الوسم: المجتمع
إدارة شئون الدولة والمجتمع
وعلى الرغم من اعتراف الباحثين بهذه المشكلة؛ فإنها لم تمنعهم من البحث المنظم، ومحاولة الوصول إلى تعريف إجرائي أو تعريف محدد لشرح الظواهر موضع الدراسة في العلوم المختلفة.
ومفهوم الـ”Governance” الذي ظهر في نهاية الثمانينيات في العلوم الاجتماعية والإدارية ما هو إلا مثال لهذه المشكلة المنهجية. ومن هذا المنطلق تهدف هذه الدراسة للبحث في المفهوم الذي تعد أفضل ترجمة دالة عليه “إدارة شئون الدولة والمجتمع”، وأثار -وما زال يثير- جدلا كثيرًا حول معناه، ومحاولات لتحليل الأسباب التي دعت إلى ظهوره وانتشاره، وسنسعى إلى تحليل الأدبيات التي تتناول هذا المفهوم بهدف معرفة المقصود به وأسباب ظهوره وتطوره، والإشكاليات التي يثيرها، ثم أخيرًا أثره على المستويين العلمي والعملي.
أولا- أسباب ظهور المفهوم وتطوره:
أصبح استخدام مفهوم Governane أو “إدارة الشئون الدولة والمجتمع” شائعا في أدبيات الإدارة العامة، والسياسات العامة، والحكومات المقارنة؛ فعلى سبيل المثال تبين من خلال حصر الأدبيات على شبكة الإنترنت أن عدد الرسائل العلمية في الولايات المتحدة التي تحتوي عناوينها على المفهوم وصل إلى 136 رسالة مع منتصف 2022، كما أن هناك على الأقل 326 كتابًا يتناول كل منها جانبا من جوانب المفهوم أو تطبيقًا عمليا له في بلد من البلاد حتى التاريخ المذكور.
وعلى الرغم من شيوع استخدام المفهوم فإنه ليس هناك إجماع على المعنى المقصود به.
ويمكن القول: إن المفهوم يأخذ بعدين متوازيين؛ يعكس أولهما فكر البنك الدولي الذي يتبنى الجوانب الإدارية والاقتصادية للمفهوم. أما البعد الثاني فيؤكد على الجانب السياسي للمفهوم؛ حيث يشمل -بجانب الاهتمام بالإصلاح والكفاءة الإدارية- التركيز على منظومة القيم الديمقراطية المعروفة في المجتمعات الغربية.
ولقد ظهر المفهوم منذ عام 1989 في منشورات وتقارير البنك الدولي عن كيفية تحقيق التنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد في الدول الأفريقية جنوب الصحراء Sub-Saharan Africa حيث تم الربط بين الكفاءة الإدارية الحكومية والنمو الاقتصادي؛ فوفقًا لهذه الأدبيات فإن الأدوات الحكومية للسياسات الاقتصادية ليس من المفروض فقط أن تكون اقتصادية وفعالة، ولكن أيضًا لا بد أن تكفل العدالة والمساواة، ولقد نما المفهوم بعد ذلك ليعكس قدرة الدولة على قيادة المجتمع في إطار سيادة القانون.
وفي بداية التسعينيات أصبح التركيز على الأبعاد الديمقراطية للمفهوم من حيث تدعيم المشاركة وتفعيل المجتمع المدني وكل ما يجعل من الدولة ممثلا شرعيا لمواطنيها؛ ففي اجتماع اللجنة الوزارية لمنظمة التنمية الاقتصادية OECO الذي عقد في باريس في مارس 1996 تم الربط بين جودة وفعالية وأسلوب إدارة شئون الدولة والمجتمع، ودرجة رخاء المجتمع، والتأكيد على أن المفهوم يذهب إلى أبعد من الإدارة الحكومية؛ ليتضمن إشكاليات تطبيق الديمقراطية لمساعدة الدول في حل المشاكل التي تواجهها.
ومن هذا المنطلق تم تعريف مفهوم “إدارة شئون الدولة والمجتمع” على أنه يتعرض لما هو أبعد من الإدارة العامة والأدوات والعلاقات والأساليب المتعلقة بها ليشمل مجموعة العلاقات بين الحكومات والمواطنين؛ سواء كأفراد أو كأعضاء في مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية، وركز على أن الحقل الدلالي للمفهوم لا ينصب فقط على فعالية المؤسسات المتعلقة بإدارة شئون الدولة والمجتمع، ولكن يركز أيضًا على القيم التي تحتويها تلك المؤسسات مثل المساءلة والرقابة والنزاهة.
ولقد تطور المفهوم؛ ليصبح مؤشرًا لحقل دراسي محدد يشمل كل الأنشطة المرتبطة بالحكم وعلاقة الحكومة بالقطاع الخاص وبالمجتمع المدني، وإن كان المفهوم في حد ذاته أشمل من مفهوم الحكم بالمعنى المؤسسي (البنائي/الوظيفي) المعروف، وهو الأمر الذي يثير التساؤل حول ما إذا كان ظهور المفهوم حتمية فرضتها ظروف واقعية وعملية مثل تغير دور الدولة، وتنامي أثر السوق الرأسمالي في خريطة القوة في المجتمع والنخبة، وأيضا إذا ما كان صعوده انعكاسا لتغيرات على المستوى النظري تمثل غلبة لمدرسة فكرية أو اقتراب معين؛ أي أن ظهور المفهوم ما هو إلا انعكاس للتغير الجاري في طبيعة ودور الحكومة، وأبرزها:
1. ظهور العديد من المتغيرات التي جعلت من النظرة التقليدية للدولة فاعلا رئيسيا في صنع السياسات العامة موضع مراجعة؛ فالمتتبع للاتجاهات الحديثة في صنع وتنفيذ السياسات العامة يلاحظ ازدياد أهمية البيئة الدولية أو العامل الخارجي في عملية صنع السياسات. فلقد أصبح للمؤسسات والمنظمات الدولية ومؤتمرات الأمم المتحدة دور كبير، ليس فقط في المبادرة بطرح قضايا السياسات العامة، ولكن أيضًا في وضعها على قائمة أولويات الحكومات. ولقد بدا واضحًا في ظل العولمة وثورة الاتصالات ضعف قدر الدولة على مقاومة الضغوط الدولية، وانخفاض قدرتها على ممارسة وظائفها التقليدية على النحو المعهود دون أن تتأثر بالمؤثرات الخارجية.
2. التغير الذي طرأ على دور الدولة؛ فقد تحولت من فاعل رئيسي ومركزي في تخطيط وصنع السياسات العامة، وممثل للمجتمع في تقرير هذه السياسات وتنفيذها، ووسيط بين الفئات والطبقات في حل المنازعات بل ومالكة للمشروعات ومسئولة عن حسن إدارتها، وعن إعادة توزيع الدخل وتقديم الخدمات وعدالة توزيعها مكانيا وبين الفئات الاجتماعية؛ لتصبح اليوم الشريك الأول -ولكن بين شركاء عدة- في إدارة شئون الدولة والمجتمع، ولا شك أن هذا التحول قد بدا مع تنامي التضخم الاقتصادي الذي كان من أسبابه الرئيسية تنامي أعباء وتكلفة “دولة الرفاهة” وعبئها على دافعي الضرائب من العاملين من أبناء الطبقة الوسطي والعاملة، بعد أن تغيرت طبيعة الهرم العمري للسكان، وزادت نسبة من يتقاضون معاشات، وانخفضت نسبة المشاركين في العمل.
كما برزت في نفس الوقت أزمة النموذج السوفيتي للدولة الاشتراكية، بما أدى إلى إعادة النظر في دور التخطيط المركزي كأداة للتعبئة والتخصيص، والاتجاه لتراجع الدولة عن أدوار الضمان الاجتماعي، وتسليمها للمجتمع المدني والأهلي، فضلا عن تعثر محاولات التنمية بالاعتماد على القطاع العام.
3. تنامي دور الشركات العالمية والشركات متعددة الجنسيات في التأثير على صنع السياسات، والحاجة إلى إعادة النظر في علاقة الحكومات الوطنية بالقطاع الخاص ودور مؤسسات العمل المدني؛ حيث أصبح للفاعلين المجتمعين (القطاع الخاص والمجتمع المدني) دور أكبر في التأثير على السياسات العامة والإدارة، وتطبيق السياسات على نحو لم يكن متصورًا من قبل؛ مما أثار الجدل بشأن حدود ومستويات الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص والقطاع الأهلي، وبروز مصطلح “إدارة شئون الدولة والمجتمع” ليحل محل مصطلح “الإدارة العامة” لوصف سبل وصيغ الإدارة السياسية والاقتصادية لتحقيق التنمية المستدامة.
