خطــــــــــــــــــــة البحــــــــــــــــــــث:
مقدمة
I) المفهوم والتطور التاريخي للأنثروبولوجيا.
1. مفهوم الأنثربولوجيا.
2. التطور التاريخي للدراسات الأنثروبولوجيا.
3. فروع الأنثروبولوجيا.
4. الأنثروبولوجيا وعلاقتها ببعض العلوم.
II) مفاهيم مرتبطة بالأنثروبولوجيا.
1. الإيكولوجيا(علم البيئة).
2. الإركيولوجيا (علم الآثار) والجيولوجيا.
3. الإثنولوجيا والإثنوغرافيا.
خاتمة.
قائمة المراجع.
مقدمــــــــــــــــــــــــــــــة:
يرى الكثير من العلماء والباحثين أن جميع المجتمعات تمر من خلال عملية تطورية واحدة من أكثرها بدائية إلى أكثرها تطورا ولأن الأنثروبولوجيا تهتم بالمجتمعات البدائية أكثر، كانت دراسة هذه المجتمعات تمثل ميلاد الأنثروبولوجيا. وإن اختلف المؤرخون عن مدى حياتها إلا أن الأنثروبولوجيا كعلم مستقل له ميدانه ومنهجه وله طريقته الخاصة ومقارنته المستقلة لم يظهر إلا في نهاية القرن التاسع عشر، فالأنثروبولوجيا كانت في الحقيقة في البداية موجودة في المقامات الفلسفية والأمثلة الشعبية أي ضمن نطاق كل ما يدرس الإنسان في شتى جوانب حياته وعلاقته مع ذاته والآخرين ومع الكون وما وراء الكون. ولأن الأنثروبولوجيا علم له صلة بمعظم إن لم نقل كل العلوم الأخرى فإن له عدة فروع متخصصة كما له مصطلحاته ومفاهيمه الخاصة.
المبحث الأول: المفهوم والتطور التاريخي للأنثروبولوجيا
مفهوم الأنثروبولوجيا:
الأنثروبولوجيا هي مصطلح مركب من مقطعين بالغة اليونانية هما “أنتروس وتعني إنسان” و”لوجيا وتعني علم” وبهذا فهي تعني علم الإنسان أو المعرفة المنظمة عن الإنسان، وهي تجمع في علم واحد الجوانب البيولوجية والاجتماعية والثقافية للإنسان وميدان الدراسة الأساسي لها هو الجماعات أو المجتمعات التي تدعى بالبدائية وإن كان هذا الميدان اتسع في الفترة الأخيرة بحيث أصبح يشمل دراسة المجتمعات العليا القديمة وبتأثير المدرسة الثقافية الأمريكية ازداد المجال اتساعا ليشمل مجتمعات أوروبية الأصل تعيش في ظروف تكنولوجية حديثة، وبالتالي أصبحت تدرس الأنماط الحضارية ذات الطابع المعاصر والقديم، كما تدرس المجتمعات الحديثة في الريف والمدينة وتأثير الهجرات في التركيبات الحضارية الثقافية المعاصرة. ومن الناحية الاصطلاحية نجد تصورين أساسيين لهذا العلم: 1)التصور الأول: هو التصور الأمريكي الذي ينظر للأنثروبولوجيا كعلم يهتم بدراسة الإنسان من الناحيتين العضوية والثقافية على حد سواء ويستخدم الأمريكيون مصطلح الأنثروبولوجيا الجسمية أو الفيزيقية للإشارة إلى دراسة الجانب العضوي التطوري الحيوي للإنسان، بينما يستخدمون مصطلح الأنثروبولوجيا الثقافية لمجموع التخصصات التي تدرس النواحي الثقافية والاجتماعية لحياة الإنسان يدخل في ذلك الدراسات المتعلقة بالإنسان القديم (الأركولوجيا)، كما تتناول الأنثروبولوجيا الثقافية دراسة لغات الشعوب الأولية واللهجات المحلية والتأثيرات المتبادلة بين اللغة والثقافة بصفة عامة وذلك في إطار ما يعرف بعلم اللغة. 