أأ أ- المقدمة
قبل أن نتحدث عن المدارس اللسانية، جدير بنا أن نعرف تعريف اللسانية نفسها، لكي لا نقع في الخطأ. فاللسانية عند أحمد محمد قدّور في الحديث عن تعريف اللسانية[1]: «العلم الذي يدرس اللغة الإنسانية دراسة علمية تقوم على الوصف ومعاينة الوقائع بعيدا عن النزعة التعليمية والأحكام المعيارية». وكلمة “علم” الواردة في هذا التعريف لها ضرورة قصوى لتمييز هذه الدراسة من غيرها، لأن أول ما يطلب في الدراسة العلمية هو اتباع طريقة منهجية والانطلاق من أسس موضوعية يمكن التحقق منها وإثباتها.
والعلم بحث موضوعة دراسة طائفة معينة من الظواهر لبيان حقيقتها وعناصرها ونشأتها وتطورها ووظائفها والعلاقات التي تربط بعضها ببعض، والتي تربطها بغيرها، وكشف القوانين الخاضعة لها في مختلف نواحيها.[2]
سنتناول في هذا البحث عن المدارس اللسانية. ونبدأ الحديث أولاّ عن المدارس اللسانيات العربية، ثم بعد ذلك عن المدارس اللسانية الغربية.
ب- المدارس اللسانية العربية
إن علماء العرب، مثل الجاحظ والجرجاني والسكاكي وابن خلدون هم الذين أسّسوا المدارس اللسانية العربية، وبإمكاننا أن نتحدث عنهم في هذا الحديث بداية من المدرسة البيانية مع الجاحظ ثم مدرسة النظم مع الجرجاني ثم المدرسة الشمولية مع السكاكي لنصل إلى المدرسة الارتقائية مع ابن خلدون.
1- المدرسة البيانية مع الجاحظ
كان من الأصح أن نقول المدرسة البيانية -التبيينية- حتى نلتزم بعبارة الجاحظ وبفكره كما كانا في عنوان كتابه المشهور «البيان والتبيين»، لأن إتباع التبيين للبيان الذي كان بالإمكان الاستغناء عنه في العنوان طلبا للاختصار دفع بالجاحظ إلى تجشم المسالك الوعرة لاستيعاب مدارك الكلام في جميع مضانها، لأن البيان إن كان يعبر بالخصوص عن هذه الظاهرة اللسانية الإنسانية التي تمثل الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان لأنه كان ظلوما جهولا، وهي بالتالي ظاهرة غيبية بالدرجة الأولى، فإن التبيين موضوع من الجاحظ لوصف العلاقات اللسانية التي تجري في عالم الشهادة وتجمع بين المتكلم والمخاطب وتنقل البيان إلى بلاغة، والكلام إلى رسالة مع ما تتضمنه الرسالة من إلقاء وتلقي ورموز ومعاقد وحال ومقال ومقام كما تشرحه اليوم اللسانيات الحديثة.[3]
والتأمل في حقيقة الكلام وفي كيفية إنشائه وتطويره وعلاقته بالإنسان منذ بدء الخليقة إلى أن صار بلاغة في سياسة الكون والكلام. كل هذا ضمنها في كتابيه «البيان والتبيين» و«الحيوان»، وقد اعتمد في ذلك على ما جاء في القرآن خاصة مما جعله أول ممثل للمدارس الكلامية المستمدة من القرآن الكريم.[4]
بدأ الجاحظ بتلخيص أنواع الدلالات في خمسة لا تزيد ولا تنقص، هي: اللفظ ثم الإشارة ثم العقد ثم الخط ثم النصبة. وسر هذا التصنيف لا يزال لغزا، لكن يبدو أنه قائم على النظرة الارتقائية التي تتلخص في عبارة «العالم الصغير سليل العالم الكبير» الشهيرة عنده حيث ينحدر اللفظ من الإشارة، والإشارة من العقد، والعقد من الخط، والخط من النصبة.[5]
2- مدرسة النظم مع الجرجاني
النظم كما تصوره الجرجاني يعني كيفية تركيب الكلام انطلاقا من الجملة البسيطة ليصل إلى نظم القرآن في تراكيبه الصوتية والدلالية والنحوية والبلاغية والأسلوبية والغيبية الإعجازية. والنظم باختصار يعني تأليف الحروف والكلمات والجمل تأليفا خاصا يسمح للمتكلم والسامع أن يرتقيا بفضل بديع التركيب إلى مدارك الإعجاز في المعاني علما بأن المعاني تملأ الكون وتعمر الفضاء واختيار تركيب من التراكيب في النص كاختيار مسلك من المسالك في البر والبحر قد يؤدي بالسالك يعني المتكلم إما إلى الوصول إلى الغاية التي يقصدها في بر النجاة أو إلى الضلال والهلاك، والنظم كالبناء والنسج يتم في معاقد النسب والشبكة، فمعاقد النسب تبرم الخيوط التي تذهب طولا، ومعاقد الشبكة تبرم الخيوط التي تذهب عرضا، فإذا نسجت خيوط الطول في خيوط العرض حصل النظم.[6]
3- المدرسة الشمولية مع السكاكي
كتاب السكاكي «مفتاح العلوم في البلاغة»، كان له تأثير كبير على الأجيال التالية، فصارت آراؤه مرجعا للدارسين جعلته أكبر مدرسة لسانية في العربية، ولا يعرف الدارسون مدرسة مماثلة لها من حيث الاتساع والشمول في الثقافات الأخرى.
