التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الحماية الاجتماعية للموظف


الحماية الاجتماعية للموظف – صندوق الضمان الاجتماعي-

المقدمة العامة:

يحتاج الجميع، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، إلى حد أدنى من الحماية الاجتماعية وسلامة الدخل، يحدد وفقاً لقدرة مجتمعهم ومستواه من التنمية. ولن يحدث هذا تلقائياً. وقد ثبت بالتجربة إن الاعتماد على التنمية الاقتصادية والديمقراطية وحدها ليس كافياً. ولذلك يجب على كل بلد من البلدان أن يطور من خلال الحوار الاجتماعي نظاماً وطنياً للحماية الاجتماعية يلبي احتياجات كل سكانه، وخاصة منهم العمال والمجموعات المستبعدة التي تعمل في الاقتصاد غير المنظم.
و يكون دلك من خلال نظام الضمان الاجتماعي. ويتعين على كل بلد أن يحدد أولويات وفقاً للموارد والظروف المحلية. و نجد أن البلدان الغنية أكثر انشغالاً بسلامة الدخل في السن المتقدمة، في حين إن البلدان الأكثر فقراً قد تعطي أولوية أعلى للرعاية الصحية الكافية وللتامين ضد مخاطر العجز والوفاة.
وقد أكد البنك الدولي في تقرير صادر له مؤخرا أن نسبة سكان العالم المحميين في أي من الأوقات في إطار شبكات أمان حكومية تقل عن ربع عدد سكان العالم، و أن نسبة المؤمنين تقل في بلدان العالم الثالث، بينما تزداد بثبات واستمرار تقدم برامج الحماية الاجتماعية في البلدان مرتفعة الدخل منذ ولادة مفهوم دولة الرعاية الاجتماعية،و يعتبر العديد من البلدان النامية شبكات الأمان هذه إجراءات تتخذ في آخر المطاف، تستخدم في أوقات الطوارئ وبعد ذلك توضع على الرف عقب انتهاء الأزمة. ويحذر البنك الدولي من أن أزمة شرق آسيا، التي وقعت مؤخرا وضربت الأسواق الناشئة بدءا بروسيا وانتهاء بالبرازيل، لا تبرز الضرورة الملحة لحماية الفقراء والمعرضين للمعاناة أثناء فترات الاضطراب والتغيير الاقتصادي فحسب، بل تبيّن أيضا ضرورة وجود شبكات الأمان الاجتماعي قبل حدوث الأزمة لتعظيم فرص نجاح هذه الشبكات. فعند وقوع أزمة، يمكن أن يكون من الصعب على الحكومات العثور سريعا على التأييد السياسي والأموال والخبرة اللازمة للاستجابة للطوارئ الاجتماعية.
ادن فالبلدان النامية تحتاج إلى آليات توسع نطاق الحماية الاجتماعية ليشمل أولئك الذين يوجدون على هامش البقاء، وتدمج هذه النظم في الوقت ذاته في المفاهيم التعددية الوطنية المتعلقة بالحماية الاجتماعية الشاملة. أما البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية، فهي تحتاج إلى إقامة نظم أكثر استجابة لحقائق التغير الهيكلي الكبير في اقتصادياتها. وأما البلدان الصناعية، فهي تحتاج إلى إلقاء نظرة جديدة على التغطية والكفاية والاستدامة المالية للعديد من أشكال الحماية الاجتماعية بغية تحسين تجاوبها مع زيادة مرونة ولامركزية أسواق العمل، ومع تغير الهياكل الأسرية. على أن البلدان، أينما كانت، ستحتاج إلى إدماج أنماط مختلفة من الحماية الاجتماعية لتشكل كلاً واحداً متماسكاً، يدعمه التفاهم الوطني ويطوره الحوار الاجتماعي بصورة خاصة.
وسنتطرق في بحثنا هذا إلى واقع الحماية الاجتماعية في الجزائر و تونس وذلك بدراسة صندوق الضمان الاجتماعي في البلدين و آليات عمله.

الفصل الاول:

1- الحمـاية الإجتمـاعية:

أ- مفهوم الحماية الاجتماعية:
تشمـل الحمـايـة الإجتمـاعيـة مجموعـة الأليـات والمؤسسـات التـي تـرتكز علـى مبـدأ التضـامن والتكـافل والتـي تضمن للأفـراد الحمـاية مـن الأخطـار الإجتمـاعية المتمثلـة أساسـا فـي الأمراض و البطـالة والمخاطر التي قد تنجم أثناء العمل و الفقر و التكفل بالمتقاعدين ودوي الاحتياجات الخاصة . إن الحمـاية الإجتمـاعية يمكـن تلخيصهـا فـي الدور الـذي تقـوم به صنـاديق الحمـاية الإجتمـاعية عبـر الـدول .

ب- أهداف الحماية الإجتماعية :
تعتبر الحماية الاجتماعية رافدا للتنمية وآلية للمحافظة على الموارد البشرية ولتكريس قيم التضامن والتآزر بين مختلف الفئات والأجيال وتحسين مستوى عيش الأفراد والأسر ودعم أواصر الاستقرار والتماسك الاجتماعي، ويمكن تلخيص أهداف الحماية الاجتماعية فيمايلي:
– حمـاية الأفـراد من المخـاطر الإجتمـاعية : تهدف الحماية الاجتماعية الى حماية كل أفراد المجتمع و تأمينهم ضد بعض الأخطار مثل: المرض ، الموت ، البطـالة ، حوادث العمل
– المساهمة في اعادة توزيع الخل الوطني : من خلال إعـادة توزيـع المداخيـل أي الإقتطاع من دخل الفئة العاملة وتوزيعها على الفئة غير القادرة على العمل. مثـل فئـة المتقـاعـدين.
– مسـاعـدة وتحفيـزالتنميــة الإقتصـادية وذلك مـن خـلال المحـافظة علـى القـدرة الشـرائية للأفــراد ( دعــم الطلـب ) .
– تضمن تمتع الناس بالأمن الاجتماعي والاقتصادي الأساسي الذي يمكنهم من تنمية إمكاناتهم البشرية: في العمل، وضمن أسرهم، وفي المجتمع عموما
– تخفيف المخاطر الاجتماعية وتوسيع الفرص أمام الفقراء والمعرضين للخطر
– تعتبر الحماية الاجتماعية أحد الركائز الأساسية لتكريس مبدأ التلازم بين الأبعاد الاقتصادية والأبعاد الاجتماعية والإنساية للتنمية .

ج‌- اليات الحماية الاجتماعية:
تلعب الحماية الاجتماعية دورا هامـا فـي حيـاة المجتمع مـن النـاحية الاقتصادية والاجتماعية خـاصة. ولهـذا تخصص لها الـدول مجموعة مـن الأنظمة و الآليات التـي يمكن أن تنـدرج ضمـن صناديق متعددة ومتنوعة أو حتى وزارات مثلما هو الحال في الجزائر ، وكذا جمعيات المجتمع المدني ، و غالبا ما تكون أليات الحماية الاجتماعية في الدول في شكل صناديق للضمان الاجتماعي و التامين عن البطالة و التقاعد ، وحماية المعاقين و ذو ي الاحتياجات الخاصة ، و حماية المرأة العاملة

2- الحماية الاجتماعية في الجزائر:

عرفت الحماية الاجتماعية في الجزائر منذ الاستقلال تطورا كبيرا تجسّد من خلال العديد من التنظيمات والقرارات والاجراءات التي تمّ إتخاذها والتي تهدف إلى تحقيق شمولية التغطية الاجتماعية لكافة الفئات الناشطة والشرائح الاجتماعية وتحسين مستويات المعيشة، و يمكن تلخيص نظام الحماية الاجتماعية في الفروع التالية:

Cnas- : الصنـدوق الوطنـي للتأمينـات الإجتمـاعية ويشمـل العمـال الذين يتقـاضـون الأجـور بصفـة عامـة , وكـذلك بعض الفئـات الأخـرى) , المعوقين , المجاهدين , ….) .
حيث تقتطـع نسبـة من أجـور العمـال شهـريا لتغطيـة النفقـات الناجمـة عن المـرض أو حوادث العمـل .

-casnos : الصنـدوق الوطنـي للتأمينـات الإجتمـاعية لغيـر الأجـراء هـذا الصنـدوق خـاص بأصحـاب الحـرف وأربـاب العمل وبصفة عامـة كل من يمتـلك محل تجاري فهو ملـزم بتسديد إشتراكـاته لضمـان الإستفادة من التعويضات عنـد المـرض أو التعرض لحـادث عمـل , وكـذا للحصـول علـى التقاعد .
Cnac – : الصنـدوق الوطنـي للتأميـن علـى البطـالة تضمـن هذه الهيئـة للعمـال الذيـن تـم تسـريحهم بمـوجب قانـون وزاري وكذلك في حـالة إغـلاق المؤسسـات العمـومية دفع أجـرة شهرية لفتـرة زمنية معينـة.
Cnr -: الصنـدوق الوطنـي للمعـاشـات تهتـم هذه الهيئـة بتسـديد مستحقـات فئـة المـؤمنين الذين أحيلوا إلى التقـاعد.
Cacobath – : صنـدوق التأمينـات للعطـل مدفوعـة الأجـر يعمـل هذا الصنـدوق كـوسيط بين العـامل وصـاحب العمـل فـي قطـاع البنـاء و الأشغـال العمـومية وذلك من خـلال الإشتراكـات التـي تدفـع سنـويا لهـذا الصنـدوق لتغطيـة أجـور العمـال الخـاصة بالعطـل .
Onaaph – : الديـوان الوطنـي للأعضـاء الإصطنـاعية للمعـوقين أنشـأ هذا الديـوان خصيصـا للفئـة المعـوقة حركيـا حيث يقـوم بتقديم المساعـدات المتمثلة فـي الأعضاء الإصطناعية ، الكراسـي المتحركة, وغيرها من الأجهزة دون مقـابل وهـذه المصاريف تغطـى مـن قبـل صنـدوق الضمـان الإجتماعـي . Fnpos – : الصنـدوق الوطنـي لمعـادلة الخدمـات الإجتمـاعية خصص هذا الصنـدوق لتدعيم بنـاء السكنـات الإجتماعية الخاصة بالأجـراء أي الفئـة العاملـة وهو يمـّّول مـن قبل الـدولة وكذا الصناديـق الإجتمـاعية الأخـر ى .

الفصل الثاني:

الضمان الاجتماعي :

يعتبر نظام الضمان( التأمين) الاجتماعي في الوقت الحاضر من أهم النظم الاجتماعية الحديثة التي تهدف إلى معالجة الآثار التي تنجم عن الأخطار التي يتعرض لها العامل خلال حياته الوظيفية وهى الشيخوخة والعجز والوفاة وإصابة العمل والمرض والبطالة وذلك عن طريق إيجاد بديل للأجر في حالة انقطاعه بسبب تحقق أي من هذه الأخطار سواء كان هذا البديل في صورة تعويض أو معاش بحسب الأحوال بما يكفل للعامل ولأسرته من بعده حياة كريمة ومستقرة.
ويعتبر الحق في الضمان الاجتماعي من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تنص عليها مجموعة من العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وهي لاتقل أهمية عن الحقوق المدنية و السياسية . ويستفيد الأجراء المصرح بهم في صندوق الضمان الاجتماعي من تعويضات عن العجز المؤقت الناتج عن الأمراض والحوادث ، وعن الإحالة عن التقاعد الجزئي
المرجعية الدولية للحقوق الاجتماعية (الحق في الضمان الاجتماعي )
تعتبر المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان وكذا التوصيات والاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية من أهم مرجعيات الحقوق الاجتماعية وتتمثل في مجموعة من العهود والاتفاقيات :
ـ المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ” لكل شخص بصفته عضوا في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية “.
ـ المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : ” لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة ، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش الكريم نتيجة لظروف خارج عن إرادته “
. المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية : “تقر الدول الأطراف في العهد الحالي بحق كل فرد في الضمان الاجتماعي بما في ذلك التأمين الإجباري”.
ـ المواد 10 ـ 11 و 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى مجموعة من التوصيات والاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية :
ـ التوصية 67 لسنة 1944 حول المقاييس العامة التي تهم ضمان أسباب العيش .
ـ الاتفاقية 102 لسنة 1952 حول المقياس الأدنى للضمان الاجتماعي
ـالاتفاقية 118 لسنة 1962 حول المساواة بين عمال البلد والأجانب في مجال الضمان الاجتماعي .
ـالاتفاقية 157 لسنة 1982 حول إقرار نظام دولي للحفاظ على الحقوق في مجال الضمان الاجتماعي .
ـالتوصية 167 لسنة 1983

الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي:

1- مهــام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي :
يمكـن تلخيـص مهــام الصنـدوق فـي النقـاط التـالية :
– تسييـر التعويضـات المـادية كمصـاريف العلاج , العطـل المرضية, حـوادث العمـل و الأمـراض المهنيـة .
– تسييـر تعويضـات المنـح العـائلية علـى حسـاب الـدولة مـن الخـزينة العمـومية.
– تأميـن التحصيـل و المراقبـة ومنـازعات التحصيـل .
– المسـاهمة فـي تنميـة السيـاسـة و الـوقـايـة مـن حـوادث العمـل و الأمـراض المهنيـة .
– تسييـر تعـويضـات الأشخـاص المستفيـدين مـن الإتفـاقيـات الـدولية .

2- هيكلة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي:
يتخـذ التنظيـم العــام للصندوق شكـل مديـريـات فـرعية تنـدرج ضمن المقر المركزي (المديرية الوطنية) الكائن مقرها بالجزائر العاصمة، الوكالات الولائية ، مراكز بلديـة و فروع مـؤسسة أو فروع إدارة. ويعتبـر هـذا التنظيـم آدات فعـالة فـي عمـلية الرقـابة وتحـديد المسؤوليـات وكـذى تبييـن مختلف العلاقـات بيـن الفروع و الوكالات وهـي على النحـو التالـي :

أ- المقر المركزي (المديرية الوطنية) : و تتولى الوظائف التالية :
تنظيم و تنسيق و مراقبة :
*نشاطات الوكالات الولائية و فروع الإدارة.
* تسيير الوسائل البشرية و المادية للصندوق.
* تسيير ميزانية الصـندوق , تنسيق العمليات المالية و تجميع المحاسبة العامة.
* تنظيم المراقبة الطبية.
* منح للمؤمنين الاجتماعين و المستخدمون رقم تسجيل وطني.
*تنظيم طريقة الإعلام للمؤمنين الاجتماعين و المستخدمين.
* متابعة تطبيق الاتفاقية والعقود في مجال الضمان الاجتماعي.
*تنسـيق و متابعة إنجاز الاسـتثمارات المخـططة

يتكون المقر المركزي للصندوق و تحت سلطة المدير و بمساعدة الأمين العام من :
– المديرية الفرعية للأداءات.
– المديرية الفرعية للتحصيل و المنازعات .
– المديرية الفرعية للمراقبة .
– المديرية الفرعية للمراقبة الطبية .
– المديرية الفرعية للوقاية من حوادث العمل و الأمراض المهنية .
– المديرية الفرعية للدراسات و الإحصائيات و التنظيم .
– المديرية الفرعية للإعلام الآلي .
– المديرية الفرعية للعمليات المالية .
– المديرية الفرعية للإنجازات و التجهيز الوسائل العامة .
– المديرية الفرعية للمستخدمين .

1- المديرية الفرعية للأداءات : وتكلف ب:

* تنظيـم و متابعة تسيير أداءات التأمـينات الاجـتماعية و حوادث العمل و الأمراض المهنية و بصفة انتقالية المنح العائلية.
* تنظيم و متابعة تسيير الأداءات المستحقة بعنوان العطل المدفوعة الأجر طبقا للقوانين و التنظيمات المعمول بها .
* ضمان سير لجنة المساعدة و الإسعافات و تسيير صندوق المساعدة و الإسعافات
* السهر على تطبيق الأحكام المنصوص عليها في الاتفاقات الثنائية الخاصة بالضمان الاجـتماعي ، و القيا م بتصفـية الحـسابات الناشـئة عـن تطـبيق هذه الاتفاقات.
*متابعة تطـبيق التدابير المقررة في مجال التحويلات قصد العلاج و تجميع الفواتير فـي هذا المـيدان و القيام بعـمليات الدفع لفائدة المؤسسات المعالجة و إعدادا حصيلة دورية .

2- المديرية الفرعية للتحصيل و المنازعات: و تتكفل بـ:
* متابعة تحصيل الاشتراكات المستحقة طبقا للقوانين و التنظيمات السارية المفعول .
* السهر على أن يحترم الخاضعين ، التزاماتهم .
* مـنح رقـم تسجيل وطني لكل مـؤمن اجـتماعي, و كل مـستخدم و تسيير البطاقية الوطني.
* متابعة المسائل المتـعلقة بالمنازعات العامة ، التقنية و الطبية ، في مجال الضمان الاجتماعي.
* ضمان سير لجـنة الطعن المسبق

3- المديرية الفرعية للمراقبة: تتمحور مهامها حول :
*مدى تطبيق التشريع و التنظيم في المجال المتعلق بمهام الصندوق.
* الأداءات المدفوعة.
* السـير المـالي و الحسابي للوكالات الولائية و الفروع الأخرى
*تنظـيم و سير الوكالات الولائية و الفروع الأخرى

4- المديرية الفرعية للمراقبة الطبية: و تتكفل بـ:
* ضمان دور المجلس الطبي لدى المقر المركزي.
* تنظيم و توحيد المراقبة الطبية و تنسيق النشاطات .
* مشاركة في إطار القوانين و التنظيمات السارية المفعول في اللجنة التقنية ذات الطابع الطـبي و المتعـلق بالمنازعـات في مجال الضمان الاجتماعي .
– القيام بدراسات تتعلق يـ :
* مقياس العجز عن العمل.
* المدونة العامة للوثائق المهنية و قائمة المنتوجات الصيدلانية القابلة للتعويض ,
* الأجهزة الاصطناعية و أجهزة التبديل.
* جـداول للأمراض المهنية

5- المديرية الفرعية للوقاية من حوادث العمل و الأمراض المهنية: تتكفل بـ :
– المساهـمة في تنفـيذ التدابير المقررة في مجال الوقاية من حوادث العمل و الأمراض المهنية
– إعداد و اقتراح برنامـج نشاط الصندوق فـي مـجال الـوقاية مـن حوادث العمل و الأمراض المهنية.
– تسـيير صـندوق الوقاية مـن حـوادث العمل و الأمراض المهنية.
– تركيز و البحث في التحقيقات التي تجري لدى المؤسسات .
– تنظم ملتقيات تحسيسية.

6- المديرية الفرعية للدراسات و الإحصائيات و التنظيم: و تتكفل بـ :
* القيام بالدراسات و تقديم اقـتراحات فـي مجال الاستثمارات و في إطار الإجراءات المقررة.
* دراسة وإعداد و اقتراح نسب التسيير النموذجية .
* القيام بالدراسات الحسابية.
* جمع و تمركز المعطيات و المعلومات الإحصائية و معالجتها.
* إعداد برامج إعلامية موجهة إلى المؤمنين الاجتماعين و المستخدمين و تطبيقها .
* وضع إجراءات إعلامية لفائدة عمال الصندوق.
* تحـديد طـرق التنظيم ، قصد توحيد و تجانس الإجراءات و الوثائق و تنفيذ الطرق المقررة.
*تشكيل التوثيق التقني و تسيره.

7- المديرية الفرعية للمعلومات : وتتكفل بـ :
– إعداد مخطط الإعلام الآلي الخاص بالصندوق و تطبيق المخطط المعتمد .
– إجراء دراسات خاصة بالإعلام الآلي و ضمان التطبيقات المعلوماتية .
– تسيير مراكز الحساب و كذا مجموع الوسائل المعلوماتية .

8- المديرية الفرعية للعمليات المالية: و تتكفل بـ :
– تحـضير مشروع ميزانية الصندوق بالاتصال مع الهـياكل المعنية و متابعة تنفيذه.
مسك حسابات المقر المركزي و تجميع تلك الخاصة بالوكالـة الولائية ، و عند الاقتضاء ، فروع
المؤسسة و فروع الإدارة .
– السهر على السير الحسن لتنفيذ العمليات المالية و ضمان التنسيق المالي.

9- المـديرية الـفرعية للإنجازات و التجهيزات و الوسائل العامة: و تتكفل بـ:
– تنسيـق و متابعة إنجاز الاسـتثمارات المخططة و متـابـعة تسـيير الاستثمارات المنجزة.
– تحديد احـتياجات التجـهيز لجـميع هـياكل الصـندوق و التكفل باقتنائها و تسييره.
– إنجاز عمليات تمويل المقر المركزي في مجال، أدوات ،أثاث و أجهزة السير.
– وضع جرّد لممتلكات ا العقارية و غير العقارية لصندوق .
– تسيير الأرشيف .

10- المديرية الفرعية للموظفين: و تتكفل بـ :
– ضمان تسـيير المستخـدمين فـي إطار الأحكام التشريعية و التنظـيمية المعمول بها.
– إعداد مخطط تكوين المستخدمين و تنظيم أعمال تحسين المستوى و تجديد المعلومات ، بالاتصال مع الهياكل المعنية .
– إعداد برامج تعميم استعمال اللغة الوطنية.
– دراسة و إقتراح الـتدابير الضرورية لتحـسين ظـروف عـمل المستخـدمين على مستوى الصندوق .
– متابعة تسيير الخدمات الاجتماعية التابعة للصندوق.

ب- الوكالات الولائية:

تتكفل الوكالات الولائية للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية و حوادث العمل و الأمراض المـهنية، إضافة إلى دورها فـي تنظـيم ، تنسيق و مراقبة نشاطات مـراكز الـبلـدية و فـروع المـؤسسة و فـروع الإدارة ب:
ضمان :
* مصلحـة الأداءات المستحقة بعنوان التأمينات الاجتماعية و حوادث العمل و الأمراض المهنية و بعنوان انتقالي ، المنح العائلية.
* مصلحة الأداءات المستحـقة بعـنوان العطل المدفوعة الآجر ، طبقا للقوانين و التنظيمات المعمول بها.
* النشاطات التي تتكفل بها فـي مـجال الوقايـة مـن حـوادث العمل و الأمراض المهنية.
تتكفل بتحـصيل الاشـتراكات و مـراقبة التزامات الخاضعين و القيام فيما يخصها بعمليات منازعات تحصيل الاشتراكات.
* ممارسة المراقبة الطبية.
* مسك الحسابات و ضمان تنفيذ العمليات المالية و تنسيقها.
* ضمان التسيير الدائم للوسائل المادية و البشرية للوكالة, و تطبيق الاسـتثمارات المخـططة التي تتحملها الوكالـة و تسير الهياكل ذات الطابع الصحي و الاجتماعي التابعة لاختصاصها.
تصنف الوكالات الولائية إلى ثلاث(03) أصناف :
– الصنف الأول : وكالات تسيير على الأقل 200,000 مؤمن اجتماعي .
– الصنف الثاني : و كالات تسـير أقل مـن 200,000 مـؤمن اجتماعي و على الأقل 100,000 مؤمن اجتماعي.
– الصنف الثالث : وكالات تسير اقل من 100,000 مؤمن اجتماعي.
تضم الوكالة مـن الصنف الأول على خمسة (5) هياكل فرعية مكلفة على التوالي ب:
– الأداءات ، التي توزع مهامها بين مسؤولين اثنين إلي أربعة مسؤولين في التسيير . – التحصيل و المنازعات, اللتان توزع مهامهما بين ثلاثة مسؤولين في التسيير.
– العـمليات المالية، التي تـوزع مـهامها بين مسؤولين انثين في التسيير.
– إدارة الوسائـل و الإنجازات ذات الطـابع الصحي و الاجتماعي, التي توزع مهامها بين مسؤولين اثنين أو ثلاثة مسؤولين في التسيير.
– المراقبة الطبية التي يشرف عليها ، طبيبا.

تضم الوكالة من الصنف الثاني على أربعة هياكل فرعية تكلف على التوالي بـ :
– الأداءات التي توزع مهامها بين مسؤولين اثنين أو ثلاثة مـسؤولين في التسيير.
– المراقبة الطبية, التي يشرف عليها ، طبيبا.

تضم الوكالة من الصنف الثالث على أربعة هياكل فرعية تكلف على التوالي بـ :
– الأداءات
– العمليات المالية و التحصيل و المنازعات.
– ادارة الوسائل و الإنجازات ذات الطابع الصحي و الاجتماعي.
– المراقبة الطبية التي يشرف عليها طبيبا.

الهيكل التنظيمي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

3- أصناف الحماية بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي
يشتمل الضمان الاجتماعي على الأصناف التالية:
أ – ضمان المرض والأمومة:
يتـم من خلالها التكفـل بمصـاريف العـلاج الصحـي وتـعويض أيـام العطـل المـرضية وعطلـة الأمـومة حيث لا تمنـح الآداءات العينيـة إلا إذا كـان الـدواء مـوصوفـا مـن قبـل الـطبيب .
التـأمين علـى المـرض ونسبـة التعـويض المتكفـل بهـا :
* التعـويض بنسبـة 80 ٪ لكـل مـن :
– الفحـوص الطبيـة ، المـواد الصيدلانية ، النظـارات ، التـداوي بالميـاه المعــدنية.
– عـلاج الأسنـان وإستخـلافهـا الإصطنـاعـي……. .
* التعـويض بنسبـة 100 ٪ فـي بعـض الحـالات :
– إمـا لطبيعـة , أو نـوعية , أو لمـدة العـلاج الـلازم
– لنـوعيـة المستفيـد , إذا كـان مستفيـدا مـن منحـة أو مـن ريــع التـأمينـات الإجتمـاعية . – بعـض العمليـات الجـراحية المهمـة والإقـامة بالمستشفـى بسبـب المـرض لمـدة تفـوق ثـلاثين يـوما.
– تـوريد الـدم ، البلازما ، أو وضـع الأطفـال الخـدج ( الـذين ولـدوا قبـل الشهـر التـاسع ) فـي المحضنـة .
– الأجهـزة والأعضـاء الإصطنـاعية ، الجبـارة الفكيـة والـوجهية .
– إعـادة التـدريب الـوظيفـي للأعضـاء ، وإعـادة التـأهيل المهنـي .
– عنـد الإصـابة بإحـدى الأمـراض التـي حـددها الضمـان الإجتمـاعـي …….
يستفيـد مـن هـذه الآداءات العينيـة الأشخـاص الطبيعيـن غيـرالأجـراء , المجـاهدين المعـوقين , المستفيـديـن مـن مسـاعدات الـدولـة , المتمتعـون بـإمتيـاز التأمينـات الإجتمـاعية
– كمـا يستفيـد منهـا ذوي حقـوق المـؤمن له ( زوج المـؤمن إذا لـم يكـن عـامـلا أو مستفيـد مـن إمتيـاز الضمـان الإجتمـاعـي, الأولاد المكفـولون والأصول المكفـولون)

ب – ضمان حوادث العمل والأمراض المهنية:
يستفـيد مـن ذلك المـؤمنين مـن فئـة العمـال الأجـراء أو شبـه الأجـراء تلاميـذ مؤسسـات التعليـم التقنـي والتكـوين المهنـي, الطلاب , اليتـامى الـذين يدخلون ضمن حمـاية الشبـاب مـن الحوادث … إلـخ .
– فـي حـالـة تعـرضهـم لحـادث عمـل أو مـرض مهنـي , و للإستفــادة مـن هـذا التعـويض يشتـرط تقـديـم وثيقـة تـثبت ممـارسة نشــاط مهنـي مـدفوع الأجـر و ذلك سـاعة وقـوع الحـادث أوالثبـات الأول للمـرض المهنـي كـذلك يـجب أن يكـون الحـادث إما داخـل مكـان العمـل أو بينـه وبيـن مقـر الإقـامة أمـا المـرض المهني فيجب أن يكـون مقيـدا ضمـن قـائمة الأمـراض المهنيـة .
– الإجـراءات الـواجب إتخـاذهـا فـي حـالة وقـوع حـادث عمـل :

– – يجـب التصـريح بحـادث العمـل مـن طـرف صـاحب العمـل أوالمـؤمن شخصيـا أو مفتـش العمـل , في أقـرب وقـت ممكـن ( 24 ساعة ) بـواسطة رسـالة مسجلـة مـن إشعـار الإستـلام .
– بعـد الإعـلان عـن حـادث العمـل يجب التحقيـق .
– يحتفـظ الـمؤمن بوثيقـة الحـادث لـديه . كمـا يجب أن يخضـع إلـى فحـص طبـي يحـدد فيـه الـوصف الـدقيق لحـالته الصحيـة المحتملة لعجـز المصـاب.
– يجب أن يخضع المـؤمن المصـاب إلـى الرقـابة الطبيـة التـابعة للصنـدوق الـوطني للتأمينـات الإجتمـاعيـة كـون أن رأي هـذه الأخيـرة ضـروري جـدا خـاصة فـي حـالة مـا إذا كـان الحـادث قـاتلا أو أدى إلـى عجـز دائـم و يتـم الإعـلان عـن رأي الصنـدوق خـلال 10 أيـام مـن تـاريخ الإعـلام بالحـادث .
الحـقوق التـي يستفيـد منهـا المـؤمن :
أ- تعـويضـات عينيـة : تعـويض المصـاريف الطبيـة والجـراحية ،الصيـدلية ،الإستشفـائية ،التحليليـة وكـذلك المصـاريف المـترتبة عـن العـلاج بـالحممـات المعـدنية ويكـون التعـويض بنسبـة 100٪ .

– ب- تعـويضـات نقـدية :
• فـي حـالة العجـز المـؤقت: يكـون التعـويض إبتـداءا مـن اليـوم الأول الـذي يلـي تـاريـخ التـوقف , و يتكفـل صـاحب العمـل بتعـويض اليـوم الـذي وقـع فيـه الحـادث .
• فـي حـالة العجـز الدائـم :
إذا ظهـر بعـد شفـاء الجـرح عجـز دائـم ( جزئـي أو كلـي ) يستفيـد المـؤمن مـن منحـة منـاسبـة لخطــورة العجــز التـي يشخصهـا الطبيـب الإستشـاري لصنـوق الضمـان وفقــا لجــدول خـاص .
– فـي حـالة الإعتـراض علـى نسبـة العجـزعـن العمـل يمكـن طلـب تعييـن خبيـر حيـث لاتعطـى هـذه المنحـة إلا إذا كـانت نسبـة العجـز تسـاوي أو تتجـاوز 10 ٪ .
– وفـي حـالة مـاإذا كـانت نسبـة العجـز أقـل مـن 10٪ , يكـون مـن حـق المـؤمن الإستفـادة مـن رأسمـال يحسـب علـى أسـاس الأجـرالـوطنـي الأدنـى المضمـون . وتصـرف هـذه المنحـة كـل شهـر بعـد تقـديـم بطـاقـة التعـريف وبطـاقة رقـم التسجيـل بإحـدى الطـرق التـالية :
– إستـلام المبلـغ مبـاشـرة فـي شبـابيـك الصنــدوق إذا كـان المبلـغ أقــل مـن 5000.00 دج
– إستـلام صك فـي حـالة مـاكـان المبلـغ أكبـرمـن أومسـاويا للقيمـة 5000.00 دج – إرسـال حـوالة نقـدية أوتحـويل المبلـغ إلـى الحسـاب الجـاري البـريدي الخـاص بـالمـؤمـن وفـي هـذه الحـالة عليـه بتقـديـم شهـادة إثبـات الأجـر بصفـة منتظمـة للوكـالـة
* في حـالة ما أودى الحـادث بحيـاة المصـاب : يستفيـد ذوي الحقوق ( الـزوج والأطفـال والسلف االمكفـولون ) مـن رأس مـال الوفـاة التـي تعـادل 12 مـرة مبلـغ الأجـر الشهـري الأخيـر الـذي تقـاضـاه المتـوفـى كمـا أنـه بإمكـانهـم الإستفـادة مـن منحـة الأيلـولة , تصـرف إبتـداءا مـن تـاريخ الـوفـاة ، ولقـد تـم تحـديدهـا كمـايلـي :
– تصـرف المنحـة للـزوج بنسـبة 75٪ مـن أجـر منصـب المتـوفـى إذا لـم يكـن لـه أطفـال أو سلـف .
– وبنسبـة 50٪ لفـائـدة الـزوج , و 30٪ إذا كـان للمـتوفي طفـلا واحـدا أو سلـف
– أما إذا كـان للمتـوفى إضـافة إلـى الـزوج أكثـرمـن ذي حـق تكـون المنحـة 50٪ لفـائدة الـزوج , و 40 ٪ لـذوي الحقـوق تقسـم بينهـم بالقصـاص .
– وفـي حـالة عـدم وجـود الـزوج تقسـم المنحـة بيـن ذوي الحقـوق حيث أن هـذه المنحـة تقـدر بـ 90 ٪ مـن أجـر منصب المتـوفي , و يتـم التقسيـم علـى أساس حد أقصـى خـاص بكـل ذي حـق أي 45 ٪ إذا كـان ذو الحـق طفـلا , أو 30٪ إذا كـان سلفـا حيث لا يجـوز أن تفـوق منحـة ذوي الحقـوق الإجمـالية 90 ٪ من أجـر منصب المتـوفى .
– – و فـي حـالة وفـاة الـزوج أو زواجـه مـن جـديد يتـم تقسيـم المنحـة بيـن ذوي الحقـوق
2- الأمـراض المهنيـة : يطلـق إسـم الأمـراض المهنيـة علـى بعض الأمـراض التـي تكـون ظـروف العمـل سببـا فيـها . ويطبـق عليهـا نفـس الأحكـام التـي تسيـرحـوادث العمـل إلا فيمـا يخص التصـريح بهـا, إذ أنه يستـوجب علـى المصاب التصريح شخصيـا وليـس مـن طـرف صـاحب العمـل . وتـم تحـديد مـدة التصريح مـن 15 يـوما إلـى ثـلاثة أشهـرعلـى الأكثـر إبتـداءا مـن تـاريخ الكشـف الطبـي و تشخـيص المـرض

ج – نظام المنح العائلية:
المنح العائلية عبارة عن منحة تقدم للمؤمن المتزوج, ويكون له أولاد لا تزيد أعمارهم عن 17 سنة, وقد تمدد هذه المدة إلى غاية: 21 سنة في حالة مواصلة الدراسة الجامعية , ومبلغ هذه المنحة
يقدرب600 د ج على كل طفل في حالة ما إذا كان المؤمن أجره اقل من15000 د ج أما إذا كان اجر المؤمن أكثر من 15000 دج فانه تمنح له عن كل طفل 300 د ج
إذا تعدى عدد الأطفال 5 فانه ابتداء من الطفل السادس فما فوق يأخذ 300 د ج عن كل طفل. هذا بالنسبة للعمال داخل الجزائر اما المغتربين في فرنسا و وفقا للاتفاقيات الدولية فان منحة الطفل لا تتجاوز في معظم الشركات ال7500 د ج .
في السابق كانت cnas هي التي تتكفل بالمنح العائلية, وتعتبر تعويضات أما الآن فقد أصبحت الخزينة العمومية هي المكلفة بالمنح العائلية, والصندوق بمثابة الوسيط بين الخزينة العمومية والمؤمن.
هناك أيضا المنحة المدرسية: كل سنة 800 د ج على كل تلميذ.
أصناف و طبيعة المؤمنين المستفيدين من المنح العائلية:
* المجموعات المحلية
* القطاع الخاص (المؤمنين)
* المتقاعدين
* الأرامل
* العمال المتواجدين في الخارج
* الكفيل

المجموعــات المحــلية: وهي شركات ذات طابع محلي ويتجاوز عدد عمالها 50 عاملا, ويمثلون من طرف شخص واحد, وهو المرايل الذي ينوب عنهم في عملية الدفع, ويتقاضوا مستحقاتهم التي تسدد لهم بعد ذلك بواسطة صك مدفوع, مثال : البلديات , الشركات ذات الطابع الاقتصادي كمؤسسة الدهن , النسيج …. .

القطــاع الخــاص:
هو قطاع يتشكل من بعض الشركات الخاصة كالمقاولة, مكاتب المحاماة, المقاهي, المطاعم و المحلات التجارية…..,الخ
حيث يقوم المؤمن بالتقرب من هذه المصالح بنفسه وتقديم الملفات أو الوثائق الخاصة به لتقاضي مستحقاته ( منح عائلية ).

ملاحظة: تسدد مستحقات المنح العائلية باسم المؤمن الخاص.
تعويضات المتقاعـــدين:
هم الأشخاص الذين وصلت أعمارهم السن القانوني للتقاعد أو الذين توفرت فيهم شروط التقاعد ( سنوات العمل ) حيث تسدد مستحقاتهم دون قيد وفيما يخوله القانون.

ملاحظة: تسدد مستحقاتهم لأسبابهم الخاصة.
الأرامــــل :
وهي فئة خاصة تأتي بعد وفاة المؤمن , سواء كان عاملا أو متقاعدا , وشرط هذه المنحة هو الحصول على منحة الوفاة فيما يخص العاملين , وتعود فيها مستحقات المنحة للزوجة .
العمال المتواجدون بالخارج :
عقدت هذه الاتفاقيات في 01 أكتوبر 1980 بين الجزائر وفرنسا لضمان حقوق هذه الفئة وذويهم في التعويضات كالمنح العائلية ، وحسب الاتفاقية فان مبلغ المنحة يقدر ب: 300 دج للطفل الواحد.
الحالات الخاصة بقبول أو سقوط الحق في المنح العائلية:

* في حالات المرض الطويل المدى:
يحفظ الحق في الحصول على المنح العائلية للأجير في حالة مرض معين يعيقه عن العمل تطول مدته ابتداء من 6 اشهر وتكون نسبته تفوق 50 % وقد تتطور حالته إلى عجز عن العمل.
* في حالة العجز عن العمل:
في حالة العجز التام عن العمل بقرار طبي من مصالح المراقبة الطبية التابعة لهيئة الضمان الاجتماعي.
* في حالة البطالة:
( مرسوم رقم 94/11 المؤرخ في 26/06/1994), يحفظ الحق في المنح العائلية لهذه الفئة في حالات التسريح غير الإرادي لظروف اقتصادية.
* حالات التكفل بالمنح العائلية:

1- الطلاق: يسقط الحق في المنح العائلية على المؤمن في حالة الطلاق, وحضانة الأم لأبنائها بحكم قضائي صادر من المحكمة
2- في حالة التبني: يحتفظ المؤمن بالمنح العائلية في حالة التبني بتقديم عقد الحضانة أو الكفالة مسلم من مديرية النشاط الاجتماعي.
3- حالات التكفل: في حالة وفاة الأب والأم تعود كفالة الابناء الي الشخص الكفيل،والذي لا يمارس أي نشاط ( لا يعمل ) , يفوق عمره 21 سنة , ولا يتعدى 60 سنة
الابنة الكبري ( عازية) ،الاخ ،العم ، الخالة ……….الخ

طــرق التســديــد
تختلف طرق تسديد المنح للعائلية حسب طبيعة القطاع:
طبيعة القطاع كيفية التسديد

1-المجموعات المحلية ينوب عنها مراسل الشركة وتسدد مستحقاتها بجدول يتضمن قائمة المستفيدين(صك بنكي) يحمل إسم الشركة
2-الأصناف الأخرى :
-متقاعدين
-قطاع خاص
-كفلاء…إلخ تختلف فيها طرق التسديد بموجب مايتقدم به المؤمن:
1)-حوالة
2)-رقم حساب بريدي جاري
3)-رقم حساب بنكي

نبذةعن المبالغ المحددة للمنح العائلية:

أ- من 01 جانفي 1975 إلى غاية 30-04-1991 كان يقدر مبلغ المنح العائلية ب:40 دج شهريا
ب- من 01 -05 -1991مرسوم رقم 91 /156 الموافق ل 18-05 -1991
140 دج للطفل الواحد
ج-من 01-10-1994 مرسوم رقم 94/326 الموافق ل 15-10-1994
300 دج للطفل الواحد
د- من 01-0 1-1995 مرسوم رقم 95/289 الموافق ل 26- 9 0 – 1995
إن المستفبد من المنح العائلية سواء كان أجره الشهري الخاضع للإشتراك أقل من أو يساوي 15000 دج شهريا يكون تعويضه كمايلي :
1-450 دج شهريا من أول طفل إلى الخامس
2-300 دج شهريا من أول طفل إلى السادس
3-من يفوق أجره 15000 دج يعوض ب: 300 دج على الطفل الواحد
و-المرسوم رقم 97/330 المِؤرخ من 10-09-1997 والذي ينص على أن الزيادات المطبقة بعد تاريخ 30/04/1997 والناتجة عن رفع عام في الأجور ولا تحسب ضمن الأجر المرجعي المحدد ب: 15000.00المنصوص عليه في المرسومين التنفيذيين 95/289 و 96/298

د- التأمين على الوفاة:
يهـدف التأميـن علـى الـوفـاة إلـى إفـادة ذوي حقـوق المـؤمـن لـه مـن رأسمـال الـوفـاة وهـم :
– زوج المـؤمـن لـه , الأولاد المكفـولـين , الأصـول المكفـولـين .
– كمـا يمكـن أن يستفيـد ذوي حقـوق المسـاجين الـذين يقـومون بـأعمـال نـافـدة وذوي حقـوق صاحب معـاش العجـز أومعـاش التقـاعـد والتقـاعـد المسبـق أو ريـع حـادث عمـل تكـون نسبـة العجـز فيـه تسـاوي أو أقـل مـن 50٪ . مـن رأسمـال وفـاة يســاوي المبلـغ السنــوي لكـل المعـاشـات السـابقة , علـى ألا يقـل هـذا المبلـغ عـن الحـد الأدنـى .
* رأسمـال الوفـاة غيـر قابـل للتنـازل عنـه أو الحجـز عليـه .
* يحـدد مبلـغ رأسمـال الوفـاة بالنسبـة للأجـراء بـ12 مرة من قيمة المبلـغ الشهـري الأكثـر نفعـا و المتقاضـى خـلال السنـة السـابقـة لوفـاة المؤمـن لـه و المعتمــد كـأساس لحسـاب الإشتـراكات ويـدفع دفعـة واحـدة فـور وفـاة المؤمـن لـه .

4- الآليات الجديدة في قطاع الضمان الاجتماعي:
استفاد قطاع الضمان الاجتماعي في السنوات الأخيرة من أنظمة عمل حديثة سهلت على المستفيدين من خدماته مهمة دفع واسترجاع مستحقاتهم دون الوقوف لساعات طويلة في الطوابير، وتتمثل هذه الآليات في إدخال أنظمة الإعلام الآلي ، وخاصة البطاقة الالكترونية. وتعود فكرة استحداث البطاقة الإلكترونية للضمان الاجتماعي إلى أوت 2022 وكان دخول البطاقات الأولى في الخدمة في شهر أفريل 2022 ومست العملية في شطرها الأول خمسة ولايات تجريبية وهي ولاية عنابة بومرداس المدية أم البواقي قبل أن يتم تعميمها على المستوى الوطني في مرحلة ثانية لتشمل كل الولايات.
وقد عرفت خدمة بطاقة الشفاء توسعا ونجاحا كبيرين بسبب إقبال المؤمنين على الخدمة الجديدة بسبب سهولة استعمالها ومزاياها العديدة. ومن جهة أخرى، فإن العديد من الأطراف الفاعلة في العملية من أطباء مراكز استشفائية وصيادلة لقناعتهم بمدى فعالية العملية قد انضمت إلى النظام المستحدث
الغرض من استعمال بطاقة الشفاء هو عصرنة تسيير الدفع ومن شأنه تقليص الجهد العضلي والمادي، إضافة إلى أن استخدام بطاقة الشفاء يلغي العديد من الخطوات التي كان يمر بها المؤّمن سابقا كملء بطاقة الطلبات، كما أنها تسهل عمل الموظفين في مراكز الدفع إضافة إلى كون البطاقة آلية حيث أنها تستخدم آليا ويتم دفع التعويضات أو توماتيكيا وهناك تواصلا مباشرا بين الصيدلانيين ومسيري الشركات الصيدلانية وكذلك مع بنك المعلومات باعتبارهم متعاقدين مع صندوق الضمان الاجتماعي فمثلا تحول الدفتر الذي كان يمنح لأصحاب الأمراض المزمنة فيتعاملون عن طريقه مع الصيدلي إلى بطاقة آلية سهّل عمل الصيادلة بخصوص التعويضات التي يدفعها صندوق الضمان الاجتماعي نيابة عن المرضى فاستعمال بطاقة الشفاء وضع حدا لقدم دفتر الدفع من قبل الغير، إضافة إلى تخليص مراكز الدفع من تجديد شراء دفاتر أخرى للمعني في حالة تمزقه. بطاقة »شفاء« المصممة في غاية الدقة تصل مدة صلاحيتها إلى غاية 05 سنوات تحتوي على قدرة تخزين معلومات يقدر حجمها ب32 ميڤا اكتاك، مما يسمح لها بتحميل أكبر قدر من المعلومات الخاصة بالمؤّمن ومختلف الفواتير كما تستجيب المعايير الجودة العالمية.
هناك نوعين من بطاقات الشفاء منها البطاقة العائلية التي تحتوي على معلومات وبيانات المؤّمن وذوي الحقوق وتتضمن معلومات مفصلة عن كل فرد له حق الاستفادة من الخدمة ويصل عددها إلى 10 بيانات. أما بطاقة الشفاء الشخصية لذوي الحقوق فإنها تستخرج وفق شرطين إما أن يكون من يستفيد من خدمتها يعني من مرض مزمن يستوجب عليه التردد على العلاج أو أن يكون مقيم في مكان غير المكان الذي يقيم فيه صاحب البطاقة وذلك بغرض تسهيل العملية دون عناء التنقل في كل مرة يحتاج فيها البطاقة. وتسمح البطاقة الإلكترونية بتحديد هوية المؤّمن وإمضائه وذوي الحقوق، وتعمل بطاقة الشفاء على حفظ البيانات الإدارية معلومات عن نسبة حق التعويض وكذلك معلومات طبية مستعجلة ومجمل العمليات الطبية المعوضة بالإضافة إلى المعلومات التقنية الخاصة بالعملية

—————-

واقع الضمان الاجتماعي بالجزائر:

يعرف قطاع الضمان الاجتماعي بالجزائر مجموعة من الاختلالات و المشاكل خاصة منها المالية و التنظيمية التي أثرت سلبا على الوضعية الاجتماعية بالبلاد ، فرغم العدد المصرح به من طرف وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي مؤخرا، أن صناديق الحماية الاجتماعية تضمن التكفل بـ20 مليون جزائري وجزائرية في مجال التأمين الاجتماعي والتقاعد وتغطية المنح الموجهة للعمال العاجزين عن العمل، الا أن الواقع يكذب ذلك، حيث يحرم عدد كبير من العمال والمستخدمين بالتصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبالتالي حرمانهم من الاستفادة من أية حماية أو رعاية اجتماعية علاوة على أن المنخرطين منهم لايستفيدون على النحو الكامل من هذا النظام، و ان عدد العمال غير المصرح بهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي يمثل 27 بالمائة من الأجراء في الجزائر حسب إحصائيات سنة 2022، كما يلاحظ بشكل عام تهرب العديد من المشغلين في مختلف القطاعات من التصريح بالعمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ، وعدم التصريح بجميع أيام العمل للعمال وبالتالي ضياع جزء من معاشهم عند التقاعد ،وكذا عدم الانتظام في تسديد مستحقات الصندوق ، مما يجعله يعاني من مشاكل التمويل، وقد أكدت دراسة أجراها خبراء بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ،أن الصندوق يواجه منذ سنة 2022 مشكلين يهددان توازناته المالية في العمق، ويتعلق الأمر بـ:
• الارتفاع السريع ”لفاتورة تعويض الأدوية” التي ازدادت في ظرف سنة بـ10 ملايير دينار لتصل بذلك إلى 64 مليار دينار ، حيث قدرت حجم فاتورة تعويض الأدوية المقدمة من قبل الصندوق سنة 2022 بحوالي 64 مليار دينار، مسجلا زيادة بـ10 ملايير دينار مقارنة بـ2006•
• ارتفاع مصاريف صندوق التأمينات الاجتماعية بسبب زيادة حوادث العمل والأمراض المهنية التي وصلت فاتورتها إلى 5.8 ملايير دينار سنة 2022• وكان المجلس الاجتماعي والاقتصادي وصف، في تقرير له نشر مطلع 2022 ، ارتفاع حوادث العمل بـ”الخطر” الذي يهدد التوازنات المالية لصندوق التأمينات الاجتماعية•
حيث ماتزال حوادث العمل والأمراض المهنية تحصد مئات الضحايا من العمال، بالرغم من التدابير المتخذة من قبل الحكومة لمواجهة الظاهرة على غرار إعادة بعث المركز الوطني للوقاية من حوادث العمل والنظافة والأمن في أماكن العمل•
وضمن هذا السياق تم تسجيل 50097 حادث عمل عبر التراب الوطني تسبب في مقتل 757 شخص بينهم 565 حالة وفاة فورية، إثر حادث عمل في مختلف القطاعات خلال 2022•
من بين الوفيات تم تسجيل 100 حالة وفاة فورية في حوادث التنقل إلى العمل التي يغطيها القانون• وجاء قطاع البناء والأشغال العمومية ـ حسب نفس المصادر ـ في مقدمة القطاعات المعروفة بكثرة الأخطار بها، حيث سجل لوحده 273 حالة وفاة أي 35.9 بالمائة من العدد الإجمالي لحالات الوفيات المسجلة•
كما ذكر نفس التقرير أنه من بين العدد الإجمالي لحوادث العمل الـ43.375 المصرح بها، هناك أكثر من 28 ألف حادث أدى إلى توقيف عن العمل وإلى دفع أولي للتعويضات اليومية، كما تم تسجيل 7177 حادث خطير تسبب في العجز الدائم خلال 2022•
وبالموازاة مع ضياع مليون و500 ألف يوم عمل بسبب حوادث العمل المختلفة، فقد خصص الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في تكفله بهذه الحوادث ما يزيد عن 10.7 ملايير دينار في سنة 2022 ، وهو ما يعني أن الفاتورة تضاعفت في ظرف 4 سنوات فقط، حيث لم تكن تتجاوز 5.4 ملايير دينار سنة 2022•
وتدعو الوضعية الحالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى التفكير في بدائل أخرى كمصدر لتمويل صناديق الضمان الاجتماعي للحفاظ على ديمومتها، لأن اشتراكات العمال والمستخدمين لن تعطي مستقبلا هذه النفقات المتزايدة. وكذا اعادة النظر في الاليات التنظيمية التي يعمل وفقها الصندوق حاليا .

أرقام و احصائيات توضح الواقع الاجتماعي في الجزائر
في آخر الإحصائيات بلغت نسبة النمو الديمغرافي في الجزائر ما يعادل 11,63 % في الوقت الذي وصل فيه عدد السكان إلى 32 مليون نسمة.
نشر الديوان الوطني للإحصاء في نهاية جانفي 2022، أحدث الأرقام المتعلقة بالبطالة. وقال الديوان أن عدد البطالين في الجزائر هو 1240800 بطال(أرقام أكتوبر 2022) وهو ما يعني أن نسبة البطالة هي 12.3 %.
أما التشغيل في الجزائر يوضح كالأتي:
أرباب العمل والأحرار(32,1%)، الأجراء الدائمون(32.7%)، الأجراء غير الدائمين والمساعدات العائلية (35,2%). ولا تمثل الوظائف الدائمة سوى ثلث الشغل الإجمالي، وهي نسبة في تراجع مستمر. لقد كانت سنة 2022 في حدود 38,2% من مجموع الوظائف. في فئة “أرباب العمل والأحرار”، و”الوظائف المؤقتة والمساعدات العائلية” نجد عددا كبيرا من “عمال” القطاع الموازي والعمال المؤقتين، 49% منهم غير مصرح بهم لدى الضمان الاجتماعي.
عدد العمال غير المصرح بهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي يمثل 27 بالمائة من الأجراء في الجزائر حسب إحصائيات سنة 2022،
وتشير آخر التحقيقات التي أنجزتها مفتشية العمل بوزارة العمل والضمان الاجتماعي حول عمل الأطفال بالجزائر،تشير إلى وجود أكثر من 25 ألف طفل يعمل، الغالبية منهم لا تتعدى أعمارهم عتبة الخامس عشرة سنة، أي ما يمثل نسبة 0,34 % من مجموع أطفال الجزائر الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 و14 سنة
صناديق الحماية الاجتماعية تضمن التكفل بـ20 مليون جزائري وجزائرية في مجال التأمين الاجتماعي والتقاعد وتغطية المنح الموجهة للعمال العاجزين عن العمل.
64 مليار دينار فاتورة تعويض الأدوية عام 2022
ما يزيد عن 10.7 ملايير دينار في سنة 2022 تعويضات عن حوادث العمل.


شكرا لك أخي الكريم

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا

الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (النيباد):.

الهدف الأساسي للنيباد:

هو جلب الإستثمارات للقارة الإفريقية ، و لجلب هذه الإستثمارات هناك شروط: سياسية ، أمنية ، إقتصادية.
-كذلك جعل إفريقيا خالية من النزاعات و فيها إستقرار سياسي و فيها إحترام لمبادئ القانون الدولي العام.
-الأمن لا يكفي بل يجب توفر هياكل قاعدية (الطرق، الميناء، وسائل النقل، الكهرباء، الغاز، وسائل إتصال، أنترنت، يد عاملة مؤهلة و متخصصة)
-كل هذه النقاط موجودة في وثيقة النيباد.

