التصنيفات
العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير

اسباب قيام التجارة الخارجية

أسباب قيام التجارة الخارجية
يرجع تفسير أسباب قيام التجارة الخارجية إلى السبب الرئيسي المتمثل في المشكلة الاقتصادية أو ما يعرف بمشكلة الندرة النسبية، وذلك بسبب محدودية الموارد الاقتصادية قياسا بالاستخدامات المختلفة لها في إشباع الحاجات الإنسانية إلى جانب ضرورة استخدام هذه الموارد بشكل أمثل نذكر منها.
– التوزيع الغير متكافئ لعناصر الإنتاج بين دول العالم المختلفة، مما يصعب على أي دولة تحقيق الاكتفاء الذاتي وبالتالي ضرورة سد الحاجات عن طريق التبادل الدولي.
– تفاوت كبير في أسعار عوامل الإنتاج وبالتالي التكاليف وأسعار المنتجات المحلية لكل دولة، مما يؤدي إلى انخفاض تكاليف إنتاج سلعة في دولة معينة وارتفاعها في دولة أخرى.
– اختلاف مستوى التكنولوجيا المستخدمة في الإنتاج من دولة لأخرى، مما ينتج عنه تفاوت الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية حيث تتمتع العملية الإنتاجية بالكفاءة العالية مع وجود تكنولوجيا متطورة في حين يؤدي تدني المستوى التكنولوجي إلى ضعف الكفاءة الإنتاجية وسوء استغلال الموارد الاقتصادية.
– وجود فائض في الإنتاج المحلي يجب تصريفه بإيجاد أسواق خارجية أي الطلب العالمي على المنتوج.
– اختلاف ميول وأذواق المستهلكين حيث أن المستهلكين يسعون دوما للحصول على السلعة ذات المواصفات العالية من الجودة.
تعد التجارة الخارجية من أهم القطاعات الحيوية في أي اقتصاد حيث يعتبر هذا القطاع المؤشر الجوهري على القدرة الإنتاجية والتنافسية للدولة لهذا قدمت عدة أفكار وآراء في إطار ما يعرف بالنظريات المفسرة للتبادل الدولي.

المبحث الأول: – النظرية التجارية:

تعتبر النظرية التجارية التي سادت ما بين أواخر القرن الرابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر أول نظرية نادت بضرورة الإهتمام بالتجارة ما بين الدول وقد قامت هذه النظرية نتيجة ظهور عنصرين أساسيين تمثلا في قيام الدولة الإقليمية والتوسع الإمبراطوري.
أ- قيام الدولة الإقليمية:
نشأت الدولة نتيجة الثورة التي قامت ضد تسلط الكنيسة على الشؤون السياسية، الإقتصادية والدينية حيث كانت تتحكم في أسعار السلع والأجور وتفرض الضرائب المرتفعة.
إن التحرر من قبضة الكنيسة مس جميع المجالات منها التجارة فتوسعت السوق المحلية مما تطلب البحث عن أسواق أجنبية (عالمية) لتصريف المنتجات.
ب- التوسع الإمبراطوري:
قام هذا التوسع بواسطة الحروب والاكتشافات فمن بين التوسعات الإمبراطورية في ذلك العهد:
الإمبراطورية الإسبانية حيث احتلت كل من أمريكا الجنوبية وجزء من أمريكا الشمالية، الإمبراطورية الفرنسية حيث احتلت أمريكا الشمالية كما احتلت هولندا الهند الشرقية وفرضت انجلترا سيطرتها عليها بواسطة شركاتها وقد أدت هذه التوسعات إلى اكتشاف المعادن النفيسة (الذهب والفضة) والمتاجرة بها.
وعلى هذا الأساس ظهرت فئتين من التجاريين
1- الفئة التي تعتمد على المعادن النفيسة (الذهب والفضة) كثروة الأمة:
تسمى هذه الفئة بالجيل الأول من التجاريين، بالمعدنيين لاعتبارهم أن ثروة الأمة تقاس بما تملكه من ذهب وفضة.
أمّا الجيل الثاني فيسمى بالتجاريين وهذا لاعتبارهم أنه حتى ولو لم تكن للدولة معادن تقاس على أساسها ثروتها فانه يمكن أن تحصل عليها من خلال التبادل التجاري مع الدول الأخرى وهذا مع محافظتها على ميزان تجاري موافق (الصادرات أكبر من الواردات).
2- الفئة التي تعتمد على الميزان التجاري الموافق:
إن هذه الفئة أو الجيل الثاني المعروف بالتجاريين ترى أنه لكي تحصل الدولة على كميات من المعادن النفيسة عليها أن تحقق فائض في الميزان التجاري وذلك بأن تصدر أكثر مما تستورد، وهذا حتى تضمن دخول المعادن مقابل منتجاتها مع فرض حماية كاملة على الواردات وهذا لمنع خروج المعادن.
يعتمد التجاريون على مجموعة من المبادئ نوجزها فيما يلي:
1- تدخل الدولة في الشؤون الإقتصادية:
يعتبر هذا أهم مبدأ بالنسبة للتجاريين فتدخل الدولة في الشؤون الإقتصادية وفرض الحماية على المنتوجات ووضع ما يقلل من الإستيراد أو منع خروج المعادن النفيسة وهذا برفع نسبة الرسوم الجمركية والعمل على تخفيض الأسعار المحلية بالمقارنة مع الأسعار الأجنبية إلى غير ذلك من الإجراءات بالإضافة على تدعيم الصادرات وتشجيع الصناعة المحلية.
2- اعتبار تزايد نسبة السكان منفعة لزيادة الثروة:
لم يعطي التجاريون اهتمام كبير لتحقيق رفاهية السكان بل على العكس فكانوا يرون أن الزيادة في نسبة السكان يعتبر مكسب للدولة وهذا بإرتفاع الطلب على العمل مع انخفاض نسبة الأجور أو كما يقال اليد العاملة الرخيصة التي تساعد على تخفيض تكاليف الإنتاج وبالتالي التحكم في مستوى الأسعار.
3- ترتيب أوجه الأنشطة الإقتصادية:
يرى التجاريون أن الأنشطة الإقتصادية مرتبة على النحو الآتي:
– إدراج التجارة الدولية في المقام الأول إذ تعتبر أول مصدر لتحقيق الثروة
– لتأتي فيما بعد الصناعة والتي من خلالها يمكن للدولة أن تتحكم في الميزان التجاري وهذا من خلال ما تنتجه من منتجات التي يمكن أن تصدر إلى الخارج.

