التصنيفات
علم الاجتـماع

نظرية الصراع الاجتماعي" رالف داهرندوف "

النظرية الاجتماعية المعاصرة

نظرية الصراع الاجتماعي
” رالف داهرندوف ” R. Dahrendof

مفهوم الصراع الاجتماعي :
يحدث الصراع الاجتماعي نتيجة لغياب الانسجام والتوازن والنظام والاجماع في محيط اجتماعي معين . ويحدث ايضا نتيجة لوجود حالات من عدم الرضى حول الموارد المادية مثل السلطة والدخل والملكية او كليهما معا . اما المحيط الاجتماعي المعني بالصراع فيشمل كل الجماعات سواء كانت صغيرة كالجماعات البسيطة او كبيرة كالعشاثر والقبائل والعائلات والتجمعات السكنية في المدن وحتى الشعوب والامم .
والفكرة الاساسية تتجلى في القول ان قضية الصراع بين المجموعات البشرية هي في الواقع ظاهرة عضوية في الحياة الانسانية والعلاقات السائدة بينها . ويمكن ايراد نوعين من الأسباب حول استيطان الصراع الاجتماعي كظاهرة اجتماعية بين المجموعات البشرية :
1. ثمة ما يسمى بـ” الرموز الثقافية ” وهو نوع من الاسباب التي تؤدي الى انسجام بين البشر او الى خصام . والخصام في هذا السياق قد يتجلى في الاختلاف على مفهوم السلطة المادية . فمن له الحق في السلطة وتملكها ؟ ولماذا ؟ هو سؤال يسمح بنشوب صراع .
2. ومن وجهة نظر ماركسية فان قضية العدالة الاجتماعية تعد متغيرا بنيويا في اثارة الصراعات الاجتماعية طالما ان هناك توزيع غير عادل للثروة .
بعض تعريفات الصراع الاجتماعي
يقدم علماء الاجتماع السياسي وعلماء الانثروبولوجيا بعض التعريفات التي تساعدنا في التعرف على معنى الصراع في ادبيات العلوم الاجتماعية ، ولنأخذ اثنين من هذه الادبيات :
أولا : رالف داهرندوف
يقدم عالم الاجتماع الالماني هذا الصراع على انه “حصيلة العلاقات بين الافراد الذين يشكون من اختلاف في الاحداث ” .
ثانيا : لويس كوزر
هو عالم اجتماع امريكي معاصر اهتم بالنظرية الوظيفية وقدم مساهمة في نظرية الصراع الا جتماعي .
هذه المساهمة تعرف الصراع بـ :
” انه مجابهة حول القيم او الرغبة في امتلاك الجاه والقوة او الموارد النادرة ” .
وفي هذا السياق للتعريف فان الاطراف المتصارعة لا ينحصر اهتمامها بكسب الاشياء المرغوب فيها بل انها تهدف الى وضع المناوئين اما في حالة حياد او ان يقع الاضرار بهم او القضاء عليهم .
مشروعية الصراع الاجتماعي
§ الجذور :
تهتم النظريات السوسيولوجية باستكشاف اسباب الصراع الاجتماعي وانعكاساتها ، وتحاول ان تطرح رؤىً فكرية بخصوص امكاية نفي المفهوم او التحكم فيه . أي البحث في استعمال المفهوم وتوظيفه لتبرير غايات سياسية او اقتصادية او اجتماعية او حتى فلسفية . ولكن كيف ؟
ان الفكر النظري حول الصراع الاجتماعي هو فكر قديم جدا ولعل نظرية كارل ماركس حول الصراع الطبقي تمثل حصيلة لتراكم الزاد المعرفي لهذه النظرية . فالصراع الاجتماعي عند ماركس له جذور اقتصادية تشكل الطبقات الاجتماعية اساسه عند المجموعات البشرية . فالصراع الطبقي حسب الماركسية هو القوة المحركة للتاريخ .
من جهة أخرى يرى البعض كـ ” روبرت مالتوس ” صاحب النظرية الشهيرة في السكان بان الثروات وقتل الملايين من الافراد عبر وسائل العنف المتعددة والمتنوعة هي مسألة ضرورية لتقدم البشرية . بعبارة اخرى فالصراع الاجتماعي من هذا المنظور اساسيا وضروريا لإحداث تغير اجتماعي ايجابي وكأن فلسفة التقدم والتنمية التي اجتاحت اوربا في القرن 19م ما كان لها ان تنجح لولا البعد العنفي الكامن فيها . وفي هذا السياق يبدو أن للصراع وظيفة ايجابية .