* مبادرة النيباد انطلقت بغرض أن تكون مبادرة أفريقية بحيث يتولي مسئولية تنفيذها وإعداد برامجها أبناء القارة السمراء فما هو تعليقكم علي ذلك وما هي أهداف هذه المبادرة والإطار الذي تتحرك فيه؟
مبادرة النيباد وهو مفهوم يجب التأكيد عليه هي ليست منظمة أو مؤسسة مستقلة بذاتها وإنما هي بشكل عام برنامج عمل للاتحاد الأفريقي يعرض لاستراتيجية أفريقيا للتعامل مع قضايا ومشاكل القارة السمراء وتحقيق التنمية الشاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لأبنائها وبالتالي فإن برنامج عمل النيباد هو بمثابة ‘الذراع التنموية’ للاتحاد الأفريقي.
ومنذ اعتماد هذا البرنامج من جانب الدول الخمس المؤسسة تحقق الكثير من التحرك والتقدم لتنفيذه وترجمته إلي برامج ومشروعات تنموية وأول أهداف هذا التحرك هو تعميق الملكية الأفريقية للبرنامج بمعني أن يكون هناك إدراك أن المبادرة أفريقية خالصة تعكس رؤية أفريقية وبالتالي فإن القارة وشعوبها في إطار من المشاركة هي المسئولة عن تنفيذ هذا البرنامج.
ولكن هذا لا يعني ألا يكون هناك تعاون مع المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية ومع شركاء التنمية من الدول المهتمة بتنفيذ هذا البرنامج ولكن في إطار مفهوم جديد يقوم علي المشاركة بين الدول الأفريقية وشركاء التنمية من الدول المتقدمة والمنظمات الدولية المعنية وهذا المفهوم يختلف عن مفهوم المانح والمتلقي لأن مفهوم المشاركة يعني أن المسئولية متبادلة وهناك محاسبة متبادلة.
ونحن كدول أفريقية ندرك مسئولياتنا ونأمل في أن تقوم الدول المتقدمة بمسئولياتها في هذا الإطار وأن تفي بتعهداتها سواء فيما يتعلق بتصحيح النظام التجاري الدولي بما يسمح بنفاذ المنتجات والصادرات الأفريقية للأسواق العالمية والوفاء بنسبة مساعدات التنمية إلي 0.7 % أو العمل علي تخفيف عبء المديونية التي تثقل كاهل الدول الأفريقية والتي تعوق تنفيذ خطط وأهداف التنمية بها.

*‏ كيف تم إنشاء الآلية الإفريقية؟ وما هي أهدافها؟
‏*‏ إفريقيا هي المسئولة عن عمليات المراجعة في إطار مفهوم المشاركة والتعاون ما بين الدول الإفريقية وبعضها بعضا بحيث ـ وهذه نقطة مهمة ـ تسعي الدول الإفريقية إلي الارتقاء وتعميق مفاهيم الديمقراطية والحكم السياسي والاقتصادي الرشيد‏,‏ والارتقاء بمستوي الإدارة‏,‏ والقضاء علي أية سلبيات علي المستوي الاقتصادي وعلي الأداء بشكل عام لتحقيق مستوي أفضل يسهم في تحقيق التنمية‏.‏
‏ كيف تتعامل النيباد مع المجالات الأخري المتمثلة في تكنولوجيا المعلومات والأمن والسلام وبناء القدرات والبيئة والبحث العلمي؟
‏*‏ بالنسبة لبناء القدرات فقد أبدي العديد من الدول والمؤسسات المانحة اهتماما عاليا بدعم البرامج الخاصة بقطاع التنمية البشرية‏,‏ الذي تتولي الجزائر مسئوليته‏,‏ في ضوء الطبيعة الجاذبة لهذا القطاع‏,‏ حيث يري شركاء التنمية حاجة ملحة لإيجاد كوادر وطنية قادرة علي نهوض الدول الإفريقية بمسئولياتها في تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالقارة‏.‏ ويلفت مستشار وزير الخارجية إلي أن النيباد تولي اهتماما خاصا بدعم الأمن والسلام في القارة‏,‏ ووضع حد للمنازعات القائمة فيها‏,‏ باعتباره ضرورة لازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة‏,‏ ويبدي شركاء التنمية تجاوبا ملحوظا مع الجهود الإفريقية في هذا المجال‏,‏ التي يقودها الاتحاد الإفريقي‏.‏ أما في مجال تكنولوجيا المعلومات فإن اللجنة الإلكترونية لإفريقيا تقوم بالدور الرئيسي في صياغة برامج المبادرة في هذا القطاع وحشد التمويل اللازم لتنفيذها‏,‏ وتتمثل أهم المشروعات المطروحة في المدرسة الإلكترونية والكابل البحري لشرق إفريقيا‏.‏

ويؤكد أن هناك تقدما كبيرا حدث في مجالات الزراعة والبنية الأساسية وتكنولوجيا المعلومات‏.‏

1- الطريق إلي نيباد :

اقر القادة الأفارقة في مؤتمر القمة الأفريقية والذي أنعقد في لوكسا في يوليو 2001 ، وثيقة وخطة شاملة لتحقيق التنمية الاقتصادية والقضاء علي الفقر وسد الفجوة بين أفريقيا والعالم المتقدم وقد أطلق علي هذه الوثيقة اسم :
“A new African Initiative: Merger of the Millennium Partnership for African Recovery and the Omega Plan (N A I )”

وتستند هذه المبادرة علي وثيقتين منفصلتين هما :

المبادرة الأولي ، وهي تعبر عن رؤية الرئيس تابو مبيكي بحسابها جزاء من مشروعه الخاص بتحقيق النهضة الأفريقية . وقد أطلق علي هذه الوثيقة بعد تطويرها : “برنامج المشاركة الألفية لإنعاش أفريقيا” (ماب) .. The Millennium Partnership for Africa’s Recovery(MAP)” ، وقد كشف النقاب عنها لأول مرة في عرض قدمه الرئيس مبيكي أمام المنتدي الاقتصادي العالمي في دافوس (سويسرا) ، في يناير 2001 . ثم قدمت في صورتها النهائية إلي مؤتمر القمة غير العادية لمنظمة الوحدة الأفريقية في سرت (ليبيا) في مارس 2001 .

أما المبادرة الثانية ، فقد أعدها في نفس الوقت تقريباً الرئيس السنغالي عبد الله وادي ، وأطلق عليها “خطة أوميجا” OMEGA Plan)) وأظهرها لأول مرة أمام مؤتمر القمة الفرنسية / الأفريقية في ياوندي في يناير 2001 أيضاً . وقد أخذت هذه المبادرة طريقها إلي قمة سرت غير العادية حيث عرضها الرئيس وادي أمام المؤتمر.
وقد طالب القادة الأفارقة بضرورة دمج الوثيقتين في مبادرة موحدة ، تتقدم بها أفريقيا إلي شركائها الدوليين ، وتعبر عن موقف أفريقي موحد وواضح تجاه قضايا القارة الملحة .
وشكل المؤتمر لجنة لتنفيذ المبادرة من رؤساء 15 دولة أفريقية، لكي تتولي إدارة جميع الأمور المتعلقة بتنفيذ المبادرة . وفي أول اجتماعات هذه اللجنة في ابوجا (نيجيريا) في 23 أكتوبر 2001 ، تم إعلان الصيغة النهائية للمبادرة ، مع تغيير اسمها إلي “المشاركة الجديدة لتنمية أفريقيا (نيباد) New partnership for Africa De- velopment( NEPAD)

2 – برنامج العمل
تطرح النيباد برنامج عمل من أجل تحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا في القرن الحادي والعشرين . حيث يهدف علي المدى البعيد إلي تحقيق الأهداف الآتية.
– القضاء علي الفقر ، ووضع الدول الأفريقية علي طريق النمو المطرد والتنمية المستديمة ، ووضع نهاية لتهميش افريقيا في عملية العولمة.
– تعزيز دور المرأة في جميع الأنشطة .

أما الأهداف المحددة بإطار زمني فإنها تشمل :
– تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 7 % سنوياً علي الأقل لمدة 15 سنة قادمة .
– ضمان تحقيق القارة “لأهداف التنمية العالمية ” المتفق عليها من قبل الأمم المتحدة ، والمتعلقة بتخفيف الفقر ، والتعليم والصحة والبيئة وغيرها ، ومن ذلك :
– خفض نسبة السكان الذين يعيشون في حالة فقر مدقع إلي النصف خلال الفترة من 1990 – 2022
– إلحاق جميع الأطفال في سن الدراسة بالتعليم الابتدائي مع حلول عام 2022 .
– تحقيق تقدم ملموس صوب المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من خلال القضاء علي كل مظاهر التمييز بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي وذلك بحلول عام 2022 .
– تقليل معدلات الوفيات بين الأطفال إلي ثلثي النسبة الحالية وذلك خلال الفترة من 1990 – 2022 .
أما شروط التنمية المستدامة – وهي الشروط الأساسية التي يتوقف عليها نجاح النيباد في تحقيق أهدافها – فقد طرحتها الوثيقة في شكل عدد من المبادرات التي يلتزم القادة الأفارقة فرادي ومجتمعين بالعمل علي تنفيذها ن وهي :

• مبادرة السلام والأمن .
• مبادرة الديمقراطية والحكم السياسي الرشيد .
وفيما يتعلق بالأولويات القطاعية قدمت النيباد برامج للعمل في مختلف القطاعات ذات الأولوية ، وتغطي البرامج المجالات الآتية :
(1) البنية الأساسية : وبصفة خاصة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، والطاقة ، والنقل والمياه والصرف الصحي.
(2) تنمية الموارد البشرية : وتشمل تخفيف الفقر ، والتعليم والصحة وتحويل اتجاه هجرة العقول الأفريقية .
(3) الزراعة
(4) مبادرة البيئة
(5) الثقافة
(6) العلم والتكنولوجيا
وفي كل من هذه المجالات ، حددت النيباد الأهداف الرئيسية المطلوب تحقيقها وعدداً من الإجراءات والسياسات المقترح اتخاذها لتحقيق تلك الأهداف .
تعبئة الموارد :-
تحتوي نيباد علي مبادرتين بشأن تعبئة الموارد اللازمة لوضع برامجها موضوع التنفيذ :
مبادرة تدفقات رأس المال : وقد تضمنت تقديراً للموارد المالية المطلوبة لتمويل برامج النيباد ، حيث قدرتها الوثيقة بنحو 64 مليار دولار أمريكي سنوياً (لمدة 15 سنة تقريباً) وذكرت الوثيقة أن سد هذه الفجوة يستلزم زيادة كبيرة في المدخرات المحلية ، غير أنها أكدت أن “معظم الموارد المطلوبة ينبغي أن يأتي من خارج القارة” ولذلك فإن النيباد أولت اهتماماً كبيراً للأهداف والإجراءات المتعلقة بتعبئة الموارد الخارجية ، مركزة علي ثلاثة محاور رئيسية:
(أ‌) ترتيبات جديدة يتم التفاوض بشأنها بهدف تخفيف الديون الخارجية .
(ب‌) إصلاحات واسعة (ومبتكرة) في إدارة المساعدات الإنمائية الخارجية وربطها بشروط والتزامات متبادلة بين أفريقيا والمانحين بغرض زيادة حجم المساعدات وتحسين كفاءتها .
(ت‌) تشجيع انسياب رأس المال الخاص الأجنبي ، حيث تعلق عليه نيباد أهمية كبيرة في سد فجوة الموارد .
مبادرة النفاذ إلي الأسواق : تعتبر نيباد تحسين قدرة الصادرات الأفريقية علي الوصول إلي الأسواق العالمية ، جانباً رئيساً لعملية تعبئة الموارد . وتلخص المبادرة السبيل إلي ذلك في مبدأ واحد تنويع الإنتاج . ويأتي هذا التنويع من حسن استغلال قاعدة الموارد الطبيعية لأفريقيا عن طريق إجراءات وإصلاحات في كل من قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية والتعدين والسياحة والخدمات ز وكذلك النهوض بالقطاع الخاص فضلاً عن اتخاذ إجراءات لتشجيع الصادرات الأفريقية علي الصعيدين الأفريقي والعالمي ، وإزالة الحواجز غير الجمركية التي تواجهها في أسواق البلدان الصناعية .

3 – : الشراكة العالمية :
دعت النيباد إلي قيام “شراكة عالمية جديدة” بين أفريقيا وشركائها في التنمية ، تقوم علي أساس تقاسم المسئولية في تصحيح المظالم وأوضاع عدم المساواة التي شهدتها القرون الطويلة الماضية ، وتعبئة الجهود كافة للارتفاع بنوعية الحياة للشعوب الأفريقية في أسرع وقت ممكن . وهنا تعدد نيباد المنافع التي سوف يجنبها العالم من تلك الشراكة الجديدة مع أفريقيا ، وكيف أنها سوف تصب في النهاية في تحقيق الاستفادة الكاملة من منجزات الثورة التكنولوجية العالمية ، وتدعيم قواعد الأمن والسلم العالميين .
وبالنسبة لمضمون “الشراكة العالمية الجديدة” التي تطرحها نيباد فهو ينطوي علي جانبين :

أولها: الحفاظ علي المشاركات المتعددة القائمة حالياً بين أفريقيا وشركاء التنمية ، وترشيدها ، وتعظيم الاستفادة منها .
ثانيها: التفاوض حول علاقة جديدة مع البلدان المتقدمة والمنظمات متعددة الأطراف . وتنطوي هذه العلاقات الجديدة علي أهداف ومعايير للأداء متفق عليها بين الطرفين ، وعلي مسئوليات والتزامات متبادلة . فتحمل النيباد الدول المتقدمة والمنظمات المتعددة الأطراف بمسئوليات والتزامات في مجالات معيته ، عددت منها الوثيقة اثني عشر مجالاً وتضمها الفقرة (185) من الوثيقة . وفي مقابل هذه المسئوليات من الالتزامات ، فإن القادة الأفارقة يتعهدون من جانبهم بتنفيذ الإجراءات التي وردت في الفصل الثالث من النيباد (فقرة 49) . علي أنه يلاحظ هنا أن نيباد سكتت تماماً عن الجانب الخاص بالمشاركة بين الجنوب والجنوب .

4- آليات التنفيذ :
تنفيذ الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا ، يمثل مضمون الفصل السابع والأخير من الوثيقة حيث أشار إلى بعض الأسس والمبادئ المتعلقة بالتنفيذ وذلك على النحو التالى :
إعداد مجموعة من البرامج العاجلة لكي يتم وضعها موضع التنفيذ على وجه السرعة بالتعاون مع شركاء التنمية . وهى البرامج الخاصة بالمجالات الأربع التالية : الإمراض المعدية – تكنولوجيا المعلومات والاتصالات – تخفيض الديون – سبل الوصول إلى الأسواق
اقتراح عدد من المشروعات ذات الأهمية الحيوية للتنمية التكاملية على المستوى الإقليمي وقد وضعت قائمة تفصيلية لهذه البرامج على موقع النبياد على شبكة الانترنت
إنشاء جهاز لإدارة شئون نيباد ، وفى هذا الخصوص نصت الوثيقة علي أنشاء لجنة تنفيذ من رؤساء الدول الأفريقية تتكون من رؤساء عشرة دول بواقع دولتين عن كل إقليم من الأقاليم الخمسة فى أفريقيا بالإضافة إلى الدول الخمسة المؤسسة لنيباد : ، الجزائر، جنوب أفريقيا ،نيجيريا ، السنغال ، مصر.

أجهزة الرئيسية لنيباد ، الهيكل التنظيمي :
– لجنة التنفيذ الرئاسية وهى السلطة العليا الموجهة لشئون نيباد وتضم رؤساء الدول الخمسة أصحاب المبادرة إلى جانب رؤساء 15دولة أخرى يمثلون فى مجموعهم مناطق القارة الجغرافية الخمسة ، بواقع أربع دول عن كل منطقة .
– لجنة التسيير : وتتشكل من ممثلي رؤساء الدول أعضاء لجنة التنفيذ ، وتتولي إعداد الخطط التفصيلية لبرنامج العمل والتحرك لتنفيذ المبادرة كما تقوم بالإشراف علي أعمال السكرتارية .

الآلية الإفريقية لمراجعة النظراء :
African peer Review Forum

وهي تستند في إنشائها علي بيان قمة الاتحاد الأفريقي في ديربان عام 2022 والخاص بالديمقراطية والحكم الرشيد . وتعني هذه آلية اختيار وتقويم أداء الدولة من قبل دول أخري والغاية الاسمي للآلية هي مساعدة الدولة التي تخضع لعملية المراجعة علي تحسين أدائها التنموي في عملية صنع القرارات واختيار أفضل الوسائل مع الالتزامات بالمعايير والمبادئ المتعارف عليها . وتتكون من رؤساء الدول والحكومات الأعضاء بالآلية ، وقد انضمت مصر للآلية في مارس 2022 .

السكرتارية : مقرها بيريتوريا ، وتعمل كجهاز فني لمساعدة لجنتي التنفيذ والتسيير في أداء مهامها ، ولمصر ممثل فيها يتولي متابعة قطاعي الزراعة والنفاذ للأسواق ، اللذين تختص مصر بتنسيق ملفيهما .
مع شعوب العالم

نيباد (NEPAD) – الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا
وفاء لعهد قطعناه مع حلقة مناقشات الميدان بثانويات العاصمة في عدد نوفمبر 2022 – الميدان وسيلة للتثقيف السياسي وزيادة المعرفة – ومطالبتهم بالتركيز على المشهد الأفريقي، نخصص هذه الصفحة لاستعراض رؤية النيباد الاستراتيجية. (هيئة التحرير)
اعتمدت وثيقة النيباد الإستراتيجية الإطارية في القمة 37 لمنظمة الوحدة الأفريقية المنعقدة في زامبيا في يوليو 2001، كإطار متكامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأفريقيا أوكل اعداده لقادة الجزائر وجنوب أفريقيا السنغال ومصر ونيجيريا لمعالجة التحديات الأساسية التي تواجه قارة أفريقيا من فقر وتخلف وتهميش.

*الأهداف الأساسية للبناء هي إزالة الفقر، ووضع الدول الأفريقية في مسار نمو وتطور مستقر ومستدام، وتعزيز مشاركة القارة واستفادتها من العولمة والاقتصاد العالمي، وتسريع الارتقاء بنساء القارة، ولتحقيق هذه الأهداف تستهدي النيباد بالمبادئ الآتية:

– الحكم الرشيد كمطلب أساسي للأمن والسلام والتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
– الملكة والزعامة الأفريقية مع المشاركة الواسعة لكل قطاعات المجتمع.
– اعتماد التنمية على موارد أفريقيا وشعوبها والشراكة فيما بينها.
– مسارعة التكامل الإقليمي والقاري، وبناء قدرات وميزات تنافسية للقارة.
– قيام الشراكة مع بقية دول العالم على أسس عادلة.

* أولويات النيباد هي:
1- تحقيق الشروط اللازمة للتنمية المستدامة وهي السلام والأمن، والديمقراطية وصلاح وكفاءة الحكم والاقتصاد والسياسة والتعاون والتكامل الإقليمي وبناء القدرات.
2- إصلاح السياسات وزيادة الاستثمار في قطاعات: الزراعة، التنمية البشرية وخصوصاً الصحة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا وتنمية المهارات، بناء وتحسين البنى التحتية وخصوصاً تقنية المعلومات والاتصالات والطاقة والنقل والمياه والصرف الصحي، تنويع قطاعات الانتاج والصادرات مثل التصليح الزراعي والتعدين والسياحة، زيادة وتائر التبادل التجاري بين دول القارة وفتح أسواق الدول المتقدمة، والبيئة.
3- تعبئة الموارد بزيادة الادخار والاستثمار المحليين، وتحسين إدارة الدخل والمنصرفات العامين، وزيادة حصة التجارة والتجارة العالمية، واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، وزيادة تدفق رأس المال بتخفيض الدين وزيادة مساعدات التنمية الدولية.

*استراتيجية النيباد تعمل لتحقيق النتائج الآتية في المدى القريب:
– زيادة كفاءة القارة في منع الصراعات قبل وقوعها ونشر السلام المستقر في ربوعها.
– اعتماد وتطبيق مبادئ الديمقراطية والإدارة السياسية والاقتصادية الحكيمة، وتعميق مبادئ حماية حقوق الإنسان في دول القارة.
– ابتداع وتطبيق برامج فعالة لإزالة الفقر والتنمية لاسيما التنمية البشرية وعكس نزيف الأدمغة والكفاءات.
– زيادة مستويات الادخار والاستثمار المحلي والأجنبي.
– استقطاب المزيد من مساعدات التنمية الخارجية واستعمالها بكفاءة.
– رفع قدرات تطوير السياسات والتعاون والتفاوض في المسرح الدولي لمزيد من المشاركة الفعالة في الاقتصاد العالمي خصوصاً في مجالات التجارة وفتح الأسواق.
– تسريع وتائر التكامل الإقليمى والوصول لمستويات أعلى من النمو الاقتصادي المستدام.
– إقامة شراكة حقيقية بين أفريقيا والدول المتقدمة مبينة على الاحترام المتبادل والمسؤولية.

* هيكل تطبيق النيباد:
أعلى سلطة لإنفاذ استراتيجية النيباد هي قمة رؤساء وحكومات دول الاتحاد الأفريقي وريث منظمة الوحدة الأفريقية.
ثم هناك لجنة رؤساء الدول والحكومات التنفيذية التي تتكون من 20 دولة هي 3 ممثلين لكل منطقة جغرافية في أفريقيا (5 مناطق) إضافة للخمس دول صاحبة المبادرة ويرأسها الرئيس النيجيري أوبسانقو. وهناك لجنة تسييرية مكونة من ممثلين شخصيين للقادة أعضاء اللجنة التنفيذية وأخيراً هناك سكرتارية النيباد ومقرها مدينة مدراند بجنوب أفريقيا.
وثيقة النيباد الأساسية عرضت أوضاع أفريقيا القارة ومؤشراتها التنموية والبشرية والاقتصادية، واستعرضت أسباب تخلف أفريقيا وتناولت دور الاستعمار وهجرة الكفاءات وفساد أنظمة الحكم والإدارة ومظالم العولمة وتهميش الاقتصاد العالمي الجديد للقارة، وناقشت الوثيقة أيضاً الملامح الرئيسية لعكس تلك الأوضاع والارتقاء بالقارة وبإنسانها إلى حيث مكانه الطبيعي بين الأمم وكونه منشئ حضارات عريقة ساهمت في تطور البشرية بل كون أفريقيا هي أرض ميلاد الإنسان الأول. كما تحدثت بوضوح – رغم اعتمادها آلية السوق منهاجاً – عن أن مؤشرات النمو الاقتصادي وحدها لا تكفي للقضاء على الفقر وتحقيق التنمية البشرية للإنسان الأفريقي، وما ستتبعه ذلك من الاهتمام بالآثار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والبيئة بشكل متكامل لعمليات التغيير المتوقعة.
مبادرة أفريقية
والنيباد هي اختصار لعبارة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا وتهدف إلي إنشاء مشروع ضخم لأفريقيا بمبادرة أفريقية وبالتعاون مع شركاء آخرين في النواحي الاقتصادية وهي أساس المبادرة كذلك في الأمور السياسية مثل الحكم الرشيد ودعم مساهمة المجتمع المدني واحترام حقوق الإنسان والأقليات وهو ما جعل البعض يعتقد أن أهداف مبادرة النيباد هي أجندة غربية مفروضة علي أفريقيا إلا أن ما تعاني منه أفريقيا حالياً من صراعات وحروب واستنزاف لطاقاتها البشرية ولمواردها الطبيعية دون فائدة فرض علي القادة إعطاء أولويات لموضوعات الاستقرار والأمن وفض النزاعات باعتبار ذلك أمراً حتمياً لتحقيق التقدم والتنمية لأبناء أفريقيا.
وتعد “النيباد” منهجاً مطوراً محلياً لتناول التحديات العديدة للتنمية في أفريقيا وهو ما يمثل أمل زعماء أفريقيا وتصميمهم الجماعي لوضع بلادهم علي طريق التنمية المستدامة والتي تعتمد علي الذات. ورؤية الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا والنيباد تدرك في المرتبة الأولي أن الدور الرئيسي يمكن أن تلعبه زيادة الإنتاجية الزراعية في الحد من الفقر في أفريقيا. وقد رحب المؤتمر الدولي للتنمية المستدامة الذي عقد في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا عام 2000 بالنيباد وتعهد بدعمها لتنفيذ أهدافها.
تم اعتماد وثيقة النيباد الاستراتيجية في القمة ال 37 لمنظمة الوحدة الأفريقية الاتحاد الأفريقي حالياً وكان ذلك في زامبيا في شهر يوليو 2001 كإطار متكامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأفريقيا.
وضعت النيباد منذ إطلاقها عدة مباديء تستهدي بها وهي: الحكم الرشيد كمطلب أساسي للأمن والسلام والتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي لدول القارة والزعامة الأفريقية مع المشاركة الواسعة لكل قطاعات المجتمع واعتماد التنمية علي موارد أفريقيا وشعوبها والشراكة فيما بينها ومسارعة التكامل الإقليمي وبناء قدرات وميزات تنافسية لأفريقيا وأخيراً قيام الشركة بين دول القارة مع دول العالم علي أسس عادلة.
أولويات النيباد
وتولي النيباد الأهمية الأولي لتحقيق الشروط اللازمة للتنمية المستدامة وهي السلام والأمن والديمقراطية وكفاءة الحكم والاقتصاد والسياسة والتعاون والتكامل الإقليمي وبناء القدرات.
ومن الأولويات أيضاً إصلاح السياسات وزيادة الاستثمار في قطاعات الزراعة والتنمية البشرية وخصوصاً في مجالات الصحة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا وتنمية المهارات وبناء وتحسين البني التحتية وخصوصاً تقنية المعلومات والاتصالات والطاقة والنقل والمياه والصرف الصحي وتنويع قطاعات الإنتاج والصادرات مثل التعدين والسياحة والبيئة وكذلك تعبئة الموارد بزيادة الادخار والاستثمار المحليين وتحسين إدارة الدخل والمنصرفات العاميين وزيادة حصة التجارة العالمية واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والعمل علي زيادة تدفق رأس المال بتخفيض الدين وزيادة مساعدات التنمية الدولية.
أما الأهداف التي تعمل النيباد علي تحقيقها من خلال الاستراتيجية التي تعمل بها فهي منع الصراعات في القارة قبل وقوعها ونشر السلام بين دولها واعتماد مباديء الديمقراطية والإدارة السياسية والاقتصادية الحكيمة وتحقيق وترسيخ مباديء حماية حقوق الإنسان في دول القارة وتطبيق برامج فعالة لإزالة الفقر وزيادة التنمية خاصة البشرية ووقف نزيف الكفاءات خارج القارة وزيادة نسب الادخار والاستثمار المحلي والأجنبي وإيجاد الوسائل التي تكفل استقطاب المزيد من مساعدات التنمية الخارجية وحسن استخدامها ورفع قدرات تطوير السياسات والتعاون والتفاوض مع العالم لمزيد من المشاركة الفعالة في الاقتصاد العالمي خاصة في مجالات التجارة وفتح الأسواق والإسراع بتنفيذ التكامل الإقليمي والوصول لمستويات أعلي من النمو الاقتصادي المستدام وإقامة شراكة حقيقية بين أفريقيا والدول المتقدمة أساسها الاحترام المتبادل والمسئولية.
.
2 الاستراتيجية

تنطوي الاستراتيجية التي تقوم عليها المبادرة على الهيكل التالي:
● الشروط الأساسية المسبقة للتنمية
– السلم، والأمن والديمقراطية والحكم السياسي السليم
– الإدارة السليمة للاقتصاد والشركات مع التركيز على إدارة المالية العامة
– التعاون والتكامل الإقليميان
● القطاعات ذات الأولوية
– البنية التحتية
– تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
– التنمية البشرية، مع التركيز على الصحة والتعليم وتنمية المهارات
– الزراعة
– النهوض بتنويع الإنتاج والصادرات، مع التركيز على تيسير سبل وصول الصادرات الإفريقية إلى الأسواق في البلدان الصناعية.
● تعبئة الموارد
– زيادة المدخرات وتدفقات رؤوس الأموال من خلال المزيد من تخفيف عبء الدين، وزيادة تدفقات المعونة الإنمائية الرسمية ورؤوس الأموال الخاصة، علاوة على الإدارة الأفضل للإيرادات والمصروفات العامة.
3 المواضيع الرئيسية

يناقش النص التالي بشكل عمومي بعض العناصر الآنفة، التي تؤثر فيها رسالة الاتحاد الدولي للاتصالات، ورسالة مكتب تنمية الاتصالات على وجه الخصوص، بدرجة كبيرة.

1.3 التكامل الاقتصادي

معظم البلدان الإفريقية صغيرة، من حيث عدد السكان وحصة الفرد من الدخل على حد سواء. ونتيجة لكون أسواقها محدودة، فإنها لا تقدم عوائد جذابة للمستثمرين المحتملين، بينما يتأخر التقدم الممكن تحقيقه في تنويع الإنتاج والصادرات. ويعمل ذلك على الحد من الاستثمار في البنية التحتية الضرورية التي تعتمد في جدواها العملية على وفورات الحجم.
وتبين هذه الظروف الاقتصادية الحاجة إلى قيام البلدان الإفريقية بتجميع مواردها وزيادة التعاون الإقليمي والتكامل الاقتصادي في القارة بغية تحسين قدرتها التنافسية الدولية. ولا بد من تقوية التجمعات الاقتصادية الإقليمية الخمسة: غرب إفريقيا وشمال إفريقيا ووسط إفريقيا وشرق إفريقيا والجنوب الإفريقي.
وتركز المبادرة الإفريقية على توفير السلع العامة الإقليمية الأساسية ( مثل النقل، والطاقة، والمياه، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واستئصال الأمراض، وصون البيئة، وتوفير قدرة البحث الإقليمية)، علاوة على النهوض بالتجارة والاستثمارات البينية الإفريقية. وسيتم التركيز على ترشيد الإطار المؤسسي للتكامل الاقتصادي بواسطة تحديد المشاريع المشتركة المتوافقة مع البرامج الإنمائية القطرية والإقليمية المتكاملة، وعلى تجانس السياسات والممارسات الاقتصادية والاستثمارية. وثمة حاجة إلى تنسيق السياسات القطاعية الوطنية والرصد الفعال للقرارات الإقليمية.
وستعطي المبادرة الإفريقية أولوية لبناء القدرة على تعزيز فعالية الهياكل الإقليمية القائمة وترشيد المنظمات الإقليمية القائمة. ولا بد من أن يقوم بنك التنمية الإفريقي بدور قيادي في تمويل الدراسات والبرامج والمشاريع الإقليمية.
وينبغي الاعتراف في جهود التكامل بالظروف الخاصة للبلدان الجزرية الصغيرة في إفريقيا.

2.3 الفجوات في البنية التحتية

تعتبر البنية التحتية أحد المؤشرات الرئيسية للنمو الاقتصادي، وينبغي البحث عن حلول تسمح لإفريقيا بأن ترتفع إلى مستوى البلدان المتقدمة من حيث تراكم رأس المال المادي ورأس المال البشري.
ولو كانت إفريقيا تملك نفس البنية التحتية الأساسية التي تملكها البلدان المتقدمة، لكانت في وضع مؤات جداً بحيث تركز على الإنتاج وتحسين الإنتاجية من أجل المنافسة الدولية. وتشكل الفجوة الهيكلية في البنية التحتية معوقاً جسيماً جداً للنمو الاقتصادي والحد من الفقر. فالبنية التحتية المحسنة، بما في ذلك تكلفة الخدمات وإمكانية التعويل عليها، تعود بالفائدة على إفريقيا وعلى المجتمع الدولي الذي سيستطيع أن يحصل على السلع والخدمات الإفريقية بشكل أرخص جداً.
لقد بنى المستعمرون في الكثير من البلدان الإفريقية البنية التحتية المطلوبة لتصدير المواد الخام الإفريقية واستيراد سلعهم الصناعية إلى إفريقيا.
وإذا ما كان للبنية التحتية أن تتحسن في إفريقيا، فإن التمويل الأجنبي الخاص يعتبر لازماً لاستكمال طريقتي التمويل التقليديتين، ألا وهما الائتمان والمعونة.

3.3 التنمية البشرية: الصحة والتعليم

تدور التنمية البشرية حول توسيع خيارات الناس وتمكينهم من التمتع بحياة صحية وخلاقة طويلة. ويتبنى البرنامج استراتيجيات استئصال الفقر المتعددة الاتجاهات المدعومة من قبل عدد من الوكالات الإنمائية والجهات المانحة المتعددة الأطراف. ويدعو البرنامج إلى قيام الحكومات الإفريقية ومجتمع المانحين بزيادة الاستثمار في الخدمات الصحية.
وتتمثل المشاكل الرئيسية في التعليم في إفريقيا في سوء المرافق وعدم ملاءمة الأنظمة التي تحصل الغالبية العظمى من الأفارقة على التدريب بواسطتها. وقد أظهر الأفارقة الذين أتيحت لهم الفرصة لتلقي التدريب في أماكن أخرى من العالم قدرتهم على المنافسة بنجاح.
وتؤيد الخطة القيام بتقوية النظام الجامعي في كافة أنحاء إفريقيا فوراً، بما في ذلك إنشاء جامعات متخصصة حيثما تطلبت الحاجة، والاستفادة من هيئات التدريس الإفريقية المتاحة. وتم التشديد بوجه خاص على الحاجة إلى تعزيز وجود معاهد التكنولوجيا.
والعنصر الهام الثاني في التعليم هو بناء المدارس الابتدائية في جميع القرى، والمدارس الثانوية في جميع الأقاليم.

4.3 الزراعة

تعيش غالبية الشعوب في إفريقيا في المناطق الريفية. بيد أن الأنظمة الزراعية ضعيفة بوجه عام وغير مثمرة. وحيث يقترن ذلك بالنكسات الخارجية، مثل عدم التيقن من المناخ، والتحيزات في السياسة الاقتصادية والتغيرات في الأسعار العالمية، فقد عملت هذه الأنظمة على تثبيط المعروض الزراعي والدخل في المناطق الريفية، مما أفضى إلى انتشار الفقر.
وتتطلب الحاجة الملحة لتحقيق الأمن الغذائي في البلدان الإفريقية أن تتم معالجة الأنظمة الزراعية غير الملائمة بحيث يمكن زيادة إنتاج الأغذية ورفع مستويات التغذية.
وإدخال تحسينات في الأداء الزراعي يعد شرطاً أساسياً مسبقاً للتنمية الاقتصادية في القارة. كما أن من شأن الزيادة الناجمة عن ذلك في القوة الشرائية لأهالي الريف أن تفضي إلى طلب فعلي أعلى على السلع الصناعية الإفريقية. وستشكل الديناميكيات المستحثة مصدراً هاماً للنمو الاقتصادي.
وتتوقف التحسينات الإنتاجية في الزراعة على إلغاء عدد من القيود الهيكلية التي تؤثر على القطاع. وأحد القيود الرئيسية عدم التيقن من المناخ، وهو ما يوجد عامل مخاطر في وجه الزراعة الكثيفة المستندة إلى تدفق الاستثمارات الخاصة بشكل بارز. وبالتالي، لا بد للحكومات من أن تدعم توفير الري وتعمير الأراضي القابلة للري عندما لا تبدي العناصر الخاصة استعداداً للقيام بذلك. كما أن تحسين البني التحتية الريفية الأخرى ( الطرق، وإدخال الكهرباء في الريف، إلى آخره) ضروري.
ولم تول الجهات المانحة الثنائية والمؤسسات المتعددة الأطراف سوى اهتمام قليل جداً في الآونة الأخيرة بقطاع الزراعة والمناطق الريفية التي تضم 70 في المائة من الفقراء في إفريقيا. فمثلاً، كان الائتمان المقدم للزراعة في حافظة مشاريع البنك الدولي يبلغ 39 في المائة في عام 1978، ولكنه انخفض إلى 12 في المائة في عام 1996، بل وانخفض بأكثر من ذلك ليصل إلى 7 في المائة في عام 2000. ولا بد لمجتمع المانحين بأكمله أن يعكس هذا الاتجاه السلبي.

4 تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

1.4 الوضع

أسفر سوء البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إفريقيا، مجتمعاً مع ضعف السياسات والأطر التنظيمية ومع الموارد البشرية المحدودة، عن عدم كفاية سبل الحصول على ما هو ميسور من الهواتف والإذاعة والحواسيب والإنترنت. ولا تزال الكثافة الهاتفية الإفريقية دون خط واحد لكل 100 شخص. كما أن تكاليف الخدمة مرتفعة جدا: فيبلغ متوسط تكلفة التوصيل في إفريقيا 20 بالمائة من حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، بالمقارنة مع المتوسط العالمي الذي يبلغ 9 بالمائة، والذي يبلغ في بلدان الدخل المرتفع واحداً بالمائة. وقد عجزت إفريقيا عن اغتنام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأداة لتعزيز سبل الرزق وخلق فرص جديدة لنشاط الأعمال، وتعرضت إقامة الصلات عابرة الحدود داخل القارة ومع الأسواق العالمية للتعويق. ورغم أن الكثير من البلدان في إفريقيا بدأت في إصلاح سياسات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإن انتشار الخدمة أو نوعيتها أو تعريفتها لم تتحسن بعد.
وتتمثل الأولوية الاستراتيجية في تحسين النفاذ بالنسبة للأسر المعيشية والشركات، على أن يكون الهدف القصير الأجل مضاعفة الكثافة الهاتفية إلى خطين لكل 100 شخص بحلول عام 2022، مع إيجاد مستوى نفاذ ملائم. ولابد أيضاً من معالجة مسألة التيسر: فمن شأن توفير تكلفة أقل وتحسين إمكانية التعويل على الخدمة بالنسبة للشركات أن يخفض تكاليف الإنتاج والمعاملات في كافة أجزاء الاقتصاد وأن يعزز النمو. وتحتاج مضاعفة الكثافة الهاتفية بحلول عام 2022 إلى استثمار تقريبي يزيد على 8 مليارات من الدولارات في البنية التحتية الأساسية وحدها. ولا تملك جهات تشغيل الاتصالات في إفريقيا ( العامة والخاصة) موارد كافية.
ويتطلب اجتذاب مستثمري القطاع الخاص إلى استراتيجية شاملة ومتكاملة وحسنة التنسيق تنطوي على إصلاح للسياسات والقواعد التنظيمية، وخلق قاعدة موارد بشرية للقطاع، بما في ذلك المهارات الهندسية والبرمجية، والتركيز على التطبيقات والمحتويات التي تضيف قيمة إلى الشبكات، واستحداث آليات تمويل فعالة، بما في ذلك الشراكات ما بين القطاعين العام والخاص.

2.4 الأهداف

● مضاعفة الكثافة الهاتفية إلى خطين لكل 100 شخص بحلول عام 2022، مع إيجاد مستوى نفاذ ملائم للأسر المعيشية؛
● تخفيض تكلفة الخدمة وتحسين إمكانية التعويل عليها؛
● تحقيق الاستعداد الإلكتروني بالنسبة لجميع البلدان في إفريقيا؛
● استحداث وتحقيق مجمعة من الشباب والطلاب المتمرسين على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي يمكن لإفريقيا أن تستمد منها حاجتها من المهندسين والمبرمجين ومصممي البرمجيات المدربين على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛
● استحداث برمجيات ذات محتوى محلي تستند بوجه خاص إلى التراث الثقافي لإفريقيا.

3.4 الإجراءات

● التعاون مع الوكالات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي للاتصالات ومنظمة “توصيل إفريقيا” (Africa Connection) لوضع سياسات وتشريعات نموذجية لإصلاح الاتصالات، وبروتوكولات ومقاييس لتقدير الاستعداد الإلكتروني؛
● التعاون مع الوكالات الإقليمية لبناء القدرات التنظيمية؛
● إنشاء شبكة من المؤسسات التدريبية والبحثية لبناء قوة عاملة مرتفعة المستوى؛
● تشجيع وتسريع المشاريع القائمة لوصل المدارس ومراكز الشباب؛
● التعاون مع مؤسسات تمويل التنمية في إفريقيا والمبادرات المتعددة الأطراف (فريق المهام المعني بالفرص الرقمية لمجموعة البلدان الثمانية وفريق المهام التابع للأمم المتحدة) والجهات المانحة الثنائية، لإنشاء آليات تمويل لتخفيف حدة المخاطر التي يتعرض لها القطاع وتقليلها.

5 موجز

تدرك إفريقيا ما وقع من مظالم تاريخية طويلة الأمد والحاجة إلى تصحيحها. بيد أن الفرضية الرئيسية للشراكة الجديدة تتمثل في بذل جهود مشتركة لتحسين نوعية حياة شعوب إفريقيا بأسرع ما يمكن. وفي هذا الصدد، ثمة مسؤولية مشتركة ومنافع متبادلة فيما بين إفريقيا وشركائها.
وسيتم المحافظة على شتى الشراكات القائمة بين إفريقيا والبلدان الصناعية من ناحية، وبينها وبين المؤسسات المتعددة الأطراف من ناحية أخرى. وتشمل الشراكات المقصودة، من جملة أمور، برنامج الأمم المتحدة الجديد للتنمية في إفريقيا في التسعينات؛ وخطة عمل القاهرة الصادرة عن مؤتمر قمة إفريقيا-أوروبا؛ والشراكة الاستراتيجية مع إفريقيا التي يتصدرها البنك الدولي؛ وأوراق استراتيجية الحد من الفقر التي يتصدرها صندوق النقد الدولي؛ وبرنامج عمل طوكيو الذي تتصدره اليابان؛ وقانون نمو وفرصة إفريقيا الصادر في الولايات المتحدة الأمريكية؛ واللجنة الاقتصادية المعنية بالاتفاق العالمي مع إفريقيا. ويتمثل الهدف من ذلك في ترشيد هذه الشراكات وكفالة إدرارها لفوائد حقيقية لإفريقيا.

6 قـرار

تم إعداد مشروع قرار بشأن إشراك الاتحاد الدولي للاتصالات في مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا، ومرفق مع هذه الورقة كملحق لتقديمه إلى المؤتمر.
ثانياً مشروع قرار بشأن إشراك الاتحاد الدولي للاتصالات في مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا
إن المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات (إسطنبول، 2022)،
إذ يأخذ في اعتباره
أحكام دستور الاتحاد الدولي للاتصالات بشأن قطاع تنمية الاتصالات، على النحو الوارد في الفصل الرابع منه، ولاسيما، من جملة أمور، ما يتعلق بوظائف القطاع في بناء الوعي بتأثير الاتصالات على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودوره كعامل حافز في النهوض بتنمية خدمات وشبكات الاتصالات وتوسيعها وتشغيلها، وبخاصة في البلدان النامية، والحاجة إلى المحافظة على التعاون مع منظمات الاتصالات الإقليمية وغير الإقليمية، والارتقاء به،
وإذ يأخذ في اعتباره كذلك
أن القرار 31 لمؤتمر المندوبين المفوضين للاتحاد الدولي للاتصالات (كيوتو، 1994) بشأن البنية التحتية للاتصالات والتنمية الاجتماعية-الاقتصادية يبرز:
أ ) أن الاتصالات شرط مسبق للتنمية،
ب) تأثيرها على الزراعة، والصحة، والتعليم، والنقل، والمستوطنات البشرية إلى آخره؛
ج ) الانخفاض المستمر في الموارد الإنمائية المتاحة للبلدان النامية؛

وإذ يلاحظ،
أ ) أن المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات (فاليتا، 1998) أعاد التأكيد في إعلانه وقراراته على الالتزام بزيادة توسيع وتنمية خدمات الاتصالات في البلدان النامية وتسخير الطاقات لتطبيق الخدمات الجديدة والمبتكرة،
ب) اعتماد خطة عمل فاليتا التي تحتوي على فصول رئيسية عن تنمية البنية التحتية العالمية للمعلومات والبرنامج الخاص بأقل البلدان نمواً،
وإذ يعـي
أن مجلس الاتحاد الدولي للاتصالات قد حث المؤتمر في قراره 1184 بشأن المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات – 2022 على أن يركز تركيزاً خاصاً على “مشكلة سد الفجوة الرقمية”،
وإذ يحيط علماً
أ ) باعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها A/RES/56/37 باعتماد جمعية رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في دورتها العادية السابعة والثلاثين المنعقدة في لوساكا في يوليو 2001 للشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا،
ب) والإعلان الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بشأن دور منظومة الأمم المتحدة في دعم جهود البلدان الإفريقية لإنجاز التنمية المستدامة؛


مشكووووووووووووووووور

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

مذكرة تخرح تخصص علاقات دولية 2022

مذكرة تخرج لنيل شهادة الليسانس تخصص علاقات دولية
الموضوع:
دور الجماعات الضاغطة في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية (1993-2009) : اللوبي الصهيوني نموذجا
تحميل الملف 29 mai 2022 (I).rar من هنا.


بسم الله الرحمن الرحيم
من فضلكم الملف لم يتحمل معي وانا بحاجة ماسة اليه وفي اقرب الاجال بليز ساعدوني
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

السلام عليكم صديقي
نصيحة: الاحتكار شيء غير مقبول، وأنا وضعت هذه المذكرة في منتدى أخر أنا عضو فيه، وليس عيباً أن تنقله المهم أن تعم الفائدة والكل يستفيد، ولن أطلب منك كتابة " منقول" ،ولكن على الأقل انقل الموضوع بطريقة محترفة، فبخصوص الخدمة الوطنية لماذا كتبتها؟ أنا كتبتها في المنتدى الاخر ولم يكن هناك داعي لإعادتها هنا.
تحياتي صديقي