وقد صنف السكاكي العلوم اللسانية في شكل شجرة أصلها ثابت في قواعد اللغة وفروعها في السماء تشمل جميع أنواع الكلام.[7]
والتطور يشمل أولا فرعين: النحو والصرف، ثم يرتقي النحو والصرف إلى درجة البلاغة، فيخلف علم المعاني «النحو» وعلم البيان «الصرف»، ويخلف مقتضى الحال في البلاغة مقتضى الوضع في النحو بإدراج المنطق والاستدلال في العملية عملية التحويل كما يدرج مع مقتضى الحال مقتضى المقام ومقتضى المقال، ويرتقي من البلاغة إلى علوم الأسلوب في مستوى علم البديع، فيخلف البيان المحسنات اللفظية والمعاني المحسنات المعنوية، ولا يعرف العلماء عندنا حتى الآن أن انتقال السكاكي من البيان إلى المعانـي ليس شيئا آخر سوى انتقال من علم البلاغة إلى علم الأسلوب الذي أصبح علما قائما بذاته اليوم، وجعل الكثير من الأدباء واللسانيين لا يميزون بين الطائف الدقيقة في البلاغة والأسلوب، وجعلهم يعدون الوجوه البديعية زبدا رابيا يذهب جفاء ولا ينفع الناس. وقد ساهم بعض أصحاب البديع بتصنعهم وتكلفهم في تأكيد هذا الانطباع، وبعد البديع يرتقي الكلام إلى مرتبة الشعر مع العروض والقافية. فالعروض يخلف التراكيب النحوية والمعنوية، والقافية تخلف البيان، وعند اكتمال هذه الطبقات كلها ينتقل إلى الأدبية. ومفهوم الأدب يجمع بين القول والعمل يعني بين التربية [التأديب] والقول الحسن، وليس فوق الأدب إلاّ الإعجاز القرآنـي الذي ينقل القول والفعل الحسن إلى مدارك الغيب حيث يلتقي صواب القول بصواب العمل.
وهكذا يطمح السكاكي في مفتاحه إلى النفاذ إلى جميع العلوم اللسانية والغيبية.
4- المدرسة الارتقائية مع ابن خلدوت
إن النظرية الارتقائية مبنية على طبقات خمس متراصفة يعبر عنها ابن خلدون بالأطوار، ويقصد بالطور الفترة الزمنية التي ينتقل فيها الكائن لسانيا كان أو إنسانيا أو حيوانيا من صورته الأولى إلى صورة أخرى كما أن لو كان حقيقة أخرى وليست تطورا داخليا لحقيقة واحدة تنتقل من طور إلى طور حتى تنتهي إلى غايتها.[8]
والطور عند ابن خلدون هو الحال عند البلاغيين، وقد أخذوه عن المتصوفة ووظفها ابن خلدون لبناء نظرية التحصيل وهي تنص على أن المعنى ينشأ أول ما ينشأ عن الفعل، فإذا تكرر الفعل صار صفة، وإذا تكررت الصفة صارت حالا (أعني صفة غير ثابتة)، وإذا تكررت الحال صارت ملكة (أي مقاما كما يقول المتصوفة).[9]
والنظام الخماسي هذا يجري في تسلسل مطرد من أسفل إلى أعلى صعودا، ومن أعلى إلى أسفل نزولا في صورة هرمية أو في شكل شجرة أصلها ضيق وهو واسع، وفرعها واسع وهو ضيق دقيق، هذه الشجرة هي المنوال الذي رصت فيه جميع المعاني التي تعمر الكون كلمات كانت أم أشخاصا وأشياء.
وهي أعيان متفرقة، إذا جمعت ونظمت شكلت أكوانا متراصفة في منوال عمراني واحد، إذا ركبت في الأفعال كانت عمرانا فعليا، وإذا ركبت في أفكار وألفاظ لسانية كانت عمرانا فكريا وكلاميا. والذوات التي في آخر كل أفق من العوالم مستعدة لأن تنقلب إلى الذوات التي تجاورها من الأسفل والأعلى استعدادا طبيعيا كما في العناصر الجسمانية البسيطة وكما في النخل والكرم من آخر أفق النبات مع الحلزون والصدف من أفق الحيوان، وكما في القردة التي استجمع فيها الكيس والإدراك مع الإنسان صاحب الفكر والروية.[10] وهذا لا يعني أكثر مما يعنيه مبدأ «العالم الصغير سليل العالم الكبير» الذي بنى عليه الجاحظ نظريته.