§ في علم الاجتماع
بالنسبة لنظرية الصراع في علم الاجتماع فيمكن الاشارة الى المعالم التالية :
فمن جهة تُعَدُّ نظرية الصراع الاجتماعي كطليعة للفكر الماركسي ، ومن جهة ثانية تُعَدُّ بديلا للنظرية البنيوية الوظيفية ، بل انها تمثل مخرجا للنظريتين فهي من جهة تحمل بذورالوظيفية وفي نفس الوقت تحمل بذور الماركسية لذا فهي تستعمل مضامين وجواهر كلا من الوظيفية والماركسية بحيث يستحيل ردّ اطروحاتها الى أي من هما منفردة .
كنا قد اشرنا الى النقد الذي تعرضت له البنيوية الوظيفية على عدة مستويات باعتبارها نظرية محافظة ذات طابع ايديولوجي وغير قادرة على التعامل مع التغيرات الاجتماعية كونها ركزت في انطلاقاتها علىاستقرار البنى الاجتماعية حتى فقدت القدرة على تحليل الصراع الاجتماعي . لذا يمكن القول بان نظرية الصراع الاجتماعي تمثل محاولة قام بها العديد من علماء الاجتماع للمحافظة على الاهتمام بمفهوم البنية والاعتناء بنفس الوقت بمفهوم الصراع .
ويعد كتاب عالم الاجتماع الامريكي ” لويس كوزر” المنشور تحت اسم ” وظائف الصراع الاجتماعي 1950 ” أول محاولة تنظيرية في هذاالصدد . أي انه أول محاولة امريكية تتعامل مع الصراع الاجتماعي انطلاقا من رؤية البنيوية الوظيفية مما يعني ان كوزر انفرد نوعا ما بنظرة ايجابية للصراع الاجتماعي . ومع ذلك فالبعض يرى ان دراسة الصراع الاجتماعي يجب ان يتجاوز الوظائف الاجتماعية الايجابية لهذا الصراع . فما الذي يعنيه هذا البعض ؟
المعنى يكمن في النظرية الماركسية . فلعل ابرز ضعف تشكو منه نظرية الصراع الاجتماعي هو فقدانها لارضية النظرية الماركسية ، ولعل الاستثناء الوحيد في هذا الميدان هو عالم الاجتماع الالماني ” رالف داهر ندوف ” الذي حاول تلقيح نظرية الصراع الاجتماعي بأطروحة الفكر الماركسي فكان كتابه ” الطبقة وصراع الطبقات ” أهم عمل سوسيولوجي حول نظرية الصراع الاجتماعي .
ومع هذا فإن داهرندوف يكاد يستعمل نفس الاطار التحليلي الذي تبناه علماء الاجتماع الوظيفيون ” البنى والتنظيمات الاجتماعية ” . ومن ناحية اخرى فقد نبه داهرندوف الى أن عناصر النسق الاجتماعي يمكن ان تعمل معا متناسقة ويمكن ان تعرف صراعا وتوترات ذات بال ، فالمجتمعات تتمتع بحركية والصراع هو أحد ملامح هذه الحركية ومثلما ان هناك تناسق اجتماعي فثمة أيضا مجابهات وتوترات اجتماعية .
وفي النهاية يمكن النظر الى نظرية الصراع الاجتماعي على أنها مرحلة عابرة في تاريخ تكون النظرية السوسيولوجية . ويعود فشل تبلورها الى عدم الاستفادة الكافية من الفكر الماركسي الذي كان انتشاره ضئيلا قبل الخمسينات في القرن العشرين بين علماء الاجتماع الأمريكان ومع ذلك فالنظرية الصراعية هيأت الظروف المناسبة لقبول الفكر الماركسي بين المثقفين الأمريكان مع مطلع الستينات من نفس القرن .
ومما يؤخذ على نظرية الصراع الاجتماعي أيضا أنها تركز في تحليلاتها على البنى الاجتماعية مهملة بذلك دور الأفراد وتفكيرهم وسلوكاتهم ، فالوظيفية أصلا لم تعط دورا للفرد ولا أهمية له . والواقع أن علم الاجتماع الأمريكي لم يعط الفرد أي دور في فهم وتفسير الظواهر خلا نظرية التفاعل الرمزي للأنثروبولوجي الأمريكي “جورج هر برت ميد “.

