التصنيفات
لغــة وأدب عربي

بحث جاهز حول "النهضة الادبيه العربية"

مـقـدمــه: – بداية اتصال الشرق بالغرب –

بدأ اتصال الشرق العربي بأوربا ، التي كانت قد بلغت شأوا بعيداً في التقدم العلمي ، وأحرزت نتائج باهرة في مختلف العلوم كان أميراً على بعض مناطق لبنان وسوريا وكانت هذه البلاد تسمى (الشام).
سافر السلطان فخر الدين إلى بعض البلاد الأوربية ، وشاهد ما وصلت إليه من تقدم حضاري ليس له مثيل في الشرق فأعجب بذلك أيما إعجاب ، فعمل على توثيق العلاقات بين بلاده ، وبلاد أوربا ، فاستقدم بعض الشركات الأوربية التجارية ، وأرسل بعض البعثات إلى روما لتلقي العلم في معاهدها ، وتعلم لغاتها.
وقد اهتم البابا بهذا الاتصال اهتماماً كبيراً ، فوجه بابا روما في ذلك الحين الآباء اليسوعيين أن يقوموا بإنشاء المدارس الأوربية في الشرق ، كما وجه باستقدام عدد من أبناء الموارنة إلى روما وإلحاقهم بمدارسها ليعودوا إلى بلادهم حاملين ثقافة أوربا وعلومهم ، فكانت أول لعثة عربية تعليمية إلى أوربا سنة 1578م .
ومثل ما اهتم ملوك إيطاليا بالشرق ، أهتم ملوك فرنسا بالشرق وبلبنان على وجه الخصوص ، فاستقدم لويس الرابع عشر ملك فرنسا عدداً من أبناء اللبنانيين إلى باريس حيث تعهد بتعليمهم مجاناً وأهتم المبشرون أيضاً بلبنان ، فأقبلوا إقبالاً شديداً فأنشأوا المدارس التي تعلم على المنهج الأوربي اللغات والعلوم التي كانت أوربا قد نبغت فيها .
ولكن على الرغم من ذلك كله فإن أثر اتصال الشرق بأوربا لم يكن له أثر واضح فى بقية البلاد العربية ، فإن تأثيره لم يمتد إلى مصر والعراق أو غيرهما من الوطن العربي حتى جاءت سنة 1797م ، تلك السنة التي يعتبرها مؤرخو الأدب الحديث البداية الحقيقية للنهضة الأدبية والثقافية المعاصرة .
في تلك السنة دخل نابليون مصر مسلحاً بأحدث ما توصلت إليه أوربا من أنواع الأسلحة ،بينما كان المصريون وبقية أنحاء الوطن العربي لا تعرف من أنواع الأسلحة إلا السيوف والرماح وبعض البنادق البدائية .
اصطحب نابليون معه في حملته العسكرية جماعة من العلماء في تخصصات مختلفة ، فأنشأ مجمعاً علميا ، وأحضر معه مطبعة عربية كان يطبع بها المنشورات والتعليمات التي يريد إيصالها إلى الشعب المصري ، ولم تكن مصر تعرف الطباعة قبل ذلك .
على الرغم من أن نابليون وعلماءه لم يمكثوا في مصر أكثر من ثلاث سنوات فقد كان لتلك السنوات الثلاث أثر بليغ في الثقافة العربية والأدب العربي ، لأن ذلك اللقاء بين الشرق وأوربا قد بعث في الشرق روح التحدي والتصدي .
لما طرد المصريون نابليون من مصر سنة 1801م وتولى محمد على عرش مصر سنة 1805م فكر في إنشاء دولة حديثة تستعين بما وصلت إليه أوربا من العلوم والفنون والآداب .
وهنا تجمعت عدة عوامل أدت إلى ما يسمى بـ ( الأدب العربي الحديث)

*عوامل نهضة الأدب العربي الحديث :

1/ إرسال البعثات إلى أوربا :

أرسل محمد على سنة 1826م مجموعة من الشباب المصريين إلى فرنسا عددهم أربعة وأربعون طالبا ليتخصصوا ، بعد إتقان اللغة في ، العلوم المختلفة في الزارعة ، والطب والجراحة والتشريح ، والطبيعة ، والكيمياء والعلوم البحرية ، والميكانيكا والترجمة.
كان هذا أول لقاء بين المصريين وبين الثقافة الغربية ولما عاد هؤلاء المبعوثون عادوا بثقافة جديدة ، وعقلية اتصلت بالحضارة الغربية ، وعرفوا أشياء لم يكونوا يعرفونها من قبل ، فقاموا بترجمة كثير من علوم أوربا وألفوا باللغة العربية كتباً في العلوم والآداب فأثروا اللغة بما زودوها به من أفكار ومصطلحات حديثة .

2/ إنشاء المطبعة :

عرف الشرق العربي المطبعة قبل مجيء ، نابليون إلى مصر عرفها في لبنان غير أنها لم تكن ذات تأثير في الأدب العربي لأنها كانت مقصورة على طباعة الكتب الدينية .
أنشأ محمد على أول مطبعة عربية في مصر سنة 1821م في حيّ بولاق فعرفت باسم مطبعة بولاق، لقد كان لمطبعة بولاق أثر واضح في النهضة الأدبية المعاصرة حيث قامت بطبع أمهات كتب الأدب العربي شعراً ونثراً ، كما طبعت مئات من الكتب العربية فى الطب والرياضيات والطبيعيات ، والتاريخ والتفسير والحديث .
أقبل الناس على كتب الأدب يقرءونها ، ويحفظون من دواوين الشعراء الأقدمين عيون الشعر العربي ، ومن كتب الأدب أرقاها أسلوباً ، ومـن كتب اللغـة ما وصلـهم باللغة القوية الأصلية .

3/ إنشاء الصحف :

أدى إنشاء المطبعة إلى ظهور لون جديد من ألوان القراءة هو الصحيفة التي لم تكن معروفة في الثقافة العربية من قبل .
انشأ محمد على أول صحيفة في الوطن العربي سنة 1828م ، تولى رئاسة تحريرها رفاعة رافع الطهطاوي ، وهو عالم أزهري ذهب مع أول بعثة إلى فرنسا ليكون إماماً لها في الصلاة ، ومرجعاً لها في شعائرها الدينية الأخرى ، فاستغل وقت فراغه في تعلم اللغة الفرنسية فتعلمها وأتقنها ، وقرأ بها كثيراً في السياسة والتاريخ والجغرافيا والأدب الفرنسي شعراً ونثراً ، فأضاف إلى ثقافته الأصلية ثقافة غربية ، توفى سنة 1873م.
كان من أثر الصحف في النثر أنها هذبته وصقلته ، ونقلته من المحسنات البديعية من سجع وجناس وطباق ، إلى نثر مرسل دون قيد من القيود البديعية ، كما أنها مالت به نحو الإيجاز والسهولة لأن قراء الصحف لا يسيغون التقعر والأغراب في اللغة .

4/الجمعيات العلمية والأدبية :

لقد كان للجمعيات الأدبية والعلمية أثر كبير في النهضة الأدبية فأنشئت أول هذه الجمعيات في سوريا 1847م ، وكان هدفها الارتقاء بالعلوم ونشر الفنون والآداب .
وأنشئت في مصر جمعية اسمها (جمعية المعارف) فقامت بطبع طائفة من الكتب الأدبية والتاريخية والفقهية ، ثم قامت جمعية أخرى هي (جمعية التعريب) وكان هدفها ترجمة الكتب الأجنبية في الاقتصاد والاجتماع .

5/ المدارس الحديثة :

كان التعليم ، فيما مضى ، محصوراً في المعاهد الدينية التي نهضت بتعليم الدين فقها وتفسيراً وحديثاً ، وبتعليم العربية نحوا وصرفاً وبلاغة ولغة وأدباً ، ولم تكن تعنى ، إلا قليلاً ، بغير ذلك من العلوم .
أما المدارس الحديثة فقد أنشئت على نمط المدارس الأوربية التي تعلم اللغات والعلوم الحديثة كالرياضيات والجغرافيا والأحياء والكيمياء والطبيعة ، فكان لهذه المدارس أثرها فى نشر الوعي الثقافي للأمة .

6/ المسرح :

لم يعرف الوطن العربي ، ولا الأدب العربي هذا اللون من ألوان الأدب ، وإنما ظهر المسرح لأول مرة مع غزو نابليون لمصر ، فكان ذلك شيئاً جديداً فى الشرق ، ولما لم تكن فى الأدب العربي نصوص مسرحية فقد قام عدد من الأدباء بترجمة عدد من المسرحيات الفرنسية إلى اللغة العربية مما أضاف رافداً جديداً إلى الأدب العربي .

7/ المستشرقون :

المستشرقون علماء من أوربا وأمريكا وروسيا ، اهتموا بالشرق وتاريخه وآدابه ودياناته ولغاته ، فعكفوا على دراسته دراسة عميقة .
اهتم كثير من المستشرقين بالأدب العربي واللغة العربية منذ زمن طويل فجمعوا كثيراً من الكتب المخطوطة فقاموا بدراستها وتصحيحها وطبعها فى صورة جميلة ، فنشروا كثيراً من دواوين الشعراء وكتب الأدب فأقبل الأدباء والشعراء على هذه الكتب المصححة فنهلوا مما فيها من جمال وبلاغة .

مراحل تطور الأدب العربي الحديث

*أولاً : الشعر.

مر الشعر العربي المعاصر بثلاثة أطوار .

الطور الأول : طور الضعف .
اتسم الشعر في هذا الطور بالضعف فى اللغة والفكرة فقد كان شعراً ركيكاً ضعيفاً فى شكله ومضمونه ، أما في شكله فقد كان مثقلاً بأنواع المحسنات اللفظية المتكلفة ، وكان هم الشاعر عندما يهنئ بمولود أو يرثي شخصاً أو يقرظ كتاباً أن يذكر في البيت الأخير أو عجزه تاريخ المولود أو المرثي أو تاريخ تأليف الكتاب .
قال الشيخ على الليثي توفى سنة 1896م ، مؤرخاً وفاة محمود باشا الفلكي فى آخر بيت من المرثية .
حلّ القضاء وناعي المجد أرخنا * قد مات محمود باشا المسند الفلكي .
فإذا جمعنا القيمة العددية لكل حرف من حروف عجز البيت لكان المجموع 1303هـ وهو السنة التي توفي فيها المرثي .
أما من حيث مضمون الشعر وأغراضه في هذا الطور فقد كانت المعاني ضيقة تافهة مبتذلة، يقول د: شوقي ضيف : ( اقرأ دواوين الشعراء الذين عاصروا محمد على وعباساً الأول وسعيداً من مثل إسماعيل الخشاب ، والشيخ حسن العطار ، والشيخ محمد شهاب الدين ، فلن تجد سوى صور لفظية قد تدثرت بثياب غليظة من محسنات البديع ولن تجد شعوراً ولا عاطفة، لقد تبلدت الحياة ، فجمد الشعر والشعراء ولم يعد هناك إلا التقليد .. فقد أصبح الشعر حساباً وأرقاماً وتمارين هندسية عسيرة الحل).
انصرف هم الشعراء إلى التشطير ( وهو أن يضيف الشاعر إلى كل شطر من أبيات قصيدة أعجب بها شطراً من عنده ) والترقيط ( وهو أن تشتمل قصيدته على كلمات كل كلمة فيها مبدوءة بحرف من حروف الهجاء مثل قول الشيخ على الدرويش توفى 1853 م .

علىّ على عينيك عــذل عـواذلي * عذاب عليها عند عاشقها عــذب
عذارك عذري عجب عطفك عـدتي * عيونك عصبي عاد عائبها عضــب

فكل كلمة من هذين البيتين مبدوءة بحرف العين.