4. تحولات أسلوب الإدارة العامة التقليدي مثل احترام الأقدمية، والتدرج الوظيفي، وظهور مجموعة أخرى من القيم تحل محلها مثل التمكين والتركيز على النتائج، وإعطاء فرصة كبرى للمسئولية الفردية من خلال هيكل إداري متكامل، والاتجاه للتركيز على معيار الإنجاز والتعلم المستمر، وتطوير المهارات بشكل متنوع خاصة التقنية والالكترونية.
ولقد ساعد على هذا التحول انتشار المشكلات الاقتصادية والإسراف المالي الذي ساد تصرفات العديد من البيروقراطيات الرسمية والحكومات؛ الأمر الذي دفع العديد من الدارسين لمحاولة إيجاد حلول لهذه المشكلة.
ثانيًا: إشكاليات المفهوم:
لا شك أن المفهوم رغم أنه يعكس تحولات واقعية ونظرية، ويقدم حلولا لمشكلات على هذين المستويين فإنه أيضا له مشكلاته، ومنها:
1- مشكلة الترجمة:
إن العديد من المفاهيم قد لا يكون لها ترجمة حرفية باللغة العربية تعكس نفس المعنى أو الدلالات التي تعكسها باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، ويعد مفهوم أسلوب إدارة شئون الدولة والمجتمع مثالا حيا على هذه المسألة. فالمفهوم باللغة الإنجليزية هو Governance الذي لوحظ عند ترجمته إلى اللغة العربية وجود أكثر من ترجمة لا تعكس بدقة دلالة المفهوم وخريطته والهدف المقصود منه؛ فعلى سبيل المثال هناك ثلاث ترجمات للمفهوم حتى الآن، وهي: الحكم أو أسلوب الحكم، والحاكمية، وإدارة شئون الدولة والمجتمع.
وبينما تبنت الأمم المتحدة مفهوم الحاكمية تعبيرا عن Governance فإنه يمكن القول: إن هذه الترجمة لا تتفق والمقصود بها في اللغة العربية؛ حيث يعكس مصطلح الحاكمية الإطار المرجعي الكلي أو مصدر ومرجع المسلمات المعرفية والفلسفية لسياسة أو توجه ما، ومن ثم فإننا لا نتصور أن أي شخص عندما يذكر أمامه مصطلح “الحاكمية” سوف يتعرف على المعنى المراد في مصطلح الـ Governance باعتباره سيتحدث عن الدولة والمجتمع والفاعلين الأساسيين بالدلالة سالفة البيان، وبالإضافة إلى ذلك فإن مصطلح “الحاكمية” في حد ذاته يحمل صبغة دينية وتاريخية قد تجعل القارئ أو المستمع يتوقع الحديث عن التصور الإسلامي للحكم والدولة، أو نشأة وتفعيل المفهوم في فترة تاريخية معينة.
أما أنصار استخدام كلمة الحكم مثل باحثي مشروع مصر 2022 الذي ينفذه منتدى العالم الثالث؛ فعلى الرغم من إدراكهم أن مصطلح الحكم لا يعبر بطريقة جيدة عن المفهوم حيث تركز الترجمة على جانب الحكم والدولة وتغفل الجانب المجتمعي والبعد الاقتصادي فإنهم يرون أنه من الأفضل استخدام كلمة عربية واحدة تعبر عن المصطلح موضع البحث بدلا من استخدام عبارة كاملة للتعبير عنه.
وهناك محاولة تبناها أكثر من مركز بحثي، منها مركز دراسات واستشارات الإدارة العامة بجامعة القاهرة، من خلال ترجمة مصطلح Governance إلى مصطلح “إدارة شئون الدولة والمجتمع”، كما تتبناه هذه الدراسة؛ لأنه يعكس في محتواه المعنى الأساسي للكلمة التي تدل على العلاقة بين طرفي المعادلة، وهما الدولة من جانب، والمجتمع من جانب آخر.
2- مشكلة التعريف:
هناك أكثر من تعريف للمفهوم، ويثير تعدد هذه التعريفات الجدل حول طبيعة ومحتوى هذا المفهوم على النحو الذي دفع بعض الباحثين إلى القول بأن الحديث عن المفهوم هو مثل الحديث عن مفهوم الدين؛ حيث المعتقدات قوية للغاية، ولكن الأدلة والبراهين القابلة للقياس معقدة ومركبة، كما أن التعريف تقابله المشاكل التي تقابل التعريفات في العلوم الاجتماعية عامة التي تتمثل في تقديم تعريف بسيط وواضح وشامل لعناصر الظاهرة، ويمكن تعميمه على كافة المجتمعات؛ حيث كثيرًا ما يضطر الباحث للتضحية بوضوح المعنى في التعريف رغبة في الشمول وإدراج كافة عناصر الظاهرة، أو أن يتم تبسيط التعريف بطريقة تخل بالمعنى وتعوق الباحث عن الرؤية المتعمقة للمفهوم، أو أن يعكس التعريف خصوصية مجتمعات بعينها بحيث تنتقي صفة العمومية والعالمية من التعريف؛ الأمر الذي يضعف من قوته كتعريف علمي، وسوف تتجسد هذه المشكلات عند تعرضنا للتعريفات المختلفة للمفهوم.
فعلى سبيل المثال قدم البنك الدولي أول تعريف للمفهوم، حين تم تعريفه بأنه “أسلوب ممارسة القوة في إدارة الموارد الاقتصادية الاجتماعية للبلاد من أجل التنمية”.
ونلاحظ أن التعريف ينظر إلى المفهوم على أنه أسلوب أو طريقة للممارسة القوة في إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية، وهو في هذه الجزئية يكاد يقترب من تعريف David Easton الشهير لعلم السياسة؛ باعتباره التوزيع السلطوي للقيم”؛ حيث اشتمل كلا التعريفين على ممارسة السلطة أو القوة في توزيع القيم، وبينما استخدم إيستون “السلطة” في تعريفه حرص تعريف البنك الدولي على استخدام كلمة “القوة” التي تشمل السلطة والنفوذ معا، وتعبر أيضًا عن الأساليب الرسمية وغير الرسمية في الإدارة والحكم، وبالتالي تسمح بوجود أدوار لفاعلين رسميين وغير رسميين، إلا أن التعريف لم يذكر بوضوح من هم الفاعلون المشاركون في ممارسة القوة لإدارة الموارد من أجل التنمية، وإن كانت كتابات البنك الدولي والأدبيات التي تتناول المفهوم تتحدث عن فاعلين محددين، هم: الحكومة، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص.
وتؤكد أدبيات البنك الدولي على أن جودة أو نوعية إدارة الدولة والمجتمع محدد هام للتنمية الاقتصادية العادلة والقابلة للاستمرار، وهي أيضًا مكون رئيسي في أي سياسات اقتصادية ناجحة، إلا أن القارئ لهذه الأدبيات لا بد أن يتساءل عن كيفية قياس الأسلوب الجيد أو جودة نوعية إدارة شئون الدولة والمجتمع.
ونلاحظ هنا أنه عادة ما تشير الأدبيات إلى قائمة من المؤشرات، تشمل: الديمقراطية، والاستقرار، واحترام حقوق الإنسان، ووجود جهاز خدمة مدنية قوي وكفء، والشرعية، والتعددية المؤسسية والمشاركة، والشفافية ومكافحة الفساد، والرقابة وسيادة القانون، وتؤخذ هذه المؤشرات كتعبير عن الأسلوب الجيد لإدارة الدولة والمجتمع.
إلا أن هناك من يرى أن هذه المؤشرات واضحة من الناحية النظرية، ولكنها متداخلة من الناحية العلمية؛ فهناك أمثلة على حكومات فعالة ولكن غير ديمقراطية، أو ديمقراطية وفاسدة، أو ديمقراطية ولا تهتم بحقوق الإنسان الاهتمام الكافي. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن المفهوم يتناول بالشرح أنماطًا مثالية العناصر في إدارة الدولة والمجتمع، ولا يسمح بالتعريف على النماذج الواقعية التي هي مزيج من العناصر الجيدة والسيئة معًا.
أما البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة UNDP فيعرف مفهوم overnance بأنه: ممارسة السلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة الشئون الدولة على كافة المستويات، من خلال آليات وعمليات ومؤسسات تتيح للأفراد والجماعات تحقيق مصالحها.
ومن ثم فإن مفهوم Governance كما عرفه البرنامج يقوم على 3 دعائم أساسية على النحو التالي:
1- الدعامة الاقتصادية: وتتضمن عمليات صنع القرارات التي تؤثر على أنشطة الدولة الاقتصادية وعلاقاتها بالاقتصاديات الأخرى.