2)التصور الثاني: هو التصور الأوروبي للأنثروبولوجيا وهو مختلف من بلد لآخر، فقد كان يقصد بالأنثروبولوجيا دراسة التاريخ الطبيعي للإنسان حيث اتسعت في أوربا موضوعات الأنتروبولوجيا بهذا المعنى وتنوعت لتشمل الدراسة المقارنة بين الإنسان والحيوان وبين السلالات البشرية بل وحتى الدراسة المقارنة بين الذكور والإناث وصلة ذلك بالأدوار الاجتماعية. وقد اصطلح الفرنسيون على الأنثروبولوجيا الاجتماعية “بالأثنولوجيا” و”الأثنوغرافيا” وهم يدرسونها تحت مظلة علم الاجتماع، أما الإنكليز فأسموها بالأنثروبولوجيا الاجتماعية وتعاملوا معها كعلم قائم بذاته لا يدرج تحته أي من الأركولوجيا أو علم اللغويات وهذا ما ساعدهم على وضع نماذج نظرية تشرح أبنية المجتمعات وتفسر الآليات والوظائف التي تساعد على استمرارية الحياة الاجتماعية وتماسكها، وبهذا خرج إلى الوجود ما يشار إليه مثلا بأنثروبولوجيا القرابة أو الدين أو الاقتصاد أو النظم السياسية وغير ذلك مما يسير ضمن إطار الأنثروبولوجيا الاجتماعية. وبهذا فالأنثروبولوجيا الاجتماعية في انكلترا وإلى حد ما في أمريكا استعملت للدلالة على فرع معين من الأنثروبولوجيا التي تعنى بدراسة الإنسان ثقافيا واجتماعيا، أما في أوربا فالقاموس اللفظي مختلف، فعندما يتحدث الأوربيون عن الأنتروبولوجيا فهم يذهبون إلى ما يسميه الانجليز الأنثروبولوجيا الفيزيقية الحيوية أما ما يسميه الإنكليز بالأنثروبولوجيا الاجتماعية يسمى في أوربا بالأثنولوجيا أو الاجتماعيات. وبشكل عام يمكن تقسيم الأنثروبولوجيا إلى فرعين رئيسين يتشعب عنهما مجموعة كبيرة من الفروع الأخيرة الفرع الأول: هو الأنثروبولوجيا الحيوية أو الفيزيقية أو الطبيعية، وهي فرع قديم ظهر في أواخر القرن الثامن عشر تحت تأثير الأفكار الداروينية وهو يهتم بدراسة الإنسان من حيث سماته الجسمية والتشريحية كشكل الجمجمة وطول القامة، كما يدرس الإنسان في نشأته الأولى وفي تطوره عن الرئيسيات وفي كيفية اكتسابه السمات والخصائص السلالية التي تميزه عن غيره من الأجناس والأنواع الحيوانية. أما الفرع الثاني: فهو الأنثروبوبوجيا الثقافية (بشقيها الاجتماعي والثقافي) وهي تهم بدراسة منتجات الإنسان الثقافية على اعتبار أنه نوع يتميز عن بقية الأنواع الحيوانية بالثقافة وهذا الفرع تندرج تحته مجموعة من المباحث الأساسية هي علم اللغويات الأنثروبولوجية التي تقوم بدراسة اللغات وتاريخها دراسة بحثية وصفية بغية تحديد أصول اللغات الإنسانية بالإضافة للأنتروبولوجيا الاجتماعية التي تنقسم بدورها إلى عدة فروع سياسية وقانونية.
التطور التاريخي للدراسات الأنتروبولوجية:
تعتبر الدراسات الأنتروبولوجية قديمة جدا قدم الإنسان ذاته حينما عاشت الجماعات المختلفة بعضها مع البعض الآخر أو عندما كانت متجاورة مع بعضها البعض وقد أثار هذا الوضع فضول تلك الجماعات خلال اتصالها فيما بينها، لمعرفة طبائع كل منها للأخر، ربما بهدف السيطرة على الموارد كل منهما وإخضاعها لسلطانها بسبب التنافس على المصادر المعيشية ومن ناحية أخرى، حاول البعض خلال تاريخ الإنسان وصف ثقافات الشعوب وتقديم ملاحظات عن الطبيعة الإنسانية والوجود البشري كما افترضوا بعض التفسيرات التي توضح الاختلافات بين بني البشر سواء من الناحية الفيزيقية أو العادات والتقاليد……….. ومهما يكن من أمر، فإن البدايات الأولى لهذا العلم ترجع إلى الفلاسفة والمفكرين القدامى الذين تناولوا موضوعات تتعلق بالدين والسلالة وتقسيم المجتمع إلى طبقات…… ولكنها اصطبغت بالصبغة الفلسفية ومن ثم فقد تناول العديد من الفلاسفة مثل أفلاطون موضوعات أكثر حداثة مثل طبيعة العلاقات الاجتماعية والجماعات العرقية، كما أن المدرسة النمساوية الألمانية التي تخصصت في الأثنولوجيا