الطور الثاني : طور الانتقال من التقليد إلى التجديد .
لقد أخذت عوامل النهضة تعمل عملها نفوس الأدباء والشعراء ، وفى عقولهم فقد طبعت كثير من دواوين الشعراء في عصور العربية الزاهرة كما طبعت كتب الأدب التي ألفت في العصر العباسي أمثال كتب الجاحظ وابن المقفع وأمالي أبي على القالي وغيرها ، كما عاد المبعـوثون من أوربـا وقد اطلعـوا على ألـوان وأجناس من الأدب لم تكن معروفة في الأدب العربي .
من أبرز شعراء هذا الطـور (رفاعة الطهطاوي) توفى سنة 1873م وعائشة التيمورية توفيت سنة 1902م .
قلنا أن هذا الطور طور انتقال لأن الشعراء لم يتخلصوا تماماً من سمات الشعر الركيك المليء بالمحسنات والتخميسات والتشطيرات .
ومع ذلك فقد ظهرت في أشعار بعض شعراء هذا الطور آثار تلك النهضة ، فالقارئ لشعر الطهطاوي يجد فيه طابعاً تجديدياً بارزاً يتمثل في الشعر الوطني ، لأن فى الشعر الوطني حديثاً عن الوطن بمفهومه السياسي والحضاري .
من شعره الوطني قوله :
ولئن حلفت بأن مصـر لجنة * وقطوفها للفائزين دواني
والنيل كوثرها الشهي شرابـه * لأبركل البر في أيمـاني

ومن شعره أيضاً نشيده الذي وضعه للجيش المصري :

يـأيهـا الـجنود * والقادة الأســود
أن أمكم حســود * يعود هامي المدمـع
فكم لكم حـروب * بنصركم تئــوب
لم تثنكم خطـوب * ولا اقتحام معمـع

ويلاحظ في هذا النشيد ، إضافة إلى مضمونه الوطني ، التجديد والتنويع فى الموسيقى ، وهو اتجاه لم يكن مألوفاً في شعر من سبقوه إلا عند الأندلسيين .
أما عائشة التيمورية فهي أشهر شاعرة فى القرن الماضي إن لم نقل إنها الشاعرة التي كانت تنظم بالعربية في ذلك القرن ، الشاعرة التي يضعها النقاد فى مكانة رفيعة .
يقول العقاد : ( فإذا استثناء البارودي أولاً والساعاتي ثانياً فشعر السيدة عائشة التيمورية ليعلو إلى أرفع طبقة من الشعر ارتفع إليها شعراء مصر في أواسط القرن التاسع عشر إلى عهد الثورة العرابية) .
ولعل النموذج التالي يوضح هذه الحقيقة ، قالت ترثي ابنتها توحيده التي ماتت في ريعان شبابها وأول ما يلفت النظر من سمات التجديد أنها أدارت الحديث على لسان المرثية لا على لسانها هي كما جرى التقليد في الرثاء ، وهو تصوير بديع لم يكن مألوفاً من قبل في المراثي .
قالت :

أماه قد عـز اللقـاء وفى غـد * سترين نعشي كالعروس يسـير
وسينتهي المسعى إلى اللحد الذي * هو منزلي وله الجموع تصــير
قولي لرب اللحـد رفقـاً بابنتي * جاءت عروساً ساقها التقـدير
أماه لا تنسـي بحـق بنــوتي * قـبري لئلا يحـزن المقــبور

الطور الثالث : طور التجديد والأصالة .

اتسم الشعر في هذا الطور بالتلخص تماماً من قيود المحسنات البديعة . في هذا الطور وثبت العبارة الشعرية من الضعف والركاكة إلى المتانة والجزالة كما قال العقاد ، فقد ظهر جيل جديد من الشعراء حطم قيود التقليد تحطيماً كاملاً .
وربما كان الذي هيأ للشعراء ، في هذا الطور أن يتخلصوا من الطورين السابقين هو ما انبعث في النفوس من النفور من التقليد المزري الذي كان سمة الجيل السابق ، كما أن البعد الكامل من الثقافة التقليدية ، ثقافة عصر المماليك ، والاقتراب إلى حد من الثقافة الأوربية ، نقول إلى حد ما ، لأن أثر الثقافة الأوربية لم يكن قد تغلغل فى النفوس ، وما ذلك إلا لأن المطلعين على الثقافة الأوربية لم يكونوا بالكثرة التي تؤثر فى الحياة الثقافية ، ثم إن المترجم من الآثار الأدبية الأوربية شعراً ونثراً كان من القلة بحيث لم يترك أثراً يحتذي وينسج على سواله .
فكان لابد لأدباء هذا الطور من الاتجاه إلى الثقافة العربية الأصلية التي كانت المطبعة قد أخذت تقذف بها إلى القـراء ، فقد طبعـت دواوين الشعـراء وكتب الأدب في المشرق وفى الأندلس .
لقد أنجب هذا الطـور شعراء أفذاذاً تمـيز شعرهم بخصيصتين لم تكونا فيمن سبقهـم من الشعراء .
أولاهما : البيان الناصع الذي يعد عنصراً أساسياً من عناصر شعر هذا الطور .
ثانيتهما : المحافظة على النمط العربي المشرق الذي كان يمثله شعراء العربية الكبار أمثال أبي تمام والبحتري والشريف الرضي والمتنبي وابن زيدون وغيرهم
ولوضوح هاتين الخصيصتين فى شعر هذا الطور سماه (الدكتور أحمد هيكل)”الاتجاه البياني المحافظ” وسماه (حنا الفاخوري) “طور التقليد العباسي” .
لقد اتجه شعراء هذا الطور إلى التعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم الخاصة ، ثم التعبير عن واقع أمتهم ومشكلاتها ، وتسجيل الأحداث الكبرى التي وقعت فى زمانهم .
ومن كبار شعراء هذا الطور ، الشيخ ناصيف اليازجي توفى سنة 1871م وإبراهيم بن علي الأحدب توفي سنة 1891م فى لبنان ، ومحمود سامي البار ودي توفي سنة 1904م في مصر .
لقد عني هؤلاء الشعراء عناية خاصة بتحري الدقة في التعبير ، وجزالة اللغة واختيار المعاني الرفيعة والموسيقى العذبة .
يقول د. هيكل في شعر هذا الطور : ( ..كان أسلوباً حيا مشرقا قد اختير للتعبير عن أغراض تشبه أغراض الأقدمين حينا وتختلف عنها في كثير من الأحايين ، على أن الشاعر من أصحاب هذا الاتجاه كان يتخذ من العالم العربي القديم عالماً مثالياً يخفق له قلبه ..إنه عالم الآباء الاماجد ، والتاريخ العريق ، والدولة الإسلامية العربية الغالية ) .
لقد كان لكتاب “الوسيلة الأدبية” للشيخ (حسين بن أحمد المرصفي) توفى سنة 1889م أثر واضح في شعراء هذا الطور بما قدم للشعراء من نماذج شعرية رفيعة ، وبما تناول من شعر البارودي بالتحليل والإشادة ، فهيأ بذلك أذهان الشعراء لهذا الاتجاه الجديد اتجاه البار ودي الذي بعث به الشعر العربي من رقدته في العصر السابق، فرده بذلك إلى روعته البيانية المشرقة، وإلى الإقبال على نفس الشاعر وما يضطرب فيها من أحاسيس وخواطر وما تزخر به من تجارب ، وإلى الاهتمام بقضايا أمته ، وإلى ما يدور حوله .
لقد سيطر هذا الاتجاه على الحياة الأدبية في الوطن العربي كله سيطرة تامة حتى إن الجيل الذي جاء بعد البار ودي من أمثال شوقي وحافظ ومحمد عبد المطلب فى مصر ، وخليل مطران في الشام ومعروف الرصافي وجميل صدقي الزهاوي فى العراق ساروا على طريقة البار ودي ، فقضوا بذلك على الشعر التقليدي قضاء تاماً بحيث اختفي شعر الألاعيب اللفظية والمحسنات البديعية المفرطة المتكلفة وحل محله هذا الاتجاه البياني .

موضوعات الشعر في هذا الطور:

1/التجارب الخاصة للشاعر :

التفت الشاعر إلى ذاته فعبر عما يجول فيها من مشاعر وأحاسيس ، وبخاصة تلك التي تهز أعماقه هزّاً عنيفاً .
ومن التحارب الخاصة التي مر بها بعض الشعراء تجربة النفي عن الوطن ، (فالبارودي) عندما نفي عن مصر إلى سرنديب (حالياً سيري لانكا) بعد فشل الثورة العرابية التي كان قد اشترك فيها ، فاضت نفسه بالآلام الممضة ، واللوعة الحارة ، والحنين الجارف إلى وطنه وأبنائه وبناته الصغار وزوجته .
وعلى الرغم من أن الحنين إلى الأوطان قديم في الشعر العربي فلم يصل شاعر إلى ما وصل إليه البار ودي من روعة التصوير وتدفق العواطف ، وحسبك بشاعر يعاني آلام الغربة سبعة عشر عاماً قضاها في البكاء حتى عميت عيناه والأبيات التالية تصور أثر النفي في نفس البار ودي .
قال :

ولمـا وقفـنا للـوداع وأسبلـت * مدامعـنا فوق الترائب كالمـــزن
أهبت بصـبري أن يعـود فعـزني * وناديت حلمي أن يثوب فلم يغـن
وما هـي إلا خطـوة ثم قطعـت * بنا عن شطوط الحي أجنحة السفـن
فكم مهجة من زفرة الوجد في لظى * وكم مقلة من غزرة الدمع في دجـن
وما كنت جـربت النوي قبل هذه * فلما دهتني كدت أقضي من الحـزن
ولولا بنيات وشـيب عـواطـل * لما قرعت كفى على فائت ســني

وشوقي عانى ، أيضاً ، من مرارة النفي والغربة عن الأهل والوطن ، عندما نفي إلى أسبانيا فقضي أربع سنوات هي سنوات الحرب العالمية الأولي 1914-1918م ، فصور ما كان يحس به من مرارة الاغتراب ، فأنشد أروع قصائده هناك ، يقول فى نونيته المشهورة مصوراً الحنين إلى مصر :

ونابغيّ كأن الحشـر آخـره * تميتنا فيه ذ****م وتحــيينا
جئنا إلى الصبر ندعوه كعادتنا * في النائبات فلم يأخذ بأيدينا

وحافظ (إبراهيم يعاني) التجربة نفسها عندما أرسل مغضوبا عليه إلى السودان وهو أشبه بالنفي فأرسل إلى أصدقائه قصائد تفيض بالشكوى من مرارة الغربة ، بل يصل به الحال إلى أن يسمي السودان ( وادي الهموم ) ، وأنه فيه أشرف على الموت قال :

ولكـني مقــيدة رحــالي * بقيد العدم في وادي الهمـوم
وما غـادرت في السودان قفـرا * ولـم اصــبغ بتـربـته
وهـا أنا بين أنـياب المنايــا * وتحت براثن الخطب الجسيم

2/ الوطن وقضاياه:
اهتم الشعراء في هذا الطور بأوطانهم وقضاياها اهتماماً كبيراً فقد شاركوا أمتهم فى كل ما ألم بها من أفراح وأحزان ، بل إن الحياة السياسية مصورة في شعرهم أصدق تصوير .
فهذا خليل مطران يدعو إلى محاربة الجهل ومحو الأمية ، لأن التعليم هو الذي يرتقي بالأمة، ويجعل حكمها في يدها لا في أيدي الولاة والحكام .
إن يجهل الشعب فالحكم الخليق به * حق العزيزين من وال وسلطان
ويشارك الشعراء شعوبهم في حياتهم الاجتماعية ، وشعر الوطنيات يحتل حيزاً كبيراً في دواوينهم .
وقصيدة (حافظ ابراهيم) التي شارك بها في افتتاح الدار التي أنشئت لرعاية اللقطاء والأيتام ، تعد من روائع الشعر الاجتماعي فقد صاغها في شكل قصة مؤثرة تصور ما تلاقيه هذه الفئة من ظلم المجتمع .
أما شوقي فقد عبر عن مشاركته الأمة العربية في أفراحها وأحزانها عندما قال :
كان شعري الغناء في فرح الشرق * وكان العزاء في أحزانه
أما في السياسة فقد شاركوا فيها مشاركة كبيرة ، فالبارودي اشترك في الثورة العرابية التي نشبت ضد الإنجليز حتى نفي إلى سرنديب .
وأما شوقي فإن ديوانه حافل بالقصائد السياسية ضد الاحتلال الإنجليزي ، ومثله حافظ الذي هاجم اللورد كرومر هجوماً عنيفاً ذلك المستعمر الإنجليزي الذي أهان المصريين واللغة العربية والدين الإسلامي قال:

قضـيت علـى أم اللغـات وإنـه * قضــاء علـينا أو سبيـل إلى الردى
وأودعـت تقـرير الوداع مغامـزاً * رأينا جفـاء الطـبع فـيك مجســدا
غمـزت بهـا دين الـنبي وإنــنا * لنغضـب إن أغضـبت في القبر أحمدا

من القضايا الاجتماعية التي أثيرت في أول هذا القرن ، وأثارت موجات واسعة من النقاش، قضية ( الحجاب والسفور ) التي أثارها قاسم أمين توفى سنة 1908م بكتابيه ( تحرير المرأة ) و( المرأة الجديدة) لقد أثار الكتاب الأول موجه عنيفة من النقد والاحتجاج ، فانقسم الأدباء والشعراء إزاء هذه القضية إلى ثلاث طوائف:
الأولى : المدافعون عن حرية المرأة وسفورها ، ومنهم طه حسين والعقاد وهدى شعراوي ، أول مصرية مسلمة نزعت الحجاب وخرجت سافرة توفيت سنة 1947م .
الثانية : المعارضون لسفور المرأة وخروجها إلى الشارع ، ومن هؤلاء مصطفى صادق الرافعي ، وشيوخ الأزهر ، ومن الشعراء أحمد محرم توفي سنة 1945م الذي قال :

أغرك يا أسمــاء ما طـنّ قاسم * أقيمي وراء الخدر فالمـرء واهــم
تضيقين ذرعاً بالحجـاب وما به * سوى ما جنت تلك الرؤى والمزاعم
سلام على الإسلام في الشرق كله * إذا ما استبيحت في الخدور المحـارم

الثالثة : هي التي وقفت موقفاً وسطاً فتبيح للمرأة أن تخرج في طلب العلم ولكن في حشمة ووقار وحفظ دين وأخلاق .
وقد عبر عن هذه الفئة حافظ إبراهيم في قصيدته القافية :

من لـي بتربية النسـاء فـإنها * في الشـرق علة ذلك الإخفـاق
الأم مدرسـة إذا أعـددتهـا * أعددت شعـباً طيب الأعـراق
الأم أستاذ الأساتذة الأولــى * شغلت مآثرهم مدى الآفــاق
أنا لا أقول دعوا النساء سوافرا * بين الرجال يجلن فـي الأسـواق
كلا ولا أدعوكم أن تسرفـوا * في الحجب والتضييق والإرهـاق
فتوسطوا في الحالتين وأنصفـوا * فالشر في التضييق والإطــلاق
ربوا البنات على الفضيلة إنهـا * في الموقفين لهن خـير وثــاق

3/ استيحاء التراث :
يعد الاهتمام بالتراث الإسلامي والعربي عند شعراء هذا الطور من مظاهر النهضة الشعرية المعاصرة ، وجاء ذلك نتيجة لنشر كتب التراث الأدبية والدينية والتاريخية .
إن من يطلع على شعر هذا الطور يجد استيحاء التراث واضحاً سواء في عناوين القصائد أو في مضامينها ، وكان شوقي أكثر الشعراء حديثاً عن التراث في شعره ، وقصائده في ذلك مشهورة ( الهمزية النبوية) و( نهج البردة) و(مرحباً بالهلال ) و( ذكرى المولد ) . كما يتخلل الحديث عن التراث كثيراً من قصائده ، ففي قصيدته الطويلة المسماة ( كبار الحوادث في وادي النيل ) خصّ العهود الإسلامية في مصر بأكثر من ستين بيتاً ، واستوحى تراث المسلمين في قصيدته (أندلسية ) . أما حافظ إبراهيم فله قصيدة تبلغ 186 بيتاً سرد فيها سيرة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال فيها :

وراع صاحب كسرى أن رأى عمـرا * بين الرعـية عطلا وهـو راعــيها
وعهـده بملـوك الفـرس أن لهــا * سورا مـن الجند والأحـراس تحميها
رآه مستغـرقاً فـي نومـه فــرأى * فيه الجلالــة في أسمـى معانيهــا
وقـال قولـة حـق أصبحـت مثلاً * وأصـبح الجـيل بعـد الجيل يرويها
أمـنت لما أقمـت العـدل بينهــم * فنمـت نـوم قـرير العـين هانيها

4/ قضايا العالم الإسلامي والعربي :
كان النصف الأول من القرن العشرين حافلاً بالأحداث الجسام التي أخذت بخناق العالم العربي والإسلامي .
وإن أول تلك الأحداث الهجمة الصليبية على الدولة العثمانية التي قامت على الإسلام ، فتألفت الجمعيات السرية المشبوهة التي أخذت تنخر في جسد الدولة العثمانية تساعدها اليهودية الحاقدة على الإسلام متدثرة بشعارات الحرية والقومية ثم تدخلت الدول الأوربية الصليبية فقضوا على الخلافة ، وولوا وجه تركيا شطر أوربا فحاربوا الإسلام واللغة العربية حرباً لا هواة فيها ، ولما انتهت الحرب العالمية الأولى سنة 1918م اجتمعوا على البلاد الإسلامية ، واستعمروها ، وأخمدوا كل الثورات التي هبت في وجههم بقوة وشراسة .
لقد عبر شعراء هذا الاتجاه عن كل ذلك تعبيراً صادقاً ، فاشترك البار ودي في حروب تركيا ضد أعدائها ، اشترك بسيفه وقلمه وها هو يصور إحدى هذه المعارك تصويراً حياً .

وضعوا السلاح إلى الصـباح وأقبلـوا * يتكلمــون بألسـن النـيران
حتى إذا ما الصبح أسفـر وارتمـت * عـيناي بين ربـا وبين مجـان
فإذا الجــبال أسـنة وإذا الوهـاد * أعـنة والمـاء أحمـر قــان
وتوجست فـرط الركـاب ولم تكن * لتهاب فامتنعت على الإرسـال

ويفرح شوقي لانتصارات الأتراك على أعدائهم ، فيشبه حروبهم بحروب صلاح الدين الأيوبي ، وقصيدته ( انتصار الأتراك ) تشبه قصيدة أبي تمام في فتح عمورية وزنا وصياغة .
قال:

الله أكبر كم في الفتح من عجـب * يا خالد الترك جدد خالد العرب
حذوت حرب الصلاحيين فى زمن * فيه القتال بلا شــرع ولا أدب
لم يأت سيفك فحشاء ولا هتكت * قناك من حرمة الرهبان والصلب
ولا أزيدك بالإســلام معـرفة * كل المروءة في الإسلام والحسب

ويبكي شوقي سقوط الخلافة العثمانية ، وتبكي معه الأمة الإسلامية ، فبعد الانتصار الساحق للأتراك على أعدائهم الذي فرحت به أمة الإسلام ، قام مصطفى اتاتورك بإسقاط الخلافة ، فكان وقع ذلك على المسلمين شديداً أليماً فقال شوقي :

عادت أغاني العرس رجع نواح*ونعيت بين معـالم الأفــراح
كفنت في ليل الزفـاف بثوبـه *ودفنت تبلـج الإصـــباح
ضجت عليك منابر ومــآذن *وبكت عليك ممـالك ونـواح
الهند والهة ومصـر حــزينة *تبكي عليك بمـدمع سحّـاح
والشام تسأل والعراق وفـارس*أمحا من الأرض الخلافة مـاح ؟
ويواسي شوقي سوريا عندما ضربها الفرنسيون واحتلوها واستعمروها ، قال:

سلام من صـبا بـردى ارق* ودمع لا يكفكف يا دمشـق
ومعذرة اليراعـة والقــوافي* جلال الرزء عن وصف يدق
وللمستعمـرين وإن ألانـوا * قلوب كالحجـارة لا تـرق

*ثانياً : النثر .

إن عوامل النهضة التي ذكرناها من قبل ، والتي كانت قد أخذت تؤتي ثمارها في الشعر العربي ، قد ظهرت آثارها في النثر شيئاً فشيئاً ، وإن المراحل التي مر بها الشعر مر بها النثر أيضاً.

مراحل تطور النثر الفني :

المرحلة الأولى : مرحلة الضعف .

ظل النثر العربي طوال النصف الأول من القرن التاسع عشر نثراً ضعيفاً تقليدياً لم يستطع أن يتخلص من إسار العصر العثماني فكان يرسف فى أغلال السجع والجناس والطباق والتورية، متكلفا في ذلك تكلفاً شديداً . هذا من حيث الصياغة والأسلوب ، أما من حيث الموضوعات فكانت تدور حول الإخوانيات من تهنئة واعتذار وتقريظ ديوان ، فالكاتب لا يعبر عن مشاعره الخاصة ، ولا عما يجول في خاطره من عواطف الحب والحزن ، وإنما يحاكي ويترسم خطا كتاب الدواوين في العصور المتأخرة ، وبخاصة في العصر العثماني ، وهو عصر جمدت فيه الحياة الأدبية في الشرق ، جموداً يكاد يكون تاماً لولا إشعاعات أضاءت تلك الظلمات أوقدها رجال علماء ، أمثال : عبد القادر البغدادي والإمام الشوكاني ، ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم .
إن الحكام الأتراك كانوا بعيدين عن اللغة العربية وآدابها لا يفهمونها ولا يتذوقونها ، بل تعصبوا ضدها ، وفرضوا لغتهم فرضاً ، وعاقبوا كل من يتكلم اللغة العربية من طلاب المدارس حتى خارج حجرات الدراسة ، وظل هذا الحال حتى عهد محمد على وأبنائه ، حكى الشيخ محمد المهدي ، وهو أديب عاصر تلك الفترة قال : ( كانت اللغة العربية مضطهدة في عهد عباس الأول إلى حد أن من يتكلم بها من طلبة المدارس الحربية توضع في فمه العقلة التي توضع في فم الحمار حينما يقص ، ويبقى كذلك نهاراً كاملاً عقوبة له على تحرك لسانه بلغة القرآن في أثناء فسحته ) .
ومن نماذج النثر في هذه المرحلة رسالة وجهها الشيخ على أبو النصر توفى سنة1881م إلى أحد أصدقائه : ( إن أبهى ما تسر به نفوس الأحبة ، وأبهج ما يستضاء بنوره في دياجي المحبة ، دون ما رسمه يراع المشوق ، وأبدعه مما يحسن ويروق ، تشوقاً إلى اقتطاف ثمرات المسامرة ، وتشوقاً إلى أبيات بمحاسن البديع عامرة ) وهو كما ترى نثر متعلق بأنواع البديع مرصوف رصفاً خال من حرارة العاطفة .

المرحلة الثانية : الانتقال من الضعف إلى القوة .
كانت عوامل النهضة ، وبخاصة عودة المبعوثين من أوربا ، وطباعة كتب التراث شعراً ونثراً ، ونشرها ، وإقبال الأدباء عليها ، أدى كل ذلك إلى أن يتخلص النثر من تلك القيود ويحاول النهوض من كبوته ، فظهرت آثار ذلك في كتابات بعض الأدباء ، وخاصة في الموضوعات الديوانية ، والكتابة الديوانية كتابة رسمية من خصائصها صياغة العبارة صياغة محكمة خالية من السجع والتكلف .
ولما كانت الدواوين قد عربت من التركية إلى العربية ، فقد أحدث ذلك تغييراً في أساليب الكتابة ، فوجد لونان من ألوان النثر ، أحدهما ديواني محكم الصياغة بعيد عن الألاعيب اللفظية. وثانيهما : إخواني تكثر فيه الأصباغ البلاغية .
وخير من يمثل هذا الازدواجية الأسلوبية الشيخ عبد الله فكري توفى سنة 1889م ، قال عنه د. أحمد هيكل : ( يكتب كتابات إخوانية بطريقة ، ويكتب كتابة ديوانيه بأخرى ، فهو حين يكتب في المسائل الإخوانية يجنّس ويسجّع ، ويتكلف ما يتكلفه هؤلاء التقليديون ثم هو حين يكتب في المسائل الرسمية يتبسط ويترسل ).
ومن نماذج النثر في فترة الانتقال هذه نموذجان من كتابات عبد الله فكري ، أحدها تقرير رسمي قدمه إلى أحد رؤساء الوزارات في القرن الماضي عن مؤتمر حضره في أوربا .
( ثم أشير إليّ فقمت وأنشدت قصيدة كنت أعددتها لذلك بعد ارتحالنا من باريس .. وخاطبني أناس باستحسانها .. وخطب بعد ذلك أناس منهم المسيو شفر وافد فرنسا ..ثم قام الملك وودع الحاضرين وصافح البعض وصافحنا ..وانقضت الحفلة ، وارفضت الجمعية ) .
يلاحظ في هذا التقرير خلوه من السجع والمحسنات ، وأن ألفاظه جاءت على قدر المعاني، وهكذا تكون كتابة التقارير .
أما النموذج الثاني ، فهو للكاتب نفسه عندما كتب إلى رئيس تحرير جريدة الوقائع المصرية مقرظاً ، قال : ” لابد أن كل من عرف التمدن ، وشَمَّ عرف التفنن ، وأخذ بنصيب من الفهم والتفطن ، كان أحب شيء إليه ، وأحب أمر لديه أن يكون مطلعاً على وقائع مصره، عارفاً بما تجدد بين بني عصره من حوادث الزمان ، وعجائب عالم الإمكان ” .
إن الكاتب هنا عندما اتجه إلى الكتابة الإخوانية جنح إلى السجع ( عرف ، عرْف / مصره وعصره ) وإلى الاستعارة ( شمّ عرف التفنن ) .