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الاشتراكية socialism


تمثل الاشتراكية socialism عند عدد من المفكرين مجموعة متكاملة من الأفكار والمناهج والوسائل السياسية والاجتماعية التي تشترك، بصرف النظر عن الاختلاف في التفاصيل، في رفض المجتمع الاستغلالي، وتؤمن إيماناً لا يتزعزع بالتقدم الحتمي للمجتمعات، مؤكدة إرادتها في إقامة مجتمع أكثر عدلاً وكفاية وفي تحقيق المساواة الفعلية بين جميع الناس وجميع الأمم.
وتستخدم كلمة الاشتراكية مجموعات سياسية متباينة تختلف فيما بينها حول أسلوب تطبيق الاشتراكية، فالاشتراكية الخيالية أو الطوباوية utopic، التي سادت أفكارها في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر رداً على ما جلبته الثورة الصناعية ونمط الإنتاج الرأسمالي من بؤس وظلم واستغلال، نادت بالقضاء على النظام الرأسمالي وبالتحول السلمي التدريجي إلى النظام الاشتراكي. وحلم الاشتراكيون الطوباويون بمستقبل يتم فيه بناء مجتمع تتعايش فيه مصالح الرأسماليين والعمال بطريق الإقناع.
أما الاشتراكية الديمقراطية التي تمثل تياراً في الحركة العمالية المعاصرة ونوعاً من الاشتراكية الإصلاحية، فتقر باتباع الطرائق السلمية والتدريجية للتحول، وتفهم الاشتراكية على أنها مقولة أخلاقية أدبية.
وأما الاشتراكية الشعبية populism وهي نوع من الاشتراكية الطوباوية البرجوازية الصغيرة التي ظهرت في روسية القيصرية، فإنها تمزج بين أفكار الديمقراطية الزراعية الفلاحية والأحلام الاشتراكية والأمل في تجنب الرأسمالية. في حين تؤكد الاشتراكية العلمية مبادئ إلغاء استغلال الإنسان للإنسان، والتطور المخطط للمجتمع من أجل تحسين الوضع المعاشي والحياتي للجماهير الشعبية بما يتفق عموماً مع تحسين وضع كل فرد في المجتمع. وتعد الاشتراكية العلمية نظرية في إثبات الحتمية والضرورة التاريخية للاشتراكية وقانونية تحولها التدريجي إلى الشيوعية.
ومن وجهة النظر الماركسية، تمثل الاشتراكية المرحلة الأولى للشيوعية، وأساسُها الاقتصادي الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، وقاعدتها السياسية الجماهير الكادحة بقيادة الطبقة العاملة.
بذور الفكر الاشتراكي
عرفت بذور الفكر الاشتراكي منذ العصور القديمة وتعد جمهورية أفلاطون المثالية المبنية أساساً على النخبة المتميّزة الموهوبة من الناس جمهورية اشتراكية أرستقراطية. كما جاءت الديانتان السماويتان المسيحية والإسلام بمجموعة مبادئ تعد من صميم الفكر الاشتراكي. كذلك عرف العالم حركات تمثل رفضاً للواقع، ومحاولة لبناء مجتمع جديد يقوم على أساس العدالة والمساواة مثل ثورات العبيد في رومة وثورات الزنج والقرامطة في العصر العباسي، وحركات الفلاحين في الوطن العربي وسواه.
عرفت العصور الوسطى عدداً من رجال الدولة ورجال الدين من حملة المبادئ الاشتراكية والإصلاحية مثل «أبي ذر الغفاري» الصحابي المشهور و«توما الإكويني» و«توماس مور» المفكر الإنكليزي الإنساني النزعة و«كامبانيلا» الذي نادى ببناء مجتمع لا يعرف الاستغلال وسلطة المال، وغيرهم.
ورداً على فعل المظالم والتفاوت الطبقي الذي ولده نشوء الرأسمالية في أوربة طرح عدد من المفكرين الأوربيين مبادئ تهدف إلى نبذ الرأسمالية وإقامة اشتراكية بديلة تستند على الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج. وقد انتقد هؤلاء تناقضات المجتمع البرجوازي وانعكاساته السلبية على الطبقات المقهورة من السكان. ويأتي في مقدمة هؤلاء المفكرين الذين وصفوا «بالاشتراكيين الطوباويين» سان سيمون، وشارل فورييه الفرنسيان، وروبرت أوين الإنكليزي. وكان هؤلاء يعتقدون أن بالإمكان إقامة مجتمع اشتراكي جديد بإقناع الطبقات الحاكمة بضرورة الاشتراكية من خلال تطوير «الطبيعة البشرية» وإقامة الجمعيات التعاونية. ومع أن الاشتراكيين الطوباويين استطاعوا التنبؤ ببعض ملامح النظام الاشتراكي المستقبلي فإنهم لم يكونوا قادرين على ربط نظرياتهم بنضال الطبقة العاملة من أجل إقامة المجتمع الاشتراكي والقضاء على أسلوب الإنتاج الرأسمالي.
والحقيقة أن أفكار الاشتراكية الطوباوية جاءت رداً على تناقضات الرأسمالية وقدمت نقداً مصيباً لها، كما حملت بعض المبادئ التي أسهمت في بناء النظرية الاشتراكية إلاّ أنها لم تستطع أن تجعل من الاشتراكية نظرية علمية تتبناها الطبقة العاملة، وتتسلح بها في صراعها مع البرجوازية واستغلالها، في حين استطاع ماركس وأنغلز[ر] تحويل الاشتراكية من مذهب طوباوي إلى علم، ووضعا الأسس العلمية للاشتراكية، واستطاعا صوغ القوانين الرئيسية لتطور الاشتراكية في ضوء النظرية المادية الديالكتية والمادية التاريخية وفسرا على أساس اقتصادي الطابع العابر أو العرضي للرأسمالية ودور الطبقة العاملة التاريخي والعالمي.
بذور الفكر الاشتراكي عند العرب: حفل التاريخ العربي منذ الجاهلية بعدد من الاتجاهات والمذاهب ذات الطابع الثوري التقدمي، وتجسد بعضها في حركات تناهض الظلم والاستعباد. فظاهرة الصعلكة في العصر الجاهلي لم تكن سوى نتيجة مباشرة للتمايز الاقتصادي والاجتماعي، وكان صعاليك العرب فئة من الفقراء الذين انسلخوا عن قبائلهم، وأشهروا السلاح في وجه الأثرياء من قومهم، وناضلوا من أجل مجتمع تسوده المساواة وعلاقات الإخاء والتضامن بين الناس، في وقت كان فيه مجتمع الجزيرة العربية يتطور باتجاه الملكية الخاصة وعلاقات الاستغلال.
وفي صدر الإسلام عاش أبو ذر الغفاري مدافعاً عن مبادئ الإسلام الحنيف في المساواة والعدالة ورفض النظام الاجتماعي الجديد الذي أوجد طبقة من الأثرياء وأتاح لهم أن يكتنزوا الذهب والفضة ويستكثروا من المال من غير حد.
وفي العصر العباسي كانت دولة القرامطة أول تجربة اشتراكية على الأرض العربية في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). والقرامطة فرقة كانت تؤلف الجناح الأكثر ثورية في الإسماعيلية[ر]، وانخرطت في صفوفها فئات مختلفة من سواد الناس ومثقفيهم. وقد سعى القرامطة للقضاء على الدولة العباسية وعلى نظامها الاجتماعي الإقطاعي. وتلخصت أهدافهم في النضال من أجل تأسيس مجتمع يقوم على قواعد المساواة والعدل والشورى، مجتمع لا طبقي تنتفي فيه الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الأساسية، وتسوده علاقات التعاون بين الجميع. كذلك ساوى القرامطة بين المرأة والرجل في الحقوق الأسرية وفي المجتمع.
ويعد ابن خلدون الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي رائداً في مجال المادية التاريخية. وقد درس ابن خلدون تاريخ المغرب العربي على ما فيه من تناقضات ووصل إلى استخلاص العلاقة بين الأحداث والقوانين التي تحدد سير التاريخ، مبيناً أن الظواهر الاجتماعية تخضع لقوانين على درجة من الثبات والدوام، وأن هذه القوانين مرتبطة أساساً بالتطور الاقتصادي.
ماركس والاشتراكية الديمقراطية: قدم المفكرون الاشتراكيون قبل ماركس الكثير من الأفكار القيّمة التي رفدت الفكر الماركسي الذي سيطر في أوربة في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. فقد جمع كارل ماركس (1818-1883) بين الفلسفة الألمانية المثالية والاقتصاد السياسي البريطاني والاشتراكية الفرنسية. وفي «البيان الشيوعي» الذي تضمّن نظرياته حول جدلية تطور المجتمعات، ميّز ماركس نظريته من الاشتراكية العلمية واشتراكية الذين سبقوه ممن اسماهم بالاشتراكيين المثاليين. وأكد ماركس أن أفكاره تستند إلى الفحص العلمي لحركة التاريخ وإلى تطور الرأسمالية ومنجزاتها في زمنه. ويقول ماركس في هذا السياق «إن التاريخ يصنعه صراع الطبقات، وإن صراع البروليتارية مع أرباب العمل الرأسماليين سيقود في النهاية إلى إقامة مجتمع اشتراكي يقرر فيه المنتجون مصيرهم المشترك والمتحرر من أي قيود اقتصادية أو اجتماعية. وعند ذاك يصل الصراع الطبقي إلى نهايته». وقد اتفق فرديناند لاسال Ferdinand Lassale مهندس الحركة العمالية في ألمانية مع ماركس على ضرورة التنظيم الطوعي الموحد للطبقة العاملة، إلا أنه خالف ماركس إذ دعا إلى أن تبادر الدولة إلى توفير الرأسمال اللازم لتأسيس التعاونيات الإنتاجية التي ستحرر العمال من التسلط الرأسمالي وكان ماركس يرى، على النقيض من لاسال، أن التماس ذلك من الدولة البرجوازية أمر خارج عن أي طرح.
وقد تأكد لماركس، الذي كان يؤيد في البداية الاشتراكية الديمقراطية، استحالة تحول الدول البرجوازية إلى أداة اشتراكية.
ومع أن زعماء الاشتراكية الديمقراطية الألمان كانوا يبدون ميلاً ظاهراً إلى التحدث حول نظريات ماركس الثورية، فقد كانوا، في واقع الأمر، ينساقون باطّراد إلى النشاط البرلماني، وكان منهم إدوارد بيرنشتاين (1850-1932) الذي أعلن أنه ليس على ألمانية أن تمر في تحولات ثورية عنيفة كي تحقق الأهداف الاشتراكية، وكان يأمل بتطوير الرأسمالية تدريجياً، وباستخدام البرلمان أداة ضغط لإجراء إصلاحات اشتراكية.
الماركسية في روسية قبل الثورة: كان ألكسندر ايفانوفيتش غيرتسن (1812-1870) يرى في الكومونات الفلاحية وليد المجتمع الاشتراكي في المستقبل ويعتقد أن الاشتراكية الروسية قد تتجاوز مرحلة الرأسمالية وتبني مجتمعاً تعاونياً قائماً على التقاليد الشعبية والفلاحية القديمة.
وخلافاً لغيرتسن كان غيورغي بليخانوف، الأب الروسي للماركسية الروسية، يرى أن الاشتراكية الروسية يجب أن تعتمد على شغيلة (بروليتارية) المصانع والمعامل، كما أن روسية لا تمثل حالة استثنائية، لأن الثورة الاشتراكية أوربية الصفة، ومكانة روسية فيها تتقرر بحركتها العمالية ذاتها.
هاجم بليخاتوف في عدد من مؤلفاته حركة الشعبيين الروس وبيّن أن ماركس أثبت الضرورة التاريخية والموضوعية للاشتراكية. كما أكد حتمية الثورة البرجوازية في روسية في إطار حركة التطور الصناعي، وقال إن الطبقة العاملة المنظمة ستدرك كيفية الاستفادة من الثورة البرجوازية، وكيفية دفع هذه الثورة إلى الأمام.
وبالمقابل أكد فلاديمير إيليتش لينين أهمية العمل العسكري للثورة. وأشار إلى ذلك في مؤلفه «ما العمل» الذي أتمه عام 1902، بقوله: إن الاشتراكية لن تتحقق إلا عندما ينجح ثوريون محترفون في تعبئة العمال والفلاحين وتقويتهم، وهي في حاجة إلى تنظيمات ثورية منضبطة لا تعرف المهادنة من أجل تعبئة الجماهير وتحريضها على العمل.
شارك أتباع لينين والماركسيون الروس الآخرون في المؤتمر الثاني لحزب العمال الديمقراطي الاشتراكي الروسي الذي انعقد في لندن عام 1903.
وفي هذا المؤتمر أعلن مارتوف وجهة نظرٍ خالف فيها لينين، فقال: «إن حزب العمال ليس تنظيماً للثوريين المحترفين وحسب، بل يتكون منهم، ومن التجمع العام للعناصر القيادية والنشيطة من البروليتارية».
وعلى الرغم من التعاون الأولي بين الاتجاهات المختلفة في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية، فقد ازدادت التناقضات الفكرية والسياسية عمقاً وانبثق عن ذلك اتجاهان أساسيان. ضم الاتجاه الأول منهما الأقلية التي عارضت لينين فسُموا «المناشفة» (الأقلية) وفيهم بليخانوف وتروتسكي، اللذان وقفا إلى جانبه في البداية، ومعهما أكثر المثقفين ولاسيما اليهود منهم. وأما الاتجاه الثاني فضم الأغلبية المؤيدة للينين التي عرفت باسم البلاشفة (الأغلبية) وأكثرهم من أبناء الطبقة العاملة.
اللينينية تطور للماركسية: تعرّف اللينينية بأنها الماركسية في عصر الامبريالية وثورة البروليتارية، عصر انهيار الكولونيالية (الاستعمار) وانتصار حركات التحرر الوطني، عصر انتقال البشرية من الرأسمالية إلى الاشتراكية وبناء المجتمع الشيوعي.
طور لينين العناصر الأساسية في الماركسية كالفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية العلمية، وهو الذي صاغ نظرية الامبريالية بوصفها أعلى مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية وآخرها، وأكد أن الإمبريالية في جوهرها رأسمالية احتكارية بل هي احتكار الدولة الرأسمالية، مبيناً السمات الأساسية لمرحلة الإمبريالية والتناقضات التي تكتنفها، توطئة لتكوّن الشروط المادية والاجتماعية والسياسية لانتصار الثورة الاشتراكية. واستنتج لينين أن قوة البروليتارية تكمن في تأثيرها في مجرى التاريخ وأنها أكبر بكثير من حجمها بالقياس إلى إجمالي عدد السكان.
كذلك طور لينين النظرية الماركسية حول الثورة الاشتراكية وفقاً لخصائص المرحلة التاريخية الراهنة، إذ أوضح ايضاحاً وافياً دور البروليتارية القيادي في الثورة، والأهمية الخاصة لتحالف الطبقة العاملة والطبقة الفلاحية الكادحة، مبيناً طبيعة العلاقة التي يجب أن تقوم بين البروليتارية والشرائح الفلاحية المختلفة في المراحل المتعاقبة لهذه الثورة.
ومن جهة أخرى استطاع أن يستكمل نظرية تطور الثورة البرجوازية الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية مؤكداً العلاقات المتلازمة بين النضال من أجل الديمقراطية والنضال من أجل الاشتراكية. وفي محاولته شرح مفعول قانون التطور غير المتوازن للرأسمالية في مرحلة الامبريالية، توصل إلى استنتاج كانت له أهمية نظرية وسياسية، وهو احتمال، بل حتمية، انتصار الثورة الاشتراكية في دولة واحدة، أو في عدد من الدول الرأسمالية، مع إمكان انتصار الثورة بالطرق السلمية في ظروف خاصة معينة.
شرح لينين خاصية المسألة القومية من منطلق نضال طبقة البروليتارية، مؤكداً مبدأ المساواة الكاملة بين الدول، وحق الشعوب المستعمرة والمقهورة في تقرير مصيرها، وحقها في الدفاع عن مبادئ الأممية في إطار الحركات العمالية وتنظيمات البروليتارية. إنه حق نضال الكادحين المشترك من كل القوميات وفي كل البلدان من أجل التحرر الوطني والاجتماعي، ومن أجل تكوين اتحاد طوعي للشعوب. وقد بين لينين جوهر القوى المحركة والفاعلة في حركات التحرر الوطني في وجه الإمبريالية عدوها المشترك. كما أوضح أنه في أحوال خاصة معينة يمكن للبلدان المتخلفة الانتقال إلى الاشتراكية متجاوزة المرحلة الرأسمالية.
طور لينين نظرية متكاملة لمرحلة التحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية محدداً قوانينها ونواظمها، مستنتجاً من تجربة «كومونة باريس» والثورات الروسية ما استطاع به تطوير نظرية ماركس وأنغلز حول ديكتاتورية البروليتارية، مبيناً الأهمية التاريخية لإقامة دولة المجالس (السوفييتات)، وهي دولة ديمقراطية من نوع جديد، لا تقاس بأي جمهورية برجوازية برلمانية. ويرى لينين أن التحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية يمكن، ويجب،أن يتم بأساليب سياسية متنوعة، على أن جوهر هذه الأساليب جميعاً إنما هو ديكتاتورية البروليتارية، مؤكداً أن عنصرها الرئيسي ليس القوة، بل العمل على شد الفئات غير البروليتارية ولاسيما الفئات الفلاحية الكادحة، حول الطبقة العاملة، والنضال لبناء الاشتراكية وأن الشرط الأساسي لتحقيق ديكتاتورية البروليتارية يتمثل في قيادة الحزب الشيوعي.
لقد وضعت أعمال لينين النظرية والسياسية أسس مرحلة لينينية جديدة من مراحل تطور الماركسية ونضال الطبقة العاملة العالمية. ولعل الإسهام الرئيسي لأعمال لينين في تطوير الماركسية يكمن في تمييزه ما هو عام عالمي في الثورة الروسية مما هو خاص بروسية، وذلك من أجل الاستفادة من تجربة الثورة الروسية في حدود خصائصها العالمية وعدم الانسياق وراء تقليدها في خصائصها الروسية البحتة.
تطور الفكر الاشتراكي في أوربة الغربية
تمثل الاشتراكية الديمقراطية في أوربة الغربية مجموعة مبادئ سياسية تدافع عن تحول المجتمع سلمياً من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وتعتمد بالأساس على اشتراكية القرن التاسع عشر وعلى أعمال ماركس وأنغلز، وتتفق مع الاشتراكية العلمية في أساسها الإيديولوجي العام.
وقد نمت الحركة الاشتراكية الديمقراطية بجهود أوغست بيبل August Bebel الذي كان يعتقد أن تحقيق الاشتراكية يجب أن يتم بالوسائل الشرعية بعيداً عن استخدام القوة. كذلك يعود الفضل في نمو الاشتراكية الديمقراطية الألمانية أيضاً إلى المفكر والمنظر الألماني ادوارد بيرنشتاين E.Bernstein الذي تحدى بعض مقولات النظريات الماركسية «الأرثوذكسية» مثل حتمية انهيار الرأسمالية، مشيراً إلى أن الرأسمالية ذاتها تتغلب على الكثير من نقاط ضعفها، كظاهرة البطالة وفائض الإنتاج ومشكلة التوزيع التعسفي للثروة. ويرى بيرنشتاين أن نجاح الاشتراكية لا يعتمد على ثورة الطبقة العاملة رداً على البؤس والقهر الذي تعانيه من تسلط الرأسمالية، ولكنه يعتمد على إزالة البؤس ذاته. كما أن الطبقة العاملة تستطيع تحقيق الاشتراكية بانتخاب ممثلين عنها يؤمنون بالاشتراكية.
انتشرت أفكار الاشتراكية الديمقراطية عقب الحرب العالمية الثانية في معظم أنحاء أوربة الغربية. وكانت تدعو إلى التخلي عن الصراع الطبقي والمبادئ الماركسية الأخرى، وإلى ضرورة مشاركة كل فئات الشعب في قيادة السلطة السياسية والاقتصادية، وتكوين مجتمع يعمل فيه جميع الناس متساوين. ومع أن الحركات الديمقراطية الاشتراكية الغربية أيدت مبدأ رقابة الدولة على الاقتصاد، فإنها رفضت أسلوب التخطيط المركزي الشامل وتبنت مدخل السوق التنافسية الحرة. بحيث يتوافر أكبر قدر ممكن من المنافسة والقدر الضروري من التخطيط.
وكان لانتشار أفكار الاشتراكية الديمقراطية في أوربة الغربية أثر بالغ في تبني الكثير من الدول الأوربية الغربية إجراءات اقتصادية واجتماعية متعددة مثل تأميم بعض أجزاء الصناعة الثقيلة والمناجم والمؤسسات المالية، واعتماد إجراءات واسعة أخرى في نطاق الرقابة الحكومية على الاقتصاد، وتحقيق إصلاحات بنيوية في حقل الضمان الاجتماعي. وفي العقود الأخيرة تحولت حركات الاشتراكية الديمقراطية الغربية إلى حركات إصلاح تنادي ببناء مجتمع الرفاه أو اقتصاد الرفاه[ر].
الاشتراكية في أمريكة
لم يكن للاشتراكية في الولايات المتحدة الأمريكية تأثير أو صوت مسموع كما كان عليه الحال في أوربة. ففي عام 1901 تأسس الحزب الاشتراكي الأمريكي، ولم يتجاوز عدد أعضائه العشرة آلاف، ثم ازدادوا إلى 150ألفاً عام 1912. وقد استندت الأفكار الاشتراكية لهذا الحزب إلى تلك التي حملها إليه بعض المهاجرين الحديثين القادمين من أوربة، إضافة إلى بعض مبادئ الاشتراكية المثالية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، وإلى قيم إلغاء العبودية في الولايات المتحدة، وأفكار بعض النقابيين والمصلحين الزراعيين، وبعض الفرق الاشتراكية المنعزلة كالحزب الاشتراكي العمالي، (وهو حزب سابق للحزب الاشتراكي الأمريكي، تألف عام 1877، ولم يصبح له تطلعات مميزة إلا ابتداء من عام 1890 عندما حاول بعض قادته إدخال أفكار ماركسية إلى الحركة العمالية التي كانت تتأثر كثيراً بالنقابية الفرنسية، إلا أنه بقي حزباً مغموراً). وقد استطاع الحزب الاشتراكي الأمريكي أن يبني قاعدة جماهيرية واسعة بجهود أحد قادته إيوجين دبس E.Debs على الرغم من ضعف الانسجام الفكري والسياسي بين أعضائه. فقد كان يضم في صفوفه عناصر من الإصلاحيين reformists والراديكاليين والماركسيين الثوريين والشعبيين populists. ولم يقدم هذا الحزب أي أفكار جديدة، بل تركز نشاطه على محاولة جعل صوته حول الاشتراكية مسموعاً في الولايات المتحدة. وقد انهار بعد الحرب العالمية الأولى.
الاشتراكية في إفريقية
ظهرت في القارة الإفريقية حديثاً صيغ متنوعة من الأفكار الاشتراكية ففي السنغال كان الرئيس ليوبولد سنغور يدافع عن الاشتراكية الإنسانية التي تستند جزئياً إلى الماركسية وفي غينية حاول الرئيس سيكوتوري مزج أفكار الماركسية اللينينية بالقيم الشعبية لإفريقية ما قبل الاستعمار، داعياً إلى أفرقة الماركسية. أما الرئيس نكروما في غانة فقد أعلن مبدأ التعقل أساساً لنظامه مؤكداً أن إجراءات التوتاليتارية (الكليانية) وحدها قادرة على ضمان الحرية. وقد سقط نظامه في عام 1966.
وفي كينية وتنزانية وعدد آخر من الدول الإفريقية كانت النخبة الحاكمة والمثقفة تترجح بين نوع أو آخر من الاشتراكية الإفريقية، في حين انصب التزامها الأساسي على عملية التحديث والتصنيع السريع.
وقد أكد كثير من الكتاب الاشتراكيين الأفارقة الحاجة إلى بناء اشتراكية تستند إلى القيم والعادات الإفريقية القديمة، وإلى مبادئ المساواة الاجتماعية والسياسية، وغير ذلك من المفاهيم والالتزامات التي كانت تسود المجتمعات القبلية الإفريقية.
ويكاد معظم المفكرين الأفارقة يجمعون على أن أكثر الأمور إلحاحاً لإفريقية، كان وما يزال، ضرورة النضال من أجل الانتقال من مجتمع الكفاف إلى اقتصاد السوق، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية، وضبط الإدارة الحكومية.
الاشتراكية في آسيا
كانت عدة حكومات آسيوية تعد نفسها حكومات اشتراكية مثل الهند وبورمة وسيلان (سابقاً) وإندونيسية وسنغافورة. إلا أن الأحزاب الاشتراكية في هذه البلدان بدأت تفقد قوتها وتأثيرها. ففي الهند حيث تتنافس عدة تنظيمات اشتراكية، كان حزب المؤتمر حزباً وطنياً يحاول أن يوحد في صفوفه عدة اتجاهات سياسية واجتماعية. وفي بورمة كان الحزب الاشتراكي البورمي عضواً في تحالف يحكم البلاد، إلا أنه غدا حزباً ملاحقاً. وفيما عدا سنغافورة فإن بقية الأحزاب الاشتراكية في جنوب شرقي آسيا لم تستطع أن تقوم بدور ذي شأن بعد الحرب العالمية الثانية.
أما في فييتنام فكان الحزب الشيوعي وما يزال الحزب الحاكم، ولاسيما بعد توحيد شطري البلاد، كما أن غالبية الحركات الثورية في منطقة الهند الصينية تستوحي مبادئها من الإيديولوجية الماركسية، وتتحدى القوى التقليدية التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية وتشتبك في صراع معها إلى جانب جمهورية الصين الشعبية الدولة الاشتراكية العظمى في آسيا منذ عام 1949.
والواقع أن الأحزاب الاشتراكية في دول جنوب شرقي آسيا لم تستطع القيام بدور فعال من أجل الاستقلال، بل عجزت عن أن تكون لنفسها جذوراً عميقة في بلدانها. وحاول قادة هذه الأحزاب من المثقفين المتأثرين بالثقافة الأوربية إدخال نماذج الاشتراكية الديمقراطية الأوربية، إلا أنهم لم يستطيعوا تحقيق نجاحات ملحوظة، واتجهت حكومات هذه الدول إلى إقامة أنظمة أوتوقراطية تعنى عناية خاصة بالتنمية الصناعية، ولم تُثبت محاولات دمج الديمقراطية البرلمانية بالتخطيط الاشتراكي وجودها إلا في الهند وسنغافورة.
وفي اليابان، أكثر الدول الآسيوية تطوراً، كانت التنظيمات الاشتراكية تملك قاعدة جماهيرية واسعة. ففي عام 1901 تألف أول حزب اشتراكي ياباني لم يلبث أن حُلَّ وتحول إلى تنظيم سري. وفي أثناء الحرب العالمية الأولى وعقبها عادت التنظيمات الاشتراكية إلى الظهور. وفي عام 1946 حصل الحزب الاشتراكي الياباني على 90 مقعداً في البرلمان، وفي عام 1947، تمكن هذا الحزب من الحصول على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، وغدا زعيمه كاتا ياما تيتسو رئيساً لحكومة إئتلافية. وفي عام 1948 انقسم الحزب الاشتراكي إلى جناحين بعد تسلم المحافظين السلطة. وكان جناحه اليساري شديد العداء للولايات المتحدة وأكثر ميلاً إلى الاتحاد السوفييتي السابق، وقد انفرد هذا الجناح باسم «الحزب الاشتراكي الياباني» أما الجناح اليميني فكان يؤيد تحقيق تنمية متدرجة، ويفضل إقامة علاقات عسكرية وسياسية بالولايات المتحدة، واستقل بذاته تحت اسم «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» وتشير الظواهر إلى حدوث تحولات في الاشتراكية اليابانية على غرار ما حدث للاشتراكية الأوربية عقب الحرب العالمية الثانية.
الحوار حول الاشتراكية في الفكر العربي الحديث
لعل من أبرز التطورات في الاقتصاد العربي نمو الأفكار ذات النزعة الاشتراكية وامتزاجها بقضايا التنمية وطموحات الوحدة على الصعيد العربي.
وقد عانى الفكر الاقتصادي والسياسي العربي طويلاً، ولاسيما في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين نوعاً من الفصام الكبير بين الاتجاه القومي الاشتراكي والاتجاه الاشتراكي اللاقومي.
وفي حقبة الستينات أخذ أنصار الفكر القومي يضمنون برامجهم الكثير من الأفكار الاشتراكية. فقد ورد في المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي [ر] التي أقرها المؤتمر القومي السادس للحزب «إن بناء الاشتراكية يجعل الوحدة الإطار البشري والاقتصادي الأكثر انسجاماً مع متطلبات شمول التجربة وجذريتها. فالبلدان الصغيرة لا تستطيع أن تصعد في طريق الاشتراكية منعزلة لأن التطور الاقتصادي (والتصنيع بوجه خاص باعتباره القاعدة المادية للاشتراكية) سيبقى دوماً مهدداً بالجمود والاختناق. لذا فإن الوحدة العربية والاشتراكية قضيتان متلازمتان على الصعيد التاريخي والاقتصادي».
وفي الاتجاه المقابل بدأ أنصار الفكر الماركسي يراجعون بعض مقولاتهم وأفكارهم حول العلاقة الجدلية بين قضايا البناء الاشتراكي وقضايا الوحدة، وضرورة النظر إلى الوحدة العربية على أنها وعاء تاريخي لازم لدفع عمليات التنمية ونجاح مهمات التحويل الاشتراكي.
إن القضية المركزية التي ظلت تشغل أذهان الاقتصاديين العرب طوال مُدة الستينات هي محاولة الإجابة عن السؤال التالي: هل الاشتراكية في الوطن العربي تطبيق للاشتراكية العلمية أو طريق عربي لها، أو أنها اشتراكية عربية ذات ملامح خاصة خالصة؟.
يعبر أحد المفكرين العرب عن موقع هذه الإشكالية في خريطة الفكر الاقتصادي العربي على النحو التالي: «إن محتوى الثورة العربية في الحقل الاجتماعي والسياسي يمثل جانباً حيوياً منها. وهذا المحتوى يتمثل في الاشتراكية العربية، لأنها تمثل مفهوم العدالة الاجتماعية بمعناها الواسع في المجتمع العربي الجديد. وطبيعي أن يتجه الفكر العربي إلى بحث الاشتراكية العربية وإلى تحديد إطارها الفكري ورسم خطوطها النظرية. وطبيعي في مرحلة مثل هذه أن يكون المجال رحباً للاجتهاد والنقل وأن تمر بأزمة فكرية قوية».
وهكذا فإن فكرة الاشتراكية العربية تعني لعدد كبير من الاشتراكيين العرب، من ذوي الاتجاه القومي، ضرورة الانطلاق من تحليل الواقع العربي مع استلهام الخبرات والتجارب الإنسانية المختلفة لرسم معالم الطريق الذي يمكن أن يسير فيه الشعب العربي نحو الاشتراكية. فالمبدأ الأساسي لهذه الفكرة يعني قبل كل شيء ضرورة وضع النضال في سبيل الاشتراكية في إطاره القومي، وربط المطالب الاشتراكية بالمطالب القومية في الوحدة والحرية. إلا أن شعار الاشتراكية العربية هذا ما لبث أن أعطاه بعضهم محتوى فكرياً وتطبيقياً خاصاً، فأخذوا يتحدثون عن نظرية اشتراكية عربية وفلسفة عربية خاصة بها، وقالوا بخصائص عربية ومزايا لا بد أن تمتاز بها الاشتراكية العربية. وهكذا نلاحظ في الكتابات المتداولة حول خصوصية الاشتراكية العربية، إصراراً على أنها، أي الاشتراكية العربية، دعوة أخلاقية أو نظرة إلى العدالة نابعة من التراث الفكري والروحي والقيم الخاصة بالمجتمع العربي.
ويؤكد رفعت المحجوب في إشارة إلى التجربة التي شهدتها مصر: «أن الاشتراكية العربية قامت لمعالجة مشكلات المجتمع العربي في مصر وفي حدود قيمه. واتفاقاً مع ذلك ذهب الميثاق إلى أن الاشتراكية العربية ليست التزاماً بنظريات جامدة لم تخرج من صميم الممارسة والتجربة الوطنية، وعلى ذلك يمكن أن نخلص إلى أن للاشتراكية العربية قيمها وفلسفتها الذاتية».
ومنذ العام 1963 بدأت تظهر أولى الكتابات النقدية للمفاهيم والمقولات الاشتراكية المتداولة، وكانت، في غالب الأحيان، ترديداً للمفاهيم السائدة في الوثائق الإيديولوجية الرسمية في مصر وسورية والعراق والجزائر. فقد تضمنت المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي التي أقرها المؤتمر القومي السادس للحزب حول «ملامح الطريق العربي إلى الاشتراكية» بعض عناصر النقد لمفهوم الاشتراكية العربية الذي غلب على كتابات حزب البعث منذ نشأته، فقد جاء في تلك المنطلقات: «وبدلاً من أن يكون المنطلق القومي للاشتراكية في الحزب سبباً لإعطاء وجهة نظر واضحة مدروسة تتلمّس خصائص الواقع العربي بكل تفاصيله وتناقضاته، والخروج بدراسات نظرية توضح الطريق العربي إلى الاشتراكية، عن طريق تحليل التكوين الاقتصادي والطبقي للمجتمعات العربية، وبدلاً من أن يكون هذا المنطلق سبباً لانفتاح علمي واع على الواقع العربي، تحوّل في عدد من كتابات الحزب إلى مجرد شعارات عامة ومسميات عاطفية حول الخصائص العربية للاشتراكية ومزاياها الأصيلة». وعلى العكس من ذلك، فقد حدث تطور مهم لدى أنصار التيار الماركسي، عندما شرعوا في التخلّي عن التزمت الفكري الذي طبع كتابات هذا التيار حول مفاهيم الاشتراكية. وقد كتب فؤاد مرسي في مقال له عن «التطبيق العربي للاشتراكية من الواقع المصري»: «إن الاشتراكية بوصفها نظاماً اجتماعياً يقضي على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان يظل جوهرها واحداً على الدوام. لكن الاشتراكية ليست وصفة جاهزة لجميع الشعوب. كما أنها ليست تقنيناً لعقائد لا تقبل التغيير عندما تتغير ظروف الإنسان، وإنما الاشتراكية في بلد معيّن ثمرة لنضال شعبه المعيّن. ولذلك لا يمكن أن يكون طريق هذا الشعب سوى طريقه الخاص، أعني طريقه القومي».
والحقيقة أن اعتراف الاقتصاديين العرب بتعدد طرائق الانتقال إلى الاشتراكية قد أفسح في المجال أمام مصالحة تاريخية بين التيارين القومي والماركسي في الفكر الاقتصادي العربي الحديث.
النظرة المستقبلية للاشتراكية
اتسمت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى اليوم بانتشار أفكار الاشتراكية الديمقراطية في معظم البلدان الأوربية وفي كثير من البلدان الآسيوية والأمريكية اللاتينية وفي كندا وأسترالية. واستطاعت بعض الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في عدد من الدول تأليف حكومات ائتلافية تسلمت السلطة في أزمنة متفاوتة.
كذلك يشهد هذا العصر تبدلات عميقة في مجموعة البلدان الاشتراكية وتخلي معظم البلدان الاشتراكية الأوربية عن الاشتراكية العلمية وتبنيها مذهب الإصلاح الاقتصادي وأفكار «الاشتراكية الديمقراطية» والانتقال إلى اقتصاد السوق.
ففي الاتحاد السوفييتي السابق أدت الممارسة البيروقراطية زمناً طويلاً إلى تباطؤ معدلات النمو وبروز عدد كبير من حالات عدم التوازن الاقتصادي، وتضاؤل مستويات التطور التقني في بعض فروع الصناعة والإنتاج.
وقد تضمن برنامج إعادة البناء (البريسترويكا) الذي طرحه غورباتشوف في الاتحاد السوفييتي عام 1985 دعوة إلى التعددية الحزبية والانتقال المبرمج إلى اقتصاد السوق، وتعايش أشكال متنوعة من ملكية وسائل الإنتاج، وإنهاء الحرب الباردة، وكان لهذه الأمور أثر بالغ في تسريع وتائر التحولات الاقتصادية والسياسية الأخيرة التي جرت في البلدان الاشتراكية الأوربية، وفي زيادة نشاط الاتجاهات التي تنادي بالإصلاح في أماكن عدة من العالم.
ومع التأييد الواسع الذي لقيته أفكار العلنية (الانفتاح) وإعادة البناء في المستويين الداخلي والعالمي، فقد عانى الاتحاد السوفييتي صراعاً حاداً بين الاتجاهات السياسية والتنموية في البلاد، بدءاً من الاتجاه الذي يحاول التمسك بأسلوب الإدارة التقليدية السابقة للبلاد، والمحافظة على أصول الماركسية اللينينية ويطلق عليه بعضهم «الاتجاه الماركسي الأصولي» ثم الاتجاه الذي يمثله غورباتشوف، والذي يركز على الانتقال التدريجي إلى اقتصاد السوق مع إقامة نظام ملائم للمراجعة والإشراف، واستمرار التعايش بين أشكال متنوعة من ملكية وسائل الإنتاج، وأخيراً الاتجاه الليبرالي الذي يدعو إلى الانتقال إلى الاقتصاد الرأسمالي بالسرعة الممكنة على غرار البلدان الرأسمالية الغربية.
وبغض النظر عن الأسلوب الذي تم في إطاره حسم الصراع الجاري في الاتحاد السوفييتي السابق وتبني روسية الاتحادية الاتجاه الليبرالي، فإن أفكار العلنية وإعادة البناء تركت بصماتها على الوضع الذي آل إليه هذا الصراع مستبعدة نهائياً العودة إلى الصورة السابقة لإدارة المجتمع والاقتصاد الوطني. وقد انتقلت عدوى الإصلاح الذي ابتدأ في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية السابق إلى البلدان الاشتراكية الأوربية الأخرى، وأثر بصورة أو بأخرى على الأنظمة الاشتراكية في بلدان آسيا وإفريقية وأمريكة اللاتينية، ولعل أبرز آثاره تقليص نفوذ الأساليب الأوتوقراطية في إدارة الاقتصاد الوطني وتخطيطه، والفسح في المجال لمزيد من الديمقراطية في الاقتصاد والسياسة.
ولعل الحدث الأكثر أهمية هو في تخلي جميع البلدان الاشتراكية الأوربية رسمياً عن المذهب الماركسي والاشتراكية العلمية وانتقالها إلى التعددية الاقتصادية والسياسية. ويلفت النظر هنا ظاهرة استمرار الأنظمة الاشتراكية التوتاليتارية في البلدان الأقل تطوراً في الوقت الذي انتهت فيه هذه الأنظمة في الدول الأكثر نمواً والأكثر تقدماً مما يطرح أمام المفكرين مستقبلاً مهمة تفسير نشأة الأنظمة الاشتراكية وطريق تطورها.
عصام خوري

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

المجتمع المدني.

مفهوم المجتمع المدني..نشأة وتطور المجتمع المدنى : مكوناته وإطاره التنظيمى
عبد الغفار شكر
مع انهيار نظم الحكم الشمولية فى أواخر الثمانينات فى شرق أوروبا وبعض دول العالم الثالث وتزايد الاتجاه نحو الديمقراطية برزت الدعوة إلى المجتمع المدنى كمصطلح جديد علينا فى الوطن العربى لم يكن متداولاً من قبل فى خطابنا العام أو يحظى باهتمام الباحثين. وكعادة المثقفين العرب فقد تلقفوا المصطلح الوافد بالدراسة والتحليل وصدرت العديد من الدراسات حوله كما عقدت ندوات علمية وخصصت بعض الدوريات أعدادًا كاملة لتناوله من مختلف جوانبه. واختلف الموقف من المجتمع المدنى فهناك من يتحمس له ويرى فيه الحل لكثير من مشاكلنا، وهناك من يتحفظ عليه بل ويناصبه العداء خاصة وأن الدعوة للمجتمع المدنى جاءت أساساً من هيئات أجنبية قدمت مساعدات مالية لبعض مراكز البحث لدعم الفكرة ونشرها على نطاق واسع. كما يأتى التحفظ من بعض الباحثين الذين يرون أنه لا يمكن استعارة هذا النموذج الذى تبلور ونضج فى أوروبا فى سياق مختلف تماماً وزرعه فى الوطن العربى الذى له تاريخه الخاص وتراثه المختلف.
إلا أن المؤيدين لفكرة المجتمع المدنى ينطلقون من أن التطور الديمقراطى للمجتمعات العربية وتحديثها يتطلب قيام تنظيمات غير حكومية تمارس نشاطاً يكمل دور الدولة ويساعد على اشاعة قيم المبادرة والجماعية والاعتماد على النفس مما يهيىء فرصاً أفضل لتجاوز هذه المجتمعات مرحلة الاعتماد على الدولة فى كل شىء، وكذلك تصفية أوضاع اجتماعية بالية موروثة من العصور الوسطى. ولأن العديد من المجتمعات العربية تشهد بالفعل جهوداً حثيثة للتوسع فى تكوين هذه التنظيمات والمؤسسات وسيكون لها آثارها القريبة والبعيدة فإنه من الخطأ أن نتجاهل هذه الظاهرة أو أن ننعزل عنها بل يتعين علينا أن نبحث عن الموقف السليم الذى نتخذه منها مما يتطلب أن نتابع أولا نشأة المجتمع المدنى تاريخياً وكيف تبلور وأهم الوظائف التى يقوم بها حتى نكون قادرين على حسم موقفنا منه والتعرف على مدى الحاجة إليه فى الوطن العربى والدور الذى يمكن أن ينهض به فى المرحلة الحالية من تطور المجتمعات العربية.

ما هو المجتمع المدنى ولماذا؟
نشأ مفهوم المجتمع المدنى لأول مرة فى الفكر اليونانى الاغريقى حيث أشار اليه أرسطو باعتباره “مجموعة سياسية تخضع للقوانين” أى أنه لم يكن يميز بين الدولة والمجتمع المدنى، فالدولة فى التفكير السياسى الأوروبى القديم يقصد بها مجتمع مدنى يمثل تجمعا سياسيا أعضاؤه هم المواطنون الذين يعترفون بقوانين الدولة ويتصرفون وفقا لها.
تطور المفهوم بعد ذلك فى القرن الثامن عشر مع تبلور علاقات الإنتاج الراسمالية حيث بدأ التمييز بين الدولة والمجتمع المدنى.. فطرحت قضية تمركز السلطة السياسية وأن الحركة الجمعياتية هى النسق الأحق للدفاع ضد مخاطر الاستبداد السياسى.
وفى نهاية القرن الثامن عشر تأكد فى الفكر السياسى الغربى ضرورة تقليص هيمنة الدولة لصالح المجتمع المدنى الذى يجب أن يدير بنفسه أموره الذاتية وأن لا يترك للحكومة إلا القليل.
وفى القرن التاسع عشر حدث التحول الثانى فى مفهوم المجتمع المدنى حيث اعتبر كارل ماركس أن المجتمع المدنى هو ساحة الصراع الطبقى.
وفى القرن العشرين طرح جرامشى مسألة المجتمع المدنى فى اطار مفهوم جديد فكرته المركزية هى أن المجتمع المدنى ليس ساحة للتنافس الاقتصادى بل ساحة للتنافس الايديولوجى منطلقا من التمييز بين السيطرة السياسية والهيمنة الأيديولوجية.
فمع نضج العلاقات الرأسمالية فى أوروبا فى القرنين السابع عشر والثامن عشر وانقسام المجتمع إلى طبقات ذات مصالح متفاوتة أو متعارضة واحتدام الصراع الطبقى، كان لابد للرأسمالية (أى الطبقة السائدة) من بلورة آليات فعالة لإدارة هذا الصراع واحتوائه بما يضمن تحقيق مصالحها واستقرار المجتمع. ونجحت الرأسمالية الأوروبية بالفعل فى أن تحقق هذا الهدف من خلال آليتين: آلية السيطرة المباشرة بواسطة جهاز الدولة، وآلية الهيمنة الأيديولوجية والثقافية من خلال منظمات اجتماعية غير حكومية يمارس فيها الأفراد نشاطاً تطوعياً لحل مشاكلهم الفئوية والاجتماعية وتحسين أوضاعهم الثقافية والاقتصادية والمعيشية.. الخ.
وتأتى أهمية الآلية الثانية من أنها تؤكد استجابة مختلف الفئات الاجتماعية بقيم النظام الرأسمالى وقبولها لها وممارستها نشاطها للدفاع عن مصالحها فى اطارها، وبذلك تتأكد قدرة الطبقة السائدة (الرأسمالية) على إدارة الصراع فى المجتمع بما يدعم أسس النظام الرأسمالى وأيديولوجيته. ونتيجة لهذا التطور فنحن أمام ثلاثة مفاهيم مختلفة ولكنها فى نفس الوقت متكاملة: المجتمع، المجتمع السياسى، المجتمع المدنى. أما المجتمع فهو الإطار الأشمال الذى يحتوى البشر وينظم العلاقة بينهم فى إطار اقتصادى اجتماعى محدد ويتطور من خلال علاقة فئاته ببعضها وصراعاتها. فى حين أن المجتمع السياسى هو مجتمع الدولة الذى يتكون من الدولة وأجهزتها والتنظيمات والأحزاب السياسية التى تسعى للسيطرة عليها أو الضغط عليها. والمجتمع المدنى هو الأفراد والهيئات غير الرسمية بصفتها عناصر فاعلة فى معظم المجالات التربوية والاقتصادية والعائلية والصحية والثقافية والخيرية وغيرها. ويتكون المجتمع المدنى من الهيئات التى تسمى فى علم الاجتماع بالمؤسسات الثانوية مثل الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والمهنية وشركات الأعمال والغرف التجارية والصناعية وما شابهها من المؤسسات التطوعية. والمقصود بالدعوة للمجتمع المدنى هو تمكين هذه المؤسسات الأهلية من تحمل مسئولية أكبر فى إدارة شئون المجتمع كى يصبح مداراً ذاتياً إلى حد بعيد. وهكذا يستبعد من المفهوم المؤسسات الاجتماعية الأولية كالأسرة والقبيلة والعشيرة والطائفة الإثنية أو المذهبية أو الدينية. كما يستبعد منه المؤسسات السياسية والحكومية، ويبقى بذلك فى نطاق المجتمع المدنى المؤسسات والمنظمات غير الحكومية التى يقوم نشاطها على العمل التطوعى. ومن المهم الا نستنتج من هذا التعريف أن التعارض مطلق بين المجتمع المدنى والمجتمع الرسمى أو الدولة، فلا يمكن قيام مجتمع مدنى قوى فى ظل دولة ضعيفة بل هما مكونان متكاملاً يميز بينهما توزيع الأدوار وليس الانفصال الكامل. كذلك فإن استبعاد الأحزاب السياسية من تعريف المجتمع المدنى لا يعنى أنها خارج الموضوع تماماً فالحقيقة أن الأحزاب باعتبارها طليعة لقوى اجتماعية تعبر عن مصالحها وتسعى للوصول إلى سلطة الدولة تهتم كثيراً بمؤسسات المجتمع المدنى وتسعى للتجنيد من صفوفها، وبالتالى فإننا نلاحظ وجود مساحة مشتركة بين المجتمع المدنى والمجتمع السياسى تشغلها حركة الأحزاب السياسية. وتؤكد هذه الحقيقة أنه بالرغم من أن المجتمع المدنى هو نتاج للتطور الرأسمالى إلا أنه ليس شأناً رأسمالياً بحتا بل يمكن أن تحقق من خلاله مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية مصالحها مثل النقابات العمالية واتحادات صغار المنتجين والمستهلكين.
أخطأ البعض في الوطن العربي عندما اتخذوا موقفا سلبيا من الدعوة إلى تقوية المجتمع المدني لأنهم تصوروا أنه يقتصر فقط على تلك المنظمات غير الحكومية التي تأسست حديثا في سياق العولمة، ونشطت في بداية تأسيسها وفق أجندة خارجية حددت موضوعاتها مؤسسات التمويل الدولية الرأسمالية ومنظمات غير حكومية في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وغاب عن هؤلاء أن المجتمع المدني يضم العديد من المنظمات الشعبية والجماهيرية، وأنه قائم في المجتمعات العربية منذ أكثر من مائة سنة مع تأسيس الجمعيات الأهلية في القرن التاسع عشر والنقابات العمالية والمهنية في بداية القرن العشرين وكذلك الجمعيات التعاونية إلى آخر هذه المنظمات التي تدخل في إطار تعريف المجتمع المدني.
والمجتمع المدني هو من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى. وهى علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع، والتعاقد والتراضى والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسئوليات، ومحاسبة الدولة في كافة الأوقات التي يستدعى فيها الأمر محاسبتها، ومن جهة إجرائية، فإن هذا النسيج من العلاقات يستدعي، لكي يكون ذا جدوي، أن يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة تشكل في مجموعها القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها مشروعية الدولة من جهة، ووسيلة محاسبتها إذا استدعى الأمر ذلك من جهة أخرى(1)
والمجتمع المدني هو مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة المباشر، فهو يتميز بالاستقلالية والتنظيم التلقائي وروح المبادرة الفردية والجماعية، والعمل التطوعي، والحماسة من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة، ورغم أنه يعلى من شأن الفرد إلا أنه ليس مجتمع الفردية بل على العكس مجتمع التضامن عبر شبكة واسعة من المؤسسات (2)
تزداد أهمية المجتمع المدني ونضج مؤسساته لما يقوم به من دور في تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصائرهم ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من إفقارهم، وما يقوم به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات، ثقافة الإعلاء من شأن المواطن، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي وجذبهم إلى ساحة الفعل التاريخي والمساهمة بفعالية في تحقيق التحولات الكبرى للمجتمعات حتى لا تترك حكرا على النخب الحاكمة.(3). وفى هذا الإطار يرى المفكر والمناضل الإيطالي انطونيو جرامشى أن المجتمع المدني ساحة للصراع داخل المؤسسات السياسية والنقابية والفكرية للمجتمع الرأسمالي، تمارس من خلاله الطبقة البورجوازية هيمنتها الثقافية أو تصعد من خلاله بشائر الهيمنة المضادة للطبقة العاملة(4). أي هو مفهوم صراعي وليس شأنا رأسماليا بحتا حيث يتعين على الطبقة العاملة والطبقات الكادحة أن تواجه الأيديولوجية الرأسمالية والثقافية السائدة بثقافة مضادة، مما يعزز استقلالية مؤسسات المجتمع المدني ودورها في حماية الإنسان العادي من سطوة الدولة، وقدرته على ممارسة التضامن الجماعي في مواجهتها ، مما يمكنه من الضغط عليها والتأثير علي السياسيات العامة للدولة. أن المجتمع المدني عند جرامشى والمجتمع المدني بهذا المفهوم هو أحد أركان الديمقراطية ويلعب دورا هاما في بنائها ودعم تطورها، ويمكن أن نتعرف مبدئيا على العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية من خلال متابعتنا لكافة الجوانب المتعلقة به من حيث تعريف المجتمع المدني ومكوناته ووظائفه ، كما يمكن أن نتعرف عليه تفصيليا من خلال دراستنا للجوانب المشتركة بينهما.

تعريف المجتمع المدني :
استقر الرأي من خلال الدراسات الأكاديمية والميدانية والمتابعة التاريخية لنشأته وتطوره أن المجتمع المدني هو “مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، أي بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختيار في عضويتها”هذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح أفرادها أو لتقديم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضى والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف.
وللمجتمع المدني بهذا المفهوم أربعة مقومات أساسية هي :
– الفعل الإرادي الحر أو التطوعي
– التواجد في شكل منظمات.
– قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين
– عدم السعي للوصول إلى السلطة.
مكونات المجتمع المدني :
يدخل في دائرة مؤسسات المجتمع المدني طبقا لهذا التعريف أي كيان مجتمعي منظم يقوم على العضوية المنتظمة تبعا للغرض العام أو المهنة أو العمل التطوعي، ولا تستند فيه العضوية غلى عوامل الوراثة وروابط الدم والولاءات الأولية مثل الأسرة والعشيرة والطائفة والقبيلة، وبالتالي فإن أهم مكونات المجتمع المدني هي :
– النقابات المهنية
– النقابات العمالية
– الحركات الاجتماعية .
– الجمعيات التعاونية
– الجمعيات الأهلية
– نوادي هيئات التدريس بالجامعات
– النوادي الرياضية والاجتماعية
– مراكز الشباب والاتحادات الطلابية
– الغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال
– المنظمات غير الحكومية الدفاعية والتنموية كمراكز حقوق الإنسان والمرأة والتنمية والبيئة.
– الصحافة الحرة وأجهزة الإعلام والنشر
– مراكز البحوث والدراسات والجمعيات الثقافية.
وهناك من يضيف إلى هذه المنظمات هيئات تقليدية كالطرق الصوفية والأوقاف التي كانت بمثابة أساس المجتمع المدني في المجتمعات العربية منذ مئات السنين قبل ظهور المنظمات الحديث.

تطور المجتمع المدنى فى ظل العولمة :
لاشك في أن العولمة الرأسمالية هي أهم الظواهر العالمية المعاصرة وأهمها تأثيراً في حياة الشعوب ومستقبلها .ومن أبرز مظاهر العولمة إعادة هيكلة الرأسمالية المعاصرة بإدماج اقتصاديات مختلف بلدان العالم في الاقتصاد الرأسمالي بالشروط التي وضعتها رأسمالية المراكز المتقدمة على أساس إعلاء شأن السوق وآلياته وفرض حرية انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات والسلع والخدمات دون قيود أو عقبات تطبيقا لأفكار الليبرالية الجديدة التي تشكل العنصر الأيديولوجي المسيطر والمركزي في عملية إعادة الهيكلة هذه التي تجرى على امتداد العالم، وقد عانت دول الجنوب ومن ضمنها الأقطار العربية من مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة تطبيق السياسات التي أو أوصت بها المؤسسات الرأسمالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهى السياسات المعروفة بالتكيف الهيكلي.
ولتخفيف حدة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي حرصت قوى العولمة على توظيف المجتمع المدني ليكون بديلا للدولة الوطنية التي تنسحب من أدوارها التقليدية ومسئولياتها في دعم الفئات الفقيرة وتوزيع الدخل لصالح الطبقات العاملة والكادحة والفئات الضعيفة، وتهدف قوى العولمة من دعمها للمجتمع المدني أن يقوم بدور البديل للدولة في مجال دعم الفئات الفقيرة وتستخدم كملطف لحدة المشاكل الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي مثل الفقر والبطالة والتهميش فيكون إطاراً يعبئ شرائح وقوى اجتماعية تتحمل عبء مواجهة هذه المشاكل وسيكون ذلك بالقطع على حساب دوره في دعم التطور الديمقراطي للبلاد.
تؤكد التقارير السنوية للبنك الدولي هذه النظرة حيث يشير في تقرير 1995 إلى المجتمع المدني كظاهرة اقتصادية باعتباره القوة المحركة بالنسبة لنشاطات ونمو القطاع الخاص، من هنا تأتى أهميته لأهداف التكيف الهيكلي فيما يتعلق بتقلص دور الدولة، وخصخصة الخيرات العامة والسلع الاجتماعية، ونمو القطاع الخاص الذي تعرض للتقهقر في مراحل سابقة، ويؤكد البنك الدولي أنه من المأمول مع الانفتاح السياسي أن تحدث نقله من مرحلة التسامح مع القطاع الخاص إلى مرحلة التحمس له، بوصفه محرك النمو والمحدد الرئيسي لمستقبل البلاد، ويشير البنك في تقرير 1998 أن القطاع المستقل عن الدولة أو غير الحكومي والذي يضم أنواعا مختلفة من المنظمات غير الحكومية عليه دور حاسم في التصدي للمظاهر التي تحول دون تطور القطاع الخاص. وينظر البنك؛ الدولي إلى المجتمع المدني لما يستطيع أن يقوم به من مساعدة في تعبئة الموارد بالطرق التي تعجز الدولة عن القيام بها وباعتباره “دولة الظل” التي تقوم بوظائف تقليدية للدولة مثل إنشاء وإدارة المدارس ومراكز الرعاية الصحية ومشروعات الأشغال العامة كشق الطرق والترع(5)، بل إن تعريف البنك للمنظمات الأهلية يؤكد إصراره على دورها كملطف لحدة المشاكل وليس باعتبارها الوسيط بين المجتمع والدولة أو باعتبارها إطارا مناسباً للمساهمة في التحول الديمقراطي للمجتمع أو لإمكانية قيامها بدور تغييري تنموي شامل، يتضح ذلك من تعريف البنك الدولي لها بأنها مؤسسات وجماعات متنوعة الاهتمامات مستقلة كليا أو جزئيًا عن الحكومات، وتتسم بالعمل الإنساني والتعاون وليس لديها أهداف تجارية ويساعد على تحقيق أهداف المؤسسات الرأسمالية الدولية في توظيف مؤسسات المجتمع المدني لخدمة سياساتها بناء منظمات غير حكومية عابرة للقوميات ترتبط بشبكات عالمية تساهم في تمويل أنشطة المنظمات الأهلية وغير الحكومية الوطنية وفق اجندة الرأسمالية العالمية بدلا من أن تكون أولوياتها طبقا لاحتياجات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد أدت العولمة إلي إدخال تغييرات على خريطة المجتمع المدني بالعديد من الأقطار العربية، حيث نلاحظ أن أساس هذه الخريطة في المجتمعات العربية حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين كان منظمات شعبية تعبر عن مصالح فئات اجتماعية معينة كالنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية والمنظمات النسائية والشبابية، أو منظمات غير حكومية دفاعية، أو جمعيات أهلية خيرية وثقافية واجتماعية تقدم لأعضائها خدمات متنوعة كما تقدم خدماتها للفئات الضعيفة في المجتمع، أو أندية رياضية وثقافية واجتماعية تشبع احتياجات أعضائها لأنشطة متطورة في هذه المجالات، وكذلك الجمعيات التعاونية. لكن العولمة جاءت معها بقضايا جديدة ومشاكل جديدة مثل حماية البيئة من التلوث، والفقر، والهجرة واللاجئين وضحايا العنف والسكان الأصليين والمخدرات والإرهاب وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفولة وحقوق الأقليات الدينية والعرقية، ولأن منطق العولمة يستبعد قيام الدولة بدور أساسي في مواجهة هذه المشكلات فإنها شجعت على قيام منظمات غير حكومية للتعامل معها، كما أن نشطاء المجتمع المدني سارعوا في كثير من الأقطار لتكوين منظمات غير حكومية لمواجهة هذه المشكلات والتخفيف من حدتها. وسواء كان المشجع على قيام هذه المنظمات الجديدة هو العامل الخارجي أو الأوضاع الداخلية إلا أن النتيجة واحدة هي قيام مئات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الجديدة التي تنشط حول أهداف مفتتة وقضايا جزئية دون ارتباط بالأسباب المشتركة لهذه المشاكل الجزئية، ودون وضوح حول إمكانية التنسيق والتعاون بينها لمواجهة هذه الأسباب التي تعود بالأساس إلى العولمة الرأسمالية وسياساتها. وهذا التغيير في خريطة المجتمع المدني يهدد مؤسسات المجتمع المدني بالتحول عن دورها الأساسي كجزء من المجتمع الديمقراطي إلى ملطف ومخفف لحدة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الناجمة عن سياسات العولمة وتأثيراتها على مجتمعاتنا وهى تكرس في نفس الوقت الحكم الاستبدادي.
يطرح هذا التطور في بنية المجتمع المدني في دول الجنوب والأقطار العربية قضية الحركات الاجتماعية كمكون أساسي من مكونات المجتمع المدني، وكعنصر هام من عناصر التطور الديمقراطي وتحولات المستقبل الاجتماعية. ووجه الأهمية هنا في طرح قضية الحركات الاجتماعية أننا مع هذا التغيير في بنية المجتمع المدني أمام حركات اجتماعية جديدة تختلف عن الحركات الاجتماعية التقليدية سواء من حيث الأهداف أو الأدوار، فالحركات التقليدية كالحركة العمالية والحركة الفلاحية والحركة الطلابية والحركة النسائية كانت جزءًا من الصراع الطبقي في المجتمع هدفها حماية مصالح فئات اجتماعية واسعة أو طبقات اجتماعية في مواجهة الاستغلال والقهر الذي تمارسه فئات أخرى، ورغم أنها لم تكن تمارس نشاطا حزبيا مباشرا، إلا أنها أدت في بعض الأحيان إلى تأسيس أحزاب سياسية لهذه الفئات الاجتماعية، وقد نجحت هذه الحركات الاجتماعية القديمة أن توحد نضالها حول أهداف عامة تجمع كل المنتمين إلى تلك الفئة الاجتماعية كالمرأة مثلا أو العمال، وقد لعبت دورًا هاما في تعديل موازين القوى الطبقية في المجتمع في كثير من الأقطار في فترات مختلفة، ولكننا نلاحظ أن نفوذ هذه الحركات وتأثيرها يضعف باستمرار نتيجة لنجاح السلطة في استعابها واحتواء حركتها، أو لتغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغياب طرح فكرى مناسب لهذه التطورات ، أو لانصراف أعضائها عن نشاطها، وفى نفس الوقت تنشأ حركات اجتماعية جديدة حول قضايا وأهداف جزئية في مجالات حقوق الإنسان والبيئة والعاطلين والأمومة والطفولة والأقليات .. الخ. حيث نلاحظ قيام تنظيمات متعددة لا صلة بينها داخل المجال الواحد للتعامل مع جانب واحد فقط من القضية، كما هو الحال مثلا في مجال حقوق الإنسان حيث توجد تنظيمات منفصلة للمساعدة القانونية وتنظيمات أخرى لنشر ثقافة حقوق الإنسان، وتنظيمات ثالثة لرصد الانتهاكات .. الخ.
وهكذا فإننا نجد أنفسنا أمام انفجار في الحركات الاجتماعية والتنظيمات الجديدة التي تنشأ حول أهداف محدودة للغاية دون أن يربط بينها رابط مشترك لتنسيق الجهود، أو إدراك واضح للارتباط الضروري بينها مما يهدد المجتمع المدني بالانحراف عن دوره الحقيقي في دعم التطور الديمقراطي نتيجة لغياب الرؤية المشتركة والتنسيق المشترك بين هذه المنظمات والحركات الاجتماعية واكتفائها بالنشاط حول الهدف الخاص بكل منها.
ونحن لا نستطيع أن نتجاهل هنا أن أحد أسباب التسارع في تأسيس هذه الحركات هو تزايد وعى الناس بأن الدولة ومؤسساتها وكذلك الأحزاب السياسية عاجزة عن مواجهة الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن ظاهرة العولمة وما ترتب عليها من مشاكل اجتماعية، وتترك الناس تحت رحمة هذه الأوضاع. واستجابة من الناس لهذه الأوضاع فإنهم ينشئون حركاتهم الاجتماعية الخاصة، أو ينضمون إلى حركات اجتماعية قائمة، أو منظمات دفاعية تقوم على أسس دينية أو عرقية أو قومية أو جنسية أو بيئية أو سلامية أو محلية أو على أساس أي قضية منفردة، وتقوم معظم هذه الحركات بالتعبئة والتنظيم باستقلال عن الدولة ومؤسساتها والأحزاب السياسية لأنها لا تراها قادرة على مواجهة هذه القضايا أو المشاكل بفاعلية.
من هذا العرض للمجتمع المدني ومقوماته الأساسية ومكوناته ومالحق به من تطورات نتيجة للأوضاع العالمية المستجدة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية يمكن القول أننا أمام نوعين من المجتمع المدنى إن صح التعبير في الأقطار العربية :
– مجتمع مدني شعبي
– مجتمع مدني نخبوى
تكتفي القوى الرأسمالية والفئات الحاكمة بوجود مؤسسات للمجتمع المدني في إطار نخبوى تقوم بدورها في تلطيف حدة المشاكل الناجمة عن سياسات التكيف الهيكلي والتحول إلى اقتصاد السوق والاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي وفق الشروط التي تضعها المراكز الرأسمالية المتقدمة، وينحصر دور هذه المنظمات من وجهة نظر الفئات الحاكمة والقوى الرأسمالية في تقديم الرعاية للفقراء والمحتاجين، وإشباع حاجات خدمية لفئات اجتماعية معينة، بما لا يؤدى إلى تغيير الأوضاع بل يعيد إنتاج الأوضاع القائمة بما فيها من فقر وبطالة وتهميش وافتقاد العدالة وفى هذه الحالة فإن مؤسسات المجتمع المدني النخبوية لن تزعج الفئات الحاكمة ولن تلعب دوراً في تغيير الأوضاع القائمة من خلال المساهمة الفعالة بدور ديمقراطي في المجتمع. وعلى العكس، من هذا فإن القوى الديمقراطية والتقدمية يجب أن تدفع في اتجاه اكتساب مؤسسات المجتمع المدني طابعا شعبيًا يساعدها على القيام بدور تعبوي تغييري تحتاجه مجتمعاتنا تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من خلاله من المساهمة في عملية التحول الاجتماعي والسياسي للمجتمع. والمشاركة بشكل جماعي (كمؤسسات) في صياغة السياسات العامة والضغط من أجل تعديلها بما يحقق مصالح الأغلبية ويكفل مشاركتها السياسية تدعيما للديمقراطية (6) .
يتطلب دعم الطابع الشعبي للمجتمع المدني الاهتمام أكثر بالمنظمات الشعبية ذات الجذور العميقة فى المجتمع التي تهملها حاليًا المنظمات غير الحكومية المنشأة حديثًا وتشمل المنظمات الشعبية تحديدا النقابات المهنية والعمالية ، والمنظمات الفلاحية، والتعاونيات، واتحادات الطلاب، ومنظمات الحرفيين والمنظمات المهنية وتنظيمات الخدمة الاجتماعية، ويوفر هذا التنسيق استفادة المنظمات غير الحكومية وسائر مكونات المجتمع المدني من التراث الطويل والخبرات الواسعة للحركة النقابية في مجالات التعبئة وحشد القوى، ولديها الوسائل والكوادر المدربة على ذلك، ولها خبرات هامة في المجال المطلبى، وتتوفر لدى المنظمات الأخرى التعاونية والاجتماعية والطلابية والفلاحية خبرات متنوعة وإمكانيات بشرية تطوعية يمكن أن تستفيد منها المنظمات الأخرى حديثة النشأة لاكتساب القدرة على التأثير والاستناد إلى قاعدة اجتماعية واسعة وامتلاك خبرات جديدة في مختلف المجالات ، وسوف يساعدها ذلك على تجاوز وضعها الحالي كمنظمات منعزلة عن بعضها تعمل في إطار أهداف جزئية بحيث تتجه إلى إقامة تحالفات مع المنظمات الأخرى العاملة في نفس المجال مثل حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والتنمية .. الخ، وتجاوز وضعها النخبوى إلى آفاق جماهيرية وشعبية أوسع تساعدها على تفعيل نشاطها واكتساب المقومات الضرورية لتحولها إلى حركات اجتماعية لها عمق شعبي كاف.
بهذا التوجه يمكن أن يقوم المجتمع المدني بدوره المأمول في بناء الديمقراطية. التي يلتقي معها في إطار نسق مشترك من القيم.

