التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

وذر، وودع

في كتاب “نشر الانشراح من روض طي الاقتراح” للإمام اللغوي أبو عبد الله بن محمد بن الطيب الفاسي بتحقيق الأستاذ الدكتور محمود يوسف فجال، ج2، – فقرات تصلح نماذج للدراسة المعجمية، أنقل منها هنا فقرة عن “وذر” و”ودع ” وردت ص771 تقول:
قوله: (لم يقولوهما) أي لم تقل العرب (وذر) و(ودع) ماضيين بمعنى ترك. ومراده على سبيل الكثرة والاطراد والشيوع، وإلا فقد قرأ مجاهد وعروة ومقاتل وابن أبي عبلة ويزيد النحوي (ما وَدَعَك ربك وما قلى) بالتخفيف. وفي الحديث (ودعوا الحبشة ما ودعوكم، وذروا الترك ما وذروكم).
وجاء المصدر في قوله عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (لينتهين قوم عن ودعه الجمعات). والشاذ من القراءات والثابت من الحديث تثبت به اللغة على ما قررناه.
وذكر في موضع آخر أنه لا أصل لإماتة هذين الجذرين تأسيسا على ما سبق.

التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

ظَنَّ وأخواتُها عملها ، وأقسامها .

ظَنَّ وأخواتُها
عملها ، وأقسامها

انْصِبْ بِفِعْلِ القَلْبِ جُزْءَي ابْتِدَا أَعْنِى رَأَى خَالَ عَلِمْتُ وَجَـدَا

ظَنَّ حَسِبْتُ وَزَعَمْتُ مَعَ عَـدّْ حَجَا دَرَى وَجَعَلَ اللَّذْ كَاعْتَقَدْ

وَهَـبْ تَعَلَّـمْ وَالَّتِى كَصَـيَّرا أَيْضاً بِهَا انْصِبْ مُبْتَـداً وَخَبَرَا
س1- ما عمل ظن وأخواتها ؟ وما أقسامها ؟ واذكر أمثلة عليها .
ج1- ظن وأخواتها أفعال تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر ، نحو : ظننتُ الطالبَ غائباً . فالطالبَ : مفعول أول ، وغائباً : مفعول ثانٍ ، وأصلهما قبل دخول ظن المبتدأ والخبر ؛ تقول : الطالبُ غائبٌ .
وهذه الأفعال تنقسم إلى قسمين :
1- أفعالُ الْقُلُوبِ . 2- أفعالُ التَّحْوِيلِ .
أولاً : أفعال القلوب .
تنقسم أفعال القلوب إلى قسمين :

أ- ما يدلّ على اليقين ، نحو : رَأَى ، عَلِمَ ، وَجَدَ ، دَرَى ، تَعَلَّمْ .
ب- ما يدلّ على الرُّجْحَان ، أي : رُجحان وقوع الشيء ، نحو : ظَنَّ ، خَالَ ، حَسِبَ ، زَعَمَ ، عَدَّ ، حَجَا ، جَعَلَ ، هَبْ .
وهَاكَ أمثلةً ، وشواهد على عمل أفعال اليقين ، ومعانيها :
1- رأى ، نحو قول الشاعر :

رأيتُ اللهَ أَكْـبَرَ كُـلِّ شيءٍ مُحَـاوَلَةً وأَكْثَرَهُمْ جُنُوداً

رأى في هذا البيت بمعنى اليقين (أي : بمعنى عَلِم) ونحو : رأيتُ العلمَ نوراً . وقد تُستعمل بمعنى ظنَّ ، كقوله تعالى : (أي: يَظُنُّونَه) . وقد تأتي بمعنى (حَلَمَ) كما في قوله تعالى : وهي بهذه المعاني تنصب مفعولين .
( م ) وقد تأتي رأى بمعنى (أَبْصَرَ) نحو : رأيتُ القَمَرَ . وقد تأتي بمعنى (اعَتَقدَ) نحو : رأى المدرسُ صِحَّةَ هذه المسألة ( أي : اعتقدَ صحَّتها ) . وقد تأتي بمعنى
( أَصَابَ رِئَتَه ) نحو : رأيتُ محمداً ، تَقْصِد أَنَّك ضربتهَ فَأَصبْتَ رِئتَه . وهي بهذه المعاني تنصب مفعولاً واحدا . ( م )
2- عَلِمَ ، نحو : عَلِمْتُ زيداً أخاك . ومنه قول الشاعر :

عَلِمْتُكَ البَاذِلَ المعروفَ فَانْبَعَثَتْ إِلَيْكَ بِى وَاجِفَاتُ الشَّوْقِ والأَمَـلِ

علم في المثالين بمعنى اليقين .
( م ) وقد تأتي عَلِمَ بمعنى ظنَّ ، ويمثِّل لها العلماء بقوله تعالى : .
وسواء كانت عَلِمَ بمعنى اليقين ، أو الظن فهي تتعدى إلى مفعولين . وقد تأتي
بمعنى (عَرَفَ) فَتنصبُ مفعولاً واحداً ، كما في قوله تعالى : . ( م )
3- وَجَدَ ، نحو قوله تعالى :وهي بمعنى اليقين ، ونحو : وجدتُ التَّقْوَى أَعْظَمَ أسبابِ دخولِ الجنَّةِ .
4- دَرَى ، نحو : قول الشاعـر :

دُرِيتَ الوَفِيَّ العهدَ ياعُرْوَ فَاغْتَبِطْ فإِنَّ اغْتِبَاطـاً بِالوَفَاءِ حَمِـيدُ

وهي بمعنى اليقين ، ونحو : دَرَيْتُ النَّجاحَ قريباً من طَالِبِه .
5- تَعَلَّمْ – وهي التي بمعنى اعْلَمْ – كما في قول الشاعـر :
تَعَلَّمْ شِفَاءَ النَّفْسِ قَهْرَ عَدُوِّهَا فَبَالِغْ بِلُطْفٍٍ في التَّحَيُّلِ والْمَكْرِ
وهي بمعنى اليقين (أي: اعْلَمْ ) وفي الحديث:” تَعَلَّمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بأَعْوَرَ ”
( أي : اعْلَمُوا ) .
( م ) فإن كانت أمراً من ( تَعَلَّمَ يَتَعَلَّمُ ) فهي متعدية إلى مفعول واحد ، نحو : تَعَلَّم النَّحوَ . فَتَعلَّمْ التي تنصب مفعولاً واحداً مُتَصَرَّفة ، وأما التي من أخوات ظنّ فجامدة لا تتصرف . ( م )
وأمّا أمثلة ، وشواهد أفعال الرُّجحان فكما يلي :
1- ظَنَّ ، نحو : ظننتُ زيداً صاحِبَك . وقد تستعمل لليقين ، كقوله تعالى :
وكقوله تعالى :الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم . وهي في الآيتين بمعنى عَلِمُوا .
وظنَّ بمعنى الرُّجْحان ، أو اليقين تنصب مفعولين .
2- خَالَ ، نحو : خِلْتُ زيداً أَخَاكَ . وقد تُستعمل خال لليقين ، كقول الشاعـر :

دَعَانِي الغَوَانِي عَمَّهُنَّ وخِلْتُنِي لِيَ اسْمٌ فَـلاَ أُدْعَى بِهِ وَهْوَ أَوَّلُ

خال في هذا البيت بمعنى اليقين ، وليس بمعنى الظن ؛ لأن الشاعر لا يظنّ أنّ لنفسه اسماً ، بل هو على يقين من ذلك .
3- حَسِبَ ، كقوله تعالى : ونحو : حَسِبْتُ زيداً صاحِبَك . وقد تُستعمل لليقين ، كقول الشاعـر :

حَسِبْتُ التُّقَى والْجُودَ خَيْرَ تِجَارَةٍ رَبَاحـاً إِذَا مَا الْمَرْءُ أَصْبَحَ ثَاقِلاَ

حَسِب هنا بمعنى عَلِمَ .
4- زَعَمَ ، كقول الشاعر :

فَإِنْ تَزْعُمِينِي كُنْتُ أَجْهـَلُ فِيكُمُ فَإِنِّي شَرَيْتُ الحِلْمَ بَعْدَكِ بِالْجَهْلِ

( م ) والأكثر في زَعَمَ أنْ تتعدَّى إلى مفعوليها بواسطة أنّ المؤكدة ، نحو قوله تعالى : وقوله تعالى : بَلْوردت ( أَنْ ) في الآيتين مخففة من الثقيلة ( أنَّ ) وتأتي كذلك مُشَدَّدة ، كقول الشاعر :

وَقَدْ زَعَمَـتْ أَنِّي تَغَيَّرْتُ بَعْـدَها ومَنْ ذَا يا عَـزَّ لا يَتَـغَيَّــرُ ( م )

5- عَدَّ ، نحو قول الشاعر :

فَلاَ تَعْـدُدِ الْمَوْلَى شَرِيكَكَ في الغِنَى وَلكِنَّمَا الْمَوْلَى شَرِيكُكَ في العُدْمِ

والمعنى : لا تظنَّ أنّ صديقَك وَحَلِيفك هو الذي يُشارِكُك المودَّة أيام الغِنى ،
ونحو : عَدَدْتُ الصَّدِيَق أَخاً .
* فإن كانت ( عَدَّ ) بمعنى ( أَحْصَى ) تعدّت إلى مفعول واحد ، نحو : عَدَدْتُ المالَ . *
6- حَجَا ، نحو قول الشاعـر :

قَدْ كُنْتُ أَحْجُـو أَبَا عَمْرٍو أَخاً ثِقَـةً حَتَّى أَلَمَّتْ بِنَا يَـوْماً مُلِمَّـاتُ

والمعنى : قد كنتُ أظنّ أبا عمروٍ أخاً ثقة ، ونحو: حَجَا الطَّالبُ المدرسَ مديراً .
( م ) فإن كانت ( حَجَا ) بمعنى غَلَب في المحاجاة ، نحو :حَاجَيْتُه فَحَجَوْتُه ، أو كانت بمعنى ( قَصَدَ ) كقول الشاعر : حَجَوْنا بنِي النُّعمانَ إِذْ عَصَّ مُلْكُهُمْ …، فهي متعديّة إلى مفعول واحد . ( م )
7- جَعَلَ ، بمعنى ظَنَّ ، كما في قوله تعالى : جعل في هذه الآية بمعنى ( ظنَّ ) ومفعولها الأول :
الملائكةَ ، والثاني : إِنَاثاً ، ونحو : أجعلتني مديراً ؟ ( أي : أظننتني مديراً ) .
*فإن كانت جَعَلَ بمعنى ( أَوْجَدَ ) تعدَّت إلى مفعول واحد ، نحو قوله تعالى : وإن كانت بمعنى ( أَنْشَأ ) فهي ناقصة من أفعال الشروع التي تعمل عمل ( كان ) نحو : جعل المدرسُ يشرحُ الدرسَ . *
8- هَبْ ، كقول الشاعـر :

فَقُلْتُ أَجِـرْنِي أَبَـا مَـالِكٍ وَإِلاَّ فَهَبْـنِي امْـرَأً هَـالِكـاً

والمعنى : أَغِثْنِي يا أبا مالكٍ ، فإنْ لم تفعلْ فَظُنَّ أنَّى رجلٌ من الهالكين ، ونحو : هَبْ قولَك صحيحاً فما العَمَلُ ؟
* فإن كانت هَبْ بمعنى (خَفْ) تعدَّت إلى مفعول واحد ، نحو : هَبْ رَبَّكَ . وإن كانت بمعنى (الهِبَة) أي : الأُعْطِيَة ، نحو : هَبِ الفقراءَ مالاً ، فهي متعدية إلى مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر ، فهي بذلك ليست من أفعال القلوب ، ولا من أفعال التّحويل . *
ثانيا : أفعال التَّحويل .
هي التي أشار إليها الناظم بقوله : “والتي كصَيَّرا … إلخ ” .
وهذه الأفعال هي : 1- صَيَّر ، نحو : صَيَّرتُ الطينَ خَزَفاً .
2- جَعَل ،نحو قوله تعالى: أي: صَيَّرناه هباءً،وكما في قوله تعالى: .
3- وَهَبَ ، نحو : وَهَبَني الله ُفِدَاكَ ( أي : صَيَّرَنِي فِداك ) .
4- تَخِذَ ، كقراءة مَنْ قرأ قوله تعالى : لَتَخِذْتَ بتخفيف التاء ، وكسر الخاء في ( لتَخِذْتَ ) ونحو قولك : تَخِذْتُك صديقاً بعد أنْ كنتَ عدوّاً .
5- اتَّخَذَ ، كقوله تعالى : ونحو : اتَّخَذَ المسافرون الباخرةَ فُندقاً .

