخذ القرار الذي يحظى بموافقة جميع الأطراف المعنية.
القرار الديمقراطي: القرار هنا لا يتطلب الإجماع وإنما تلزم موافقة الأغلبية عليه.
النمط المتسيب: وفيه يخوَل سلطة صنع القرار للمجموعة ويكتفي بإعطاء إرشادات و توجيهات وبعد ذلك يتدخل عندما يطلب منه فقط.
ب- نموذج تننبوم و شمت: ويسمى (نظرية الخط المستمر في القيادة( ،ويشتمل على سبعة أنماط قيادية هي:
يتخذ القرار بشكل أوامر على المرؤوسين تنفيذها.
يتخذ القرار لوحده ويبرره للمرؤوسين.
يحاور المرؤوسين بشأن القرار ولا يلتزم بتنفيذ اقتراحاتهم.
يستشير المرؤوسين بشأن القرار وقد ينفذ بعض مقترحاتهم.
تتم مناقشة القرار بجو ديمقراطي ويتخذ القرار بناءا على رأي الأغلبية.
يصدر توجيهات بشأن القرار للمرؤوسين ويتركهم يتخذون القرار بأنفسهم.
يعطي الحرية الكاملة للمرؤوسين بشأن اتخاذ القرار حيث يتخذون القرار بأنفسهم.
جـ – نموذج ليكرت: حيث قسم القيادة إلى أربع فئات هي:
المتسلط الاستغلالي: يتخذ القرار ويلزم المرؤوسين بتنفيذه.
المتسلط النفعي: يحاور المرؤوسين بموضوع القرار ثم يتخذه بنفسه.
الإستشاري: يستشير مرؤوسيه بأمور القرار و يسمح بمشاركتهم في بعض جوانب القرار.
الجماعي/المشارك: تتم مشاركة المرؤوسين في صنع القرار الذي يتخذ بالأغلبية ،وقد دعا ليكرت لاستخدام هذا الأسلوب القيادي لاعتقاده بفعاليته ،وذلك لأن الإدارة الوسطى همزة الوصل بين الإدارتين العليا و الدنيا في مجال صنع القرار.
2) أنماط تعتمد على افتراضات القائد: ومنها

أ‌- نموذج مكريجور:
نظرية(x): يفترض القائد فيها أن العامل لا يرغب في العمل و يتهرب منه ولذلك يجب إجباره عليه ،ويجب توجيهه و مراقبته و معاقبته إذا خالف التعليمات.
نظرية(y): يفترض القائد فيها أن المرؤوس لا يكره العمل إلا بسبب عوامل خارجية ،ويتمتع المرؤوس برقابة ذاتية ويمكن توجيهه بأساليب غير الرقابة و التهديد ،وتحفيزه بأساليب كثيرة مثل: التفويض وزيادة حريته ،الإثراء الوظيفي ،التوسع الوظيفي ،المشاركة في صنع القرار ،ويفترض في الفرد أنه قادر على الإبداع.
ب – نموذج أوشي (نظرية Z):
ويفترض (أوشي) أن الفرد الأمريكي يختلف في ثقافته عن الفرد الياباني، وحتى يتم الاستفادة من الأساليب القيادية اليابانية حاول (أوشي) تعديل هذه الأساليب لتناسب الثقافة الأمريكية، فعلى سبيل المثال الممارسات اليابانية التالية: القرار بالإجماع ، أسلوب جمع المعلومات من أسفل لأعلى، المسؤولية الاجتماعية ،التنظيم غير الرسمي يجب أن تمارس في المؤسسات الأمريكية على الشكل التالي: القرار بالأغلبية ،حرية انسياب المعلومات ويغلب عليها من أعلى لأسفل، المسؤولية الجماعية و الفردية معا، التنظيم الرسمي و البيروقراطي مصحوبا بشبكة من العلاقات غير الرسمية ومحاولة ترسيخ الثقة و الاحترام المتبادل.
3) أنماط تعتمد على اهتمامات القائد بالإنتاج و الأفراد معا: كنموذج بليك و موتون