-المبحث الثاني : النظرية الكلاسيكية:
تعتبر هذه النظرية نقطة الإنطلاق في تحليل تطور نظرية التجارة الخارجية لأنه لم يكن للمدرسة التجارية أية نظرية مفصلة في هذا الموضوع، ولقد أخد الكلاسيك على عاتقهم تفسير وبيان الفوائد المتعلقة بالتبادل الدولي من خلال:
– تحديد ماهية وطبيعة السلع التي تدخل في التجارة الدولية (تفسير أسباب قيام التجارة الدولية)
– تحديد نسب التبادل التجاري ما بين تلك السلع
– كيفية تحقيق التوازن في الميزان التجاري
ولقد بدأت النظرية الكلاسيكية بنظرية التكاليف المطلقة لأدم سميت
أ- نظرية الميزة المطلقة لأدم سميت:
قدم أدم سميت حججا قوية في نقد أراء المذهب التجاري فيما يتعلق بالذهب والفضة وبالثروة وبالعلاقات التجارية بين الدول إلى غير ذلك من مبادئ هذه النظرية ووضع أسس السياسة التقليدية المنادية لمبدأ “دعه يعمل دعه يمر”
وفي كتابه “ثروة الأمم” بين سميت أنه لا يوجد معنى لاعتبار أن الذهب مصدر الثروة الوحيد إذ بين أن الثروة تكمن في السلع المادية المنتجة القادرة على إشباع حاجات الأفراد ورغباتهم وأن الدخل الذي يحصل عليه الشخص لا يتكون في الواقع من عدد القطع الذهبية بقدر ما يتكون من ما يستطيع هذا الشخص أن يشتريه في السوق أو يحصل عليه بواسطة هذه القطع.
كما اهتم بضرورة تقسيم العمل بين الأفراد وأوضح ما يترتب على هذا المبدأ من فائدة كبرى تتمثل في القدرة على الحصول على مقادير من المنتجات أكبر بكثير جدا مما يمكن الحصول عليه في حالة عدم إتباع تقسيم العمل وذلك بالقدر نفسه من عوامل الإنتاج من جهة أخرى أوضح مساوئ تقييد التجارة الخارجية التي دعا إليها التجاريون من أجل جلب المعادن النفيسة إلى الدولة حيث أظهر أن كل دولة يمكن لها أن تزيد من تروثها وذلك بإعتمادها على مبدأ تقسيم العمل والتخصص في الإنتاج.
يمكن شرح مفهوم التخصص على أن الفرد المتفطن لا يحاول صنع بنفسه الأشياء التي تكلفه أقل عند شرائها.
الدول كالأفراد تتخصص لجلب المزيد من المنافع، فنلاحظ مثلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تستورد الموز من هندوراس بدلا من محاولة زراعته في أمريكا، وبنفس الدرجة يجب على الهندوراس استيراد السيارات من أمريكا، حيث تكون هناك أرخص نسبيا بدلا من محاولة تصنيعها محليا بتكلفة كبيرة ولهذا يمكن أن تحدث الميزة المطلقة بسبب نوعية الأرض أو الموارد الطبيعية أو المناخ. كما هو الحال بالنسبة للمنتجات الزراعية في الدول المتوسطية أو النفط بالنسبة للدول العربية أو بسبب المهارات و رأس المال كما هو الحال في الدول الصناعية بالنسبة لصناعة الطائرات، السيارات والمعدات العسكرية.
يؤخذ على هذا التحليل أنه لا يبين السبيل إلى التخصص بالنسبة للدول التي لا تتمتع بأي مزايا مطلقة، فهل هذا يعني أن الدول التي تتمتع بإنتاجية ضعيفة في كل الميادين تقريبا يكون محكوم عليها بالعزلة.
ب – نظرية الميزة (التكاليف) النسبية لديفيد ريكاردو La théorie des coût comparatifs
حسب الإقتصادي ديفيد ريكاردو ليس من الضروري توفر الميزة المطلقة للدولة في إنتاج إحدى السلع، لكي تحقق مكاسب من الدخول في التجارة الدولية، بل يكفي أن يتوفر للدولة ما أسماه “الميزة النسبية” في إحدى السلع التي تنتجها لذلك فإن قيام التجارة الدولية يعتمد على اختلاف التكاليف النسبية للسلع عبر الدول وليس التكاليف المطلقة.
هذا يعني أنه حتى ولو كان لبلد نقيصة Désavantage مطلقة في إنتاج كلتا السلعتين بالنسبة إلى البلد الآخر فإن تجارة ذات نفع متبادل يمكن مع ذلك أن تحدث بين بلدين فعلى البلد الأقل كفاءة أن يتخصص في إنتاج وتصدير السلع التي تكون نقيصتها المطلقة فيها أقل، وتلك هي السلعة التي يكون للبلد ميزة نسبية بشأنها.
ومن جهة أخرى ينبغي أن يستورد البلد السلعة التي يكون نقيصته المطلقة فيها أكبر فتلك هي منطقة النقيصة النسبية.
وهذا يعرف بقانون الميزة النسبية avantage comparatif وهو واحد من أعظم قوانين الإقتصاد شهرة إلى اليوم . لنوضح ذلك بالمثال التالي :
إذا كانت الدولة A على سبيل المثال تنتج نوع من الكمبيوتر خلال 100 ساعة عمل ونوع من المحركات الكهربائية خلال 20 ساعة عمل، فنسبة التبادل الداخلية الإستكفائية تصبح 05 محركات مقابل كمبيوتر واحد لنفرض أن هناك دولة أخرى B تحتاج 1000 ساعة عمل لصناعة كمبيوتر مماثل و100 ساعة عمل للحصول على نفس المحرك الكهربائي نسبة التبادل في الحالة الثانية الخاصة بالدولة B كمبيوتر واحد مقابل 10 محركات.
حسب أدم سميت الدولة A تتوفر على ميزة مطلقة بالنسبة للسلعتين مقارنة بالدولة B بعبارة أخرى الدولة B تتوفر على نقيصة مطلقة بالنسبة للسلعتين تمنعها من القيام بأي مبادلة تجارية مع الدولة A.
إلاّ أن ريكاردو يؤكد أن الدولة B كذلك لها منفعة من وراء القيام بالتجارة الدولية فإذا تخصصت الدولة A في صناعة الحاسوب (التي تتمتع فيها بميزة نسبية أكبر) والدولة B في صناعة المحركات الكهربائية (التي تتمتع فيها بنقيصة نسبية أقل).
فكلتا الدولتين تحقق منافع من جراء التبادل الدولي، فتصدير 10 محركـات كهربـائـية من طرف الدولة B لا تكلف سوى 0100 ساعة عمل في حين تمكنها من الحصول على 5 أجهزة حاسوب من الدولة A حسب التبادل الداخلي في هذه الدولة. الخمس (05) أجهزة المستوردة تتطلب 5000 ساعة عمل في الدولة B معناه أن الدولة B تمكنت من توفير 4000 ساعة بفضل التبادل الدولي.
بصفة عامة كل تبادل لحاسوب مقابل 05 محركات وحاسوب مقابل محركات 10يخدم الدولتين.
هذه الصفقة لا تستثني بالطبع وجود فروق في مستوى المعيشة بين الدولتين بما أن نجاعة الدولة A هي أكبر، فقانون الميزة النسبية لا يقترح شرح المستوى الدقيق للأسعار الذي يتم بواسطة التبادل ولكن فقط الفروق في الأسعار (Fourchette de prix) التي تمكن الدولتين من تحقيق الأرباح.
ج- نظرية القيم الدولية:
إذا كانت نظرية ريكاردو قد أوضحت بطريقة مقنعة فائدة التجارة، إلا أنها لم تحدد النسبة التي يتم بواسطتها تبادل السلع بين الدول، أي معدل التبادل الدولي المعروف بمعدل التجارة. بعبارة أخرى، أن ريكاردو ركز على ناحية العرض أو ناحية التكاليف النسبية في إنتاج السلع في الدولتين حتى تقوم التجارة الدولية.
وقد كان لجون ستيوارت ميل دور كبير في تحليل قانون النفقات النسبية في علاقته بنسبة التبادل في التجارة الدولية وفي إبراز أهمية طلب كل من البلدين في تحديد نسبة التبادل الدولي، أو معدل التبادل الدولي، فوفقا لهذه النظرية، الذي يحدد معدل التبادل الدولي هو الطلب المتبادل من جانب كل دولة على منتجات الدولة الأخرى، ومعدل التبادل الذي يحقق التوازن في التجارة الدولية هو ذلك المعدل الذي يجعل قيمة صادرات وواردات كل دولة متساوية.
منحنى الطلب المتبادل:
لتحليل منحنى الطلب المتبادل يتعين علينا الإعتماد على المثال الرقمي التالي افترض وجود دولتان هما الأردن والعراق، يقومان بإنتاج سلعتين هما الأحذية والملابس باستخدام كمية محددة من العمل مساوية للمقدار (10) عمال كما هو موضح في الجدول أدناه.