2- الدعامة السياسية: وتتضمن عمليات صنع القرارات المتعلقة بصياغة وتكوين السياسات.
3- الدعامة الإدارية: وتتضمن النظام الخاص بتنفيذ هذه السياسات.
ويلاحظ أن هذا التعريف قد أضاف بعدًا جديدًا لمفهوم Governance يتمثل في إمكانية تعدد مستويات التحليل التي يمكن من خلالها دراسة هذا المفهوم، وهذا ما يعطي الفرصة لدراسة Governance على المستوى الجزئي Micro (على مستوى إدارة المنظمات مثل الأقسام العلمية والجامعات؛ حيث توجد بالأقسام العلمية في الجامعات الأمريكية ما يسمي Governance Committee، بالإضافة إلى إمكانية دراسته على المستوى الكلي للدولة Macro).
ومنذ ظهور تعريف البنك الدولي لم تتوقف الأدبيات عن محاولة تحسين أو تجويد التعريف حتى يصبح أكثر شمولا وأكثر تحديدًا، وفي هذا الإطار حاول باحث بارز هو R.A.Rohdes أن يرصد التعريفات التي تتناول المفهوم في الأدبيات المختلفة إلى 6 توجهات أو استخدامات نلخصها في الآتي:
الأول: يدرس العلاقة بين آليات السوق من جانب والتدخل الحكومي من جانب آخر فيما يتعلق بتقديم الخدمات العامة، وعادة ما يعكس هذا الاتجاه الحد من التدخل الحكومي وضغط النفقات العامة، والاتجاه نحو الخصخصة كمؤشرات للتعبير عن دولة الحد الأدنى The Minimal State التي لا تتدخل إلا عند الضرورة فقط.
الثاني: يتحدث عن Governance من خلال التركيز على المنظمات الخاصة ومنظمات إدارة الأعمال بالذات عند الحديث عن المصطلح المعروف Corporate Governance، وفي هذا السياق يركز أنصار هذا المحور على مطالب الـمساهمين Stakeholders، وكيفية إرضاء العميل، كما يركزون على كيفية عمل نظام داخل الشركة على النحو الذي يحقق مصالح المنتفعين بها.
الثالث: يعبر عن اتجاه الإدارة الحكومية الجديدة New Public Management القائم على إدخال أساليب إدارة الأعمال في المنظمات العامة، وإدخال قيم جديدة مثل المنافسة، وقياس الأداء، والتمكين، ومعاملة متلقي الخدمة على أنه مستهلك أو عميل، وغيرها من المفاهيم، إلا أنه يغفل الدور الاجتماعي للدولة بصفة عامة، والحاجة إلى وجود فاعل يستطيع أن يتوجه بخدماته للمواطنين بصرف النظر عن كون هذه الخدمة تحقق ربحًا من عدمه.
الرابع: أن الربط بين الجوانب السياسية للمفهوم المحددة في منظومة القيم الديمقراطية من جانب ومؤشرات شرعية النظام والمساءلة من جانب آخر هو إضافة حقيقية للتحليل الاجتماعي، ويمثل هذا المحور استخدام البنك الدولي للمفهوم في 1989، وتبنيه لسياسات مرتبطة به مثل الإصلاح الإداري، وتقليص حجم المؤسسات الحكومية، وتشجيع الاتجاه نحو القطاع الخاص، وتشجيع اللامركزية الإدارية، وتعظيم دور المنظمات غير الحكومية.
الخامس: يعبر عن أن السياسات العامة ما هي إلا محصلة للتفاعلات الرسمية وغير الرسمية بين عدد من الفاعلين؛ مثل الدولة (المنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص) على المستويين المحلي والمركزي. وبعبارة أخرى: لم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد المؤثر في صنع السياسات العامة.
السادس: الاهتمام بدراسة إدارة مجموعة الشبكات المنظمة في عدد من الأجهزة والمنظمات، ويرى أنصار هذا المحور أن هذا التعريف أوسع وأشمل من مجرد الحديث عن الحكومة، ويشمل الحديث عما هو عام، وخاص، وتطوعي.
ولقد خلص R.A.Rohdes إلى أن تعريف الـGovernane يمكن أن يشتمل على العناصر التالية:
– التنسيق بين التنظيمات الحكومية وتنظيمات قطاع الأعمال الخاص والعام والمنظمات غير الحكومية.
– عدم ثبات ووضوح الحدود بين أنشطة مختلفة التنظيمات.
– استناد قواعد التعامل بين مختلف التنظيمات إلى التفاوض.
– تمتع مختلف الأعضاء في هذه الشبكة بدرجة عالية من الاستقلال.
– قدرة الدولة على توجيه باقي أعضاء الشبكة بما لها من موارد.
إلا أن هناك من يرى أن مفهوم “إدارة شئون الدولة والمجتمع” ليس بالمفهوم الجديد، ولكنه اسم جديد لمفاهيم قديمة ظهرت من قبل؛ فهو بمثابة منتج قديم وضع في قالب جديد.
لكننا يمكننا القول بأن المفهوم يحتوي على عناصر التجديد التي ظهرت نتيجة لظهور متغيرات عديدة سواء عملية أو علمية، مثل الحاجة للأخذ بما يعرف بالمنهاج المتكامل في الدراسات والبحوث Integrated Research؛ حيث أصبحت الظواهر العلمية شديدة التداخل والتعقيد؛ الأمر الذي يستلزم الأخذ بالمنهج المتكامل، سواء المبني على تعدد الحقول العلمية Multidiscipline، أو تضافر اقترابات البحث المختلفة داخل الحقل الواحد.
3-مشكلة النموذج:
يثير الحديث عن المفهوم، وخاصة عند التعرض لأسلوب إدارة شئون الدولة والمجتمع الجيد وغير الجيد كثيرًا من الجدل؛ حيث تتبادر إلى الذهن فكرة النموذج في أدبيات التنمية في الستينيات.
وكما تعرضت نظريات التنمية للنقد من داخل الجماعة العلمية لتبني بعض هذه النظريات فكرة وجود نموذج سياسي مثالي غربي بالأساسي لا بد من الأخذ به بواسطة الدول النامية؛ حتى تلحق بركب التقدم والتنمية.. فإن مفهوم إدارة شئون الدولة والمجتمع يتعرض لمثل هذه الانتقادات عند الحديث عن أسلوب الإدارة والحكم الجيد؛ حيث يتبادر إلى الأذهان منظومة من القيم تعكس خبرة تاريخية غربية، ويصبح الحديث عن تطبيق الأسلوب الجيد للإدارة والحكم كأنه دعوة للأخذ بالنموذج الغربي.
وحتى نخرج من هذا الجدل يمكن أن ننظر إلى مجموعة القيم التي يقدمها هذا المفهوم من رقابة وشفافية وعلانية، هل هذه القيم تنطبق على كل المجتمعات أم أنها قاصرة على مجتمعات بعينها؟ وهل هذه القيم قابلة للتحقيق أو محققة بالفعل في بعض المجتمعات حاليًا؟ وذلك فصلا بين مضمونه وصياغته الأولى على يد منظمات دولية تتعرض للنقد من دول العالم الثالث.
ولكن في الحقيقة المشكلة ليست القيم في حد ذاتها، ولكن المشكلة تكمن في آليات تطبيقها، وهنا يمكن المزج بين عمومية القيم وخصوصية آليات تطبيقها لتتلاءم مع ظروف وطبيعة كل مجتمع، أو ربما العكس: خصوصية “تأويل” القيم وعمومية الآليات في رأي آخرين.
وتقدم الأدبيات المتعلقة بأسلوب الحكم والإدارة الجيد العديد من الأمثلة لممارسات محلية جيدة تتمثل فيما يعرف بـBest Practices والآليات المستخدمة فيها لمكافحة الفساد والحد من انتشاره، كما أنها تحتوي على أدلة أو إرشادات للمواطنين عن الخطوات التي يجب أن يتخذوها لدعم أجهزة الرقابة وأساليب الشفافية والعلانية والمشاركة الفعالة في إدارة شئون مجتمعهم عبر “الحضور” الدائم اليومي في متابعة السياسات والتعبير عن مصالحهم.
وفي النهاية يمكن القول: إن المفاهيم النظرية بمثابة العدسات التي تقوي النظر إذا لم تساعد الباحث على فهم الظاهرة بطريقة أوضح، والتعامل معها بكفاءة وفعالية؛ فحينئذ لا تكون نافعة، وهذا في التحليل الأخير معيار تقويمها.