الهوامش

(1) د. حامد خليل ، الوطن العربي والمجتمع المدني، كراسات استراتيجية ، مجلة فصلية تصدر عن مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية بجامعة دمشق.
العدد الأول – السنة الأولى – خريف 2000. ص 12.
(2) د. الحبيب الجنحانى، المجتمع المدني بين النظرية والممارسة، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، دولة الكويت، العدد الثالث، المجلد السابع والعشرون، يناير / مارس ،1999 ص 36.
(3) د. أحمد ثابت، الديمقراطية المصرية على مشارف القرن القادم، كتاب المحروسة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر القاهرة، الطبعة الأولى، يناير 1999- ص 20.
(4) د. مصطفى كامل السيد، مفهوم المجتمع المدني ومصر، ورقة مقدمة إلى مؤتمر مستقبل التطور الديمقراطي في مصر، جماعة تنمية الديمقراطية 2-3 نوفمبر ،1997 القاهرة. ص 3.
(5) أجوسا واى أوساجاى ، التكيف الهيكلي والمجتمع المدني والتماسك الوطني في أفريقيا، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة المجلد الثالث . ص 19-52.
(6) شهيدة الباز، دور المنظمات الأهلية العربية في تنمية المجتمعات المحلية، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة، المجلد الثالث أكتوبر ،2000 ص 19.
(7) إبراهيم السوري، ورقة مقدمة إلى حلقة الحوار حول قضايا بناء القدرات للمنظمات غير الحكومية، اللجنة الاقتصادية الاجتماعية للأمم المتحدة غرب آسيا، القاهرة 19/ 21 سبتمبر 2000.
(8) د. كمال المنوفي، التعليم كيف يكون رافدا لتعزيز التطور الديمقراطي، الأهرام 7 أكتوبر 2001.

دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الأول

مقـدمـة
حول ضرورة الديمقراطية

تواجه الأمة العربية العديد من التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية، تتنوع وتتعدد هذه التحديات والمخاطر لتشمل كافة مجالات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. كما تتسع ساحة المواجهة لتشمل الوطن العربي بأكمله وتتجاوزه إلى آفاق إقليمية وعالمية، فهناك تحديات التنمية والتحديث والتحول الديمقراطي وإشاعة العقلانية، بالإضافة إلى مخاطر الوجود الصهيونية التوسعي، والهيمنة الأمريكية، والتهميش المتزايد للأقطار العربية في ظل العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية المعاصرة التي فرضتها العولمة الرأسمالية تحقيقا لمصالح الدول الرأسمالية الكبرى، ورغم أن طبيعة هذه التحديات والمخاطر تتطلب أوسع تعبئة ممكنة للشعوب العربية باعتبارها الطرف الأساسي في المواجهة، وضرورة قيامها بدور فعال في صياغة سياسات المواجهة، وتحديد أولوياتها، إلا أن نظم الحكم القائمة حرصت على الانفراد بإدارة هذه المواجهة وحرمت شعوبها من القيام بدور فعال رغم أن هذه الشعوب هي التي تتحمل أعباء المواجهة وقدمت بالفعل تضحيات كبيرة في مواجهة هذه المخاطر والتحديات.
دفعت الشعوب العربية ثمنا باهظا وتحملت الأعباء المترتبة علي انفراد الحكام بمواجهة هذه المخاطر والتحديات، فقدمت آلاف الشهداء في حروبها ضد إسرائيل، وتحملت معاناة الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها الولايات المتحدة الأمريكية، كما تحملت المعاناة الاقتصادية والتقشف الذي وصل إلي حد الحرمان من أبسط ضروريات الحياة، علاوة علي البطالة والفقر وتهميش فئات واسعة من السكان، فضلا عن القمع السياسي والقهر الطبقي والتضليل الفكري والإعلامي. ولم يكن هناك مبرر معقول لأن تتحمل الشعوب العربية هذه المعاناة وتقدم هذه التضحيات بينما هي محرومة من المشاركة السياسية ومستبعدة من القيام بدورها الطبيعي في اتخاذ القرار وصياغة سياسات المواجهة وتحديد أهدافها وأولوياتها، خاصة بعد أن أثبتت التجربة والممارسة لمدة تزيد عن نصف قرن فشل هذه النظم في خوض معارك التنمية والتحديث والعقلانية والصراع العربي الصهيوني والهيمنة الأجنبية بكفاءة لإيثارها مصالحها الخاصة علي المصالح العامة للمجتمع في هذه المواجهة، واستبعادها القوي الشعبية خوفا من أن تتجاوزها هذه القوي في اللحظات الحرجة من الصراع أو أن يهدد اتساع نطاق المواجهة أو تصاعد المعارك المصالح الضيقة للفئات الحاكمة. التقت حول هذا المنهج كثير من نظم الحكم العربية: ملكية وجمهورية، رجعية وتقدمية، ثورية وتقليدية، لأنها بصرف النظر عن المسميات مارست الحكم من خلال سلطة أبوية أو تسلطية أو ديمقراطية انتقائية مقيدة، أي أن الاستبداد السياسي الذي عانت منه الشعوب العربية وما تزال تعاني الآن هو الجذر الأساسي لفشل العرب حكاما ومحكومين في خوض معارك الاستقلال والتنمية والتحديث والعقلانية والديمقراطية ومواجهة الخطر الصهيوني والهيمنة الأمريكية بكفاءة. ونتيجة لهذا كله فقد أجمع المفكرون والمثقفون العرب يساندهم في هذا قوي سياسية متعددة علي أن الديمقراطية هي المخرج الأساسي للشعوب العربية من مأزقها الحالي وما تعانيه من مشاكل وأزمات. فلا يمكن بدون الديمقراطية الحديث عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أو التطلع إلي تحديث حقيقي للمجتمع، أو توفير العدالة الاجتماعية، او تعميق المشاركة الشعبية، أو الحد من مخاطر الوجود الصهيوني والهيمنة الأمريكية. كما لا يمكن بدون بروز الشعوب كطرف أساسي في المواجهة ومشاركتها الفعلية في صياغة السياسات العامة وتحديد أهدافها وأولوياتها أن تحقق نجاحا يذكر في مواجهة المخاطر والتحديات التي تهدد الأمة العربية حاليا.
أن الدرس الأساسي المستفاد من خبرة النصف الثاني للقرن العشرين هو أنه رغم الجهود المضنية والتضحيات الكبيرة والمعاناة الشديدة فإن آمال العرب تحطمت أكثر من مرة علي صخرة الاستبداد والحكم الفردي والعسكري والقبلي والعشائري.
ان الانتقال في الوطن العربي من الاستبداد إلي الديمقراطية يتطلب أولا وفي الأساس تحرير الإنسان العربي وإطلاق طاقاته ليصبح القوة الأساسية في المواجهة، ولا يمكن الحديث عن تحرير الإنسان العربي طالما بقيت رواسب الاستبداد قائمة في المجتمعات العربية علي شكل نظم حكم سلطوية وثقافة غير ديمقراطية، وما لم يشمل التحول الديمقراطي كافة مجالات المجتمع فإنه لا مجال للحديث عن تحرير الإنسان العربي، لأن الديمقراطية هي في جوهرها طريقة في الحياة وأسلوب لتسيير المجتمع وإدارة صراعاته بوسائل سلمية، وهي بهذا المفهوم تتطلب سيادة قيم معينة ومؤسسات وآليات تضع الديمقراطية بهذا المفهوم موضع التطبيق، فلا يمكن بناء الديمقراطية في أي مجتمع بدون إشاعة ثقافة ديمقراطية تعمق القيم الموجهة لسلوك المواطنين في هذا الاتجاه. كما لا يمكن استكمال التحول إلي الديمقراطية بدون بناء المؤسسات التي تمارس من خلالها هذه الطريقة في الحياة، أو بدون توافر الآليات التي يتم من خلالها وضع هذه القيم الديمقراطية موضع التطبيق وشمولها المجتمع كله.(1)
للقيم الديمقراطية إذن دور محوري في انضاج عملية الانتقال إلي الديمقراطية وتوفير شروطها الأساسية. ويتطلب ذلك إنجاز ثلاثة مهام أساسية هي:
-إشاعة الثقافة المدنية الديمقراطية في المجتمع.
-الاهتمام بتربية المواطنين لتمثل هذه الثقافة وقيمها في حياتهم اليومية وفي علاقتهم بالآخرين.
-تدريب المواطنين عمليا علي الممارسة الديمقراطية، واكتسابهم خبرة هذه الممارسة من خلال النشاط اليومي الذي يقومون به في مختلف مجالات الحياة. وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني الإطار الأمثل للقيام بهذه المهام لأنها تقوم أيضا علي القيم الديمقراطية، ولأنها تجتذب إلي عضويتها دائرة واسعة من المواطنين الذين يسعون إلي الاستفادة من خدماتها أو ممارسة نشاط جماعي للدفاع عن مصالحهم، أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة. فكيف تقوم مؤسسات المجتمع المدني. بهذا الدور، وما هي علاقة المجتمع المدني بالديمقراطية، وما هو دورها المحدد في بناء الديمقراطية؟
هذا ما نعرضه بدرجة أكبر من التفصيل في هذه الدراسة عن “دور المجتمع في بناء الديمقراطية”. نأمل أن نساهم من خلالها في توفير الوضوح الفكري المطلوب للسير قد ما علي طريق التحول الديمقراطي في مجتمعاتنا العربية.

الفصل الأول
مفهوم الديمقراطية ومقوماتها الأساسية

للديمقراطية تاريخ طويل في الوطن العربي، يرجع في بعض الأقطار العربية إلي القرن التاسع عشر، وفي معظمها للنصف الأول من القرن العشرين، حيث ارتبط النضال من أجل الديمقراطية بالنضال من أجل الاستقلال الوطني، ومع موجة الاستقلال الأولي في عشرينيات هذا القرن ورغم استمرار قوات الاحتلال قامت نظم حكم عربية علي أساس مفاهيم الديمقراطية الليبرالية من تعددية حزبية وسلطات تشريعية منتخبة في ظل دساتير تعترف بالحقوق الأساسية للمواطنين، ولكنها كانت في أغلب الأحيان ديمقراطية شكلية تنعم بها الفئات الحاكمة وبعض قطاعات الطبقة الوسطي، ولهذا فإنها لم تصمد طويلا أمام موجات المد الثوري مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين وما صاحبه من انقلابات عسكرية، وقيام نظم حكم شمولية أعطت الأولوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتأكيد الاستقلال الوطني علي حساب الحريات السياسية والتعددية الحزبية والانتخابات البرلمانية. ومع إخفاق هذه النظم في تحقيق التنمية والمحافظة علي استقلالية الإرادة الوطنية في مواجهة الرأسمالية العالمية، والذي رافقه تدهور ملحوظ في مستوي معيشة المواطنين، وتراجع القدرة علي إشباع حاجاتهم الأساسية في الربع الأخير من القرن العشرين ارتفعت من جديد الأصوات المطالبة بالديمقراطية، بعد أن تأكد للجميع أنه لا يمكن المقايضة علي حريات الشعوب وحقوقها السياسية ومشاركتها في صياغة السياسات العامة مقابل وعد لا تتوفر له أي ضمانات بحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية. وقد أثبتت التجربة العملية بالفعل طوال خمسين سنة أن ما تحقق من مكاسب وإنجازات اقتصادية واجتماعية سرعان ما تم التراجع عنه دون مقاومة تذكر بسبب غياب التنظيمات السياسية والنقابية الفعالة للطبقات العاملة والكادحة والوسطي.
عاد الحديث والاهتمام بالديمقراطية في الوطن العري في أواخر القرن العشرين في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية مغايرة أساسها والعامل المؤثر فيها هو ظاهرة العولمة التي أثرت كثيرا في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الوطن العربي، واخترقت كل مناحي الحياة وأدخلت معظم الأقطار العربية في أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية طاحنة، ولم يعد النضال من أجل الديمقراطية في الوطن العربي قضية داخلية، بل هناك العديد من المؤثرات الخارجية التي تتحكم فيه وتحدد توجهاته.
نتيجة لهذه التطورات الداخلية والخارجية شهدت كثير من الأقطار العربية تطورات ملموسة نحو التعددية الحزبية والحياة البرلمانية، ولكن نظم الحكم في هذه الأقطار لا يمكن وصفها رغم هذه التطورات بأنها نظم ديمقراطية، فهي ما تزال تندرج تحت ما يمكن أن نسميه بالتعددية السياسية المقيدة التي لا تزيد في حقيقتها عن “قبول النظام السياسي مبدأ التعددية السياسية في شكل أحزاب سياسية ولكن في أطر قيود وضوابط معنية تحد من إمكانية تداول السلطة وممارسة هذه الأحزاب لوظائفها المتعارف عليها في النظم الديمقراطية التعددية”. (2)
أن نظم التعددية السياسية المقيدة الموجودة في معظم الأقطار العربية هي في حقيقتها استمرار للنظم الشمولية نشأت الحاجة إليها لإنقاذ هذه النظم التي تآكلت شرعيتها ولتخفيف الصراع الطبقي والسياسي في مجتمعات تعمقت أزمتها نتيجة لسياسات الحكم التي تطبقها هذه النظم. وهي بعيدة عن الديمقراطية الحقيقية وما زالت تندرج في إطار الاستبداد لأنها لم تحقق مبدأ سيادة القانون وإعلاء إرادة الشعب. أنها ديمقراطية انقاذية لنظم الحكم هدفها استمرار الأمر الواقع بإجراءات جديدة، وهي من ثم تتسم بخصائص ثلاث:
الأولي: التحول إلي التعددية يتم من أعلي بقرار من قمة السلطة التنفيذية.
الثانية: هذا التحول يتم بصورة تدريجية وفق إرادة السلطة التنفيذية وليس من خلال النضال السياسي والجماهيري. ويلاحظ أن هذه النظم لم تتسع فيها الحقوق والحريات السياسية منذ قيامها ولأكثر من عشرين سنة، بل علي العكس أدت أزمة نظم الحكم إلي سلب بعض الحقوق والحريات والانتقاص من مكاسب ديمقراطية تحققت من قبل لضمان استمرار الحكم.
الثالثة: هيمنة السلطة التنفيذية علي العملية كلها وخاصة رئيس الدولة الذي يملك في الواقع صلاحيات وسلطات واسعة تجعل هذه النظم أقرب إلي الحكم الفردي منها لأي نظام آخر.(3)
وإذا كان من الصعب أن نصف هذه النظم بأنها ديمقراطية، فماذا نقصد بالديمقراطية؟ وما هي أهم مقوماتها؟ وما علاقة ذلك بعملية الانتقال في الوطن العربي إلي الديمقراطية؟
مفهوم الديمقراطية:
الديمقراطية بمعناها الواسع هي مشاركة الشعب في اتخاذ القرار، ومراقبة تنفيذه، والمحاسبة علي نتائجه. وقد تصورت بعض القوي السياسية في الوطن العربي أن الديمقراطية يمكن أن تتحقق بمجرد السماح بقيام أحزاب متعددة وإجراء انتخابات دورية لتشكيل البرلمان وإصدار صحف حزبية، وتصورت أيضا نتيجة لهذا الفهم الخاطئ أن التحول إلي الديمقراطية يمكن أن يتم في فترة وجيزة، وغابت عنها الرؤية السلمية التي تساعدها علي السير بنجاح نحو هذا الهدف وتوفير ما يتطلبه من شروط وإجراءات. ومن ناحية أخري فقد اختلفت النظرة إلي الديمقراطية باختلاف المواقع الطبقية والإيديولوجية وتعددت مسمياتها بين ديمقراطية اشتراكية وديمقراطية شعبية وديمقراطية اجتماعية وديمقراطية تحالف قوي الشعب العامل.. الخ، ورغم الأهداف والغايات النبيلة التي كانت تكمن خلف هذه المسميات إلا أن تطبيقاتها دارت أساسا في ظل أوضاع شمولية أو سلطوية وعجزت عن توفير الشروط الضرورية للمشاركة الشعبية وتمكن الشعوب من اختيار حكامها والقيام بدور أساسي في صياغة السياسات العامة وفرض رقابتها علي السلطة التنفيذية ومحاسبتها طبقا للنتائج المتحققة. وقد توفر الحد الأدنى من الشروط اللازمة لقيام الديمقراطية بالفعل في المجتمعات الرأسمالية المتطورة ومجتمعات أخري كالهند عندما تعاملت مع الديمقراطية وفق مفهوم إجرائي يعتبرها “صيغة لإدارة الصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية، من خلال قواعد وأسس متفق عليها سلفا بين جميع الأطراف، تضمن تداول السلطة بين الجميع من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة”، فالمجتمع ليس مجرد كم من الأفراد، بل هو طبقات يترتب علي وجودها علاقات ومنافسات وصراعات، وإذا لم ينجح المجتمع في تنظيم هذه الصراعات بوسائل سلمية فإنه يتعرض لمخاطر العنف الذي قد يصل إلي حد الحرب الأهلية، من هنا فإن الديمقراطية كإطار لتنظيم الصراع الطبقي سلميا هي “مسألة نسبية وعملية تاريخية متدرجة، تبدأ عندما يتمكن المجتمع المعني من السيطرة علي مصادر العنف وإدارة أوجه الاختلاف سلميا تعبيرا عن إجماع القوي الفاعلة علي ضمان الحد الأدنى من المشاركة السياسية الفعالة لجميع المواطنين دون استثناء”.(4) ومع استقرار الممارسة الديمقراطية تتطور وتنضج هذه العملية التاريخية، وقد احتاجت أوروبا إلي أربعة قرون لإنجاز عملية الانتقال إلي الديمقراطية بهذا المفهوم.
تنجح الديمقراطية في تنظيم الصراع الطبقي سلميا بقدر ما توفر للمجتمع نظاما للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ينظم العلاقات بين أفراد وطبقات المجتمع من ناحية، وتنظيم العلاقات بين الدولة والمجتمع من ناحية أخري، والعلاقات بين مؤسسات الدولة نفسها (تنفيذية، تشريعية، قضائية) من ناحية ثالثة. وغنى عن الذكر أن هذا التنظيم للعلاقات فى المجتمع وبين مؤسسات الدولة يفضي في النهاية إلي الآلية الرئيسية لتحقيق سلمية الصراع وأعني بها تداول السلطة السياسية سلميا بين مختلف الطبقات من خلال الانتخابات العامة الدورية .
المقومات الأساسية للديمقراطية البورجوازية:
تبلورت من خلال الممارسة مجموعة المقومات الأساسية التي لا يمكن بدون توافرها تحقيق الديمقراطية ومنها:
– إقرار مبدأ سيادة القانون، ودولة المؤسسات، واستقلال السلطة القضائية.
– الاعتراف بمجموعة الحريات العامة وحقوق الإنسان كأساس لمجتمع مدني وإعلام حر بما يكفل حرية تكوين الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وحرية الرأى والاعتقاد والاجتماع.. الخ.
– الاعتماد علي مبدأ الانتخاب العام لعناصر السلطة التشريعية والتنفيذية كأساس لتداول السلطة من خلال انتخابات دورية حرة تجسد نتائجها بصدق إرادة الناخبين.
– الاعتراف بالتعددية السياسية والحزبية بكل ما يترتب عليها من نتائج.
نقد الديمقراطية البورجوازية:
ومن المهم هنا ونحن نتحدث عن الديمقراطية البورجوازية أن يكون واضحا لنا أنه إذا كانت الديمقراطية في أوروبا قد قامت وتقوم بدور في تنظيم العلاقات وإدارة الصراع في المجتمع الرأسمالي سلميا، فليس هناك ما يبرر اعتبارها جزءاً من العلاقات الرأسمالية نفسها، بل بالعكس فالعلاقات الرأسمالية تقوم في جوهرها علي التسلط والاحتكار والاستغلال بينما تهدف الديمقراطية إلي الحد من ذلك إلي أدني درجة ممكنة بما تقيمه من أجهزة للمراقبة وما تقدمه من إمكانات للمقاومة وتغيير موازين القوي. (5) وما طرحته الرأسمالية هو الليبرالية السياسية وليس الديمقراطية البورجوازية التي نعرفها الآن، وكانت الليبرالية السياسية في حقيقتها مجموعة من الأفكار والقيم تدور حول الفرد وحريته نشأت تاريخيا كتعبير عن واقع اجتماعي هو تبلور السوق الرأسمالي. لم تكن الحرية آنذاك مطروحة للجميع ولم تكن المشاركة السياسية من حق الجميع، بل كانت مرتبطة بالملكية، أي أن الليبرالية السياسية كانت هي المقابل السياسي للرأسمالية في الاقتصاد وكانت نشأة الليبرالية هذه منفصلة عن الديمقراطية ثم تم استيعابها فيها تدريجيا. فقد ولدت الليبرالية أولا ثم تمقرطت بعد ذلك عبر توسيع الحقوق والحريات التي ناضلت من أجلها الجماهير لتشمل جميع المواطنين. حيث أفرز السوق الرأسمالي ضغوطا دفعت نحو الديمقراطية وفرضتها. وقد جاء ذلك التحول عندما أدركت الطبقة العاملة أن حرمانها من التصويت أو قيامها بدورها السياسي لا يمكنها من التأثير في القرار السياسي فناضلت من أجل حقها في التصويت وحقها في التنظيم السياسي المستقل وتشكيل أحزاب تعبر عن مصالحها وكان إقرار حق الاقتراع العام هو نقطة التحول الحاسمة من عصر الدولة الليبرالية إلي عصر الدولة الديمقراطية الليبرالية (6)
ونحن نلاحظ أن الأنظمة الرأسمالية الغربية قد ركزت علي مفهوم الحرية في تحديد الديمقراطية وممارساتها. كما ركزت علي مفاهيم الاقتصاد والحر وتقوية القطاع الخاص والمبادرة الشخصية وحقوق الإنسان، وربطت بين مفهومي الديمقراطية والرأسمالية وتصوير الأمر وكأن الأولى نتيجة للثانية، وأهملت بذلك مفهوم العدالة الاجتماعية وخاصة ما يتعلق بمحاربة الفقر والتخفيف من الفروقات الطبقية والفئوية والعنصرية والجنسية بين الرجل والمرأة وتأييد تكافؤ الفرص، فالطبقات والجماعات الفقيرة المغلوبة علي أمرها لا تستطيع أن تمارس حريتها في غياب العدالة الاجتماعية وبذلك لم تستكمل الديمقراطية البورجوازية شروط ممارسة الحرية نفسها. والتحدي الحقيقي الآن أمام القوي الاشتراكية في الوطن العربي هو بلورة وتطبيق مفهوم للديمقراطية يستفيد مما أنجزته الديمقراطية البورجوازية وتراثها ويضيف إليها، يمكن من ممارسة الحرية بالفعل لكافة المواطنين بدون تمييز. وفي هذا الصدد يؤكد المفكر العربي د. سمير أمين أن الديمقراطية التي تطمح إليها شعوب العالم الثالث يجب أن تجمع بين التأكيد علي البعد الاجتماعي الاصلاحي واحترام استقلالية المبادرة الشعبية. كما يمكن النظر إلي الديمقراطية الاشتراكية باعتبارها نفي للديمقراطية البورجوازية، ولكنه نفي بالمعني الجدلي، حيث تلغي العناصر الرجعية في الديمقراطية البورجوازية التي تحرم أوسع الجماهير من المشاركة في صنع القرارات، وتتلاعب مراكز الضغط الرأسمالية والبيروقراطية وأجهزة الإعلام بإرادة الجماهير …الخ. ولكنها (أي الديمقراطية الاشتراكية) تحتفظ بالعناصر الإيجابية في الديمقراطية البورجوازية وتدمجها في تركيب أعلي بصورة كيفية أوفر حرية يتلاءم مع محتواها الطبقي الجديد. وذلك من خلال الجمع بين الأشكال التمثيلية والأشكال المباشرة للديمقراطية، التي توفر مشاركة شاملة لجماهير الطبقة العاملة والفلاحين ومختلف الفئات الكادحة الأخرى في صنع القرارات التي توجه مختلف نواحي الحياة في المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا..الخ.
وهي تضع بذلك أساسا أرسخ وأعمق لحرية الصحافة والتعددية الحزبية وحرية التنظيم النقابي، وتكوين مختلف أشكال الجمعيات والاتحادات، وتكفل حق الإضراب والتظاهر والحريات والحقوق السياسية والمدينة بالترابط مع كفالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية باعتبار كل ذلك شروطا ضرورية لعملية تحرير العمل وممارسة الديمقراطية المباشرة والتمثيلية، وإطلاق مبادرات أوسع جماهير الطبقة العاملة والطبقات الشعبية في المشاركة في صنع القرارات، وحل التناقضات التي تثور فيما بينهم بصورة ديمقراطية” (7)
من المهم أن ينعكس هذا الفهم الذي طرحناه هنا لمسألة الديمقراطية علي عملية الانتقال إلي الديمقراطية في الوطن العربي وأن تتشكل منذ البداية رؤية واضحة لهذه العملية وطبيعتها ومتطلباتها وأولوياتها والمراحل التي ستمر بها والمدى الزمني المحتمل لها.
حول الانتقال إلي الديمقراطية:
القضية الأساسية في عملية الانتقال إلي الديمقراطية في الوطن العربي هي أنها عملية تاريخية بدأت منذ سنوات طويلة وستتم عبر فترة زمنية طويلة نسبيا، وستتم تدريجيا وربما تنتكس في بعض مراحلها نتيجة للصراع حول السلطة وإصرار قوي معنية علي إيقاف التحول الديمقراطي، وهي لكي تنجح يجب أن تشمل المجتمع كله لأن الديمقراطية بالمفهوم الذي طرحناه هي طريقة في الحياة وأسلوب لتسيير المجتمع يتضمن قيما وآليات ومؤسسات، فلا يمكن الحديث عن الانتقال إلي الديمقراطية بدون تعميق القيم الموجهة لسلوك المواطنين في هذا الاتجاه، أو بدون توافر الآليات التي يتم من خلالها تأكيد القيم الديمقراطية ووظائف الممارسة الديمقراطية، أو بناء المؤسسات التي تمارس من خلالها.
من هنا فإن القوي الاجتماعية والسياسية صاحبة المصلحة في استكمال عملية الانتقال إلي الديمقراطية مطالبة بأن تعطي اهتماما أكبر لبعض المسائل الضرورية التي تكتسب أهمية أكثر من غيرها مثل:
– تبني مفهوم سليم للديمقراطية يتجاوز الديمقراطية البورجوازية دون أن يلغي إنجازاتها.
– تحديد المقومات الأساسية للديمقراطية طبقا للمفهوم الجديد الذي يتجاوز الديمقراطية البورجوازية.
– التنشئة الديمقراطية لإشاعة الثقافة المدنية الديمقراطية في المجتمع.
– دعم استقلالية المبادرة الشعبية بالتوسع في تنظيم الجماهير وإقامة مؤسسات المجتمع المدني.
– السير علي طريق التنمية الوطنية المتمحورة علي الذات للحد من العلاقات الاقتصادية اللامتكافئة مع المراكز الرأسمالية وتحقيق قدر مناسب من العدالة الاجتماعية تمكن القوي الشعبية من ممارسة دورها في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع.
وفيما يلي نعرض بعض الأفكار والتوجهات حول هذه المسائل الخمسة.
أولا: المفهوم السليم للديمقراطية:
ينطلق هذا المفهوم مما أوضحناه من قبل أن الديمقراطية بمعناها الواسع هي مشاركة الشعب في اتخاذ القرار السياسي، ومراقبة تنفيذه، والمحاسبة علي نتائجه. وأنها بالمفهوم الاجرائي “صيغة لإدارة الصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية، من خلال قواعد وأسس متفق عليها سلفا بين جميع الأطراف، تضمن تداول السلطة بين الجميع من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة. وإن الديمقراطية البورجوازية أرست القواعد والأسس التي تكفل ممارسة الديمقراطية في حدها الأولي ولكنها لا تكفي لإتاحة الفرصة أمام كل الطبقات للمساواة السياسية لعدم توافر العدالة الاجتماعية وغياب تكافؤ الفرص للطبقات العاملة والكادحة والجماعات المهمشة والفقيرة المغلوبة علي أمرها، مما لا يوفر قوة سياسية متكافئة لجميع الطبقات. ومن ثم فإن التحدي الحقيقي الآن في الوطن العربي هو بلورة وتطبيق مفهوم سليم للديمقراطية يستفيد مما أنجزته الديمقراطية البورجوازية وتراثها ويضيف إليها ما يمكن من ممارسة الحرية لكافة المواطنين دون تمييز. يمكن وصف هذا المفهوم بديمقراطية المشاركة التي تتيح لأوسع الجماهير مشاركة سياسية حقيقية وهي خطوة علي الطريق نحو بلورة مفهوم جديد للديمقراطية الاشتراكية يواكب قيم العصر ويقدم الاشتراكية للشعوب بشكل مختلف عما كان قائما من قبل في ظل النظم الشمولية أي يقدمها في صورة اشتراكية تقوم علي إرادة الشعوب وتمتعها بحرياتها الأساسية ويتحقق ذلك من خلال التأكيد علي ما يلي:
– لا تتحقق الديمقراطية السياسية ما لم يتوفر للمواطنين حد أدني من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ذلك أن الحقوق السياسية المتساوية لا تكفي وحدها لتمتع الأفراد والطبقات بقوي سياسية متساوية.
– أهمية تجاوز البرلمانية التمثيلية إلي صور من الديمقراطية المباشرة لتوسيع نطاق المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب.
– فتح الباب واسعا أمام استقلالية المبادرة الشعبية وبصفة خاصة من خلال المنظمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني.
– لا يمكن السير بنجاح علي طريق التطور الديمقراطي بدون النجاح في تحقيق ثورة ثقافية ترسخ في المجتمع القيم التي تخدم التطور الديمقراطي في وبصفة خاصة قيم التسامح والحوار والتعاون واحترام الآخر والتنافس والصراع السلمي. (8)
– إذا كانت الطبقة الرأسمالية هي الحامل الاجتماعي للديمقراطية في المراكز الرأسمالية المتقدمة نظرا لظروف أوروبا وأمريكا في القرنين التاسع عشر والعشرين، فهناك شكوك كثيرة حول إمكانية واستعداد الرأسماليين العرب ورجال الأعمال للقيام بهذا الدور لأسباب كثيرة. والأرجح أن الحامل الاجتماعي للديمقراطية في الوطن العربي سيكون تحالفا وطنيا شعبيا من العمال والفلاحين والفئات الوسطي يلعب فيه المثقفون التقدميون دورا أساسيا وسيكون هناك مكان في هذا التحالف لقطاع من الرأسمالية المحلية التي ترتبط مصالحها باستقلال الاقتصاد.
ثانيا: المقومات الأساسية لديمقراطية المشاركة:
تأتي أهمية هذه المقومات لما توفره من وضوح فكري وسياسي حول الديمقراطية باعتبارها طريقا طويلا يبدأ بتوافر شروط معنية تتطور وتتسع من خلال الممارسة، وباعتبارها نظاما للحياة يشمل مختلف جوانب المجتمع، وباعتبارها إطار أساسيا لنضال القوي الشعبية له مضمون اقتصادي واجتماعي يوفر لكافة المواطنين القدرة الاقتصادية إلي تكفل لهم قدرا من القوة السياسية في الصراع السياسي، وأن تكون هذه المقومات أساس العمل الفكري والنضال السياسي من أجل الانتقال إلي الديمقراطية مثل:
– احترام التعددية السياسية والنقابية والثقافية، وتوافر الحقوق والحريات المدنية والسياسية الأساسية، وإقرار مبدأ سيادة القانون ودولة المؤسسات وتداول السلطة من خلال انتخابات برلمانية دورية حرة ونزيهة.
– توافر حد أدني من الدخل يضمن المستويات الغذائية والصحية والتعليمية والسكنية اللائقة بحياة كريمة من خلال الالتزام بإشباع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
– حكم محلي ديمقراطي حقيقي يقوم علي انتخاب المجالس المحلية ورؤسائها وإعطاء المحليات علي كافة المستويات (قري- مدن- محافظات) صلاحيات فعلية في اتخاذ القرار والتنفيذ وتدبير موارد مالية محلية.
– مشاركة العمال في إدارة الوحدات الإنتاجية لضمان انتظام العملية الإنتاجية وتعميق التفاهم بين العمال والإدارة حول الشروط الواجب توافرها لاستقرار العمل.
– مشاركة المستفيدين في إدارة وحدات الخدمات بحيث ينتخب المنتفعون من خدمات الوحدة الصحية أو المستشفي أو المدرسة.. الخ. مجلسا يشارك في تطوير وتحسين الخدمة. وكذلك في المرافق العامة.
– إطلاق الحرية كاملة للقطاع الأهلي وسائر مؤسسات المجتمع المدني طبقا لما أقرته الدساتير من مبادئ عامة وإنهاء الوصاية الحكومية عليها.
– حرية وتعدد وسائل الإعلام فمن حق المواطن أن يعرف حقائق الأمور وأن يتابع اختلاف الآراء باعتبار حرية تدفق المعلومات من مصادر مختلفة شرط أساسي لكي يشارك المواطنون فعلا في صنع القرارات والاختيار بين البدائل المطروحة عليهم.
– ثقافة ديمقراطية تقوم علي قيم الحوار واحترام الرأي والرأي الأخر والتسامح… الخ.
– تبني مفهوم جديد للتنمية يقوم علي التنمية للشعب بالشعب وتوفير ضرورات الحياة للمواطنين والتوزيع العادل لعائد التنمية وبذلك تجمع التنمية بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية.
ثالثا: التنشئة الديمقراطية وإشاعة الثقافة الديمقراطية في المجتمع:
تقوم الديمقراطية كأسلوب حياة في المجتمع وتنظيم العلاقات فيه بما يضمن حل صراعاته سلميا علي مجموعة من المعايير تترجم إلي قيم ومعتقدات وسلوك تشكل ثقافة الإنسان ونظرته إلي هذه القضية ومواقفه العملية فيها. وهذا يعني أن الفرد الذي يتمسك بقيم الديمقراطية سيدفعه ذلك إلي أن يلتزم في سلوكه بالخصائص التالية:
– المشاركة الاجتماعية والمساواة في هذه المشاركة.
– الاجتهاد في فهم مشاعر الآخرين واهتماماتهم.
– أن يتقبل الآخرين علي أنهم متساوون معه.
– تجنب العنف في الصراع وحله بوسائل سلمية في إطار الحوار، وتقبل الصراع الذي قد يكون محتوما في بعض الأحيان.
تلعب التنشئة الاجتماعية دورا هاما في اكتساب الفرد (وخاصة الطفل) الحساسية للمثيرات الاجتماعية مثل ضغوط والتزامات حياة الجماعة ويتعلم كيف يتعامل معها، وكيف يتصرف مثل الآخرين الذين هم في جماعته الثقافية، وفي إطار هذه التنشئة الاجتماعية تتم التنشئة الديمقراطية التي يتم بمقتضاها تلقين الفرد مجموعة القيم والمعايير المستقرة في ضمير المجتمع بما يضمن بقاءها واستمرارها، وهكذا سيكون السلوك السياسي امتداداً للسلوك الاجتماعي” (9)
وفي هذا الإطار فإن التنشئة الديمقراطية تشمل كل قطاعات المجتمع ابتداء من الأسرة إلي المدرسة إلي النادي إلي جماعة العمل في المصنع والمزرعة ووحدة الخدمات، فهي تبدأ منذ الصغر وتستمر مع الإنسان في كل مراحل حياته، حيث يتعين أن نغرس في وجدان الأطفال والشباب مجموعة القيم والسلوكيات الديمقراطية لتكون أساس تصرفاتهم مع الأهل والأصدقاء والزملاء، فما لم تكن هذه القيم والسلوكيات أساس التعامل وأساس العلاقات في المجتمع فإنه من المشكوك فيه أن يشهد هذا المجتمع ديمقراطية سياسية، بل يصبح العمل السياسي والنشاط الحزبي والانتخابات العامة ظواهر معزولة عن السياق العام لحركة المجتمع، ومقطوعة من جذورها وبيئتها، وبالتالي فإنها تصبح مجرد شكليات أو طقوس تمارس دون جدوي. أن التنشئة الديمقراطية مطالبة باعطاء اهتمام خاص لقيم الحوار والنقد الذاتي والعمل الجماعي بروح الفريق والأمانة والصدق، والتسامح المتبادل والشفافية، والمثابرة وهذه مسئولية المجتمع كله، الآباء والأمهات داخل الأسرة، المعلمون في المدرسة والجامعة، قيادات العمل في مؤسسات الإنتاج والخدمات، وهي أيضا مسئولية الاحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية في حياتها الداخلية وفي علاقتها بجماهيرها. وهي أيضا مسئولية الحكم الذي يتحمل مسئولية توفير المناخ وتهيئة الشروط لتحقيق ذلك في مختلف المجالات والمؤسسات. وسنعود إلي هذا الموضوع عند معالجتنا لدور المجتمع المدني في بناء الديمقراطية في الفصل الثالث من هذه الدراسة.
رابعا: دعم استقلالية المبادرة الشعبية بالتوسع في تنظيم الجماهير وإقامة مؤسسات المجتمع المدني:
تؤكد التجربة في كثير من الأقطار أن تنظيم الجماهير هو الحلقة الرئيسية في النضال الديمقراطي، فالجماهير المنظمة هي القوة الأساسية التي تستطيع أن توفر الشروط الضرورية في المجتمع لاقرار الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين وتضمن حماية هذه الحقوق من أي عدوان عليها أو محاولة الانتكاس بها، وبقدر النجاح في تعبئة الجماهير في هذا القطر أو ذاك بقدر النجاح في انتزاع المزيد من المكاسب الديمقراطية. من هنا فاننا لا نبتعد عن الحقيقة كثيرا إذا ذكرنا أن بناء حركة جماهيرية منظمة ومستقلة للطبقات والقوي الاجتماعية الكادحة والمنتجة هو الحلقة الرئيسية والواجب الملح في الفترة الحالية من تطور المجتمعات العربية، أننا في حاجة ماسة إلي بناء شبكة واسعة من المنظمات الجماهيرية والجمعيات الاجتماعية والثقافية في مختلف قطاعات المجتمع بحيث تتكامل جهودها من أجل دعم نفوذ الجماهير ومشاركتها السياسية، والقضية الأساسية في تنظيم الجماهير هي جذبها إلي مجال العمل العام انطلاقا من وعيها الملموس بمدي الارتباط بين مشاكلها المعيشية والأوضاع العامة للمجتمع وإداراكها لمسئوليتها في المساهمة في نشاط جماعي لحل هذه المشاكل. وهنا تبرز أهمية المجتمع المدني باعتباره مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك يقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف. وسوف نعالج هذا الموضوع بقدر أكبر من التفصيل في الفصل الثالث من هذه الدراسة.
خامسا: تحقيق نتائج فعلية في عملية التنمية الوطنية المتمحورة علي الذات:
هناك علاقة قوية بين الديمقراطية والتنمية. ويري الدكتور سمير أمين أن غياب الديمقراطية في أطراف النظام الرأسمالي العالمي ومن ضمنها الوطن العربي أو هشاشة هذه الديمقراطية ليست من آثار الفترات التاريخية السابقة، بل هي نتيجة للاستقطاب الناتج عن التوسع الاقتصادي الرأسمالي العالمي الذي يؤدي بدوره إلي استقطاب اجتماعي له تجليات متعددة علي رأسها التفاوت الكبير في نمو المداخيل وسوء التوزيع، والبطالة الكثيفة، وظاهرة تهميش فئات واسعة من المجتمع، وهذه التجليات تلعب دورا كبيرا في أضعاف التطور الديمقراطي في هذه المجتمعات، وأن خضوع نظم الحكم في هذه الأقطار لمتطلبات التوسع الرأسمالي والأخذ بسياسات التكيف الهيكلي هو الذي يشكل الخلفية العامة التي ترسم عليها من حين لآخر الانفجارات الاجتماعية التي تطرح مسألة الديمقراطية علي بساط البحث، بمعني آخر فإن التنمية الاقتصادية الاجتماعية تحدد بدرجة كبيرة مدي إمكانية النجاح في تحقيق الديمقراطية أو أعاقتها، وأنه ما لم تعتمد سياسة تنموية وطنية متمحورة علي الذات أي تتحدد أولوياتها وتتخذ قراراتها انطلاقا من المصلحة الوطنية والأوضاع الداخلية وليس تنفيذا لسياسات تحددها المؤسسات الرأسمالية العالمية فإن السير بنجاح علي طريق الديمقراطية أمر مشكوك فيه. ويري سمير أمين أنه عندما تنشأ نظم تعترف بمبدأ الانتخابات والتعددية الحزبية وبدرجة معينة من حرية التعبير ولكنها تمتنع عن مواجهة المشاكل الاجتماعية ولا تواجه علاقات التبعية بجدية فإنها لن تكون سوي تعبير عن أزمة النظام الاستبدادي في أطراف النظام الرأسمالي العالمي. وأن هذه النظم أمام أحد خيارين، فإما أن يقبل النظام بالخضوع لمتطلبات التكيف العالمي، وعندها عليه التخلي عن أي محاولة لإصلاح اجتماعي عام وبالتالي فإن الديمقراطية ستدخل في أزمة ولو بعد حين، وإما أن تسيطر القوي الشعبية علي الديمقراطية وتفرض بواسطتها هذه الإصلاحات. عندها سيدخل النظام في صراع مع الرأسمالية العالمية السائدة، وعليه بالتالي الانتقال من المشروع الوطني البورجوازي إلي المشروع الوطني الشعبي (10)
وبعد.. كانت هذه أفكارا وتوجهات حول مفهوم الديمقراطية ومقوماتها الأساسية وطبيعة عملية الانتقال إلي الديمقراطية في الوطن العربي التي لا يمكن إنجازها بدون دور للحركة الجماهيرية المنظمة، خاصة بعد أن تبين بوضوح استحاله بناء الديمقراطية من أعلي بإرادة الفئات الحاكمة، وأنه لا مفر من بناء الديمقراطية من أسفل بإرادة الحركة الجماهيرية المنظمة ولا يمكن اتمام هذه العملية بدون استقرار قيم الديمقراطية في وجدان المواطنين وإشاعة ثقافة مدنية ديمقراطية في المجتمع، ويطرح هذا كله قضية المجتمع المدني ودوره في بناء الديمقراطية. فماذا نقصد بالمجتمع المدني؟ وما هي مؤسساته؟ وما هي القيم التي ينبني عليها وما علاقته بالديمقراطية؟ هذا ما نعالجه في الفصل التالي.

هوامش الفصل الأول

(1) عبد الغفار شكر، الجمعيات الأهلية الإسلامية وعلاقتها بالديمقراطية، ورقة غير منشورة مقدمة إلى ندوة المنظمات غير الحكومية والحكم الجيد في الوطن العربي، معهد دراسات التنمية ومركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام. مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والتوثيق (سيداج) القاهرة 1999.
(2) أيمان محمد حسن، وظائف الأحزاب السياسية في نظم التعددية المقيدة، كتاب الأهالي رقم ،54 القاهرة، أكتوبر 1995 ص82.
(3) المرجع السابق، ص 45 -50.
(4) على خليفة الكواوي، مفهوم الديمقراطية المعاصرة، مجلة المستقبل العربي، بيروت، العدد ،168 فبراير 1993. ص 25.
(5) محمد عابد الجابري، إشكالية الديمقراطية والمجتمع المدني في الوطن العربي، مجلة المستقبل، العدد ،167 يناير ،1993 بيروت ص 14.
(6) إيمان محمد حسن، مرجع سابق، ص ،38 39.
(7) صلاح العمروسى، حدود البرلمانية في ظل نظام استبدادي، كتاب اليسار العربي وقضايا المستقبل إصدار مركز البحوث العربية بالقاهرة، مكتبة مدبولى القاهرة، 1998. ص229.
(8) عبد الغفار شكر، الديمقراطية والطريق العربي إلى الاشتراكية كتاب اليسار العربي وقضايا المستقبل، المرجع السابق ص 197- 198.
(9) د. مصطفى تركي، السلوك الديمقراطي، مجلة عالم الفكر، المجلد الثاني والعشرون، أكتوبر. نوفمبر ديسمبر، وزارة الإعلام، دولة الكويت. ص 118- 119.
(10) د. سمير أمين، البديل الوطني الشعبي الديمقراطي، مجلة المستقبل العربي، العدد يونيو ،1993 بيروت ص 106-107.
* يتضمن هذا الفصل اقتباسات مطولة من مقال للمؤلف نشرته مجلة النهج بعنوان “من الاستبداد إلي الديمقراطية في الوطن العربي” العدد 44 السنة 11 صيف/ خريف 1996.

دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية – الجزء الثانى
الفصل الثاني
المجتمع المدني والقيم الديمقراطية

أخطأ البعض في الوطن العربي عندما اتخذوا موقفا سلبيا من الدعوة إلى تقوية المجتمع المدني لأنهم تصوروا أنه يقتصر فقط على تلك المنظمات غير الحكومية التي تأسست حديثا في سياق العولمة، ونشطت في بداية تأسيسها وفق أجندة خارجية حددت موضوعاتها مؤسسات التمويل الدولية الرأسمالية ومنظمات غير حكومية في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وغاب عن هؤلاء أن المجتمع المدني يضم العديد من المنظمات الشعبية والجماهيرية، وأنه قائم في المجتمعات العربية منذ أكثر من مائة سنة مع تأسيس الجمعيات الأهلية في القرن التاسع عشر والنقابات العمالية والمهنية في بداية القرن العشرين وكذلك الجمعيات التعاونية إلى آخر هذه المنظمات التي تدخل في إطار تعريف المجتمع المدني.
والمجتمع المدني هو من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى. وهى علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع، والتعاقد والتراضى والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسئوليات، ومحاسبة الدولة في كافة الأوقات التي يستدعى فيها الأمر محاسبتها، ومن جهة إجرائية، فإن هذا النسيج من العلاقات يستدعي، لكي يكون ذا جدوي، أن يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة تشكل في مجموعها القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها مشروعية الدولة من جهة، ووسيلة محاسبتها إذا استدعى الأمر ذلك من جهة أخرى(1)
والمجتمع المدني هو مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة المباشر، فهو يتميز بالاستقلالية والتنظيم التلقائي وروح المبادرة الفردية والجماعية، والعمل التطوعي، والحماسة من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة، ورغم أنه يعلى من شأن الفرد إلا أنه ليس مجتمع الفردية بل على العكس مجتمع التضامن عبر شبكة واسعة من المؤسسات (2)
تزداد أهمية المجتمع المدني ونضج مؤسساته لما يقوم به من دور في تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصائرهم ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من إفقارهم، وما يقوم به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات، ثقافة الإعلاء من شأن المواطن، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي وجذبهم إلى ساحة الفعل التاريخي والمساهمة بفعالية في تحقيق التحولات الكبرى للمجتمعات حتى لا تترك حكرا على النخب الحاكمة.(3). وفى هذا الإطار يرى المفكر والمناضل الإيطالي انطونيو جرامشى أن المجتمع المدني ساحة للصراع داخل المؤسسات السياسية والنقابية والفكرية للمجتمع الرأسمالي، تمارس من خلاله الطبقة البورجوازية هيمنتها الثقافية أو تصعد من خلاله بشائر الهيمنة المضادة للطبقة العاملة(4). أي أن المجتمع المدني عند جرامشى هو مفهوم صراعي وليس شأنا رأسماليا بحتا حيث يتعين على الطبقة العاملة والطبقات الكادحة أن تواجه الأيديولوجية الرأسمالية والثقافية السائدة بثقافة مضادة، مما يعزز استقلالية مؤسسات المجتمع المدني ودورها في حماية الإنسان العادي من سطوة الدولة، وقدرته على ممارسة التضامن الجماعي في مواجهتها ، مما يمكنه من الضغط عليها والتأثير علي السياسيات العامة للدولة. والمجتمع المدني بهذا المفهوم هو أحد أركان الديمقراطية ويلعب دورا هاما في بنائها ودعم تطورها، ويمكن أن نتعرف مبدئيا على العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية من خلاتل متابعتنا لكافة الجوانب المتعلقة به من حيث تعريف المجتمع المدني ومكوناته ووظائفه ، كما يمكن أن نتعرف عليه تفصيليا من خلال دراستنا للجوانب المشتركة بينهما.
تعريف المجتمع المدني :
استقر الرأي من خلال الدراسات الأكاديمية والميدانية والمتابعة التاريخية لنشأته وتطوره أن المجتمع المدني هو “مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، أي بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختيار في عضويتها” هذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح أفرادها أو لتقديم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضى والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف.
وللمجتمع المدني بهذا المفهوم أربعة مقومات أساسية هي :
– الفعل الإرادي الحر أو التطوعي
– التواجد في شكل منظمات.
– قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين
– عدم السعي للوصول إلى السلطة.
مكونات المجتمع المدني :
يدخل في دائرة مؤسسات المجتمع المدني طبقا لهذا التعريف أي كيان مجتمعي منظم يقوم على العضوية المنتظمة تبعا للغرض العام أو المهنة أو العمل التطوعي، ولا تستند فيه العضوية غلى عوامل الوراثة وروابط الدم والولاءات الأولية مثل الأسرة والعشيرة والطائفة والقبيلة، وبالتالي فإن أهم مكونات المجتمع المدني هي :
– النقابات المهنية
– النقابات العمالية
– الحركات الاجتماعية .
– الجمعيات التعاونية
– الجمعيات الأهلية
– نوادي هيئات التدريس بالجامعات
– النوادي الرياضية والاجتماعية
– مراكز الشباب والاتحادات الطلابية
– الغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال
– المنظمات غير الحكومية الدفاعية والتنموية كمراكز حقوق الإنسان والمرأة والتنمية والبيئة.
– الصحافة الحرة وأجهزة الإعلام والنشر
– مراكز البحوث والدراسات والجمعيات الثقافية.
وهناك من يضيف إلى هذه المنظمات هيئات تقليدية كالطرق الصوفية والأوقاف التي كانت بمثابة أساس المجتمع المدني في المجتمعات العربية منذ مئات السنين قبل ظهور المنظمات الحديث.
الاختراق الخارجي للمجتمع المدني :
لاشك في أن العولمة الرأسمالية هي أهم الظواهر العالمية المعاصرة وأهمها تأثيراً في حياة الشعوب ومستقبلها .ومن أبرز مظاهر العولمة إعادة هيكلة الرأسمالية المعاصرة بإدماج اقتصاديات مختلف بلدان العالم في الاقتصاد الرأسمالي بالشروط التي وضعتها رأسمالية المراكز المتقدمة على أساس إعلاء شأن السوق وآلياته وفرض حرية انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات والسلع والخدمات دون قيود أو عقبات تطبيقا لأفكار الليبرالية الجديدة التي تشكل العنصر الأيديولوجي المسيطر والمركزي في عملية إعادة الهيكلة هذه التي تجرى على امتداد العالم، وقد عانت دول الجنوب ومن ضمنها الأقطار العربية من مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة تطبيق السياسات التي أو أوصت بها المؤسسات الرأسمالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهى السياسات المعروفة بالتكيف الهيكلي.
ولتخفيف حدة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي حرصت قوى العولمة على توظيف المجتمع المدني ليكون بديلا للدولة الوطنية التي تنسحب من أدوارها التقليدية ومسئولياتها في دعم الفئات الفقيرة وتوزيع الدخل لصالح الطبقات العاملة والكادحة والفئات الضعيفة، وتهدف قوى العولمة من دعمها للمجتمع المدني أن يقوم بدور البديل للدولة في مجال دعم الفئات الفقيرة وتستخدم كملطف لحدة المشاكل الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي مثل الفقر والبطالة والتهميش فيكون إطاراً يعبئ شرائح وقوى اجتماعية تتحمل عبء مواجهة هذه المشاكل وسيكون ذلك بالقطع على حساب دوره في دعم التطور الديمقراطي للبلاد.
تؤكد التقارير السنوية للبنك الدولي هذه النظرة حيث يشير في تقرير 1995 إلى المجتمع المدني كظاهرة اقتصادية باعتباره القوة المحركة بالنسبة لنشاطات ونمو القطاع الخاص، من هنا تأتى أهميته لأهداف التكيف الهيكلي فيما يتعلق بتقلص دور الدولة، وخصخصة الخيرات العامة والسلع الاجتماعية، ونمو القطاع الخاص الذي تعرض للتقهقر في مراحل سابقة، ويؤكد البنك الدولي أنه من المأمول مع الانفتاح السياسي أن تحدث نقله من مرحلة التسامح مع القطاع الخاص إلى مرحلة التحمس له، بوصفه محرك النمو والمحدد الرئيسي لمستقبل البلاد، ويشير البنك في تقرير 1998 أن القطاع المستقل عن الدولة أو غير الحكومي والذي يضم أنواعا مختلفة من المنظمات غير الحكومية عليه دور حاسم في التصدي للمظاهر التي تحول دون تطور القطاع الخاص. وينظر البنك؛ الدولي إلى المجتمع المدني لما يستطيع أن يقوم به من مساعدة في تعبئة الموارد بالطرق التي تعجز الدولة عن القيام بها وباعتباره “دولة الظل” التي تقوم بوظائف تقليدية للدولة مثل إنشاء وإدارة المدارس ومراكز الرعاية الصحية ومشروعات الأشغال العامة كشق الطرق والترع(5)، بل إن تعريف البنك للمنظمات الأهلية يؤكد إصراره على دورها كملطف لحدة المشاكل وليس باعتبارها الوسيط بين المجتمع والدولة أو باعتبارها إطارا مناسباً للمساهمة في التحول الديمقراطي للمجتمع أو لإمكانية قيامها بدور تغييري تنموي شامل، يتضح ذلك من تعريف البنك الدولي لها بأنها مؤسسات وجماعات متنوعة الاهتمامات مستقلة كليا أو جزئيًا عن الحكومات، وتتسم بالعمل الإنساني والتعاون وليس لديها أهداف تجارية ويساعد على تحقيق أهداف المؤسسات الرأسمالية الدولية في توظيف مؤسسات المجتمع المدني لخدمة سياساتها بناء منظمات غير حكومية عابرة للقوميات ترتبط بشبكات عالمية تساهم في تمويل أنشطة المنظمات الأهلية وغير الحكومية الوطنية وفق اجندة الرأسمالية العالمية بدلا من أن تكون أولوياتها طبقا لاحتياجات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد أدى الاختراق الأجنبي إلي إدخال تغييرات على خريطة المجتمع المدني بالعديد من الأقطار العربية، حيث نلاحظ أن أساس هذه الخريطة في المجتمعات العربية حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين كان منظمات شعبية تعبر عن مصالح فئات اجتماعية معينة كالنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية والمنظمات النسائية والشبابية، أو منظمات غير حكومية دفاعية، أو جمعيات أهلية خيرية وثقافية واجتماعية تقدم لأعضائها خدمات متنوعة كما تقدم خدماتها للفئات الضعيفة في المجتمع، أو أندية رياضية وثقافية واجتماعية تشبع احتياجات أعضائها لأنشطة متطورة في هذه المجالات، وكذلك الجمعيات التعاونية. لكن العولمة جاءت معها بقضايا جديدة ومشاكل جديدة مثل حماية البيئة من التلوث، والفقر، والهجرة واللاجئين وضحايا العنف والسكان الأصليين والمخدرات والإرهاب وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفولة وحقوق الأقليات الدينية والعرقية، ولأن منطق العولمة يستبعد قيام الدولة بدور أساسي في مواجهة هذه المشكلات فإنها شجعت على قيام منظمات غير حكومية للتعامل معها، كما أن نشطاء المجتمع المدني سارعوا في كثير من الأقطار لتكوين منظمات غير حكومية لمواجهة هذه المشكلات والتخفيف من حدتها. وسواء كان المشجع على قيام هذه المنظمات الجديدة هو العامل الخارجي أو الأوضاع الداخلية إلا أن النتيجة واحدة هي قيام مئات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الجديدة التي تنشط حول أهداف مفتتة وقضايا جزئية دون ارتباط بالأسباب المشتركة لهذه المشاكل الجزئية، ودون وضوح حول إمكانية التنسيق والتعاون بينها لمواجهة هذه الأسباب التي تعود بالأساس إلى العولمة الرأسمالية وسياساتها. وهذا التغيير في خريطة المجتمع المدني يهدد مؤسسات المجتمع المدني بالتحول عن دورها الأساسي كجزء من المجتمع الديمقراطي إلى ملطف ومخفف لحدة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الناجمة عن سياسات العولمة وتأثيراتها على مجتمعاتنا وهى تكرس في نفس الوقت الحكم الاستبدادي.
يطرح هذا التطور في بنية المجتمع المدني في دول الجنوب والأقطار العربية قضية الحركات الاجتماعية كمكون أساسي من مكونات المجتمع المدني، وكعنصر هام من عناصر التطور الديمقراطي وتحولات المستقبل الاجتماعية. ووجه الأهمية هنا في طرح قضية الحركات الاجتماعية أننا مع هذا التغيير في بنية المجتمع المدني أمام حركات اجتماعية جديدة تختلف عن الحركات الاجتماعية التقليدية سواء من حيث الأهداف أو الأدوار، فالحركات التقليدية كالحركة العمالية والحركة الفلاحية والحركة الطلابية والحركة النسائية كانت جزءًا من الصراع الطبقي في المجتمع هدفها حماية مصالح فئات اجتماعية واسعة أو طبقات اجتماعية في مواجهة الاستغلال والقهر الذي تمارسه فئات أخرى، ورغم أنها لم تكن تمارس نشاطا حزبيا مباشرا، إلا أنها أدت في بعض الأحيان إلى تأسيس أحزاب سياسية لهذه الفئات الاجتماعية، وقد نجحت هذه الحركات الاجتماعية القديمة أن توحد نضالها حول أهداف عامة تجمع كل المنتمين إلى تلك الفئة الاجتماعية كالمرأة مثلا أو العمال، وقد لعبت دورًا هاما في تعديل موازين القوى الطبقية في المجتمع في كثير من الأقطار في فترات مختلفة، ولكننا نلاحظ أن نفوذ هذه الحركات وتأثيرها يضعف باستمرار نتيجة لنجاح السلطة في استعابها واحتواء حركتها، أو لتغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغياب طرح فكرى مناسب لهذه التطورات ، أو لانصراف أعضائها عن نشاطها، وفى نفس الوقت تنشأ حركات اجتماعية جديدة حول قضايا وأهداف جزئية في مجالات حقوق الإنسان والبيئة والعاطلين والأمومة والطفولة والأقليات .. الخ. حيث نلاحظ قيام تنظيمات متعددة لا صلة بينها داخل المجال الواحد للتعامل مع جانب واحد فقط من القضية، كما هو الحال مثلا في مجال حقوق الإنسان حيث توجد تنظيمات منفصلة للمساعدة القانونية وتنظيمات أخرى لنشر ثقافة حقوق الإنسان، وتنظيمات ثالثة لرصد الانتهاكات .. الخ،
وهكذا فإننا نجد أنفسنا أمام انفجار في الحركات الاجتماعية والتنظيمات الجديدة التي تنشأ حول أهداف محدودة للغاية دون أن يربط بينها رابط مشترك لتنسيق الجهود، أو إدراك واضح للارتباط الضروري بينها مما يهدد المجتمع المدني بالانحراف عن دوره الحقيقي في دعم التطور الديمقراطي نتيجة لغياب الرؤية المشتركة والتنسيق المشترك بين هذه المنظمات والحركات الاجتماعية واكتفائها بالنشاط حول الهدف الخاص بكل منها.
ونحن لا نستطيع أن نتجاهل هنا أن أحد أسباب التسارع في تأسيس هذه الحركات هو تزايد وعى الناس بأن الدولة ومؤسساتها وكذلك الأحزاب السياسية عاجزة عن مواجهة الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن ظاهرة العولمة وما ترتب عليها من مشاكل اجتماعية، وتترك الناس تحت رحمة هذه الأوضاع. واستجابة من الناس لهذه الأوضاع فإنهم ينشئون حركاتهم الاجتماعية الخاصة، أو ينضمون إلى حركات اجتماعية قائمة، أو منظمات دفاعية تقوم على أسس دينية أو عرقية أو قومية أو جنسية أو بيئية أو سلامية أو محلية أو على أساس أي قضية منفردة، وتقوم معظم هذه الحركات بالتعبئة والتنظيم باستقلال عن الدولة ومؤسساتها والأحزاب السياسية لأنها لا تراها قادرة على مواجهة هذه القضايا أو المشاكل بفاعلية.
من هذا العرض للمجتمع المدني ومقوماته الأساسية ومكوناته ومالحق به من تطورات نتيجة للأوضاع العالمية المستجدة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية يمكن القول أننا أمام نوعين من المجتمع المدنى إن صح التعبير في الأقطار العربية :
– مجتمع مدني شعبي
– مجتمع مدني نخبوى
تكتفي القوى الرأسمالية والفئات الحاكمة بوجود مؤسسات للمجتمع المدني في إطار نخبوى تقوم بدورها في تلطيف حدة المشاكل الناجمة عن سياسات التكيف الهيكلي والتحول إلى اقتصاد السوق والاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي وفق الشروط التي تضعها المراكز الرأسمالية المتقدمة، وينحصر دور هذه المنظمات من وجهة نظر الفئات الحاكمة والقوى الرأسمالية في تقديم الرعاية للفقراء والمحتاجين، وإشباع حاجات خدمية لفئات اجتماعية معينة، بما لا يؤدى إلى تغيير الأوضاع بل يعيد إنتاج الأوضاع القائمة بما فيها من فقر وبطالة وتهميش وافتقاد العدالة وفى هذه الحالة فإن مؤسسات المجتمع المدني النخبوية لن تزعج الفئات الحاكمة ولن تلعب دوراً في تغيير الأوضاع القائمة من خلال المساهمة الفعالة بدور ديمقراطي في المجتمع. وعلى العكس، من هذا فإن القوى الديمقراطية والتقدمية يجب أن تدفع في اتجاه اكتساب مؤسسات المجتمع المدني طابعا شعبيًا يساعدها على القيام بدور تعبوي تغييري تحتاجه مجتمعاتنا تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من خلاله من المساهمة في عملية التحول الاجتماعي والسياسي للمجتمع. والمشاركة بشكل جماعي (كمؤسسات) في صياغة السياسات العامة والضغط من أجل تعديلها بما يحقق مصالح الأغلبية ويكفل مشاركتها السياسية تدعيما للديمقراطية (6) .
يتطلب دعم الطابع الشعبي للمجتمع المدني الاهتمام أكثر بالمنظمات الشعبية ذات الجذور العميقة فى المجتمع التي تهملها حاليًا المنظمات غير الحكومية المنشأة حديثًا وتشمل المنظمات الشعبية تحديدا النقابات المهنية والعمالية ، والمنظمات الفلاحية، والتعاونيات، واتحادات الطلاب، ومنظمات الحرفيين والمنظمات المهنية وتنظيمات الخدمة الاجتماعية، ويوفر هذا التنسيق استفادة المنظمات غير الحكومية وسائر مكونات المجتمع المدني من التراث الطويل والخبرات الواسعة للحركة النقابية في مجالات التعبئة وحشد القوى، ولديها الوسائل والكوادر المدربة على ذلك، ولها خبرات هامة في المجال المطلبى، وتتوفر لدى المنظمات الأخرى التعاونية والاجتماعية والطلابية والفلاحية خبرات متنوعة وإمكانيات بشرية تطوعية يمكن أن تستفيد منها المنظمات الأخرى حديثة النشأة لاكتساب القدرة على التأثير والاستناد إلى قاعدة اجتماعية واسعة وامتلاك خبرات جديدة في مختلف المجالات ، وسوف يساعدها ذلك على تجاوز وضعها الحالي كمنظمات منعزلة عن بعضها تعمل في إطار أهداف جزئية بحيث تتجه إلى إقامة تحالفات مع المنظمات الأخرى العاملة في نفس المجال مثل حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والتنمية .. الخ، وتجاوز وضعها النخبوى إلى آفاق جماهيرية وشعبية أوسع تساعدها على تفعيل نشاطها واكتساب المقومات الضرورية لتحولها إلى حركات اجتماعية لها عمق شعبي كاف.
بهذا التوجه يمكن أن يقوم المجتمع المدني بدوره المأمول في بناء الديمقراطية. التي يلتقي معها في إطار نسق مشترك من القيم.

القيم المشتركة للديمقراطية والمجتمع المدني :
يلتزم المجتمع المدني في وجوده ونشاطه بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السلمنية للتنوع والاختلاف، وما يتطلبه ذلك من قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين وهى نفس القيم والمعايير التي تقوم عليها الديمقراطية كصيغة لادارة الصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية وباعتبارها أيضًا أسلوب حياة يشمل كافة مجالات المجتمع. في هذا الإطار تبرز »قيم التسامح، والروح الجمعية، والتقدير المرتفع للذات من منظور الأهلية للفعل الاجتماعي والسياسي، الإيمان بكرامة الإنسان، الوفاء بالوعود، الشفافية والمثابرة، ولتأسيس الديمقراطية كنظام حكم وطريقة حياة لا يكفى أن تكون هذه القيم أساس تحرك الإنسان في المجتمع وموقفه من الذات ومن الآخر بل ينبغي أيضًا تنمية المهارات الذهنية ومهارات المشاركة التي تمكنه من التفكير والتعرف على نحو يوازن بين حقوقه الفردية وبين الصالح العام، هذه المهارات تمكن المواطن من تحديد ووصف وشرح المعلومات والأفكار ذات العلاقة بالقضايا العامة. فضلاً عن إبداع بدائل حل المشكلات الناجمة عنها، والمفاضلة بينها، أما مهارات المشاركة فتمكن المواطن من التأثير في قرارات السياسة العامة ومساءلة ممثليه في المجالس والهيئات المنتخبة.(18)
وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني الإطار الأمثل والمدرسة الأولية للتمكين لهذه القيم والمهارات عند المواطنين الذين ينضمون إلى عضويتها وينشطون في إطارها ولما كانت هذه القيم هي جوهر الثقافة الديمقراطية، والمهارات هي أساس الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية في المجتمع فإن إسهام مؤسسات المجتمع المدني في ترسيخها لدى المواطن ولدي المجتمع يمثل جانبا هاما من دوره في بناء الديمقراطية على النحو الذي سنوضحه تفصيلا في الفصل التالي.

هوامش الفصل الثاني

(1) د. حامد خليل ، الوطن العربي والمجتمع المدني، كراسات استراتيجية ، مجلة فصلية تصدر عن مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية بجامعة دمشق.
العدد الأول – السنة الأولى – خريف 2000. ص 12.
(2) د. الحبيب الجنحانى، المجتمع المدني بين النظرية والممارسة، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، دولة الكويت، العدد الثالث، المجلد السابع والعشرون، يناير / مارس ،1999 ص 36.
(3) د. أحمد ثابت، الديمقراطية المصرية على مشارف القرن القادم، كتاب المحروسة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر القاهرة، الطبعة الأولى، يناير 1999- ص 20.
(4) د. مصطفى كامل السيد، مفهوم المجتمع المدني ومصر، ورقة مقدمة إلى مؤتمر مستقبل التطور الديمقراطي في مصر، جماعة تنمية الديمقراطية 2-3 نوفمبر ،1997 القاهرة. ص 3.
(5) أجوسا واى أوساجاى ، التكيف الهيكلي والمجتمع المدني والتماسك الوطني في أفريقيا، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة المجلد الثالث . ص 19-52.
(6) شهيدة الباز، دور المنظمات الأهلية العربية في تنمية المجتمعات المحلية، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة، المجلد الثالث أكتوبر ،2000 ص 19.
(7) إبراهيم السوري، ورقة مقدمة إلى حلقة الحوار حول قضايا بناء القدرات للمنظمات غير الحكومية، اللجنة الاقتصادية الاجتماعية للأمم المتحدة غرب آسيا، القاهرة 19/ 21 سبتمبر 2000.
(8) د. كمال المنوفي، التعليم كيف يكون رافدا لتعزيز التطور الديمقراطي، الأهرام 7 أكتوبر 2001.

دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية- الجزء الثالث
هناك صلة قوية بين المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى، فالديمقراطية كما أوضحنا من قبل هى مجموعة من قواعد الحكم ومؤسساته التى تنظم من خلالها الإدارة السلمية للصراع فى المجتمع بين الجماعات المتنافسة أو المصالح المتضاربة، وهذا هو نفس الأساس المعيارى للمجتمع المدنى حيث نلاحظ أن مؤسسات المجتمع المدنى من أهم قنوات المشاركة الشعبية، ورغم أنها لا تمارس نشاطا سياسيا مباشرًا وأنها لا تسعى للوصول إلى السلطة السياسية إلا أن أعضاءها أكثر قطاعات المجتمع استعدادا للانخراط فى الأنشطة الديمقراطية السياسية، وبالإضافة لهذا فإن الادارة السلمية للصراع والمنافسة هى جوهر مفهوم المجتمع المدنى كما استخدمه منظور العقد الاجتماعى وهيجل وماركس ودى توكفيل وجرامشى. وكل ما فعله مستخدمو المفهوم من المحدثين هو تنقيته أو توسيع نطاق مظاهره فى المجتمعات المعاصرة المعقدة. ويلاحظ الدارسون والمراقبون أن تعثر التحول الديمقراطى فى الوطن العربى يرجع إلى غياب أو توقف نمو المجتمع المدنى. وما يستتبعه من تعزيز القيم الديمقراطية وازدهار ثقافة مدنية ديمقراطية توجه سلوك المواطنين فى المجتمع وتهيئتهم للمشاركة فى الصراع السياسى وفق هذه القيم ويمر الوطن العربى حاليًا بعمليتى بناء المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى فى نفس الوقت. والصلة بين العمليتين قوية، بل أنهما أقرب إلى أن تكونا عملية واحدة من حيث الجوهر، ففى الوقت الذى تنمو فيه التكوينات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة وتتبلور، فإنها تخلق معها تنظيمات مجتمعها المدنى التى تسعى بدورها إلى توسيع دعائم المشاركة فى الحكم(1)
وهكذا فإن الدور الهام للمجتمع المدنى فى تعزيز التطور الديمقراطى وتوفير الشروط الضرورية لتعميق الممارسة الديمقراطية وتأكيد قيمها الأساسية ينبع من طبيعة المجتمع المدنى وما تقوم به منظماته من دور ووظائف فى المجتمع لتصبح بذلك بمثابة البنية التحتية للديمقراطية كنظام للحياة وأسلوب لتسيير المجتمع وهى من ثم أفضل إطار للقيام بدورها كمدارس للتنشئة الديمقراطية والتدريب العملى على الممارسة الديمقراطية.
ولا يمكن تحقيق الديمقراطية السياسية فى أى مجتمع مالم تصير منظمات المجتمع المدنى ديمقراطية بالفعل باعتبارها البنية التحتية للديمقراطية فى المجتمع بما تضمه من نقابات وتعاونيات وجمعيات أهلية وروابط ومنظمات نسائية وشبابية.. الخ. حيث توفر هذه المؤسسات فى حياتها الداخلية فرصة كبيرة لتربية ملايين المواطنين ديمقراطيا ، وتدريبهم عمليا لاكتساب الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية فى المجتمع الأكبر بما تتيحه لعضويتها من مجالات واسعة للممارسة والتربية الديمقراطية من خلال :
– المشاركة التطوعية فى العمل العام.
– ممارسة نشاط جماعى فى إطار حقوق وواجبات محددة للعضوية
– التعبير عن الرأى والاستماع إلى الرأى الأخر والمشاركة فى اتخاذ القرار.
– المشاركة فى الانتخابات لاختيار قيادات المؤسسة أو الجمعية وقبول نتائج الانتخابات سواء كانت موافقة لرأى العضو من عدمه.
– المشاركة فى تحديد أهداف النشاط وأولوياته والرقابة على الأداء وتقييمه(2).
عندما ينشط المواطن فى جمعيته الأهلية أو منظمته النقابية أو أى مؤسسة أخرى من مؤسسات المجتمع المدنى وفق هذه الأسس والقيم فإنه يتدرب عمليا علي أهم مقومات الديمقراطية ويصبح مهيأ للانخراط فى النشاط العام بالمجتمع فى إطار ديمقراطى، وعندما يكتسب المواطن خبرة الممارسة وفق هذه الأسس أو القيم فإنه يصبح طرفا فاعلا ومشاركا فى الممارسة الديمقراطية فى المجتمع كله.
يتحقق له ذلك عندما يشارك فى العمل العام متطوعا، وعندما يمارس نشاطا جماعيا فى إطار حقوق وواجبات محددة، وعندما يشترك فى المناقشات داخل هيئات المنظمة أو يمارس حقوقه فى التصويت والترشيح لعضوية هذه الهيئات ويلعب دورًا فى متابعة النشاط وتقييمه ويراقب أداء الهيئات القيادية بالمؤسسة.
وعندما تتوفر لأوسع دائرة من المواطنين امكانية المشاركة الفعالة من خلال منظمات المجتمع المدنى، وعندما تتوفر لهذه المنظمات حياة داخلية ديمقراطية تمكن الأعضاء من القيام بهذه الأدوار فى نشاط هذه المنظمات وحياتها الداخلية، هنا تنشأ امكانية حقيقية لقيام مجتمع مدنى شعبى وديمقراطى يكون بمثابة البنية التحتية لنظام ديمقراطى فاعل فى المجتمع كله. وبذلك تصبح الديمقراطية بناءًا من أسفل يشمل الشعب كله تربية وتريبا وممارسة فى مختلف ميادين الحياة اليومية، ويصبح الشعب عندها طرف أساسيا فى معادلة الحكم، وتكون الديمقراطية السياسية محصلة هذا كله، وبذلك يتأكد مفهوم الديمقراطية كنظام للحياة وأسلوب لتيسير المجتمع، ويتأكد أيضًا أن الديمقراطية لا يمكن أن تأتى كمنحة من الحكام ولكن الشعب ينتزعها كحقوق وآليات ومؤسسات عندما يكون قادرا على ممارستها، وعندما تنضج حركته فى إطار قيمها، وتتوفر له القدرة من خلال عمل جماعى منظم لتعميمها فى سائر مجالات الحياة اليومية وفى مؤسسات الحكم أيضًا، وفى علاقة الدولة بالمواطنين ومؤسسات الدولة ببعضها وعلاقات المواطنين ببعضهم وذلك بعد أن أعيتنا الحبل فى أن يتم بناء الديمقراطية من أعلى بواسطة الحكام الذين طالما توجه إليهم الخطاب السياسى للمعارضة والقوى الديمقراطية أن يتخذوا الأجراءات ويصدروا التشريعات اللازمة لتحقيق التطور الديمقراطى ولكن دون جدوى.
يقوم المجتمع المدنى بدوره فى بناء الديمقراطية على مستويين أولهما دور ثقافى وتعبوي يتحقق من خلال نهوض مؤسسات المجتمع المدنى بوظائفها الأساسية فى المجتمع، وثانيهما دور تربوى يتحقق من خلال الممارسة الديمقراطية والتدريب العملى على الأسس الديمقراطية فى الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدنى . وفيما يلى نعرض بقدر أكبر من التفصيل لهذين الدورين من خلال استعراض وظائف المجتمع المدنى وتأثيرها على المجتمع فيما يتصل ببناء الديمقراطية، والحياة الداخلية الديمقراطية لمؤسسات المجتمع المدنى ودورها فى اكساب الاعضاء الخبرة اللازمة لممارسة الديمقراطية فى المجتمع.
وظائف المجتمع المدنى وعلاقتها بالديمقراطية :
المجتمع المدنى من وجهة نظر الطبقات الحاكمة هو وسيلتها لاستكمال سيطرتها على المجتمع من خلال آلية الهيمنة الايديولوجية الثقافية حيث لا تسعفها آلية القمع باستخدام أجهزة الدولة فى ضمان السيطرة الكاملة على المجتمع . ولكن المجتمع المدنى من وجهة نظر الطبقات المحكومة هو ساحة للصراع تستطيع من خلاله أن ترسى أساسا هيمنة مضادة تمكنها من توسيع نطاق تأثيرها فى المجتمع، والدفع فى اتجاه توسيع الهامش المتاح لها للحركة والتأثير وبلورة آليات ديمقراطية تسمح بتسوية المنازعات سلميًا وتعمق عملية التطور الديمقراطى للمجتمع، وقد تبلورت فى هذا الاطار خمس وظائف أساسية تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى لتحقيق هذا الدور هى :
1 – وظيفة تجميع المصالح :
حيث يتم من خلال مؤسسات المجتمع المدنى بلورة مواقف جماعية من القضايا والتحديات التى تواجه اعضاءها، وتمكنهم من التحرك جماعيا لحل مشاكلهم وضمان مصالحهم على أساس هذه المواقف الجماعية، وتمارس هذه الوظيفة بشكل أساسى من خلال النقابات العمالية والمهنية والغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال وسائر المنظمات الدفاعية. من خلال هذه الوظيفة يتعلم الأعضاء كيفية بحث مشاكلهم ودراسة الأوضاع القائمة فى المجتمع وتحديد كيفية الحفاظ على مصالحهم فى مواجهة مصالح فئات أخرى وصياغة مطالب محددة قد تكون جزئية فى بعض الأحيان أو تتضمنها برامج متكاملة، وتكشف هذه البرامج المطلبية للأعضاء عن وحدة مصالحهم وأهمية التضامن بينهم. لحمياتها ولتنفيذ البرامج المطلبية التى تعبر عنها. ومن خلال تحركهم لتنفيذها يكتشفون أهمية التضامن فيها بينهم وأهمية التحرك الجماعى، كما يكتسبون قدرة متزايدة على التفاوض حولها مع الأطراف الأخرى. وهذه كلها خبرات ضرورية لممارسة الديمقراطية على مستوى المجتمع كله. يستوى فى ذلك خبرة صياغة الأهداف والمطالب أو البرامج، وخبرة التحرك الجماعى، وخبرة التفاوض والوصول إلى حلول وسط . وبهذا فإن وظيفة تجميع المصالح التى تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى لا تقتصر نتائجها على العمل المباشر لهذه المؤسسات بل تمتد إلى المجتمع فتوفر لاعضائه هذه الخبرات الهامة للممارسة الديمقراطية السياسية.
2 – وظيفة حسم وحل الصراعات :
حيث يتم من خلال مؤسسات المجتمع المدنى حل معظم النزاعات الداخلية بين أعضائها بوسائل ودية دون اللجوء إلى الدولة وأجهزتها البيروقراطية، وبذلك فإن مؤسسات المجتمع المدنى تجنب أعضاءها المشقة وتوفر عليهم الجهد والوقت ، وتجنبهم كثيرا من المشاكل التى تترتب على العجز عن حل ما ينشأ بينهم من منازعات، وتسهم بذلك فى توطيد وتقوية أسس التضامن الجماعى فيما بينهم، وإذا كانت الديمقراطية بالمفهوم الأجرائى الذى عرضناه من قبل هى صيغة لإدارة الصراع فى المجتمع بوسال سلمية فإن حل المنازعات بين الأعضاء بوسائل ودية داخل مؤسسات المجتمع المدنى هو أساس ممارسة الصراع سلميا على مستوى المجتمع بين الطبقات والقوى الاجتماعية والسياسية، وعندما ينجح الأعضاء فى حل منازعاتهم بالطرق الودية داخل مؤسساتهم المدنية فإنهم يكتسبون الثقافة والخبرة اللازمة لممارسة الصراع الطبقى والسياسى فى المجتمع بوسائل سلمية. تشمل هذه الخبرة والثقافة الاعتراف بالآخر وبحقوقه ومصالحه والحوار معه والوصول إلى حلول وسط من خلال التفاوض، وهكذا تلعب وظيفة حسم وحل الصراعات وديا داخل مؤسسات المجتمع المدنى دورا هامًا فى تهيئة المجتمع لممارسة الديمقراطية السياسية وجوهرها إدارة الصراع والمنافسة بوسائل سلمية.
3 – زيادة الثروة وتحسين الأوضاع :
بمعنى القدرة على توفير الفرص لممارسة نشاط يؤدى إلىزيادة الدخل من خلال هذه المؤسسات نفسها مثل المشروعات التى تنفذها الجمعيات التعاونية الانتاجية والنشاط الذى تقوم به الجمعيات التعاونية الاستهلاكية والمشروعات الصغيرة والمدرة للدخل التى تقوم بها الجمعيات الأهلية ومشروعات التدريب المهنى الذى تقوم به النقابات المهنية والعمالية لزيادة مهارات أعضائها مما يمكنهم من تحسين شروط عملهم وزيادة دخولهم ، وقد أثبتت الدراسات الميدانية أن تمتع المواطنين بأوضاع اقتصادية جيدة وقدرتهم على تأمين مستوى دخل مناسب لأسرهم يساعدهم على ممارسة النشاط السياسى والاهتمام بالقضايا العامة للمجتمع. وعلى العكس من ذلك فإن سوء الأحوال الاقتصادية يشغل الناس فى البحث عن لقمة العيش فلا يتوفر لهم الوقت الكافي للمشاركة السياسية مما يعطل التطور الديمقراطى للمجتمع نظرا لانصراف الناس عن الاهتمام بقضايا المجتمع العامة والمشاركة فى حلها.
4 – افراز القيادات الجديدة :
يتطور المجتمع وتنضج حركته بقدر ما يتوفر له من قيادات مؤهلة للسير به إلى الأمام باستمرار. ولكى يواصل المجتمع تقدمه فإنه فى حاجة دائمة لاعداد قيادات جديدة من الاجيال المتتالية.
ونحن نقصد بالقائد ذلك الانسان الذى يتمتع بنفوذ حقيقى على جماعة محددة من الناس تثق فيه وتسعى إليه كلما واجهتها مشكلة، تتلمس منه الحل لهذه المشكلة أو تعرف منه على الأقل كيفية مواجهتها، وتستجيب لنصائحة وتتحرك فى الاتجاه الذى يحدده لها وتسير معه واثقة من قدرته على قيادتها نحو ما يحقق مصالحها، وثقة الجماهير فى قائدها لا تأتى من فراغ ولكنها تتحقق عبر التجربة والممارسة، وتتم عبر فترة زمنية مناسبة تختبر خلالها قدرته على فهم مشاكلها والتفاعل معها وسلامة رؤيته لكيفية حل هذه المشاكل. من هنا فإن الصفات الأساسية التى يجب أن تتوفر فى القائد لكى يكون جديرا حقا بالقيادة هى : الحركية والمعرفة العلمية والشعبية. ولا يختلف هذا كثيرا عن قولنا أن القيادة موهبة وعلم وفن. فالخط الطبيعى لتطور القائد هو أنه من خلال حركته وسط جماعة محددة من الناس ونشاطه معهم يكتسب المعرفة بأحوالهم وظروفهم ويطور هذه المعارف باستمرار، وعلى قدر تفاعله مع هذه الجماعة وخدمته لها وبخاصة فى حل مشاكلها فإنه يكتسب شعبية بين أفرادها فيلجأون إليه كلما دعت الحاجة إلى ذلك. ومن خلال هذه المسئولية فإنه يطور معرفته بأحوالهم ويزداد الماما بأوضاعهم فتزداد قدرته على التنبة مبكرا إلى مشاكلهم قبل أن تستفحل ويكون أول من يطرح عليهم هذه المشاكل وكيف يمكن مواجهتها فتزداد شعبيته ويزداد نفوذه وتأثيره لدى دوائر أوسع من هذه الجماهير، ويتحول من قائد نوعى أو محلى يعمل فى قطاع جماهيرى أو جغرافى محدد إلى قائد سياسى ينشط على مستوى المجتمع كله، وبذلك تزداد ثروة المجتمع من القيادات.
وتكوين القيادات الجديدة بهذا المفهوم يبدأ داخل مؤسسات المجتمع المدنى فى النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية والتعاونيات والمنظمات الشبابية والنسائية.. إلخ. حيث تعتبر مؤسسات المجتمع المدنى فى الحقيقة المخزن الذى لا ينضب للقيادات الجديدة، ومصدرًا متجددًا لإمداد المجتمع بها فهى تجتذب المواطنين إلى عضويتها، وتمكنهم من اكتشاف قدراتهم من خلال النشاط الجماعى، وتوفر لهم سبل الممارسة القيادية من خلال المسئوليات التى توكلها لهم، وتقدم لهم الخبرة الضرورية لممارسة هذه المسئولية، وتؤكد الدراسات الميدانية أن العناصر النشطة فى مؤسسات المجتمع المدنى والتى تتولى فيها مسئوليات قيادية هى القاعدة الأساسية التى يخرج منها قيادات المجتمع المحلية والقومية ابتداء من أعضاء المجالس الشعبية المحلية إلى القيادات البرلمانية فى المجالس التشريعية إلى قيادات الأحزاب السياسية على كل المستويات، وبذلك تساهم مؤسسات المجتمع المدنى فى دفع التطور الديمقراطى بالمجتمع وانضاجه من خلال ممارستها لوظيفة افراز القيادات (3)
5 – اشاعة ثقافة مدنية ديمقراطية :
من أهم الوظائف التى تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى إشاعة ثقافة مدنية ترسي فى المجتمع احترام قيم النزوع للعمل الطوعى، والعمل الجماعى، وقبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخر، وإدارة الخلاف بوسائل سلمية فى ضوء قيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس والصراع السلمى، مع الالتزام بالمحاسبة العامة والشفافية، وما يترتب على هذا كله من تأكيد قيم المبادرة الذاتية وثقافة بناء المؤسسات، وهذه القيم هى فى مجملها قيم الديمقراطية. من هنا فإن اشاعة الثقافة المدنية التى تمكن لهذه القيم فى المجتمع هى خطوة هامة على طريق التطور الديمقراطى للمجتمع حيث يستحيل بناء مجتمع مدنى دون توافر صيغة سلمية لإدارة الاختلاف والتنافس والصراع طبقا لقواعد متفق عليها بين جميع الأطراف، ويستحيل بناء مجتمع مدنى دون الاعتراف بالحقوق الأساسية للانسان خاصة حرية الاعتقاد والرأى والتعبير والتجمع والتنظيم ومن ثم فإن دور المجتمع المدنى فى إشاعة الثقافة المدنية بهذا المفهوم هو تطوير ودعم للتحول الديمقراطى فى نفس الوقت، ويتأكد دور المجتمع المدنى أيضًا فى نشر هذه الثقافة من خلال الحياة الداخلية لمؤسساته التى ترعى وتنشئ الأعضاء على هذه القيم وتدربهم عليها عمليا من خلال الممارسة اليومية.
الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدنى والتدريب على الممارسة الديمقراطية :
تعتبر مؤسسات المجتمع المدنى الاطار الأمثل لتربية المواطنين لتمثل القيم الديقمراطية فى حياتهم اليومية وتدريبهم عمليًا على الممارسة الديمقراطية واكسابهم خبرة هذه الممارسة من خلال النشاط اليومي لهذه المؤسسات خاصة وأن هذه المؤسسات تضم فى عضويتها عشرات الملايين من المواطنين الذين اجتذبتهم إلى عضويتها لما تقوم به من دور فى الدفاع عن مصالحهم، أو تقديم خدمات لهم، أو تحسين أحوالهم المعيشية. وتلعب مؤسسات المجتمع المدنى دورها التربوى والتدريب على العملية الديمقراطية من خلال العلاقات الداخلية لكل مؤسسة والتى تنظمها لائحة داخلية أو نظام أساسى يحدد حقوق وواجبات الأعضاء، وأسس إدارتها من خلال مجلس إدارة منتخب وجمعية عمومية تضم كل الأعضاء وتعتبر أعلى سلطة فى المؤسسة تنتخب مجلس الإدارة وتراقب أداءه وتحاسبه على ما يحققه من نتائج. وما تتضمنه هذه العملية من مشاركة فى النشاط والتعبير عن الرأى والاستماع إلى الرأى الآخر، والتصويت على القرارات، والترشيح فى الانتخابات، وانتخاب أعضاء مجلس الإدارة، وهى جمعيا أمور ضرورية لأى ممارسة ديمقراطية. وكلما أصبحت مؤسسات المجتمع المدنى أكثر ديمقراطية فى حياتها الداخلية فإنها تكون أقدر على المساهمة فى التطور الديمقراطى للمجتمع كله، وأكثر قدرة على اكساب اعضائها الثقافة الديمقراطية، وتدريبهم عمليا من خلال النشاط اليومى على خبرة الممارسة الديمقراطية.
هناك معايير محددة يمكن من خلالها قياس مدى ديمقراطية مؤسسات المجتمع المدنى وقدرتها على المساهمة فى بناء الديمقراطية على نطاق المجتمع كله، فى مقدمة هذه المعايير :
1 – مدى النمو فى العضوية الفاعلة والنشطة :
تتحدد ديمقراطية أى مؤسسة أو منظمة بعوامل متعددة يأتى على رأسها مدى اتساع العضوية النشطة والفاعلة فيها ونموها فترة بعد أخرى، كما تقاس ديمقراطية المنظمة بمدى مشاركة الأعضاء فى نشاطها ابتداء من تخطيط النشاط إلى التنفيذ ومراقبة الأداء وتقييمه، وانتخاب قيادة المؤسسة (مجلس الإدارة). وكلما نجحت مؤسسات المجتمع المدنى فى اجتذاب أكبر عدد ممكن من المواطنين إلى عضويتها ، وكلما نجحت فى اجتذابهم للمشاركة النشطة فى برامجها وفى حياتها الداخلية فإنها تساهم بذلك فى تهيئة المجتمع للممارسة الديمقراطية حيث ستزداد قاعدة المواطنين المؤهلين المتحمسين للديمقراطية الذين اكتسبوا بالفعل من خلال عضويتهم للمنظمات الشعبية والمدنية قيما ديمقراطية وخبرات عملية فى ممارسة المفاهيم الديمقراطية والعمل وفق الآليات الديمقراطية. وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للمجتمعات العربية التى لا تسودها ثقافة مدنية ديمقراطية ومازالت الثقافة الأبوية تؤثر فى حركة شعوبها ، كما أنها مازالت حديثة العهد بالمؤسسات الديمقراطية والآليات الديمقراطية وكلما زاد عدد المواطنين المسلحين بالثقافة الديمقراطية والممارسة الديمقراطية داخل مؤسساتهم المدنية كلما انعكس ذلك ايجابيا على المجتمع كله.
2 – مستوى المشاركة فى حضور الجمعية العمومية :
من المعروف أن الجمعية العمومية فى أى مؤسسة مدنية كالنقابات والجمعيات والتعاونيات هى أعلى سلطة بهذه الجمعية وهى تضم جميع أعضاء المؤسسة وتجتمع دوريا مرة كل سنة على الأقل. وإذا كان النمو فى عضوية المؤسسة يعتبر مؤشرا على قدرة المنظمة على اجتذاب نشطاء جدد وتهيئتهم للممارسة الديمقراطية، فإن مستوى مشاركة هؤلاء الأعضاء فى اجتماعات الجمعية العمومية يشير إلى مستوى فاعليتهم، لأنهم يساهمون من خلال ذلك فى تحديد برامج عملها وأولويات نشاطها، ويتعلمون من خلال اجتماعات الجمعية العمومية كيفية مناقشة القضايا العامة، وكيفية إدارة الحوار مع الأخرين والاستماع إلى آرائهم وتحديد القضايا موضع الاتفاق، وصياغة القرارات على أساس هذه القضايا المشتركة، وهى جميعا خبرات ضرورية للممارسة الديمقراطية. كما يتاح للاعضاء من خلال حضور اجتماعات الجمعية العمومية مراقبة الأداء ومحاسبة مجلس الادارة على نشاطه، وما حققه من انجازات ويساهمون بذلك فى إعلاء شأن قيم الشفافية والمحاسبة فى الحياة الداخلية للمؤسسة أو المنظمة وهى قيم أساسية فى الممارسة الديمقراطية فى المجتمع كله ويساعدهم ذلك على العمل وفق هذه القيم فى الحياة العامة للمجتمع وخاصة فى الحياة السياسية.
ويمارس الأعضاء أيضًا من خلال حضور اجتماعات الجمعية العمومية الترشيح لعضوية مجلس الادارة وانتخاب اعضاء المجلس الجديد وبذلك يكتسبون خبرة إدارة العملية الانتخابية وفق آليات ديمقراطية سواء فى الترشيح أو التصويت أو الدعاية أو فرز الأصوات وإعلان النتائج، وهى صورة مصغرة مما يحدث فى الانتخابات البرلمانية أو انتخابات المجالس الشعبية المحلية. وعندما يحرص المواطنون على أن تتم عملية الانتخابات داخل مؤسساتهم المدنية وفق الآليات الديمقراطية فإنهم سوف يحرصون بعد ذلك على توافرها فى العملية الانتخابية للسلطة التشريعية والمجالس المحلية. وتكون هذه خطوة أخرى نحو دفع التطور الديمقراطي للمجتمع كله.
3 – معدلات التغيير فى عضوية مجالس الادارة :
تقاس ديمقراطية أى مؤسسة أيضاً بمعدلات التغيير فى هيئاتها القيادية لإتاحة الفرصة لتداول القيادة أمام أكبر عدد ممكن من أعضائها للتدريب على القيادة واكتساب خبراتها . ومن ثم يتأهل هؤلاء الأعضاء للمشاركة فى العمل العام خارج مؤسستهم أو منظمتهم ويتزودون بالخبرة اللازمة للقيام بدور قيادى. وبذلك تساهم مؤسسات المجتمع المدنى فى تزويد مجالات المجتمع المختلفة بالقيادات الجديدة مما يعزز التطور الديمقراطى للمجتمع بصفة عامة حيث يتوفر للمجتمع اعداد متزايد باستمرار من الموطنين المسلحين بخبرات قيادية والذين مارسوا بالفعل عملية القيادة على نطاق محدود يتطلعون إلى القيام بدور أكبر فى المجتمع فينشطون فى الاحزاب السياسية ويصعدون إلى مواقع قيادية أعلى فيها كما يتقدمون لعضوية المجالس التشريعية والمحلية وبذلك تزداد ثروة المجتمع من القيادات ذات الخبرة، وينعكس ذلك على الحياة السياسية للبلاد وعلى المنافسة السياسية التى يمكن أن تتم وفق قيم وآليات ديمقراطية إذا نجحت مؤسسات المجتمع المدنى فى تحقيق التداول داخلها فى هيئاتها القيادية المنتخبة ووفرت بذلك أعدادا متزايدة من القيادات تتحرك للنشاط فى مجالات سياسية مباشرة وتساهم فى تعزيز الديمقراطية السياسية فى المجتمع كمحصلة ونتيجة لتعزيز الممارسة الديمقراطية فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالمجتمع.
4 – آلية اصدار القرارات :
من المهم لتعزيز الطابع الديمقراطى لأى منظمة أن يتم توزيع السلطة داخلها وأن تصدر القرارات من هيئاتها القيادية باسلوب ديمقراطى وألا تكون المؤسسة أو المنظمة صورة مصغرة مما يجرى فى المجتمع من احتكار فئة محدودة للسلطة أو انفراد فرد واحد بها، ونحن نلاحظ أن نمط القيادة الأبوية هو النمط السائد فى مجتمعاتنا العربية حيث ينفرد بالقيادة شخص واحد هو الأب فى الاسرة والناظر فى المدرسة والمدير فى وحدة العمل والرئيس على نطاق المجتمع كله. وما لم يتغير هذا النمط فى القيادة فإنه لا أمل فى تطور المجتمع ديمقراطيا، ومن هنا أهمية بلورة نمط قيادى مختلف هو النمط الديمقراطى داخل مؤسسات المجتمع المدنى من خلال اصدار القرارات فيها طبقا لما يحدده نظامها الأساسى أى من السلطة المختصة سواء كانت مجلس الادارة أو الجمعية العمومية. وأن تطرح أولا كافة الآراء حول القضية المطلوب استصدار قرار بشأنها ويتم الاستماع إلى اصحابها، ويجرى النقاش بحرية قبل صدور القرار ، وأن تطرح الآراء المختلفة للتصويت ويحترم رأى الأغلبية. ومن جهة أخرى يجب توزيع المسئولية داخل الهيئة القيادية وداخل المؤسسة كلها فلا ينفرد بالتنفيذ شخص واحد ولا ينفرد بإدارة العمل اليومى شخص واحد بل يقوم كل عضو قيادى بتحمل جانب من مسئولية التنفيذ، وبذلك يكتسب أكبر عدد منهم خبرات لها قيمتها فى تكوين شخصيته القيادية تساعده على مزيد من النضج للممارسة القيادية وتعزيز القيم والآليات الديمقراطية، فتصبح بذلك الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدنى مثالا ايجابيا ينعكس على مجالات المجتمع الأخرى.
5 – حجم العمل التطوعى فى نشاط وإدارة المؤسسة :
يعتبر العمل التطوعى بمؤسسات المجتمع المدنى أساس العضوية الفاعلة وشرطًا ضروريًا للمارسة الديمقراطية داخلها، ويتوقف عليه حجم مشاركة الأعضاء فى نشلطها والرقابة على أدائها ومدى مشاركتها فى تحديد أهداف النشاط وأولوياته والمشاركة فى الإدارة. فإذا زاد حجم العاملين بأجر عن المتطوعين فإن ذلك يعكس انحرافًا كبيرًا عن الأسس التى قامت عليها مؤسسات المجتمع المدنى وهو العمل التطوعى، ويحولها إلى مؤسسات خدمية يؤدى الخدمة فيها مجموعة من الموظفين والعاملين بأجر مما يبعدها عن رسالتها الحقيقية فى المجتمع، وما يتصل بصفة خاصة بتهيئة الفرصة للمواطنين للقيام ينشاط جماعى تطوعى يكتشفون من خلاله كيف يساهمون فى حل مشاكلهم واشباع حاجاتهم الأساسية وممارسة الأنشطة المفيدة لهم، ويكتسبون فى نفس الوقت ثقافة وخبرة الممارسة الديمقراطية التى تقوم فى أساسها على العمل التطوعى سواء فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أو فى المجال السياسى.
6 – مشاركة المرأة فى نشاط وإدارة المؤسسة :
للموقف من المرأة أثره فى التطور الديمقراطى للمجتمع، مما يتطلب أتاحة الفرصة كاملة أمام المرأة للمشاركة فى مختلف مجالات العمل الوطنى وما يتصل منها بصفة خاصة بمؤسسات المجتمع المدنى التى تعبئ الجهود الشعبية من أجل أوسع مشاركة فعالة فى مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وضمان اسهام الناس فى حل مشاكلهم بأنفسهم مما يعزز ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على تحمل مسئوليات عامة من خلال المشاركة الشعبية السياسية. ويحول دون مشاركة المرأة فى هذه المجالات نظرة تقليدية محافظة تقوم على التمييز بين الرجل والمرأة ولا توافق على منحها فرصة متساوية للمشاركة فى العمل العام وهو ما يتعارض مع الديمقراطية ويحول فى نفس الوقت دون تعبئة كل طاقات المجتمع لمواجهة مشاكله المتعددة. من هنا فإن الاهتمام يتوسيع مشاركة المرأة داخل مؤسسات المجتمع المدنى وزيادة مشاركتها فى قيادة هذه المؤسسات يساهم بلاشك فى تعزيز التطور الديمقراطى للمجتمع حيث ستمكنها هذه المشاركة من اكتساب الخبرات اللازمة للقيام بدور قيادى فى مجالات أخرى ومن بينها المجال السياسى.
هكذا يمكن القول أن مؤسسات المجتمع المدنى تقوم بدور هام فى تهيئة المجتمع لممارسة ديمقراطية حقيقية سواء من خلال وظائفها التقليدية أو من خلال حياتها الديمقراطية، ويكون للمجتمع المدنى دور حقيقى فى بناء الديمقراطية فى مجتمعاتنا عندما تتاح له الفرصة كاملة للقيام بهذه الوظائف أو بتعزيز الطابع الديمقراطى للحياة الداخلية لمؤسساته.