وهذا التطور الارتقاؤي إذا طبقناه على الكلام كان الارتقاء كالتالى،ففي الأسفل نجد الدلالات التي لا تتحدد أبعادها إلاّ إذا أدرجت في شبكة نحوية، والشبكة النحوية لا تظهر قيمتها الكلامية إلاّ إذا أدرجت في الطبقة التي فوقها طبقة البلاغة. والبلاغة التي هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال ترتقي إلى طبقة الأسلوب التي تجمع العبارة البلاغية وتضيف إليها البديع أي إبداعات المتكلم، لأن الأسلوب هو العلامات الدالة على شخص المتكلم أو الصانع للعمران.[11]
وكيفية صنع التراكيب الكلامية ككيفية صنع التراكيب العمرانية تخضع للذكاء والحذق، ولذلك فكر ابن خلدون في الجمع بين التراكيب العمرانية والتراكيب اللسانية في علم واحد للتراكيب سماه فقه التراكيب.[12] ففقه التراكيب هو كل شيء في نظرية ابن خلدون. والتراكيب الارتقائية هي وحدها التي تمكن من الارتقاء إلى مدارك الأعجاز في القرآن الكريم بحيث يمكن القول أن التراكيب المعنوية تبدأ عند العناصر العليا المؤلفة لنظم القرآن الذي لا تدركه إلاّ خواص النفوس.
وهذه التراكيب أوسع من أن يحاط بها في قواعد معينة وهي التي يجب تعليمها للناشئة بالجمع فيها بين التراكيب اللسانية والتراكيب العملية كما تجري بالفعل في الواقع اليومي الميداني وفي العلاقات بين الأشخاص في الأحوال والمقامات التي يعيشون فيها، وهي خلاصة منوال ابن خلدون.
وفقه التراكيب يتلخص في نظر ابن خلدون في مفهوم الأسلوب، وهو أسمى ما توصل إليه التفكير الخلدوني في لسانيته الارتقائية.[13]
ج- المدارس اللسانية الغربية
لقد لاقت آراء سوسير[14] ونظرياته، في النصف الأول من القرن العشرين من النجاح قسطا عظيما، بين عدد كبير من الدارسين وكانت معينا لعدد من المدارس قامت على المبادئ النظرية التي أرسى سوسير قواعدها، والأسس المنهجية التي سطر معالمها ووضعها.[15] ومن تلك المدارس اللسانية الغربية، هي :
1- المدرسة البنيوية (structuralisme) مع سوسير
البنيوية مفهوم يطلق حسب الأشخاص والأحوال على مدارس لسانية مختلفة وهو يستعمل أحيانا لتعيين واحدة أو أكثر من المدارس أو لتعينها جميعا، لأن لها مجموعة من التصورات والمناهج التي يشملها مفهوم البنية في اللسانيات.[16]
فإذا أبعدنا في الوقت الحاضر البنيوية التحويلية (التابعة للنحو التوليدي)، فإن المدارس المختلفة التي تتمثل فيها هي التوزيعية والوظيفية والنسقية. وهي التي تتأسس عليها اللسانيات لدراسة العبارات المنجزة بالفعل. فاللسانيات تسعى هكذا إلى وضع نظرية لدراسة النص المنجز بعد إنهائه وغلق باب تراكيبه باستعمال منهج تحليلي (شكلي) يقوم على شكل النص (من صورته الخارجية)، و بهذا تطرح البنيوية أولا مبدأ الحضور والشهادة يعني الوجود في النص. فالعالم اللساني يقف عند حدود العبارة المنجزة بالفعل (في مدونة) محاولا تفسير البنية يعني هندسة العناصر الموجودة داخل النص وقيامها بذاتها.[17] وبالعكس فإن كل ما يمس بالتعبير (كيفية تحقيق العبارة) خاصة صاحب العبارة (وفاعلها) والحال التي أنجز فيها النص فتترك على جانب، لأنها تعتبر ثابتة وغير متبدلة، لكن يجب الإشارة إلى وجود خلافات جوهرية حول الموضوع، فمدرسة براغ وعلى رأسها ياكوبسن وبنفنيست تهتم بدراسة علاقة المتكلم بكلامه يعني وظيفة الكلام وكيفية التعبير عنها. أما أتباع دي سوسير (كشارل بالي خاصة) فيقترحون لسانيات تنطلق من اللفظ (يعني القول) وهي ذات أهمية وترفض اللسانيات التي تنظر إلى اللغة وحدها. وعكسها نجد بلومفيلد الذي يرى أنه يستحيل تحديد المعنى وعلاقة صاحب النص بالكون الواقعي، قائلا أن هناك عوامل كثيرة تتدخل في نسج العبارة مما يعجز على حصرها ويستحيل ضبط خصوصيتها ووصف العلامات البارزة التي لها دور في تأليف المقام. وهناك خاصية أخرى هامة للبنية هي التمييز بين معاقد الكلام فـي مختلف وجوهها وبين إنجازها أقوالا[18] ويترتب عن هذا أننا نستخلص من النص أو من النصوص المختلفة الناجمة عن ألفاظ القول نظاما للغة.
وهكذا يتعين علينا دراسة نظام اللغة كما يجري في لحظة من اللحظات عند مطابقتها لمقتضى الحال، وهي دراسة نيرية، لأن الدراسة الزمنية (التاريخية) تبدو متنافية مع دراسة اللغة كنظام.