جدول رقم 1
الإنتاج الناجم عن مقدار محدد من العمالة (10) عمال
السلعة الدولة الملابس الأحذية
الأردن 10 15
العراق 10 20
مصدر: “اقتصاديات التجارة الخارجية” حسام علي داود، أيمن أبو خضير، أحمد الهزايمة، عبد الله صوفان
دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة الأردن 2022
بنفس مقدار العمل فإن كل من الدولتين تنتجان كميات مختلفة من الملابس والأحذية. ومن المثال يتضح أن الأردن تتمتع بميزة نسبية في إنتاج الأحذية
في الأردن : وحدة واحدة من الملابس= وحدة ونصف من الأحدية 10/15=1،5
في العراق : وحدة واحدة من الملابس= وحدتين من الأحذية.
الأحدية أرخص نسبيا في العراق بحيث يمكن استبدال الوحدة منه بنصف وحدة من الملابس بدلا من ⅔ وحدة كما هو الحال في الأردن.
يتضح من المثال أنه لكي نستطيع تحديد الميزات النسبية التي تتمتع بها الدول في السلعتين فإنه علينا أن نقارن بين معدلات التبادل بين هاتين السلعتين كما تحددت داخل كل من هذين البلدين قبل قيام التجارة فاختلاف معدل التبادل بين الملابس والأحذية في العراق عنه في الأردن هو سبب قيام التجارة بينهما. وتحدد معدلات التبادل الحقيقية بينهما مكاسب كل منهما من التجارة. وسيحقق الأردن مكسبا من التجارة إذا استطاع أن يحصل على وحدة من الملابس بأقل من 1,5 وحدة من الأحذية.
ويمكننا إيجاد معدلات التبادل المحتملة بين الدولتين من الجدول التالي والذي قد يكون واحد منها هو معدل التبادل الدولي، وتجدر الملاحظة أن هذا المعدل سيكون ضمن حدود معدلي التبادل الداخليين في الدولتين قبل قيام التجارة