المرحلة الثالثة : مرحلة التجديد والأصالة .

خرج النثر من المرحلتين السابقتين ناضجا مستوياً ، تخلص من كل القيود التي كبلت خطوه ، فكان أثر عوامل النهضة فيه واضحاً ، وأثر الصحافة على الخصوص ، بل يعزى ارتقاء النثر إلى ظهور صحيفة ( الوقائع المصرية ) ، وهي صحيفة تعني بشئون البلاد ، أنشأها محمد على سنة 1828م ولعلها أول صحيفة تنشأ في الوطن العربي .
ولما كانت الكتابة الصحفية لا تحتمل أثقال المحسنات البديعية كان على الكتاب والمحررين أن يلجئوا إلى النثر السهل المترسل والكتابة غير المتكلفة .
من أوائل الذين تولوا الكتابة في ( الوقائع المصرية ) ، رفاعة الطهطاوي ، والشيخ حسن العطار وأحمد فارس الشدياق ومحمد عبده .

*موضوعات النثر الحديث :
تناول النثر عديداً من الموضـوعات في شتى مجالات الحياة من اجتماعية وسياسية وإخوانية .
فمن الموضوعات التي تناولها النثر :

1/ الدفاع عن الشعوب المستعمرة :
سواء أكان ذلك الاستعمار أجنبياً مثل استعمار الإنجليز لكثير من بلاد المسلمين ، أم كان حكماً تركياً استبداديا ، فتولى النثر إثارة حماسة تلك الشعوب ضد مستعمريها وظالميها ودفعهم للتخلص من ذلك الاستعمار البغيض .
ومن نماذج هذا النوع ما كتبه محمد عبده توفى سنة 1905م يستنهض الشعوب العربية المستعمرة لتندفع في شجاعة وبسالة لتأخذ حقها عنوة ممن سلبوها حقها في الحرية والكرامة كتب محرضاً ( إني لأتعجب ، وكل ذي إحساس يتعجب ، من سكان الديار المصرية ، والأتراك والحجازيين واليمانيين ألاّ يوجد بين هؤلاء فتى يشمر عن ساعده ويتقدم بصدره إلى هذا الوزير الأرمني .. فيكشف له وللمغرورين من أمثاله حقيقة الوطنية ؟ ! لا حول ولا قوة إلا بالله ، إن المولعين بحب الحياة يتجرعون مرارات الموت في كل لحظة خوفاً من الموت ) .

2/ الدعوة إلى تحكيم الشورى :
إن استبداد الحكام بحكم البلاد دون إشراك أهلها في أمورها العامة والخاصة يؤدي إلى الفساد السياسي والخمول الاجتماعي ، ورأي الجماعة أقوى من رأي الفرد ، لذلك دعا النثر إلى تحكيم الشورى ، قال جمال الدين الأفغاني ناصحاً توفيق باشا أحد حكام مصر من أسرة محمد على و داعياً له أن يأخذ بالشورى : ( وإن قبلتم نصح هذا المخلص ، وأسرعتم في إشراك الأمة في حكم البلاد عن طريق الشورى ، فتأمرون بإجراء انتخابات نواب الأمة لتسن القوانين وتنفذها باسمكم وإرادتكم ، يكون ذلك أثبت لعرشكم وأدوم لسلطانكم ) .

3/ الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي :

ظلت الشعوب العربية ترزح تحت وطأة الفقر ردحاً طويلاً من الزمن ، كان الحكام فيه يستغلون الفلاحين والعمال أسوأ استغلال .
كما أن الجهل من أسوأ الأمراض الاجتماعية ، فهو العش الذي تعشش فيه الخرافات ويشيع الدجل والشعوذة فيلجأ فيه المواطن ، لجهله ، عندما تحل به مشاكل الحياة يلجأ إلى السحرة والدجالين ، فيزداد مرضاً على مرض ، وفقراً على فقر . ومما زاد من فقر الشعوب المعاملات الربوية التي يتعامل بها الأغنياء مع المزارعين لجهلهم ،وقد صور عبد الله النديم توفى سنة 1896م ذلك تصويراً صادقاً يبين للفلاحين ما هم فيه من جهل ، وما يعانون من فقر قال: “ذهب المزارع إلى المرابي ليقترض مائة جنيه بفائدة قدرها عشرون في المائة فقال المرابي : حسنا سأخصم من المائة عشرين فتستحق ثمانين جنيهاً ، وأضيف الفائدة وقدرها عشرون جنيها فيكون الدين مائة وعشرين جنيهاً، ووافق الفلاح لجهله بالحساب ، وبذلك أخذ ثمانين جنيهاً ليسددها مائة وعشرين ، وحين السداد جاء الفلاح بكل ما أنتجته أرضه فاشتراه المرابي بأبخس الأثمان” .

4/ الوحدة الوطنية :
في الوحدة الوطنية تتمثل قوة الأمة وتماسكها أمام الأزمات، لذلك يحرص الحكام والأدباء، والشعراء على صيانة هذه الوحدة وتأكيدها مستخدمين فى ذلك كل الوسائل من قوانين وصحف وقد أسهم النثر العربي الحديث فى هذه القضية مدافعاً عنها نافياً ما يدعيه خصوم الأمة من تعصب المسلمين على النصارى ، كتب الشيخ على يوسف توفي سنة 1913م مبيناً أنه لا يوجد خلاف أو تعصب ضد غير المسلمين : ( قالوا إن المصريين متعصبون تعصباً دينياً ، ومعنى هذا عندهم أنهم يكرهون المخالفين لهم في الدين كراهية عمياء ويعتدون عليهم بروح البغضاء المتناهية ..ولكن كيف وفى البلاد من قديم الزمان أديان مختلفة يتجاور أهلوها في المنازل ويتشاركون في المرافق ..فلم تكن بين المسلمين والأقباط تلك الروح الشريرة .. وقد وفد على القطر المصري وفود من كل الطوائف المسيحية شرقية وغربية ، ومن أرمن وأروام وسوريين وفرنساويين وطليان وإنجليز ونمساويين وأمريكيين ومن بروتستانت وكاثوليك وأرثوذكس وغير ذلك من علماء وتجار وصناع وعمال وهمل مشردين ، فلقي الكل في مصر صدراً رحباً وكان منهم المظفون فى كل مصلحة حتى تولى نوبار باشا الأرمني رئاسة النظار في مصر ) .

*خصائص للنثر في هذه المرحلة :

يمكن إجمال خصائص النثر في الآتي :

1/ تقصير الجمل ، بحيث أصبحت الجملة الواحدة مختصة بأداء معنى واحد ، ولم يعبر عن المعنى الواحد بجمل متعددة .
2/ ترك المبالغة ، واجتناب الزخارف اللفظية .
3/ السهولة والوضوح ، لأن الصحف وقراءها لا يسيغون الغموض والتعقيد الذي يبعد بالمقال عن هدفه.
4/ اختيار الألفاظ الجملية المتأنقة ذات الموسيقي التي تمتع القارئ وتجذبه.

مجالات النثر الحديث

أولاً : الخطابة .

أ/ الخطابة السياسية :
إن إنشاء الجمعيات الأدبية والسياسية والثورة العرابية ساعدت على نشوء هذا النوع من الخطابة ، وأشهر الخطباء السياسيين في مصر مصطفى كامل ، وسعد زغلول وعبد الله النديم .

ب/ الخطابة الاجتماعية :
إن الحالة الاجتماعية السيئة التي كانت تعيش فيها الأمة العربية آنذاك دعت الخطباء إلى أن يتجهوا إلى معالجة الموضوعات الاجتماعية ، فاتخذت الخطابة وسيلة لبث أفكار الإصلاح والدعوة إلى حياة أفضل .

ج/ الخطابة الدينية :
ظلت الخطابة الدينية على ما كانت عليه فى العصور الماضية حتى ظهرت الجمعيات الإسلامية التي حركت الخطابة الدينية من ركودها إلى خطابة حية تناقش القضايا التي تهم الأمم الإسلامية من مثل التوجه نحو الإسلام ، وتحكيم الشريعة ، واتخذت من منابر المساجد ، ومنصات الجمعيات أماكن لصولاتها .

ثانياً : المقالة .
لم يعرف الأدب العربي هذا النوع من النثر ، والمقالة شبيهة بالرسالة كما عرفت عند الجاحظ وابن المقفع وأبي العلاء المعري ، شبيهة بها من حيث تناولها موضوعا محدداً فى صورة مركزة ، والموضوع الذي تتناوله الرسالة يتصل بقضية من القضايا الحية التي تشغل المجتمع ، ويتجه فيها الحديث نحو الجماعة . نشأت المقالة مع نشوء الصحيفة التي جاءت من أوربا مع الحملة الفرنسية .
لقد أسهمت حركة الترجمة الواسعة التي تمت فى القرن التاسع عشر ، وانتشار الصحف وتنوع مجالاتها ، وتوجيهات جمال الدين الأفغاني أسهمت كل تلك في إرساء دعائم هذا النوع من النثر الفني الجديد .
تتنوع أساليب كتابة المقالة حسب ثقافة كاتبها ، وحسب الموضوع المتناول فالكاتب ذو الثقافة الفكرية يغلب على أسلوبه الجانب الذهني ، والكاتب ذو الثقافة الفنية يغلب على أسلوبه التصوير والخيال ، واستخدام الأدوات الفنية ، والكاتب ذو الثقافة العلمية يغلب على أسلوبه الجمل القصيرة المحددة ، واستخدام المصطلحات العلمية والإحصاءات الرياضية .

*أساليب الكتّاب في القرن العشرين :

قام الدكتور أحمد هيكل بتحليل واستخلاص خصائص ومميزات خمسة من أشهر الكتاب من القرن الماضي في مصر .

أ/ طريقة طه حسين :
هي طريقة (التصوير المتتابع) هذا الكاتب يغلب على أسلوبه التصوير بالألفاظ والجمل وتقديم المشاهد المتتابعة ، ويعتمد أسلوبه على الجمل القصار .وإيراد تلك الجمل أو بعض أجزائها فيما يشبه التكرار ومن أهم وسائل طه حسين استخدام الروابط ..كحروف الجر فى وفرة وتنوع وتقابل . ثم هناك سمات أخرى منها استخدام طائفة من ( اللازمات) في البدء والانتقال كقوله (ليس من شك) و(مما لاشك فيه) و(مهما يكن من أمر ) و(وأكبر الظن).

*نموذج من طريقته قال عن شيء ما :
( تستطيع أن تسميه كذا ، وتستطيع أن تسميه كيت ، وأنا زعيم لك بأنه ليس كذا وليس بكيت ، وإنما هو شيء آخر غير كذا وغير كيت جميعاً ) .