2- المدرسة النسقية (glossématique) مع هلمسليف
العالم اللساني الدنمركي لويس هلمسليف[19] بكوبنهاجن هو الذي اخترع مفهوم غلوسيماتيك (glossématique) باشتقاقه من الإغريقية غلوسة يعني اللغة لتعيين النظرية المستخلصة من نظرية دي سوسير التي تجعل من اللغة غاية لذاتها لا وسيلة لتحقيق الغاية المقصودة بالكلام.[20]
والغلوسيماتيك تقوم على النقد الحاد للسانيات التي سبقتها وحادت في نظرها عن مجال اللغة بانتصابها خارج الشبكة اللغوية واهتمامها بالإجراءات (غير اللسانية) التي تهدف إلى معرفة مصادرها الأولى ما قبل التاريخ وجوانبها الفيزيائية والظواهر الاجتماعية والأدبية والفلسفية. والنسقية تنتصب على العكس من ذلك داخل اللغة فهي تصدر منها وإليها ولا تخرج عن دائرة اللغة المنظور إليها على أنها حقل مغلق على نفسه وبنية لذاتها وهي تبحث عن المعطيات الثابتة التي تعتمد على الظواهر غير اللسانية، وهي تسعى إلى إبراز كل ما هو مشترك بين جميع اللغات البشرية، وتكون اللغة بسببه هي مهما تبدل الزمن وتغيرت الأحداث. وهكذا تختلف الغلوسيماتك عن النظرة الإنسانية، فمظاهر اللغة لا تبصر إلاّ مرة واحدة ولا تتجدد مثل الظواهر الطبيعية بحيث يمكن دراستها دراسة علمية على العكس من هذه الظواهر اللسانية.[21]
وهكذا تضع الغلوسيماتيك نظرية تتسع إلى جميع العلوم الإنسانية، فكل إجراء عملي يقابله إجراء نظري، و الإجراء يمكن تحليله من خلال العناصر التي يشكلها بكيفيات مختلفة.
والنظرية هذه تهتم قبل كل شيء باللسانيات، فإذا ثبتت نجاعتها توسع بها إلى العلوم الإنسانية الأخرى، ولكي يمكن قبول نتائجها يجب أن تتفق والتجربة الفعلية، وقد أسسها هلمسليف على ما سماه مبدأl’empirisme التجربة الشاهدة[22]، ولكي تتصف بهذه الخاصية يجب أن تكون خالية من كل تناقض وأن تتصف بالشمولية وتكون بسيطة سهلة الإدراك ما أمكن. فالنظرية الاستقرائية التقليدية حسب هلمسليف تدعي الانطلاق من الجزء إلى الكل (من المعطيات الخاصة إلى العامة)، يعني القوانين المنطقية. وهي قبل كل شيء تلخيصية وتعميمية، وهي لا تستطيع تجاوز الظاهرة اللسانية الخاصة، فبعبارات مثل العامل والشرط والماضي والمفعول فيه والاسم والفعل والمبتدأ والخبر لا يمكنها أن تنطبق إلاّ في مجال الإعراب، ولا يمكن قبولها كأقسام لسانية فهي إذا تتناقض مع الوصف اللساني فالغلوسيماتيك تنطلق من النص الملفوظ المعبر أو من جميع العبارات الملفوظة المجعولة للتعبير. وهذا النص قابل للتقسيم إلى أنواع تكون بدورها قابلة للتقسيم إلى أصناف والصنف ينبغي أن لا يحمل تناقضا وأن يكون شاملا. فالأمر يتعلق بوصف المواد ذاتها ووصف العلاقات التي تجمع بينها والتي تسعى اللسانيات إلى وصف علاقاتها وتحديدها. فالموضوع الوحيد والحقيقي للسانيات هو اللغة [23] التي يوجه البحث منها وإليها، فبنية النص اللساني الشاهد في نظر هلمسليف هي الموضوع الوحيد للسانيات.
3- المدرسة الوظيفية (fonctionnelle)مع ياكوبسن[24] ومارتيني[25]
لا شك في أن الاتجاه الوظيفي بدأ يبرز إلى الوجود وتتكون ملامحه في حلقة [مدرسة] براغ [التشيكوسلوفاكية] التي استفادت من آراء دي سوسير بقدر ما استغلت منطلقاتها النظرية في أعمالها وكونت لنفسها نظرية لغوية.[26] على أنها لم تحدد منهجها إلاّ بالانطلاق من تحديد للغة باعتبارها نظاما وظيفيا يرمي إلى تمكين الإنسان من التعبير والتواصل.
فإذا كان دور اللغة هو توفير أسباب التواصل فإن دراسة اللغة ينبغي أن تراعي ذلك، فكل ما يضطلع بدور في التواصل ينتمي إلى اللغة وكل ما ليس له مثل هذا الدور فهو خارج عنها، وبعبارة أخرى فإن العناصر اللغوية هي التي تحمل شحنة إعلامية، أما التي لا يمكن أن نعتبرها ذات شحنة إعلامية فلا يعتد بها اللغوي، فالأولى وحدها هي التي لها وظيفة.
وقد اعتمدت مدرسة براغ هذا المنطلق لتدريس خاصة الأصوات وتضبط منهجا للتمييز بين ما هو وظيفي فيها وما ليس وظيفيا، وكان تروباتزكوي هو الذي بلور فـي أجلى مظهر نتائج أعمالها في كتابه : مبـادئ الأصـوات الوظيفية (principes de phonologie) [27].