6- تَرَكَ ،كقوله تعالى : (أي:صَيَّرْنا بعضهم يموج في بعض) . فالمفعول الأول : بعضَهم ، والثاني : جملة يموج ،

وكما في قول الشاعر :

وَرَبَّيْتُـهُ حَتَّى إِذَا مَا تَرَكْـتُهُ أَخَا القَوْمِ وَاسْتَغْنَى عَنِ الْمَسْحِ شَارِبُهْ

ونحو : تَرَكَتِ الحربُ القريةَ خَرَاباً .
7- رَدَّ ،كما في قوله تعالى : ( أي : يُصَيَّرونَكُمْ كُفَّاراً ) وكما في قول الشاعر :

فَرَدَّ شُعُورَهُنَّ السُّودَ بِيضـاً وَرَدَّ وُجُوهَهُنَّ البِِيضَ سُـودَا

( أي : صَيَّرَ شْعُورهُنَّ بيضاً ، وصَيَّر وجوهَهُنّ سوداً ) .
وهذه الأفعال لا تنصب مفعولين إلا إذا كانت بمعنى ( صَيَّر ) وهو التَّحويل .

س2- إلام أشار الناظم بقوله : ” أَعْنِى رَأَى …… إلخ ” ؟
ج2- أشار إلى أنَّ أفعال القلوب منها ما ينصب مفعولين ، وهو : رأى ، وما بعده مما ذكره الناظم في أبيات هذا الباب ، ومنها ما ليس كذلك ( أي : لا ينصب مفعولين ) وهو قسمان :
أ- قسمٌ لاَزِمٌ ، نحو : جَبُنَ زيدٌ ، وحَزِنَ عمرٌو .
ب- قسمٌ مُتَعَدٍّ إلى مفعول واحد ، نحو : كَِرهْتُ زيداً ، وفَِهمْتُ الدرسَ .

التَّصَرُّفُ ، والْجُمُودُ
والتَّعْلِيقُ ، والإِلْغَاءُ
وَخُصَّ باِلتَّعْلِيقِ وَالإِلْغَـاءِ مَـا مِنْ قَبْلِ هَبْ وَالأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا

كَذَا تَعَلَّمْ وَلِغَـيْرِ الْمَاضِ مِنْ سِوَاهُمَا اجْعَـلْ كُلَّ مَا لَهُ زُكِنْ
س3- اذكر تقسيم ظن وأخواتها باعتبار تصرّفها ، وجمودها .
ج3- عرفنا أنّ هذه الأفعال قسمان، أحدهما : أفعال القلوب ، والثاني : أفعال التحويل. فأما أفعال القلوب فتنقسم باعتبار التصرّف وعدمه إلى قسمين :
1- أفعال مُتَصَرَّفَة ، وهي جميع أفعال القلوب ما عدا ( هَبْ ، وتعلَّمْ ) وهذه الأفعال المتصرّفة يأتي منها الماضي ، نحو : ظننتُ زيداً قائماً ، والمضارع ، نحو :
أظنّ زيداً قائماً ، والأمر ، نحو : ظُنَّ زيداً قائمًا ، واسم الفاعل ، نحو : أنا ظَانٌّ زيداً قائماً ، واسم المفعول ، نحو : زيدٌ مَظنُونٌ أبُوهُ قائماً . فأبوه : هو المفعول الأوّل ، وجاء مرفـوعاً ؛ لأنه أصـبح نائب فاعل لاسم المفعول ( مظنون ) وقائماً : المفعول الثاني . ويأتي منها المصدر ،نحو: عجبتُ من ظنَّك زيداً قائماً ، وهكذا الباقي من أفعال القلوب ما عدا ( هَبْ ، وتعلّمْ ) ، ويثبت لها كلّها من العمل وغيره ما ثبت للماضي .
2- أفعال غير متصرفة ( جامدة ) ، وهي فعلان ، هما : ( هَبْ ، وتعلَّمْ بمعنى اعْلَمْ ) فلا يُستعمل منهما إلا الأمر فقط .
وأَمَّا أفعال التحويل فكُلٌّها متصرفة ما عدا (وَهَبَ) فلا يُستعمل منه إلا الماضي .
س4- ما معنى التعليق ، والإلغاء ؟ واذكر تقسيم ظنّ وأخواتها باعتبار التعليق ، والإلغاء .
ج4- معنى التعليق : تَرْكُ العمل لفظاً لا محلاً ؛ وذلك بسبب مانع له حقّ الصدارة، وأهم هذه الموانع ما يلي :
1- لام الابتداء 2- لام القَسَم 3- الاستفهام .
4- حرف من حروف النّفي الثلاثة الآتية : ( ما ، إنْ ، لا ) .
ومعنى الإلغاء : تركُ العملِ لفظاً ، ومحلاً لا لمانع من الموانع السابقة وإنّما بسبب توسّط الفعل الناسخ بين معموليه ، أو بسبب تأخّره عنهما ، وهذا هو سبب الإلغاء .
أما في التعليق فلا بُدَّ من مانع من الموانع السابقة مع وجوب تقدّم الفعل الناسخ على معموليه .
وبالنسبة لتقسيم هذه الأفعال باعتبار التعليق ، والإلغاء فهي كما يلي :
أ- أفعال التحويل : المتصرف منها ، وغير المتصرَّف لا تعليق فيها ، ولا إلغاء .
ب- أفعال القلوب : غير المتصَّرف منها لا تعليق فيه ولا إلغاء ، وهما فعلان فقط ( تعلَّمْ ، وهَبْ ) .
وأمَّا أفعال القلوب المتصَرِّفة فهي التي تختصُّ بالتعليق ، والإلغاء معاً دون غيرها من الأفعال . مثال التعليق : ظننت لزيدٌ قائمٌ ، فقولك : لزيدٌ قائمٌ ، لم تعملْ فيه (ظنّ) لفظاً ، وعملت فيه محلا ؛ وذلك بسبب المانع الذي فصل بين الفعل
الناسخ ومفعوليه ، وهو لام الابتداء ، ولام الابتداء لها حق الصدارة . وجملة
( لزيدٌ قائم ) في محل نصب سدّت مسدّ المفعولين بدليل أنك لو عطفت عليها لنصبت المعطوف ، نحو : ظننت لزيدٌ قائمٌ وعمراً منطلقاً . فالفعل (ظنَّ) عاملٌ محلا لا لفظا بسبب ذلك المانع .
ومثال الإلغاء : زيدٌ ظننتُ قائمٌ ، فلا عملَ لظن في ( زيدٌ قائمٌ ) لا لفظاً ، ولا محلا ؛ وذلك بسبب توسّط الفعل بين معموليه .
ويثبت للمضارع ، وغيره من التعليق ، والإلغاء ما ثبت للماضي ، نحو : أظنُّ لزيدٌ قائمٌ ، ونحو : زيدٌ أظنُّ قائمٌ .
( م ) س5- هل التعليق ، والإلغاء يجري في غير أفعال القلوب ؟
ج5- التعليق ، والإلغاء معاً يختصان بأفعال القلوب المتصرفة وحدها دون جميع
ما عداها من الأفعال ، وهذا لا يُنافي أنّ التعليق وحده قد يجري في غير أفعال هذا الباب ، وذلك فيما يلي :
1-كلُّ فعلِ شكٍّ لا ترجيح فيه لأحد الجانبين على الآخر ، نحو : شَكَكْتُ أزيدٌ عندك أم عمرٌو ؟ برفع ( زيد ) على التعليق .
2-كل فعل يدل على العِلْم ، نحو : تَبَيَّنْتُ أصادقٌ أنت أم كاذبٌ ؟
3-كل فعل يُطلب به العِلم ، نحو : استفهمتُ أمقيمٌ أنت أم راحلٌ ؟
4-كل فعل من أفعال الحواس الخمس ، نحو : لَمَسْتُ ، أَبْصَرْتُ (نَظَرْتُ)، اسْتَمَعْتُ ، شَمِمْتُ ، ذُقْتُ ؛ تقول : لَمَسْتُ أناعمٌ جلدُك أم خَشِنٌ ؟ وتقول : أَبْصَرتُ أسريعةٌ خُطَاك أم بَطِيئةٌ ؟
وبذلك تعرف أن التعليق ، والإلغاء معاً من خصائص أفعال القلوب .
أما التعليق وحده فيجري في غيرها كما عَلِمت .

حكم الإلغاء ، والتعليق
وَجَـوَّزِ الإِلْغَاءَ لا فِى الابْتِِِـدَا وَانْوِ ضَمِيرَ الشَّأْنِ أَوْ لاَمَ ابْتِدَا
فِى مُوهِـمٍ إِلْغَـاءَ مَا تَقَــدَّمَا وَالْـتَزِمِ التَّعْلِيقَ قَبْـلَ نَفْىِ مَا

وَإِنْ وَلاَ لاَمُ ابْتِـداءٍ أَوْ قَسَـمْ كَـذَا وَالاسْتِفْهَامُ ذَا لَهُ انْحَتَمْ
س6- ما حكم الإلغاء ؟ وضّح بالتفصيل .
ج6- ذكر الناظم أنّ الإلغاء جائز لا واجب إذا لم يكن الناسخ في ابتداء جملته، كأن يقع وسطاً ،نحو: زيدٌ ظننتُ قائمٌ ، أو يقع متأخراً ، نحو: زيدٌ قائمٌ ظننتُ.
أما إذا وقع الناسخ في ابتداء جملته فيجب الإعمال ، نحو ظننتُ زيداً قائماً .
واختلف العلماء في أيَّ الأمرين أحسن الإلغاء ، أو الإعمال ؟ وذلك على التفصيل الآتي :
1- إذا توسَّط الناسخ بين المفعولين ، نحو : زيدٌ ظننت قائمٌ ، ففيه قولان :
أ- الإلغاء ، والإعمال سِيَّان .
ب- الإعمال أحسن من الإلغاء .
2- إذا تأخر الناسخ ، نحو : زيدٌ قائمٌ ظننتُ ، فالإلغاء أحسن .
3- إذا تقدّم الناسخ ، نحو: ظننت زيداً قائماً ، امتنع الإلغاء عند البصريين ووجب الإعمال . وأجاز الكوفيون ، والأخفش ، وأبوبكر الزبيدي الإلغاء .
س7- قال الشاعر :

أَرْجُـو وَآمُلُ أَنْ تَدْنُو مَـوَدَّتُهَا وَمَا إِخَـالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيـلُ

وقال الآخر :

كَذَاكَ أُدَّبْتُ حتَّى صَـارَ مِنْ خُلُقِى أَنَّى وَجَدْتُ مِلاَكُ الشَّيمَةِ الأَدَبُ

عيَّن الشاهد في البيتين السابقين ، وما وجه الاستشهاد فيهما ؟
ج7- الشاهد في البيت الأول : وَمَا إخالُ لدينا منك تنويلُ .
وجه الاستشهاد : ظاهر هذا البيت أنّ الشاعر ألغى عمل ( إخال ) مع أنها متقدمة يجب إعمالها . وتخريج ذلك عند البصريين أنّ مفعولها الأول ضمير الشأن محذوف ، والتقدير ( وما إخاله ) ومفعولها الثاني جملة (لدينا تنويل). والكوفيون يرون أنه من باب الإلغاء ، فلا حاجة إلى التأويل .
الشاهد في البيت الثاني : وجدتُ ملاكُ الشّيمِة الأدبُ .
وجه الاستشهاد : ظاهر هذا البيت أنّ الشاعر ألغى عمل (وجدت) مع أنّه متقدم يجب إعمالُه ، فقال الكوفيون : هو من باب الإلغاء ؛ لأن الإلغاء عندهم جائز مع تقدّم الناسخ ولذلك لا حاجة عندهم إلى التأويل .
وقال البصريون : هو إمّا من باب الإعمال على تقدير أنّ المفعول الأول ضمير الشأن محذوف ( أني وجدتُهُ ) والمفعول الثاني جملة (ملاكُ الشيمة الأدبُ ) وإمّا من باب التّعليق على تقدير دخول لام الابتداء على (مِلاك) والتقدير: أنّي وجدتُ لَمِلاكُ… .