جدول رقم 2
العلاقة التجارية بين الأردن والعراق بناءا على الطلب المتبادل (أرقام افتراضية)
معدل التبادل
التجاري ملاحظات الأردن العراق
المعروض من المطلوب من الملابس المطلوبة المعروض من
الملابس (العرض) الأحذية (الطلب) (الطلب) الأحذية (العرض)
10 ملابس: 15 أحذية معدل التبادل الداخلي في 0 0 20000 30000
الأردن (ج)
10 ملابس: 16 أحذية معدل تبادل دولي محتمل (ع1) 6000 9600 13000 20800
10 ملابس: 17 أحذية معدل تبادل دولي محتمل (ع2) 10000 17000 10000 17000
10 ملابس: 18 أحذية معدل تبادل دولي محتمل (ع3) 11000 19800 8000 14400
10 ملابس: 19 أحذية معدل تبادل دولي محتمل (ع4) 13000 24700 4000 7600
10 ملابس: 20 أحذية معدل تبادل دولي محتمل 16000 32000 0 0

المصدر: حسام علي داود، أيمن أبو خضير، أحمد الهزايمة، عبد الله صوفان “اقتصاديات التجارة الخارجية” دار الميسرة للنشر والتوزيع والطباعة عمان، الأردن 2022. (بتصرف)

ويلاحظ من الجدول أن معدل التبادل الدولي يجب أن يكون بين معدلي التبادل في الدولتين قبل قيام التجارة وإلاّ فستكون المكاسب من التجارة من نصيب دولة واحدة فقط وعندها ينعدم الحافز لقيام التجارة بينهما.
ولقد أوضح جون استيوارت ميل أن المعدل الفعلي للتبادل سوف يعتمد على القوة النسبية (ظروف الطلب) ومرونة الطلب لكل دولة على سلعة الدولة الأخرى، وسيكون المكسب من التجارة أكبر كلما كان السعر الحقيقي الذي تحصل عليه الدولة مقابل صادراتها أحسن، ويتحقق ذلك عندما يكون معدل التبادل الدولي قريبا من معدل التبادل الداخلي في الدولة الشريكة في التجارة.
ومن الممكن توضيح ذلك إذا افترضنا تساوي معدلات التبادل بين السلعتين في الدولتين، فهنا لا تقوم التجارة بينهما حيث لا ينتج أي مكسب.
معدل التبادل الدولي التوازني:
يتحدد معدل التبادل الدولي التوازني عند نقطة تقاطع منحنيا الطلب لكلا الدولتين والذي يأخذ الشكل التالي:

الشكل رقم 1 منحنى التبادل الدولي التوازني

من هذا الشكل يمكن ملاحظة:
– عند النقطة ر (وهي نقطة تقاطع المنحنيين ون، وم) تتعادل كمية الصادرات مع كمية الواردات، بمعنى أن كمية القماش التي ترغب الدولة 1 في تصديرها (ون/) مقابل استيراد كمية محدودة من القمح من الدولة 2 (وم/) تتساوى مع كمية القماش التي ترغب الدولة 2 في استيراد مقابل ذات الكمية من القمح أي أن:
صادرات الدولة الأولى من القماش= واردات الدولة الثانية من القماش= ون/ واردات الدولة الأولى من القمح= صادرات الدولة الثانية من القمح=وم/.
– النقطة التي عندها يتحدد معدل التبادل الدولي التوازني سوف تتغير بتغير أشكال منحنيات الطلب المتبادل، فإذا تقاطع منحنى الطلب المتبادل للدولة الأولى ج مع منحنى الطلب المتبادل للدولاة الثانية ل، عند نقطة على الخط ع1 ( احدى معدلات التبادل الدولية المحتملة) و لتكن ك مثلا عندئذ تحقق الدولة الثانية المكسب الأكبر من التجارة الدولية أمّا إذا تقاطع المنحنيان عند نقطة تقع على الخط ع3 فإن الدولة الأولى هي التي ستحقق المكسب الأكبر من التجارة الدولية.