على أن النظرية الوظيفية لم تتبلور في كل مظاهرها مع مدرسة براغ، فقد تواصل بناؤها وصقلت مبادؤها ومفاهيمها في فرنسا عن طريق أندري مارتيني خاصة.
ويمكننا أن نستخلص مما كتبه أندري مارتيني ثلاثة اتجاهات رئيسية ذات علاقات حميمة فيما بينها كما يلي:[28]
– اتجاه الفونولوجيا (علم الأصوات العام) وتعتني بضبط الأصوات العامة ووصف صورها (الفونولوجيا الوصفية)؛
– اتجاه الفونولوجيا الزمنية (العلم بتطور الأصوات عبر الزمان)؛
– اتجاه اللسانيات العامة.
أما القطب الذي تدور عليه رحى الوظيفية فيتمثل في التقطيع المزدوج: التقطيع الأول ويتناول الكلمات في صورتها اللفظية ومن حيث مضمونها. فبفضل هذا التقطيع يمكن الحصول على تراكيب غير محدودة من العبارات انطلاقا من عدد محدود من المقاطع.[29]
والتقطيع الثاني لا يعني فيه إلاّ بالصورة اللفظية، فاستبدال مقطع صوتي من المقاطع المذكورة بمقطع من نفس النوع لا يؤدي في كل حالة إلى نفس التغيير المعنوي فنقل « ـا» من سال إلى زال، لا يغير صورة المدلولات (التي هي مختلفة في أصلها عكس ما هو الحال عليه في التقطيع الأول حيث يكون كتبتُ/كتبتَ/ كتبتِ نفس اللفظة كتب ألصقت بها أصوات مختلفة: ضمير المتكلم والمخاطب والمخاطبة).[30]
والتقطيع الثاني إن كان يؤدي إلى إنجاز عشرات من المقاطع الصوتية (فونيمات) فهو يؤدي بالخصوص إلى عشرات الآلاف من الدلالات المختلفة وعكس ما يراه ياكوبسن، فإن مارتيني لا يرى من الضروري إدخال تقطيع ثالث يهم الخصائص التي تميز الحروف أما الفونولوجية العامة (علم الأصوات العامة)، فإن مارتيني يرجع المردودية الوظيفية التي هي وظيفة لسانية، إلى اختلاف الأصوات، وانطلاقا من التمييز الهام بين الظواهر الصوتية والظواهر الفونولوجية (الحرفية الوظيفية). يضع مارتيني في تقابل الشروط الضرورية للتوصيل حيث يشترط وجود أقصى ما يمكن من الوحدات التي يشترط فيها أن تكون على جانب أكبر من الاختلاف مقابل بذل أقل ما يمكن من الجهد بعدد من الوحدات الأقل تباينا.[31]
والبحث عن الانسجام بين هذين الشرطين يؤدي إلى الاقتصاد اللغوي أو إلى تحسين المردود الوظيفي. فكل وحدة من وحدات العباراة تصبح خاضعة إلى نوعين من الضغوط المتقابلة[32]:
ضغط نيري ناتج عن تعاقب الألفاظ في سلسلة الكلام وفيه [تجاذب] بين الوحدات المتجاورة وضغط عمودي تفرضه الوحدات أو الكلمات المنحدرة في السدى والتي كان بالإمكان أن تحل في ذلك الموضع.
فالضغط الأول قائم على التماثل والضغط الثاني على التباين، وهذه الاتجاه الوظيفي ينقل نفس الوظيفة إلى التراكيب النحوية. هكذا يميز مارتيني بين الكلمات الوظيفية. فيكون التمييز بين الأدوات التي لها الصدارة وبين الأدوات المتممة التي تأتي في آخر الكلمة أو بين الصيغ الصرفية التي تعين الهيئة أو الجهة أو العدد أو أدوات التعريف والتنكير.