هوامش الفصل الثالث

(1) د. سعد الدين ابراهيم، المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى فى الوطن العربى، مركز ابن خلدون، القاهرة، التقرير السنوى 1993. ص 13.
(2) د. أمانى قنديل، إلى أى حد يمكن الحديث عن مجتمع مدنى متطور فى مصر؟، ورقة مقدمة إلى مؤتمر مستقبل التطور الديمقراطى فى مصر، جماعة تنمية الديمقراطية 2-3 نوفمبر ،1997 القاهرة. ص 3.
(3) عبد الغفار شكر، المجتمع المدنى العربى، جريدة البيان، الامارات العربية المتحدة، 16 ابريل 1994.
ودور العمل الجماهيرى فى اكتشاف قيادات جديدة، محاضرة غير منشورة، أمانة التثقيف، حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، القاهرة.
دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الرابع والأخير
مشكلات الواقع وآفاق المستقبل
لا تستطيع مؤسسات المجتمع المدنى أن تقوم بدورها المأمول بفاعلية فى بناء الديمقراطية فى المجتمعات العربية، فهذه المجتمعات تعانى من بقايا الاستبداد وتمركز السلطة فى يد فئات محدودة، كما تعانى من ضعف شديد فى المشاركة الشعبية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد انعكست هذه الأوضاع على موسسات المجتمع المدنى سلبيا حيث توجد العديد من القيود التى تحول دون تطور مؤسسات المجتمع المدنى وتحولها بالفعل إلى مؤسسات ديمقراطية قادرة على الاسهام فى البناء الديمقراطى بالمجتمع، وتتحمل القوى الديمقراطية مسئولية العمل على تقوية المجتمع المدنى وتحريره من القيود التى تحد من حركته وتأثيره والسير فى نفس الوقت على طريق التطور الديمقراطي، وأى نجاح تحرزه القوى الديمقراطية فى إحدى المهتمين سوف يؤثر ايجابيا فى الأخرى وسيساعد بالتالى علي مضاعفة الآثار المترتبة على النتائج المتحققة. ومن الخطأ أن تركز القوى الديمقراطية على إحدى المهمتين فقط متصورة أن إنجازها سوف يساعد على معالجة المهمة الأخرى، فلا يمكن بناء الديمقراطية فى أى مجتمع تغيب عنه مؤسسات مدنية فعالة، ولا يمكن كذلك تقوية المجتمع المدنى فى مجتمع تغيب عنه الحريات والحقوق الأساسية والمؤسسات والآليات اللازمة للممارسة الديمقراطية، وبالتالى لن تتحقق نتائج ملموسة باعطاء الأولوية لاحدى المهتمين بل يتعين السير نحو تحقيقهما معا. ولكى تتمكن القوى الديمقراطية من صياغة استراتيجية نضالية تهدف إلى تحقيق مزيد من التطور الديمقراطية وتقوية المجتمع المدنى فى آن واحد، فإنه يتعين علينا أولاً أن نتعرف على الأوضاع الحالية لمؤسسات المجتمع المدنى وكيف أثرت عليها الأوضاع السلطوية وحاصرتها ومن ثم نطرح كيفية معالجة هذه الأوضاع التي تجسد مشكلات الواقع الراهن في معظم المجتمعات العربية من خلال الاستراتيجية المقترحة للانتقال إلي آفاق مستقبلية تنضج في إطارها عملية البناء الديمقراطي وتقوية المجتمع المدني
أولاً: تأثير السلطوية على المجتمع المدنى
يمر المجتمع المدنى فى الوطن العربى بمرحلة انتقالية بالغة الصعوبة والتعقيد، تتشابك فيها الأبعاد العالمية والدولية، والمتغيرات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتيارات الفكرية والثقافية. وقد اتسع نطاق المجتمع المدنى المنظم من 20 ألف مؤسسة فى منتصف الستينات إلى 70 الف فى أواخر الثمانينيات، ومع ذلك فهى تعانى فى مجملها العديد من القيود والعوامل المحبطة الناجمة عن تعثر التحول الديمقراطى فى الوطن العربى. وتتفاوت أوضاع هذه المؤسسات من قطر لأخر باختلاف النظم السياسية رغم أنها تلتقى جميعا فى تركيز السلطة فى يد فرد أو نخبة محدودة تهيمن من خلالها السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى وعلى المجتمع. ففى مجموعة الأقطار التى تشهد تعددية سياسية وحزبية مقيدة أو توجها نحو الديمقراطية مثل لبنان والمغرب ومصر والأردن واليمن والجزائر وتونس هناك اتجاه لنمو الجمعيات الأهلية والمنظمات الاجتماعية الأخرى أكثر من النظم السياسية الأخرى المحافظة. وبالتالى تتنوع المنظمات وتنشط فى مجالات لا نجدها فى الأقطار الأخرى، وأوضح مثال لذلك منظمات حقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن المرأة والمنظمات التنويرية. أما فى أقطار الخليج العربى فإننا نلاحظ انخفاض حجم الجمعيات، وتكاد تختفى جمعيات حقوق الإنسان وكذلك المنظمات الدفاعية، ويتجه جزء كبير من الجمعيات إلى العمل الخيرى الذى يرتبط بالوازع الدينى كما هو الحال فى السعودية والكويت والبحرين والامارات. وفى دول أخرى حيث تسود نظم ذات طبيعة شعبوية تسلطية أو شمولية، فإن الدولة لا تسمح بتأسيس منظمات أهلية تعكس مبادرات المواطنين، لكنها تؤسس لجانا شعبية تكون امتداد للدولة كما هو الحال فى ليبيا، أو تؤسس اتحادات نوعية تهمين عليها الدولة كما هى حالة العراق (1) . وأيا كانت درجة الاختلاف فى وضع مؤسسات المجتمع المدنى من قطر لأخر فإن معظمها يعانى من التوتر فى العلاقة مع الأجهزة الإدارية لأكثر من سبب:
1-أعطت القوانين صلاحيات كاملة للحكومة من خلال الوزارات المختصة كالشئون الاجتماعية أو العمل أو الشباب أو الداخلية فى الإشراف على الجمعيات والمنظمات الأخرى. وقد تحولت هذه الصلاحيات فى التطبيق الفعلى إلى نوع من الإشراف والرقابة البيروقراطية التى انتقصت من استقلالية هذه المنظمات، كما تحولت فى بعض الأحيان إلى رقابة أمنية أثرت سلباً عليها.
2-فى بعض الأقطار العربية تتعدد مستويات الأشراف والرقابة من قبل الحكومة على المنظمات، مما يخلق مشاكل عديدة تعوق تنفيذ المشروعات التى تتبناها هذه المنظمات.
3-السلطات التى منحها القانون للحكومة فى بعض الأقطار العربية (مصر، سوريا، الامارات، الجزائر) لحل المنظمات الأهلية أو دمجها فى أخرى، تصبح أيضاً مصدراً للتوتر وعدم الثقة بين الطرفين، أو قد تتحول إلى سلطة للتهديد فى يد الدولة فى بعض الاحيان.
4-أصبحت عملية توزيع المخصصات المالية على الجمعيات الأهلية مصدراً آخر للتوتر بينها وبين الحكومة، وقد ارتبط ذلك بتدفق المعونات الاجنبية التى يجب أن تحظى بموافقة الحكومة، وفى حالات أخرى يتم توزيعها من خلال الحكومة مما يخلق حساسية بينها وبين القطاع الأهلى.
5-تختلف درجات التعاون أو التوتر بين الحكومات والجمعيات الأهلية باختلاف الأقطار العربية وباختلاف مجالات النشاط، فالتعاون يزداد بين الحكومة والمنظمات التى تسهم فى مساندة الدولة من خلال سد الفجوات أو ثغرات الأداء الحكومى، أو من خلال اضطلاع البعض منها بدور فى تنفيذ الخطة القومية بينما ترتفع حدة التوتر بين الحكومة والمنظمات إذا أدركت الأولى أن نشاط بعض هذه المنظمات يتضمن تهديداً أو تحديا لها. من أمثلة ذلك العلاقة بين بعض الحكومات العربية ومنظمات حقوق الإنسان. كذلك فإن التوتر بين الطرفين قد يجد مصدره فى الأشخاص القائمين على بعض هذه المنظمات حيث تبرز قيادتها كعناصر معارضة للحكم. ومن ثم فإننا نلحظ اتجاه بعض المنظمات نحو اختيار شخصيات على علاقة طيبة مع الحكومة، ليكونوا واجهة طيبة لهذه المنظمات ولضمان رضا الحكومة عما تقوم بـه من نشاط (2).
وقد استخدمت الحكومات أكثر من آلية لضمان سيطرتها على مؤسسات المجتمع المدنى.
أولاً: آلية التشريع:
استخدمت النظم السلطوية آلية التشريع للهيمنة على مؤسسات المجتمع المدنى واخضاعها للسيطرة الحكومية مما يحد من نموها وقيامها بالدور المطلوب منها واسهامها فى دعم التطور الديمقراطى للمجتمع وأجريت تعديلات على القوانين القائمة عندما تبين أنها لا تكفى لاحكام السيطرة على مؤسسات المجتمع المدنى من جمعيات أهلية ونقابات مهنية وعمالية واتحادات طلابية. ومنظمات حقوقية ودفاعية. وكان لهذا الإطار التشريعى الذى يفرض قيوداً عديدة على إنشاء ونشاط هذه المنظمات أكبر الأثر فى الحد من قدراتها وامكانيات نموها. وفيما يلى نعرض لنماذج من هذه القيود وما ترتب عليها من آثار سلبية:-
1-بالنسبة للتسجيل والاشهار:
تشترط كل الدول العربية ما عدا لبنان والمغرب موافقة السلطات الحكومية قبل بدء النشاط، وتوضع شروط مبهمة وغامضة لقيامها مثل عدم مخالفة النظام العام واثارة الفتنة وتستخدم هذه الشروط لرفض قيام الجمعيات التى لا تطمئن إليها الحكومة. ويعتبر قرار الرفض نهائياً لا يجوز التظلم منه أمام جهة قضائية فى بعض الأقطار العربية. ونرى نفس القواعد بالنسبة للنقابات العمالية والمهنية حيث لا يجوز إنشاء أكثر من نقابة لكل مهنة او أكثر من لجنة نقابية فى نفس الموقع.
2-سلطة حل الجمعيات:
يعتبر حل الجمعيات بواسطة السلطة الإدارية لا يقل خطورة وربما كان أكثر من رفض تأسيسها خاصة إذا أعطيت الجهات الإدارية حق حل الجمعيات فى غير المخالفات الخطيرة وبدون حق الاستئناف إلى القضاء. وفيما عدا لبنان والمغرب فإن معظم التشريعات العربية تعطى للسلطة الإدارية حق حل الجمعيات لأسباب متنوعة يمكن أن تصدر بشأنها عقوبات أقل مثل الانذار أو لفت النظر وليس حل الجمعية.
3-العلاقة بين السلطة الحكومية والمنظمات الأهلية
يتجاوز دور السلطات الحكومية بالنسبة للجمعيات حدود الرقابة والتوجيه بما يضمن سلامة الأداء وانتظام الأمور المالية وسلامة التصرفات المالية إلى حد الهيمنة والسيطرة الإدارية على الجمعيات، حيث تنص بعض القوانين على حق السلطة الإدارية فى إدماج الجمعيات وتعديل أغراضها واستبعاد بعض المرشحين لمجالس الإدارة وحق الاعتراض على القرارات، وتحديد الهياكل التنظيمية بشكل تفصيلى من خلال لائحة نموذجية تضعها الجهة الإدارية وتلتزم بها مجالس إدارة الجمعيات وللسلطات الحكومية حق الإطلاع على السجلات والغاء أنشطة معينة.
4-الموارد المالية:
تلتزم الجمعيات بمسك الدفاتر التى تحددها الجهة الإدارية وعدم الحصول على تبرعات ألا بعد موافقة الجهة الإدارية وضرورة تحديد مصادر التمويل، ويستخدم التمويل الأجنبى ذريعة لمحاربة الجمعيات واتخاذ إجراءات ضدها.
5-فرض عقوبات مغلظة على أعضاء مجالس الإدارة المخالفين يصل إلى عقوبة السجن مما يؤدى إلى أحجام المواطنين عن المشاركة فى العمل التطوعى خوفاً من التعرض لهذه العقوبات (3) .
ومن الجدير بالذكر أن النقابات العمالية والمهنية والجمعيات التعاونية والاتحادات الطلابية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدنى تخضع لنفس القيود تقريباً فى علاقتها مع السلطات الحكومية.
ورغم أن الدساتير فى معظم الأقطار العربية تؤكد حق المواطنين فى إنشاء الجمعيات والنقابات ألا أن التشريعات المطبقة تسلب المواطنين هذا الحق وتحرمهم من ممارسته بحرية. وكنموذج لهذا الوضع فإن قانون النقابات العمالية فى مصر يعطى للجهة الإدارية وهى وزارة العمل سلطات واسعة بالنسبة للنقابات مثل الحق فى الاعتراض على تكوين النقابة وطلب حل مجلس الإدارة المنتخب ومنح وزير العمل سلطة تحديد شروط العضوية فى مجلس الإدارة وقواعد تمثيل أعضاء اللجان النقابية فى النقابات العامة. وحق تحديد مواعيد الانتخابات وإجراءات الترشيح والانتخاب لمجالس الإدارة، وإصدار اللائحة النموذجية واعتماد اللائحة المالية ومراقبة مالية النقابات. وما تزال هذه الوصاية الإدارية قائمة رغم صدور حكم المحكمة الدستورية فى 15/4/1995 الذى ينص على “حق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها ووسائل تحقيقها وطرق تمويلها، والمواد والقواعد التى تنظم بها شئونها، ولا يجوز بوجه خاص ارهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق أو تمتعها بالشخصية الاعتبارية على قبولها الحد منها ولا أن يكون تأسيسها بأذن من الجهة الإدارية، ولا أن تتدخل هذه الجهة الإدارية فى عملها بما يعوق إدارتها لشئونها ولا أن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقابا لها، ولا أن تحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أفضل لتأكيد مصالح أعضائها والنضال من أجلها”.
ويؤكد موقف الحكومات من مؤسسات المجتمع المدنى أنها ما تزال تدير تفاعلات المجتمع بمنطق الحزب الواحد أو المسيطر وبآليات الاحتكار للقوة السياسية ولصناعة القرار، بل إن حصار المجتمع الأهلى يدل على رغبة هذه السلطة فى عدم السماح للتطورات والمبادرات المستقلة للجماهير بالإفلات من قبضة نظام الحكم (4) .
ثانياً: احتكار الإعلام والحد من حرية الصحافة:
يعتبر الإعلام الحر والمستقل جزءاً من المجتمع المدنى بما يوفره للمواطنين من معارف تساعد على غرس قيم الثقافة المدنية وتطورها مساهما بذلك فى تكوين رأى عام متفهم لضرورات تطوير مؤسسات يمارس المواطنون من خلالها دوراً إيجابياً فى الدفاع عن مصالحهم وتحسين أحوالهم، وممارسة التضامن الجماعى بما يقوى قدرتهم فى مواجهة إمكانيات الدولة الهائلة، كما يساعد الإعلام الحر والمستقل على تأكيد قيم الحوار والتسامح والتراضى على حلول وسط من خلال وسائل التنافس السلمية. ونحن نلاحظ أن هذا الدور الإعلامى مفتقد فى كثير من الأقطار العربية حيث تحرص الحكومات على إحكام سيطرتها على أجهزة الإعلام الجماهيرى كالتليفزيون والاذاعة واحتكارها بحيث لا تعبر ألا عن رأى الدولة، وتعمل هذه الحكومات أيضاً على الحد من حرية الصحافة. ولهذا فإن جزءاً هاماً من تحرك مؤسسات المجتمع المدنى والقوى الديمقراطية يجب أن يوجه إلى تحرير الإعلام من السيطرة الحكومية، واتاحة الفرصة لكل اتجاهات الرأى أن تعبر عن نفسها، وأن تتحول أجهزة الإعلام إلى منابر للحوار الحر ومصادر للمعلومات المتحررة من أى قيد، وإثراء معارف المواطنين بما يمكنهم من التجاوب مع متطلبات المشاركة الإيجابية، والتفاعل بشكل سليم مع التعددية الثقافية والدينية والسياسية التى هى احدى السمات الأساسية فى المجتمع العربى، ولتحقيق ذلك يكتسب تحرير الاذاعة والتليفزيون من سيطرة الحكومة أهمية خاصة، وتعديل القوانين المنظمة لها لتصبح جهازاً إعلاميا مستقلا تمثل فيها التيارات الفكرية والسياسية وتحصل من خلالها الأحزاب السياسية على فرص متكافئة لمخاطبة الشعب. والغاء الرقابة الحكومية على الإذاعة والتليفزيون عدا ما يتعلق بالآداب العامة. وتعديل قوانين الصحافة والمطبوعات والنشر لفتح الباب أمام حرية إصدار الصحف، وتعديل المواد والنصوص القانونية التى تفرض عقوبات قاسية على قضايا الرأى والنشر(5) .
ثالثاً: الحد من الحريات والحقوق الأساسية:
لا يمكن ان ينمو المجتمع المدنى وتنضج مؤسساته فى ظل مناخ غير ديمقراطى، وهناك ارتباط قوى بين تطور المجتمع المدنى والانتقال إلى الديمقراطية فى أى مجتمع من المجتمعات. وقد ربط الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بين الحق فى تكوين الجمعيات والحق فى المشاركة الشعبية وتوافر الحقوق والحريات الأساسية فى المجتمع، وحيث تتكامل هذه الجوانب الثلاثة باعتبارها شروطاً ضرورية للتطور الديمقراطى للمجتمع. ويلعب التضييق على الحريات والحقوق الأساسية دوراً محبطاً بالنسبة لإمكانيات تطور مؤسسات المجتمع المدنى وتشكل القيود المفروضة فى معظم الأقطار العربية على حرية التنظيم بما فى ذلك حق تشكيل الجمعيات وتأسيس النقابات عاملاً سلبياً يحول دون إسهام المواطنين فى العمل العام، كما يلعب دوراً مماثلاً القيود المفروضة على حرية الرأى وحق التعبير وما يتعرض له المواطن من انتهاك لحقوقه المدنية. ومن المهم أن تنتهى كافة القيود المفروضة على ممارسة الإنسان العربى لحقوقه وحرياته الأساسية لتمكينه من المشاركة فى القضايا العامة للمجتمع والمساهمة الإيجابية فى تكوين مؤسسات اجتماعية وشعبية متحررة من أى قيود حكومية.
الآثار السلبية للتضييق على مؤسسات المجتمع المدنى:
سوف نكتفى هنا بمعالجة الآثار السلبية لموقف النظم السلطوية من مؤسسات المجتمع المدنى على دور هذه المؤسسات فى دعم التطور الديمقراطى للمجتمع بشكل عام بما تقوم به من دور فى تربية أعضائها وفق قيم ديمقراطية وتدريبهم من خلال الممارسة ومن خلال الحياة الداخلية للجمعية على السلوك الديمقراطى واكسابهم الخبرة التى تمكنهم من المساهمة فى تعزيز التطور الديمقراطى بالمجتمع خارج مؤسساتهم. وقد أدت القيود التى أشرنا إليها فى علاقة الأجهزة الإدارية بمؤسسات المجتمع المدنى وبالنسبة لحق تأسيس الجمعيات وتمتع المواطنين بحرياتهم الأساسية واحتكار الإعلام للفئات الحاكمة، أدى هذا كله إلى آثار سلبية اضعفت الطابع الديمقراطى والدور الديمقراطى لمؤسسات المجتمع المدنى. ويمكن التعرف على هذه الحقيقة من خلال رصد واقع هذه المؤسسات فى المجالات الآتية:
1-مدى النمو فى العضوية الفاعلة والنشطة بالجمعية:
تتحدد ديمقراطية أى مؤسسة اجتماعية بعوامل متعددة يأتى على رأسها مدى مشاركة الأعضاء فى نشاطها ابتداءً من تخطيط النشاط إلى التنفيذ والتقييم ومراقبة الأداء وانتخاب القيادات، كما تتحدد ديمقراطية المؤسسة بمدى اتساع العضوية الفاعلة والنشطة ونموها فترة بعد أخرى. ولكننا نلاحظ أن عضوية كثير من الجمعيات الأهلية والمؤسسات القائمة على العضوية الاختيارية تتآكل عاما بعد الآخر ولا يوجد زيادة فى العضوية إلا بالنسبة للمؤسسات التى تشترط للاستفادة من خدماتها أن يكون المستفيد عضواً بها.
2-مستوى المشاركة فى حضور الجمعية العمومية للمنظمة:
وإذا كان النمو فى العضوية يعتبر مؤشراً على قدرة المنظمة على اجتذاب نشطاء جدد، فإن مستوى مشاركة العضوية وحضورها الجمعية العمومية للمنظمة (وهى أعلى سلطة فى المنظمة بحكم القانون) يشير إلى مستوى فاعلية الأعضاء ومشاركتهم فى صنع توجهاتها، وتحديد أولويات أنشطتها، والرقابة على أعمالها، وانتخاب قياداتها. وتؤكد الدراسات الميدانية عزوف الأعضاء عن حضور اجتماعات الجمعيات العمومية التى تنعقد بأقل نصاب قانونى بعد تأجيلها أكثر من مرة، وغالباً ما يقتصر الحضور على أعضاء مجلس الإدارة والعناصر المرتبطة بها والعاملين بأجر فى المنظمة. وبالتالى فإن اجتماعات الجمعية العمومية التى تعتبر أهم مؤسسات المشاركة داخل المنظمة هى اجتماعات شكلية لا تعكس مشاركة حقيقية وفاعلة للأعضاء، وتنفرد قلة محدودة العدد بإدارة المنظمة، مما يضعف الطابع الديمقراطى للمنظمة.
3-معدلات التغيير فى عضوية مجالس الإدارة:
تقاس ديمقراطية أى مؤسسة أيضاً بمعدلات التغيير فى عضوية هيئاتها القيادية لاتاحة الفرصة لتداول القيادة أمام أكبر عدد ممكن من أعضائها للتدريب على القيادة واكتساب خبراتها. ومن ثم يتأهل هؤلاء الأعضاء للمشاركة فى العمل العام خارج المنظمة ويتزودون بالخبرة اللازمة للقيام بدور قيادى. وبذلك تساهم مؤسسات المجتمع المدنى فى تزويد مختلف مجالات المجتمع بالقيادات الجديدة مما يعزز التطور الديمقراطى للمجتمع بصفة عامة. وتشير نتائج الدراسات الميدانية فى أكثر من قطر عربى إلى محدودية الدور الذى تقوم به هذه المؤسسات فى هذا الصدد، حيث يلاحظ جمود النخبة داخل المؤسسة واستمرارها فى القيادة لسنوات طويلة وارتفاع متوسط اعمارها مما لا يتيح للأجيال الجديدة فرصة حقيقية لتولى القيادة واكتساب خبراتها، وتتقاعس بذلك عن أداء أحد أدوارها الأساسية وهو تزويد المجتمع بالقيادات الجديدة.
4-آلية إصدار القرارات:
تنفرد النخبة المحدودة فى قيادة المنظمة باصدار القرارات المحددة لسياساتها وأولوياتها، ولا تتوفر بالتالى فرصة واسعة للمشاركة فى صنع سياسات المنظمة وتوجهاتها، حيث ينفرد مجلس الإدارة بالسلطة الفعلية فى إصدار معظم القرارات. ويشرف رئيس المجلس على العمل اليومى ويصدر القرارات المطلوبة لتسييره. وهكذا تصبح مؤسسات المجتمع المدنى صورة مما يجرى على مستوى السلطة العليا فى المجتمع من تركز القرار فى يد قلة محدودة أو فرد واحد، ولا يتوفر لها امكانية حقيقية لتجسيد نمط ديمقراطى فى القيادة ينعكس بعد ذلك على دوائر أوسع من مؤسسات المجتمع المدنى.
هكذا فإنه فى ظل السلطوية والسيطرة الحكومية على مؤسسات المجتمع المدنى لا تستطيع هذه المؤسسات أن تقوم بدور فعال فى التمكين للتطور الديمقراطى للمجتمع. وما يزال هناك فجوة كبيرة بين الدور المنوط بها وما تقوم به فعلاً. ومن المهم اختراق هذا الوضع بعمل نضالى طويل المدى يستهدف تحرير الإنسان العربى وتمكينه من السيطرة على مصيره انطلاقا من قدرته على بناء منظمات شعبية مستقلة يمارس من خلالها عملا جماعياً يؤهله للقيام بدور أكبر فى المجتمع، ويساهم أيضاً من خلال تطور هذه المنظمات فى دفع التطور الديمقراطى للمجتمع. وهناك بالفعل جهود مستمرة ومعارك متصلة بين مؤسسات المجتمع المدنى والقوى الديمقراطية وبين بقايا الاستبداد والأنظمة السلطوية سوف يحسمها فى النهاية قدرة هذه القوى والمؤسسات على ترسيخ ثقافة مدنية ديمقراطية فى المجتمع وتوفير أكبر قدر من الحريات والحقوق الأساسية وتطوير أشكال مناسبة للعمل الجماعى وإفراز قيادات جديدة تواصل حركة التطور الديمقراطى استناداً إلى مجتمع مدنى قوى ومستقل.
ثانياً: برنامج الإصلاح الديمقراطي: ويتضمن بشكل خاص:
1- اقرار مبدأ سيادة القانون ودولة المؤسسات.
2- احترام التعددية السياسية والنقابية والثقافية.
3- دعم استقلالية المبادرة الشعبية وإنهاء كافة القيود التي تحول دون تواجد مجتمع مدني قوي يتكون من منظمات مستقلة لمختلف فئات المجتمع: تنظيمات سياسية ونقابية واجتماعية وثقافية.
4- احترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
5- اشاعة ثقافة ديمقراطية تقوم علي قيم الحوار واحترام الرأي الآخر ورأي الأغلبية والتسامح والشفافية.
6- قيام إعلام ديمقراطي حر يكفل حرية تدفق المعلومات في المجتمع وتداول الآراء من مصادر متعددة دون قيود.
7- التوسع في أشكال المشاركة الشعبية المباشرة.
ثالثا: تقوية مؤسسات المجتمع المدني:
في إطار هذا البرنامج الديمقراطي للمجتمع كله يصبح من الممكن تطوير أوضاع منظمات المجتمع المدني لتكون أكثر فعالية ولتصبح بالفعل مؤسسات ديمقراطية قادرة علي الإسهام في التطور الديمقراطي للمجتمع كله وذلك من خلال:
1- تعديل التشريعات المنظمة للعمل الأهلي والمدني بحيث توفر استقلالية حقيقية في ممارسة النشاط.
2- تطوير التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني وإنشاء أجهزة فنية مشتركة لها وتنسيقها حملات إعلامية مشتركة لطرح قضاياها ومشاكلها علي الرأي العام بحيث يصبح مساندا لقيامها بدور حقيقي في التنمية والتطور الديمقراطي.
3- توفير المناخ المناسب لقيامها بنشاط فعال من خلال التمكين للقيم الثقافية المساعدة علي التحول الديمقراطي وانعكاسها في سلوك المواطنين كقيم التسامح والحوار والاعتراف بالآخر والإدارة السلمية للاختلافات والتنوع.
4- تطوير العلاقة مع الدولة: حيث أثبتت التجربة حرص الحكومات علي وضع مؤسسات المجتمع المدني تحت وصايتها، وتمارس معها سياسة مزدوجة، فهي تتخوف من المبادرات الأهلية المنظمة خاصة تلك التي تحمل رؤية شاملة وتتخذ موقفا متحفظا من المنظمات الدفاعية كمنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المرأة، ولكنها تتسامح مع المنظمات التي تنشأ في إطار اتفاقيات مع الدول المانحة للمساعدات لمواجهة المشاكل الناجمة عن التحول إلي اقتصاد السوق وسوف تبقي المواجهة بين الدولة والمجتمع المدني طالما بقيت سياسة الدولة تجاهها علي هذا الحال. ولذلك فمن المهم تطوير هذه العلاقة بحيث لا يفهم أن تقوية مؤسسات المجتمع المدني واستقلالها سيكون علي حساب أضعاف الدولة، لأننا في حاجة في ظروف العولمة إلي دولة قوية، قادرة، عادلة، تطبق الديمقراطية وتعطي المجتمع المدني فرصة النمو والازدهار. وفي هذا لإطار تعالج قضايا عديدة منها تطوير التشريعات القائمة وإلغاء القيود المفروضة علي مؤسسات المجتمع المدني لضمان استقلاليتها وديمقراطيتها الداخلية، والتأكيد علي أن العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني علاقة جدلية، تقوم علي التأثير المتبادل والمتطور، تبعا لتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهي علاقة تتراوح بين التكامل والصراع تبعا لمجال نشاط المؤسسة والتأكيد علي التكامل بين الدولة والمجتمع المدني فلكل منهما دوره الخاص. ويتطلب التعاون بين الطرفين لتحقيق هذا التكامل تحديد الأطر والآليات التي تكفل صياغة العلاقة بينها علي أسس موضوعية ومؤسسية مما ينعكس إيجابيا علي المجتمع.
5- تعميق الطابع المؤسسي للمجتمع المدني: يتطلب تقوية منظمات المجتمع المدني وتحولها إلي مؤسسات حقيقية تتوفر لها المقومات الأساسية التي لا يمكن بدونها أن تمارس نشاطها كمؤسسة مثل توفير البيئة الحقوقية التي تحدد وضعها القانوني في المجتمع وتكسبها الشرعية والاعتراف وتجديد شكلها القانوني ومجال تحركها، ووجود نظام أساسي يتضمن شروط العضوية، وتوزيع المهام وكيفية اتخاذ القرار وشروط تنفيذه وكذلك تحقيق الديمقراطية الداخلية. ومن المقومات الأساسية لتعميق الطابع المؤسسي تحديد أهداف المنظمة متضمنة إستراتيجياتها وبرامجها. ويتطلب تعميق الطابع المؤسسي لهذه المنظمات استنادا إلي الحقائق السابقة العمل الجاد من أجل تحسين البيئة الحقوقية بحيث تتوفر لها الشرعية وتدخل في إطار القوانين المرعية، والحرص علي تعميق الديمقراطية الداخلية لهذه المنظمات وتأكيد مبدأ الشفافية بالنسبة لبرامج النشاط والتمويل. وتنظيم برامج مستمرة لبناء الكادر البشري وما يتضمنه ذلك من بناء قدرات فردية وجماعية وتحديد اختصاصات الجميع وتزويدهم باستمرار بالمعارف والمهارات الضرورية. واستكمال البناء التنظيمي المتصل بالجهاز الإداري، وخلق الوظائف المناسبة في علاقة عمل سليمة بين العمل التطوعي والعمل المأجور. والحرص علي توافر الخبرة بالنسبة لإعداد الخطط وترجمة الأهداف إلي برامج عمل، وتقييم الإنجازات وضمان استدامة النشاط استنادا إلي الأنشطة المنفذة، وتطوير القدرة في الحصول علي تمويل مناسب لضمان استمرار النشاط واتساع نطاقه.
6- تطوير القدرات البشرية: وتشمل هذه العملية تدريب القيادات القائمة وتطوير قدراتها، واكتشاف قيادات جديدة، وتأهيلها لتحمل مسئوليات التخطيط والمتابعة والتقييم، وتوفير المهارات والخبرات الضرورية لها لممارسة مسئولياتها في كافة مجالات النشاط، ويدخل في ذلك تقديم مساعدات فنية لمؤسسات المجتمع المدني حول كيفية إعداد التقارير وإنشاء برنامج وطني لتدريب القيادات الوسيطة، والعمل علي إدخال مقررات دراسية عن العمل الأهلي بمؤسسات التعليم العالي وقيام هذه المؤسسات بدراسات وأبحاث حول المجتمع المدني ويشمل تطوير القدرات البشرية أيضا التدريب علي التكنولوجيا الجديدة وكيفية استعمال الكمبيوتر والفاكس والانترنيت، وذلك لبناء نوع من الارتباط مع المؤسسات الإقليمية والدولية ومراكز المعلومات بحيث تصبح مؤسسات المجتمع المدني جزءاً من شبكة من العلاقات والمصالح المشتركة علي مستوي القطر ومستوي الوطن العربي كله.
7- التمويل: تعتبر مشكله التمويل من أهم العوامل التي تعرقل عمل مؤسسات المجتمع المدني وتحد من نشاطها، وتلعب المساعدات المادية دوراً محوريا في تحديد اتجاهات عمل هذه المنظمات، ويرتبط التمويل بشروط عديدة تضع هذه المؤسسات تحت وصاية المانحين، مما يتطلب معالجة واعية لمشكلة التمويل حفاظا علي استقلالية مؤسسات المجتمع المدني وعدم الانحراف بنشاطها عن الدور الذي يجب أن تلعبه في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع ويتطلب ذلك العمل علي تخصيص موارد مالية من مصادر وطنية، وتوزيع الموارد المالية في جدول زمني محدد، وإنشاء صندوق قومي لدعم العمل الأهلي والمدني من موارد حكومية ومن القطاع الخاص والمؤسسات الدولية بحيث يكون متحرراً من أي شروط علي المجتمع المدني. وهناك حاجة ماسة إلي تطوير مهارات تدبير الموارد المالية وبصفة خاصة من خلال الأنشطة التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني.
8- توافر المعلومات: يتطلب بناء قدرات مؤسسات المجتمع المدني وتقويتها توافر معلومات كافية لديها عن مجالات نشاطها وعن أوضاع المجتمع في نطاق مسئولياتها، ويتطلب ذلك إنشاء بنك للمعلومات علي المستوي القومي، وإنشاء قاعدة بيانات لكل منظمة والتنسيق بين المنظمات في تبادل المعلومات، والاستفادة من شبكة الانترنيت في الحصول أولا بأول علي أي معلومات أو بيانات تحتاجها لممارسة نشاطها وتنفيذ برامجها.
9- التنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني: من المهم لتقوية مؤسسات المجتمع المدني وتعزيز نشاطها أن تبرز في المجتمع كطرف أساسي تتكامل أنشطته من خلال التنسيق بين هذه المؤسسات بحيث يزيد تأثيرها في المجتمع. ويشمل هذا التنسيق تطوير عملية إنشاء شبكات من المنظمات التي تعمل في مجالات مشتركة أو تنشط في نطاق جغرافي واحد، لدعم جهودها في هذه المجالات. ووضع آليات وأطر تكفل التبادل المنتظم للمعلومات والخبرات، وعقد اجتماعات دورية لبحث المشاكل المشتركة، والتنسيق في مواجهة الأطراف الأخرى لتقوية الوضع التفاوضي لها. ومن المهم أن يشمل التنسيق أيضا المنظمات ذات الجذور العميقة في المجتمع مثل النقابات والتعاونيات واتحادات الطلاب والحركات الاجتماعية للاستفادة من خبراتها الطويلة في مجالات العمل الشعبي. وأن يتم التنسيق أيضا علي مستوي الوطن العربي كله وتبادل الخبرات بين مختلف المؤسسات في الأقطار العربية وما يتصل منها بصفة خاصة بالتطور الديمقراطي وتعبئة الحركة الجماهيرية لتحقيق مزيد من التطور الديمقراطي.
هوامش الفصل الرابع

(1) د. أماني قنديل، المجتمع المدني في العالم العربي، منظمة التحالف العالمي لمشاركة المواطن، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1994. صــ68،69.
(2) د. أماني قنديل، المرجع السابق. صــ82.
(3) د. أمين مكي مدني تشريعات وقوانين المنظمات الأهلية العربية، ورقة مقدمه إلي المؤتمر الثاني للمنظمات الأهلية العربية، القاهرة 17-19 مايو 1997.
(4) د. أحمد ثابت، الديمقراطية المصرية علي مشارف القرن القادم، كتاب المحروسة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر، القاهرة، الطبعة الأولي، يناير 1999 صــ98.
(5) حسين عبد الرازق، الديمقراطية، كتاب مصر وقضايا المستقبل، سلسلة كتاب الأهالي، العدد رقم60، سبتمبر 1997. جريدة الأهالي صــ52.
======
*- المواطن



التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

مصادر القانون الدولي

مصادر القانون الدولي


عادة ما يميز فقهاء القانون الدولي في معرض حديثهم عن المصادر المادية والتكميلية للقانون ، والمقصود بدراستنا لمصادر القانون الدولي هي المصادر الرسمية ، وهي تلك الفنون التي من خلالها تكتسب القاعدة القانونية الدولية صفة الإلزام ، وفقهاء القانون الدولي في دراستهم لمصادر القانون الدولي يستندون إلى نص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والتي نصت على ما يلي :
« 1 – وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق في هذا الشأن:
( أ ) الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
(ب) العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.
(ج) مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.
(د ) أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم ويعتبر هذا أو ذاك مصدراً احتياطياُ لقواعد القانون وذلك مع مراعاة أحكام المادة 59.
2 – لا يترتب على النص المتقدم ذكره أي إخلال بما للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقاً لمبادئ العدل والإنصاف متى وافق أطراف الدعوى على ذلك. »

– وما يمكن ملاحظته على نص هذه المادة :

v- أنها أهملت مصدرا هاما من مصادر القانون الدولي ويتعلق الأمر بالقرارات الدولية ، ويكفي الإشارة للمسألة العراقية حاليا للتدليل على إلزامية قرارات المنظمات الدولية خاصة إذا ما تعلق الأمر بمنظمة عالمية وعامة ، من مهامها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين كمنظمة الأمم المتحدة .
v- إن هذا النص مأخوذ حرفيا وبنفس الرقم من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدائمة الدولية والذي اعتمدته عصبة الأمم .
v- هذا النص يتضمن بعض المصطلحات التمييزية فيما يتعلق بالمبادئ العامة للقانون المقبولة في الأمم المتمدنة.

المصدر الأول : المعاهدات الدولية

إن المعاهدات الدولية كمصدر نظمت بعدة معاهدات واتفاقيات وأهم هذه الاتفاقياتاتفاقية فينا بشأن معالجة موضوع إبرام المعاهدات بين الدول، وذلك بتاريخ 23/05/1969.
وكذلك الاتفاقيات الخاصة …….

تعريف المعاهدة الدولية :

يمكن استخلاص تعريف المعاهدة الدولية من نص المادة الثانية الفقرة (ا) من اتفاقية فينا التي تنص على أن : « المعاهدة تعني اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي سواء في وثيقة واحدة أو أكثر ، وأيا كانت التسمية التي تطبق عليه ».
-حاولت هذه المادة تعريف المعاهدة بغض النظر عن التسمية أو المصطلحات التي تطلق عليها ، ذلك أن المعاهدة لها عدة مترادفات تؤدي إلى معنى واحد مثل : اتفاق ، اتفاقية، عهد، ميثاق ، بروتوكول التصريح، موادعة، نظام تبادل الخطابات …الخ.
ومن خلال التعريف السابق نلاحظ أن المعاهدة تقوم على 3 عناصر :

1.المعاهدة اتفاق شكلي:

ويقصد بذلك أن المعاهدة تخضع لعملية إبرامها إلى إجراءات محددة كالتوقيع والتصديق والتسجيل ، كما أن المادة 2 / أ حددت مثل هذه الإجراءات بوجود شرط الكتابة سواء كانت في وثيقة واحدة أو في عدة وثائق . وشرط الكتابة يطرح التساؤل حول ما إذا كان كشرط لصحة المعاهدة أو كوسيلة لإثبات المعاهدة.
وحول هذا التساؤل فإن فقهاء القانون الدولي يذهبون إلى أنه ليس هناك ما يحول دون أن تتم المعاهدة بصفة شفوية ، أي أنها لا تستدعي الكتابة ويستدلون على ذلك عادة برفع الراية البيضاء فيما بين المتحاربين كدليل على اتفاق وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية بصفة مؤقتة ، ولكن إذا رجعنا إلى ميثاق الأمم المتحدة نجد المادة 102 تنص على ما يلي :
« 1/
كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” بعد العمل بهذا الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وأن تقوم بنشره بأسرع ما يمكن.
2/ ليس لأي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة الأولى من هذه المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة».

2.المعاهدة اتفاق يبرم بين أشخاص القانون الدولي :

ومعنى هذا أن المعاهدات الدولية يجب أن تتم بين شخصين وأكثر من أشخاص القانون الدولي ، ومؤدى هذا إلى استبعاد التصرفات الدولية المنفردة من نطاق دراسة المعاهدات كمصدر من مصادر القانون الدولي بالنسبة للأشخاص القانونية الدولية المؤهلة لإبرام المعاهدات الدولية ، فليس هناك خلاف من أن الدولة هي الشخص الرئيسي المخاطب بأحكام القانون الدولي ، والذي هو مؤهل لإبرام كل المعاهدات الدولية ، كما أن التطورات التي شهدتها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية أدت إلى توسيع أشخاص القانون الدولية ، حيث أن القانون الدولي الإتفاقي المتجسد في ميثاق الأمم المتحدة ( انظر المادة 104من نص الميثاق)[1]وكذلك الفقهاء الدوليين قد أضفوا الشخصية القانونية الدولية على المنظمات الدولية ، أما فيما يتعلق ببعض الكيانات القانونية الأخرى فإن خلافا فقهيا قد ميز توجه القانون الدولي بشأنها ويتعلق الأمر بـبابا الكنيسة الكاثوليكية وحركات التحرر والشركات المتعددة الجنسيات .
– فيما يتعلق ببابا الكنيسة يتمثل في دولة الفاتيكان ومدى تمتعه بالشخصية القانونية فإن هذا نتيجة للسيادة الروحية التي كان يباشرها هذا البابا على العالم المسيحي الكاثوليكي ، وحاليا على الرغم من الاعتراف للكنيسة الكاثوليكية على تبادل السفراء مع باقي الدول وإبرام المعاهدات الدولية فهذه المعاهدات شكليا هي بمثابة معاهدات دولية ، أما من الناحية الموضوعية نجدها كثيرا ما تعالج قضايا داخلية تهم المسيحيين ، وتبعا لذلك تبدو وكأنها تعالج وضعا داخليا .
– أما حركات التحرر الوطني فإن شخصيتها القانونية التي تؤهلها لإبرام المعاهدات الدولية التي تؤسس على أساس مبدأ حق تقرير المصير ، فالاعتراف بهذا الحق على الصعيد الدولي يتبعه اعتراف بصاحب الحق ، حيث لا يمكن تصور الحق من غير صاحبه .
والممارسة العملية أثبتت أن حركات التحرر الوطنية تقوم بإبرام المعاهدات الدولية كما هو الأمر بحركة التحرير الجزائرية مع فرنسا ، وكما هو الشأن عليه بين حركات التحرر الفلسطينية مع الكيان الصهيوني .
أما فيما يتعلق بالشركات المتعددة الجنسيات فإن الفقه الغربي حاول إضفاء هذا الوصف عليها وذلك حتى تكون في منأى من إجراءات الرقابة والتأميم التي تباشرها عليها الدول المضيفة على أساس مبدأ حق الشعوب في السيادة الدائمة على ثرواتها الطبيعية ، بينما هناك جانب فقهي آخر يطلق على هذا النوع من الشركات اسم المشروعات العابرة للحدود القومية على أساس أن هذه الشركات عادة ما تكون مسجلة في دولة محدودة ، وبذلك فهي تنتمي إليها ، وكل ما في الأمر أن نشاطات هذه الشركات تمتد خارج حدود الدولة التي سجُلت فيها من خلال الاستثمار.

3.يجب أن تبرم المعاهدات الدولية وفق قواعد القانون الدولي:

هذا العنصر ينصرف إلى أن موضوع المعاهدات الدولية يجب أن يكون مشروعا ، وأن لا تتعارض بصفة أساسية مع قواعد القانون الدولي الآمرة . لكن الصعوبة تثور في تحديد المقصود بقواعد القانون الدولي الامرة.

تصنيف المعاهدات الدولية

يعتمد الفقه الدولي في تصنيفه للمعاهدات الدولية على معيارين أحدهما شكلي ولآخر موضوعي .
ووفقا للمعيار الموضوعي : يجري التمييز بين المعاهدات الشارعة والمعاهدات العقدية وذلك استنادا للوظيفة القانونية ،فالمعاهدات الشارعة هي تلك المعاهدات المنشئة للقانون ويقصد بها تلك التي يكون الهدف من إبرامها تنظيم العلاقة بين الأطراف من خلال وضع قواعد قانونية تتسم بالعمومية والتجريد على عكس المعاهدات العقدية التي يكون الهدف من إبرامها هو تنظيم العلاقة بين أطرافها بشكل شخصي . و في الوقت الحاضر فإن المعاهدات الشارعة عادة ما تبرم في إطار منظمة دولية أو في مؤتمر دولي ، ومن أمثلة هذا النوع من الاتفاقيات :
اتفاقية فينا للمعاهدات 1969 ،قانون البحار 1963، اتفاقيات جنيف بشأن القانون الدولي الإنساني 1948،……..
بالنسبة للمعاهدات العقدية فهي تخص عدد معين من الدول ، ولا تسمح عادة بالانضمام إليها (تنظيم أمور خاصة بين الدول المتعاقدة ) ، ومن أمثلتها معاهدات الحدود ، التجارة …
وبالنسبة لفقهاء القانون الدولي الذين يميزون بين المعاهدات الشارعة والعقدية وفقا لما سبق ،فهم يرتبون نتيجة على ذلك وتتمثل هذه النتيجة في أن المعاهدات الشارعة هي فقط التي تصلح لأن تكون مصدرا من مصادر القانون الدولي، وإذا رجعنا إلى المادة38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية فإننا نرى أن هذه النتيجة غير مقبولة ، لأن هذه المادة اعتبرت المعاهدات الدولية سواء كانت عامة أو خاصة مصدرا من مصادر القانون الدولي ، ووفقا للمعيار الشكلي فإن الفقه الدولي يميز بين المعاهدات التامة بأتم معنى الكلمة و بين ما يصطلح على تسميته بالاتفاقيات ذات الشكل المبسط ، ومناط التمييز بين هذين النوعين من المعاهدات يكمن في ضرورة توخي بعض الشروط الشكلية لإبرام المعاهدات . فالمعاهدات ذات الشكل المبسط هي التي تصبح نافذة بمجرد التوقيع عليها ولا تحتاج إلى التصديق عليها ، بينما المعاهدات التامة لابد من التصديق عليها . ومن حيث الأثر القانوني فإنه لا فرق بين هذين النوعين ، حيث لكل منهما يتمتع بالإلزام ووجوب التنفيذ .
وكذلك وفقا للمعيار الشكلي فإنه يمكن التمييز بين المعاهدات الثنائية والمعاهدات الجماعية (متعددة الأطراف) ، وأهمية التمييز بينهما تكمن في مدى قبول أو عدم قبول التحفظ عليها ، لأنه كقاعدة عامة لا يكون التحفظ في المعاهدات الثنائية.

إبرام المعاهدات الدولية:

إن عملية إبرام المعاهدات الدولية يمر بعدة مراحل حيث عادة يجري التفاوض بشأن موضوع المعاهدة أولا ، وفي حال نجاح المفاوضات بين الأطراف فإنه لابد من تحرير المعاهدة فبل التوقيع عليها ، كما أن المعاهدة كقاعدة عامة لا تصبح ملزمة إلا بعد التصديق عليها من طرف أشخاص القانون الدولي ، وقد يقترن ارتضاء الالتزام بالمعاهدة بالتحفظ على بعض أجزاء منها ، ويجب أن تسجل لدى الجهة المعنية ، وإضافة إلى هذا وذاك فإن المعاهدة الدولية يجب أن تتوافر فيها جملة من الشروط الموضوعية وهي :

1.المفاوضات:

المفاوضات بشأن إبرام معاهدة دولية تختلف من معاهدة إلى أخرى ، فبالنسبة للمعاهدة الثنائية فإن مفاوضات إبرامها عادة ما تتم بأسلوب دبلوماسي بشكل يجمع وزير الخارجية بالممثل الدبلوماسي المعتمد بدولته ، أما في المعاهدات المتعددة الأطراف فإن المفاوضات بشأن الاتفاق على موضوعها عادة ما تجري في إطار منظمة دولية أو في إطار مؤتمر دولي يعقد خصيصا لهذا الغرض ، وفيما يتعلق بالأشخاص الذين يحق لهم إجراء المفاوضات باسم ولحساب الدولة فإن العرف الدولي استقر على أن كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية يحق لهم التفاوض دون حاجة إلى وثيقة تفويض وهؤلاء لهم اختصاص عام وشامل ، وأساس ذلك أن عملية إبرام المعاهدات الدولية عادة ما تكون من اختصاص السلطات التنفيذية ، وهؤلاء الثلاثة يمثلونها ، وإذا رجعنا إلى قانون المعاهدات فإننا نجده قد أعفى فئة أخرى من شرط وثيقة التفويض ويتعلق الأمر بالمبعوث الدبلوماسي بالنسبة للتفاوض بين دولته والدول المعتمدة عندها ، إضافة المبعوث المعتمد لدى منظمة دولية أو لدى مؤتمر دولي ، وإضافة إلى ذلك وعلى أساس ما تتمتع به الدولة من سيادة وحرية الاختيار فإنه يمكن أن تختار أي شخص آخر للتفاوض باسمها ولحسابها بشرط أن تزوده بوثيقة تفويض .

2.تحرير المعاهدات:

بعد نجاح المفاوضات تأتي مرحلة تحرير المعاهدات وأول قضية تطرح فيما يتعلق بالتحرير تتمثل في اللغة التي تحرر بها المعاهدة خاصة إذا كانت لغة الأطراف متعددة أو مختلفة .
إن الممارسة الدولية في شأن هذه القضية ليست موحدة، وهناك عدة طرق لمعالجة اللغة التي تحرر بها المعاهدة الدولية :
تحرير المعاهدة بلغة واحدة مثلما متبع في الماضي حيث كانت اللغة اللاتينية هي اللغة التي تحرر بها المعاهدات وحلت اللغة الفرنسية محلها بعد ذلك ، واستمر هذا الوضع إلى غاية الحرب العالمية الأولى .
تحرير المعاهدة بلغتين أو أكثر مع الإعفاء من الأولوية لنص المعاهدة.
تحرير المعاهدة بأكثر من لغة مع عدم إعطاء الأولوية لنص محرر بلغة محددة ، وعلى الرغم من المشاكل التي قد تثيرها هذه الطريقة في تحرير المعاهدات إلا أنها معمول بها على الصعيد الدولي استنادا على مبدأ المساواة في السيادة ، وباعتبار اللغة مظهر من مظاهر السيادة.
وفي الغالب فإن المعاهدات تحرر باللغات المعمول بها في منظمة الأمم المتحدة مع عدم إعطاء الأولوية لأية لغة، وهذه اللغات هي : الفرنسية ، الانجليزية، الروسية ، الصينية، والاسبانية.

3.صياغة المعاهدات

ديباجة- موضوع المعاهدة- بيانات فنية توضيحية أو ملاحق
الديباجة :وهي مقدمة المعاهدة وتتضمن عادة بيان بأسماء الأطراف ، والممارسة الدولية بهذا الشأن ليست موحدة ، فبعض المعاهدات تتضمن ديباجتها أسماء الأطراف المتعاقدة ، كما نص نص ميثاق الأمم المتحدة في ديباجته (
نحن شعوب الأمم المتحدة
وقد آلينا على أنفسنا :أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية،……..)
[2].
كما تتضمن الديباجة ذكر الأسباب والأسانيد الداعية إلى إبرام المعاهدة ، وكذلك الأهداف التي تسعى المعاهدة إلى تحقيقها .
صلب المعاهدة : ويتضمن القواعد التي تم الاتفاق عليها في شكل مواد وقد تكون هذه المواد في أبواب أو فصول أو بنود .
ملاحق المعاهدة : وهي بيانات تفصيلية ذات طابع فني .

4 . توقيع المعاهدات :

التوقيع إجراء يقوم به شخص من أشخاص القانون الدولي طرف في المعاهدة الدولية ، ويعبر بمقتضاها عند ارتضائه الالتزام بما ورد في المعاهدة ، أي أن التوقيع يِؤدي إلى إضفاء الصفة الرسمية على نصوص المعاهدة التي تم الاتفاق عليها خلال مرحلة التفاوض ، وقانون المعاهدات نص في المادة 12 على الحالات التي تكون فيها المعاهدة ملزمة بالتوقيع عليها وهي بقولها:
«1/ تعبر الدولة عن ارتضائها الالتزام بمعاهدة بتوقيع ممثلها عليها وذلك في الحالات التالية:
أ-إذا نصت المعاهدة على أن يكون للتوقيع هذا الأثر .
ب-إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على أن يكون للتوقيع هذا الأثر.
ج-إذا بدت فيه الدولة في إعطاء التوقيع هذا الأثر في وثيقة تفويض ممثلها أو عبرت عن ذلك أثناء المفاوضات.
2/ لأغراض الفقرة الأولى من هذه المادة :
أ-يعتبر التوقيع بالأحرف الأولى على نص معاهدة من قبيل التوقيع على المعاهدة إذا ثبت أن الدول المتفاوضة قد اتفقت على ذلك.
ب-يعتبر التوقيع بشرط الرجوع إلى الدولة على معاهدة من جانب ممثل الدولة من قبيل التوقيع الكامل عليها إذا أجازته الدولة بعد ذلك . »
يتضح من خلال هذه المادة أن الحالات التي تكون فيها المعاهدة ملزمة هي :
1-حالة ما نظمت المعاهدة ذاتها نصا يفيد بأنها تصبح ملزمة بمجرد التوقيع عليها ولا تحتاج بذلك إلى إجراء آخر مثل التصديق.
2-حالة ما إذا ثبت بطريقة أخرى أن أطراف المعاهدة قد اتفقوا على أنها تكون ملزمة بالتوقيع عليها .
3-حالة ما إذا تبين من وثيقة التفويض أو أثناء المفاوضات بأن الشخص القانوني الدولي كان يعبر عن إعطاء التوقيع الأثر القانوني للمعاهدة .
كقاعدة عامة نقول أن المعاهدة الدولية تكون ملزمة ويجب التوقيع عليها وتصبح نافذة من تاريخ التوقيع.
4-إذا كانت المعاهدة من النوع الشكل المبسط فإنها تصبح نافذة بمجرد التوقيع عليها .
والتوقيع على المعاهدة بالمعنى الصادق يجب أن يكون من الأشخاص المؤهلين لإبرام المعاهدات الدولية والذين سبقت الإشارة إليهم في معرض حديثنا عن المفاوضات .
والفقه الدولي في إطار معالجته لإجراء التوقيع عادة ما يشير إلى ما يصطلح بتسميته بالتوقيع بالأحرف الأولى ، ذلك أنه إذا كان التوقيع على المعاهدات الدولية يكون بكتابة الإسم الكامل لممثل الدولة المتعاقدة ، إلا أن الممارسة الدولية جاءت ببعض أشكال التوقيع الأخرى من حيث أن ممثلي الأطراف يوقعون بكتابة الأحرف الأولى من أسمائهم.
والحكمة من هذا الشكل من أشكال التوقيع تكمن من أن ممثل الدولة قد يكون مترددا بين قبول أو عدم قبول نصوص معينة من المعاهدة ويحتاج إلى استشارة الجهة المعنية العليا في دولته لإعطاء الموافقة النهائية.
كما يستعمل هذا الشكل للتوقيع في إطار بعض المنظمات الدولية إذا كانت المفاوضات بشأن إبرام المعاهدات تقوم بها أجهزة معينة والتوقيع يكون من اختصاص أجهزة أخرى كما هو الشأن بالنسبة للإتحاد الأوروبي في معاهدة ( ماستريخت ( Maastricht المبرمة في 07/02/1992 ، ولكن التوقيع بالأحرف الأولى قد يكون بالأحرف كاملة في حالة ما إذا ثبت أن أطراف المعاهدة قد اتفقوا على ذلك.
وأخيرا هناك بعض المعاهدات لا يتم التوقيع عليها وهي عادة تلك التي تبرم في إطار منظمة دولية ، حيث تعرض مباشرة على التصديق وذلك بعد إقرارها .