رابعا:النظريات الموقفية في القيادة

يقول أصحاب هذه النظريات و مؤيدوها بأن الفعالية القيادية لا يمكن أن تعزى لنمط قيادي محدد ،فالموقف الذي يتواجد فيه القائد هو الذي يحدد فعالية القائد. ومن هذه النظريات:
1) نموذج فيدلر: في هذا النموذج لابد من قياس أمرين هما:

الأمر الأول:
وصف القائد لمرؤوسه الأقل تفضيلا عنده ،فقد يصفه القائد بأنه جيد وعندها نقول أن القائد يهتم بالمرؤوسين ،وإن وصفه بأنه غير جيد نقول إن القائد يركز على المهام ،وقد يهتم بهما بشكل متوسط (وقد شكك الباحثين بصدق هذا المقياس).

الأمر الثاني:
الموقف القيادي و يقاس من خلال الأبعاد الثلاثة التالية مرتبة حسب أهميتها:

علاقة القائد بمرؤوسيه: جيدة(ج) أو سيئة(س)
هيكلة المهام: قد تكون مهيكلة (م) أو غير مهيكلة(غ)
قوة القائد: قد يكون قويا(ق) أو ضعيفا (ض)
وينشأ من هذه الأبعاد ثمانية مواقف قيادية تحدد درجة سلطة القائد ففي أحد المواقف (س،غ،ص) تكون سلطة القائد قليلة ويلزمه التركيز على المهام ،وفي المواقف الأربعة التالية: (س،غ،ق)، (س،م،ض)،(س،م،ق)،)ج،غ،ض) تكون سلطة القائد معتدلة ويلزمها قائد يهتم بالعلاقات الإنسانية.
وفي المواقف الثلاثة الباقية:
(ج،غ،ق) ، (ج،م،ض(، )ج،م،ق (تكون سلطة القائد قوية، ويلزمها قائد يركز على المهام و العلاقات الإنسانية.
2) نموذج هاوس و إيفانس:
أطلقا عليه (المسار و الهدف)، وبينا أن المهمة الأساسية للقائد هي توضيح الأهداف للمرؤوسين ومساعدتهم لتحقيقها بأفضل الطرق بالاعتماد على نظرية التوقع و نظريات الحفز أما العوامل الظرفية في هذا النموذج فهي:
بيئة العمل: المهمة،نظام المكافآت،و العلاقة بالزملاء.
صفات العاملين: حاجاتهم ،الثقة بالنفس و قدراتهم.
أما الأساليب القيادية التي يمكن للقائد استخدامها في ظل هذه الظروف فهي :
المساند: يهتم بحاجات المرؤوسين و راحتهم و يخلق جو عمل مريح لهم.
المشارك: يعطي المرؤوسين المجال للمشاركة في صنع القرار.
الإجرائي: يزود المرؤوسين بالإجراءات و التعليمات و التوقعات بشكل واضح.
الإنجازي أو التحدي: يضع للمرؤوسين أهدافا تتحدى قدراتهم وتساعد على تطوير أدائهم و تشعرهم بثقة قائدهم بهم.
3) نموذج فروم و ياتون:
أطلقا عليه (مخطط عملية صنع القرار) وبينا فيه خمسة أساليب لصنع القرار تعتمد على الوضع الذي يمكن تحديده من خلال الإجابة على سبعة أسئلة (بنعم أولا) ،وتتعلق هذه الأسئلة: بنوعية المشكلة ،كفاية المعلومات،هيكلة المشكلة،أهمية قبول القرار من قبل المرؤوسين،مدى قبولهم للقرار الذي يصنعه القائد بنفسه،مدى مشاركة المرؤوسين في تحقيق أهداف المنظمة عند حل هذه المشكلة و إحتمال أن يتسبب الحل الأمثل بنزاعات بين المرؤوسين ،أما الأساليب الخمسة لصنع القرار فهي:
يصنع القرار لوحده.
يصنع القرار لوحده بعد الحصول على المعلومات من المرؤوسين.
يصنع القرار لوحده بعد أن يسمع وجهات نظر العاملين فرادى.
يصنع القرار لوحده بعد أن يسمع وجهات نظر العاملين كمجموعة.
يصنع القرار بشكل جماعي مشارك.
4) نظرية الشبكة الإدارية (The managerial Grid Theory)
استطاع روبرت بلاك و جين موتون في عام 1964م تصنيف السلوك القيادي في خمس مجموعات أساسية، وتعكس هذه النظرية درجة اهتمام القادة في كل منها ببعدين أساسين هما:
درجة الإهتمام بالإنتاج (المهمة)
درجة الإهتمام بالأفراد (العلاقات)
هذه الصورة تم تصغيرها تلقائيا . إضغط على هذا الشريط هنا لعرض الصورة بكامل حجمها . أبعاد الصورة الأصلية 633×429 .