أ.د.عبدالرحمن أحمد هيجان 10/9/1424هـ الموافق 4/10/2003م
مفهوم «المجتمع المدني» الذي نحن بصدده في هذه الورقة هو مفهوم أوروبي المولد والنشأة والعقيدة. أما من حيث الممارسة فهو ليس محصورًا على الثقافة الأوروبية وإنما شائع في جميع حضارات وثقافات الأمم وإن اختلفت تسمية هذه الممارسة والدرجة التي تطبق بها. هذا المفهوم في صورته الراهنة ينتمي إلى عائلة كبيرة من المفاهيم، بغض النظر عن الترتيب التاريخي لظهورها، من أبرزها مقاومة السلطة المطلقة والليبرالية، والعقد الاجتماعي أو التعاقد الاجتماعي، ونظرية الحق الإلهي للمملوك، والفصل بين الدين والدولة، والتعددية السياسية بدلاً من الحكم المطلق، والحريات العامة في الحياة والملكية والعمل والرأي والمعتقد، وسيادة الأمة أو الشعب، والمواطنة، ونبذ الانتماءات في صيغها الدينية والمذهبية والعرقية،وحركة الشعب أو المواطنين في مقابل الحكومة، ومقاومة البرجوازية، وحقوق الإنسان، والحد من هيمنة الحكومة،والحد من تمركز السلطة في الدولة بفصل الأجهزة التشريعية والقضائية عن السلطة التنفيذية، والعلمانية، والتطور الاقتصادي والسياسي والثقافي، والاقتصاد الرأسمالي، والشيوعية والاشتراكية، والشفافية والحاكمية وغير ذلك من المفاهيم الأخرى المرتبطة بالسياسة والإدارة. وكما هي العادة بالنسبة لأي مفهوم يتم تداوله في أوروبا ويوزع على العالم بسهولة، فإنه غالبًا ما يعمد الكتاب الأوروبيون إلى إعادة هذا المفهوم إلى الثقافة اليونانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبأسلوب سلس أو قسري، ليثبتوا لمجتمعاتهم ولخارج مجتمعاتهم بأن المفهوم قديم، وأن الحديث فيه متواصل، وأن أي حديث عن أي إسهام حضاري لا معنى له إذا لم يرتبط بالحضارة الأوروبية. من ناحية أخرى فلعل المتتبع للكتابة في مثل هذه المفاهيم التي غالبًا ما يكون مصدرها علماء الاجتماع أو التاريخ أو الاقتصاد أو علماء النفس يجد أن هؤلاء الكتاب غالبًا ما ينتمون إلى العقيدة اليهودية أو من خلفية يهودية، كما سنرى لاحقًا، حيث تسعى هذه الفئة إلى تسويق أفكارها بسهولة بحكم أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات والحضارات التي يعيشون فيها. ومن أجل استجلاء طبيعة مفهوم «المجتمع المدني» وعلاقته بواقع مجتمعنا الراهن فإن هناك العديد من الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا الشأن وذلك على النحو الآتي:
1. ما إرهاصات أو مقدمات ظهور مفهوم «المجتمع المدني»؟ ومن أبرز الكتاب في هذا المفهوم؟
2. ما التعريفات المطروحة لمفهوم المجتمع المدني؟ وما التعريف الذي نراه ملائمًا؟
3. ما وسائل أو أدوات تفعيل مفهوم المجتمع المدني؟
من أجل الإجابة على هذه الأسئلة سوف نحاول الاختصار قدر الإمكان وذلك بالتركيز على أبرز النقاط الأساسية بالنسبة لكل سؤال:
السؤال الأول: ما إرهاصات أو مقدمات ظهور مفهوم «المجتمع المدني»؟ ومن أبرز الكتّاب في هذا المفهوم؟ كما ذكرت سلفًا فإن المفهوم أوروبي المولد والنشأة والعقيدة، لذا فإن المؤرخين له بعد أن يتجاوزوا مرحلة الربط بينه وبين الثقافة اليونانية يقفزون مباشرة إلى الحديث عن تاريخ أوروبا الحديثة؛ وذلك من خلال نقد ما كان سائدًا فيها من ممارسات دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية في العصور الوسطى. لقد كانت أبرز الإرهاصات أو المقدمات التي أدت إلى ظهور المجتمع المدني في أوروبا ماثلة في النقاط الآتية:
أ ــ مقاومة النظام السياسي المرتكز على «الحق الإلهي» للملوك والسلطة المطلقة المقدسة بالمعنيين الديني والسياسي. هاتان السلطتان تارة ما تكون مندمجة ومتداخلة فيما بينها بحيث تكون السلطة السياسية هي السلطة الدينية، وتارة ما تكون متكاملة وتارة أخرى تكون متنافرة ومتصارعة كما حصل بين سلطة الكنيسة والسلطة السياسية المتمثلة في الأباطرة الرومان أو الجرمان. وبغضِّ النظر عن طبيعة العلاقة بين السلطة الدينية والسياسية فقد كان للكنيسة اليد الطولى في تسيير أمور الحياة، وكان الملكُ الذي هو الحاكم السياسي في تلك الفترة غالبًا ما يستمد سلطته من السلطة الدينية حيث أفرز ذلك الوضع مفهوم أو نظرية الحق الإلهي وهو ما أدى ــ من وجهة نظر الكتّاب الأوروبيين ــ إلى إقصاء المجتمع وتهميشه لصالح سلطة مطلقة متعالية.
ب ــ تقسيم المجتمعات إلى طبقات أبرزها طبقة النبلاء، وطبقة رجال الدين، وطبقة العاملين بمختلف فئاتها، والتي كانت تشكل الأخيرة منها حوالي 98% من السكان، ولكنها محرومة الحقوق، الأمر الذي قاد إلى حركة الإصلاح الديني والسياسي في أوروبا، حيث مهّد هذا الوضع إلى وقوع الثورة الفرنسية.
جـ ــ ظهور الحركات الإصلاحية المناوئة للأوضاع السياسية والدينية التي كانت قائمة في أوروبا خلال العصور الوسطى، وكان من أبرزها حركة مارتن لوثر والإصلاح الديني البروتستانتية (1483-1546م). لقد حاول مارتن لوثر مقاومة سيطرة الكنيسة وهيمنتها؛ حيث نادى بالتخلص من كل العبوديات التي كانت تنادي بها الكنيسة ما عدا العبودية للخالق. غير أنّه في حركته هذه لم يستطع الخروج من قالبه المسيحي؛ إذ لم يكن يتصور أن هناك خلاصًا لأي إنسان خارج المسيحية، حيث كان يرى أن الإنسان الكامل هو الإنسان المسيحي المؤمن.
د ــ بروز حركة التنوير أو الثورة العلمية منذ القرن السابع عشر الميلادي، وذلك من خلال المفكرين الذين حاولوا أن يغيروا التصورات القديمة عن العالم الطبيعي وبخاصة ما جاء منها في أفكار بطليموس والتصورات اليونانية المختلفة عن الإنسان. لقد كانت أفكار نيوتن وهارفي وديكارت وباسكال وكيبلر وجاليلوا من أهم الأفكار البارزة في عصر حركة التنوير الأولى. لقد كانت الفكرة الأساسية التي ميزت مفكري التنوير هي أن البشر يستطيعون أن يبلغوا قدرًا من الكمال على الأرض؛ وذلك من خلال سيطرة الإنسان على الطبيعة، والبعد عن الميتافيزيقيات، واستثمار طاقات العقل، ومن ثم ربط التقدم العلمي بالمعنى الثقافي والأخلاقي للأمة. لقد قادت أفكار التنويريين الأوائل إلى ظهور مفكرين بارزين من أمثال آدم سمث صاحب كتاب «ثروة الأمم» وجان جاك رسوا وجون آدمز وفولتير. لقد قادت حركة التنويريين إلى ظهور الدستور في إنجلترا، كما مهدت للثورة الفرنسية، وظهور الموسوعة الثقافية أداة فاعلة للصراع ضد السلطة إلى جانب ظهور حركة الليبرالية بعدها خطًا مقاومًا للأفكار المسيحية الدينية، وبالتحديد الأفكار الكاثولوكية.
على أن النتيجة البارزة لحركة التنويريين هي صياغة «مفهوم المجتمع المدني» على أساس المواطنة القومية، وإسقاط كل الانتماءات السائدة آنذاك من طائفية أو مذهبية، وتغيير مفهوم الأغلبية الذي كان دينيًا؛ ليصبح سياسيًا مستندًا إلى قاعدة سياسية وحزبية تستمد قوتها من خلال أصوات الناخبين التي قادت في النهاية إلى ظهور الدساتير.