( م ) س8- ظاهر قول الناظم ( وَجوَّز الإلغاء ) يفيد أن الإلغاء جائز لا واجب ، فهل هذا الحكم بالإجماع ؟
ج8- القول بأن الإلغاء جائز لا واجب هو مذهب الجمهور، وهو رأي النّاظم؛ ولهذا قال : ” وجَوَّز الإلغاءَ ” . وذهب الأخفش إلى أن الإلغاء واجب .
وذكر بعض المحققين أنّ للإلغاء ثلاثة أحكام ، هي :
1- وجوب الإلغاء ، وله موضعان :
أ- أن يكون الناسخ مصدراً متأخراً، نحو : عمرٌو مُسافرٌ ظَنَّي. فلا عمل هنا؛ لأنّ المصدر لا يعمل متأخراً .
ب- أن يتقدّم المعمول وتقترن به أداة تستوجب التصدير،نحو: لزيدٌ قائم ظننتُ.
2- امتناع الإلغاء ، وله موضع واحد ، هو : أن يكون العامل منفيا ، نحو : زيداً قائماً لم أظنّ . ولا يجوز (هنا) الإلغاء ؛ فلا تقول : زيدٌ قائمٌ لم أظنّ ؛ لئلا يُظَنّ أنّ صدر الكلام مثبت .
3- جواز الإلغاء ، والإعمال فيما عدا ما سبق .
وهذا بخلاف التَّعليق فإنه لاَزِمٌ ؛ ولهذا قال الناظم : ” والتَزِم التَّعليق ” .
س9- ما حكم التعليق ؟ وضّح بالتفصيل .
ج9- التّعليق واجب إذا فصل بين الناسخ ومفعوليه فاصلٌ مِمَّا له الصدارة ؛ لأنّ الذي له الصدارة لا يعمل فيه ما قبله ، والفاصل أنواع أشهرها ما يلي :
1- ما النافية ، نحو : ظننتُ ما زيدٌ قائمٌ ، ونحو قوله تعالى : .
2- إِنْ النافية ، نحو : علمتُ إِنْ زيدٌ قائمٌ ، ونحو قوله تعالى : ً .
3- لا النافية ، نحو : ظننتُ لا زيدٌ قائمٌ ولا عمرٌو .
4- لام الابتداء ، نحو : ظننتُ لزيدٌ قائمٌ .
5- لام القسم ، نحو : علمتُ لَيقومَنَّ زيدٌ ، ونحو قوله تعالى : قال ابن عقيل : لم يَعُدَّ لام القسم من الْمُعَلِّقَاتِ أحدٌ من النحويين .
( م ) وقد عدَّها من المعلقات جماعة من النحويين، منهم ابن مالك، وابن هشام، وأبو الحجَّاج الأعلم الشَّنْتَمَرِي . ( م )
6- الاستفهام ، وله صورٌ ثلاث :
أ- أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام وقع مبتدأ ، نحو : علمت أيُّهُم أبوك ، أو اسم استفهام وقع خبراً ، نحو : علمتُ متى السَّفرُ ؟ وكما في قوله تعالى :
وقوله تعالى : .
ب- أن يكون المبتدأ مضافا إلى اسم استفهام ، نحو : علمتُ غلامُ أيَّهم أبوك .
ج- أن يدخل عليه حرف استفهام ، نحو : علمتُ أزيدٌ عندك أم عمرٌو ؟
ونحو : علمتُ هَلْ زيدٌ قائمٌ أم عمرٌو ؟ ونحو قوله تعالى : .
وقد يكون الفاصل اسم استفهام فَضْلة ، كما في قوله تعالى :
فاسم الاستفهام ( أي ) فضلة ليس هو أحد المفعولين وهو منصوب على أنه مفعول مطلق نُصِب بما بعده ، وليس منصوبا بما قبله ؛ لأن الاستفهام له الصدارة ، فلا يعمل فيه ما قبله .

س10- اذكر خلاف العلماء في قوله تعالى : وفي قوله تعالى : .
ج10- أمّا الآية الأولى فذهب قوم إلى : أنّها من باب التعليق ؛ وذلك بسبب الفَصْل بـ ( إِنْ ) النافية ، كما سبق بيان ذلك في إجابة السؤال السابق . وذهب آخرون إلى : أنّ هذا ليس من باب التعليق في شيء ؛ لأن شرط التعليق : أنّه إذا حُذِف المعلِّق تسلَّط العامل على ما بعده فينصب مفعولين، نحو : ظننتُ ما زيدٌ قائمٌ ، فلو حذفت المعلِّق ( ما ) لقلتَ : ظننتُ زيداً قائماً ، والآية الكريمة لا يمكن فيها حذف المعلِّق ( إِنْ ) لأنك لو حذفت ( إِنْ ) لم يتسلَّط
الناسخ ( تظنون ) على ( لبثتم ) إذْ لا يُقال : وتظنون لبثتم .
والجواب على ذلك كما ذكر ابن عقيل : أنه لا يُشترط في التعليق هذا الشرط المذكور ، وتمثيل النحويين للتعليق بهذه الآية الكريمة شاهد لعدم صحَّة هذا الاشتراط .
* وأمَّا الآية الثانية ، فذهب قوم إلى : أنّ القَسَم معلِّق للفعل عن العمل، كما سبق بيان ذلك في إجابة السؤال السابق .
وذهب سيبويه ، وجمهرة النحاة : إلى أنّ (عَلِمَ ) في هذه الآية ، وفي وغيرها من الشواهد قد خرجت عن معناها الأصلي ونُزِّلت منزلة القسم ،وعلى هذا فإنّ ما بعد ( عَلِم ) جملة لا محل لها من الإعراب ؛ لأنها جواب القسم الذي هو (علم) وحينئذ لا تحتاج إلى معمول، ولا تَتَّصِفُ بإلغاء ، ولا تعليق ، ولا إعمال . *

تعْدِيَةُ عَلِمَ وظَنَّ إلى مفعول واحد
لِعْلِـمِ عِرْفَـانٍ وَظَنِّ تُهَمَـهْ تَعْدِيَـةٌ لِوَاحِـدٍ مُلْتَزَمَـهْ

س11- إلام يُشير الناظم في هذا البيت ؟
ج11- يشير إلى أن الفعلين ( عَلِم ، وظنَّ ) يمكن تعدية كلٍّ منهما إلى مفعول واحد ؛ وذلك بشرط أن تكون عَلِمَ ، بمعنى (عَرَف) نحو : علمتُ زيداً ( أي : عرفته ) ونحو قوله تعالى :وبشرط أن تكون ظنّ ، بمعنى ( اتَّهَمَ ) نحو: ظننتُ زيدا ً(أي: اتَّهَمْتُهُ).
ومنه قوله تعالى : ( أي : بِمُتَّهَمٍ ) .

رَأَى الْحُلْمِيَّة
وَلِرَأَى الرُّؤْيـَا اُنْمِ مَا لِعَلِمَـا طَالِبَ مَفْعُولَيْنِ مِنْ قَبْلُ انْتَمَى

س12- ما المراد برأى الحلمية ؟ وكم مفعولا تنصب ؟
ج12- المراد بها : الرُّؤْيا في المنام ، وهي تنصب مفعولين ، كعَلِمَ .
وإلى هذا أشار الناظم بقوله : “ولرأي الرُّؤْيا انْم ما لعلما ” ( أي : انْسُب لرأَى التي مصدرها (الرُّؤيا) ما نُسِب لعَلِمَ المتعدية إلى مفعولين ) .
ومثال رأى الحلميّة قوله تعالى: فالمفعول الأول ، هو : ياء المتكلِّم ، وجملة ( أعصر خمراً ) في محل نصب مفعول ثانٍ .
وكما في قول الشاعر :

أَبُو حَنَشٍ يُؤَرِّقُنِـى وطَلْـقٌ وَعَمَّـارٌ وَآوِنَـةً أَثَــالاَ
أَرَاهُمْ رُفْقَـتِى حَتّى إِذَا مَـا تَجَافَى اللَّيلُ وَاْنَخَزَلَ انْخِزَالا

فالضمير ( هم ) مفعول أول لـ (أَرَى) الحلميّة ، و (رفقتى) مفعول ثانٍ لها . وبذلك يكون الشاعر قد أَجْرى (أَرَى) الحلميّة مجرى (عَلِم) فنصب مفعولين .

حكم حذف المفعولين ، أو أحدهما .
وَلاَ تُجِـزْ هُنا بِـلاَ دَليـل ِ سُقُـوطَ مَفْعُولَيْنِ أَوْ مَفْعُولِ

س13- متى يجوز حذف المفعولين ، أو حذف أحدهما ؟
ج13- لا يجوز حذف المفعولين ، أو أحدهما إلاّ إذا دلّ عليهما دليل . فمثال حذف المفعولين : هل ظننتَ زيداً قائماً ؟ فتقول : ظننتُ . فَحُذِفَ المفعولين من الجواب اختصاراً ؛ لدلالة السؤال عليهما ، والتقدير : ظننت زيداً قائماً ، ومنه قوله تعالى: ( أي: تزعمونهم شركائي ) .
ومثال حذف أحدهما : هل ظننتَ أحداً قائماً ؟ فتقول : ظننتُ زيداً . فحُذِفَ المفعول الثاني اختصاراً ؛ لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير : ظننت زيداً قائماً .
فإن لم يدلّ دليل على الحذف لم يَجُز الحذف لا فيهما ، ولا في أحدهما ؛ فلا يقال : ظننتُ ، ولا ظننتُ زيداً ، ولا ظننت قائماً ، إذا لم يدل على المحذوف دليل .
س14- قال الشاعر :

بِـأَيِّ كِتَابٍ أَمْ بِـأَيَّةِ سُنَّـةٍ تَرَى حُبَّهُمْ عاراً عَلَىَّ وَتَحْسَبُ

وقال الآخر :
ولَقَدْ نَزَلْتِ فَـلاَ تَظُنَّى غَـيْرَه مِنِّى بِمَنْزِلةِ الْمُحِبِّ الْمُكْـرَمِ
عين الشاهد في البيتين السابقين ، وما وجه الاستشهاد فيهما ؟
ج14– الشاهد في البيت الأول : وتَحْسَبُ .
وجه الاستشهاد : حذف الشاعر مفعولي تحسبُ لدلالة ما قبلهما عليهما ، والتقدير : وتحسبُ حُبَّهم عاراً عليَّ .
الشاهد في البيت الثاني : فلا تظنِّى غيرَه .
وجه الاستشهاد: حذف الشاعر المفعول الثاني اختصاراً ، وهو معلوم من السياق ، والتقدير : فلا تظنّي غيرَه واقعاً منَّى… .

إِجْراءُ القولِ مُجْرَى الظّن
فينصب مفعولين
وَكَتَظُـنُّ اجْعَلْ تَقُولُ إِنْ وَلِـى مُسْتَفْهَماً بِـهِ وَلَمْ يَنْفَصِـلِ
بِغَيْرِ ظَرْفٍ أَوْ كَظَرْفٍ أَوْ عَمَـلْ وَإِنْ بِبَعْضِ ذِى فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ

س15- ما محلُّ جملة القول من الإعراب ؟
ج15- إذا وقع بعد فعل القول كلمة مفردة فهي مفعول به ،نحو : أقول الحقَّ .
وإذا وقعت بعده جملة حُكِيَتْ كما هي ، وتكون في محل نصب سدّت مَسَـدّ المفعول به ، نحو : قال زيدٌ عمرٌو منطلقٌ .
س16- متى يجوز إجراء القول مُجرى الظن ؟
ج16- للعرب في جواز إجراء القول مُجرى الظن ، مذهبان :
أحدهما : جواز إجراء القول مُجرى الظن مُطلقا دون شرط ، أو قَيد . وسيأتي بيانه في البيت الآتي من الألفية .
ثانيهما : لا يجوز إجراء القول مُجرى الظن إلا بشروط . وهذا هو مذهب عامّة العرب . وهذه الشروط أربعـة ، هي :
1- أن يكون الفعل مضارعاً .
2- أن يكون للمخاطَب .
وإلى الشرطين السابقين أشار الناظم بقوله : ” اجعل تقول” . فالفعل تقول فعل مضارع ، وهو للمخاطَب .
3- أن يكون مسبوقاً باستفهام . وإليه أشار بقوله : ” إن ولى مُستفهما به ” .
4- ألاّ يُفْصَل بين الاستفهام ، والفعل إلا إذا كان الفاصل ظرفاً ، أو جاراً ومجروراً ، أو معمولاً للفعل . فإن فُصِل بأحد هذه الثلاثة لم يضرَّ . وهذا هو مراد الناظم بقوله : ” ولم ينفصل بغير ظرف ….. ” .
فمثال ما اجتمعت فيه الشروط قولك : أتقول عَمْراً مُنطلقاً ؟ فَعَمْراً : مفعول أول ، ومُنطلقا : مفعول ثانٍ ؛ لأن ( أتقول ؟ ) بمعنى : أتظنّ ؟ ويجوز رفعهما على الحكاية ، نحو : أتقول عمرٌو منطلقٌ ؟
س17- ما الحكم إذا لم يتحقق شرط من الشروط الأربعة السابقة ؟
ج17- إذا لم يتحقق شرط من الشروط الأربعة السابقة لم يَجز أن يَنْصبَ القولُ مفعولين عند عامّة العرب . فإن كان الفعل غير مضارع ، نحو : قال زيد عمرٌو مُنطلقٌ ، لم ينصب القول مفعولين ، وكذا إن كان مضارعاً لغير المخاطب ، نحو: يقول زيدٌ عمرٌو مُنطلقٌ ، وكذا إن لم يكن مسبوقاً باستفهام ، نحو : أنت تقول عمرٌو منطلقٌ ، وكذلك إن سُبق باستفهام ولكن فصل بين الاستفهام ، والفعل بغير ظرف ، ولا جار ومجرور ، ولا معمول للفعل فلا يجوز أيضاً أن ينصب القول مفعولين ، نحو : أأنت تقول زيدٌ منطلقٌ ؟ فإن فُصِل بأحد هذه الثلاثة جاز النصب ، نحـو : أعندك تقول زيداً مُنطلقاً ؟ ،
ونحو : أفي الدار تقول زيداً مُنطلقاً ؟ ونحو : أعمراً تقول مُنطلقاً ؟
فالفاصل في المثال الأول الظرف ( عندك ) والفاصل في المثال الثاني الجار والمجرور ( في الدار ) والفاصل في المثال الثالث المعمول ( عَمْراً ) وهو المفعول الأول لـ ( تقول ) .
س18- قال الشاعر :