ب/ طريقة العقاد ( طريقة التعبير المحكم ) :
يعمد العقاد إلى التعبير عما عنده بألفاظ وجمل محكمة ، فيها الدقة ، وفيها القصد ، وفيها التركيز ، وفيها دسامة الزاد قبل أن يكون فيها رونق الشكل ، فلا إفراط فى المقدمات ولا لجوء إلى التكرار سواء بالكلمة أو الجملة ، لأنه لا محل لشيء من ذلك وإنما المحل الأول لإعطاء أوفر معان وأغزر أفكار ..
على أن الغالب على ذلك الأسلوب الإبانة والإفصاح ، ومن سمات هذه الطريقة المميزة استخدام التذييلات الضابطة والاحتراسات المحققة ، ومن سماتها أيضاً الميل إلى التفصيلات المنطقية لا اللفظية ، والمقابلات العقلية لا البديعية ، ومـن سماتها أيضـاً الابتعاد عن الزخرف بكل ألوانه .
*نموذج من طريقته : من مقال بعنوان ( الألم واللذة ) ( … أما أن الألم موجود في هذه الدنيا فمما لا يختلف فيه اثنان ، وأما إنه فوق ما تقبله النفوس فمما لا يختلف فيه إلا القليل ، وأما أنه نافع أو غير نافع ، ومقدم للحياة أو مثبط لها فذلك مما يختلف فيه الكثيرون ) .

ج/ طريقة الرافعي ( طريقة البيان المقطّر) :
لأنه يميل في أسلوبه إلى الناحية البيانية ، ويهتم في المقام الأول بجمال الصياغة ، وروعة الديباجة ، هو بيان فيه بعد وتركيب وجهد حيث يميل صاحبه إلى اعتصار المعاني وتوليد الأفكار ، ومزج الخواطر من خلال مجازات مركبة واستعارات بديعة ، وكنايات خفية فيأتي بيانه آخر الأمر أشبه بعملية تقطير ألوان من الزهور المعروفة ، والورود المألوفة ، والرياحين الشائعة لاستخلاص عطر مركب مركز غريب ، فيه جمال ، ولكن ليس فيه بساطة .
من خصائص طريقة الرافعي .. أنها تستلهم المعجم القرآني والسني والتراثي حيث يتكئ في كثير من المواطن على لفظة أو عبارة من القرآن الكريم أو على كلمة أو جملة من الحديث الشريف ..يميل أسلوب الرافعي إلى استخدام بعض البديع ولكن فى اقتصاد .قال : ( لم يعرف التاريخ غير محمد رسول أفرغ الله وجوده في الوجود الإنساني كله كما تصب المادة في المادة لتمتزج بها فتحولها ، فتحدث منها الجديد ، فإذا الإنسانية تتحول به وتنمو وإذا هو وجود سار فيها ، فما تبرح الإنسانية تنمو به وتتحول ).

د/ طريقة الزيات : (طريقة البيان المنسق ):
إن هذا الكاتب يميل أولاً في أسلوبه إلى الناحية البيانية ويجعلها في المحل الأول ، ثم إنه ثانياً لا يعمد إلى البيان البسيط أو البيان المركب ، وإنما على البيان الذي يقوم على التنسيق والهندسة ، فالجملة فيه تعادل الجملة ، بل الكلمة تعادل الكلمة ، والفقرة توازي الفقرة ، حتى يتألف من الكلمات والجمل والفقرات لوحات بيانية تتقابل خطوطها ، وتتعادل مساحاتها ، وتتوازن ألوانها .
والزيات يهتم لتحقيق ذلك باستخدام ألوان من المحسنات ولكن في مهارة فائقة .. وبعض هذه المحسنات يأتي به لتحقيق التجانس الصوتي كالسجع والجناس وبعضها يأتي به لتحقيق التناسق المعنوي كالمقابلة والطباق . وهكذا يحس قارئ مقالة الزيات أنه أمام هندسي مصمم مقسم مهندم .

*نموذج من مقال بعنوان ( أوربا والإسلام ) :
( شيع الناس بالأمس عاماً قالوا : إنه نهاية الحرب واستقبلوا عاماً يقولون إنه بداية السلم، وما كانت تلك الحرب التي حسبوها انتهت ، ولا هذه السلم التي زعموها ابتدأت إلا ظلمة أعقبها عمى ، وإلا ظلاماً سيعقبه دمار ) .

هـ/ طريقة المازني : ( طريقة الأداء المصري ) :
إن هذا الكاتب يميل في أسلوبه إلى أن يؤدي مشاعره وأحاسيسه وأفكاره وانطباعاته بروح مصرية ، وبلغة فيها ظلال لغة المصريين ، فهو يميل إلى الدعابة ، والسخرية وإبراز المفارقات مما عرفت به الروح المصرية في تناولها للأشياء ثم هو يعمد إلى البساطة واليسر في التعبير .. وهو يؤثر من هذه وتلك ما له رصيد نفسي مصري وإشعاع شعبي غني ما دامت الفصحى لا تنكرها ، والعربية السليمة لا ترفضها ، وبرغم هذا الأداء المصري في طريقة المازني فقد كان غالباً ، لا يتورط في إهمال قواعد اللغة أو اللجوء إلى الألفاظ والتراكيب العامية .

*نموذج من طريقته من مقال بعنوان ( بين القراءة والكتابة ) .
(مضت شهور لم اكتب فيها كلمة في الأدب ، لأني كنت أقرأ والقراءة والكتابة عندي نقيضان ، وقد كنت ، ومازلت ، امرءاً يتعذر عليه ، ولا يتأتى له أن يجمع بينهما فى فترة واحدة ولكم أطلت الفكر في ذلك ، فلم يفتح الله عليّ بتعليل يستريح إليه العقل .. وما أظن إلا أن الله ، جلت قدرته قد خلقني على طراز ( عربات الرش) التي تتخذها مصلحة التنظيم ، خزان يمتلئ ليفرغ ويفرغ ليمتلئ ، وكذلك أنا فيما أرى ، أحس الفراغ في رأسي، وما أكثر ما أحس ذلك ، فأسرع إلى الكتب ألتهم ما فيها ، وأحشو بها دماغي الذي خلقه الله خلقة عربات الرش كما قلت ، حتى إذا شعرت بالكظة ..رفعت يدي ..فلا ينجيني منه إلا أن افتح الثقوب وأسح ) (1) .

ثالثاً : المسرحية .
المسرحية قصة تمثل أمام الجمهور على مسرح ، والمسرح بناء من الخشب أو غيره مرتفع . يقوم بالتمثيل أشخاص يدور بينهم حوار يؤدي مفهوم القصة الممثلة ، والحوار في المسرحية عنصر من عناصرها الأساسية . تحاط المسرحية بالجو الذي دارت فيه القصة مكاناً وزمناً من حيث أنواع المساكن والملابس وسلوك وعادات الأشخاص الذين يمثلون العصر والمكان ، وحتى أساليب المعيشة تمثل كما جرت في زمن المسرحية .
إن مصطلح ( المسرحية ) ترجمة عربية لكلمة ( دراما) ، وهي مرادفة أيضا لكلمة تمثيلية .

*للمسرحية القديمة ثلاثة أركان لا تتم إلا بها وهي :
1/ المقدمة : التي تمهد لما سيحدث من أحداث وأن تؤدي بالأحداث إلى عقدة القصة.
2/ العقدة : هي القمة التي تصل إليها الأحداث بحيث تنعقد وتشد المشاهد ، وتجعله يتوتر ويفكر فيما ستنتهي إليه الأحداث .
3/ الحل : يأتي بعد ذلك الحل الذي يزيل التوتر وينهي الصراع . لقد ظهرت المسرحية في الأدب العربي بعد مجيء نابليون إلى مصر ، ولم تكن معروفة قبل ذلك .

وأول مسرحية عربية هي المسرحية التي ترجمها عن الإيطالية عبد الله أبو السعود توفى سنة 1878م ، ثم ترجم مارون النقاش توفى سنة 1885م مسرحية (البخيل) للأديب الفرنسي موليير .ولما أطــل القـرن العشرون ظهرت المسرحية العـربية الأصيلة.

رابعا : الرواية .

الرواية فن حديث ، دخل الأدب العربي مع الثقافة الأوربية وهي قصة طويلة تستغرق كتاباً كاملاً تتناول موضوعاً من موضوعات الحياة وتعرضه فى مساحة زمنية واسعة ، وتتعدد الشخصيات في الرواية ، وتتعدد الأمكنة والأزمنة ، ويصور كل ذلك تصويراً دقيقاً مشوقاً .
وإن أشهر نموذج للرواية العربية المعاصرة هي روايات نجيب محفوظ (السكرية ) و( بين القصرين ) و (قصر الشوق) التي صورت الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر .

*خــــاتـــــــمــــة:

عرف الأدب العربي الحديث تطور مشهوداً صاحبه ظهور عدت فنون أدبية شعرية ونثرية كالمسرحية والرواية و القصة……ويعود الفضل في ذلك إلى عدت شخصيات أدبية ساهمة في هذا التطور بإبداعاتها واجتهاداتها ونذكر منهم كل من ” طه حسين ، العقاد ، أحمد شوقي ، توفيق الحكيم ، ايليا أبو ماضي ، جبران خليل جبران ، ميخائيل نعيمة ، أحمد أمين ، حسين هيكل ، البشير الإبراهيمي ، سامي البارودي ، نجيب محفوظ ، محمود درويش ، نازك الملائكة ، نزار قباني ……..” .

المـصـادر و المـراجــع

1/د.وداعة محمد الحسن وداعة : الآداب والنصوص والقراءة عبر العصور ، مجلس
الشهادة الثانوية العالمية ، مصر ، 2022م.

2/حسين سيد أحمد الناطق : الأدب العربي في القرن العشرين ، دار الفكر ، مصر ، 1997م.

3/موقع : المقهى الأدبي العربي على شبكة الأنترنت.