تأثرت بنظرية أفلاطون وكتاباته، وحتى ديفيد هيوم الذي كان له دور كبير في نشأة العلم في بريطانيا تأثر إلى حد كبير بنظرية الفيلسوف الإغريقي ديموقريطس. وتعتبر رحلات وتقارير المؤرخين وافدا آخر للدراسات الأنتروبولوجية ومن هؤلاء هيرودوت الذي عاش خلال القرن الخامس قبل الميلاد ويعتبره معظم كتاب التاريخ الأنتروبولوجيا أول باحث أنتروبولوجي في التاريخ فقد جمع معلومات وصفية دقيقة عن عدد كبير من الشعوب غير الأوروبية حيث تناول تقاليدهم وعاداتهم وملامحهم الجسمية وأصولهم السلالية في كتابه “التواريخ” قدم معلومات في تسعة فصول عن حوالي خمسين شعبا من خلال رحلاته وكذلك وصفه الدقيق للحرب –من خلال رحلاته- التي دارت بين الفرس والإغريق إبان القرن السادس قبل الميلاد، كما زار مصر وذكر خصائص سكانها وذكر عبارته المشهورة”مصر هبة النيل” كما وصف بدو ليبيا وعموما يعتبر منهجه الوصفي بداية المنهج الأثنوغرافي المعروف الآن. وغني عن البيان، الأثر العظيم الذي أحدته العلامة العربي ابن خلدون من خلال أسفاره العديدة في عصره والتي تمخض عنها ظهور كتابه الخالد «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» وكذلك المقدمة التي اشتهرت أكثر من شهرت الكتاب ذاته. ومن خلال العنوان ذاته يتضح لنا المسالك التي سافر فيها والشعوب التي زارها سواء العرب أو العجم-الفرس- أو البربر-سكان شمال إفريقيا- وكثرت أسفاره خلال تلك الفترة وسجل تسجيلا أمينا كل ما رآه حتى المكان والطقس والمناخ والمنازل والعادات والتقاليد ومن ثم تداخلت المعلومات الجغرافية والسياسية والاجتماعية في مقدمته وكتابه، وأطلق على العلم الجديد الذي توصل إليه اسم «علم العمران البشري» وكان يقصد به بالطبع علم الاجتماع . ودون الدخول في تفاصيل ماهية العلاقة بين علمي الاجتماع والانتروبولوجيا إلا أنه يمكن القول أن المعلومات الأثنوغرافية-وإن كانت لا تخلو من بعض الآراء التقيمية المتحيزة- تعتبر من أهم روافد المعلومات الإثنوغرافية التي تعتبر ركيزة الدراسات الأنتروبولوجية الآن. واضح إذن ارتباط الدراسات الأنتروبولوجية بغيرها من الدراسات في فروع العلم الأخرى سواء الجيولوجيا أو البيولوجيا أو الحفريات أو الأٍكيولوجيا والعلوم الإنسانية المختلفة، ومن ثم فقد كانت أية دراسات ولو سطحية مبكرة تتم وكان لها صلة ما بالإنسان إلا واعتبرت خطوة على طريق ظهور وتبلور علم الأنتروبولوجيا بفروعه التي أصبحت معروفة الآن.
فروع الأنتروبولوجيا:
أوضحنا سابقا تعدد جوانب الإنسان بل وتشابكها أيضا واتصالها الوثيق ببعضها البعض، وقد تعددت فروع الأنتروبولوجيا بتعدد جوانب الإنسان. فهناك الأنتروبولوجي المتخصص في البيولوجيا البشرية، وآخر متخصص في عظام الحفريات وثالث متخصص في علم الآثار حيث ينقب في المجتمعات القديمة ورابع عالم لغويات يقوم بتحليل أبنية اللغات الإفريقية الغريبة وخامس عالم فلكلور يدرس ميثولوجيا، وسادس متخصص في القرابة والزواج وسابع يعتبر خبيرا في المزارع وكل منهم يمكن أن يكون حاصلا على درجة دكتوراه في الأنتروبولوجيا… ومن هنا نجد أن هناك أنتروبولوجيين متخصصين في البيولوجيا البشرية (التطور والسلالة) وآخرين متخصصون في الجوانب المختلفة للمجتمع والثقافة. وفي هذا الصدد تذكر الباحثة الأنتروبولوجية الأمريكية الشهيرة مارجريت ميد {1910-1979}: نحن نصنف الخصائص الإنسانية البيولوجية والثقافية