هـ ــ مقاومة أي دعوة للسلطة المطلقة التي كان يدعو إليها أشخاص، مثل: بوسية وتوماس هوبز صاحب كتاب «التنين» (1797-1709م) الذي كانت أفكاره مماثلة لأفكار «بودان» الذي سبقه بحوالي قرن من الزمان. لقد كان أبرز مقاومي السلطة المطلقة كتّاب، مثل: «جون لوك» و «روسو»، حيث ظهر في كتاباتهما مفهوم التعاقد الاجتماعي وحق الملكية، والمواطنة والمساواة والملكية الخاصة والحالة الطبيعية «الفطرة» والأهلية في السيادة والسلطة بدلاً من الخضوع المطلق للحاكم. لقد تمثّلت أهم مكونات المجتمع المدني في هذه المرحلة التأسيسية في مبدأ الحرية الفردية الذي ينطوي على حق الملكية أولاً، اعتمادًا على مفهوم المواطن الذي يشكل اللبنة الأساسية في مضمار المجتمع المدني. أما ما يشكل المبدأ الثاني المكمل لسابقه فهو التعاقد الاجتماعي بين مواطنين أحرار بغية تنظيم شؤون مجتمعهم، في ظل مبدأ سيادة القانون، وهو الركن الثالث، والمبدأ الذي لا غنى عنه لاستمرار الجماعة. وأخيرًا يأتي مبدأ فصل السلطات، ليضمن عدم إساءة استخدام السلطة من قبل فرد أو أقلية، وليؤمّن المشروعية المجتمعية للسلطة القائمة على الاختيار الطوعي للجماعة، لينتج عن المبادئ السابقة ما يسميه «لوك» الحكم المدني الصحيح.
و ــ ظهور الحركة الليبرالية. لقد كانت هذه الحركة استمرارًا لمقاومة سيطرة الكنيسة والحكم المطلق، حيث كانت النزعة الفردية أبرز مرتكزات الليبرالية. لقد كانت أهم دعوات هذه الحركة ماثلة في القول: «إن على كل فرد أن يسوي أموره مع الله بطريقته الخاصة» أو تطبيق مبدأ «دعه يعمل دعه يمر» الذي تبناه المذهب المنفعي في الاقتصاد.
ز ــ التعددية. يُعبَّر عن التعددية بصيغ مختلفة منها التيارات الثقافية والحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية وصيغ التعاون النقابي والجمعيات والاتحادات المختلفة. من هذا المنطلق يُفضي مبدأ التعددية إلى أهمية بناء التحالفات، بغية استقطاب الرأي العام، خصوصِا على المستوى السياسي. وقد بينت التجربة الديمقراطية الليبرالية، أهمية ومعنى وجود المعارضة، ودور وسائل الإعلام وحرية التعبير، بصفتها وسائل رقابة اجتماعية، على سبل ممارسة السلطة ومدى التزامها وتطبيقها للقوانين السائدة، بل وإمكانية محاسبتها طبقًا للدستور. وبهذا المعنى، تكون المعارضة صاحبة سلطة أيضًا؛ وإن كانت ممارستها لهذه السلطة متوقفة على شروط وظروف خاصة؛ مما يمنع من احتكار السلطة وتمركزها. ولا يكتمل دور التعددية إلا من خلال تطبيق مبدأ التداول السلمي للسلطة، هذا المبدأ الذي يشكل أحد الأسس التي يتركز عليها النظام الليبرالي. إن تداول السلطة أو دورانها كما يُقال يوسع القاعدة الاجتماعية المعنية باتخاذ القرار والمشاركة في صنعه، عبر الهيئات البرلمانية، وعلى مستوى المجالس المحلية في المدن والمصانع المنتخبة مباشرة، والتي تشارك الإدارة في الإشراف على سير العمل وتقديم الخدمات للمواطنين.
إن أهم رسالة في تيار التعددية تتمثل في ثنائية المجتمع والدولة؛ أي: القبول بوجود مجتمع مدني متعدد الأشكال؛ مما يتيح لعدد كبير من الفاعلين الاجتماعيين إمكانية تولي جزءًا من سلطة الدولة، وخضوع الإدارة العامة لرقابة الرأي العام. لقد ارتكزت التعددية على الأفكار الليبرالية التي نادى بها جون لوك وجون ستيورات مل وجون رولز في كتابه الشهير «نظرية العدالة»، وفوكوياما صاحب «نهاية التاريخ والإنسان الأخير».
ح ــ ظهور الأعمال المساندة لمفهوم المجتمع المدني المتمثلة في كتابات هيغل، وماركس وغرامشي. فلقد ركز هيغل على قضية الضوابط والنظم والقوانين في مقابل السلطة المطلقة، وظهور الهيئات المدنية الحرفية كالنقابات والأندية والجمعيات التعاونية وغرف التجارة والصناعة، وغيرها من المنظمات التعاونية الأخرى التي ينشط عبرها أعضاء المجتمع المدني، ويعبرن عن فعالياتهم السياسية، ومشاركتهم في صنع القرار وفق قوانين ونظم الدولة الليبرالية أو ربما على النقيض منها، وإن كان بالطبع لم يقلل هيغل من مكانة الدولة؛ حيث جعلها تعلو على المجتمع وتقوده. أما كارل ماركس فقد ربط مفهوم المجتمع المدني بالاقتصاد، وذلك بارز من خلال كتاباته المختلفة في إسهام منه في نقد الاقتصاد السياسي «ورأس المال»، وربط مفهوم المجتمع المدني بالقوى الإنتاجية حيث يقول: «إن شكل التعامل المحدد بالقوى الإنتاجية الموجودة في جميع المراحل التاريخية السابقة، والمحدد بدوره لهذه المراحل، هو المجتمع المدني، وإن لهذا المجتمع المدني مقدماته وأسسه في الأسرة البسيطة والمركبة. وأنه لمن الواضح سلفًا أن المجتمع المدني يشكل البؤرة الحقيقية أو المسرح الحقيقي للتاريخ كله». كما يقول في مكان آخر: «يشتمل المجتمع المدني على جميع علاقات الأفراد المادية ضمن مرحلة معينة من تطور القوى المنتجة. إنه يشتمل على مجمل الحياة التجارية والصناعية لمرحلة معينة، وبذلك يتجاوز الدولة والأمة، بالرغم من أنه لابد له على أية حال، من تأكيد ذاته في الخارج من حيث هو دولة، وفي الداخل من حيث هو قومية». لقد كان الاختلاف البارز بين هيغل وماركس ماثلاً في إقرار الأول بأهمية الدولة في حين يقلل ماركس من أهمية الدولة، ويرى أهمية المجتمع المدني على حسابها. أما «غرامشي» فتعد كتاباته من أبرز الأطروحات في مجال المجتمع المدني، وبخاصة للمثقفين العرب؛ حيث ركز على عنصر الثقافة. فلقد عرّف غرامشي المجتمع المدني بأنه «الهيمنة الثقافية والسياسية، حيث تمارس الطبقة الاجتماعية هيمنتها على كامل المجتمع كاحتواء أخلاقي للدولة». كما ينظر غرامشي إلى الدولة بصفتها المجتمع السياسي زائد المجتمع المدني. لقد كان غرامشي ينظر إلى المجتمع المدني بصفته فضاء للهيمنة الثقافية الأيديولوجية حيث تسعى التنظيمات الخاصة، مثل: دور العبادة، والنقابات، والمدارس إلى تنسيق، وتوحيد مواقف الفئات والطبقات الاجتماعية؛ كمقدمة لابد منها لتحقيق السيادة السياسية؛ وذلك من خلال فاعلية الحزب «المثقف الجمعي»، وقدرته على تعبئة وحشد كل أصحاب المصلحة في التغيير تحت قيادته كونه يحمل لواء الإصلاح والتغيير، ويسعى لنشر هيمنته الثقافية والسياسية على كامل المجتمع المدني. وهكذا يرى غرامشي على غرار «ابن خلدون» أن المطاولة الثقافية هي أساس وشرط نجاح المطاولة السياسية.
ط ــ تبني الحركات الديمقراطية لمفهوم المجتمع المدني بعدها محققًا لمطالب الليبرالية والعدالة والمساواة والتصويت وحركة الشعب، والالتزام بالقانون، والحد من السيادة المطلقة للحاكم… . هذه المفاهيم وجدت صداها في ظهور قانون الحقوق في بريطانيا 1689م، والدستور الأمريكي 1787م، والثورات الفرنسية المتتالية في الأعوام 1830- 1848- 1871م. وبإيجاز يمكن القول بأن مفهوم المجتمع المدني في الثقافة الأوروبية هي نتاج الوضع التاريخي في أوروبا بخاصة ما يتصل منها بسيادة الكنيسة والحاكمية المطلقة؛ حيث أدى هذا الوضع إلى النظر إلى الدولة نظرة سلبية إما بعدها وضعًا متطرفًا أو جهازًا قمعيًا أو وسيلة للسيطرة، وأن الدولة ليست هي الذي يكيف المجتمع المدني بل إن المجتمع المدني هو الذي يكيف الدولة. هذه النظرة للدولة في مقابل المجتمع المدني جعل الاهتمام يتحول من الكتابة في مكانتها ودورها في المجتمع إلى الاهتمام بموضوعات أخرى، مثل: الحركات الاجتماعية والطلابية والثقافية والعمالية والنسوية.