merc///////////////////////////i

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

الاقتباس غير متاح حاليا
شكرا لك على المجهودات

تعليم_الجزائرالاقتباس غير متاح حاليا

التصنيفات
لغــة وأدب عربي

قضية الاعراب بين القدماء والمحدثين


اللغة العربية تعتمد على الإعراب – كوسيلة لإقامتها – كما فهِم اللغويون، والإعراب هو دال على المعاني، وإنّه حركة داخلة على الكلام بعد كمال بنائه[1]. والإعراب يدخل على آخر حرف في الاسم المتمكن والفعل المضارع، وذلك الحرف هو حرف الإعراب، وفي بعض الكلام ضرورة دعت إلى جعل الإعراب حرفاً، وذلك في تثنية الأفعال المضارعة وهي؛ يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلين. ورأى سيبويه أنّ ذلك الحرف يسمى حرف الإعراب، وآخر حرف في هذه الأفعال النون، فلو جعلت النّون حرف الإعراب لوجب ضمّها في حال الرّفع، وفتحها في حال النصب، وكان يلزم من ذلك أن تُسكّن في حال الجزْم[2]. وكما قال ابن فلاح”في المغني”[3]: اختلف في حقيقة الإعراب، فذهب قوم :إلى أن الإعراب معنىً، وذهب ثاني: إلى أن الإعراب عبارة عن الحركات وهو الحق، وذهب ثالث: إلى أنها حركات الإعراب، لأن الحركة إن حدثت بعامل فهي للإعراب، وقال غيره: في الإعراب مذهبان؛- أحدهما: أنه لفظيٌّ وهو اختيار ابن مالك، ونسبه إلى المحققين، والثاني: أنه معنويّ، والحركات إنما هي دلائل عليه، هو ظاهر قول سيبويه، وهذا الرأي هو ما تميل الباحثة إليه. ومعنى الإعراب هو قد تزول الحركة في الوقف مع الحكم بالإعراب بالتغيير والاختلاف لذلك الحادث بالعامل هو الإعراب[4] أي أنه منقول من الإعراب الذي هو البيان وأنه منقول من إعراب الرّجل إذا تكلم بالعربية والمتكلم بالإعراب موافق للغة العربية وأماّ المتكلم بغير الإعراب غير متكلم بالعربية[5]. وكما قال ابن مالك في “شرح التسهيل”: الإعراب عند المحقّقين من النحويين عبارة عن المجعول آخر الكلمة مبنيّاً للمعنى الحادث فيها بالتركيب من حركة أو سكون أو ما يقوم مقامها، وذلك المجعول قد يتغيّر لتغيّر مدلوله وهو الأكثر كالضمة والفتحة والكسرة[6] . واتفق النحاة على غرض الإعراب إنما يدخل لمعانٍ تعتورُ الحركات والعرب قد نطقت به زماناً غير معربٍ، ثم أدخلت عليه الإعراب[7]. وقد أجاز بعض النّاس أن تكون العرب نطقتْ أولاً بالكلام غيرَ معرب، ثم رأت اشتباه المعاني فأعربته، ثم نقل معرباً، فتكلمّ به[8]. وهناك السؤال في أن الإعراب لِمَ دخل في الكلام؟ فالجواب أن يقال : إنّ الأسماء لما كانت تعتورُها المعاني وتكون فاعلة ومضافة ومضافاً إليها، ولم تكن في صُوَرها وأبنيتها أدلة على هذه المعاني، بل كانت مشتركةً جعلت حركات الإعراب فيها تنبيء عن هذه المعاني[9]. وهذا قول جميع النحويين إلا أبا عليٍّ قطرباً، فإنه عاب عليهم هذا الإعتلال، وقال: لم يعرب الكلام للدلالة على المعاني، والفرق بين بعضها وبعض لأناّ قد نجد في كلامهم أسماء متفقة في الإعراب مختلفة في المعاني، وأسماء مختلفة افعراب متفقة المعاني[10]. وحركات الإعراب هي الرفع والنصب والجر والجزم في آخر الكلمة في مثل “زيدٌ مجتهدٌ ومررت بزيدٍ وضرب عمرو زيداً. فالذال في كلمة “زيد” يغير بسبب شيء. وهذا السبب من العامل. والعامل هو الذي يؤثر على كلمة “زيد” ففي مثل “زيدٌ مجتهدٌ”، فـ”زيد” يرفع بالضمة وعامله الابتداء وهذا عند البصريين. وأمّا الكوفيون فيرون أنّ “زيد” يرتفع بالخبر أي مجتهدٌ[11]. وكذلك في المثل الثاني “مررت بزيدٍ” فكلمة مررت والباء هما العاملان المؤثران في زيدٍ بالكسر. والمثال الثالث “ضرب عمرو زيداً” فالعامل هو ضرب وعمرو يؤثر على زيداً بالفتحة. وقد قسّم النحاة القدامى فكرة العامل في النحو العربي على ثلاثة أقسام متضامة بعلاقة المعنى، وهي:- العامل والمعمول والعمل[12]. والعامل كما ناقشنا سابقاً هو المؤثرِّ في المعمول. فالمعمول هو ما يؤثر فيه العاملُ. وفي الأمثلة السابقة “زيدٌ وبزيدٍ وزيداً” معمولات تأثرت بالعوامل هي الابتدأ ومررت والباء وضرب وعمرو. وقسّم النحاة العامل إلى اللفظي والمعنوي. فالعامل اللفظي نحو: مررت بزيدٍ، فكلمة مررت والباء هما العامل اللفظي يؤثران على زيدٍ بالكسرة لفظياً وليس معنوياً. وأما العامل المعنوي فهو ما لا يُنظر ولا يُلمس، نحو: زيدٌ مجتهدٌ يُرفع بالابتداء، والابتداء هو العامل المعنوي غير الملموس. وكذلك قسم النحاة المعمولات إلى قسمين؛ معمول لفظي ومعمول معنوي، فالمعمول اللفظي، نحو: زيدٌ مجتهدٌ يتأثر بالإبتداء وتأثيره لفظياً ملموساً بالضمةز وأما المعمول المعنوين فهو نحو: “الصابئون” في الآية ) إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى مَنْ آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون( [13] . فـ “الصابئون” رفع على موضع “إنّ” لأنه قبل تمام الخبر[14]. والعمل هو نتيجة أو دوال النسبة في عملية العوامل والمعمولات. وقسّم النحاة العمل إلى أربعة أقسام، وهي الضمة (-ُ) في مفرد وجمع التكسير، الواو والنون في جمع المذكر والملحق به، الواو في الأسماء الخمسة، الألف في المثنى والملحق به. والنصب قسم إلى ثلاثة أقسام، النصب (-َ) في المفرد وجمع التكسير، الياء والنون في جمع التكسير والملحق به، والمثنى والملحق به، الألف في الأسماء الخمسة. والجر قسم إلى قسمين، الجر (-ِ) في المفرد وجمع التكسير، الياء والنون في جمع التكسير والمثنى والملحق بهما. والجزم، بالسكون وحذف حرف العلة وحذف حرف من الأفعال الخمسة.

يتضح لنا أن سيبويه على إدراك بالعوامل في كتاب يصل إلينا. وهو لا يعلل النحو بعلل غير وجودية أو استخداما تجرديا بل هو أوّل من أثبت العامل في النحو العربي وفكرته في كتابه “الكتاب” بعلل وجودية كما قوله “وإنما ذكرت لك ثمانية مجارٍ لأفرق بين ما يدخله ضَربٌ من هذه الأربعة لِمَا يحدث فيه العامل- وليس شيء منها إلا وهو يزول عنه- وبين ما يُبنى عليه الحرف بناء لا يزول عنه لغير شيء أحدث ذلك فيه من العوامل، التي لكل عامل منها ضَربٌ من اللفظ في الحرف، وذلك الحرف حرف الإعراب”[15]. ومن هذا القول يقسم العوامل إلى ثلاثة أقسام وهي؛ ما كان العامل لفظاً من الألفاظ بقوله “ما يدخله ضربٌ من هذه الأربعة لِمَا يحدث فيه العامل وليس شيء منها إلا وهو يزول عنه[16]. أي نوع العامل اللفظي أربعة أنواع؛ أولا الرافع، والناصب، والجار، والجزم. فذكر بعض الأمثلة منها وهي؛ يفعلُ في حالة الرفع، ولن يفعلَ في حالة النصب، ولم يفعلْ في حالة الجزم، وفي حالة الجر “مررت بزيدٍ” فالبا يؤثر على “زيدٍ”[17]. وقد ذكر سيبويه في موضع آخر أن في مثل “دخلتُ البيتَ” العامل هو الفعل دخل. وأماّ الثاني فذكر سيبويه في مثل “سقياً ورعياً” أنه ينتصب على إضمار الفعل، فهذا يدل على أنّ الفعل في تصوّره هو العامل وإن كان شيئاً مقدّر كما في قوله “وإنما ينصب هذا وما أشبهه إذا ذُكرَ مذكور فدعوت له أو عليه، على إضمار الفعل، كأنك قلت “سقاك الله سقياً” و “رعاك الله رعياً”[18]. والثالث، هو العامل المعنوي كما فهمنا من قوله ” ما يُبنى عليه الحرف بناء لا يزول عنه لغير شيء أحدث ذلك فيه من العوامل، التي لكل عامل منها ضَربٌ من اللفظ في الحرف، وذلك الحرف حرف الإعراب”[19] أي ما كان العامل ليس له صورة ظاهرة ملموسة في مثل “زيدٌ كم مرّة رأيته”ن وذكر سيبويه أن العامل في “زيد” هو الابتداء.

وترى الباحثة أنّ ابن جني من علماء اللغة أنّه يعلل بالعامل الواجب أي بالعلة الحقيقة فقال “إعلم أنّ علل النحويين – وأعني بذلك حذّاقهم المتقنين، لا ألفافهم المستضعفين – أقرب إلى علل المتكلمين، منها إلى علل المتفقهين، وذلك أنهم إنما يحيلون على الحسّ، ويحتجّون فيه بثقل الحال أوخفّتها على النفس، وليس كذلك حديث علل الفقه”[20]. ومن هنا تأملت الباحثة رأي الأستاذ قطرب المستنير حينما تكلم في إنكار أنّ اللغة العربية قد اعتمدت على العلامات الإعرابية[21] كما قوله “وجود أسماء متفقة في الإعراب مختلفة في المعاني، وأسماء مختلفة في الإعراب متفقة في المعاني.

ويمكن القول بأن ابن مضاء تأثر بهذين رأيين لا سيما رأي ابن جني عند ما قال في كتابه الردّ على النحاة “هو المتكلم” لأن العوامل النحوية لم يقل بعملها عاقل، لا ألفاظها ولا معانيها لأنها لا تفعل بإرادة[22]. وهذا القول قريب بقول ابن جني أنّ المتكلم بنفسه هو العامل[23]. ويتسآل ابن مضاء عن “الفاعل” لماذا وبماذا يُرفع؟ هل بسبب أنّ العرب نطقت به سليقةً؟ وتسآل أيضاً “فلماذا لم تُعْكَسْ القضية بنصب الفاعل ورفع المفعول؟ وأجاب ربما ذلك لأن الفاعل قليل لأنه لا يكون للفعل إلا فاعل واحد، والمفعولات كثيرة، فأعطى الأثقل الذي هو الرفع للفاعل، وأعطى الأخف الذي هو النصب للمفعول، لأن الفاعل واحد، والمفعولات كثيرة، ليقلّ في كلامهم ما يستثقلون، ويَكْثُرُ في كلامهم ما يستخفون”[24]. وبعد ذلك قسّم الإعتراض على التقدير إلى ثلاثة؛ القسم الأول هو ما لا يتم الكلام إلا به، وأنّ حذفَها أوجزُ وأبلغُ نحو “سقيا”. والقسم الثاني هو محذوف لا حاجة بقولٍ إليه بل هو تام بدونه في مثل “أزيداً ضربته” ويقول أن هذه الجملة لا دليل عليها. ويقول أنه مرفوع إذا كان مبتدأ ومنصوب على أنه غير مبتدأ، وجاء باقتراح أنّه إنْ روعي المرفوع رُفع وإن روعي المنصوب نُصب. والقسم الثالث، هو أنّه إذا اظهر العامل المحذوف فتغير الكلام في مثل “يا عبد الله”، وصار النداء خبراً. وبعد ذلك قدّم الإعتراض على تقدير الضمائر المستترة في المشتقات في مثل (زيد ضارب أبوه عمرا)، ضارب من المشتقات تضمن ضميراً مستترا. وكذلك ذكر ابن مضاء عن قول سيبويه في كلمة “علقت” ولا أقول “أعلمت” وهذا ما يتعلق بباب التنازع كما في مثال (قام وقعد زيد) فإن علّقت زيداً بالفعل الثاني. وثمّ ذكر عن باب الاشتغال في النحو العربي بقول “وإن كان العائد على الاسم المقدم قبل الفعل ضمير رفع، فإن الاسم يرتفع، كما أن ضميره في موضع رفع ولا يُضمر رافع كما لا يُضمر ناصب، إنما يرفعه المتكلم وينصبه اتباعاً لكلام العرب[25]. ومن هنا رأت الباحثة أنّ ابن مضاء يرفض فكرة الحذف والتقدير فهذا سبب أنه من المذهب الظاهري[26] مما اعتقد الناس في أيامه.

ونرى أنّ بعض اللغويين المحدثين يتأثر بهذه الفكرة تأثراً إيجابياًّ وسلبياًّ. ويبدو أنّ آراء الناقدين في هذه الفكرة ثلاثة مواقف[27]، وهي؛ موقف أوّل، موقف الذين يدعون إلى اعتماد المعنى لا اللفظ، وموقف ثان، موقف الذين يدعون إلى اعتماد اللفظ أو ما سماه الخصائص الشكلية، وموقف ثالث، وهم الذين يدعون إلى الجمع بين اللفظ والمعنى.

