التصنيفات
علم الاجتـماع

المنهج العلمي وتقنيات البحث في العلوم الاجتماعية

تمهيـد:
قبل الحديث عن العلاقة بين المنهج العلمي والبحث بشكل عام، والتقنيات، يجدر بنا معرفة مفهوم تقنيات البحث، وتحديد أنواعها، وأهميتها بالنسبة للبحث العلمي ليسهل تصور علاقتها بالبحث.
أولا- مفهوم وأنواع التقنيات:
تشمل التقنيات مختلف الوسائل التي يلجأ إليها البحث قصد التعامل مع الواقع، وجمع المعطيات التي يتطلبها بحثه، فهي جملة الإجراءات وأدوات الاستقصاء التي تستعمل بشكل منهجي ومنظم، من أجل جمع المعطيات الأوليةDonnées primaire أي تلك البيانات الجديدة التي يتحصل عليها الباحث بنفسه، والمعطيات الثانوية Données secondaires والتي تضم بيانات تستند إلى معطيات موجودة من قبل.
وفي الغالب هناك ستة أنواع من التقنيات:
1- وهي الملاحظة والمقابلة والاستبيان بما فيه ذلك سبر الآراء والتجريب، وتستعمل هذه التقنيات الأربع لجمع معطيات أولية، وهي تعتبر تقنيات مباشرة، يقوم فيها الباحث بنفسه بالتعامل مع مصادر البيانات سواء وجها لوجه، أو عن طريق أي وسيلة اتصال متاحة وملائمة ( [1] ).
2- أما التقنيتين المتبقيتين فهما تحليل المضمون والتحليل الإحصائي، وهما يستعملان في جمع معطيات ثانوية، ويُعدّان تقنيات غير مباشرة، ففي هذه الحالة يتعامل مع معطيات جاهزة مسبقا ( [2] ).
ويجب تكييف التقنيات حسب ما يقتضيه موضوع التحقيق، ففي تحقيق عن النواب كان لا بد من معرفة الصورة التي يمنحها هؤلاء لأنفسهم، لتكييف أداة المقابلة حسب موضوع الدراسة، أي النواب.( [3] ).
ويمكن القول، أن كل تقنية من هذه التقنيات يمكنها أن تستعمل أداة أو أكثر من أدوات لجمع البينات من مصادرها المحددة، سواء تمثل هذا المصدر في مجتمع البحث بأكمله، أو تم اختيار عينة منه أو من خلال التعامل مع حالات بعينها.
ثانيا- تصنيف التقنيات:
تعرض مادلين غرافيتز عدة محاولات للتصنيف، وبعد أن تبين حدودها وعيوبها؛ فهي تقدم محاولة بمقتضاها تصنف التقنيات انطلاقا من عدة اعتبارات.
– منها تصنيفها حسب موضوع البحث: فهناك التقنيات الحية التي تتعامل الأفراد والجماعات
– وهناك التقنيات الوثائقية التي تتعامل مع الوثائق( [4] ).
أما موريس أنجرس فيصنفها انطلاقا من سبع معايير:
(1) فمن حيث غياب أو وجود الاتصال مع المبحوث، يكون لدينا تقنيات مباشرة وأخرى غير مباشرة.
(2) أما من حيث شكل العلاقة مع المبحوث عند وجود الاتصال المباشر بحيث قد نستعمل الملاحظة أو التجربة أو المقابلـة.
(3) ولكن عندما نكون بصدد تقنيات غير مباشرة فنحن نتعامل مع منتجات أو مواد لأفراد تعذر الاتصال لأسباب البعد أو الوفاة أو غيرهما، فيكون لدينا وثائق أو آثار تاريخية مكتوبة أو حتى مسموعة أو مصورة.
(4) ويمكن أن نصنف حسب مصدر البيانات فقد يكون المصدر فردا أو جماعة في حالة التقنيات المباشرة، وفي الحالة الثانية قد يكون وثيقة أو وثائق.
(5) وهناك التصنيف من حيث درجة حرية المبحوث، فإذا كانت الأسئلة مفتوحة كان البحث غير موجها، وفي حالة وجود أسئلة مغلقة يكون البحث مقيدا غير موجه، وإذا جمع بين الحالتين كان شبه موجه.