أما في العالم العربي فإن تعامله مع مفهوم المجتمع المدني يدخل في جملته في إطار تأثر الثقافة العربية بالثقافات الأجنبية، وعلى وجه التحديد الثقافة الأوروبية والأمريكية مثله في ذلك مثل التأثر بمعطيات التقنية أو الموضة بشتى صورها المختلفة. على أنه ومع الإقرار بوجود مثل هذا التأثر إلا أن تلقي واستجابة المفكرين والمثقفين العرب للمفاهيم الأجنبية بشكل عام والغربية بشكل خاص ليس على وتيرة واحدة، فمنهم من يرفضها على الإطلاق، ومنهم يقبلها أيضًا على الإطلاق، ومنهم من يحاول إرجاع هذه المفاهيم إلى بعض الممارسات العربية أو الإسلامية؛ ليسوغ ويسوق لقبولها في المجتمع، وهناك طرف ثالث يحاول أن يكيّف هذه المفاهيم بما يتفق وقيم المجتمع العربي بشكل عام ومجتمعه الذي يتواجد فيه بشكل خاص، هذا الوضع المتعلق بالتعامل مع المفاهيم الأجنبية إذا ما حاولنا تطبيقه على مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي فإننا وقبل كل شيء يجب أن نفهم حقيقة المجتمع العربي في الوقت الراهن. هذا المجتمع العربي في جملته يعاني في الوقت الراهن من كثير من الضغوط السياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية الناجمة عن البنية الاقتصادية الهشة، والحملات الإعلامية الغربية، وعلى وجه التحديد الأمريكية والصهيونية، والآثار الناجمة عن حروب الخليج المتوالية، ومفاهيم العالم الجديد والعولمة. والمعتنقين من مثقفي العالم العربي لأي أفكار غربية بغض النظر عن ملاءمتها لقيمنا العربية التي جعلت مقاومته للمفاهيم الأجنبية ضعيفة جدًا.
انطلاقًا من هذه الحقيقة يأتي مفهوم المجتمع المدني كأحد المفاهيم التي برزت الدعوة إليها حديثًا، وعلى وجه التحديد بعد حرب الخليج الثانية، على الرغم من أن ظهورها يعود إلى بداية السبعينيات الميلادية؛ نتيجة للتأثر بأفكار ومؤلفات أنطونيو غرامشي التي وجدت ميولاً كبيرًا لها وبخاصة في بلدان المغرب العربي.
لقد حمل المجتمع المدني في طياته الدعوة إلى التعددية والحزبية، والممارسة للديموقراطية الغربية، والتركيز على الثقافة، وإعطائها الدور الأكبر في الإسهام في حركة المجتمع السياسية، وقيام تنظيمات أو منظمات توعية أو رسمية مستقلة عن السلطة السياسية تهدف إلى تعزيز التماسك والتضامن بين أعضاء المجتمع في مقابل الاستقلال النسبي عن الدولة أو الحد من قوتها بل وإقصاء الدولة إذا اقتضى الأمر ذلك. ومن أجل تحقيق هذه المطالب فقد برزت مفاهيم مصاحبة للمجتمع المدني، مثل: المواطنة، وحقوق الإنسان، والمشاركة السياسية والشرعية والثقافية … .
على أن التعامل مع مفهوم المجتمع المدني وتسويقه في الثقافة العربية لم يكن على وتيرة واحدة. ففي الوقت الذي حاول فيه بعض المفكرين قبول هذا المفهوم بمضامينه الأوروبية أو الغربية كاملة نجد أن هناك من يحاول إيجاد مفاهيم وتصورات بديلة لهذا المفهوم الغربي من خلال البحث في مخزون ذاكرة الثقافة العربية بما يسهل قبوله لدى المواطن والمفكر العربي وتعبيرًا عن رفض الهيمنة الغربية. هذه المفاهيم البديلة تمثلت في استخدام مصطلحات من قبيل «المجتمع الأهلي» بدلاً من المجتمع المدني «والجماعة» عوضًا عن المجتمع السياسي ومجتمع المدنية والسياسة المدنية. بل لقد حاول بعض المتحمسين للثقافة العربية ربط مفهوم المجتمع المدني ببعض الممارسات التاريخية الإسلامية، وبخاصة ما حدث في عهد الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ فيما تم التعبير عنه بمسمى «وثيقة المدينة» أو «الصحيفة» أو ما أطلق عليه البعض «دستور المدينة». وكما حاول بعض المفكرين العرب تكييف هذا المفهوم بما يتفق وقيم الثقافة العربية نجد البعض يعترض بل ويرفض مفهوم المجتمع المدني انطلاقًا من مفاهيم الخطاب الماركسي الذي نظر إلى هذا المفهوم بعده مفهومًا برجوازيًا، وأنّ تداوله أو تبنيه يصب في خدمة الأيديولوجية البرجوازية. هذا التناقض في التعامل مع مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي ازداد تعقيدًا نتيجة لعدم الاتفاق على تعريف موحد للمفهوم، ومحاولة التأكيد على المفهوم البديل وبخاصة مفهوم المجتمع الأهلي الذي يتذبذب بين قبول ورفض مكونات المجتمعات الطائفية والقبلية والعائلية، وحرصه على الاستقلال النسبي عن الدولة ومؤسساتها من خلال قيام الأهالي بأدوار التنظيم الاجتماعي والتعليم، وتقديم بعض الخدمات الصحية والاجتماعية عبر معطيات متأصلة في التاريخ الإسلامي، مثل: الزكاة والوقف والمسجد والزوايا والتكايا والمستشفيات، أو ممارسات حديثة كالجلسات الخاصة أو الاجتماعات الدورية أو الديوانيات. من ناحية أخرى فإن التأكيد على الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي وعدّ الثاني خصمًا للأول قد أوجد نوعًا من الاختلاط والتشويش في فهم مصطلح المجتمع المدني في الثقافة العربية، وممارسته على أسلوب واضح نزيه. وأخيرًا فإن الأمر بالنسبة لتسويق مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي قد واجه معوقات أخرى جعلته يعاني في حد ذاته من القصور بل والنبذ؛ حيث تم ربطه بمفاهيم فضفاضة أو غير مقبولة لأغلب قطاعات المجتمع العربي. من هذه المفاهيم: التسامح الديني والاجتماعي والفكري، وحقوق المرأة والديموقراطية الغربية والعلمانية. بل لقد وصل البعض إلى حد القول إلى أنه لا يمكن تطبيق مفهوم المجتمع المدني دون ديموقراطية، وأنه لا يمكن تصور ديموقراطية دون علمانية، ليحصر القضية بعد ذلك في صورة خلاف بين الدين والسياسة. بناءً على هذه النتيجة يدعو بعض المتحمسين للمجتمع المدني إلى إعادة التفكير بالعلمانية؛ بغية إعادة تصور مختلف للعلاقة بين رجل الدين ورجل السياسة يُنهي على حد تعبيره القطيعة بينهما، ويمكن العلمانية من الاندراج في نسيج المجتمع المدني.
مما سبق نخلص إلى القول بأن مفهوم المجتمع المدني هو مفهوم أوروبي بشكل خاص وغربي بشكل عام. لقد وُلد هذا المفهوم في أحضان الثقافة الأوروبية بسبب العلاقة بين الكنيسة والمجتمع والدولة والكنيسة والدولة والمجتمع؛ حيث نشأ الصراع بينهما من أجل الحد من هيمنة أيًّا منهما حيث كانت نتيجتها الدفع نحو إشراك أفراد المجتمع ومؤسساته الخاصة في قرار وأنشطة المجتمع، وإن كانت حدود هذه المشاركة ومجالاتها غير محددة أو واضحة المعالم. لذلك نجد على سبيل المثال أن مفهوم المجتمع المدني لا يحظى بكثير من القبول في الثقافة البريطانية في مقابل قوة الدولة وبالعكس في إيطاليا التي تتولى مؤسسات المجتمع المدني الكثير من أنشطة المجتمع بل وتنافس الحكومة في كثير من أدوارها بينما نجد الصورة مختلفة في فرنسا وبقية بلدان أوروبا وأمريكا.