متى تقولُ القُلُـصَ الرَّواسِمَا يَحْمِلْـنَ أُمَّ قَاسِمٍ وقَاسِمَـا

وقال الآخر :

أَجُهَّـالاً تقـولُ بَنِى لُـؤَىٍّ لَعَمْـرُ أَبِيكَ أَمْ مُتَجَـاهِلِينَـا

عيّن الشاهد في البيتين السابقين ، وما وجه الاستشهاد فيهما ؟
ج18- الشاهد في البيت الأول : متى تقول القلصَ يحملْنَ .
وجه الاستشهاد : أجرى الشاعر ( تقول ) مجرى ظَنَّ فنصب به مفعولين ، الأول : القلصَ ، والثاني : جملة يحملْنَ ، وذلك لاستيفائه الشروط .
الشاهد في البيت الثاني : أجُهّالاً تقول بني لُؤَى .
وجه الاستشهاد : أعمل الشاعر (تقول) عمل تظنّ فنصب مفعولين ، الأول : بني لؤي ، والثاني : جُهَّالا مع أنّه قد فَصَل بين الاستفهام ، والفعل بفاصل ، وهو قوله (جهالا) وهذا الفاصل لا يمنع النّصب ؛ لأنه معمول للفعل ؛ إذ هو مفعول ثانٍ له .

نصب المفعولين بفعل القول
مُطلقا ( دون شرط )
وَأُجْرِىَ القَـوْلُ كَظَنًّ مُطْلَقـاً عِنْدَ سُلَيْمٍ نَحْـوُ قُلْ ذَا مُشْفِقَا

س19- اذكر بالتفصيل مذهب العرب الذي يُجِيزُ إجراءَ القولِ مُجرى الظَّنَّ مُطلقا .
ج19- مذهب العرب الذي يُجِيز إجراء القول مجرى الظنّ مُطلقا هو مذهب
( سُلَيْم ) فهم يُجيزون في لغتهم إعمال القول عمل ظنّ دون شرط ( أي : سواء كان مضارعاً ، أم غير مضارع ، وسواء تحقّقت الشروط السابقة أم لم تتحقّق ) نحو : قُلْ ذا مُشفقا . فـ ( ذا ) مفعول أول ، ومشفقا : مفعول ثان ، وناصبهما فعل الأمر قل . ففعل الأمر (قل) نصب مفعولين مع أنّ الشروط تستلزم أن يكون مضارعاً للمخاطب ، وأن يُسبق باستفهام .
س20- قال الشاعر :

قَالَتْ وَكُنْتُ رَجُـلاً فَطِينـاً هَـذَا لَعَمْـرُ اللهِ إِسْرَائِينَـا

عيّن الشاهد في البيت السابق ، وما وجه الاستشهاد فيه ؟
ج20- الشاهد فيه : قالتْ … هذا … إسرائينا .
وجه الاستشهاد : أعمل الشاعر الفعل الماضي ( قال ) عمل ظنَّ فنصب به
مفعولين ، الأول : هذا ، والثاني : إسرائينا مع أن الفعل ليس مضارعاً ، وليس مسبوقاً باستفهام . فهذا من لغة سُلَيم الذين يجيزون نصب المفعولين بالقول مطلقا .
والذين لا يجيزون ذلك يقولون : ( هذا ) مبتدأ ، و ( إسرائينا ) مضاف إلى محذوف يقع خبراً ، والتقدير : هذا مَمْسُوخُ إسرائينا . ( إسرائينا : لغة في إسرائيل ) .


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

موقف النحاة من رواية الحديث بالمعنى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا بحث كتبته عن موقف النحاة من رواية الحديث بالمعنى وأثره في الشاهد النحوي
أسأل الله أن ينفع به,
——————–