5 -التصديق:

هو التأكيد الرسمي على ارتضاء الالتزام بالمعاهدة التي سبق التوقيع عليها أو إقرارها .
والتصديق إجراء داخلي يقوم به الشخص القانوني الدولي وفقا لدستوره ، ويعلن بمقتضاه قبوله لأحكام المعاهدة والالتزام بتنفيذها . وأول قضية تطرح في دراستنا للتصديق تتمثل في الحكمة من التصديق ، أي لماذا يشترط القانون الدولي التصديق على المعاهدات ؟
-بالنسبة للفقه الدولي فإن هناك اعتبارات علمية قانونية واعتبارات عملية تحدد الحكمة من التصديق ، فالاعتبارات القانونية تتمثل في أن التصديق إقرار بأثر رجعي من جانب الموكل ( الدولة ) على تصرفات الوكيل الذي قام بإبرام المعاهدات الدولية ، ومثل هذا الاعتبار مستمد من الوكالة في القانون الخاص.
والاعتبار العملي يتمثل في أن المعاهدات الدولية قد تعالج موضوعا ذو أهمية كبيرة بالنسبة للدولة مما يستوجب إعطاء الدولة فرصة أخرى لإعادة النظر والتصحيح فيما تريد الإقدام علــــــــــــــــــــــــــيه.
سؤال : هل يمكن للدولة أن لا تقوم بالتصديق على معاهدة قبل التوقيع عليها؟

حرية الدولة في التصديق:

باعتبار التصديق تصرف قانوني تقوم به الدولة وفقا لسلطتها ، فإنه يخضع لسلطة الدولة التقديرية ، وتتجلى حرية الدولة في التصديق من خلال:
أ-للدولة حق اختيار التوقيت المناسب لها لإجراء عملية التصديق ، وقد يتأخر التصديق عدة سنوات من إبرام المعاهدة ،فمثلا المعاهدة التي بين أيدينا والمتمثلة في اتفاقية فينا لقانون المعاهدات المبرمة في مايو 1969 لم يتم التصديق عليها من طرف الجزائر إلا في سنة 1987 ( انظر الجريدة الرسمية عدد 42 لسنة 1987 ).
كذلك لم تقم الجزائر بالتصديق على الاتفاقيات المتعلقة بالعهدين الدوليين لحقوق الإنسان لسنة 1966 إلا في سنة 1989 .
وكذلك إمكانية أن تقوم الدولة برفض التصديق على المعاهدة لأي سبب من الأسباب ، فالكونجرس الأمريكي رفض التصديق على معاهدة فارساي سنة 1919 على الرغم من الجهود التي بذلها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (ولسن ) للتوصل إلى هذه المعاهدة .
وإن كان عدم التصديق على المعاهدة يعتبر من الأعمال غير الودية التي قد تعكر نقاوة العلاقات ، إلا أنه لا يعتبر بمثابة انتهاك أو خرق لالتزام دولي يرتب على الدولة المسؤولية الدولية ، ومن خلال الممارسة العملية الدولية يتبين أن إحجام الدول عن التصديق على المعاهدات الدولية قد يرجع إلى عدة أسباب من يبنها :
-تغير الظروف التي أبرمت في هذه المعاهدة .
-تجاوز المفاوض للسلطات الممنوحة له بمقتضى وثيقة التفويض.
-أو سبب عيوب الإرادة كإكراه ممثل الدولة على التوقيع على معاهدة أو إفساد إرادته.

من السلطة المختصة بالتصديق؟

عادة القضية تطرح بشأن جهاز الدولة المختص بالتصديق ، وعادة هذه القضية يحكمها القانون الداخلي (عادة الدساتير هي التي تحدد الأجهزة أو السلطات المختصة بعملية التصديق ) ، والممارسة العملية في هذا الشأن تظهر بأن السلطة التنفيذية هي السلطة المختصة بعملية التصديق المتمثلة في رئيس الدولة وهذا هو الوضع السائد في الأنظمة الديمقراطية (سلطة الأفراد ) ، وهناك بعض الدساتير تمنح الاختصاص بالتصديق إلى السلطة التشريعية كما كان الحال عليه في دستور الجمهورية التركية بعد إلغاء الخلافة الإسلامية وإقامة الجمهورية التركية ذات التوجه العلماني ، ودستور الإتحاد السوفيتي سابقا لسنة 1923 ، وفي الوقت الحاضر فإن بعض الدساتير تجعل الاختصاص بالتصديق مشترك بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، حيث يقوم رئيس الدولة بعملية التصديق بعد موافقة البرلمان ، وقد يكون ذلك بالنسبة لبعض المعاهدات أو لكل المعاهدات كما هو الشأن عليه في دستور الجزائر لسنة 1989 المعدل سنة 1996.

التصديق الناقص :

قد تقوم الدولة بالتصديق على معاهدة أبرمتها ولكن بكيفية مختلفة أو معايرة للكيفية المحددة في دستورها ، ومثال ذلك أن يكون الدستور قد أعطى الاختصاص بالتصديق للدولة، ولكن الرئيس قام بالتصديق على المعاهدة من غير موافقة البرلمان عليها ، فمثل هذا التصديق يطلق عليه الفقه الدولي مصطلح التصديق الناقص ، وقد نظر الفقه الدولي في قيمته القانونية . والفقه الدولي في معالجته لهذه القضية لم يقف على رأي واحد وتعددت اتجاهاته وذلك وفقا لما يلي :

الاتجاه الأول:

يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى القول بأن التصديق الناقص تصديق صحيح ويستندون إلى حجة وجوب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، بمعنى أنه لا يجوز لأية دولة أن تتدخل في الشأن الداخلي لدولة أخرى ، وتفحص مدى موافقة تصرفات رئيس الدولة للدستور الساري فيها وهذا استنادا إلى الفقرة 4 من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تـــنص على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، ومن ناحية أخرى فإنه يصعب التحقق من الأوضاع الدستورية السائدة في مختلف دول المعمورة.

الاتجاه الثاني:

يذهب أنصار هذا الاتجاه عكس الاتجاه الأول ومعناه القول ببطلان التصديق الناقص ، ويستند أنصار هذا الاتجاه في تبرير وجهة نظرهم إلى فكرة الاختصاص . بمعنى أي تصرف لكي يكون مشروعا وصحيحا يجب أن يصدر من ذوي الاختصاص ، ولما كان التصديق ناقص وفقا للمثال السابق ليس من الاختصاص الخالص برئيس الدولة فإنه يقع باطلا.

الاتجاه الثالث:

يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى الإقرار بعدم صحة التصديق الناقص والقول بقبوله في ذات الوقت ، بمعنى أن هذا التصديق الناقص هو تصديق غير صحيح والدولة التي أتت به تعتبر قد أتت بفعل غير مشروع مما يحملها المسؤولية الدولية ،وخير تعويض تقدمه هذه الدولة لإسقاط دعوى المسؤولية عنها هو قبول واعتماد ذلك التصديق الناقص .

-وفيما يتعلق بقانون المعاهدات بشأن هذه القضية وبالرجوع إلى المادة 46 والتي تنص على ما يلي :
«1/ ليس للدولة أن تحتج بأن التعبير عن رضاها الالتزام بالمعاهدة قد تم بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي يتعلق بالاختصاص بعقد المعاهدات كسبب لإبطال هـذا الرضا إلا إذا كانت المخالفة بينة وتعلقت بقاعدة أساسية من قواعد القانون الداخلي.
2/ تعتبر المخالفة بينة إذا كانت واضحة بصورة موضوعية لأيـة دولة تتصرف في هذا الشأن وفق التعامل المعتاد وبحسن نية ».
إذن من خلال هذا النص يتبين لنا أن مخالفة الدستور وهو القانون الأساسي للدولة يعتبر بمثابة مخالفة لقاعدة قانونية ذات أهمية جوهرية ، ولذلك يمكن للدولة أن تستند إلى أن التصديق على المعاهدات كان ناقصا من خلال عدم مطابقته لما نص عليه الدستور اعدم الالتزام بأحكام هذه المعاهدة ، ومن هنا نستنتج إلى أن قانون المعاهدات يعتبر التصديق الناقص غير مشروع.
وفيما يتعلق بالحالات التي يًشترط فيها التصديق على المعاهدات لكي تصبح تلك المعاهدات يمكن القول أن كل المعاهدات لا تنتج آثارها القانونية إلا بعد التصديق عليها باستثناء الحالات التي تكون فيها المعاهدة ملزمة بالتوقيع عليها واتي سبق الإشارة إليها ، أو إذا كانت المعاهدة من المعاهدات ذات الشكل المبسط .
وإذا رجعنا الى قانون المعاهدات فإن المادة 14 منه تنص على الالتزام بالمعاهدات من خلال التصديق عليها وفقا لما يأتي:
«1/ تعبر الدولة عن رضاها الالتزام بالمعاهدة بالتصديق عليها في إحدى الحالات التالية:
(أ) إذا نصت المعاهدة على أن التعبير عن الرضا يتم بالتصديق؛ أو
(ب) إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على اشتراط التصديق؛ أو
(ج) إذا كان ممثل الدولة قد وقع المعاهدة بشرط التصديق؛ أو
(د) إذا بدت نية الدولة المعنية من وثيقة تفويض ممثلها أن يكون توقيعها مشروطاً بالتصديق على المعاهدة، أو عبرت الدولة عن مثل هذه النية أثناء المفاوضات.
2/ يتم تعبير الدولة عن رضاها الالتزام بالمعاهدة عن طريق قبولها أو الموافقة عليها بشروط مماثلة لتلك التي تطبق على التصديق».

6-التحفظ على المعاهدات الدولية:

التحفظ هو تصرف صادر عن الإرادة المنفردة لشخص قانوني لشخص قانوني دولي عن ارتضائه للالتزام بالمعاهدة من خلال التوقيع أو التصديق أو الإقرار الرسمي ، ويكون الهدف منه الاستبعاد أو تعديل الأثر القانوني لبض نصوص المعاهدة لتطبيقها على الشخص القانوني الدولي ، والتحفظ قد يكون إعفائيا ( حذف بعض المواد ) وقد يكون تفسيريا .
والتحفظ بهذه الكيفية يجب أن يكون له كيان منفصل عن المعاهدة ، لأنه إذا ورد كنص من نصوصها سواء كان في شكل إعفائي أو تفسيري فإننا لا نكون بصدد تحفظ ، وإنما مثل هذا العمل يعتبر كنص من نصوص المعاهدة ذاتها ، وهناك عدة أسباب تجعل الدولة تلجأ إلى أسلوب التحفظ عند ارتضائها الالتزام بالمعاهدة الدولية ، فمبدأ العالمية يجب أن لا يقضي على مبدأ الخصوصية للشعوب الأخرى، ولذلك نجد أن العلاقات الدولية تزدهر كلما كانت خصوصية الدول محفوظة . والتحفظ على المعاهدات يعتبر كوسيلة للحفاظ على هذه الخصوصية هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن فكرة الرقابة على السلطة التنفيذية التي تقوم بإبرام المعاهدات يؤدي في كثير من الأحيان إلى إبداء بعض التحفظات على هذه المعاهدات .
وقد تعرض الفقه الدولي إلى قضية مشروعية التحفظات على المعاهدات الدولية ، لكنه اختلف إلى عدة اتجاهات ،وكل اتجاه فقهي تبنى نظرية محددة في تبرير أو عدم تبرير التحفظات التي تجرى على المعاهدة الدولية ، وفي إطار العمل الدولي يمكن الوقوف على عدة نظريات منها :
ا-نظرية الإجماع : اعتمدت هذه النظرية في إطار عصبة الأمم وتفيد بأن التحفظ على المعاهدة ولكي يكون مشروعا يجب أن يحـــــوز على موافقة جميع الأطراف ، وقد استقرت عصبة الأمم على هذه النظرية بمناسبة التحفظات التي أبدتها استراليا على معاهدة المخدرات التي أشرفت عصبة الأمم على إبرامها ، حيث انتهت اللجنة التي حددها مجلس العصبة للنظر في مشروعية التحفظات التي أبدتها استراليا على المعاهدة إلى أن التحفظات لا تكون مشروعة إلا إذا كانت مقبولة من جميع أطراف المعاهدة ، وإن اعترض طرف على هذه التحفظات فأن تلك التحفظات تكون باطلة مطلقا .
ب-نظرية الدول الأمريكية : هذه النظرية تم العمل بها في إطار منظمة الدول الأمريكية وهي منظمة إقليمية أنشئت عام 1948 وتظم الـــ و. م. أ ودول أمريكا الوسطى وغيرها ، ومفاد هذه النظرية أن الدولة المتحفظة يمكن أن تكون طرفا في معاهدة على الرغم من اعتراض بعض الأطراف بشرط عدم سريان النصوص التي جرى التحفظ بشأنها في مواجهة هذه الدول المعترضة على التحفظ ، ويلاحظ على هذه النظرية بأنها غير ملائمة بالنسبة للمعاهدات الشارعة.
ج-نظرية محكمة العدل الدولية : تم التوصل إلى هذه النظرية من خلال المعاهدات الدولية التي أبرمت بإشراف منظمة الأمم المتحدة في 09/12/1948 والمتعلقة بمنع جريمة إبادة الجنس البشري والعقاب عليها ، حيث أبدت بعض دول المعسكر الشرقي آنذاك بعض التحفظات عليها ، ولكن هذه التحفظات قوبلت بمعارضة شديدة من طرف بعض الأطراف الأخرى ، وفي 17/11/1950 طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية بشأن هذه القضية ، فأفت المحكمة برأيها في 28/05/1951 بما يفيد بأنه يمكن إبداء التحفظات على المعاهدات بالرغم من وجود بعض الأطراف المعارضة بشرط أن لا تتعارض تلك التحفظات مع موضوع وغرض المعاهدة ، وتلك التحفظات تسري في مواجهة الأطراف التي لم تعترض عليها ولا تسري في مواجهة الأطراف التي اعترضت عليها . وهذا الرأي دون في نص المادة 19 من قانون المعاهدات بما يلي :
«للدولة، لدى توقيع معاهدة ما أو التصديق عليها أو قبولها أو إقرارها أو الانضمام إليها، أن تبدي تحفظا، إلا إذا:
(أ) حظرت المعاهدة هذا التحفظ؛ أو
(ب) نصت المعاهدة على أنه لا يجوز أن توضع إلا تحفظات محددة ليس من بينها التحفظ المعني؛ أو
(ج) أن يكون التحفظ، في غير الحالات التي تنص عليها الفقرتان الفرعيتان (أ) و(ب)، منافيا لموضوع المعاهدة وغرضها » .

7- تسجيل المعاهدات الدولية :

لقد سبقت الإشارة إلى هذه الجزيئية في معرض حديثنا في شرط الكتابة على المعاهدات الدولية ووقتها تساءلنا عما إذا كان شرط الكتابة شرط صحة أو شرط إثبات ، ووفقا لنص المادة 80 لقانون المعاهدات فإن تسجيل المعاهدات يكون من خلال :
«1/ ترسل المعاهدات بعد دخولها حيز التنفيذ إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة لتسجيلها وحفظها بحسب الحال، وكذلك لنشرها.
2/ يشكل تحديد جهة الإيداع تفويضاً لها بالقيام بالأعمال المذكورة في الفقرة السابقة.»
وإذا رجعنا إلى ميثاق الأمم المتحدة في المادة 102 تنص على :
1/ كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” بعد العمل بهذا الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وأن تقوم بنشره بأسرع ما يمكن.
2/ ليس لأي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة الأولى من هذه المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع “الأمم المتحدة”.
وفيما يتعلق بإجراءات التسجيل فإنها تتمثل في الآتي :
a-يقوم أحد أطراف المعاهدة بطلب تسجيله إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة .
b-إذا كانت الأمم المتحدة طرفا في المعاهدة فإن الأمين العام للأمم المتحدة هو الذي يتقدم بطلب التسجيل .
c-تتم عملية التسجيل في سجل خاص معد لذلك ، يتضمن تقييد المعاهدة مع بيانات عن الأطراف وتواريخ التوقيع والتصديق أو الإقرار الرسمي وتبادل التصديقات.وتاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ ، وكذلك بيان عن اللغات التي حررت بها هذه المعاهدة .
d-تقوم الأمانة العامة للأمم المتحدة بعد ذلك بنشر المعاهدة في مجموعة خاصة تسمى مجموعة المعاهدات التي نشرتها الأمم المتحدة.
e- تنشر المعاهدة بلغتها الأصلية مصحوبة بترجمة باللغتين الإنجليزية والفرنسية .
f-ترسل هذه المجموعة إلى جميع أعضاء الأمم المتحدة.

آثار المعاهدات الدولية:

إن القاعدة الدولية العامة في هذا المجال أن آثار المعاهدة تنحصر بين أطرافها ، لكن هناك استثناءات حيث تمتد فيها الآثار إلى الغير.

1-آثار المعاهدة على الأطراف المشاركة فيها :

هناك عدة قواعد قانونية تحكم تعامل الدول مع المعاهدات الدولية التي سبق أن ارتضت الالتزام بأحكامها ومن هذه القواعد :
أ- وجوب تنفيذ المعاهدات الدولية بحسن نية: ووفقا لنص المادة 26 من قانون المعاهدات التي تنص :
«كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية».
ب-عدم رجعية آثار المعاهدات الدولية : ومن هذا المبدأ فإن المعاهدات الدولية لا تسري على القضايا السابقة على إبرامها ، وهذا ما يتضح من خلال نص المادة 28 بحيث تنص :
«ما لم يظهر من المعاهدة قصد مغاير أو يثبت خلاف ذلك بطريقة أخرى لا تلزم نصوص المعاهدة طرفاً فيها بشأن أي تصرف أو واقعة تمت أو أية حالة انتهى وجودها قبل تاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ بالنسبة لذلك الطرف ».
ج- تحديد النطاق الإقليمي للمعاهدة : تطبيقا لنص المادة 29 بقولها :
«ما لم يظهر من المعاهدة قصد مغاير أو يثبت خلاف ذلك بطريقة أخرى، تلزم نصوص المعاهدة كل طرف فيها بالنسبة لكامل إقليمه».
د- تطبيق المعاهدات المتطابقة التي تتعلق بموضوع واحد : ودراسة العلوم القانونية تتحدث عن القضايا المنشئة في القانون الدولي . وتنص المادة 30 من قانون المعاهدات على ما يلي :
«1- مع مراعاة ما جاء في المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة، تتحدد حقوق والتزامات الدول الأطراف في معاهدات متتابعة تتعلق بموضوع واحد وفق الفقرات التالية.
2- إذا نصت المعاهدة على أنها خاضعة لأحكام معاهدة أخرى سابقة أو لاحقة، أو أنها لا ينبغي أن تعتبر غير منسجمة مع مثل هذه المعاهدة فان أحكام المعاهدة الأخرى المعنية هي التي تسود.
3- إذا كان كل الأطراف في المعاهدة السابقة أطرافاً كذلك في المعاهدة اللاحقة دون أن تكون المعاهدة السابقة ملغاة أو معلقة طبقاً للمادة 59، فإن المعاهدة السابقة تنطبق فقط على الحد الذي لا تتعارض فيه نصوصها مع نصوص المعاهدة اللاحقة.
4- إذا لم يكن أطراف المعاهدة اللاحقة جميعاً أطرافاً في المعاهدة السابقة تنطبق القاعدتان التاليتان:
(أ) في العلاقة بين الدول الأطراف في المعاهدتين تنطبق القاعدة الواردة في الفقرة(3)؛
(ب) في العلاقة بين دولة طرف في المعاهدتين ودولة طرف في إحداها فقط تحكم نصوص المعاهدة المشتركة بين الطرفين حقوقهما والتزاماتهما المتبادلة.
5- ليس في حكم الفقرة (4) ما يخل بالمادة 41 أو بأية مسألة تتصل بالقضاء أو وقف العمل بمعاهدة وفقا للمادة 60 أو بأية مسألة تتصل بالمسئولية التي قد تنشأ على الدولة نتيجة عقدها أو تطبيقها لمعاهدة لا تتمشى نصوصها مع التزامات هذه الدولة في مواجهة دولة أخرى في ظل معاهدة أخرى» .
هـ-إحترام المعاهدات في القانون الداخلي: وفقا لنص المادة 27 فإنه :
«لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة، لا تخل هذه القاعدة بالمادة 46.»

2-آثار المعاهدات بالنسبة للغير:

المقصود ب“الغير“ الأطراف الثالثة التي لم يسبق لها وأن ارتضت الالتزام بالمعاهدة بوسائل ذلك ، وفي الحالات المحددة والقاعدة مثلما وردت في المادة 34 من قانون المعاهدات :
«لا تنشئ المعاهدة التزامات أو حقوقاً للدولة الغير بدون رضاها » .
ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة وترد عليها بعض الاستثناءات تمتد من خلالها آثارها إلى الغير وذلك في الحالات الآتية :
أ- المعاهدات المنشئة لمراكز قانونية موضوعية : فالمعاهدات التي تتضمن وضع نظام أساسي إقليمي تلزم الغير كما هو الشأن بالنظام القانوني بشأن “ حياد سويسرا“ الذي وضع في 30/03/1815 .
ب-المعاهدات المتعلقة بطرق المواصلات الدولية البحرية والنهرية : مثل اتفاقية القسطنطينية لسنة 1888 بشأن نظام الملاحة بقناة السويس وكذلك معاهدة لوزان بسويسرا لسنة 1923 بشأن المضايق التركية ( البوسفور والدرنديل ) .
ج-المعاهدات المنشئة لوحدة دولية جديدة: مثلما نص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة 6 من المادة 2 بقولها :
«تعمل الهيئة على أن تعمل الدول غير الأعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن الدولي» .
د-النص في معاهدة على أن آثارها تمتد إلى دولة أو دول ليست طرفا فيها : بشرط فبول هذه الأخيرة بذلك وهو ما نصت عليه المادة 35 من قانون المعاهدات بقولها :
«ينشأ التزام على الدولة الغير من نص في المعاهدة إذا قصد الأطراف فيها أن يكون هذا النص وسيلة لإنشاء الالتزام وقبلت الدولة الغير ذلك صراحة وكتابة».
وهناك حالات أخرى تمتد فيها آثار المعاهدات إلى الغير وذلك في حالة :
-شرط الدولة الأكثر رعاية.
-المعاهدات المنشئة لمنظمة دولية.
-المعاهدات المنشئة لدولة جديدة .


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

التداول على السلطة

التداول على السلطة

بقلم عماد بن محمد
vendredi 14 mars 2022.

مع خروج مصطلح التداول على السلطة من دائرة المحرم السياسي العربي اطرد الحديث عن امكانات الانتقال الديمقراطي للحكم في البلاد العربية, و عن أهم معوقاته, و طبيعة كيفياته. لكن في خضم هذا و ذاك, بقي مفهوم التداول أو على الأقل شق منه مبهما يتمنع عن التعريف و الحصر, و ذلك لاشكالات تتعلق بمفارقات في علاقة السياسيLe Politique بالسياسة La Politique من جهة, و من جهة أخرى لتنوع أشكال تطبيقات التداول في الديمقراطيات الحديثة.

I ـ في مفهوم التداول على السلطة :

ان محاولة تعريف مفهوم التداول على السلطة لا تخلو من صعوبات و استشكالات ترتبط بتعدد وجوه التداول, و تنوع لوازم امكانه مما يعرقل عملية حصره في اطار مفهومي واحد, و لكن فقط الجانب التقني لعملية التداول من حيث هو آلية لصعود قوى سياسية من المعارضة الى السلطة و نزول أخرى من السلطة الى المعارضة القادر على تحقيق أقدار من الاجماع و الاتفاق على عملية التعريف.

يعرف شارل دباش التداول على السلطة بكونه ’’مبدأ ديمقراطي لا يمكن ـ وفقه ـ لأي حزب سياسي أن يبقى في السلطة الى ما لا نهاية له, و يجب أن يعوض بتيار سياسي آخر’’. أما جان لوي كرمون فيعتبر أنه’’ و ضمن احترام النظام السياسي القائم يدخل التداول تغييرا في الأدوار بين قوى سياسية في المعارضة أدخلها الاقتراع العام الى السلطة و قوى سياسية أخرى تخلت بشكل ظرفي عن السلطة لكي تدخل الى المعارضة’’.

و لعل المتأمل في هذين التعريفين يتجلى له بوضوح التركيز على الجانب الوظيفي للتداول من حيث كونه آلية لادارة الدخول و الخروج الى السلطة والى المعارضة بين تيارات سياسية مختلفة. لكن في حقيقة الأمر ان اشكالية التداول على السلطة هي أعمق من ذلك بكثير فهي تكشف عن طبيعة الحالة الاجتماعية برمتها في صراعات أطرافها و تحالفاتهم و في درجة الوعي السياسي العام لذلك كان التحقق الفعلي لمبدأ التداول مرهونا بشروط مسبقة هي شرط امكانه.

IIـ في شروط التداول على السلطة :

ـ التعددية الحزبية :

في حمأة الصراع على السلطة تتجلى التعددية الحزبية كظاهرة طبيعية لاختلافات سياسية تتضمن تمايزات فكرية, ايديولوجية…الخ بين مكونات المجتمع السياسي. و تمثل ظاهرة ـ الاختلاف ـ هذه, عمق حراك المجتمع و هدف النظام السياسي الذي يتوجه اليها بالتنظيم لحفظ الدولة و المجتمع من التفكك و التحلل.

و لئن كان النظام الاستبدادي و من أجل الحفاظ على وحدة الدولة و المجتمع, التجأ الى قمع قيمة الاختلاف بين المكونات السياسية للمجتمع و تعويضها بنمطية و اتجاه في الغالب يمر عبر محق جميع ضمائر الجمع و تعويضها ما أمكن بضمير المفرد فان النظام الديمقراطي سعى جاهدا الابقاء على مبدأ الاختلاف قائما و لكن مع تنظيمه و تقنينه لكي لا يتحول الى خلاف.

ان التعدد في الأحزاب و الفئات السياسية هو في حقيقة الأمر من أهم شروط التداول على السلطة اذ تنعدم في نظام الحزب الواحد حرية الاختيار بين تيارات سياسية مختلفة و ينحصر الانتخاب في حزب السلطة الذي يهيمن عادة على كل الوظائف السياسية في الدولة وبذلك يفقد الانتخاب كل مضامينه الأساسية ليتحول الى أشكال أقرب الى الاستفتاء أو التزكية أو غيرها من المصطلحات المعبرة عن ابداء الرأى ازاء طرف واحد.

و أدنى أشكال التعددية الحزبية هو و جود حزبين سياسين متنافسين ينحصر التداول على السلطة بينهما في فترات تحددها القوانين المنظمة للانتخابات.

ب ـ الانتخابات :

يشترط التداول الديمقراطي على السلطة أيضا الاجراء الدوري لانتخابات حرة و نزيهة. و اذا كان لفظ التداول يطلق على عملية الدخول و الخروج من السلطة فان الانتخابات هي الاداة التي تتم بها هذه العملية. و دون الدخول في في تفاصيل عملية الاقتراع فيكفي القول بضرورة أن يجرى الاقتراع بشكل حر و عام و مباشر و سري, و يبقى اختيار أحد طريقتي الاقتراع المطبقتان حتى الآن في الديمقراطيات الحديثة, الاقتراع بأغلبية الأصوات و الاقتراع بمبدأ النسبية, أمرا موكول الى كل بلد حسب ما يرتضيه.

كما يجب التأكيد على ضرورة دورية اجراء الانتخابات فهي الضامن لعدم بقاء أحد الأطراف السياسية في السلطة الى ما لا نهاية له, و هي الكاشف للتغيرات الحاصلة في اتجاهات الناخبين للتصويت لهذا الطرف أو ذاك.

أخيرا, ان الانتخابات هي الضامن الأساس لعودة تيار سياسي الى السلطة بعد الخروج منها, وهي تمثل احدى أهم المحطات التي يمارس فيها الشعب سيادته و دوره كفيصل و حكم بين التيارات السياسية المتنافسة في البلاد.

ج ـ الاتفاق حول مؤسسات الدولة و حكم الأغلبية في ظل احترام الأقلية :

يفترض التداول على السلطة اتفاقا أوليا على مؤسسات الدولة. ان التداول هو ليس تغيير للدولة و انما هو تغيير في الدولة, وهو ليس تبديلا لنظام الدولة بقدر ما هو تغيير للنخبة الحاكمة فقط.

كذلك فان التداول هو تداول على تسلم أجهزة الدولة من أجل تطبيق قناعات و خيارات و برامج الفئات و الأحزاب السياسية الصاعدة الى السلطة, و ذلك من خلال المؤسسات القائمة ( مؤسسة الرئاسة, مؤسسة القضاء, مؤسسة الجيش…الخ). هذه المؤسسات التي لا يمكن تحويرها في الغالب الا بعد استشارة شعبية موسعة و تنقيحات دستورية عميقة بعد الحصول على اجماع داخل الطبقة السياسية. و يجدر الذكر بان دساتير بعض البلدان تحضر أي تعديل على بعض موادها كالنظام الجمهوري في فرنسا أو فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للمواطن في كثير من الدساتير الأخرى.

و من نافل القول بأن صعود نخبة سياسية الى سدة الحكم لا يعفيها من الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة التي سبقتها خصوصا في مستوى الاتفاقات الدولية و لكن هذا لا يمنعها طبعا من اعادة النظر في تلك القرارات و الاتفاقات المبرمة سلفا.

و هكذا تترائى لنا بعض أهم حدود التداول و المجالات التي يختص بها, و يبقى حكم الأغلبية ضمن احترام الأقلية, و ضمان حق العودةللفئات المغادرةللسلطةالى المعارضة آخر المبادئ التي يفترضها التداول, فطغيان الفئة الحاكمة و هيمنتها على المجتمع هو الممهد الأساس للدكتاتورية و الاستبداد و المعطل تعريفا لمبدأ التداول.

III ـ في أشكال التداول على السلطة

يتم تقسيم التداول عادة بالنظر الى حجم سيطرة النخبة السياسية الصاعدة الى الحكم على السلطتين التنفيذيتين و التشريعية و الذي يتعلق عادة بتوقيت و نتائج الانتخابات الرئاسية و البرلمانية.

أ ـ التداول المطلق :

هو التداول الذي تدخل على اثره السلطة بكاملها الى المعارضة. و يتأتى هذا النوع من التداول عادة في النظام البرلماني اثر فوز حزب أو تكتل حزبي متجانس من المعارضة بالأغلبية المطلقة من الأصوات في الاقتراع العام مما يؤهله الى تشكيل الحكومة بمفرده.

أيضا, يمكن أن يحصل تداول مطلق على السلطة في النظامين الرئاسي و نصف الرئاسي اذا ما كان عقد الانتخابات الرئاسية و البرلمانية في فترة زمنية واحدة مما يتيح للرئيس و الأغلبية البرلمانية أن يكونا من تكتل أو حزب واحد قادر على أن يشكل الحكومة بمفرده.

و يتواجد التداول المطلق خصوصا في نظام الحزبينLe Bipartisme . فكان تداول المحافظين و اليبرالين من سنة 1832 الى سنة 1914 في بريطانيا تداولا مطلقا تدخل على اثره السلطة بأسرها الى المعارضة في حين يتسلم الحزب أو الكتلة الفائزة بالأغلبية المطلقة في الانتخابات زمام السلطة.

و حقيقة, يعتبر التداول المطلق على السلطة أعظم و أهم تغيير يمكن أن يحصل في نظام سياسي ما بشكل سلمي و ديمقراطي.

ب ـ التداول النسبي :

هو التداول الذي يدخل فيه قسم فقط من السلطة الى صف المعارضة. و يوجد هذا النوع من التداول في النظامين الرئاسي و نصف الرئاسي حيث يتم انتخاب الرئيس و البرلمان في فترات زمنية متباعدة. اذ و على نقيض التداول المطلق حيث تنتمي السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية الى كتلة أو حزب سياسي واحد حاصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات فان التداول النسبي يتيح سيطرة طرف من المعارضة على قسم فقط من السلطة و الحزب الحاكم على القسم الآخر, أي بصورة أخرى أن تنتمي أغلبية البرلمان الى حزب أو كتلة سياسية في الوقت الذي ينتمي فيه الرئيس الى حزب أو كتلة سياسية أخرى.

و يوجد هذا النوع من التداول خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية, اذ عادة ما لا يكون الرئيس من الأغلبية المسيطرة على الكنغرس. ففي الفترة الفاصلة بين سنة 1944 و سنة 1988 لم يحصل تداول مطلق على السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية الاّ مرة واحدة و ذلك في سنة 1952 في عهد الرئيس ازنهاور.

ج ـ التداول عبر وسيط :

يوجد هذا النوع من التداول على السلطة خصوصا في ألمانيا, اذ بحكم عدم حصول أي حزب على الأغلبية المطلقة في البرلمان يتم التداول عبر ترجيح حزب ثالث كفة أحد الحزبين الرئيسين ( الحزب الديمقراطي المسيحي و الحزب الحزب الاجتماعي الديمقراطي) من أجل تشكيل الحكومة. و قد لعب الحزب الليبرالي لفترات طويلة دور المرجح لكفة أحد هذين الحزبين من أجل السيطرة على السلطة.

و كثيرا ما يأخذ الحزب الثالث بالبرلمان في هذا النوع من التداول حجما أكبر مما هو عليه في حقيقة الأمر, و غالبا ما يفرض على الحزب الذي اختار ترجيحه من أجل تشكيل الحكومة تنازلات سياسية.

و جدير بالذكر, ان الحكومة في هذا النوع من التداول كثير ما تكون غير قوية و ذلك لظلال الشك التي تعتريها من أن ينفرط عقد التحالف بين الحزبين الذين يؤلفانها على عكس ما هو موجود عادة في نظام الحزبين حيث يكون للحزب الفائز في الانتخابات القدرة على تشكيل الحكومة بمفرده و دون الحاجة الى الاستعانة بأقلية أخرى في البرلمان.

و في النهاية, يمكن لنا من دون عناء ملاحظة الاجماع الحاصل لدى الأنظمة السياسية على اعتبار التداول على السلطة كونه آلية منظمة للحياة السياسية. هذا بالاضافة الى اعتبار التداول كونه اتفاقا على حل المشاكل السياسية و الاجتماعية بطرق سلمية و تعاقدية, وهو عين ما تصبو الى تحقيقه الديمقراطية.

كما يعكس تنوع أشكال التداول على السلطة درجة الاجماع الحاصل ازاء النخبة السياسية الحاكمة. اذ يعبر التداول المطلق على رغبة الى تغيير جذري في السلطة لدى الناخب في حين يعكس التداول النسبي رغبة في تغييرات جزئية و أكثر بطئا, أما التداول عبر وسيط فيعبر عن رفض الناخبين لنظام الحزبين وهيمنة حزب أو اثنين فقط على الحياة السياسية.

أخيرا, يعبر تعدد أشكال التداول على السلطة عن تنوع وجوه النظام الديمقراطي من حيث هو نظام توافق و تعاقد سياسي و اجتماعي وليد تجربة تاريخية و فضاء ثقافي معينين.

عماد بن محمد
باحث في العلوم السياسية


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

بحث حول النظام الفيدرالي


المسلك الفيدرالي

مقدمة

الفصل الأول : ماهية الفيدرالية ــ تحديد المفهوم
المبحث الأول: المبحث الاول:تعريف الفيدرالية
المبحث الثاني :المبحث الثاني :جذور الفيدرالية تاريخيا
المبحث الثالث: المبحث الثالث: خصوصيات الدولة الفيدرالية:
الفصل الثاني : مداخل دراسة المسلك الفيدرالي
المبحث الاول :سلطات الدولة الفيدرالية
المبحث الثاني: الإمتيازات المفترضة للحكومة الفيدرالية
المبحث الثالث :أهداف الإتحاد الفيدرالي:

الخاتمة

المقدمة

يعتبر الفكر الفيدرالي من أقدم الأطروحات الفكر التي علاقة مباشرة بالحياة الإجتماعية والسياسية و الاقتصادية للأفراد والجماعات وهذا منذو العصور القديمة

وهذا الفكر حافظ علي جوهره وهو البحث عن كيفية جمع الشمل بدل التفرقة و التفكك، وتفضيل العمل الجماعي بدل الفردي .وقد تطور هذا الفكر بصورة كبيرة نتيجة تطور و استمرار الدراسات التي اعتمدت في هذا المجال علي الاستنباط كما حدث مع التجربة الأمريكية.

مع تطور الأحداث و المعطيات علي الساحة السياسية وظف الفيدرالييون مناههج علمية تقوم علي التجربة الميدانية والمرحلية ما يتضح جليا في التجربة الأوروبية بالوصول لنظام فيدؤالي مرورا بخطوات ىالتقارب افقتصادي وعلي هذا لأساس يمكن طرح التساؤال لتالي:
مماذا قدم الطرح الفيدرالي في اطار المنظور التكاملي؟

ماهية الفيدرالية ــــ تحديد المفهوم

المبحث الاول:تعريف الفيدرالية:
نظام سياسي يفترض تنازل عدد من الدول أو القوميات الصغيرة في اغلب الأحيان، عن بعض صلاحياتها وامتيازاتها واستقلاليتها لمصلحة سلطة عليا، موحدة تمثلها على الساحة الدولية وتكون مرجعها في كل ما يتعلق بالسيادة والأمن القومي والدفاع والسياسة الخارجية)(4).
وفي تعريف آخر (تعني المشاركة السياسية والاجتماعية في السلطة وذلك من خلال رابطة طوعية بين أمم وأقوام أو تكوينات بشرية من أصول قومية وعرقية مختلفة، أو لغات في أديان أو ثقافات مختلفة وذلك في نظام اتحادي يوحّد بين كيانات منفصلة في دولة واحدة أو نظام سياسي واحد).
مع احتفاظ الكيانات المتحدة بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي، والحدود الجغرافية، واللغة والثقافة، و الدين إلى جانب مشاركتها الفعالة في صياغة وصنع السياسات والقرارات، والقوانين الفيدرالية والمحلية ـ مع الالتزام بتطبيقها ـ وفق مبدأ الخيار الطوعي، ومبدأ الاتفاق على توزيع السلطات والصلاحيات والوظائف كوسيلة لتحقيق المصالح المشتركة، وللحفاظ على كيان الاتحاد)(5).
فالفيدرالية إذن: نظام تقسم فيه سلطة الحكم بين الحكومة القومية وعدة حكومات أدنى في القومية، ويكون لكل حكومة السلطة العليا في محيطها.

المبحث الثاني :جذور الفيدرالية تاريخيا
لهذا النظام بعض من استخدموه مثل الاتحاد السويسري في القرن السادس عشر؛ إلا أن الذين كتبوا الدستور الأمريكي أقاموا أول صيغة حديثة من صيغ الفيدرالية، ولقد فعلوا ذلك لأنهم كانوا ملزمين بفعله.
فقد تمت الدعوة إلى مؤتمر عام 1787م في فيلادلفيا لان الأعضاء شعروا بان الأمة الجديدة بحاجة إلى حكومة أقوى بكثير مما تنص عليه مواد الكونفدرالية، لكن ممثلي الولايات الصغرى رفضوا الانضمام لأي حكومة قومية لا تحفظ لهم معظم السلطات التي يتمتعون بها، لذلك قسم واضعو اطر الدستور السلطة بين الحكومة القومية وحكومات الولايات، وأعطيت كل ولاية تمثيلا متساويا في مجلس الشيوخ القومي، لأنها كانت الطريقة الوحيدة للحصول على دستور جديد.
(فالدستور الأمريكي هو أقدم الدساتير المطبقة حاليا في العالم، فقد تم إقراره عام 1787 م وظل معمولا به حتى الآن بعد أن أدخل عليه على مدى أكثر من قرنين من الزمان أربع وعشرون تعديلا فقط)(1).
(لقد أرسى الدستور الأمريكي قواعد راسخة لنظام فيدرالي يقوم على الفصل الكامل بين السلطات مع إحداث توازن بينها يجعلها قادرة على مراقبة بعضها بعضاً بفاعلية، وخلق مؤسسات تتمتع بالقوة والمرونة في الوقت نفسه)(2).
فرئيس الولايات المتحدة يتمتع بسلطات تنفيذية هائلة، لكنها تتم تحت رقابة سلطة تشريعية قوية بدورها وفي ظل نظام قضائي يراقب أداء السلطتين معا ويمارس دوره كحارس أمين على الدستور. والسلطات الفيدرالية الثلاث تعمل من خلال نسق يحافظ على ذاتية واستقلالية كل ولاية ويكفل استقلال أجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية بشرط احترامها للدستور وعدم خروجها على مبادئه وأحكامه.
مع ذلك فقد اعتبر بعض واضعي اطر الدستور أن الفيدرالية أكثر من مجرد وسيلة سياسية.
فجيمس ماديسون بشكل خاص، كان يؤمن بان اكبر تهديد لحقوق الإنسان في حكومة شعبية هو استبداد الأغلبية الذي قد ينجم عندما تستولي إحدى الفئات على سلطة الدولة بكاملها وتستخدمها لخدمة مصالحها الأنانية الخاصة على حساب مصلحة الآخرين، وكان يعتقد بأن تقسيم السلطة بين السلطة وبين الحكومة القومية وحكومات الولايات، مع الفصل بين السلطات، هو أفضل طريقة لمنع هذه الكارثة)(3).

المبحث الثالث: خصوصيات الدولة الفيدرالية:
1-اتحاد مجموعة من الدول وتعاقد مجموعة من القوميات أو المجموعات السياسية المتفرقة في إطار دولة واحدة تمثلهم على الساحة الدولية، وقد تكون الدولة الفيدرالية هي نتيجة لتفرق مجوعة من الوحدات والقوميات في الدولة المركزية التي ارتأت أن تقيم علاقة فيدرالية مع مجموعتها الموحدة.
2-يتم تأسيس الدولة الفيدرالية على أساس الدستور الفيدرالي.
3-يقوم بكتابة الدستور الفيدرالي ممثلو الأقاليم الفيدرالية.
4-يحدد الدستور الفيدرالي نوع العلاقة بين الدول الأعضاء كما يحدد الدستور نوع العلاقة بين الأعضاء والدول الفيدرالية.
5-بمقتضى القانون الدولي فأن الدول الأعضاء في الفيدرالية لا تعتبر دولا مستقلة.
6-إلى جانب الدستور الفيدرالي يحق لدول الاتحاد الفيدرالي التمتع بدساتير محلية.
7-يحق لأقاليم الدولة الفيدرالية رفع أعلامها الخاصة بجانب العلم الفيدرالي المركزي.
8-لا يسمح الدستور الفيدرالي للدول الأعضاء بالخروج عن النظام الفيدرالي أو بتغيير النظام السياسي.

الفصل الثاني : مداخل دراسة المسلك الفيدرالي
المبحث الاول :سلطات الدولة الفيدرالية
للدولة الفيدرالية كالدولة المركزية ثلاث سلطات رئيسية، هي السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، ولكن لكل إقليم مثل هذه السلطات كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.
السلطة التشريعية: في كل دولة فيدرالية هناك برلمان يتكون من مجلسين حاكمين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
مجلس النواب: يضم جميع ممثلي الأقاليم بنسبة عدد السكان فيها ـ والذين يتم انتخابهم من قبل سكان الأقاليم بالاقتراع المباشر الحر.
مجلس الشيوخ: يجسد فكرة المساواة في السيادة بين ولايات وأقاليم الدولة الفيدرالية.إذ يضم ممثلي كل الأقاليم بنسب متساوية ويتم اختيارهم من قبل هيئات الأقاليم التشريعية والتنفيذية أو ينتخبون بشكل مباشر من قبل أهالي الإقليم.
السلطة التنفيذية : وتتركز في يد الرئيس المنتخب والذي يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، فهو الذي يعين الوزراء ويعزلهم، والوزراء مسؤولون أمامه، ويكون المقر الدائم لرئيس الدولة الفيدرالية في عاصمتها.
السلطة القضائية : ويتولاها جهاز قضائي يباشر اختصاصه في استقلال تام عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتعتبر المحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية . باستثناء القضايا المنصوص عليها في الدستور الفيدرالي . أو الدساتير الإقليمية.
يقتسم النظام الفيدرالي سلطة الحكم بين الحكومة المركزية وسلطات الأقاليم حسب الطرق الرئيسية التالية:
– سلطات موكلة إلى الحكومة الفيدرالية تحديدا، مثل سلطة إعلان الحرب، وعقد المعاهدات مع الدول الأجنبية وصك النقود (على أن ينبغي لسلطات الأقاليم أيضا عقد الاتفاقيات مع الدول والمنظمات الدولية في الأمور التي تقع ضمن اختصاصاتها الإقليمية، خاصة في الميادين الثقافية والتجارية)(6).
وكذلك فإن من بين السلطات الموكلة إلى الحكومة الفيدرالية تحديدا هي السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي وإدارة الموانئ والمطارات، وشؤون البريد والبرق والجمارك.
– سلطات موكلة إلى سلطات الأقاليم: يمكن القول إن جميع الأمور الداخلية هي من اختصاص السلطات المحلية ( كما أن هذه السلطات تتمتع بجميع اختصاصات الدولة غير المنصوص عليها لصالح هيئات السلطة المركزية)(7). فللسلطات المحلية دساتير محلية خاصة بجانب الدستور الفيدرالي، ولحكومة الأقاليم سلطات تنفيذية، وتشريعية، وقضائية إلى جانب السلطات الفيدرالية العليا التي تعتبر مرجعاً أعلى.
وكذا فإن للسلطات المحلية لغة رسمية في أقاليمها هي لغتها القومية ـ كما للسلطات المحلية مجلس وزراء يقوم برسم السياسات العامة للإقليم في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.
كما أن للسلطات المحلية الحق في رفع علم خاص بها إلى جانب العلم الفيدرالي.
ويعتبر النظام السياسي السويسري نظاماً ديمقراطياً برلمانياً من طبيعة خاصة، يختلف عن النظم الرئاسية أو البرلمانية التقليدية، وهو نظام صاغته الصراعات الدينية والاثنية واللغوية التي استمرت على مدى قرون قبل أن تنصهر الأمة السويسرية في دولة فيدرالية محايدة ومتعددة اللغات، حيث يتحدث الألمانية منهم بنسبة (65 %) والفرنسية (18 %) والايطالية(12%).
ويعتبر فهم نظام الحكم المحلي هو المدخل الرئيسي لفهم النظام السياسي السويسري ككل فالوحدات المحلية (الكانتونات وأنصاف الكانتونات) ليست مجرد وحدات تابعة للحكومة المركزية وتدار من خلالها، وإنما هي وحدات مستقلة تدار ذاتيا وديمقراطيا وتتمتع باختصاصات وصلاحيات واسعة جدا تشمل ميادين السياسة العامة كافة. بما في ذلك التدريب العسكري.
والسلطة التشريعية في سويسرا تباشرها الجمعية الفيدرالية، والتي تتكون من مجلسين هما مجلس الدولة، والمجلس القومي.
أولا: مجلس الدولة: ويبلغ عدد مقاعده 46 مقعدا (مقعدان لكل من الكانتونات العشرين ومقعد واحد لكل من أنصاف الكانتونات الستة) . وكان الغرض الأساسي من إنشاء هذا المجلس أن يصبح للكانتونات دور رئيسي في منع القرار الفيدرالي على أساس من المساواة ، ولكن بمرور الوقت تحول هذا المجلس إلى مجلس نيابي يتم شغل مقاعده بالاقتراع العام المباشر.
• ثانيا: المجلس القومي: ويبلغ عدد مقاعده 200 مقعد يتم شغلها بالانتخاب المباشر على أساس القوائم الحزبية وبالتمثيل النسبي، ويخصص لكل كانتون عدد من المقاعد يتناسب وعدد سكانه مع ضمان حد أدنى من المقاعد للكانتونات الصغيرة، ولكل من هذين المجلسين وضع متساو في العملية التشريعية ويمكن لأي منهما الاعتراض على التشريعات التي يقرها الآخر، كما يمكن الرجوع إلى الناخبين مباشرة لاستفتائهم في قضايا معينة إذا طلب ذلك30/000 ناخب أو حكومات ثمان كانتونات.

المبحث الثاني: الإمتيازات المفترضة للحكومة الفيدرالية
يري ربجالند هاريسن أن الإختلافات بين الفيدراليين حول امتيازات مختلفة الإستراتجية لا تحمل أفكارا تجب مناقستها حول ميزات الشكل الفيدرالي للحكومة الفيدرالية. ومهما كان الشكل، لابد من توفر شرطين اساسين هما الإستفلالية والمشاركة ، إنه ينظر إليها من قبل مؤيدبها علي أنها امتيازات تتفوات بها علي الأشكال الأخري من الحكومات ، أما الأشياء الأخري فهم متساوون فيها.
أولا ـ الفيدرالية مصاغة بشكل مباشر لمسألة الاحتفاظ بالتنوع السوسيوثثقافي في المجتمعات المختلفة عند تحقيق لوحدة . إنها أحد الطرق لحل مسالة اندماج الحكومات ، ككيف مع بعض التحدي البئي المتخيل ، ما لم تعمق الإختلافات المحلية التي تصبح عائق دون الإندماج .فهذه مزية أكد عليها ماديسونmadison .من جهته وجد لورد برايس المطلب مبررا عمليا ،فالقيمالمحلية حافظت علي بقائها في الولايات المتحدة. وفي اوروبا ، يمكن النظر إلي المحافظة علي التنوع كشرط إولي لأي نوع من التكامل ، والتنوع المتعلق بخصوصيات إقليمية ووطنية محدودة والقيمة التي تربطها بهم .إنه لايوجد فقط الهويات القومية المرافقة لإقليم الدولة التب هي نظريا محمية داخل الإتحادالفيدرالي ولكن كذلك الهويات الإقليمية التي هي سليلة الحدودالوطنية ، أو الإقليمية التي غير ممثلة جيدا في البرلمانات الوطنية. وفي كل الأحوال نمط انتخابات البببرلمان الفيدرالي قادر علي تعزيز وجود التنوع.
ثانيا، النطلب الوثيق ةاللازم للعملية الفيدرالية الذي طرح من طرف برايسbryce في تقييمه للكومنولث الأمريكي ، وهو أن النظام الفيدرالي يوفرحااجز دون الحكم المطلق المركزيمن خلال استقلالية سلطات الدولة والمشاركتها في الحكومة الفيدرالية.
امتاز أخر للشكل الفيدرالي ويتمثل قي فعلية التخطيط الإقتصاديوالتنظيم في المجتمعات المتفدمة تكنولوجيا التي تتطلب اجراءات عملية ، بحيث يصبح الشكل الفيدرالي للحكومة هو المناسب .فقد رأي نيجول Nigoul ، أن هناك عوامل في العمل تؤدي إلي عجز الدول في حل المشاكل الجديدة .وفي مقابل ذلك هناك قوي اجتماعية جديدة غير محددة مهندسة لنشاط وححدة الدولة .خاصة في حالة الفيدراليةالتي يوجدفيها قوي منشطة للانبعاث افقليمي ، وكذلك تنمية التنظيم الدولي ، العام والخاص .فكما رأي نيوجل nigoul وجود الطبيعة اللغاؤشية الأحزاب الوطنية في الحالات ”المجتمع الجماهيري mass society ” ، ونمو قوة التكنوقراطيين ، كلها عوامل تعقيد مشاكل الحكومات المركزية التي لديها كلها عوامل تعقد مشاكل الحكومات المركزية التي لديها لديها كما هائلا من المسؤوليات الوظيفية. من الناحية النظرية ، في البنية الفيدرالية يحول بعض من هذه المشاكل إلي الحكومات الإقليمية ، وبالتالي يريح الحكومات المركزية سابقا في عهد الحكومة الوطنية في أروبا ، كان من السهل الإستجابة لمتطلببات معيار التخطبط افقتصادي الحديث ، لكن هذا العبء قد تغير اليوم ، وأصبح عموما من مسؤوليات الحكومة الفيدرالية . وفي هذا الصدد ، تري المقاربات الحديثة للتخطيط الإقتصادي أنه لابد من التماثل مع المبادئ توزيعالسلطات علي مختلف مستويات المشاركة التي تتطلبها الفيدراية . كما يتطلب الأي لبفيدرالي في التخطيط أن يكون حل القضايا أمرا مقترحا وليس مفروضا.