ويعتمد ياكوبسن من جهته على وظائف الكلام (في نظرة المتكلم من كلامه). ونظرة السامع وعلى الرسالة والسياق وعلى الاتصال بين المرسل والمتقبل وعلى معقد الكلام code وكلها تساهم في تحديد الوظيفة الانفعالية أو التعبيرية أو اللفظية الإنشائية أو الشعرية أو وظيفة الحد أو الربط للمعاني فيما بينها.[33]
4- المدرسة التوزيعية (distributionnelle) مع بلومفيلد
صاحب هذه المدرسة التي أنشئت حوالي 1930 بالولايات المتحدة هو بلومفيلد[34] وضعها كمنهج لساني بنائي محض وكرد فعل ضد القائلين بالنحو النظري (المتصور في الأذهان فقط). ورد فعلة هذا انطلق فيه من معطيات التجربة الفعلية التي تبين أن أجزاء الكلام لا تنتظم في اللغة بالصدفة ولا بالاعتباط وإنما بالاتساق مع الأجزاء الأخرى التي تندرج فيها وفي أوضاع بعينها دون أوضاع أخرى وهي ملاحظة قديمة جدا لكنها لم تؤسس كمنهج قائم بذاته إلاّ منذ بلومفيلد وقد تأثر فيها بما كان يشاهد من تعدد اللغات في أمريكا كما تأثر بآراء بيهفيور ونظريته السلوكية التي تجعل ردود الفعل اللسـانية كغيرها من الردود تخضع القانون الإثارة. هناك منبة (إثارة) تؤدي إلى الاستجابة برد الفعل. فالكلام هو الآخر مبني على الإثارة stimulusوالرد (في نوع من العطاء والأخذ للفعل المحرك وفعل الاستجابة من السامع والرسالة الكلامية ينحصر معناها في هذا التبادل بجملة بين المنبه والمجيب، وما الكلام إلاّ تحريك للمعنى وللسامع وارتداد منهما نحو اللفظ والمتكلم. فالأمر يتعلق إذا بوصف أجزاء الكلام التي تحرك وتسبب الإثارة والأجزاء التي تنبه ولا تقتضي الجواب. وهذا يستوجب الانطلاق من مدونة تجمع أصنافا من الكلام في أحوالها ومقاماتها المختلفة لاكتشاف أي الأجزاء يحرك الأجزاء الأخرى، وأيهما لا يحركها عند التركيب، فالعناصر التي يؤدي وجودها بجوار عنصر آخر إلى تغيير البنية يسمى التوزيع (مثل ما تؤدي كيفية توزيع الأوراق في اللعب إلى تغيير اللعبة والنتيجة). فالعناصر التي تحيط بالمنبه وتجعل لدعمه أو لإبطال مفعول البنية هي التي تشكل مادة التوزيع.[35]
5- المدرسة التوليدية(générative) مع تشومسكي
إن أي لغوي في هذه الأيام يقيس مركزه الفكري بالنسبة لمركز تشومسكي[36]، يقال دائما بأن تشومسكي أحدثت ثورة في علم اللغة [37]، ونشر تشومسكي كتابه الأول عام 1957 وكان كتابا ضئيل الحجم مقتضبا، وكانت أفكاره غير مقيدة بالتناول العلمي والفني لقضايا هذا العلم إلى حد ما، ومع ذلك فقد كان الكتاب ثورة في الدراسة العلمية للغة ظل تشومسكي بعدها يتحدث بسطوة منقطعة النظير في كافة نواحي النظرية النحوية لسنوات طويلة.[38]
والنحو التوليدي هو نظرية لسانية وضعها تشومسكي، ومعه علماء اللسانيات فـي المعهد التكنولوجي بماساشوسيت (الولايات المتحدة) فيما بين 1960 و 1965 بانتقاد النموذج التوزيعـي والنموذج البنيوي فـي مقوماتهما الوضعية المباشرة باعتبار أن هذا التصـور لا يصف إلاّ الجمل المنجزة بالفعل ولا يمكنه أن يفسر عددا كبيرا من المعطيات اللسانية مثل الالتباس والأجزاء غير المتصلة ببعضها البعض. فوضع هذه النظرية لتكون قادرة على تفسير ظاهرة الإبـداع لدى المتكلم وقدرته على إنشاء جمل لم يسبق أن وجدت أو فهمت على ذلك الوجه الجديد.[39]
والنحو يتمثل في مجموع المحصول اللساني الذي تراكم في ذهن المتكلم باللغة يعني الكفاءة compétenceاللسانية والاستعمال الخاص الذي ينجزه المتكلم في حال من الأحوال الخاصة عند التخاطب والذي يرجع إلى القدرةperformence الكلامية، والنحو يتألف من ثلاثة أجزاء أو مقومات:[40]
– مقوم تركيبي ويعني نظام القواعد التي تحدد الجملة المسموح بها في تلك اللغة.
– مقوم دلالي ويتألف من نظام القواعد التي بها يتم تفسير الجملة المولدة من التراكيب النحوية.
– مقوم صوتي وحرفي يعني نظام القواعد التي تنشئ كلاما مقطعا من الأصوات في جمل مولدة من التركيب النحوي.
والشبكة النحوية composanteيعني البنية النحوية مكونة من قسمين كبيرين. الأصل الذي يحدد البنيات الأصلية والتحويلات التي تمكن من الانتقال من البنية العميقة المتولدة عن الأصل إلى البنية الظاهرة التي تتجلى في الصيغة الصوتية وتصبح بعد ذلك جملا منجزة بالفعل.[41]
وهكذا يولد الأصل ضربين من التركيب:
أولا: الأم سمعت صوتا
ثانيا: الطفل يغني
والقسم التحويلي للنحو يمكن من القول:
الأم سمعت أن الطفل يغني.
ثم الأم سمعت الطفل يغني.[42]
وليست هذه إلاّ بنية ملتبسة لا تصبح جملة فعلية منجزة إلاّ بنقلها إلى القواعد الصوتية والأصل مكون من قسمين:[43]
أ- القسم أو الأصل التفريعي وهو مجموع القواعد التي تحدد العلاقات النحوية التي هي العناصر المقومة للبنية العميقة وتمثيلها في رموز تصنيفية هكذا:
ت س + ت ف، و ت س هو رمز للصنف الاسمي، و ت ف رمز للصنف الفعلي، والعلاقة النحوية هي علاقة الفعل بالفاعل (ت = تركيب، س = اسمي، ف = فعلي).