قال ابن الضائع: “… تجويز الرواية بالمعنى هو السبب عندي في ترك الأئمة –كسيبويه وغيره- الاستشهاد على إثبات اللغة بالحديث …”([1]).
وقال أبو حيان: “… وإنما كان ذلك – أي ترك النحاة الاستدلال بالحديث- لأمرين: أحدهما أن الرواة جوزوا النقل بالمعنى …”([2]).
وتابع ابنَ الضائع وأبا حيان كثيرٌ من المعاصرين في تعليل إعراض النحاة الأول عن الاستدلال بالحديث في بناء القواعد النحوية؛ لأن الحديث مروي بالمعنى، ومعظم رواته غير عرب بالطبع، مما أدى إلى تسرب اللحن في مروياتهم وهم لا يشعرون.
وقد بلغ هذا القول مبلغا عظيما عند (دعاة الإلحاد) على حد قول الدكتور محمد أبو زهو “يقول دعاة الإلحاد: إن الأحاديث قد رواها الرواة بالمعنى، لا بالألفاظ المسموعة منه (ص)، وكان هذا شأن الرواة في كل طبقة، يسمعون الأحاديث بألفاظ، ثم يروونها بألفاظ أخرى، وهكذا، حتى وصلت إلينا وقد انطمست معالم ألفاظها ومعانيها، فكان للرواية بالمعنى ضرر كبير في الدين واللغة والأدب؛ ولهذا لم يثق العلماء على اختلاف مشاربهم بالأحاديث، فالمتكلمون ردوا منها ما لا يتفق وما ذهبوا إليه من أصول، والفقهاء أخذوا منها وتركوا، وعلماء العربية لما رأوا الأحاديث قد رويت بالمعنى، ولم يعلموا على اليقين لفظه r الذي نطق به؛ رفضوا أن يستشهدوا بها في إثبات اللغة أو قواعد النحو، في الوقت الذي يستشهدون فيه بكلام أجلاف العرب الذين كانوا يبولون على أعقابهم. قالوا (أي دعاة الإلحاد): وقد كان الواجب يقضي أن تكتب الأحاديث بين يديه صلى الله عليه وسلم كالقرآن، ويتلقاها الرواة طبقة بعد طبقة، مضبوطة الألفاظ، متواترة الإسناد، حتى يمكن الوثوق بها”([3]).
وبادئ ذي بدء يمكن أن أعرف رواية الحديث بالمعنى بأنها رواية الحديث بمعناه دون لفظه الذي تكلم به النبي (ص)، وذلك عن طريق الزيادة أو النقصان في المتن، أو إبدال كلمة مكان أخرى من المترادفات اللفظية، أو تأخيرٍ أو تقديم في المتن، ويشمل ذلك كلام النبي (ص)، وكلام الصحابي إذا كان الحديث موقوفا عليه.([4])
وقد اختلف العلماء في مسألة رواية الحديث بالمعنى إلى فريقين: فريق يرى أنه لا تجوز رواية الحديث بالمعنى، وأنه ينبغي للراوي تأدية الذي سمعه بحروفه دون تدخل منه، وفريق يرى جواز ذلك بشروط اختلفوا فيها اختلافا بيّنا، وقد استدل كل فريق بأدلة عقلية ونقلية لتأييد مذهبه، لا يتسع المقام لبسطها، غير أنهم اتفقوا فيما اتفقوا عليه أنه لا يجوز للجاهل بمعاني المفردات والأساليب العربية رواية الحديث على المعنى([5]).
وعلى نقيض (دعاة الإلحاد) رأى فريق من العلماء أن جواز الرواية بالمعنى في الحديث النبوي من آثار رحمة الله بالناس، فـ”كما حفظ الله شريعتَه بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، رفع الإصر والحرج عن خلقه؛ فأنزل على نبيه الكريم إلى جانب القرآن العزيز نوعا آخر من الوحي هو السنة، أنزلها عليه بالمعنى، وجعل اللفظ إليه إيذانا بأن في الأمر سعة على الأمة، وتخفيفا عليها، وأن المقصود هو مضمونها لا ألفاظها؛ فيجوز لصحابته ومن بعدهم أن يبلغوها عنه صلى الله عليه وسلم باللفظ النبوي، وهو الأولى والأحوط؛ لما في قوله r من أنوار النبوة، وضياء الرسالة، والفصاحة العربية التي لا يلحق شأوه فيها. ويجوز لهم أن يبلغوها عنه r بعبارات ينشؤونها، وأقوال تفي بالمعنى المقصود، ولا يكون ذلك إلا للماهر في لغة العرب وأساليبها، العارف بمعاني الشريعة ومقاصدها؛ حتى لا ينشأ عن الرواية بالمعنى خلل يذهب بالمقصود من الحديث، وفي ذلك من الخطر ما فيه، فإن السنة تبيان للقرآن العزيز، ووحي من رب العالمين، وثاني مصادر التشريع، فالخطأ فيها أثره جسيم، وخطره عظيم …”([6]).
بينما ذهب المانعون من الاستدلال بالحديث في بناء القواعد النحوية إلى أن وقوع الرواية بالمعنى قد أدى إلى عدم وثوقهم بأن ذلك لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم، وبذا علموا يقينا أنه (ص) لم يلفظ بجميع الألفاظ الواردة في الأحاديث، وأن الرواة أتت بالمرادف، ولم تأتِ بلفظه؛ إذ المعنى هو المطلوب عندهم، ولا سيما مع تقادم السماع, وعدم ضبطه بالكتابة، والاتكال على الحفظ، والضابط منهم من ضبط المعنى، وأما ضبط اللفظ فبعيد جدا([7])، وتابعهم بعض المعاصرين في ذلك، فجعلوا “من المعروف المستفيض أن الحديث النبوي الذي وصل إلينا ليس كله كلام الرسول (ص) لفظا، ولكنه كلامه معنى([8])، وقد ضربوا لذلك أمثلة من الحديث النبوي، منها اختلاف روايات حديث (يتعاقبون فيكم ملائكة في الليل، وملائكة في النهار)، وأنه مثال للروايات المختلفة في نص الحديث؛ حتى ليحار النحوي بأي صورة يأخذ([9]).
وفي المقابل ذهب آخرون إلى أن الصورة ليست بهذه القتامة، وأن كثيرا من الروايات التي حكم عليها المانعون أنها مروية بالمعنى ليست إلا لغة من لغات العرب قليلة الاستعمال، أو من بقايا الظواهر اللغوية المدروسة، وخير شاهد على ذلك (لغة يتعاقبون) والتي أثبتت الدراسات الحديثة أن “هذه الظاهرة هي الأصل في اللغات السامية، ففي اللغة العبرية (فماتا كلاهما محلون وكليون)، وكذلك (لا يقومون الأشرار بالعدل)، وفي الآرامية (لئلا يزنوا الآخرون بامرأتك)، وفي الحبشية (فعادوا الشعوب)، وفيها كذلك (وكثروا أطفالهم)، وتعد هذه الظاهرة من الركام اللغوي، أي من بقايا الظواهر اللغوية المندثرة، حيث لا تمحى الظاهرة القديمة دفعة واحدة، بل يتبقى منها بعض الأمثلة التي تبرهن على وجودها على الرغم من اندثارها”([10]).
وعليه فلا يلزم من تعدد الروايات أن نترك الاستدلال بالحديث لأدنى شبهة تعرض في المتن؛ لأن الأصل أن هذه الروايات من كلام النبي صلى الله عليه وسلم حتى يثبت لدينا أنها من كلام الرواة، وقد قرر هذا الأصل غير واحد من العلماء، مع تسليمهم بوقوع الرواية بالمعنى، ومن هؤلاء الدهلوي، حيث قال: “وكان اهتمام جمهور الرواة عند الرواية بالمعنى برءوس المعاني دون الاعتبارات التي يعرفها المتعمقون من أهل العربية، كاستدلالهم بنحو الفاء والواو، وتقديم كلمة وتأخيرها، ونحو ذلك من التعمق، وكثيرا ما يعبر الراوي الآخر عن تلك القصة فيأتي مكان ذلك الحرف بحرف آخر، والحق أن كل ما يأتي به الراوي فظاهره أنه كلام النبي (ص)، فإن ظهر دليل آخر، وجب المصير إليه …”([11]). وأشار العلامة ابن خلدون في كلامه النفيس أن “غلبة الظن هي مناط الأحكام الشرعية كلها، وكذا ما يتوقف عليه من نقل مفردات الألفاظ وقوانين الإعراب، فليس اليقين مطلوبا في شيء من ذلك، وهذا الذي عليه كافة العلماء في أن أكثر مدارك الأحكام ظنية، وإذا غلب الظن أن صيغ هذه الأحاديث والكلمات المنقولة لم تبدل، كان ذلك كافيا في صحة الاستدلال بها …”([12]).
وتابعه في ذلك جل النحاة المجيزين للاستدلال بالحديث في بناء القواعد النحوية([13])، فغلبة الظن هي المطلوب في كل مسائل اللغة، وإذا طلبنا اليقين في ذلك لأصابنا العنتُ، ولشق ذلك على النحاة أولهم وآخرهم، وقد أجاب ابن مضاء على من قال: ل”ا يثبت شيء في اللسان بالظن”. فقال له: أما ما لا حاجة تدعو إليه فلا يثبت إلا بدليل قطعي، وأما ما يحتاج إليه مثل ألفاظ اللغة، فإنها إذا نقلها الثقات قُبِلَت، وإن كانت مظنونة، وكذلك غيرها مما تدعو الحاجة إليه”([14]).
ونص ابن الأنباري على ذلك في شروط نقل اللغة، فقال: “…، ويقبل نقل العدل الواحد، ولا يشترط أن يوافقه في النقل غيره؛ لأن الموافقة لا تخلو: إما أن تشترط لحصول العلم أو لغلبة الظن، بطل أن يقال لحصول العلم؛ لأنه لا يحصل العلم بنقل اثنين، فوجب أن يكون لغلبة الظن، وإذا كان لغلبة الظن فقد حصل غلبة الظن بخبر الواحد من غير موافقة”([15]).
وقد نص علماء الحديث على هذا الأصل في مواضع من كتبهم([16])، فليس الأمر على ما ذكره المانعون من أن الرواية بالمعنى قد أدت إلى ارتفاع الوثوق بالأحاديث عند أئمة اللغة والنحو، بل أرجو ألا أكون مخطئا إذا قلتُ: إنهم لم يشيروا إليه، فهذه آثارهم بين أيدينا، فأين ما قالوه، وما نسب إليهم ، بل غاية ما في الأمر أنه قول المانعين، حيث اجتهدوا في تفسير موقفهم الغامض من الاستدلال بالحديث، فقالوا ما قالوه، ونسبوه إلى النحاة الأول، وأظن أنهم برآء منه.
وفي السطور التالية سوف أذكر بعون الوهاب ما انتهيت إليه من أدلة تبرئ النحاة الأول مما نسب إليهم من تركهم الاستدلال بالحديث؛ لأنه مروي بالمعنى:
Ý-لم يصرح أئمة النحاة بذلك. علمنا مما سبق أن هذا التعليل هو قول ابن الضائع وأبي حيان، وأن النحاة لم يصرحوا به، “ولم يشيروا إليه لا من قريب ولا من بعيد، ولذلك اختلف المتأخرون في تعليل ذلك، وافترضوا عللا من عند أنفسهم”([17])؛ فلا يصح إذا نسبة هذا القول إلى أوائل النحاة.
ȝ-عدم ذكر المسألة في الخلاف بين المدرستين. فلم تنقل لنا الكتب التي عنيت بذكر الخلاف بين مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة أي شيء عن مسألة الاستدلال بالحديث، بله الرواية بالمعنى، وهذا يعني أنهم متفقون على ترك الاستدلال بالحديث، أو على قبول الاستدلال بالحديث، والأول لا يصح عنهم لما نقل من استدلالهم بالحديث، فلزم القول الثاني، والله أعلم.
ʝ-جواز الاستدلال بالحديث هو الأصل، وعلى القائلين بالمنع أن يأتوا بالدليل، فهم مطالبون أولا بتثبيت أنهم لا يستدلون بالحديث في بناء القواعد النحوية، وهذا غير حاصل؛ لاستدلال النحاة الأول بالحديث على قلة, ثم إنهم مطالبون ثانيا بإثبات أنهم تركوا الاستدلال بالحديث من أجل روايته بالمعنى، وأنَّى لهم أن يأتوا بذلك، وهذه كتبهم بين أيدينا لم تشر إلى ما فهمه المانعون.
˝-تأليفهم لكتب غريب الحديث. حيث ألف كثير من أئمة النحاة كتبا في غريب الحديث، منهم أبو زيد الأنصاري([18])، والأخفش([19])، والفراء([20])، والمبرد([21])، وغيرهم الكثير([22])، حتى وصل عددها في نهاية القرن الرابع الهجري إلى ما يقرب من ستين كتابا ورسالة([23])، فكيف يصنفون هذا العدد، وهم يعتقدون أن هذه الأحاديث مروية بالمعنى؟! ولماذا لم يصرح أحدهم بما يضمرون في صدورهم تجاه الحديث؟ ولماذا يتعبون أنفسهم ويهدرون أوقاتهم في تفسير كلام الرواة الذين يروون بالمعنى، حتى إن كثيرا منهم قد يُسأل عن لفظة فلا يعرفها، ويصرح بذلك، وكان الأولى أن يتهم الرواة الذين أتوا بما لا يُعرف، وهم سدنة اللغة، وأساطين النحو.
̝- سؤالات المحدثين والنحاة عن معاني الحديث وإعرابه. فقد نُقِلَ إلينا أن كثيرا من المحدثين وأهل اللغة كانوا يسألون النحاة عن معاني الحديث وإعرابه، ومع ذلك لم يُنقل إلينا قولٌ واحد يفيد بأن أحدهم تعلل بالرواية بالمعنى، وانظروا على سبيل المثال كتاب (غريب الحديث) لأبي عبيد القاسم بن سلام، حيث نراه يكثر من سؤالاته لأبي عمرو بن العلاء، والأصمعي، وأبي زيد الأنصاري، والكسائي، وأبي عبيدة معمر بن المثنى عن الأحاديث النبوية ومعانيها، وقد يجيب أحدهم بأن هذه اللفظة من الحديث لا يعرف له معنى، أو أن الذي يعرفه عنها كذا، وقد يجتمع على عدم معرفة معنى جماعةٌ منهم، وكل ذلك بما لا يقدح في الحديث
͝-توجيه الأحاديث التي استدل بها أحد النحاة نحويا. كانت طائفة من النحاة توجه الحديث الذي استدل به أحد النحاة على غير الوجه الذي استدل به ذلك النحوي، فيسقط الاستدلال به بعد توجيه موضع الشاهد من الحديث([25])، ويؤخذ من هذا أن النحوي الذي تأوَّل الشاهد كان يكفيه أن يرد على مخالفه بأن الحديث مروي بالمعنى, كما يفعل المانعون من الاستدلال مع كل حديث يخالف مذهبهم، فمعنى أنهم يوجهون الحديث نحويا أن مسألة الاستدلال بالحديث لم يتطرق إليها الشك عندهم؛ بسبب روايته بالمعنى، أو غير ذلك من أسباب.
Ν-احتجاج النحاة بروايات الحديث المتعددة. حيث استفاد النحاة من الروايات المختلفة للحديث الواحد، ولو كانوا يذهبون إلى ما ذهب إليه المانعون من ترك الاستدلال بالحديث لروايته بالمعنى ما قبلوا أي حديث هذه صفته؛ لأن الروايات المتعددة للحديث الواحد هي من آثار الرواية بالمعنى على زعم المانعين، فكيف سكتوا على مثل هذا؟ بل كيف استدلوا بهذه الروايات المختلفة الناشئة عن تصرف الرواة، وتغييرهم لكلام النبي (ص) إن نظرة سريعة لاستدلال النحاة بحديث (نهى عن قيل وقال) بروايتي النصب والجر([26]) لكافية في الرد على المانعين، وبيان فساد زعمهم هذا.
فكل هذه الأدلة تؤكد للباحث أن النحاة الأول برآء من تهمة ترك الاستدلال بالحديث لأنه مروي بالمعنى، وأنهم تداولوا الحديث بينهم بلا حرج، ولكنهم لم يكثروا من الاستدلال منه كاستدلالهم بمصادر الاحتجاج الأخرى.
وقد تساءل بعض الباحثين عن السبب الذي حمل “أبا حيان أو غيره على أن يخصوا الحديث النبوي وحده بهذه الصفة، صفة اختلاف الألفاظ في المعنى الواحد، دون سائر المصادر التوثيقية الأخرى للغة العربية”([27])، فإن الشواهد الشعرية على سبيل المثال قد أصابها ما أصاب الحديث النبوي من تعدد الروايات واختلافها، فقد قرر السيوطي أن “كثيرا ما تروى الأبيات على أوجه مختلفة، وربما يكون الشاهد في بعض دون بعض، وقد سئلت مرة قديما فأجبت باحتمال أن يكون الشاعر أنشد مرة هكذا، ومرة هكذا، ثم رأيت ابن هشام قال في شرح الشواهد: “روي قوله: ولا أرضَ أبقلَ إبقالها” بالتذكير والتأنيث مع نقل الهمزة، فإن صح أن القائل بالتأنيث هو القائل بالتذكير صح الاستشهاد به على الجواز من غير الضرورة، وإلا فقد كانت العرب ينشد بعضهم شعر بعض، وكل يتكلم على مقتضى سجيته التي فطر عليها، ومن هنا تكثرت الروايات في بعض الأبيات”([28])، والكلام عن اختلاف الروايات في الشواهد الشعرية طويل الذيل، وفيما ذكرته كفاية([29]).

([1]) الاقتراح،صـ57، 58.

([2]) السابق،صـ56،

([3]) الحديث والمحدثون،صـ199.

([4]) انظر: المحدث الفاصل بين الراوي والواعي صـ529, ورواية الحديث بالمعنى وأثره في الفقه: (رسالة دكتوراه) لعبد الكريم عبد الرزاق الخطيب, دار العلوم القاهرة 2022م صـ69, 71

([5]) انظر: شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي، 1/ 145، وتدريب الراوي للسيوطي، 2 /98، وتوجيه النظر إلى أصول الأثر لطاهر الجزائري، 2/ 671، وفي الأخير بسط كبير للمسألة قد لا يوجد في موضع آخر.

([6]) الحديث والمحدثون،صـ18، 19.

([7]) انظر: الاقتراح،صـ56.

([8]) أصول النحو العربي لمحمد خير حلواني،صـ49.

([9]) السابق،صـ51، وانظر: فيض نشر الانشراح، 1/ 519.

([10]) انظر: بحوث ومقالات في اللغة: للدكتور رمضان عبد التواب صـ58

([11]) الإنصاف في بيان سبب الاختلاف، شاه ولي الله الدهلوي (1176هـ)، وقف على طبعه محب الدين الخطيب، القاهرة، 1385هـ،صـ25.

([12]) أجوبة للاستدلال بالأحاديث النبوية على إثبات القواعد النحوية (مخطوط) الورقة الثانية

([13]) منهم الدماميني ، والصبان، والبغدادي.

([14]) الرد على النحاة،صـ90.

([15]) لمع الأدلة في أصول النحو،صـ85.

([16]) قال العراقي: “باب الرواية مبني على غلبة الظن”. طرح التثريب، 2/ 105، وقال بدر الدين الزركشي: “وبالجملة فرواة الأخبار على غلبة الظن…”. النكت على مقدمة ابن الصلاح، 3/ 429، وقال الأمير الصنعاني: “…لأن باب الرواية بالمعنى مبني على غلبة الظن”. توضيح الأفكار بمعاني تنقيح الأنظار 2/222 وانظر: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، للسخاوي، 3/ 130.

([17]) موقف النحاة من الاحتجاج بالحديث، صـ400.

([18]) معاجم غريب الحديث والأثر والاستشهاد بالحديث في اللغة والنحو،صـ89.

([19]) السابق،صـ87.

([20]) السابق،صـ85.

([21]) السابق،صـ106.

([22]) منهم النضر بن شميل (ت203هـ)، وأبو عمرو الشيباني (ت206هـ)، وقطرب (ت206هـ)، والأصمعي (ت216هـ)، وابن قادم (ت251هـ)، وشمر بن حمدويه (ت255هـ)، وثعلب (ت291هـ)، وابن كيسان (ت299هـ)، وأبو موسى الحامض (ت305هـ)، وابن دريد (ت321هـ).

([23]) معاجم غريب الحديث والأثر والاستشهاد بالحديث في اللغة والنحو ،صـ82- 126.