نظرية الصراع عند رالف داهرندوف

مكونات النظرية ” الجهاز النظري = المعرفي “
تتكون نظرية داهرندوف من عدة افكار ومقولات يمكن عرض ابرزها في الملاحظات التالية :
1. كل مجتمع يظل عرضة بصفة دائمة الى عملية التغير .
2. ان العديد من عناصر النسق الاجتماعي تساعد على تفكك المجتمع وإحداث التغير فيه .
3. كل مجتمع له نظام اجتماعي قائم على سلطة القهر والتهديد التي يمارسها أفراد المجتمع المنتصبون على قمة الهرم الاجتماعي.
إلى هنا يمكن أن نطرح عدة تساؤلات :
فهل من الممكن أن يبقى المجتمع جامدا غير متحرك ؟ وكيف نقيس سرعة التغير في المجتمع ؟ هل هو بطئ ؟ ام انه يسجل قفزات ؟ أم انه ذو طبيعة شاملة ؟ وما هي كثافة التغيير ؟
ان تربع طبقة ، فئة ، شريحة ما على قمة السلطة ستدفع الى الهيمنة والتسلط وبالتالي ستمهد الى صراع مكشوف على السلطة او الحقوق .
4. حسب داهرندوف فالنظرية السوسيولوجية ينبغي أن تنقسم الى قسمين :
§ نظرية الصراع : Conflect Theory وهذه تهتم بدراسة صراعات المصالح وأشكال القهر التي تحافظ على سلامة المجتمع .
§ نظرية الوفاق : Consens Theory وهذه تركز على دراسة الدمج في المجتمع ” مثل النظرية الوظيفية “
وهكذا يعترف داهرندوف أن المجتمع لايمكن أن يوجد بدون وجود الصراع والوفاق معا واللذان يكملان بعضهما البعض . ولأن الصراع يحدث في المجتمع الذي يسوده الاتفاق في جميع أجزائه فان الصراع أيضا يحدث طالما يولد الحاجة الى الوفاق .

ملخص نظرية الصراع عند داهرندوف :
ينبغي بناء النظرية السوسيولوجية على مبدأين :
§ مبدأالصراع
§ مبدأ الوفاق
هذا يعني حسب النظرية الصراعية أنه لن يكون هناك وجود لاي مجتمع بدون حضور المبدأين الضرورين لبعضهما البعض . فالمجتمع الذي يسوده الاتفاق بين أجزائه لطالما يحدث فيه صراع بين اجزائه والعكس صحيح ، فالصراع طالما يؤدي الى اتفاق فيما بين اجزائه .