ب- المعجم أو قاموس اللغة هو مجموع الوجوه الصرفية المعجمية المحددة في أصناف من الخصائص المميزة، فنجد أن كلمة الأم تحدد في المعجم بأنها اسم مؤنث حي إنساني. فالأصل هو الذي يحدد الرموز: « ال» أداة التعريف، « س» اسم، « ف» فعل في الحاضر. واامعجم يستبدل كل رمز بكلمة من اللغة.
الأم (ال + أم) زمان (ز) أنهت النسج.
قواعد تحويل هذه البنية العميقة إلى بنية ظاهرة
ال + أم انتها + زمان + ال + نسيج (الأم نسجت)
وفي الوقت ذاته تخرج في قواعد صوتية: الأم أنهت النسيج.
فاستنتجنا من خلال الأصل مجموعة من المقومات النهائية (terminales) والمكونات النحوية سواء من حيث العدد أو من حيث الحال.
يضاف إليها الصيغ الصرفية وهي مهيئه لاستقبال المعاني حسب القواعد الموجودة في الصيغ الدلالية ولكي تتحقق تعرض على المنوال التحويلي.
وعمليات التحويل تقلب البنيات العميقة إلى بنيات ظاهرة دون أن تمس بالتحويل أي بالتأويل الدلالي الذي يجري في مستوى البنيات العميقة. أما التحويلات التي كانت وراء وجود بعض المقومات فإنها تتم في مرحلتين إحداهما بالتحويل البنيوي للسلسلة التركيبية لكي نعرف هل هي منسجمة مع تحويل معين؟ والثاني باستبدال بنية هذا التركيب بالزيادة أو بالحذف أو بتغيير الموضوع أو بالإبدال، فنصل حينئذ إلى سلسلة متتالية من التحويلات تتطابق مع البنية الخارجية، و هكذا يكون حضور العامل المجهول في متتالية الأصل تؤدي إلى تغيرات تجعل من جملة: الأب يقرأ الجريدة / الجريدة قرئت من الأب، وهذه السلسلة من الكلمات المتتالية تحول إلى جملة منجزة بالفعل في المستوى الحرفي والصوتي، وهذه القواعد تحدد الكلمة المشتقة من التصرف في النسيج المعجمي وفي المقومات النحوية وتزودها ببنية صوتية. فالتركيب الحرفي هو الذي يحول المفردة المعجمية «الطفل» إلى جملة من العـلامات الصوتية: ال/طف/ل، وعلى النظرية التوليدية أن تعطينا قاعدة صوتية (عامة) كونية تمكن من وضع قائمة للوجوه الصوتية وقائمة للأنسجة الممكنة في هذه التراكيب باعتمادها على النسخة الأم، أي النسخة الكونية (القادرة على ضبط قائمة بالخصائص الصوتية وقائمة على التراكيب الممكنة بين هذه الخصائص والأنسجة الممكنة التي تلتئم معها.[44]
والخصائص الصوتية والنظرية يجب أن تمدنا بنظرية دلالية كونية قادرة على وضع قائمة بالمفاهيم الممكنة، وتتطلب إذن وجود أصل كوني يكون النسخة الأم التي تولد الخصائص الدلالية. وفي الأخير على هذه النظرية أن تقدم لنا نظرية تضبط التراكيب النحوية أعني (وضع) قائمة بالعلاقات النحوية الأصلية وقائمة بالعمليات التحويلية التي تكون قادرة على إعطاء وصف بنيوي لجميع الجمل، فهذه المواضيع تكون إذن مهام عالمية على النحو التوليدي أن يضبطها في وجوه لسانية كونية في مستوياتها الثلاثة؛ الصوتية والدلالية والتركيبية.
6- المدرسة التحويلية(transformationnelle) مع ز.س. هريس[45]
ويقصد بالتحويل في النحو التوليدي التغيرات التي يدخلها المتكلم على النص فينقل البنيات العميقة المولدة من أصل المعنى إلى بنيات ظاهرة على سطح الكلام وتخضع بدورها إلى الصياغة الحرفية الناشئة عن التقطيع الصوتي.[46]
فالتحويل ينطبق إذن على امتداد الأصوات الملفوظة (أو المكتوبة) المتلاحقة في نص العبارة والميل بها نحو مقامها الأخير في الجملة، يعني الميل بمقال من مقالات النير والاتجاه به نحو نير فرعي يكون هو المقام الأخير.