للنوع البشري عبر الزمن وفي الأماكن المختلفة. ونحلل الصفات البيولوجية الثقافية المحلية كأنساق مترابطة ومتغيرة وذلك عن طريق نماذج ومقاييس ومناهج متطورة، كما نهتم بوصف وتحليل النظم الاجتماعية والتكنولوجيا، ونعنى أيضا ببحث الإدراك العقلي للإنسان وابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصالاته. وبصفة عامة، فنحن الأنثروبولوجيين نسعى لربط وتفسير نتائج دراساتنا في إطار نظريات التطور أو مفهوم الوحدة النفسية المشتركة بين البشر. إن التخصصات الأنثروبولوجية التي قد تتضارب مع بعضها هي في ذاتها مبعث الحركة والتطور في هذا العلم الجديد، وهي التي تثير الانتباه وتعمل على الإبداع والتجديد، كما أن جزءا كبيرا من عمل الأنثروبولوجيين يوجه نحو القضايا العملية في مجالات الصحة والإدارة والتنمية الاقتصادية ومجالات الحياة الأخرى. وتختلف فروع الأنتروبولوجيا من بلد لآخر، ومن عالم لآخر، ففي أوروبا يتم تدريسها من خلال جانبين رئيسيين هما الثقافي والبيولوجي، وهي كما تدرس في الجامعات الرئيسية في الولايات المتحدة الأمريكية تنقسم إلى أربعة مجالات هي: الأنتروبولوجيا الثقافية، وعلم آثار ما قبل التاريخ “الأركيولوجيا”، واللغويات الأنثروبولوجية، والأنثروبولوجيا الفيزيقية. وفيما يلي سنوضح فروع الأنتروبولوجيا العامة وهي كما يلي:
1﴾ الأنثروبولوجيا الفيزيقية: عموما هي تدرس السمات الفيزيقية للإنسان، أي من حيث هو كائن فيزيقي طبيعي، فتدرس الإنسان العضوي في نشأته الأولى وفي تطوره عن الرئيسيات حتى اكتسب الصفات والخصائص الإنسانية في صورة الإنسان العاقل ولذلك فهي تعالج مختلف السمات الفيزيقية مثل حجم الجمجمة وارتفاع القامة ولون البشرة ونوع نسيج الشعر وشكل الأنف ولون العين. كما تتصل الأنتروبولوجيا الفيزيقية بدراسة التغيرات العنصرية وخصائص الأجناس وانتقال السمات الفيزيقية وتتبع مورثات الإنسانية، وكذلك تدرس تطور الإنسان منذ مراحله وأشكاله الأولية التي كانت تربطه بعالم القردة العليا. 2﴾الأنثروبولوجيا الاجتماعية: تدرس السلوك الاجتماعي كالعائلة ونسق القرابة والتنظيم السياسي والإجراءات القانونية والعبادات الدينية وغيرها، كما تدرس العلاقة بين هذه النظم سواء في المجتمعات المعاصرة أو في المجتمعات التاريخية التي لا يوجد لدينا عنها معلومات مناسبة من هذا النوع يمكن معها القيام بمثل هذه الدراسات. والجدير بالذكر أن نفس المعلومات التي تدور حول العادات التي يمارسها أحد الشعوب تصبح-حين تبين على خريطة توزيع- ذات أهمية خاصة لعالم الأثنولوجيا لأنه يستدل منها على تحرك السلالات والأجناس أو هجرة الثقافة أو اتصال تلك الشعوب بعضها ببعض في الماضي. أما الأنثروبولوجي الاجتماعي فإنه يهتم بهذه العادات على أنها جزء من كل الحياة الاجتماعية عند ذلك الشعب وحده وفي الوقت الحاضر دون أن يهتم بأصلها لصعوبة التأكد من ذلك. وبهذا يمكن القول أن الأنثروبولجيا الاجتماعية “المعاصرة” أو ما يعرف باسم الاتجاه البنائي الوظيفي تتوفر على دراسة أنماط السلوك التي يقوم بها البشر في دائرة مجتمعية معينة، هذه الأنماط السلوكية التي تشكل شبكة البناء الاجتماعي والتي يتفق العلماء على تعريفها بأنها تلك الشبكة المعقدة من العلاقات التي تربط بين الأفراد والزمر الاجتماعية وتأخذ شكل النظم والأنساق الاجتماعية وتتميز بالثبات والاستمرار عبر الزمن.