مناقشة النظرية
بداية ، فان عالم الاجتماع الألماني غير متفائل بخصوص الوصول الى نظرية سوسيولوجية وحيدة تشمل مبدأي الصراع والوفاق بين الأجزاء المكونة للمجتمع .
أولا : مفهوم السلطة لدى داهرندوف
في معاينته لعنصر السلطة في المجتمع يناقش داهرندوف مبدأ نشوب الصراع الاجتماعي . فهو يرى ان المجتمع يحافظ على النظام بواسطة ما يسمية بالضغوط القوية . وهذا يعني ان بعض المواقع الاجتماعية في المجتمع تتفوق بقوة السلطة على مواقع اخرى في نفس المجتمع . هذه قضية تذكرنا بنظرية ابن خلدون في الصراع الاجتماعي حين تتخذ القبيلة الاقوى من العصبية مبررا للهيمنة والتسلط واخضاع القبائل الاخرى الاضعف وبالتالي إقامة الحكم ، فالعصبية الغالبة هي التي تتفوق على العصبيات الاخرى الضعيفة وهي التي تنصب نفسها صاحبة القوة على قمة الهرم الاجتماعي وليس لها من وظيفة الا المحافظة على النظام الاجتماعي القائم في المجتمع .
اذن المحافظة على النظام الاجتماعي في المجتمع لا تتوفر الا من خلال الضغوط القوية . فما الذي يعنيه داهرندوف بوجود قوة مهيمنة عل القوى الاخرى ؟
هذا الواقع التسلطي لبعض القوى على القوى الاخرى قاد داهرندوف الى الاعتقاد بان التوزيع التفاضلي للسلطة يصبح ، باستمرار ، بمثابة العامل الحاسم في بلورة الصراعات الاجتماعية .وهذا الاعتقاد يطرح تساؤلات عديدة يبرزها الواقع الاجتماعي حول الجوهر الذي تدور حوله الصراعات الاجتماعية مثل : من له السلطة الاكثر في المجتمع ؟ او من هو صاحب الامتياز الاكبر في احتكار السلطة؟
هل هو الثقافي ؟
هل هو صاحب الرأسمال ؟
من يتحكم بمن ؟ ومن يسيطر على من ؟
من الملاحظ أن إثارة التوزيع غير العادل للسلطة يقرب داهرندوف من الرؤية الماركسية للصراع الاجتماعي .
فكلما كانت السلطة موزعة تفاضليا بين شرائح المجتمع كلما مثلت العامل الحاسم في نشوء الصراعات . هذه الفرضية ستحمل داهرندوف على الولوج إلى قلب النظرية الماركسية التي تتحدث عن طبقات مهيمنة وطبقات مهيمن عليها . فما هي الفكرة الرئيسية ؟
السلطة كواقع اجتماعي :
أولا : يتحدث داهرندوف في فكرته الرئيسية عن السلطة عن مواقع اجتماعية في المجتمع تتمتع بأحكام ورؤى مختلفة للسلطة ، وهذه المواقع هي التي تمتلك السلطة . فماذا يقصد بالمواقع الاجتماعية ؟
يقصد داهرندوف أن الأفراد في المجتمع بوضعياتهم الفردية في المجتمع لا يملكون السلطة . ولكن المواقع الاجتماعية التي يشغلها الأفراد هي التي تمتلك السلطة . فالسلطة إذن لا تأتى الى الفرد من حيث كونه فرد ، إذ أن المجتمع هو في أحد مكوناته يمثل مجموع الأفراد وليس من المعقول أن يتولى مجموع الأفراد السلطة . لذا فان السلطة لا تأتى إلى الأفراد من مواقعهم الفردية إنما من خلال المواقع الاجتماعية .
ثانيا : لم يهتم داهرندوف ببنية المواقع الاجتماعية فحسب . فكما قلنا فإن لهذه المواقع أحكاما ورؤىً مختلفة تجاه السلطة وبالتالي ثمة تعارض فيما بينها . وهذا يعني أن داهر ندوف سيهتم حتما بالصراعات فيما بينها . فأين تكمن هذه الصراعات ؟
في واقع الآمر فإننا حين نتحدث عن مواقع اجتماعية فلابد لنا أن نتحدث عن الأدوار الاجتماعية لأن كل موقع اجتماعي يؤدي دورا وهذه مسألة تحدَّث عنها الوظيفيون أو بعض من اهتم بالنظرية الوظيفية حينما جرى التمييز بين الوظيفة والدور ، فالدين مثلا بنية تؤدي وظيفة اجتماعية ؛ ولكن الكاهن / الشيخ / القسيس يلعب دورا دينيا قد يكون مختلفا عن الوظيفة التي يؤديها الدين . كذلك الأمر فيما يتعلق بالسلطة ، فالسلطة تؤدي وظيفية في المجتمع باعتبارها عنصرا بنيويا مركزيا فيه لا يمكن الاستغناء عنه ولكن المتمتع بموقع سلطوي يلعب دورا مختلفا عن الوظيفة التي تؤديها السلطة . وإذا كانت السلطة تمثل حاجة اجتماعية كما ترى الوظيفية فإن الدور لا يمثل حاجة اجتماعية إنما يعبر عن موقع اجتماعي يلعبه فرد ما .
لذلك فان داهرندوف يرى بأن الأصل البنيوي للصراعات الاجتماعية ينبغي البحث عنه في منظومة الادوار الاجتماعية التي تكشف عن مواقع الهيمنة ومواقع الخضوع . ولكي نفهم بنية سلطة مهيمنة ومهيمن عليها يجب أن نبحث عن طبيعة الأدوار الاجتماعية التي يضطلع بها كلا الفريقين . وعليه فإن المهمة الأولى عند داهرندوف في صياغته لنظرية الصراع تتمثل بتحديد أدوار السلطة المختلفة في المجتمع .
إذن السلطة الممنوحة الى المواقع الاجتماعية هي عنصر رئيسي في المنظور السوسيولوجي لداهرندوف وهؤلاء الأشخاص الذين يتمتعون بمواقع سلطوية يُنتظر منهم التحكم بأولئك الذين لا يملكونها ، ونظرا لأن السلطة تكتسب شرعية معينة فعلينا أن ننتظر معاقبة كل من يخالفها




شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.