(6) وهناك تصنيف حسب محتوى الوثيقة، فقد تكون بياناتها كمية وقد تكون نوعية.
(7) وفي نفس السياق تصنف حسب المعطيات التي نرغب في جمعها (وهي ليست جاهزة كما في حالة الوثيقة) فإذا كان الهدف إجراء قياسات كانت المعطيات كمية، وإذا كان الهدف هو تصنيف الظواهر مثلا أو تشخيص خصائصها كانت المعطيات كيفية.
ثالثا-التقنيات والمنهج:
يستعرض لوبي Loubet العلاقة بين المنهج والتقنيات، من خلال حديثه أولا عن علاقتها بالمنهج العلمي بشكل عام، حيث تمثل إجرءات البحث التي تسمح بتجسيد وتحقيق العمليات المختلفة التي تحددها مراحل المنهج، وهو يقصد بذلك خطوات مراحل البحث، وهو يقسم هذه مراحل المنهج هذه إلى ثلاث خطوات، تبدأ بالملاحظة المبدئية للوقائع التي بفضلها يختار الباحث موضوعا ما، ومنها تنشأ بعض الافتراضات التفسيرية التي تتحول من خلال الاستنباط إلى فروض، ثم تأتي مرحلة التحقيق Vérification، التي بفضلها يتم تأكيد أو دحض الفرضيات، وفي ضوء ذلك يفسر الواقع فتنشأ القوانين أو النظريات.
فبفضل التقنيات يتم تحقيق الملاحظة الأولى التي تكونت لدلى الباحث، وبهذا يلجأ الباحث إلى مختلف التقنيات : مقابلات، سبر آراء، تحليل المضمون، فهو يكيف تقنياته، لتحقيق هذه الهداف، التي تنتظم حسب المنهج المستعمل في الدراسة.
أي أن المنهج المتبع ( أو المناهج المتبعة) في دراسة ما يمثل خطوة فكرية عامة تنسق بين جملة من العمليات التقنية بهدف واسع هو تفسير الظواهر الاجتماعية، فتصبح التقنيات بذلك أدوات للبحث تحت خدمة إستراتيجية عامة محددة من طرف المنهج ( [5] ).
هذا، وتبدأ مادلين غرافيتز ( التي تمثل مرجع أساسي للكاتب السابق، ولموريس أنجرس وغيرهما) تحليلها للعلاقة بين المنهج والتقنية بالقول بأن كل بحث لا بد له من استعمال جملة من التقنيات ليصل إلى هدفه، وهي ترى أن هذه التقنيات تتحدد وفق الموضوع قيد الدراسة، والدي يرتبط بدوره بالمنهج.
ثم توضح أن هذا التداخل بين المفهومين أدى إلى نشوء غموض والتباس، وتحاول إزاحة ذلك بقولها بأن كليهما يجيب عن سؤال واحد هو: كيف ؟ كيف نصل إلى الهدف؟ غير أن التقنيات تقع -بالتحديد- في مستوى التعامل المباشر مع الوقائع.
فهي تمثل إجراءات ملموسة ترتبط بالواقع المدروس مباشرة، ولكن المنهج مفهوم فكري تصوري فهو ينظم مجموعة من العمليات، وبشكل مجموعة تقنيات، فالتقنيات هي أدوات في خدمة البحث، يقوم بتنظيمها المنهج.
وتنتهي الباحثة العالمة إلى تأكيد مدى حاجة الواحد منهما للثاني، وتضرب مثالا بالصياد، حيث يكون منهجه ناجحا بقدر ما يحصل على عدد كبير من الفرائس، فإذا كان فقط راميا بارعا تدرب على ذلك في القاعات والملاعب ولكنه لا يمتلك منهجا جيدا، أي لا يمتلك إستراتيجية صيد يعرف من خلالها نفسية الفريسة وعاداتها، ونفسية كلب الصيد والأوقات الملائمة لذلك، فإنه لن ينجح لآن امتلاك التقنية لا ينفع مع غياب المنهج. والعكس صحيح فإن غياب التقنية الجيدة سيجعله يعود بخفي حُنين( [6] ).




شكر لكم جزيل الشكر
اللهم إجعلها في ميزان حسناتكم

الاقتباس غير متاح حاليا

من فضلكم أريد بحث حول :اختيار موضوع البحث ومشكلته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.