3﴾الأنثروبولوجيا الثقافية: وهي ذلك الفرع الذي يعنى بدراسة السلوك الإنساني في ماضيه وحاضره، والثقافة تشمل قواعد العرف والعادات والتقاليد والمعتقدات والممارسات وغيرها، وتعتبر هي الوسيلة التي تمكنه من الاتصال بالآخرين سواء جماعته المحلية أو الجماعات الأخرى المحيطة بما لها من خصائص اجتماعية في بيئتها الطبيعية المتباينة، ولذلك كان أحد أهداف الأنثروبولوجيا دراسة هذا التباين أو التشابه الثقافي، بالإضافة إلى الاهتمام بتاريخ هذه الثقافات وأصولها ونموها وتطورها. ويمكن القول بصفة عامة أن الثقافة هي كل ما لا يولد به البشر، ومن ثم فهي تشمل مخترعات الإنسان ونتاجه سواء المادي أو غير المادي ومن هنا يمكننا أن نتكلم عن اللغة-الغير مادية- مثلما نتحدث عن السكن-المادي- ضمن المكونات الثقافية. والأنثروبولوجيا الثقافية تغطي مجالا واسعا من المعرفة الإنسانية، ولذلك فهي تنقسم إلى أربعة فروع رئيسية وهي:
الأثنوغرافياEthnography
الأثنولوجيا Ethnology
الأركيولوجيا Archaeology
اللغويات Linguistics
الأنثروبولوجيا وعلاقتها ببعض العلوم:
الأنثروبولوجيا وعلاقتها بعلم الاجتماع: نجد الكثير من علماء الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع قد أدركوا منذ أمد بعيد أن هناك كثيرا من الوسائط التي تجمع بين العلمين، وأن موضوع الدراسة في كلا العلمين كان مختلفا بعض الشيء حيث كانت الأنثروبولوجيا تركز اهتمامها على دراسة الشعوب البدائية البسيطة المنعزلة (شعوب ما قبل التاريخ) بينما كان علم الاجتماع يركز اهتمامه الأساسي على دراسة الحضارة الأوروبية الغربية وقد أدى هذا الاختلاف في الموضوع إلى أوجه اختلاف في مناهج الدراسة. فالأنثروبولوجي الذي يدرس جماعة صغيرة الحجم نادرا ما يحتاج إلى أن يشغل نفسه بمشكلات العينة مثلا، وكذلك نجد أن كشف الأسئلة وهو أحد أدوات البحث الهامة في يد رجل علم الاجتماع، لم يستخدم على نطاق واسع في الدراسات الأنثروبولوجية إلا أننا نجد من ناحية أخرى أن المشكلات الأساسية في كل من الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع تصل إلى درجة من التشابه تجعل من المحتم في النهاية على كلا العلمين أن يصلا إلى نظرية متقاربة واحدة بالنسبة لكليهما. وقد أصبح مفهوم الثقافة يستخدم على نطاق واسع عند علماء الاجتماع وقد أثبت في هذا الصدد أنه أداة بحث هامة ومفيدة.
الأنثروبولوجيا وعلاقتها بعلم النفس: فقد كانت الأنثروبولوجيا في الماضي دون ما نتوقعه من قوة وعمق لأن كلا الميدانين يهتم بمشكلات السلوك، إلا أننا نجد أن علماء النفس ظلوا لفترة طويلة من تاريخهم يقتصر اهتمامهم على مشكلات السلوك الفردي في المقام الأول، في حين كان الأنتروبولوجيون يميلون إلى وضع تصميمات جماعية على أسس ثقافية، وكذلك الدراسات المقارنة التي أجراها علماء الأنثروبولوجيا قد ساعدت على تفويض بعض نظريات الغرائز التي كانت شائعة قديما في علم النفس إلا أن العلاقات الوثيقة بين كل من الأنثروبولوجيا وعلم النفس لم تكن لتتكون وتنمو إلا بعد أن وجه علماء الأنثروبولوجيا اهتمامهم إلى موضوع العلاقة بين الثقافة والفرد وقد ظهر الاهتمام بمشكلات الأفراد في الأنثروبولوجيا في الوقت الذي كان علماء النفس يركزون فيه على مشكلات السلوك الحيواني ونتيجة لهذا أخذ الأنثروبولوجيون يوجهون اهتمامهم إلى المختصين في التحليل النفسي والطب النفسي ويستمدون منهم مفاهيمهم النفسية ومازال هذا الاتجاه واضحا في الدراسات الأنثروبولوجية. ولقد كان تطوير مفهوم الثقافة والتأكيد على أن كل ثقافة تمثل كيانا كليا متكاملا هي الإسهامات الأساسية التي قدمتها الأنثروبولوجيا للعلوم الاجتماعية. وهكذا أصبحت فكرة الثقافة والتكامل الثقافي تراثا مشتركا لدى علوم التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع.