فالتحويل ومقوماته لا يمس المعنى الأصلي للجمل ولكن صورة المؤشرات التي هي وحدها قابلة للتغيير (ونقصد بالمؤشرات les marqueurs العُقد التي تضفر فيها خيوط الكلام)، فالتحويلات عمليات شكلية محضة تهم تراكيب الجمل المولدة من أصل المعنى وتتم بشغور الموقع أو بتبادل المواقع أو بإعادة صوغ الكلمات أو باستخلافها (حيث يستخلف الطرف المقوم بطرف آخر مكانة أو بإضافة مقوم جديد له).[47]
والتحويلات تتضمن وجهين أساسبين؛ الأول يتم بتحليل البنية، والثاني باستبدال البنية. والتحليل البنائي ينظر في التركيب المولد من الأصل وهل يمكن من الحصول على بنية قابلة للتحويل أم لا. والتحويل البنائي يتمثل في إحداث تغيرات مختلفة وفي إعادة ترتيب البنية ومقوماتها التي هي موضوع التحليل. [48]
هذه هي عبارة مولدة من الأصل المؤلف من:
النفي + الأب + في الحاضر + قراءة + الجريدة، مما يلخص كالتالي:
النفي + نير اسمي + زمان + فعل+ نير اسمي.[49]
فإن هذا التصنيف يؤدي إلى التحويل بالنفي في الجملة التالية:
«الأب لا يقرأ الجريدة»، وهناك تحويل آخر يمس أواخر الكلمات يسمى تحويل العقب terminal يؤدي إلى نقل العقب إلى ما قبل الفعل = يقرأ ـ لا يقرأ، وهي تنشأ بعد أن تتم كل التغيرات بما فيها التغيير الناجم عن مطابقة بين الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر مثلا، وهذا التحويل يسمى التحويل النهائي terminal dérivé المشتق من الأصل، ويمثل البنية السطحية للجملة المنجزة بالفعل بعد أن تكون أدرجت في الشبكة الصوتية «الأب لا يقرأ الجريدة».
والتحويل يحمل في الغالب الاسم الناجم عن العملية، و هكذا يسمى التحويل الناشئ عن التعليق بالوصل تحويل وصلي بعد التركيب الاسمي، وهو يؤدي إلى إدراج جملة بالتركيب الاسمي في جملة أخرى، كقولنا: الولد [الذي جاء] يقرأ الجريدة.[50]
وأحيانا يطلق المفهوم على المقوم موضوع التحويل، و هكذا يكون تغيير المقومات في الأفعال الناقصة التي يؤتي بها لتتميم المعنى (كان + كتب) مجعولة لوصف التغيير الذي أدخل على المقوم (يعني أن جملة كان كتب تدل على فعل الكتابة في الماضي فقط، فأصبحت تدل على وقوع الكتابة قبل فعل آخر) بعد إدخال كان على كتب.[51]
د- د-الاختتام
نكتفي دراستنا عن المدارس اللسانية، عربيةً كانت أم غربيةً، ونستخلص من تلك الدراسة فيما يلي:
1- إن المدارس اللسانية كما سبق درسها، لها تأثيرات كبيرة في بناء اللغة وتطورّها.
2- إن المدارس اللسانية العربية هي: المدرسة البيانية مع الجاحظ، ومدرسة النظم مع الجرجاني، والمدرسة الشمولية مع السكاكي، والمدرسة الارتقائية مع ابن خلدون.
3- إن المدارس اللسانية الغربية، هي :المدرسة البنيوية مع سوسير، والمدرسة النسقية مع هلمسليف، والمدرسة الوظيفية مع ياكوبسن ومارتيني، والمدرسة التوزيعية مع بلومفيلد، والمدرسة التوليدية مع تشومسكي، والمدرسة التحويلية مع ز.س. هريس.
[1] أحمد محمد قدّور، مبادئ اللسانيات، بيروت – لبنان : دار الفكر، 9919، ص 11
[2] علي عبد الواحد وفي، علم اللغة، ط 7، مصر: دار نهضة، د.ت.، ص 24.
3 محمد الصغير بناني، المدارس اللسانية في التراث العربي وفي الدراسات الحديثة، الجزائر: دار الحكمة، 2001، ص 17.
[4] نفس المرجع
[5] نفس المرجع، ص 18.
[6] نفس المرجع، ص 24-25.
[7] نفس المرجع، ص 41.
[8] نفس المرجع، ص 52.
[9] نفس المرجع، ص 53.
[10] نفس المرحع، ص 53.
[11] نفس المرحع، ص 54.
[12] نفس المرحع
[13] نفس المرجع، ص 55.
[14] ولد فردينان دي سوسير في جنيف عام 1857 من عائلة عريقة أعطت العديد من العلماء، نشر في سنة 1879 رسـالة عنوانها « رسالة في التنظيم البدائي للمصوِّ تات في اللغات الهندو- أوروبية»، في سنة 1880 حصل على درجة الدكتوراه بعد أن تقدم بأطروحته التي تناولت اللغة السنسكريتية، ُطلب إليه سنة 1881 التعليم في معهد الدروس العليا في باريس ودام تعليمه في هذا المعهد مدّة عشر سنوات نشر خلالها عدة مقالات في مجلة Mémoires de la société des linguistes التي أصبح أمين سر مساعد فيها سنة 1882. عاد إلى بلده جنيف سنة 1891 حيث مارس التعليم في جامعتها إلى أن توفي سنة 1913. وقد درّس مادة الدراسات اللغوية المقارنة. الاّ اهتماماته بقضايا اللغة بصورة عامة، بدا ظاهرا إلى حدّ كبير في محاضراته. والجدير بالذكر أنه قام بسلسلة محاضرات في الألسنية العامة سنة 1906-1907 وسنة 1908-1909 وسنة 1910-1911. و