أما في العالم العربي فإنَّ المفهوم ما يزال متأرجحًا بين القبول والرفض بسبب ما ارتبط به من مفاهيم غير مقبولة سواءً بالنسبة لأعضاء المجتمع أو الحكومة كإقصاء الدولة، أو الحد من هيمنتها والديموقراطية الغربية والعلمانية. وإن كانت الضغوط الغربية على المجتمع العربي تبرز في وقتنا الراهن أكثر مما سبق، وتدفع باتجاه تبني هذا المفهوم وغيره من المفاهيم الغربية الأخرى السياسية والاجتماعية.
السؤال الثاني: ما التعريفات المطروحة لمفهوم المجتمع المدني؟ وما التعريف الذي نراه ملائمًا؟ لا يوجد في الواقع اتفاق بين المفكرين أو المنظرين حول تعريف مفهوم المجتمع المدني، وذلك عائد إلى الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة في كل عصر يتم فيه طرح هذا المفهوم والتعامل معه. ففي المراحل الأولى لظهور هذا المفهوم نجد التركيز قائمًا على أساس الحد من سلطة الكنيسة، ومشاركة المجتمع في بعض قراراتها؛ ليتطور الأمر بعد ذلك إلى التأكيد على أهمية مشاركة المجتمع مع بقاء التأكيد على أهمية دور السلطة المالكة أو الملك كما كان سائدًا في أوروبا. هذا الوضع تغير بعد ذلك؛ حيث تحولت الدعوة إلى مهاجمة الحكومة ذاتها، والعمل على الحد من قوتها أو مشاركتها في السلطة من خلال المؤسسات الاجتماعية، وذلك على الرغم من عدم تحديد نطاق هذه المشاركة أو مجالاتها حيث بقي المفهوم عائمًا في هذا الصدد سواء من حيث التعريف أو الممارسة .
وبغض النظر عن الإشكالية المرتبطة بتعريف مفهوم المجتمع المدني فإن ذلك لن يحول دون تقديمنا لبعض التعريفات لهذا المفهوم والتي نختار من بينها التعريفات الآتية:
1. المجتمع المدني: هو المفهوم القائم على أساس المواطنة القومية، وإسقاط الانتماءات القديمة من طائفية ومذهبية وقبلية.
2. المجتمع المدني: هو المجتمع الذي يعترف بحق المواطن الإنسان الفرد بدلاً من مفاهيم المؤمن وغير المؤمن الرجل أو المرأة الحر والعبد.
3. المجتمع المدني: تعني قوة المجتمع بجانب السلطة حيث تنطلق مكونات هذا المجتمع من مبدأ الحرية الفردية الذي ينطوي على حق الملكية أولاً، واعتمادًا على مفهوم المواطن الذي يشكل اللبنة الأساسية في مضمار المجتمع المدني. أما ما يشكل المبدأ الثاني المكمل لسابقه فهو التعاقد الاجتماعي بين مواطنين أحرار؛ بغية تنظيم شؤون مجتمعهم، في ظل مبدأ سيادة القانون، وهو الركن الثالث، والمبدأ الذي لا غنى عنه لاستمرار الجماعة. وأخيرًا يأتي مبدأ فصل السلطات؛ ليضمن عدم إساءة استخدام السلطة من قبل فرد أو أقلية، وليؤمِّن المشروعية المجتمعية للسلطة القائمة على الاختيار الطوعي للجماعة؛ لينتج عن المبادئ السابقة ما يسميه «لوك» الحكم المدني الصحيح.
4. المجتمع المدني: يعني الليبرالية والتعددية والمعارضة، وبناء التحالفات؛ بغية استقطاب الرأي العام، ومشاركة الدولة في اتخاذ القرار عبر الهيئات البرلمانية والمجالس المحلية.
5. المجتمع المدني: هو المجتمع القائم على أساس الفرد الجزئي؛ حيث يصبح المجتمع المدني تركيبًا من أعضاء مستقلين يتخذ كل منهم نظرة خاصة تجاه الأشياء، ويعمل من أجل غاياته الخاصة.
6. المجتمع المدني: هو المجتمع المحدد بالقوى الإنتاجية الموجودة في جميع المراحل التاريخية، وأن لهذا المجتمع مقدماته أو أسسه في الأسرة البسيطة والمركبة، وأنه لمن الواضح سلفًا أن المجتمع المدني يشكل البؤرة الحقيقية أو المسرح الحقيقي للتاريخ كله.
7. المجتمع المدني: يعني الهيمنة الثقافية والسياسية، حيث تمارس الطبقة الاجتماعية هيمنتها على كامل المجتمع كاحتواء أخلاقي للدولة.
8. المجتمع المدني: هو جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال عن سلطة الدولة؛ لتحقيق أغراض عدة. منها: أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرارات على المستوى القومي، ومثال ذلك الأحزاب السياسية، ومنها أغراض نقابية كالدفاع عن المصالح الاقتصادية لأعضاء النقابة. ومنها أغراض مهنية كما هي الحال في النقابات للارتفاع بمستوى المهنة، والدفاع عن مصالح أعضائها. ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الكتاب والمثقفين والجمعيات الثقافية التي تهدف إلى نشر الوعي الثقافي وفقًا لاتجاهات أعضاء كل جمعية، ومنها أغراض اجتماعية للإسهام في العمل الاجتماعي لتحقيق التنمية؛ وبالتالي يمكن القول بأن الأمثلة البارزة لمؤسسات المجتمع المدني هي : الأحزاب السياسية، النقابات العمالية، النقابات المهنية، الجمعيات الاجتماعية والثقافية.
9. المجتمع المدني: هو مجموعة التنظيمات التطوعية التي تنشأ بالإرادة الحرة؛ لتملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، وتشمل تنظيمات المجتمع المدني كلاً من الجمعيات والروابط والنقابات والأحزاب والأندية والتعاونيات؛ أي: كل ما هو غير حكومي، وكل ما هو غير عائلي أو إرثي (من الوراثة). والمجتمع المدني هو الأجزاء المنظمة من المجتمع العام. المجتمع المدني هو مجتمع عضويات فبقدر ما يحمل أي مواطن من بطاقات عضوية فبقدر ما يكون عضوًا نشيطًا في مجتمعه المدني.
من التعريفات السابقة نخلص إلى ما يأتي:
1. لا يوجد تعريف محدد لمفهوم المجتمع المدني؛ حيث إن كل تعريف يمثل المرحلة أو الفترة الزمنية التي ظهر فيها هذا التعريف.
2. إن التعريفات الراهنة لمفهوم المجتمع المدني تتجه نحو تفعيل حركة المجتمع فيما يتصل بالمشاركة في اتخاذ القرار على مستوى الدولة، وذلك من خلال الأحزاب أو المنظمات أو الجمعيات أو الأفراد، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى الحد من قوة أو سلطة أو ممارسة الدولة.
3. إن مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي هو انعكاس لتعريفه في المجتمع الغربي، وإن كان هذا التعريف محددًا لكثير من القيم الإسلامية العربية التي جعلت قبوله صعبًا جدًا سواء من قبل قطاع المجتمع أو السياسيين، نظرًا لتداخله مع مفاهيم أخرى، مثل: الليبرالية والماركسية والعلمانية والتعددية والجزئية.
وتبعًا لذلك يمكننا تعريف المجتمع المدني بأنه حركة المجتمع غير الرسمية من خلال أفراد أو جمعيات معينة تهدف جميعها إلى مشاركة الدولة في اتخاذ القرار بأبسط صورة أو تقليص دورها إلى أقصى حد ممكن.
السؤال الثالث: ما وسائل أو أدوات تفعيل مفهوم المجتمع المدني؟ بالرجوع إلى تاريخ ظهور مفهوم المجتمع المدني نجد أن هناك العديد من الوسائل أو الأدوات التي تم استخدامها من أجل تفعيل هذا المفهوم في المجتمع. هذه الأدوات تتراوح ما بين الحوار ومحاولة الإصلاح إلى اللجوء إلى العنف، وتغيير النظام السياسي بالكامل. لذا يمكن أن نجمل وسائل تفعيل المجتمع المدني في النقاط الآتية:
1. ظهور الحركات التصحيحية.
2. توظيف مفهوم التربية المدنية.
3. استثمار واستغلال بعض المفاهيم والممارسات السائدة في المجتمعات الغربية والشرقية، مثل: الحرية، والديموقراطية، والعدالة، والمساواة، إما لأغراض مباشرة أو غير مباشرة نبيلة أو غير نبيلة.
4. تفعيل المؤسسات والتنظيمات الحرة المدافعة عن مصالح الأفراد والجماعات في إطار القوانين التي تسنها الدولة.
5. تحرير السوق والتركيز عليه كمجال للتبادل والتنافس وفق شروط مدروسة أو مقررة.