الأنثروبولوجيا وعلاقتها بالعلوم الطبيعية: لقد ارتبطت الأنثروبولوجيا منذ تاريخها القديم ارتباطا وثيقا بعلم الحياة ولعل هذا الموقف يرجع إلى تطبيق المفهومات التطورية في النظريات الأولى التي وضعها علماء الأنثروبولوجيا الثقافية الأوائل كما يرجع التصور السريع الذي تركته الأنثروبولوجيا البيولوجية في مراحلها الأولى، وعلى الرغم من أن المفاهيم البيولوجية عن التطور لم تعد تستخدم في الأنثروبولوجيا الثقافية إلا أن فهم التركيب البيولوجي للإنسان يمثل شرطا أساسيا وعنصرا جوهريا من عناصر النظرية الثقافية، حقيقة أن الثقافة أكبر من أن تكون ظاهرة بيولوجية إلا أنه يبدو لنا من الواضح أن كل مجتمع يحاول من خلال ثقافته أن يشبع الاحتياجات البيولوجية والسيكولوجية الأساسية عند الإنسان. وقد تؤدي الثقافة في بعض الأحيان ومن خلال نفس الوسائل إلى تعديل تأثير العوامل البيولوجية تعديلا عميقا وجوهريا، فالدراسة الثقافية والدراسة البيولوجية الإنسانية دراستان متداخلتان ومترابطتان باستمرار.
المبحث الثاني: مفاهيم مرتبطة بالأنثروبولوجيا
الإيكولوجيا (علم البيئة):
كلمة يونانية مكونة من مقطعين “إيكو” وتعني مسكن أو بيئة و”لوجيا” وتعني علم وهي دراسة التفاعلات بين الكائنات الحية ومحيطها، اكتشفت من طرف العالم الألماني «أرنست هايكل» بالرغم من أن «هنري ديفيد» استخدمها منذ 1852. وعلم البيئة هو الدراسة العلمية لتوزع وتلاؤم الكائنات الحية مع بيئتها المحيطة وكيف تتأثر هذه الكائنات بالعلاقات المتبادلة بين الأحياء كافة وبين بيئتها المحيطة، فبيئة الكائن الحي تتضمن الشروط والخواص الفيزيائية التي تشكل مجموع العوامل اللاحية إضافة للكائنات الحية الأخرى التي تشاركها موطنها البيئي والتي تشكل فيما بينها الشبكة الغذائية وانتقال الطاقة كما تشكل النظام البيئي وأنواعه وتوزيعه. أماكن ارتباط الأيكولوجيا بالأنثروبولوجيا: تولد علم البيئة عن علم الأحياء والذي يختص بالكائنات الحية، وهناك عدة مستويات في البيولوجيا: البيولوجيا الجزئية، الخلوية، العضوية، دراسة السكان، التجمعات، الأنظمة البيئية والمحيط الحيوي فعلم البيئة علم شمولي يدرس علاقة كل عنصر مع الآخرين وكذلك تطور العلاقات والتعديلات التي تؤثر في الوسط. ومن فروع الإيكولوجيا:
الإيكوفيزيولوجيا: يدرس العلاقات بين التقدم الفيزيولوجي والعوامل البيئية.
الإتوايكولوجيا: يدرس نوع من الأعضاء وعوامل محيطه.
ايكولوجيا السكان: يدرس أفراد من السكان من نوع واحد ومحيطهم.
سيتوكولوجيا: تدرس تجمع واحد ومحيطه.
دراسة الأنظمة البيئية
الإيكولوجيا الجامعة: تدرس المحيط الحيوي {كل الأوساط التي تشغلها الكائنات الحية}.
الاقتصاد والمحيط: يدرس استهلاك الموارد الطبيعية وتنظيم الاقتصاد لترشيد الاستهلاك والتخفيض من التلوث.