([25]) مثال ذلك حديث “إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون”، فقد استدل به الكسائي على حذف ضمير الشأن، وقيل على زيادة (من) في الإيجاب، انظر شرح التسهيل لابن مالك، 2/ 11، وانظر زيادة إيضاح 2/13، وشرح الكافية الشافية، 1/516، 518.

([26]) انظر: الكتاب لسيبويه، 3/ 368، ومعاني القرآن للفراء، 1/ 468، 469، وكتاب اللامات للزجاجي،صـ53، والإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري، 2/ 522.

([27]) الحديث النبوي وأثره في الدراسات اللغوية والنحوية،صـ401.

([28]) الاقتراح،صـ74، وانظر: النحو العربي ومناهج التأليف والتحليل،صـ375.

([29]) انظر: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، 1/ 143، والاستشهاد في النحو العربي،صـ325، 326.


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

أنماط الجملة العربية

في كتاب “البنى التركيبية للأمثال العامية .. دراسة وصفية تحليلية” للدكتور علاء إسماعيل الحمزاوى أستاذ العلوم اللغوية المساعد بكلية الآداب، جامعة المنيا- أورد تصنيف الجمل العربية وفق منهج الفرنسي بلاشير الذي قسمها إلى جملة بسيطة وجملة مركبة.
وأنقل هذا التقسيم وهذه الأنماط بتصرف يتمثل في جمع المادة من أكثر من مكان- على النحو التالي:
أولا- الجملة البسيطة phrase simple، وهي نوعان:
1ـ الجملة الفعلية phrase verbale: وهي التي تبدأ بفعل، وهي مكونة من عنصرين: الأول الفعل (المسند)، والثاني الفاعل (المسند إليه).
وهي نوعان: جملة ذات ترتيب اعتيادي، وأخرى ذات ترتيب مخالف (تقديم الفاعل على الفعل، وتقديم المفعول على الفاعل من وجهة نظر بلاشير). ولسنا على وفاق مع بلاشير في إمكانية تقديم الفاعل على الفعل، بل هي جملة مركبة بالتجاور، وبلاشير نفسه فعل ذلك أثناء عرضه لأنماط الجملة المركبة بالتجاور.

2ـ جملة اسمية phrase nominale: وهي التي تبدأ باسم، وهي مكونة من عنصرين: الأول المبتدأ (المسند إليه)، والثاني الخبر (المسند). وهي نوعان : جملة ذات ترتيب اعتيادي، وأخرى ذات ترتيب مخالف (تقديم الخبر على المبتدأ).

ثانيا ـ الجملة المركبة phrase complexe: هى كل جملة تصاغ من جملتين مستقلتين deux propositions أو أكثر، ترتبط فيما بينها برابط لفظى أو معنوى، والبناء اللغوى للجملة المستقلة مماثل للبناء اللغوى للجملة البسيطة، وإحدى الجمل المكونة للجملة المركبة هى جملة أساسية proposition principale، وقد عرفها بلاشير بأنها جملة حاكمة لجملة ـأو عدة جمل ـ لاحقة تسمى الجملة ـ أو الجمل ـ التابعة subordonné أو المعطوفة coordonné أو المتجاورة juxtaposee، وفقا لنوعية علاقة الربط القائمة بين الجملة الأساسية والجملة ـ أو الجمل ـ الفرعية.


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

غاية طالبي الإفادة في بيان حروف الزيادة ج2

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفصل التالي جزء من بحث طويل لي فأرجو إزجاء الملاحظات .
حــروف الزيادة مواضعها ومعاني زيادتها:

8 الــلامُ :

لا تزادُ اللامُ في الأفعالِ مطلقاً[1]،وإنما تنحصرُ زيادتها في الأسماءِ وأكادُ أقولُ في أسماءِ الإشارةِ حصراً من مثلِتعليم_الجزائرتلك،ذلك،هنالك،..)بل إن الجرميَّ لا يعدُّها من حروفِ الزيادة[2]ولعلَّ ما قللَ زيادتَها بعدُها عن طبيعةِ حروفِ المدِّ.[3]
8 الهــاءُ :

أجمع النحاةُ ومنهم أبو العباس المبرد على زيادتها، وقد أفردت المبرد عن غيره من النحاة، لأنَّ كتب النحو التي استفدت منها طالما رمت هذا العالم الجليل بالاضطراب في القول بزيادة الهاء والتخبط بالحكم عليها بأنَّها حرف زيادة أو أنَّها حرف بدل، وهو يرى أنَّها حرفٌ زائدٌ لكنه يبين أنها تلحق بالكلمات في الوقف فقط نحو اخشه ،ارمه[4]وقيل زيدت لبيان الحركة عند الوقف[5] وللتأنيث[6] كما حكم المبرد نفسه على الهاء بالزيادة[7] في كلمة أمهات فهو يرى أن الأصل فيها أمات والنظرُ في كتب الصرف والنحو يجعلنا نميل إلى قصرها على المواضع التي ذكرها المبردُ لزيادتها كزيادتها هاءً للسكت في الوقف و وا زيداه وفي أمهات على الرغم من عدم اتفاقهم على هذا الموضع فقد ذكر شارحُ المفصل أن الهاء في أمهات أصلية وليست زائدة وضرب مثالاً على ذلك قول الراجز :

أمهتي خندف والياس أبي
وحاتم الطائي وهاب المئي

وقيل قد غلبت الأمهاتُ في الناس والأماتُ في البهائم.[8] ، وقيل زيدت الهاء أولاً في كلمة هجرع وهراق [9]

8 السـين :

لا تزاد السين أولاً ولا آخراً ،وإنما تزاد حشوا فقط وهي لا تزاد منفردة بل تزاد حصراً مع الهمزة والتاء متقدمتين في صيغة(استفعل) ومشتقاتها ومصادرها[10] وقد تزاد بدون التاء في كلمة (اسطاع)فهي من( أطاع )[11]وتزاد أولا مع حرف المضارعة دالة على الاستقبال (سأذهب) وابن الحاجب لا يرى زيادتها[12] ويعدها حرف معنى وهي كذلك بينما يسميها ابن السراج—حروف المضارعة -بالحروف الزوائد[13]
8 التــاء[14]:

تزاد التاء أولاً وحشواً ونهايةً كما تزاد مفردة ومع غيرها وزيادتها على ضربين :قياسية وسماعية
الزيادة القياسية:
-أن تكونَ حرفَ مضارعةٍ، (تكتب ،تقبل،تنتصر،تستقبل) وزيادتها هنا للدلالة على المخاطَب[15]،
-المطاوعة مع الفعل الماضي (قدمته فتقدَّم كسرته فتكسر ،قاتلته فتقاتل )وكذلك في مصادر هذه الأفعال(التقدم ،التكسر ،التقاتل)
-التفاعل :التعاون ،التعاضد .
-الافتعال:هي التاء الزائدة(المبدلة) في صيغة افتعل .
-الاستفعال: نحو استقبل.
-وتأتي للتأنيث نحو تاء الخطاب أنتِ.
-في جمع المؤنث السالم مع الألف، نحو جموع المؤنث في قوله تعالى:چ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ چ [16].وقد ذكر ابن مالك في ألفيته زيادتها بقوله[17]:

والتاء في التأنيث والمضارعة ونحو الاستفعال والمطاوعة

الزيادة السماعية :
تزاد التاء أولاً نحو كلمة (تمثال)فهي من مثل .
تزاد حشواً نحو كلمة (سنبتة ) وهي القطعة من الشيء
تزاد آخراً نحو كلمة (جبروت ) من جبر ،و(ملكوت) من ملك

8 النــون:[18]

تزاد النون أولاً وحشواً وآخراً مفردة و ومع غيرها من حروف الزيادة(الهمزة ،التاء ) وذكر النحاة سبب زيادتها بأنه شَبهها بالواو[19] وزيادتها قياسية وسماعية
الزيادة القياسية :
-تزاد أولاً كحرف من حروف المضارعة (نذهب ) وزيادتها تدل على جمع المتكلمين
-كما تزاد مع الهمزة في صيغة انفعل ومشتقاته
-مع الألف في الرفع والياء و في النصب والجر في المثنى
-مع الواو في الرفع والياء في النصب والجر في جمع المذكر السالم
-علامة لرفع الأفعال الخمسة نحو تذهبون
-للتوكيد (نون التوكيد الثقيلة والخفيفة (لتذهَبُنَّ،لتذهبَنْ)
-للوقاية :وهي نون الوقاية التي تقي الفعل من حركة الكسر المصاحب لياء المتكلم و النون هنا جسر للتوصل إلى قراءة الياء مع الفعل إذ يصح أن نقول (ساعدني ) ولا يمكن القول: (ساعدي)
-في جمع التكسير على وزن (فِعلان) (غربان )و(فُعلان ) (قُضبان)
-وبعد ثلاثة حروف أصلية مسبوقة بألف شأنها في ذلك شأن الهمزة نحو (حسّان عطشان)وضبطها ابن مالك بقوله :[20]

والنون في الآخر كالهمز وفي نحو غضنفر أصالة كفى

الزيادة السماعية :
زيدت النون سماعياً في كلمات مثل(فرناس ،جندب )فهي من فرس وجدب وكذلك إن وقعت بعد حرفين وبعدها حرفان نحو غضنفر
8 الميــم[21] :

أنها لا تزاد في الأفعال مطلقاً[22]،ولعل أشهر زيادة للميم هي زيادتها أولية في المشتقات (اسم الفاعل من الفعل فوق الثلاثي واسم المفعول من الثلاثي وفوق الثلاث وصيغة مبالغة اسم الفاعل مفعال واسم المكان و اسم الزمان واسم الآلة …إلخ.)
-تزاد مع الضمائر حرفاً للعماد غايته التوصل إلى نطق الألف بعدها[23]
وتزاد آخراً نحو زرقم من زرق [24]
و ضابط زيادة الميم تصدرها قبل ثلاثة حروف أصلية نحو مضرب[25] وقد نظمها ابن مالك بقوله[26]:

هكذا همز وميم سبقا ثلاثة تأصيلها تحققا

8 الهــمــزة :

هناك ضابطان لا يتخلفان لمعرفة زيادة الهمزة هما :
الأولُ: ضابطُ كضابطِ زيادةِ الميمِ وهو تصدُّرُها قبلَ ثلاثةِ حروفٍ أصولٍ[27]،كما في بيت ابن مالك السابق ،فإنْ وقعَ بعدها حرفان أصلان فهي أصل نحو (أكل ،أخذ) ,وإن وقع بعدها ثلاثةُ حروفٍ أحدُها زائدٌ نحو(إزار ،أمين )فهي أصلٌ أيضاً،فإنْ وقعَ بعدَها أربعةُ حروفٍ كلُّها أصلٌ نحو (إصطبل)فهي أصلٌ أيضاًٌ،[28]
الثاني: وقوعها آخراً مسبوقة بألف وقبلها ثلاثة حروف أصول فهي زائدة نحو كلمة (كرماء ،شعراء ،حمراء)إذ إن أصلها على الترتيب (كرم ،شعر،حمر) وهذا ضابط دقيق يمكن الدارس من الحكم عليها مباشرة بالزيادة،وقد ضبطه ابن مالك في ألفيته فقال[29]:
كذاك همز آخر بعد ألف أكثر من حرفين لفظها ردف

لذلك إن سبقت بألف وقبلها حرفان أصيلان فهي أصل لا زائدة نحو(كساء)فالهمزة فيها أصيلة منقلبة عن واو
أما زيادتها حشواً فسماعية نحو كلمات (شمأل ،شأمل، جرائض(البعير الضخم)[30]
الهمزة الزائدة صدراً:
أ-همــزة الـقـطـع :تدخل هذه الهمزة لتضيف للفعل المجرد معانيَ جديدة
¬ التعدية:فهي تجعل الفعل اللازم متعدياً ففعل نزل اللازم(نزل المطر) يغدو بزيادتها متعدياً،(أنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً)[31]كما تزيد مفاعيل الأفعال المتعدية
¬ الدلالة على الدخول في زمان الفعل أومكانه(أصبح ،أمسى)،(أنجد:قصد نجداً)
¬ السلب :شكا، أعلن شكواه، أشكى أزال شكواه
¬ صيرورة الشيء ذا شيء من معنى الفعل:أطفلت المرأة ،صارت ذات طفل بعد أن كانت غير ذلك.
¬ وجود الشيء على صفة مستقاة من الفعل نحو:أحمدت الرجل،وجدته محموداً.
ب-همزة الوصل :همزة الوصل زائدة في جميع مواضعها وغايتها تمكين النطق بالساكن بعدها
وهمزة الوصل في جميع مواضعها تلفظ في صدر الكلام وتسقط في درجه(لفظاً) لانتفاء الحاجة إليها
لكنها تسقط لفظاً وخطاً كما في كلمة اسم إن سبقت بحرف الجر الباء كما في قوله تعالى[32] :
چ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ چوفي كلمة ابن إن وقعت بين علمين ثانيهما أب للأول أو أم له وكانت نعتاً له ما لم تقع في أول السطر (عمر بن الخطاب)
وقد تحذف إن كانت مكسورة وسبقتها همزة الاستفهام كقوله تعالى :چ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ چ[33]
أما إن كانت مفتوحة فتبدل ألفاً ثم تسهل بين بين كقوله تعالى[34]: چ ہ ہ ھ ھھ ھ ے ے ﮰ ﮱ چ
كما تحذف إن دخلت عليها لام الجر كقوله تعالى[35]: چ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤچ
أو لام التوكيد كقوله تعالى[36]:چ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ چ
حركتها:

يرى البصريون أنَّ الأصل فيها الكسرُ وإنَّما تضمُّ ليسهلَ الدخول على الحرف المضموم مثل(اُكْتُبْ)لأنه مستثقل ،إذ ليس في العربية (فِعُل)كسر فضم من أبنية الأفعال بينما رأى الكوفيون أنا-الهمزة-تتبع حركة عين الفعل تبعا للمجانسة[37]،ويجب فتحها في أل التعريف وضمها إذا كان عين الفعل مضموما [38]
مواضعها :
الحروف :لا توجد إلا في أل التعريف
الأفعال :1-أمر الفعل الثلاثي :اِذهب ،اُكْتُب
2-ماضي الفعل الخماسي والسداسي(انتصر،استشهد)
3-أمر الفعل الخماسي والسداسي(انتصرْ ،استقبلْ)
الأسماء:-مصادر الأفعال الخماسية والسداسية المبدوءة بهمزة وصل (انتصار،استقبال)
-الأسماء العشرة[39] ابن ،ابنة ،ابنم فالهمزة فيها للتعويض عن محذوف وهو لام الكلمة
-اسم والهمزة فيها تعويض عن لام الكلمة المحذوف [40]
-امرؤ ،امرأة
-اثنان واثنتان
-ايمن الله للقسم
-است لما يستقبح ذكره أصله سته والجمع أستاه فهمزة الوصل تعويض عن الهاء المحذوفة.

8 الألـــف:

لا تكون الألف أصلاً في اسم ولا فعل أي أنها لا تكون إلا زائدة أو بدلاً،وذلك لأنها ساكنة والعرب لا تبدأ كلامها بساكن ،وتقع حشواً أوآخراً
لذلك تزاد ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة في الأسماء والأفعال
-زيادتها ثانية قياسية في صيغة فاعل(اسم فاعل من الثلاثي) وكذلك في الفعل الثلاثي على نفس الوزن قاتل شارك والزيادة للمشاركة و المفاعلة
-زيادتها ثالثة كثيرة في الأسماء (كتاب،غراب ،سحاب )أما في الأفعال فلا تزاد الألف منفردة إذ تصاحبها التاء في صيغة (تفاعل): تقاتل تعاون
-زيادتها رابعة لا ضابط لها من مثل كلمات(حبلى،قرطاس،مفتاح )
-زيادتها خامسة :تزاد في أسماء سمعت عن العرب نحو (دلنظى)(الجمل السريع )لكنها مقيسة في مصادر الأفعال الخماسية نحو (انطلاق ، اجتماع )والسداسية (استقبال ،استغفار)أما الأفعال فزيادتها قليلة نحو (ارعوى)(تاب عن جهله ورجع
-زيادتها سداسية :زيادتها قليلة فمن الأسماء قبعثرى ومن الأفعال (احرنبى )انتفش ريش الديك
كما سمع زيادتها سابعة في الأسماء فقط نحو (أربعاوى)وهو قليل
وقيل إن زيادتها حشوا لإطالة الكلمة وتكثير حروفها أما زيادتها آخراً فللتأنيث (حبلى)وللإلحاق ولإطالة الكلمة .

8 اليـــاء[41]:
-تزاد الياء مع الأفعال متصدرة للمخاطبة نحو (يكتب)
– تزاد ثانية في صيغة فيعل (فيصل ،ضيغم ) أما في الأفعال فزيادتها للإلحاق بوزن فَيْعَل نحو (بيطر ،سيطر)
-تزاد ثالثة في الأسماء في الصفة المشبهة على وزن فعيل (كريم ،عظيم)ومن غيرها نحو(قضيب ،رغيف)
وفي أفعال لا نستخدمها ذكرتها المعاجم وكتب الصرف مثل (رهيأ)
-تزاد رابعة نحو (حذرية)
-تزاد خامسة :نحو (بلهنية ورفاهية )رخاء العيش
-تزاد سادسة نحو (مغناطيس)
-تزاد سابعة نحو (خنزوانية) الكبر
8 الــواو[42] :
لا تزاد الواو أولاً ولا آخراً لكنها تزاد حشواً فهي:
– تزاد ثانية في الأسماء نحو (كوكب ،كوثر)والأفعال نحو (حوقل )
– تزاد ثالثة في الأسماء(عمود،جدول،ترقوة)والأفع ال(جهور)
– تزاد خامسة في الأسماء فقط نحو(قلنسوة)
تزاد سادسة في كلمة محفوظة هي (أربعاوى)

[1] الممتع في التصريف ص145 المبدع في التصريف ص120.دروس في التصريف ص50

[2] .دروس في التصريف ص50

[3] اللباب علل البناء والإعراب ج 2 ص 279

[4] المقتضب ج1 ص 198 سر صناعة الإعراب ج2ص563

[5] الممتع ص 148 المبدع في التصريف ص122المفتاح في الصرف ص 89 دروس في التصريفص49أشار ابن مالك إلى زيادتها بقوله :
والهاء وقفا كلمه ولم تره … واللام في الإشارة المشتهره ينظر شرح ابن عقيل ج2ص543

[6] تاج العروس من جواهر القاموس مادة زيد

[7] المقتضب ج1 ص194 وفي الحاشية برأ الدكتور محمد عبد الخالق عظيمة المبرد من فرية عدم اعتماد الهاء من حروف الزيادة وبين زيف الناقلين عنه والقائلين بأنه لم يعدها من حروف الزيادة بل عدهامن حروف البدل والحقيقة أنه عدها من حروف الزيادة وصرح بذلك أكثر من مرة في المقتضب

[8] شرح المفصل لابن يعيش ج5ص242

[9] حكم صاحب المبدع بأصالة الهاء في هجرع المبدع ص123كما حكم على الهاء بالإبدال من الهمز (هراق أصلها أراق )على هذا فلا تزاد إلا حشواً ونهاية

[10]الممتع ص151 المبدع في التصريف ص122-123 دروس في التصريف ص49

[11] المبدع في التصريف ص 124دروس في التصريف ص50

[12] شرح شافية ابن الحاجب ج 2 ص 376

[13] الأصول في النحو ج 2 ص 146

[14] الممتع في التصريف ص 185.184.183.182.181تصريف الأسماء والأفعال ص 56.55.دروس في التصريف ص 49.48.47 المبدع في التصريف ص ص135134تصريف الأسماء والأفعال والمشتقات ص89.88

[15]شرح ابن عقيل ج2ص543. دروس في التصريف ص47

[16] {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً }التحريم5

[17] شرح ابن عقيل ج2ص5843

[18] الممتع في الصريف ص176.175.174.173.172.171

[19] اللباب علل البناء والإعراب ج 2 ص 260

[20] شرح ابن عقيل ج2 ص542 المبدع في التصريف ص131. دروس في التصريف ص 46

[21] المنصف ج1ص129

[22] المقتضب ج1 ص 196دروس في التصريف ص45

[23] المبدع في التصريف ص127

[24] الصاحبي في فقه اللغة وسنن العربية ص87

[25] سر صناعة الإعراب ج 1 ص426

[26] شرح ابن عقيل للألفية ابن مالك ص541

[27] المنصف ابن جني ج1 ص99

[28] المبدع في التصريف ص125

[29] نفس المصدر والصفحة

[30] الممتع ص 154

[31] {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }البقرة22

[32] الفاتحة 1

[33] المنافقون 6

[34]يونس: 59

[35]التوبة: 60

[36]الضحى: 4

[37] الإنصاف في مسائل الخلاف .المسألة 110ص 594-595-596-597-598

[38] شذا العرف في فن الصرف ص197

[39] شرح شافية ابن الحاجب ج2ص 250

[40] الإنصاف في مسائل الخلاف .المسألة الأولى ص (4….12)

[41] المنصف ج1ص112.111 الممتع في التصريف ص 193.192.191تصريف الأسماء والأفعال ص 47.46.45.44.دروس في التصريف ص44.43 المبدع في التصريف ص ص136.135 تصريف الأسماء والأفعال والمشتقات ص82

[42] المنصف ج1ص 112 الممتع في التصريف 194تصريف الأسماء والأفعال ص 44.دروس في التصريف ص 45 المبدع في التصريف ص ص136.135 تصريف الأسماء والأفعال والمشتقات ص84


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

تخطئة علَّل والتعليل

تخطئة : علّل والتعليل
محمد خليل الزَّرُّوق

تقديم :
هذا اللفظ المخطَّأ هو : علّلَه تعليلاً ، على معنى : نَظَر في علّته ، أو ذكر علته ، والعلة بمعنى السبب . وهو مستعمل من قديم في العلوم ، كالعربية والكلام والفلسفة ، ومن استعماله في الشعر قول ابن سناء الملك :

ورب مليحٍ لا يُحَبّ ، وضدُّه يُقَبَّلُ منه العينُ والخدّ والفمُ
هو الْجَدّ خذْهُ إن أردت مسلّمًا ولا تطلب التعليل ؛ فالأمر مبهَمُ

( الْجَدّ : الحظّ ) .
ولم أر من تكلم عليه إلا الشيخ الأستاذ محمد علي النجار في كتابه الموسوم بـ ” لغويات ” ، وهو كتاب جمع فيه بعض ما كان ينشره في مجلة الأزهر بهذا العنوان ، وقال في مبحث هذا اللفظ : ” وقد تحدث بعض المعنيين بالعربية في عربية هذا الأسلوب ” ، وقال : ” ومن ثَمّ أنكر بعض الباحثين هذا الاستعمال ” ( ص141و142 ) . وهذا يفيد أن له سابقًا في الكلام عليه ، ولا أدري : أسَبْقُه شفويّ أم كتابيّ ؟
ونقل كلام الشيخ بألفاظه واقتباسه وشواهده : محمد العدناني ، في كتاب : معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة ( ص461 ) ولم ينسبه إليه .

* * *

الأصل :
وأصل هذه المادة : علّ يعِلّ ويعُلّ ، من بابي ضرب ونصر ؛ أي شَرِبَ شُرْبًا ثانيًا ، والمصدر : العَلّ والعَلَل ، والشرب الأول النَّهَل . وذلك أصل واحد ، لا ثلاثة أصول كما ذهب ابن فارس في معجم المقاييس ، فجعل الأصل الأول : تكرارًا ، والثاني : عائقًا ، والثالث : ضعفًا ( 4/12 ) – لأن العلة بمعنى الحدث الذي يشغل ، وبمعنى المرض ، ترجع إلى أصل التكرار ، وما أحسن ما فسّر به الشيخ النجار ! ولم أجده في المعجمات ؛ إذ ردّ العلة بمعنى المرض إلى الحمّى تعتاد الإنسان بعَرَقها ، ثم أُطلق على كل مرض ، والعلة بمعنى الشاغل من تشبيه الشاغل بالمرض الذي يحجِز عن العمل ، والعلة بمعنى العذر من تشبيه العذر بالمرض ؛ لأن المريض يسقط عنه اللوم والمعتبة ، ولما كان العذر سببًا يتمسّك به المعتذر أطلقت العلة على السبب . وأظن أن منه : لعلّ ، وهي حرف رجاء لما يُستقبل وإشفاق ، وما يُستقبَل تالٍ للحاضر .
وجاءت العلة بمعنى العذر أو السبب في حديث عائشة – رضي الله عنها – في صحيح مسلم ( حديث 1211 ) ، وذلك قولها تعني أخاها عبد الرحمن – رضي الله عنه – : ” فيضرب رجلي بعلة الراحلة ” ؛ أي : يُظهر أنه يضرب البعير ، وإنما يضرب رجلها ” .
وجاءت بهذا المعنى في قول البخاري في عنوان باب : لا صدقة إلا عن ظهر غنًى : ” .. فليس له أن يضيِّع أموال الناس بعلة الصدقة ” .
وفي المثل : ” لا تَعْدَمُ الخرقاء علة ” .
وفي المادة من الأفعال : علّ ، وأعَلّ ، وعلّل ، وتعلّل ، واعتلّ ، وعالَل ، وتعالَل .
والمقصود في هذه الكلمة من هذه الأفعال : علّل ، على وِزان : فعّل ، وهو الْمُخَطّأ بالمعنى المذكور ، ومصدره : التعليل . واعتلّ ، على وِزان : افتعل ؛ لما سأبينه ، إن شاء الله ، ومصدره : الاعتلال .