الشكل السابق: نموذج الشبكة الإدارية ويبين الأنماط القيادية الخمسة التي تضمنتها الشبكة الإدارية في نموذج بليك وموتون
يلاحظ من الشكل السابق أن البعد الأفقي لها يعبر عن بعد الإهتمام بالإنتاج ،بينما البعد الرأسي عن بعد الإهتمام بالأفراد (العاملين)، كذلك يلاحظ تحديد كل من بليك و موتون لخمسة أنماط إدارية (1/1 – 9/1 – 1/9 – 5/5 – 9/9) يعبر كل منهم عن درجات مختلفة من الإهتمام بكل من البعدين ،بحيث يعبر الرقم الأول(من اليسار) عن درجة الإهتمام التي توليها الإدارة للأفراد ،بينما يعبر الرقم الثاني عن درجة اهتمامها بالإنتاج فمثلا النمط (1/9) يعبر عن درجة منخفضة جدا للإهتمام بالإنتاج (1) و درجة مرتفعة جدا للإهتمام بالأفراد (9).
ومن هذه الأنماط القيادية:

1. النمط (1/1) الإدارة السلبية (المتساهلة)(Impoverished Management):
إن هذا النمط من القادة الإداريين يولون اهتماما ضئيلا جدا للأفراد والإنتاج على حد سواء وبالتالي فالنتيجة المتوقعة لمثل أولئك القادة هي عدم تحقيقهم لأي أهداف إنتاجية وعدم تحقيق أي درجة معقولة من الرضا الوظيفي بين العاملين في وحداتهم التنظيمية وينعكس ذلك بطبيعة الحال على علاقات العمل حيث تسودها الصراعات و الخلافات المستمرة.
2. النمط (9/1) الإدارة العلمية (السلطوية)(Scientific Management):
يعبر هذا النمط عن اهتمام كبير بالإنتاج وبتحقيق النتائج العالية حتى ولو تم ذلك على حساب العاملين حيث يقل الإهتمام بهم إلى درجة كبيرة (1) ،ويعكس هذا النمط الإداري المبادئ التي نادى بها فردريك تايلور في نظريته ((الإدارة العلمية)) ،ويؤمن القادة الإداريين بوجوب استخدام السلطة مع المرؤوسين لإنجاز العمل و أهمية فرض أساليب الرقابة الدقيقة على أعمالهم ،ودائما ما يضعون تحقيق النتائج و كأنه الهدف الوحيد الذي يسعون إليه حتى ولو تم ذلك على حساب العاملين ومشاعرهم.
3. النمط (1/9) الإدارة الاجتماعية (Social Club Management):
يعكس هذا النمط الإداري اهتماما كبيرا بالعنصر الإنساني ويتم ذلك أحيانا على حساب تحقيقهم للأهداف الإنتاجية المطالبين بتحقيقها ،وكثيرا ما يتمادى هؤلاء القادة في تقدير أهمية مراعاة العلاقات الإنسانية فيسعون بشتى الطرق للقضاء على أي مظاهر قد تنتج عنها خلافات بين العاملين حتى ولو كان ذلك على حساب الإنتاج.
4. النمط (5/5) الإدارة المتأرجحة (Pendulum Management):