6. الضغط على الحكومات من خلال الاستعانة بالمنظمات العالمية أو الحكومات الأجنبية.
7. الدعوات الفردية التي تعمل على مساندة ودعم الحكومة من خلال تبصيرها ببعض جوانب القصور لديها.
8. الدعوات الفردية التي تعمل على التعبير عن وجهة نظرها حول عدم إقرارها لممارسات الحكومة، وذلك من خلال وسائل الإعلام، أو الانضمام لبعض المنظمات والجمعيات الوطنية أو العالمية.
9. استثمار المؤسسات والتنظيمات القائمة التي تسمح بوجودها الدولة كالأندية الأدبية والرياضية والثقافية والاجتماعية والخيرية والجمعيات العلمية والجلسات الخاصة الدورية.
10. استخدام العنف والعنف المضاد من قبل بعض الأفراد والجماعات بهدف تغيير الأوضاع القائمة.
يعتقد المنادون بتطبيق مفهوم المجتمع المدني بأن الطبيعة التطوعية لتنظيمات أو مؤسسات المجتمع المدني هي سر قوتها في مقابل قوة الدولة، وأن عضوية هذه التنظيمات تعطي الفرد إحساسًا بأنه قادر على التأثير، ولو بقدر متواضع في بيئته الاجتماعية. كما تعطيه قدرًا ولو متواضعًا من الشعور بالأمان الجماعي في مواجهة الدولة، وتتيح له عددًا كبيرًا من فرص النمو الذاتي، كما تزوده بقدر لا بأس به من المهارات التنظيمية والسياسية. بل يذهب البعض إلى القول بأن تنظيمات المجتمع المدني هي التي تملأ الفراغ الذي يترتب على تقهقر الدولة في مجالات خدمية أو إنتاجية كانت تقوم بها أو تعوض ولو جزئيًا من عجز الدولة عن الوفاء بهذه المتطلبات الخدمية الإنتاجية.
وخلاصة القول بأن هناك العديد من الوسائل أو الأدوات التي تُطبق من أجل تفعيل مفهوم المجتمع المدني، والتي تتراوح ما بين أسلوب الحوار والسِّلم إلى أسلوب العنف والمقاومة، والتي تتباين غايتها من محاولة إصلاح مسيرة وأخطاء الحكومة إلى محاولة إقصائها. هذه الوسائل في مجملها لا تنظر بعين الرضا إلى الحكومة في وقتها الراهن، ولا تؤمن بسيادتها المطلقة في القرار بل قد يصل الأمر إلى عدم الثقة بها وبخاصة في العالم العربي.
انطلاقًا من الحقائق السابقة يمكن القول بأننا أمام أربع خيارات رئيسية للتعامل مع مفهوم المجتمع المدني، هذه الخيارات هي على النحو الآتي:
الخيار الأول: رفض مفهوم «المجتمع المدني»، وكل ما يحمله من مضامين بعده مفهومًا غربيًا غير محمود الدلالة والمقاصد. هذا الخيار قد لا يكون مقبولاً في وقتنا الراهن، وذلك بسبب تشابك مصالح وثقافة المجتمع السعودي مع مصالح وثقافات المجتمعات الأخرى التي تفرض علينا الاستفادة من تجاربها، والتجاوب مع أطروحاتها بما يتفق مع ثقافتنا الإسلامية العربية.
الخيار الثاني: قبول مفهوم «المجتمع المدني» بالكامل بغض النظر عن إيجابياته أو سلبياته. هذا الخيار ليس بأحسن حالاً من سابقه؛ وذلك لأن مفهوم المجتمع المدني يتضمن الكثير من المعطيات والمتطلبات التي تتعارض مع معتقداتنا وقيمنا الإسلامية العربية السعودية. ذلك أن قبول هذا المفهوم على إطلاقه يقتضي ما يأتي:
أ ـ الإيمان بحرية حركة الناس، وذلك فيما يتصل باختيار من يحكمهم، ومن يمثلهم في مؤسسات الدولة، وأن ينتظموا بالشكل المناسب الذي يحقق مصالحهم.
ب ـ كف الدولة عن إدخال يدها في التأثير على التشريعات أو الأنظمة التي تحكم حركة وسير مؤسسات وتنظيمات وأنشطة المجتمع المدني.
جـ ـ إعطاء ضمانات للأفراد والتنظيمات المنخرطة في مسيرة المجتمع المدني بأن حركتهم وأنشطتهم لن تستغل ضدهم في المستقبل من قبل الدولة.
د ـ تغيير كامل الأنظمة أو التشريعات التي تحد من حركة أفراد المجتمع، ومنها حركة المرأة والأقليات والطوائف وبعض التجمعات ذات التوجه الفكري أو السلوكي الذي قد يتناقض مع القيم الإسلامية.
هـ ـ تطبيق منهج التربية المدنية القائم على أساس تعليم المواطن أن يكون مواطنًا وتعليمه طبيعة وحدود العلاقة بينه وبين الحكم والمكان والزمان.
و ـ الدعوة إلى إجراء حوار وطني مع كل فئات المجتمع بغض النظر عن انتماءاتها العقدية أو المذهبية أو القبلية أو الثقافية.
ز ـ إيجاد ميثاق أو نظام يحدد العلاقات بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، على أن يُترك لهذه المؤسسات حرية اختيار الوسائل التي تناسبها فيما يتعلق بممارسة أنشطتها وتحقيق أهدافها.
الخيار الثالث: قبول مفهوم المجتمع المدني وتطويعه بما يتفق وثقافتنا المحلية.
هذا الخيار ليس جديدًا في الواقع بل هو ما يطبق في جله في الوقت الراهن سواء ما يتعلق منه بإتاحة المجال للجمعيات الأهلية، أم الجمعيات الخيرية، أم الجمعيات العلمية أم النوادي أم المجالس الخاصة. غير أننا هنا يجب أن نعيد تقييم تجربتنا في هذا المجال، لتحديد إيجابيات وسلبيات الوضع الراهن، واقتراح الوسائل الممكنة للاستعداد والتهيؤ ما هي؟ ومن يقوم بذلك؟ أو أن المقصود شيء آخر بما يضمن تلبية احتياجات المجتمع، والمواطن والمثقف فيما يتصل بتفعيل مضامين مفهوم المجتمع المدني.
إن تبني مفهوم المصلحة العامة مفهومًا مستمدًا من الشريعة الإسلامية سوف يوفر لنا البديل الأقوى في مواجهة أطروحات وتحديات المجتمع المدني. بل إن تبني مفهوم المصلحة العامة سوف يقلل من انتقادات الآخرين لممارسات الحكومة، كما سيعمل على جلب المزيد من المؤيدين من أبناء المجتمع لمفهوم «المصلحة العامة» بصفته مفهومًا إسلاميًا بديلاً عن المفهوم الغربي «المجتمع المدني».
’ما هي المشاكل الناتجة عن شيخوخة المجتمع الأوروبي و حدد حلول ممكنة *’
ارجوا المساعدة
pleaseeeeeeeeeeeeeeee
موجودة في كتاب الجغرافيا ، مستوى 3 متوسط
عملية البحث عنها بمفردك ستفيدك كثيرا
وفّقك الله
’ما هي المشاكل الناتجة عن شيخوخة المجتمع الأوروبي و حدد حلول ممكنة *’
ارجوا المساعدة
pleaseeeeeeeeeeeeeeee
موجودة في كتاب الجغرافيا ، مستوى 3 متوسط
عملية البحث عنها بمفردك ستفيدك كثيرا
وفّقك الله
مقومات المجتمع الجزائري:هي الأركان والأسس التي يقوم عليها وهي
*الإسلام/* العروبة*الأمازيغية*الوطن الواحد*الثقافة المشتركة *التاريخ
الطويل
انتماءات المجتمع: المجتمع الجزائري جزء لا يتجزأ من المغرب والوطن العربي
والعالم الإسلامي وحوض البحر المتوسط والقارة الإفريقية و عضو فعال عالميا.
خصائصه:* تدينه وتمسكه بعقيدته الإسلامية * حبه الحرية والتمسك بها *
التمسك بالأرض والذود عنها * الاتحاد بين أفراده خاصة عند الشدائد
* الدفاع عن العرض والشرف * الشجاعة والتضحية ونكران الذات * التسامح والعفو.
تطوره :تطور المجتمع الجزائري عبر تاريخه الطويل منذ الفترة القبلية إلى
العهد النوميدي ثم الروماني ثم الوندالي واكتملت معالمه بالفتح الإسلامي (
الدولة الرستمية و الحما دية ، العهد العثماني عهد الاحتلال الفرنسي ،
الدولة الحديثة )