* * *

معنى علَّل :
وما جاء من معنى علّل في المعجمات :
1- علّله : سقاه مرة بعد مرة . ومن ذلك قول رجل من كِنْدة يذكر أخْذ امرئ القيس بثأره :

وأقام يُسقَى الخمرَ في عرَصاتهم ملكٌ يُعَلّ شرابَه تعليلا

( شرح القصائد السبع ص12 ) . والشاهد في قوله : ” تعليلا ” ، وهو مصدر خالف بينه وبين فعله ، كما قال الله تعالى : ) وتبتّل إليه تبتيلا ( .
2- والتعليل : جنْيُ الثمرة مرة بعد أخرى . ذكره صاحب الصحاح . وجاني الثمرة هكذا يقال له : الْمُعَلِّل ، كما في التاج .
3- والمعلِّل : الْمُعين بالبِرّ بعد البِرّ ، عن ابن الأعرابي .
4- وعلّله : طيّبه مرة بعد أخري ، وعليه قول امرئ القيس في القصيدة المعروفة :

فقلت لها : سِيري وأرخي زمامه ولا تُبعديني من جناك المعلَّل

إذا رُوي على اسم المفعول .
5- وعلّله : شغله وألهاه . وفُسّر به قول امرئ القيس إذا روي على اسم الفاعل ، أي : المعلِّل . ومنه يقال : علّلتِ المرأةُ صبيَّها بشيء من المرَق والخبز ؛ ليَجْزَأ به عن اللبن . وقال جرير :

تُعَلِّل – وهي ساغبة – بنيها بأنفاسٍ من الشَّبِم القَراحِ

( السغَب : الجوع ، والقَراح : العَذْب ، والشبِم : البارد ، والنفَس من الماء : الذي يروي ويكفي . يذكر امرأته ، ويسْتَنْزل عطاء عبد الملك بن مروان ) . ويقال : فلان يعلّل نفسه بتَعِلّة . وعلّله بحديث أو طعام . والمعلِّل : يوم في آخر الشتاء يعلّل الناس بشيء من تخفيف البرد .

* * *

شواهد من الشعر :
وأكثر ما جاء علّل والتعليل في الشعر على هذا المعنى الأخير ، معنى الإلهاء والشَّغْل والصَّرْف والتسلية عن الشيء .
• قال عبدة بن الطبيب :

ثم اصْطَبَحْتُ كُمَيْتًا قَرْقَفًا أُنُفًا من طيّب الرّاح ، واللّذاتُ تعليلُ

( كُميت : بين الأسود والأحمر ، وقَرْقَف : يُرْعِد شاربَه ، وأُنُف : لم يُشرَب ، واصطبح : شرب صباحًا ) .
• وقال عَدِيّ بن الرِّقاع :

تصطادُ بهجتُها الْمُعَلَّلَ بالصِّبا عَرَضًا ، فتُقْصِدُه ، ولن يصطادَها

( البهجة : الحسن ، وتُقصده : تقتله مكانَه ) .
• وقال جرير :

كم قد قطعن إليك من مُتَماحِلٍ جدْبِ الْمُعَرَّج ، ما به تعليلُ

( متماحل : بعيد الأطراف ، والمعرّج : الْمُناخ ؛ أي للإبل ، ما به تعليل : ما به مرعًى تُعلَّل به الإبل ) .
• وقال جرير أيضًا :

أجِدَّكَ لا يصحو الفؤاد الْمُعَلَّلُ وقد لاح من شيبٍ عِذارٌ ومِسْحَلُ

( أجِدَّك : أحقًّا ، والعِذار : شعر جانب الوجه ، والمِسْحل : ما تحت الذَّقَن ) .
• وقال الأحوص :

أزعمتِ أن صبابتي أكذوبة يومًا ، وأن زيارتي تعليلُ

• وقال ابن الرومي :

فهلاّ بذلتِ الوعد ثم مطلتِه فعلّلْتِ تعليلَ المجامل ذي الْمَطْلِ
* * *

حجج التصحيح :
فهذا هو معنى هذا اللفظ واستعماله ، ولم يجئ بمعنى ذكر العلة أو السبب ، فيما أعلم . إلا في ما لا يُحتَجُّ به أو فيه شبهة سنكشفها ، إن شاء الله .
1- فمن ذلك ما صحّح به الشيخ محمد علي النجار هذا الاستعمال ، وهو أنهم قالوا : الْمُعَلِّل ، لدافع جابي الخراج بالعِلل ، قال : ” فعلى ذلك يُقال : علّل ؛ أي : ذكر العلة أو العِلل ” ( ص142 ) . والصواب أنه إنما سُمّي بذلك لأنه يدفع الجابي ؛ أي يصرفه ويشغله عن المال ، لا لأنه يذكر العِلل ؛ أي الأعذار ، ولو كان المراد ذلك لسمَّوْا كل ذاكر للعِلل مُعَلِّلاً ، ولم نعلمهم فعلوا ذلك .
2- ومن ذلك ما جاء في كتاب الإيضاح في علل النحو للزَّجَّاجيّ ( توفي سنة 337 ) عن الخليل بن أحمد ، قال : ” وذكر بعض شيوخنا أن الخليل بن أحمد – رحمه الله – سئل عن العلل التي يَعتلّ بها في النحو ، فقيل له : عن العرب أخذتها أم اخترعتها من نفسك ؟ فقال : إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها ، وعرفت مواقع كلامها ، وقام في عقولها عِللُه ، وإن لم يُنقَل ذلك عنها ، واعتللْت أنا بما عندي أنه علة لما علّلتُه منه … فإن سنح لغيري علة لما علّلتُه من النحو هو أليق مما ذكرته بالمعلول فليأت بها ” ( ص65-66 ) . فترى أن فيه الاستعمال الذي أخطّئه . ولكن لا ثقة لنا بأن هذه ألفاظ الخليل ، فالخبر غير مسنَد ، وذكره مَنْ بينه وبين الخليل نحو مائتي سنة ، وفيه لفظ مشهور التخطئة عند العلماء وهو : المعلول ، فإن صحت نسبة هذا المعنى إلى الخليل فلن تصح نسبة هذه الألفاظ إليه .
3- ومن ذلك قول العباس بن الأحنف :

خذوا ليَ منها جُرْعةً في زجاجةٍ ألا إنها – لو تعلمون – طبيبي
فإن قال أهلي : ما الذي جئتمُ به ؟ وقد يُحسِنُ التعليلَ كلّ أريب
فقولوا لهم : جئناه من ماء زمزمٍ لنشفيَه من دائه بذَنوب

( الذنوب : الدلو ) فعلى أنه لا يُحتجّ به ؛ لأنه مُحدَث ، هو ظاهر الاستقامة على الاستعمال القديم ، ويدلّك على ذلك أن السؤال في قوله : ما الذي جئتمُ به ؟ عن الماهية لا عن العلة ، فيكون المعنى : تستطيعون صرفهم عن الإلحاح في البحث بأن تعلّلوهم بهذا القول ، وهو أن هذا من ماء زمزم جئناه به ليستشفي به ، وأنتم قد كنتم في الحجاز ، فما أسهل هذا القول عليكم ! وما أسهل أن يصدّقوه ويلهُوا به !

* * *

البديل الصحيح :
والصواب أن يقال إذا أُريدَ : ذَكَرَ العلة : اعتلّ ، وفي المعجمات : اعتلّ عليه بعلة : اعتاقه عن أمر ، والمعنى : ذكر له علة عاقه بها عما يريد . وفيها : اعتلّ : تمسّك بحجة . ومن شواهد ذلك :
1- المثل : يعتلّ بالإعسار وكان في اليَسَار مانعًا .
2- وما أنشده أبو زيد في نوادره ( ص 248 ) :

إن تبخلي – ياجُمْلُ – أو تَعْتَلِّي
أو تصبحي في الظاعن الموَلِّي
نُسَلِّ وجد الهائم الْمُغْتَلِّ
ببازل وَجْناء أو عَيْهَلِّ

( الْمُغْتَلّ : الذي اغتلّ جوفُه من الشوق والحب والحزن كغُلّة العطش ، والبازل : الداخل في السنة التاسعة من الإبل ذكرًا كان أو أنثى ، والوجناء : الممتلئة باللحم أو الشديدة ، والعيهلُ : الطويلة أو السريعة ، وتشديد اللام ضرورة ) .
3- وحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لرجل : ما حبسك عن الصلاة ؟ فذكر شيئًا اعتلّ به ” ( مسند الإمام أحمد 3/85 ) .
4- وحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -قال للرجل الذي اشتدّ على جابر في تقاضي دينه : ” أيْسِرْ جابرَ بن عبد الله ( أي : أَنْظِرْه إلى ميسرة ) ، فقال : ما أنا بفاعل ، واعتلّ ، وقال : إنما هو مال يتامى ” ( مسند الإمام أحمد 3/398 ، وسنن الدارمي ، حديث 45 ) .
5- وحديث النعمان بن مُقَرِّن – رضي الله عنه – قال : ” قدم رجال من مُزَيْنة ، فاعتلّوا على النبي – صلى الله عليه وسلم – أنهم لا أموال لهم يتصدقون منها ” ( الإصابة 6/449 ، وقال : أخرجه ابن شاهين ) .
6- وقال الفرزدق :

له راحةٌ بيضاءُ يَنْدَى بَنانُها قليلٌ إذا اعتلّ البخيلُ اعتلالُها

نسب الاعتلال إلى اليد ، والمراد صاحبها ، وهو الممدوح .
7- وقال كُثَيِّر :

إذا ذرفتْ عيناي أعتلّ بالقذى وعزّةُ – لو يدري الطبيب – قذاهما
وأنتِ التي حبّبْتِ شَغْبًا إلى بَدَا إليّ ، وأوطاني بلادٌ سواهما
حلَلْتِ بهذا حَلّةً ، ثم حَلّةً بهذا ، فطاب الواديان كلاهما

( شَغْب وبَدَا : موضعان ) .
8- وقال أبو قيس بن الأسْلَت :

وتُكرِمُها جاراتها فيزرْنَها وتعتلّ عن إتيانهن فتُعْذَرُ
والله أعلم
نشر في : مجلة الثقافة العربية – بنغازي 9/2003
مجلة جذور جدة – 3/2004


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

بيان لبعض مصطلحات النحو الكوفي

الصرف

يرى الكوفيون أن الفعل المضارع الواقع بعد واو المعية أو بعد الفاء في جواب التمني والعرض والأمر والنفي والاستفهام والنهي نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن إلى أنه منصوب على الصرف او الخلاف
وقد فسر الفراء ـ رحمه الله ـ هذا المصطلح في موضعين من كتابه معاني القرآن قال ” فإن قلتَ: وما الصَّرْف؟ قلت: أن تأتى بالواو معطوفةً على كلامٍ فى أوّلِهِ حادثةٌ لا تستقيمُ إعادتُها على ما عُطِف عليها، فإذا كان كذلك فهو الصَّرْفُ

كقول الشاعر:
لاتَنْهَ عنْ خُلُقٍ وتأتِىَ مِثْلُهُ * عارٌعليْكَ إذا فَعلتَ عظِيمُ

ألا ترى أنه لا يجوز إعادة “لا” فى “تأتى مثله” فلذلك سُمّى صَرْفاً إذْ كان مَعطوفاً ولم يستَقم أن يُعاد فيه الحادث الذى قبلَه” وهذا النص لا يقتضي أن يكون الصرف عند الفراء محصورا في الواو بل يكون في الفاء وغيرها على ما ذكره
فالفراء قد نظر إلى خاصية انصراف هذه الأفعال في مدلولاتها عما قبلها وأن علامة هذا الانصراف هو النصب فعبر بمصطلح ” الصرف ” عن هذه الظاهرة


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

مدخل لقراءة كلمة كلمة

من منا أكمل من الكلمة ؟ من ؟
و من أخلد ؟ و اطهر و أزكى و أنقى ؟
ألم يقال بان الكلمة كانت في البدء .
كلمة كلمة لها حروف الملكة ( تحكم و تسود ) ، و تنقلب حرفيا لتملك ( تتملك الإنسان ) ، و لها حروف الملاك ( الملائكة ) ، و الكمال ( الكمال لله ) ،
و لها حروف اللكم ( ملاكمة ) .
و لها حروف اللم بمعنى تلم شمل أمة بسهولة و يسر ، و لم الإلمام ( ملمة بالإنسان و الوجود .
لام الموجودة في كلام إشارة جد حكيمة من العربية إلى أن الكلام يميل لقول اللوم …يبدو الأمر صحيح ما أن تصغي لكلام الناس حتى تجده لوم في لوم .
يتبع