فالموقف الأول هو ما يتعلق بمن يدعو إلى اعتماد المعنى لا اللفظ، هو موقف إبراهيم مصطفى، وقد اتبع منهج الذين ردّوا على فكرة العامل حيث نبّه صاحب إحياء النحو إلى أنّ فكرة العامل هي فكرة فاشلة في اللغة العربية لأنها أدت إلى اختلاف الآراء وقادت إلى التجريدات الفلسفية[28]. وحقيقة هي محاولة مشابهة لتفسير اختلاف العلامات الإعرابية وقال فيها إنّ الحركات ذات معان محددة فالضمة علم الإسناد، والكسرة علم الإضافة، والفتحة علم الخفة، ولكنه اكتفى بهذا الفهم المبهم القاصر لطبيعة هذه الحركات. ويقول إنّ التقدير والتوسع فيه مؤدٍ إلى ضياع حكم النحو بقوله[29]”؛- ولم يجعلوا له كلمة حاسمة وقولاً باتاً، وكثّروا من أوجه الكلام، ومن احتماله لأنواع من الإعراب، يقدّرون العامل رافعاً فيرفعون ويقدّرون ناصباً فينصبون، ولا يرون أنه يتبع ذلك اختلاف في المعنى ولا تبديل في المفهوم”. ثم أشار إبراهيم مصطفى إلى أنّ النحاة العرب تقيدهم بالفلسفةِ أضاع عليهم العناية بمعاني الكلام في أوضاعه المختلفة مثل: باب المفعول به[30] “كيف أنت وأخوك”. وكشف إبراهيم مصطفى[31] كثرة الخلاف بين النحاة في العامل في بعض الأبواب، منها: المفعول به؛ ما عامل النصب فيه؟ وقد رأى جمهور البصريين أنه الفعل أو شبهه. وهشام الكوفي رأى أنه الفاعل وحده، ورأى الفراء أنّه الفعل والفاعل. وذهب خلفٌ إلى أنَّه معنى المفعولية. وذكر إبراهيم مصطفى هذه الاختلافات ليكشف جدلهم حول فكرة العامل، وبالتالي يستطيع أن يقنع القاريء بفساد هذه الفكرة. وادّعى الاستاذ[32] أنّ النحاة لم يفوا بمذهبهم في الإعراب واختلفوا حول العامل المعنوي، ذهب البصريون إلى أنّ الابتداء يرفع المبتدأ وهو عامل معنوي. والكوفيون يثبتون عاملا معنويًّا آخر يسمونه الخلاف.

وموقف ثان وهو موقف الذين يدعون إلى اعتماد اللفظ أو ماسماه الخصائص الشكلية. ورأت الباحثة منهم عبد الرحمن يعقوب وعبد القاهر المهيري. ويرى عبد الرحمن أيوب أنّ التقديرات في النحو العربي جزء كبير في إقامة النحو. وهذا يؤدي إلى الوهم والافتراض في المعنى. فهم يتوهمون ويفترضون أكثر مما أحق به كقوله ” الكلمات التي لا يظهر عليها الإعراب في آخرها ومنها الإعراب المقدّر في المصدر المؤول ينصب بفتحة مقدّرة لأنه مفعول به ويؤولون المثال بـ “أريد القيام”[33]. ومن الكلمات التي يقدر فيها الإعراب الاسم المعتل في نحو: جاء القاضي. ورأيت عيسى، فالقاضي مرفوع بضمة منع من ظهورها الثقل، وعيسى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها التعذر، ومن الكلمات التي يجري عليها التقدير ما يعرف باشتغال المحل بحركة المناسبة في نحو: ليس بقائم. فالباء حرف جر زائد و(قائم) يُعرب مجروراً بحرف الجر الزائد، وهي في الوقت نفسها خبر ليس منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. وهذا يبدو أن النحاة يخيلون الأجوبة بدون وعي بأن الأجوبة تؤثر على صلاحية المعنى الحقيقي. ورأى أنّ في هذه الحالة أنّ النحاة لا يفرق بين المرفوع والمنصوب والمجرور بل يقدروه بدون العلامة الشكلية . وسأل الأستاذ عبد الرحمن من أين أتى النحاة بكلمة “مقترنان” في مثل “كل رجل وضيعته مقترنان”. فرأى أنّ النحاة يتوهّمونها ويفترضون المعنى. ولا يقف الأمثلة كهذه فحسب بل سخّر عبد الرحمن من النحاة في تقدير عامل في “يا محمدُ” تقديره: “أنادي محمداً”. وقال إنّ هذين المثالين لهما الفرق، فالأول، جملة إنشائية، وأما ثانية فجملة خبرية. وهنا لا يفرق النحاة بينهما لأنّ الجملة الثانية مُحَصَّلة من تقدير الجملة الأولى. إذْ ذلك يمكن نقول أنّ الأستاذ عبد الرحمن أيوب هو رجل يهتم بالخصائص الشكلية أكثر.

وعبد القاهر المهيري على غرار عبد الرحمن يعقوب كما يقول في كتابه نظرات في التراث اللغوي العربي أنّ الفاعل يبدل موقع المبتداء كما في هذا المثال: الزائر وصل، الزائر: هو فاعل بدىء به مرفوعا، وصل: فعل مطابق لفاعله، إن الزائر وصل، الزائر: هو فاعل بدىء به منصوبا بإن، وصل: فعل مطابق لفاعله، الزائرون وصلوا، الزائرون: فاعل بدىء به مرفوعاً، وصلوا: فعل مطابق لفاعله[34]. ورأى المهيري أنّ الفعل “وصل” في مثل “الزائر وصل” يرفع “الزائر” وليس يرفعه الابتداءُ. وهذا على ما يبدو مشابه لرأي الكوفيين الذي جاء ردّا على قول البصريين إن المبتدأ لا يُرفع بالابتداء بل المبتدأ والخبر يترافعان. إذاً، هذا الرأي لا يخرج عن العامل والمعمول، بل هو اختلاف تفسير له، بل هو محاولة لفهم بناء الكلمة من حيث المعنى كما هو واضح من قوله: ليس كل فاعل مرفوعاً، وليس كلّ مفعول منصوباً، وليس كل مضاف إليه مجرورا. ويمكن إعراب الاسم في أول الجملة بالنظر إلى معنى الجملة، فالمعنى يصير هو الحَكمُ[35].

ترى الباحثة كأنّه يريد أن يطبق النحو العربي بطريقة اللغة الإنجليزية أي الزائر subject، ووصل verb، فتطابق الجنس والعدد يحدث فيه. والسؤال هل نحتاج إلى هذه التبديلات وفي الوقت نفسه هناك نظام أقوى تنظم الكلام وهو رأي الجرجاني فلو اتبع فسوف فائدة كبيرة تفيد القواعد النحوية العربية التي أثبتها النحاة القدامى.

وموقف ثالث، هو موقف الذين يدعون إلى الجمع بين اللفظ والمعنى أو سماه المعنى. ومنهم إبراهيم أنيس المفكرين المحدثين الذي يرى أنّ قول قطرب عن اتفاق واختلاف الإعراب والمعنى له قيمة ولا بد أن يراجعه ويلاحظه دون إنكار. وذكر الأستاذ أنّ تحريك أواخر كل الكلمات لم يكن في أصل نشأته بل هو صورة للتخلص من إلتقاء الساكنين[36] في مثل (جزاؤهم العقاب) كان (الميم) في الوسط تليها مباشرة (اللام) وبعد (اللام) مباشرة (العين)، وكل منها حرف وليس بحركة. فندرك هنا أنه قد توالي في وسط الكلام ثلاثة أحرف، وهو أمر يأباه نظام توالي الحروف الكلام العربي، فتخلص العرب من مثل هذا بتحريك الحرف الأول من هذه الحروف الثلاثة المتتالية[37]. ورأى الأستاذ إبراهيم أنيس أنّ إسقاط حركة الإعراب في التنوين يدل على عدم الإلتزام كما في بعض اللهجات فهم يلتزمون صورة واحدة من الإعراب لا ينحرفون عنها في كل الحالات والمواضع[38]. ورأى أنّ لا يعنيه من الجملة إلاّ ركناها الأساسيان، نحو (المسند) وهو ما يناظر “محمول” المناطقة، و (المسند إليه) وهو الذي يعادل “الموضوع”[39]. وسمي هذا باسم “الكتل”[40]. وسأل إبراهيم أنيس لماذا تسامح النحاة القدامى في إسقاط الإعراب في إلتقاء الساكنين[41]، والتنوين[42] وفي مواضع من الشعر[43]. وكان النحاة القدامى هم متعصّبون بحركة الإعراب، بل إنّ منهم اعتبرها دلائل على المعنى. وقراءة أبو عمرو بن العلاء بتسكين أواخر الكلمات في عشرات من الآيات القرآنية، والنحاة لا يرون جواز حذف الحركات الإعرابية إلا في الوقف، ويرون أن ما روي عن أبي عمرو ليس حذف الحركة بل اختلاسها[44].

إذا كان الأستاذ إبراهيم أنيس يرى أنّ إسقاط الإعراب عند النحاة القدامى بسبب إلتقاء الساكنين فإنّ تمام حسان من جهته -أي يهتم بموقف المعنى- يرى أنّ كل كلمة في الجملة تتضافر أو يتناسق بعضُها ببعض كقوله ” إنّ الجملة في تصوّره عبارة عن “منظمة من الأجهزة”[45] ويقصد بقوله بالأجهزة الوظائف التي ترتبط بالكلمات المستخدمة في الجملة. فالفعل والفاعل والمفعول مثلاً يرتبط بعضُها ببعض في الجملة لتكوّن معنى واحداً فلا داعي للحديث عن كون واحد من العناصر عاملاً في الآخر. وقد قسم الأستاذ تمام في مبحثه عن القرائن النحوية المتضافرة إلى القرائن النحوية اللفظية والقرائن النحوية المعنوية. كقوله “إن القرائن تتضافر بمختلف أنواعها وتؤدي المعنى المقصود من كل أسلوب، وإنها بذلك تغني عن فكرة العامل عند النحاة”[46] وعن دور الحركة الإعرابية فما هي إحدى هذه القرائن وقد تتخلف ويحل محلها القرائن الأخرى. وهذا يعني أن تمام حسان لم يلغى حركة الإعراب ولكنه قلل من دورها. وسوف تتحدث الباحثة عن هذه القرائن في مبحث الثالث عن هذا الفصل.

ومن هنا لاحظنا أنّ الإعراب مما قعّد النحاة القدامى له نظر خاص لدى النحويين واللغويين. وهذا النظر يؤدي إلى النقاش الطويل عن دور الإعراب وحركاته في تعيين معاني الكلمات وتقدرها. وحاصل على ذلك، قُسم النحويون واللغويون إلى ثلاثة أقسام، أوّلا مَن الذين ميول إلى الفكرة الإعرابية دون المعنوية، وثاني، ممن يرى أن معنى الكلمة هو أهم شيء في فهم الجملة وليس الإعراب، وثالثا، ممن ميول إلى التضام بين المعنى واللفظ في فهم الجملة فهما صحيحا. هذه النظرات إشارة واضحة إلى أنّ حركات الإعراب الرفع والضم، النصب والفتح، الخفض والكسرة، الجزم والسكون مما افتخر افتخارا كبيرا لدى النحويين القدامى لها تساؤلات كثيرة.

المصادر والمراجع:-

إبراهيم أنيس، من أسرار اللغة، القاهرة: المكتبة المصرية، 1975م.

إبراهيم مصطفى، إحياء النحو، القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1959م.

ابن جني، الخصائص، بيروت: دار الكتاب العربي، 1952 .

ابن مضاء، الرد على النحاة، تحقيق شوقي ضيف. القاهرة: دار المعارف، ط.3، د.ت.

الأنباري، الإنصاف في مسائل الخلاف، بيروت: دار الكتب العلمية، ط.1، . 1998م.

تمام حسان، اللغة المعيارية والوصفية، القاهرة: دار الثقافة، 1992م.

تمام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، المغرب: دار الثقافة، د.ت.

الزجاجي، الإيضاح في علل النحو، تحقيق مازن المبارك. بيروت: دار النفائس، 1407هـ – 1986م.

سيبويه، الكتاب، تحقيق إميل بديع يعقوب. بيروت: دار الكتب العلمية، 1999م.

السيوطي، الأشباه والنظائر في النحو، تحقيق عبد العال سالم مكرّم، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1406هـ- 1985م.

عبد القادر المهيري، نظرات في التراث اللغوي العربي، تونس: دار الغرب الإسلامي، 1993م.

عزالدين مجدوب، المنوال النحوي العربي قراءة لسانية جديدة، تونس: دار محمد علي الحامي، 1998.

محمد عيد، أصول النحو العربي في نظر النحاة ورأي ابن مضاء وضوء علم اللغة الحديث، القاهرة: عالم الكتب، 1997م.

[1] انظر السيوطي، الأشباه والنظائر في النحو، تحقيق عبد العال سالم مكرّم، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1406هـ- 1985م، 1/188.

[2] المصدر السابق، 1/190 – 191.

[3] المصدر السابق، 1/ 172- 171.