الإركيولوجيا (علم الآثار) والجيولوجيا:
الإركيولوجيا:
هو علم حديث نسبيا لا يزيد عمره عن مائتي عام، وهو أحد المجالات الفرعية في الأنثروبولوجيا الثقافية وعلى خلاف علماء الآثار الكلاسيكيون فإن الإركيولوجيين لا يعتمدون في دراستهم على التنقيب على الآثار والمعابد القديمة بل يدرسون الشعوب دون الاعتماد على السجلات المكتوبة ويحاولون إعادة بناء الأساليب القديمة للحياة وهذا يقودهم إلى التعامل مع آثار قديمة جدا ولكن اهتماماتهم الرئيسية تكون ببناء النظريات الخاصة بالعملية الاجتماعية وليس بالحضارات القديمة في حد ذاتها، لهذا يستعين الإركيولوجيين بالعديد من العلوم مثل علم الآثار واللغات لهذا يعتبر الإركيولوجيين هم أنثروبولوجيون متخصصون في إعادة بناء وتحليل ثقافات الماضي من خلال بقايا ما يجدونه سواء كانت مادية أو غير مادية والتي استطاعت أن تبقى وتقاوم عمليات التحليل وهذا يعكس عمليات التأثير المناخ على تلك المواد أو تعرضها للأنشطة الإنسانية مثل الحروب وغيرها وهذا ما مكن الإركيولوجيين من اكتشاف عناصر معينة وتتبع مدى انتشارها من مكان لآخر ومن ثقافة لأخرى وتوزعات المناطق الأثرية في مناطق الجغرافيا وتوزيع السكان وتطور البشر واستخلاص بعض الحقائق عن المناخ ونوع الغذاء السائد وأنواع الحيوانات. وللإركيولوجيين طرقهم الخاصة في البحث والتنقيب في المواقع الأثرية فعمليات الحفر يجب أن تكون بطيئة وبعناية بغية الحفاظ على الأجزاء المختلفة التي تشكل الأدلة الهامة التي يستخدمونها. ويتميز الإركيولوجيين مقارنة بالأنثروبولوجيون بأنهم أكثر دقة في تصوير وتسجيل أدلتهم الأثرية ولكنهم يفتقرون إلى إمكانية مقابلة إخبارييهم أو ملاحظة السلوك الطقوسي لهذا يعتبر منهجهم الرئيسي هو ”الاستدلال” وللإركولوجيا علاقة بالعديد من الفروع العلمية الأخرى مثل علاقة الإركيولوجيا بالتاريخ أو الجيولوجيا فالجيولوجي مثلا يفسر ترتيب الطبقات المختلفة للتربة والصخور إلى جانب الرواسب الإركيولوجية التي تحدد الإطار الزمني، كما لها علاقة بعلم التربة وذلك يفيد في تحديد القدرة الإنتاجية لتلك التربة وغيرها…..الخ. للإركيولوجيا وسائلها ومناهجها الخاصة في الدراسة ومن أهم هذه الوسائل التحليلات الراديوكربونية وأشعة اكس…..الخ
الجيولوجيا (علم الأرض):
هو العلم الذي يهتم بدراسة الأرض وتاريخها وتركيبها الداخلي والعوامل الداخلية كالزلازل، والبراكين، والخارجية كالتعرية وغيرها التي أثرت ولا تزال تِؤثر على سطح الأرض وعلاقتها بالأجرام السماوية ومن فروعها:
الجيولوجيا الحيوية علم الصخور علم البلورات علم الجيوفيزياء علم المعادن جيولوجيا النفط الهيدروجيولوجيا الهندسة الجيولوجية.
الإثنولوجيا والإثنوغرافيا:
الإثنولوجيا:
أو علم تحليل الظواهر الثقافية والاجتماعية السائدة لدى شعوب الأرض وموضوعها الرئيسي هو الثقافة، وترتكز على دراسة سلوك الإنسان أينما وجد سواء في المنطقة القطبية الشمالية أو في الصحراء في الشرق أو الغرب في جزر منعزلة أو مدن كبرى في الأودية أو المحيطات وكلمة الأثنولوجيا ذات أصل يوناني «أثنوس» بمعنى دراسة الشعوب فهي تدرس خصائص الشعوب اللغوية والثقافية والسلالية أي دراسة الصفات والخصائص المميزة لأجناس الإنسان من حيث الملامح الفيزيقية والخلقية السائدة بين بني البشر وكذلك العلاقات القائمة التي تربط بين الأجناس والشعوب، كما تهتم الأثنولوجيا بمشكلة تفسير أوجه التشابه والاختلاف بين الثقافات الإنسانية ومثال ذلك دراسة تاريخ شعب ما: من أين أتى؟ أي طريق سلك؟ كيف ومتى احتل منطقته؟ اتصاله بغيره أو عدمه؟ تحديد أوجه التشابه والاختلاف بغيره، وبالتالي فالأثنولوجيا علم تاريخي يفترض عند إعادة التركيبات التاريخية بعض التصميمات على أساس دراسة استقرائية واسعة. غالبا ما يعطي الإثنولوجيين جانبا من اهتمامهم لدراسة المجتمعات البدائية أو الأقل التقدما لإلقاء الضوء على هذه الجماعات وثقافاتها المتمايزة.