المبحث الثالث : التحليل النيوكلاسيكي
أ-نظرية التوافر النسبي لعوامل الإنتاج:
من خلال بحوث كل من: هشكر، أولين وسامويلسون في مجال التجارة الدولية فإن تحليل التبادل الدولي يستدعي الإهتمام بعناصر الإنتاج التي مكنت من إنتاج السلع الموجهة للتصدير وليس فقط الإهتمام بالتكاليف المقومة بساعات العمل.
بعبارة أخرى أن أسباب الإختلاف في التكاليف النسبية مرده الإختلاف في حجم عناصر الإنتاج. فحسب هكشر إن الإختلاف في التكاليف النسبية يرجع إلى:
– إختلاف إنتاجية الدول المختلفة وهذه الإنتاجية تتوقف على عاملين أساسيين هما:
 إختلاف الدول من حيث تمتعها بالوفرة أو الندرة النسبية لعوامل الإنتاج وهذا يؤدي إلى إختلاف الأسعار النسبية لعوامل الإنتاج من دولة إلى أخرى. فكل دولة لها مصلحة في إنتاج السلع التي يدخل في إنتاجها كمية كبيرة من عوامل الإنتاج المتوفرة لديها، وتستورد السلعة التي يتطلب إنتاجها كمية كبيرة من عامل أو عوامل الإنتاج التي لا تتوافر لديها.
* إختلاف دوال إنتاج السلع المختلفة: من الناحية الإنتاجية تحتاج بعض السلع إلى توافر بعض عوامل الإنتاج أكبر من العوامل الأخرى مثلا السلع الزراعية تحتاج إلى الكثير من عامل الأرض بالمقارنة مع رأس المال والعمل، وعلى ذلك تدعى بسلع كثيفة الأرض أمّا السلع الإلكترونية فهي تحتاج إلى كميات وفيرة من رأس المال بالمقارنة مع الأرض أو العمل وتدعى سلع كثيفة رأس المال، أمّا السلع التقليدية مثلا المنسوجات فهي تحتاج إلى كميات وفيرة من اليد العاملة بالمقارنة مع الأرض ورأس المال وتدعى بسلع كثيفة العمل.
أمّا أولين فيري أن الأسعار النسبية تتحدد بالعرض والطلب على المنتجات
الطلب يتوقف على:
• حاجات ورغبات المستهلكين
• ملكية عوامل الإنتاج التي تحدد الدخول الشخصية ومن ثم الطلب
أمّا العرض يتوقف على:
• عرض عوامل الإنتاج
• الشروط الفنية للإنتاج أو ما يسمى بدوال الإنتاج
يفترض أولين أن نوعية عوامل الإنتاج واحدة في الدولتين وأن دوال الإنتاج متماثلة بالنسبة لنفس المنتوج، إذا الإختلافات يكون سببها إمّا الإختلافات في ظروف الطلب (أذواق المستهلكين) أو الإختلافات في عرض عوامل الإنتاج (الوفرة أو الندرة النسبية لعوامل الإنتاج).
– الإختلافات في عرض عوامل الإنتاج هي بصفة عامة المحدد الرئيسي لإختلافات اللأسعار النسبية للسلع.
إذا حسب منطق الميزة النسبية، كل دولة من مصلحتها الإستثمار في المنتجات التي تمزج بالخصوص العنصر الأوفر وتترك المنتجات الأخرى فالدول المتطورة الغنية بـرأس المال، التكنولوجيا المتقدمة، اليد العاملة المؤهلة، تصدر المنتجات المصنعة، بالعكس الدول الأقل تقدم تصدر بضائع تحتوي العنصر الأكثر وفرة، العمل الغير المؤهل أو قليل التأهيل


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.