يشبه هذا النمط الإداري ببندول الساعة الذي يستمر في التأرجح بين طرفي المدى الذي يتحرك فيه ولا يثبت عند وضع معين ،ففي بعض المواقف يلجأ القادة المنتمون لهذا النمط إلى أسلوب(1/9) وذلك عندما يشعرون باحتمال مواجهتهم للمتاعب من جانب العاملين ،ولكن إذا هدأت حالة العمال قد يلجأون إلى النمط (9/1) فيضغطون على العاملين من أجل الإنتاج ،وكثيرا ما يؤمن هؤلاء القادة بأسلوب منتصف الطريق.
5. النمط (9/9) الإدارة الجماعية(إدارة الفريق) (Team Management):
إن القادة الذين ينتمون إلى هذا النمط الإداري يولون عناية فائقة و اهتماما كبيرا لكل من بعدي الإنتاج و العاملين ،فمثلا هؤلاء القادة يؤمنون بأن العمل الجماعي يعبر عن الركيزة الأساسية اللازمة لتحقيق الأهداف الإنتاجية الطموحة ،وينبني ذلك على إيمان عميق بأهمية العنصر البشري و إشباع الحاجات الإنسانية لدى هؤلاء القادة وبالتالي يحققون مفاهيم المشاركة الفعالة للمرؤوسين في تحديد الأهداف واختيار أساليب التنفيذ والمتابعة اللازمة للأهداف المطلوب تحقيقها.
وبمثل هذا الأسلوب القيادي تسود الجماعة روح الفريق و مفاهيم التعاون الخلاقة وتسود علاقات الإخاء و الود بين القائد و المرؤوسين ،وبين المرؤوسين وبعضهم البعض.
ويعرض الأستاذ الدكتور سيد الهواري المقارنة التالية لهذه الأنماط الخمسة على الوجه التالي: هذه الصورة تم تصغيرها تلقائيا . إضغط على هذا الشريط هنا لعرض الصورة بكامل حجمها . أبعاد الصورة الأصلية 514×563 .
مقارنة الأستاذ الدكتور سيد الهواري للأنماط القيادية الخمسة في نظرية الشبكة الإدارية ،حيث عبر عن العمل أو الإنتاج بـ (ع) و عن الناس أو الأفراد بـ (ن)
و في نهاية الثمانينيات قام كلا من بليك و مكانزي بتطوير نظرية الشبكة الإدارية ،وأضافا نمطان مركَبان هما:
6. الإدارة الأبوية(9+9):
يتكون هذا النمط من مزيج من النمطين (إدارة النادي، الإدارة السلطوية) ،ويرمز له (9+9) باستخدام إشارة (+) لتمييزه عن إدارة الفريق(9/9) ،وفيه يستخدم القائد الجانب اللين من (1/9) مع الجانب القاسي من (9/1) معا ،فتجمع بين نقيضين هما الإهتمام بالإنتاج على حساب الأفراد والاهتمام بالأفراد على حساب الإنتاج ،فالقائد هنا كالأب الذي يعطف على أولاده ولكنه صارما معهم بحيث يأمرهم ويطلب منهم الإذعان ،فهو يعتبرهم أقل منه معرفة و إدراكا للأمور.
7. الإدارة المتقلبة:
تتكون هذه الإدارة من مزيج من الأنماط الستة السابقة ،حيث يستخدم القائد أحد الأنماط الستة أو مزيج منها ،مما يناسب طبيعة المرؤوسين ويساعد القائد في الحصول على المنفعة الشخصية التي ربما يهدف إليها ،ويمكن لهذا القائد أن يهدد المرؤوس أو يقدم له منفعة شخصية بالمقابل