الإثنوغرافيا:
تعني الدراسة الوصفية لطريقة وأسلوب الحياة لشعب من الشعوب أو مجتمع من المجتمعات، واصطلاح الإثنوغرافا في بريطانيا يعني البحوث الوصفية والتحليلية التي قام بها علماء الأنثروبولوجيا البريطانيون حول الشعوب والأقوام البدائية التي درسوها دراسة ميدانية، وبالرغم من أن الإثنوغرافي يهتم بالدراسة الوصفية للمجتمعات البدائية والأنثروبولوجي الاجتماعي يهتم بالتحليل البنائي أو التركيبي للمجتمعات البدائية فان هناك ارتباطا وتداخلا وثيقا بين هذين العلمين بخصوص الدراسات العلمية التي يقومان بها. غير أنه في الولايات المتحدة الأمريكية لا توجد هناك علاقة وثيقة بين علم الإثنوغرافيا وعلم الانثروبولوجيا الاجتماعي بل توجد علاقة مرتبطة بين علم الاثنوغرافيا والاثنولوجيا. فالعالم هيرز كوفنتر يرى في كتابة (الإنسان وأعماله) بان الاثنوغرافي هو وصف للحضارات وبحث مشاكل النظرية المتعلقة بتحليل العادات البشرية للمجتمعات الإنسانية المتباينة. والاثنوغرافيا من أقدم فروع المعرفة في علم الأنثربولوجيا عندما قام الأوربيون بوصف القبائل والشعوب المحلية في أمركا وإفريقيا واستراليا واسيا حيث وصفو أدواتهم وعاداتهم وتقاليدهم وكل مايتصل بثقافاتهم المادية المختلفة وسرعان متبني الانثروبولوجيون هذه المعلومات واستخدموها في دراساتهم لتطوير المجتمع البشري ، إما في علم الآثار فقد استخدمت هذه المعلومات من المجتمعات البدائية والبسيطة والتقليدية لنماذج لمجتمعات ماقبل التاريخ والتاريخ القديم وذلك عن طريق عقد المقارنات البسيطة وحتى أسماء ووظائف الأدوات التي توجد في المواقع الأثرية أخذت من ماهو معروف لدى الشعوب البسيطة التي درسها ووصفها الاثنوغرافيون . وهكذا فإن استخدام الاثنوغرافيا في الآثار قديم قدم العلم نفسه.
الخاتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمة :
ولأن مشروع الأنثروبولوجيا يهتم بدراسة الإنسان وثقافته من خلال البحث الميداني والتجريبي إضافة إلى استخدام الأطر النظرية التفسيرية، ولأن الإنسان مرتبط ومحاط بمجموعة من العوامل البيولوجية والفيزيائية والكيميائية والنفسية والاجتماعية والبيئية….إلخ. ولأن هدف الأنثروبولوجيا هو توفير حساب شامل للبشر والطبيعية البشرية فكان عليها الغوص في عدة مجالات واستخدام عدة علوم كعلم الوراثة، البيولوجيا، العلوم الأثرية، الديانات، اللغويات، الطقوس، الطب، الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، علم النفس، علم الاجتماع، الجغرافيا، التاريخ، علم الحفريات……….إلخ من العلوم الأخرى. لهذا يمكن اعتبار الأنثروبولوجيا المرآة العاكسة للمجتمعات القديمة جدا وهمزة الوصل بين كل العلوم الأخرى ولأن المجتمعات القديمة زالت وتغير العالم حتى أصبح كل البشر حتى البدائيون منهم يرون شروط حياتهم قد تحددت بقرارات تنتج بعيدا عنهم ويخضعون لسيطرة اقتصادية وسياسية وثقافية تمارس من قبل سلطات وقوى خارجية وهذا ما يقارب بين المجتمعات فلا يسعنا سوى إعادة طرح سؤال كل من ‘لابورت تولرا’ ‘وجون بيار فاريني’ في كتابهما الأنثروبولوجيا:
«هل ستختفي الأنثروبولوجيا مع أواخر البدائيين الذين حددت لنفسها مهمة دراستهم؟».
قائــــــــــــــــــــــــــــــــمة المراجــــــــــــــــــــــــع:
محمد الجوهري، الأنثروبولوجيا أسس نظرية وتطبيقات عملية، درا المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، 2022م.
عبد الله محمد عبد الرحمن وآخرون، مناهج وطرق البحث الاجتماعي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، السنة غير مذكورة.
يحي مرسي عيد بدر، أصول علم الإنسان الأنثروبولوجيا، ط1، الجزء الأول، دار الوفاء للطباعة والنشر، الإسكندرية، مصر، 2022م.
سامية محمد جابر، منهجيات البحث الاجتماعي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، مصر، السنة غير مذكورة.
Al- Hakawati