المبحث الثالث :أهداف الإتحاد الفيدرالي:
يقوم النظام السياسي للاتحاد الفيدرالي بناء على توفر الاسباب والمناخات التي تهدف فيما تهدف اليه بالدرجة الاساس الى اشاعة التعددية السياسية والمشاركة الفاعلة الحقيقية في ميادينها وفق أساليب ديمقراطية بعيداً عن سلطة الفرد أو مجموعة تنتهك القانون وتهدر الحقوق وترتكب الاخطاء والفظاعات بحق شرائح المجتمع المختلفة ، ، في حين يكون مجتمع المؤسسات في ظل النظام الديمقراطي أكثر عدالة في ظل القانون والرقابة الدستورية.
لقد ارتبط مفهوما الفيدرالية والاتحاد الفيدرالي حديثا ، بمبدأ حق تقرير المصير للامم والشعوب ، وهو المبدأ الذي تبلور مفهومه حديثا ايضا ، وأصبح متداولا في المواثيق الدولية ولوائح حقوق الانسان
أشار عدد من الباحثين وخبراء علم السياسة الى مفهومات عدة للفيدرالية ، لكنها في النهاية ، تتفق الى حد كبير من حيث الدلالة والمحتوى على تقديم شكل الدولة للمجتمعات التي يسودها التنوع والتمايز بين مكوناتها الاجتماعية ، فالفيدرالية تعني” المشاركة السياسية والاجتماعية في السلطة، وذلك من خلال رابطة طوعية بين أمم وشعوب وأقوام، أو تكوينات بشرية من أصول قومية وعرقية مختلفة، أو لغات أو أديان أو ثقافات مختلفة وذلك في نظام اتحادي يوحد بين كيانات منفصلة في دولة واحدة أو نظام سياسي واحد – مع احتفاظ الكيانات المتحدة بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي، والحدود الجغرافية، واللغة والثقافة، والدين إلى جانب مشاركتها الفعالة في صياغة وصنع السياسات والقرارات، والقوانين الفيدرالية والمحلية – مع الالتزام بتطبيقها – وفق مبدأ الخيار الطوعي، ومبدأ الاتفاق على توزيع السلطات والصلاحيات والوظائف كوسيلة لتحقيق المصالح المشتركة، وللحفاظ على كيان الاتحاد” .

الخاتمة

خلاصة القول حسب هذه الدراسة أن كل التجارب التكاملية التي تبنت النظام الفيدرالي فإن وثيقة الدستور الفيدرالي كانت دائما هي العمود الفقري لكل هذه التجاري . والنجاح والفشل لأي تجربة بكمن أن ينكشف من خلال ما تحتويه هذه الوثيقة فإذا كانت واضحة وصارمة في النقاط الأساسية التي يبن عليها الحكم والإتحاد .مثل كيف الوصول إلي السلطة والتداول عليها .كذلك فوقية القانون
فإذا كانت كذلك فنسبة النجاح تكون عالية وأما أذا كانت غامضة فستكون نسبة النجاح أقل من المأمول جدا……

قاائمة المصادر و المراجع
المصادر :
أ‌- الموسوعات :
1- عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسية , ج 4، ص 479
2- معجم النظم السياسية والليبرالية في أوربا الغربية وأمريكا الشمالية / الدكتور حسن نافعة، ص24.
المراجع :
أ‌- الكتب :
1- السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر، نظرة عالمية ، جابرييل ابه ــ آ لموند ـ جي بنجهام باول الابن ص 956
2- عامر عبد الله ، الفيدرالية والنظام الفيدرالي.

3- عامر مصباح نظريات تحليل التكامل الدولي .ديوان المطبوعات الجامعية .2008 الجزائر
ب‌- الأطروحات و الرسائل :
1- أتجاهات الرأي العام الجزائري نحو الوحدة .اطروحة دكتوراه من اعداد مصطقي ينون 2022 جامعة الجزائر
ج- المجلات و الجرائد :
1- مجلة النبأ عدد 59، الفيدرالية ـ ونظام الاتحاد الفيدرالي ، علي الشمري ص 56
د- شبكة الانترنت :
1- Wikipedia.org : مقال خاص بعنوان ( الفدرالية )
2- Moqatel.net : الفدرالية اهداف و تعاريف


merci bzf bzf

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .


merciiiiiiiiii

merci mmmrrrrrrrrrrreeeeeeeeeeeeeeeeeeeeecccccciiiiiii

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

سؤال عن السياسات العامة و الحكومات المقارنة

السلام عليكم
لدي سؤال و أتمنى أن اجد الجواب لديكم.
هناك فرع في العلوم السياسية يدعى " السياسات العامة و الحكومات المقارنة"
ماذا يعني بالضبط ؟ و ما هي المواد التي يدرسونها ؟ و أريد عناوين او نماذج عن الدروس لكي أستوعب أكثر.
و شكرا لكم مسبقا

المقارنات السياسية العامة تهدف للتوصل إلى فهم أعمق لكيفية عمل المؤسسات الحكومية والعمليات السياسية وهي تعالج المسائل الصعبة وعموماً يمكن القول أن السياسة العامة المقارنة هي دراسة كيف ولماذا ولأيما غرض تتبع الحكومات المختلفة مسالك محددة للفعل أو اللافعل.

وهذا التعريف يحتوي على عدد من التمييزات المفاهيمية المهمة. ولا شك أن بوسع المقارنات بين السياسات على مستوى الدول أن تستفيد من مجموعة منوعة من التوجهات الفكرية مع حرصها على البقاء قريبة من المعلومات التجريبية من التوجهات الفكرية مع حرصها على البقاء قريبة من المعلومات التجريبية الواقعية قدر الإمكان. إذ إننا بالمقارنة نتعلم أن نرى بصورة أفضل.


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر

تعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر

تعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر

تعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شكراااااااااااااااااااااا

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

محاضرات في التنمية

المحاضرة1:التصنيع كأسلوب للتنمية
أ /نبيل بويبية / جامعة جيجل/2008/2009

يعتقد البعض أن التصنيع هو جوهر عملية التنمية، فهو يعرف بأنه عبارة عن أحد جوانب أو عمليات التنمية الاقتصادية، يخصص فيها نسب متزايدة من الموارد الوطنية من أجل إقامة هيكل اقتصادي محلي متنوع ومتطور تقنيا، قوامه قطاع تحويلي ديناميكي ينتج وسائل الإنتاج والسلع الاستهلاكية، ويؤمن معدلا عاليا من النمو الاقتصادي.
وفي هذه الحالة يجب أن يصبح قطاع الصناعة التحويلية بمثابة القطاع الرائد في الاقتصاد المحلي، وهذا ما حدث في الدول المتقدمة، حيث أقامت قطاعا صناعيا متنوعا أحدث تغييرا هيكليا في اقتصادياتها، فالثروة الصناعية التي حدثت في الدول الأوربية لم يقتصر دورها على إنتاج السلع الإنتاجية والوسيطة الاستهلاكية فقط وإنما أثرت تأثيرا واضحا على قطاعات الاقتصاد الأخرى (الزراعية، التعدينية، الخدمية…. ) وأحدثت تغييرا واضحا في هيكلها وبنيانها الاقتصادي.
ويمكن تحقيق ذلك بزيادة حجم الاستثمارات لتوسيع القاعدة الصناعية ومن ثم زيادة الدخل الصناعي الذي يسهم في نمو الدخل القومي، كما يترتب على ذلك امتصاص الصناعة لفائض العمالة الموجود في القطاع الزراعي، ويترتب على التصنيع تنويع الهيكل الإنتاجي وهيكل الصادرات، ويتميز الإنتاج الصناعي بارتفاع إنتاجية العمل واستخدام الأساليب والوسائل الإنتاجية المتطورة.
-i إستراتيجيات التصنيع.
أولا- إستراتيجية تصدير المواد الأولية:
لقد انتهج عدد كبير من الدول النامية هذه الإستراتيجية وذلك وفقا لمبدأ الميزة النسبية المتوفر لدى كل دولة، حيث على سبيل المثال نجد كلا من الجزائر والسعودية، تونس ومصر انتهجت هذه الإستراتيجية ولو بصفة جزئية وذلك بتخصص السعودية والجزائر في تصدير البترول وبعض الموارد المعدنية، أما تونس فقد تخصصت في تصدير الفوسفات والمواد الفلاحية البترول بدرجة أقل، أما مصر فقد اختصت في تصدير البترول والقطن مؤخرا .
أي أن هذه الإستراتيجية تتمثل في اعتماد الدول النامية على إنتاج وتصدير المنتجات والمواد الأولية الطبيعية، وهي أساسا المواد الخام، الوقود، المعادن، وبعض المنتجات الغذائية والزراعية ، وذلك سعيا منها للحصول على أسعار أعلى لصادراتها (أي جعلها أكثر قيمة) وجعل مداخليها من هذه الصادرات أكثر استقرارا .
ولكن رغم ما تحققه الدول النامية من مدا خيل هائلة بالعملة الصعبة نتيجة انتهاج هذه السياسة التصديرية للموارد الأولية (خاصة المصدرة للنفط)، إلا أنها لا تزال دون مستوى التنمية الاقتصادية، فنمو صادراتها من المواد الأولية والذي أدى بدوره إلى نمو ناتجها المحلي الإجمالي لم يؤد إلى أي دفعة في قطاعاتها الإنتاجية والتصنيعية .
1) مزايا وعيوب هذه الإستراتيجية:
1-1) مزاياها:
إن من المزايا الرئيسية الممكنة للنمو الذي يقوده تصدير المواد الأولية، أنه يؤدي إلى تحسين توظيف عوامل الإنتاج الموجودة وزيادة توفر عوامل الإنتاج، وانتقال الأثر إلى القطاعات الأخرى، فالإنتاج الذي يتبع طريق الميزة النسبية يؤدي إلى زيادة كثافة استخدام العناصر الأكثر وفرة نسبيا في العملية الإنتاجية، كما أن توسع الصادرات التقليدية قد يؤدي إلى توسع نطاق موارد الاستثمار الأجنبي والادخار المحلي والعمالة والقوة العاملة المدربة لتكميل عوامل الإنتاج الثابتة (الأرض والموارد الطبيعية) ، وذلك بطبيعة الحال في حالة ما إذا استغلت الإيرادات من العملة الصعبة الناتجة عن هذه الإستراتيجية التصديرية الاستغلال الأمثل.
1-2) عيوبها:
• ضعف معدل النمو الاقتصادي:
حيث أن اختيار السلع الرئيسية من المواد الأولية المصدرة لا يجب أن يكون فقط على أساس امتلاك ميزة نسبية في هذا المجال، بل يجب الأخذ في الحساب مقدار الحصيلة الإجمالية من العملة الصعبة الناتجة عن تصدير هذه السلع الرئيسية، وذلك لما لهذه الحصيلة من دور مهم في تمويل التنمية، وعلى سبيل المثال لو تواجه السلعة الرئيسية المصدرة منافسة قوية من جانب المنتجات الصناعية أو طلب ضعيف أو تدني في أسعارها، فإن الحصيلة الضعيفة من العملة الصعبة سوف تؤدي في النهاية إلى ضعف وانخفاض في معدل النمو الاقتصادي، ولهذا فإن الصادرات من المواد الأولية هذه يجب أن تضمن قدرا كافيا من العملة الصعبة لتمويل عملية تنمية باقي القطاعات .
• عدم استقرار الدخل من الصادرات:
ذلك أن البلد الذي لا يقوم بتنويع صادراته من المواد الأولية ويعتمد على تصدير سلعة واحدة أو عدد محدود من السلع، يتعرض لدرجة أكبر من عدم الاستقرار في الدخل الناتج عن الصادرات، إذا ما قورن بالبلد الذي يقوم بتنويع هيكل صادراته.
وحتى يمكن أن نقول أن الدخل من الصادرات يتمتع بالاستقرار يجب أن تكون هناك درجة من النمو في الدخل في المدى الطويل، وهذا كما تم ذكره لا يتحقق إلا بتنوع هيكل الصادرات وذلك بشرط أن يتجاوز هذا التنوع تصدير المواد الأولية إلى تصدير السلع نصف مصنعة أو كاملة الصنع الناتجة عن تحويل هذه المواد الأولية .
• عدم الاستقرار في أسعار المواد الأولية المصدرة:
حيث تتعرض المواد الأولية في المدى القصير لتقلبات شديدة في أسعارها وحجم صادراتها، والتي بدورها تؤدي إلى تقلبات في المداخيل بالعملة الصعبة، وما لذلك من أثر على التنمية الاقتصادية وذلك بسب قلة مرونة الطلب الدخلية والسعرية عليها، وقلة مرونة عرضها والتي ترجع من جانب إلى عدم الاستقرار في صناعات البلدان المشترية، ومن جانب آخر إلى اختلاف المواسم وبالتالي اختلاف كميات المنتجات (في حالة المنتجات الصناعية والغذائية) .
كما تتعرض المواد الأولية المصدرة في المدى البعيد إلى انخفاض أسعارها، ويعود سبب هذا الانخفاض في الطلب إلى عدة أسباب منها :
 نمو دخل الدول المتقدمة ما يترتب عنه نمو في الطلب على السلع الغذائية للدول النامية.
 توجه الدول الصناعية إلى الصناعات التي تنخفض فيها نسب استخدام المواد الأولية.
 انتهاج الدول المتقدمة الصناعية لإستراتيجية الإنتاج الأولي خاصة الزراعي وذلك سعيا منها لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
• تراجع معدلات التبادل الدولي:
ويعتبر هذا عيبا آخر من عيوب هذه الإستراتيجية، ويكون هذا سبب في تناقص حجم الصادرات نتيجة انخفاض الطلب على المواد الأولية وانخفاض أسعارها، ويكون اتجاه معدلات التبادل الدولية في غير صالح الدول النامية، ونتيجة لذلك تجد نفسها عاجزة عن تدبير العملة الصعبة لمقابلة حاجاتها المتزايدة من واردات السلع الاستهلاكية والسلع الرأسمالية، وبما أن الصادرات تشكل نسبة مهمة من الدخل القومي فإن الخطورة تزيد على الاقتصاد الوطني ككل .
ثانيا- إستراتيجية الإحلال محل الواردات:
1) تعريفها:
تعني إقامة بعض الصناعات التحويلية من أجل سد حاجة السوق بدلا من السلع المصنوعة التي كانت تستورد من الخارج ولقد سعت الكثير من الدول النامية إلى اتباع هذه الإستراتيجية، والمقياس الأكثر شيوعا لقياس الإحلال هو الذي يعطي الإحلال على أنه النسبة بين الواردات والعرض الكلي من السلعة، فإذا ازداد الإنتاج المحلي(العرض) بمعدل أعلى من معدل زيادة الواردات فإن يعني أن إحلال الواردات قد تم، أما إذا زادت الواردات بمعدل أكبر من معدل زيادة الإنتاج المحلي فإن ما يتم هو عكس إحلال الواردات ويكون إحلال الواردات سالبا .
2) مراحلها:
تتكون هذه الإستراتيجية من مرحلتين أساسيتين هما :
2-1) المرحلة الأولى:
ويتم في هذه المرحلة إحلال الواردات محل السلع الاستهلاكية غير المعمرة ويكون الإحلال بواسطة إقامة صناعات خاصة لهذه السلع (مثل صناعة الملابس، الأحذية… )، بالإضافة إلى الصناعات التي تنتج المدخلات المطلوبة لإنتاجها (مثل الخامات الخاصة بصناعة النسيج والجلد والخشب)، وعادة ما توفر الدولة لهذه الصناعات الحماية الكافية وذلك لمنع منافسة المنتجات الأجنبية، ولضمان القدر اللازم من الأرباح للمستثمرين لتحفيزهم على إقامتها.
2-2) المرحلة الثانية:
وتبدأ هذه المرحلة عندما يصل الإحلال في المرحلة الأولى إلى الدرجة التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج المحلي للسلع الاستهلاكية بنسبة تفوق زيادة استهلاكها المحلي، أي أن السوق المحلية لم تعد قادرة على امتصاص المزيد من المنتجات الاستهلاكية لذلك يتم توجيهها نحو التصدير، وفي نفس الوقت يمكن البدء في إقامة بعض الصناعات الوسيطة والرأسمالية وذلك بمساعدة التقدم الصناعي الذي يكون قد تحقق في المرحلة الأولى.
3) سياساتها وشروط نجاحها:
من جهة أولى إن إتباع هذه الإستراتيجية مرتبط بتطبيق السياسات التالية .
• الإبقاء على أسعار صرف مرتفعة للعملة لكي تنخفض تكلفة الواردات الأخرى (باستثناء الأغذية) وذلك لحماية المنتجات المحلية، وفي عدة مرات تجدد أسعار الصرف لأغراض مختلفة توازي إلى حد ما التباينات في معدلات التعريفات.
• الإبقاء على مراقبة أدق للموجودات من العملة الصعبة، وإقامة نظام لترخيص الاستيراد بحيث يكون من الضروري الحصول على رخصة استيراد من هذا النظام.
• منح قروض حكومية بأسعار فائدة منخفضة جدا لأغراض تفضيلية كتأسيس مشاريع تصنيعية.
ومن جهة أخرى فإن نجاح هذه الإستراتيجية يتطلب عدة شروط يتقدمها وضع أسس لاختيار الصناعات التي يجب إحلالها محل الواردات، وهي تشمل الصناعات الاستهلاكية، ثم الوسيطة الإنتاجية، مع أهمية مراعاة عدم استمرار سياسة الحماية المتبعة وتخفيفها مع مرور الزمن، إلى جانب ضرورة الاعتماد على الموارد المحلية قدر الإمكان وتقليل التبعية للخارج، وذلك من خلال تعظيم استغلال الطاقات الإنتاجية المتوفرة، والاستخدام الأمثل للفائض الاقتصادي المتاح، مع الاهتمام بالتقنية المحلية والعمل على تطويرها بالطرق والأساليب العلمية الممكنة، ومحاولة تطوير التقنية المستوردة من الخارج في الاستفادة من التطور العلمي الحاصل في الدول الأخرى.

4) عيوبها:
لقد أثبتت هذه الإستراتيجية فشلها في تحقيق التنمية في البلدان النامية، لأنها كانت تبدأ بالحد من الواردات وتنتهي باستيراد حتى الخامات والمواد الأولية ابتداء من وسائل الإنتاج من سلع تجهيز ومنتجات نصف مصنعة إلى سلع الاستهلاك، وانتهت هذه الإستراتيجية بزيادة الواردات والديون الخارجية، فظلت الدول المنتهجة لها تابعة للدول المتقدمة ومربوطة بتصدير المواد الأولية إليها .
ويرجع فشل هذه الإستراتيجية في تحقيق ما كان مرجوا منها لعدة أسباب نذكر منها :
• ارتفاع تكاليف الإنتاج والناتجة عن الحماية، يعيق عملية التصنيع ويحد من حجم السوق المحلي ويجعل الصناعات تعتمد في بقائها على استمرار الحماية.
• إن معظم السلع المنتجة في ظل هذه الإستراتيجية هي سلع استهلاكية كمالية أو شبه كمالية.
• إن الحماية ينتج عنها غالبا ارتفاع في أسعار السلع المنتجة وكذلك ارتفاع الأجور مما يعرقل عملية التصدير ويولد الضغوط التضخمية.
• إن التصنيع الاستهلاكي في غالب الأحيان يعتمد على المواد الخام المستوردة الأمر الذي يفاقم من مشكلة النقص في العملة الصعبة.
ومجمل القول أن هذه الإستراتيجية لا تعطي المنتجات المصنعة في ظلها قدرة تنافسية لمواجهة المنتجات الخاصة بالدول الصناعية .
ثالثا- إستراتيجية التصنيع من أجل التصدير:
1) مفهومها:
يقصد بإستراتيجية التصنيع من أجل التصدير التركيز عند اختيار ما يتم القيام به من صناعات على تلك الصناعات التي تتوفر لها فرصة تصدير منتجاتها، ويعني ذلك أنه في هذه الإستراتيجية يكون التركيز بشكل أساسي على التصدير للسوق الخارجية، أما التسويق في السوق المحلية فإنه أقل أهمية، وتعطي هذه الإستراتيجية للتصدير أهمية كبيرة، فهي تعتبره المسؤول الأول عن تمويل خطط التنمية في الدول النامية على أساس ذاتي، ذلك أن جانبا هاما من احتياجات التنمية في هذه الدول من السلع الوسطية والاستثمارية، وحتى من السلع الاستهلاكية لا يمكن إشباعه إلا بالاستيراد من الخارج، ولا بد من توفير حصيلة جيدة من الصادرات لتمويل هذه الواردات، ويزيد من أهمية هذه الحصيلة وضع صادراتها من المواد الأولية وما تعانيه من تدهور شروط التبادل التجاري لغير صالحها وانخفاض إيراداتها من هذه الصادرات، ولذلك يكون من صالح الدول النامية تصدير المزيد من منتجاتها الصناعية والتقليل ما أمكن من تصدير المواد الأولية بشكلها الخام .
2) دوافع وأسباب تطبيقها:
يمكن ذكر أهم الأسباب التي تجعل الدول النامية تأخذ بهذه الإستراتيجية فيما يلي :
• الاستفادة من المزايا النسبية المحلية فتتحول الدولة من مصدر للمنتجات الأولية إلى مصدر للمنتجات الصناعية التي تستخلصها من المنتجات الأولية، فتتحول مثلا الدولة المصدرة للنفط الخام إلى تصدير مشتقاته المتعددة.
• الاستفادة من وفرة حصيلة الصادرات من العملة الصعبة التي ستتحقق بفضل إتباع هذه الإستراتيجية لتمويل عمليات التنمية الاقتصادية، ومساعدة الدولة في عدم لجوئها إلى الاقتراض من الخارج إلا عند الضرورة القصوى.
• التغلب على مشكل ضيق السوق المحلية وما يعانيه من صغر حجم الوحدات الإنتاجية، وبالتالي ارتفاع تكاليف الإنتاج، فإذا استطاعت الصناعات البيع في الأسواق الأجنبية فإن هذا سيؤدي إلى كبر حجم الوحدات الإنتاجية وتخفيض نفقات الإنتاج، وتتمثل أشكال إقامة صناعات التصدير في :
 إما تصنيع المواد الأولية وتصديرها.
 أو انتقال صناعة إحلال الواردات إلى مرحلة التصدير.
 أو إقامة الصناعات التصديرية على أساس الميزة البينية للدول النامية.
3) سياساتها وشروط نجاحها:
3-1) سياساتها:
وتتمثل سياسات هذه الإستراتيجية في الإصلاحات التي تم إدخالها على إستراتيجية إحلال الواردات بهدف الانتقال للتصدير وتتمثل فما يلي :
• منح معونات للسلع الصناعية المصدرة.
• تخفيض الحماية الجمركية على السلع المستوردة.
• تعديل أسعار الصرف.
• رفع أسعار الفائدة وجعلها تعطي أسعارا إيجابية حقيقية.
• إدخال تعديلات على أسعار الخدمات التي تقدمها المرافق العامة بهدف جعلها أسعارا معقولة.
3-2) شروط نجاحها :
من أهم شروط نجاح هذه الإستراتيجية ما يلي:
• الاستقرار السياسي والاقتصادي.
• توفير الحوافز للمصدر كالإعفاءات الضريبية للعمليات المدعمة والمكملة للنشاط التصديري.
• سياسة الخوصصة وتدعيم القطاع الخاص بما يؤدي إلى زيادة الكفاءة وفرص التصدير والقدرة على المنافسة.
• وجود نظام قوي وفعال للخدمات من شأنه تحفيز وتنشيط الصادرات.
• وجود درجة عالية من التكامل بين القطاع الصناعي والقطاعات الأخرى داخل الاقتصاد الوطني مثل القطاع الزراعي.
• الاستفادة من نظام المناطق الحرة.
• توفير المناخ المناسب لنمو الاستثمارات الأجنبية.
• تدعيم الصناعات الصغيرة والمتوسطة لأنها قادرة على توفير فرص عمل تساهم في حل مشكلة البطالة بصورها المختلفة داخل هذه الدول.
4) إيجابياتها :
• التشجيع على حسن استغلال مبدأ الميزة النسبية والذي من شأنه أن يمكن الدولة من الاستفادة من وفرات التخصص في إنتاج سلع معينة، وهذه السلع ليست بالضرورة سلعا أولية ولكن سلع مصنوعة تعتمد كما تم ذكره على الميزة النسبية.
• التغلب على مشكل صغر السوق المحلي مما يمكن الدول النامية من الاستفادة من وفرات الحجم.
• إن إنتاج السلع المصنوعة بغرض التصدير من شأنه أن يشجع على ارتفاع مستوى الكفاءة داخل الاقتصاد الوطني، وهذا العامل هام جدا وخاصة في حالة الصناعات التي تنتج سلعا أو تستخدم كمستلزمات إنتاج في صناعات محلية أخرى.
• إن معدل نمو السلع المصنوعة بغرض التصدير لا يتوقف على معدل نمو السوق المحلي (مثل السلع التي تنتج بهدف الإحلال محل الواردات) لكنه يتوقف على معدل نمو اقتصاديات الدول المستوردة.
5) عيوبها:
ويمكن ذكرها فيما يلي :
• قد يصعب على الدول النامية أن تقيم صناعات تصديرية بسبب شدة المنافسة من جانب الدول الصناعية ذات التجربة الطويلة في مجال التصنيع.
• إن الدول الصناعية قد تقيم جدارا عاليا من الحماية الجمركية فيما يتعلق بصناعاتها التي تتميز بالبساطة أو باستخدام قوة إنتاجية كثيفة اليد العاملة (مثل الملابس الجاهزة.. ) وهذه هي الصناعات التي يمكن أن تتمتع فيها الدول النامية بميزة نسبية في إنتاجها.
• إن الدولة التي تعتمد أساسا على تصدير منتجاتها المصنوعة إلى أسواق الدول الصناعية تعاني من وقت لآخر من أي أزمات اقتصادية تمر بها اقتصاديات هذه الدول الصناعية المستوردة.
رابعا- إمكانية الدمج بين إستراتيجيتي إحلال الواردات والتصنع من أجل التصدير:
بعد أن رأينا أن إستراتيجية تشجيع الصادرات الصناعية يمكن أن تكون فعالة في تحقيق الاستقلال الاقتصادي والتخلص من التبعية وإنهاء الاعتماد على إنتاج وتصدير المنتجات الأولية، إلا أن هذه الإستراتيجية انتقدت كما تم ذكره على أنها لا تمكن البلدان النامية من إيصال السلع الصناعية إلى الأسواق الدولية لأنها تحتاج إلى مستوى عال من الإنتاجية، وتوفير المستلزمات من آلات وتقنية كثيفة رأس المال، كما تحتاج إلى أسواق كبيرة لصادراتها والتي قد لا تتوفر للعديد من البلدان، وبخلافه يتعرض البلد المعني إلى مخاطر، ولهذا فإنه من المناسب للبلدان النامية الجمع بين إحلال الواردات والتصنيع للتصدير ، ويتم إتباع إمكانية الدمج هذه لضمان نجاح نتائج كلا الإستراتيجيتين في إحداث انتعاش في التنمية الاقتصادية، ويكون ذلك عن طريق إقامة واستحداث فروع تصديرية لبعض الصناعات التحويلية، وذلك لفك الخناق عن السوق المحلية وتوسيعها، وتطوير صناعات ذات طابع إحلالي لتصبح فيما بعد ذات طابع تصديري .
ويتم تطبيق الإستراتيجيتين معا عن طريق تقديم المساعدة والدعم للصناعات المنتجة للسلع الموجهة نحو التصدير من جهة، وإقامة العوائق في وجه استيراد بعض السلع المصنعة من جهة أخرى، ولكن ما يعاب على هذين الإجراءين أن هناك بعض الاقتصاديين ممن يرون أن الإعانات التي تقدم لأصحاب المصانع المنتجة للسلع الموجه للتصدير، قد لا تمكنهم من منافسة جميع أصحاب الصناعات الذين يتميزون بالخبرة الطويلة في البلدان الصناعية، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذه الإعانات قد ترهق الاقتصاد مما يؤدي إلى انخفاض الدخل وانخفاض القدرة الشرائية للأفراد .
-iiتجارب بعض الدول النامية حديثة التصنيع في مجال التصدير وأسس نجاحها.
لقد حققت مجموعة من دول جنوب شرق آسيا منذ منتصف القرن العشرين معدلات نمو اقتصادي سريعة ومرتفعة، وكان الجزء الكبير من هذا النمو راجعا لاعتماد هذه الدول على قطاع الصناعة، حيث استخدم كل اقتصاد من اقتصاديات هذه الدول مزيجا من السياسات والإجراءات لتنشيط وتفعيل هذا القطاع.
أولا- تجربة كوريا الجنوبية :
يتضح من تدرج تجربة التصنيع لكورية الجنوبية منذ استقلالها في عام 1948 وحتى عام 2022، أن خطوط التنمية بدأت في التحول من إستراتيجية الإحلال محل الواردات في الخمسينيات من القرن العشرين إلى التصنيع من اجل التصدير في الستينيات من نفس القرن، حيث أنه في أواخر الخمسينيات كانت أحد أفقر الدول الأسيوية على اعتبار أنها كانت تتلقى ما قيمته 10% من ناتجها المحلي الإجمالي في شكل مساعدات، بينما كانت مدّخراتها المحلية تمثل من 02% إلى 03% من الناتج القومي الإجمالي، كما كان لديها سعر صرف مقوم بأعلى من قيمته ومعدل تضخم عالي وسريع، وكان معدل النمو الاقتصادي فيها متواضعا.
وعلى الرغم من الفرص التي أتيحت لإعادة البناء بعد انتهاء الحرب الكورية والحجم الملحوظ من المساعدات الأمريكية، إلا أن حال ميزان المدفوعات كان سيئا للغاية فقد كانت الصادرات بها أقل من نصف الواردات، زد على ذلك أن ما يقارب 88% من هذه الصادرات كانت عبارة عن مواد خام، وتغيرت الصورة في سنة 1960 حيث قامت الحكومة الكورية الجنوبية بعمل خفض كبير في قيمة عملتها الوطنية، بالإضافة إلى توفير الائتمان التفضيلي للمصدرين مع منحهم إعفاءات أو استثناءات من الرسوم على الواردات من المواد الخام والسلع الرأسمالية، كما بدأت في وضع نظم لحوافز التصدير مع زيادتها تدريجيا عندما بدأت الصادرات في الانطلاق، وبمرور الوقت زادت أهمية سعر الصرف كأحد العوامل المحفزة لتدفقات الصادرات، وبدأت الصادرات في النمو من 03% من الناتج المحلي الإجمالي بين سنتي 1960-1962 إلى 23% في المتوسط بين سنتي 1973-1975، وجاوز المعدل السنوي لنمو الصادرات في المتوسط 40%، وكانت مكونات الصادرات آنذاك كثيفة العمل وهي المنسوجات والملابس والأحذية، ومع نهاية الستينيات من القرن العشرين بدأت مهارات العمالة في الظهور وبدأت معدلات التكوين الرأسمالي في الزيادة مشيرة إلى زيادة الرأسمال المتاح لكل عامل، وبدأت صادرات الالكترونيات تحتل مكانة متزايدة في مكونات الصادرات الصناعية، ومع بداية السبعينات من نفس القرن بدأت بعض المكونات الجديدة للصادرات مثل الماكينات وآلات النقل في الدخول إلى قائمة الصادرات، وبدأ التحول نحو الأنشطة الأقل كثافة في عنصر العمل، حيث زاد استخدام قوة العمل الموجودة (استخدمت بأكملها)، ومع نهاية سنة 1966 أصبح واضحا أن النمو الاقتصادي لكوريا الجنوبية سوف يكون أكثر مما هو متوقع إذا تم توظيف مدخرات جديدة في استثمارات جديدة، ومن ثم بدأت في الاقتراض من الخارج و بدأت في السماح للاستثمار الأجنبي الخاص بالدخول.
وقد أدت الحوافز السوقية و الدعم السياسي الذي قدمته الحكومة الكورية منذ سنة 1961 إلى نمو كبير في الصادرات وصل إلى 28% سنويا، ولفترة تزيد على 35 سنة منذ سنة 1960 وحتى سنة 1966، وفي نفس الفترة نما متوسط الدخل للفرد الكوري بحوالي 08% سنويا في المتوسط وهو أعلى معدلات النمو في العالم، وطبقا لبعض التقديرات يعزى حوالي 40% من النمو في الإنتاج القومي خلال الفترة 1955-1975 للصادرات، مع الأخذ بعين الاعتبار أثر الصناعات التصديرية المباشرة والآثار غير المباشرة للصناعات الأخرى التي انتعشت نتيجة زيادة طلب المصدرين على المدخلات، وبدأت الصادرات في النمو بمعدل يقدر 03% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 1960-1962 إلى معدل 28% خلال الفترة 1973-1975 ثم إلى أكثر من 30% خلال الفترة 1976-1995، إلى أن بلغ حجم التبادل التجاري الكوري الجنوبي في نهاية سنة 1995 حوالي 264 مليار دولار بزيادة مقدارها 31% عن السنة السابقة، ثم عاودت انتعاشها بعد سنة 2022 بعد أن تجاوزت أحداث الأزمة المالية الآسيوية في سنتي 1997-1998، واعتمدت كوريا الجنوبية لتحقيق هذه الطفرة كليا على قطاع الصناعة، حيث نمت حصته (القطاع الصناعي) في الصادرات من 17% إلى حوالي 80% في منتصف السبعينات من القرن العشرين، وإلى أكثر من ذلك في منتصف التسعينات من نفس القرن، واقترن النمو السريع بالتنويع والتغيير الهيكلي، ونمت جميع القطاعات الصناعية بسرعة، ونمت صناعات السلع الإنتاجية التي كانت حصتها من القيمة المضافة في بداية الستينات حوالي 15% إلى 39% في منتصف السبعينات وإلى أكثر من 40% في التسعينات من نفس القرن مشيرة إلى التنوع الصناعي، وعلى الرغم من أن معظم الصادرات في بداية النمو كانت صناعات كثيفة العمل وبخاصة صادرات الملابس والمنسوجات والأحذية، إلا أنها استطاعت مع حلول منتصف السبعينات تصدير ألواح الصلب والماكينات الكهربائية والسفن وخدمات البناء، ثم دخلت عالم الالكترونيات في الثمانينيات ثم ثورة الاتصال في التسعينيات من القرن الماضي.
ويمكن ذكر أهم الإجراءات والأسس الاقتصادية التي اعتمدت عليها كوريا الجنوبية لترقية صادراتها في الستينيات فيما يلي :
• إعادة هيكلة الإدارة الضريبية.
• رفع معدلات الفائدة على الودائع البنكية، ووضع تنظيمات ومقاييس تشريعية لتشجيع الاستثمار الأجنبي.
• إتباع شروط مرنة للقرض.
• منح تخفيضات ضريبية على واردات التجهيزات المستخدمة في صناعة المنتجات الموجهة للتصدير.
• خلق منطقة حرة، و تبسيط الإجراءات الجمركية.
هذا عن سنوات الستينيات حيث كانت الانطلاقة، فيما بعد تم إتباع المقاييس التالية في سياسة ترقية الصادرات :
• الإعفاء من الحقوق الجمركية على واردات المواد الأولية وسلع التجهيز.
• منح معدلات فائدة تفضيلية للمصدرين.
• تخفيض الضريبة على الأرباح الصناعية والتجارية الناتجة عن عملية التصدير.
• وضع مقاييس خاصة تسمح بإهتلاك متسارع لتشجيع عملية الإنتاج.
• تعويض بعض الاقتطاعات الضريبية للمصدرين.
• إعانات فيما يخص تمويل الصادرات.
ثانيا- تجربة تايوان :
إن نمط التصنيع في تايوان يتشابه تماما مع نظيره في كوريا الجنوبية، حيث اعتمدت صناعاتهما بصورة أكبر على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما عرف القطاع الحكومي نصيب أكبر من المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الصناعات التحويلية، ومنذ منتصف الستينيات توجهت تايوان من إستراتيجية إحلال محل الواردات إلى إستراتيجية التصنيع من أجل التصدير، وقد نمت الصناعات التايوانية وتطورت وأصبحت قادرة على المنافسة في الأسواق الدولية، إلى جانب تلبيتها للطلب المحلي، وعملت على تشجيع إقامة صناعات أكثر تعقيدا، مثل صناعات الصلب والبتروكيمياء وماكينات تصنيع الآلات والمعدات الإلكترونية، ولقد بدأت الحكومة التايوانية في تطبيق سياستها التنموية بإتباع سلسلة من الإصلاحات منها :
• خفض قيمة العملة.
• توحيد أسعار الصرف في سنة 1958.
• إلغاء القيود على الواردات.
• تعديل السياسة النقدية.
• إنشاء مناطق حرة للتصدير.
وكان من نتيجة هذه الإجراءات أن انخفض معدل التضخم إلى أقل من 02% سنويا خلال الخمسينيات من القرن العشرين، وقد تبع هذه الإصلاحات زيادة ملحوظة في الصادرات وفي معدل النمو الاقتصادي، حيث شكلت الصادرات 12.2% من الدخل القومي سنة 1958، بينما شكلت الواردات في نفس السنة 20% من الدخل القومي، وارتفعت الصادرات إلى 19.6% من الدخل القومي سنة 1965، وفي سنة 1969 تساوت الصادرات مع الواردات نتيجة للنمو السريع في الصادرات، وخلال عقد الستينيات من القرن العشرين أمكن مضاعفة الصادرات التايوانية خمسة أضعاف، بينما ارتفعت الواردات بأربعة أضعاف ونمت الصادرات لتحل محل المساعدات الأجنبية والسماح بزيادة كبيرة في الواردات، وكانت هذه الأخيرة ضرورية حيث كان الاقتصاد يحتاجها في العملية الإنتاجية بدرجة كبيرة، وقد تكونت قائمة الصادرات الأولية لتايوان من المواد الغذائية المصنعة والمواد المشابهة، وقد توسعت قائمة الصادرات لتشمل الملابس والمنسوجات والماكينات الكهربائية وغيرها من الصناعات، وكما حدث في حالة كوريا الجنوبية ارتبطت زيادة الصادرات والدخل الحقيقي بزيادة معدلات التوظيف والأجور الحقيقية.
وعلى العموم فقد ظهرت السياسات المنتهجة مشابهة في معظم أدواتها لسياسات كوريا الجنوبية، حيث استهدفت السياسات الحكومية تشجيع الصادرات عموما بالإضافة إلى التركيز على تشجيع تصدير مجموعة معينة من السلع، وقدمت الحوافز بأشكال عديدة ولصور عديدة من الأنشطة الاقتصادية، وعلى العكس من كوريا الجنوبية فقد بدأت تايوان مبكرا في تشجيع رأس المال والاستثمار الأجنبي، وحاولت خلق بيئة جذابة للمستثمرين الأجانب، حيث كانت تعتبر الاستثمار الأجنبي أحد المصادر الهامة للتنمية الاقتصادية.
ثالثا- تجربة هونغ كونغ :
بالرغم من قلة مساحتها وقلة مواردها الطبيعية والمائية، استطاعت هونغ كونغ أن تحقق تنمية كبيرة في النشاط الصناعي والتجاري والسياحي والمصرفي، وهذا بفضل توجهها نحو الخارج وإتباعها لسياسة التصدير، مما سمح لصادراتها أن تبلغ معدلات عالمية، وأن تجد لنفسا مكانة محترمة في التجارة العالمية وقد انعكس هذا الوضع على مستوى معيشة الأفراد، وهذا نتيجة الدور الذي لعبته الحكومة في توفير الظروف الملائمة للقطاع الخاص وتوفير البنية الأساسية التي تشجع على النمو الاقتصادي، واتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات لزيادة القدرات التكنولوجية في الصناعة، والتي من أهمها:
• حرية تداول السلع والخدمات.
• عدم وجود الرقابة على الصرف الأجنبي.
• تخفيض معدلات الضرائب.
• توفير الخدمات المالية والفنية بصورة كبيرة.
ونظرا للمضايقة التي واجهتها الصادرات التقليدية في الأسواق الأجنبية من جراء نظام الحصص واتجاه الزيادة في تكاليف العمل، مما أدى إلى التقليل من القدرة التنافسية للصادرات، أخذت الصناعة تتوجه نحو التركيز على المنتجات عالية الجودة والالكترونيات، وللحفاظ على مكانة المنتجات التقليدية في الأسواق الأجنبية تم اللجوء لليد العاملة الرخيصة من الصين، كما تم إقامة مراكز للتدريب، كما لعب الاستثمار الأجنبي دورا حيويا وخاصة في صناعة الإلكترونيك وتوفير رأس المال ونقل التكنولوجيا.
رابعا- تجربة سنغافورة :
يعتبر التوجه التصديري هو أساس النمو السريع لسنغافورة، وقد رحبت سنغافورة برأس المال الأجنبي وتعتبر معظم الصناعات بها من نوع الصناعات كثيفة رأس المال (مثل صناعة تكرير البترول)، وعلى الرغم من نجاح سنغافورة في تنمية سياسة التصنيع بها إلا أنها بدأت من سياسة الإحلال محل الواردات مع حلول منتصف الستينيات من القرن العشرين، وكان الاهتمام الرئيسي أن الشركة لا تنتج إلا للسوق المحلي حتى سنة 1965، نتيجة لذلك ظلت مشكلة البطالة في سنغافورة لعدة سنوات بعد الاستقلال، يضاف إلى ذلك الأثر السيئ لسياسة الإحلال محل الواردات على الصادرات والتي ساهمت في تفاقم العجز في ميزان المدفوعات، وفي سنة 1967 بدأت سنغافورة في تبني إستراتيجية التصنيع ذات التوجه التصديري، هذا ما انعكس في إحداث التغييرات الجذرية لمجموعة سياسات التنمية الاقتصادية، ولقد شجع الهيكل الجديد لسياسات التنمية الاقتصادية على إقامة مجموعة من التجهيزات الصناعية الجديدة والتي تهدف جميعها لترويج الصادرات، ونتيجة لانخفاض معدلات الأجور مع الموقع الاستراتيجي للدولة في آسيا وكفاءة وسائل النقل والتوجه التجاري الخارجي الجديد وهيكل الاستثمار، كانت كلها عوامل جعلت من سنغافورة مركزا لجذب الشركات متعددة الجنسيات والتي بدأت في التوسع ودخول هذه المنطقة، ولتحقيق هدف خلق الوظائف الجديدة تم تقديم عدد من الحوافز سنة 1967 في ظل قانون توسيع الحوافز الاقتصادية، منها على سبيل المثال خفض معدلات الضرائب على الدخول الناتجة عن الأنشطة الصناعية الموجهة للتصدير، هذه السياسات – بالإضافة إلى عدد آخر من العوامل المستقلة والتي يعتبر من أهمها التوسع السريع في النظام التجاري الدولي خلال تلك الفترة وإعادة تخصيص مصانع الغزل والنسيج من الدول الأسيوية الأخرى – يمكن النظر إليها على أنها أحد الأسباب التي أدت إلى زيادة الاستثمار الصناعي الكلي خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1968-1973 عن 2.3 مليار دولار، وقد استفادت قطاعات الخدمات الصناعية والمالية من الزيادة في الاستثمار الأجنبي، وداخل الأنشطة الصناعية كان هناك توسع في الالكترونيات، تكرير البترول، قطع غيار السفن، قطاعات المنسوجات، وهو الأمر الذي ساعد على استيعاب عدد كبير من القوى العاملة الموجودة.
وفيما يتعلق بالخدمات المالية فقد كان لإقامة البنك الأمريكي ـ الآسيوي دور كبير في إنشاء مجموعة من التسهيلات التمويلية الدولية للعمل في سوق الدولار الآسيوي، والذي يميز المرحلة الأولى من النمو السريع في هذا السوق هو ظهور سنغافورة كمركز مالي دولي رئيسي، أما النجاح الذي حققته سنغافورة في المرحلة الثانية للتنمية فيمكن أن يعزى ليس للزيادة السريعة في الاستثمار الأجنبي والصادرات فقط، ولكن أيضا للنمو الحاد في التوظيف الذي أدى إلى تحول سنغافورة من اقتصاد يتمتع بفائض عمالة منخفضة الأجر إلى اقتصاد يكتظ بالعمالة المرتفعة الأجر.
خامسا- تجربة أندونيسيا :
في سنة 1966 استطاعت الحكومة الأندونيسية أن تكفل استقرار السياسة الاقتصادية فعملت أولا على خفض معدل التضخم الذي بلغ 639%، واهتمت بإصلاح البنية الأساسية وزيادة معدلات الصادرات مع توفير ما يكفي للاستهلاك المحلي، وقد انتهجت أندونيسيا في تحقيق أهدافها سياسة اقتصادية تركز على التوجه الاقتصادي غير المباشر، حيث قامت الدولة بتوجيه اقتصادها من خلال مؤسساتها العامة مع إعطاء القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي غاية اهتمامها، وقد تضمنت خطط الحكومة إصلاح جميع القطاعات التي من شأنها تنمية الاقتصاد الأندونيسي، خاصة قطاع التعدين والزراعة، كما أولت القطاع المصرفي أهمية كبيرة حتى تمكِّنه من القيام بدوره على أكمل وجه، وقد زادت الصادرات الأندونيسية بمعدلات متضاعفة حيث ارتفعت بمعدل نمو سنوي بلغ 13.6% خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1987-1993، وقد حملت قائمة الصادرات الأندونيسية مجموعة متنوعة من المنتجات إذ تعتبر أندونيسيا المورد الرئيسي لبعض السلع مثل القصدير، المطاط، الغاز الطبيعي السائل، القهوة،………الخ، والسلع المصنعة مثل الالكترونيات، المنسوجات، الأغذية المصنعة، الاسمنت،………الخ، وتقوم أندونيسيا بالتصدير إلى مجموعة متنوعة من الدول تتصدرهم اليابان، الصين، ألمانيا، هولندا، الولايات المتحدة، وقد نجحت أندونيسيا في تنويع استراتيجياتها التصديرية في جزء كبير منها نتيجة نجاحها في جذب الاستثمار الأجنبي، كما كان للمشروعات دور كبير في جلب الآلات، التكنولوجيا، الاتصالات مع السوق الخارجي وتدريب العمالة في أندونيسيا.
كما كان للمساعدات التي قدمتها الحكومة الأندونيسية للمصدرين دور في إنجاح سياستها التصديرية، حيث كان صُنَّاع القرار في أندونيسيا يرون أن أفضل الطرق لتحقيق رغبة الشركات في زيادة صادراتهم ليس منح حوافز لقطاعات بعينها، بل فضلت خلق مستوى من الحوافز للجميع على نحو يشجع الاستثمارات، وبالنسبة لبيئة أعمال المصدرين فقد منحت الحكومة الأندونيسية الشركات المصدرة التي لا تقل صادراتها عن 65% من إنتاجها الحوافز التالية:
• عدم فرض قيود على الواردات.
• إعفاء جمركي من الرسوم على الواردات، وضريبة القيمة المضافة على الآلات والمواد الخام.
• السماح بحوالي 95% ملكية أجنبية.
• أنشأت الحكومة الأندونيسية نظاما لتمويل الصادرات يقدم ائتمانا قبل وبعد الشحن.
سادسا- تجربة ماليزيا :
لقد نجحت ماليزيا في ترقية صادراتها بنسبة 17% في المتوسط خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1987-1993 حيث وصلت إلى 47 مليار دولار أمريكي، وقد استمرت ماليزيا في انتهاجها لإستراتيجية التصنيع الأمر الذي انعكس بالإيجاب على صادراتها، حيث شكلت المنتجات الصناعية 71% من إجمالي هذه الصادرات سنة 1993، واستمرت في هذا الاتجاه إلى غاية منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، هذا بعد أن كان البترول الخام عمود الصادرات الماليزية، بالإضافة إلى المطاط، وزيت النخيل، خشب الأشجار.
ومن بين الصادرات الماليزية نجد الآلات الكهربائية حيث بلغت مساهمتها حوالي 60% في صادرات ماليزيا الصناعية، يليها من حيث الأهمية كل من المنسوجات والكيماويات والبترول والمعادن، وقد نجحت ماليزيا في تنويع أسواق صادراتها على مستوى العالم، حيث تصدر إلى اليابان 17% من صادراتها الإجمالية، كما تصدر للاتحاد الأوروبي حوالي 16% من صادراتها وتتلقى الولايات المتحدة منها ما يقارب 15%.
و قد مثل الاستثمار الأجنبي عجلة النمو الرئيسية لصادرات ماليزيا في العصر الحديث، وقد أفاد هذا الاستثمار الصادرات الماليزية من خلال قيام المستثمرين الأجانب بتوسيع خطوط منتجاتهم سواء الأمامية أو الخلفية، ومكَّن الاستثمار الأجنبي ماليزيا من تنويع قائمة صادراتها وإبعادها عن الصادرات النفطية والتقليدية التي تواجه أسعار عالمية غير مستقرة، وتعتبر صادرات الالكترونيات أهم أنواع صادرات ماليزيا منذ مطلع حقبة التسعينيات من القرن العشرين وحتى منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
بالإضافة إلى الاستثمار الأجنبي هناك عاملا أخر أدى إلى تفعيل الصادرات الماليزية، والمتمثل في نظام تزويد الشركات بالمساعدات والتمويل للإنتاج الموجه للصادرات، وقد أدى هذا النهج كذلك إلى زيادة في تسهيل نمو الصادرات الماليزية على نطاق واسع، حيث قدمت ماليزيا حوافز لكل من المنتجين والمصدرين في المناطق غير النامية، وللمستوردين للتكنولوجيا الجديدة أو المستثمرين في المنتجات غير التقليدية، وعلاوة على ذلك فقد قدمت الحكومة الماليزية دعما للصادرات عن طريق تقديم مجموعة كبيرة من الخدمات والحوافز، والتي من بينها ما يلي:
• 50% إعفاء من الضرائب المرتبطة بالأنشطة التصديرية.
• إعفاء ضريبي يمثل ما نسبته 05% من قيمة الصادرات.
• إعفاء مزدوج على التكاليف المرتبطة بالصادرات متضمنة تكاليف تسويق الصادرات، والتأمين على الصادرات وتأمين الحمولات المستوردة.
• استرداد قيمة الجمارك والرسوم على السلع الوسيطة المستخدمة في الصادرات.
سابعا- تجربة تايلاند :
تدلنا تجربة تايلاند في مجال تنمية الصادرات على أهمية وأثر السياسات الاقتصادية الكلية والتنظيمات الحكومية على التجارة الخارجية، فخلال الستينيات من القرن العشرين كانت تعرف تايلاند على أنها مصدر للسلع الزراعية التقليدية، وبخاصة الأرز والمطاط والخشب وخام القصدير، وخلال السبعينيات من نفس القرن قدمت الحكومة دعما كبيرا للمصدرين، وأدى ذلك أن تضمنت قائمة الصادرات التايلاندية إلى جانب الصادرات الزراعية الخام مجموعة من السلع الزراعية المصنعة والمنتجات المصنعة الأخرى، وبمقارنة هيكل التكلفة النسبية للدولة آنذاك مع غيرها من الشركاء التجاريين يمكن القول بأن معظم الصادرات التايلاندية هي عبارة عن صادرات كثيفة العمل، مثل الأغذية المعلبة والمنتجات الخشبية والمجوهرات.
ولأن الحكومة التايلاندية وجهت كل اهتمامها للأنشطة التصديرية والمصدرين فقد فتحت الباب للاستثمار الأجنبي، ووضعت مجموعة كبيرة من الحوافز لمجموعة محددة من الصناعات، وكان من أثر ذلك أن تنوعت الصادرات ونمت، وتتضمن قائمة الصادرات التايلاندية الآن الصادرات الالكترونية والأجزاء المتكاملة منها، والصادرات الكهربائية، والمنتجات الجلدية مثل الأحذية، والمنتجات البلاستيكية، وتشكل الصادرات الصناعية ما نسبته 54% من الصادرات التايلاندية، وقد نمت الصادرات التايلاندية بمعدل 23% سنويا خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1987-1993 حتى وصلت إلى 37 مليار دولار أمريكي، ويكمن سبب نجاح الصادرات التايلاندية للأدوات المنتهجة من قبل الحكومة والتي يتمثل بعضها فيما يلي:
• إعفاءات ضريبية.
• خفض تكاليف الطاقة.
• تقديم المساعدات التسويقية للشركات.
كما لعب الاستثمار الأجنبي دورا كبيرا في إنجاح الصادرات التايلاندية، وخاصة في مجال الالكترونيات والأحذية، ومن المهم أن نلاحظ أن الخبرة التايلاندية في تنمية الصادرات أشارت أن الاستثمار الأجنبي لا يعتبر لوحده الأرضية الرئيسية لتنمية الصادرات، فهناك أيضا بعض السياسات الأخرى والتي من أهمها قيام الشركات الموجودة في تايلاند بتعديل خطوط إنتاجها حيث ارتفع هيكل التكلفة بمرور الوقت مع ازدياد حده المنافسة، كما ساهمت السياسة الصناعية لتايلاند في إنجاح إستراتيجية تنمية الصادرات الصناعية.
وقد احتوت سياسة التصدير التايلاندية على مجموعة من الحوافز مقسمة على ثلاثة مناطق، ويمكن عرض أهمها على النحو التالي:
 الشركات الموجودة في المنطقة الأولى تستفيد من:
• 50% تخفيض في الرسوم المفروضة على الواردات من الآلات.
• إعفاء لسنوات من الضرائب على الدخل (بالنسبة للشركات الموجودة في المناطق الصناعية فقط).
• إعفاء لمدة سنة من الضرائب على المواد الخام.
 الشركات الموجودة في المنطقة الثانية تستفيد من:
• 50% تخفيض في الرسوم المفروضة على الواردات من الآلات.
• إعفاء لمدة ثلاثة سنوات من الضرائب على الدخل (تزداد إلى سبعة بالنسبة للشركات الموجودة في المناطق الصناعية).
• إعفاء لمدة سنة من الضرائب على المواد الخام.
 الشركات الموجودة في المنطقة الثانية تستفيد من:
• 100% خفض في الرسوم المفروضة على الواردات من الآلات.
• إعفاء لمدة ثمانية سنوات من الضرائب على الدخل يتبعها خمسة سنوات خفض في الضرائب على الدخل بنسبة 50%.
• إعفاء مزدوج من الضرائب على الدخل من المياه، الكهرباء، تكاليف النقل للعشر سنوات الموالية.