[4]المصدر السابق، 1/ 174.

[5]المصدر السابق، 1/ 174.

[6]المصدر السابق، 1/ 178 – 179.

[7]المصدر السابق، 1/ 180 – 181.

[8]المصدر السابق، 1/ 183.

[9]المصدر السابق، 1/ 184.

[10]المصدر السابق، 1/ 180.

[11] الأنباري، الإنصاف في مسائل الخلاف، 1/ 49.

[12] كما ذكرت الباحثة سابقاً.

[13] سورة المائدة: 69.

[14] كما وافق لدى الكوفيين وتمام حسان، انظر البحث سابقا.

[15]سيبويه، الكتاب، 1/41.

[16] المرجع السابق، 1/41.

[17] المرجع السابق، 1/41-42

[18] المرجع السابق، 1/372 – 373.

[19]المرجع السابق، 1/41


mercii beaucoup pour le sujet je suis vraiment intéréssé

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

بين التيه والتوه في اللغة

التِّيه والتَّوْه والتَّيْه.. وما بينهما:
ومن الكلِمات المشتهرات، ذات الدلالات الغامضات في استعمال المتكلِّمين والكاتبين، ممَّا شاع تبديله، ويلزم تعديله: التِّيه – بكسر المثناة المشدَّدة – وهو الهلاك، والتَّيْه – بفتحها – وهو الكِبْر، والمعْنى الأوَّل أكثر ورودًا وذيوعًا، وذاع معه استِعْمال كلا المصدرين في الدلالة عليه، وهو خطأ لاختِلافهما وزنًا ومعنًى.

وهذا بيان ما وجدتُ من الفروق بيْنهما، اختصرتُه من "لسان العرب"، للعلاَّمة ابن منظور، و "القاموس المحيط"، للإمام الفيروزآبادي (توه):
فالتِّيهُ – والتَّوْهُ لغة فيه -: الهلاك.
ويقال: تَاهَ يَتُوهُ، ويَتِيهُ تَوْهًا: إذا هلك.
وتَوَّهَ نفسه: أهلكها، وما أَتْوَهَه: ما أهلكه.
والتَّيْهاء: الأرض التي لا يُهتدى فيها، والمَضِلَّة الواسعة التي لا أعلامَ فيها ولا جبال ولا إكام، والتِّيه: المَفازة يُتاه فيها، والجمع: أَتْياه وأَتاويه.
ومنه قولُه – تعالى – عن بني إسرائيل: {أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} [المائدة: 26].
قال الحافظ ابن كثير: "فوقعوا في التيه: يسيرون دائمًا، لا يهتدون للخروج منه"[1].
أمَّا التَّيْهُ – بفتح التاء المشدَّدة -: فهو الكِبْر والصَّلَف.
ويقال: تَاهَ يَتِيهُ تَيْهًا: إذا تكبَّر.
ورجل تَائِه وتَيَّاه وتَيَّهان – بفتح الياء المشدَّدة – وتَيْهان وتَيِّهان: إذا كان جسورًا يركب رأسه في الأمور.

الخلاصة:
1 – التَّيْه والتِّيه – بفتح التَّاء المشدَّدة وكسْرِها -: صحيحانِ في معنى الهلاك، والذَّهاب، والحيرة، والضلال.
2 – لا يصحُّ في معنى الكِبْر إلا التَّيْه – بفتح التاء المشدَّدة.
3 – وفي الوصْف يصحُّ (التَّائه) في الضَّالِّ والمتكبِّر معًا، ومثله يحكمه السياق.
والله أعلم.
وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وآله وصحبِه وسلَّم.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ماشاء الله ، فائدة لغويّة قويّة

بارك الله فيك أيّتها الفاضلة


وفيك بارك الرحمن

ممنونة لمرورك العطر وردك الحسن

وفقك الله…


بارك الله فيكم

وفيكم بارك الرحمن

ممنونة للمرور العطر والرد الطيب

تحياتي..


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

امتحان مادة البلاغة السنة الأولى


امتحان مادة البلاغة

السنة الأولى
جامعة الجلفة

السؤال الأول :
يقول الشاعر:

حتى متى أنت في لهوا وفي لعب**** و الموت نحوك يهوي فاغرا فاه
ما كل ما يتمنى المرء يدركه **** هربّ امرئ حتفه فيما تمناه
إن المنى لغرور ضلة و هوى **** لعل حتف امرئ فيما تمناه

استخلص الأساليب البلاغية المختلفة – في ضوء ما درست –،و حدّد أنواعها مع التعليل ؟

السؤال الثاني :
عرف المصطلحات البلاغية الآتية: “فصاحة المفرد”، ” قصر حقيقي ” ، ” مسند إليه ” ، “عموم السلب” ، ” خبر طلبي” .

السؤال الثالث :
املأ الفراغات بالإجابة المناسبة :
البلاغة هي مطابقة الكلام ………………. مع فصاحته ، والكلام خبر إنشاء ، فاخبر هو …………….و الإنشاء ……………… .
يتكون الإنشاء الطلبي من ………….. وله أربع صيغ ،………….. و …………و أما الأساليب الإنشائية غير الطلبية فهي ………… .



التصنيفات
لغــة وأدب عربي

النظرية السياقية

[COLOR=#333333]النظرية السياقية
عرفت مدرسة لندن بما سمي بالمنهج السياقيأو المنهج السياقي أو المنهج العلمي وكان زعيم هذا الاتجاه فيرث الذي وضع تأكيدا أكثر على هذه الوظيفة الاجتماعية للغة.ومعنى الكلمة عند أصحاب هذه النظرية هو استعمالها غي اللغة أو الطريقة التي تستعمل بها أو الدور الذي تؤديه.ولهذا يصرحفيرث بأن المعنى لا ينكشف الا من خلال /COLOR]
تسييقالوحدة اللغوية أي وضعها في سياقات مختلفة وعلى هذا فدراسة معاني الكلمات تتطلب تحليلا للسياقات والمواقف التي ترد فيها .حتى ماكان منها غير لغوي .ومعنى الكلمة يتعدد تبعا لتعدد السياقات التي تقع فيها أو بعبارة أخرى تبعا لتوزيعها اللغوي
أنـــواع السياق
أ-اللغوي وهو المحيطالدلالي الذي يحدد مدلول العناصر اللسانية فيختلف المدلول باختلاف السياقات التي يرد فيها مثل المدخل المعجمي ضربوفي الاية الكريمة*وأذ أستسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر*فمدلول ضرب اصابة الحجر وفي اية أخرى نجد قوله تعالى*واذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصرو*فضربتم هنا تعني سافرتم نضرب كذلك مثالا أخر ودائما من قوله تعالى*فضربنا على اذانهم في الكهف سنينا عددا*هنا ضربنا تعني أنمناهم

وفي البيئة العربية يقولون ضربت الطير أي ذهبت تبتغي الرزق وضرب الدرهم بمعنى سبكه وطبعه وضرب الجزية عليهم أي أوجبها عليهم
ب-العاطفي
يختلف هذا على السياقات الاخرى في كونه يرتبط بدرجة قوة الانفعال المصاحبة لاداء الفعل في الكلام من تأكيد أو مبالغة أو اعتدال مثل غضب.سخط فنجد أبا هلال العسكري يقول بأن الغضب من الضغير الى الكبير ومن الكبير الى الصغير أما السخط فلا يكون الا من الكبير الى الصغير
ج-سياق الموقف هو الاطار الخارجي الذي يحيط بالانتاج الفعلي للكلام في المجتمع اللغوي أي الحيز الاجتماعي مثل كلمة عملية في موقف التعليم تدل على عملية حسابية وفي الطب تدل على عملية جراحية وفي الحرب تدل على خطة عسكريةملاحظة سياق الموقف يشابه الى حد كبير مع الاجتماعي
د- الثقافي ويتعلق بالمحيط الثقافي بمفهومه الواسع للمجتمع اللغوي حيث يختلف المفهوم الذهني للمداخل المعجمية باختلاف السايقات الثقافية مثل كلمة كافر تدل على المزارع في المحيط الثقافي للبيئة الزراعية نصداقا لقوله تعالى*كمثل غيث أعجب الكفار نباته*اما في المحيط الثقافي الديني فتدل على الجاحد لوحدانية الله ومثال ذلك قوله تعالى*ان الذين كفرو وماتو وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله*
مميزات المنهج السياقي
1-أنه على حد تعبير أولمان يجعل المعنى سهل النقياد للملاحظة والتحليل الموضوعي
2-أنه لم يخرج في تحليله اللغوي عن دائرة اللغة وبذلك نجى من النقد الموجه الى جميع المناهج السابقة
وجهت عدة اعتراضات لهذه النظرية
1-أن فيرث لم يقدم نظرية شاملة للتركيب اللغوي واكتفى فقط بتقديم نظرية دلالية مع أن المعنى يجب أن يعتبر مركب من العلاقات السياقية ومن الاصوات والنحو والمعجم والدلالة
2-لم يكن فيرث محددا في استخدامه لمصطلح السياق معاهميته كما كان حديثه عن الموقف غامضا كما أنه بالغ كثيرا في اعطاء ثقل زائد لفكرة السياق
3-أن هذا المنهج لا يفيد في بعض الاحيان عندما نصادف كلمات يعجز السياق عن تفسيرها


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

الاخطاء الشائعه في اللغة العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

ـ يقولون :انسحب الفريق من المباراة

ـ والصواب :خرج الفريق من المباراة

يقول ابن منظور في لسان العرب : السحب : جرّ الشيء على وجه الأرض
كالثوب وغيره …. ورجل سحبان : أي جرّاف يجرف كلّ ما مر به . ا.هـ
ولم يرد في المعجم الفعل انسحب بمعنى تقهقر أو نكص أو ترك ، وذكر صاحب معجم الخطأ والصواب : يخطِّئ أسعد داغر وزهدي جار الله من يقول : انسحب الجيش بحجة عدم ورود الفعل في كلام العرب بمعنى تقهقر أو نكص
في حيبن أنه أيد المعجم الوسيط في استعمال الكلمة بمعنى تقهقر

ـ يقولون : هذا الكتاب عديم الفائدة
ـ والصواب : هذا الكتاب معدوم الفائدة
جاء في معجم مقاييس اللغة : العين والدال والميم من أصل واحد يدل على فقدان الشيء وذهابه ، وعدم فلان الشيء إذا فقده ، وأعدمه الله تعالى كذا ، أي أفاته ، والعديم الذي لا مال له أ.هـ . وجاء في اللسان ـ أي لسان العرب لابن منظور ـ رجل عديم : لا عقل له
فالعديم هو الذي لا يملك المال وهو الفقير من أعدم أي افتقر . وقد حمل معنى هذه اللفظة من المعنى المادي إلى المعنوي

ـ يقولون : انكدر العيش
ـ والصواب : تكدَّر العيش
جا في جمهرة اللغة : الكدر ضد الفصو ، كدر الماء يكدر كدرًا وكدورًا وكدرة ، والماء أكدر وكَدِر ، ومن أمثالهم : خذ ما صفا ودع ما كدِر انكدر النجم إذا هوى ، وكذلك انكدرت الخيل عليهم إذا لحقتهم ، وجاء في اللسان : كدر عيش فلان وتكدَّرت معيشته

ـ يقولون : أحنى رأسه خجلاً ، أي عطفه
ـ والصواب : حنى رأسه خجلاً ، لأن معنى أحنى الأب على ابنه ، أي غمره بعطفه وحبه واشفاقه ومن قبيل المجاز نقول حَنَتْ المرأة على أولادها حُنُوّاً ، إذا لم تتزوج بعد وفاة أبيهم

ـ يقولون : حرمه من الإرث ، فيعدُّون الفعل ـ حرم ـ إلى المفعول الثاني بحرف الجر ـ من ـ
ـ والصواب : حرمه الإرث بنصب مفعولين ، أي الفعل ـ حرم ـ يتعدى إلى مفعولين تعدياً مباشراً ، وقد أجاز بعض اللغويين ( أحرمه الشيء ) أي حرمه إياه ، ومن ذلك ما ورد في قول ابن النحاس في قصيدته العينية المشهورة :

وأحرمني يوم الفراق وداعه وآلي على أن لا أقيم بأرضه

ـ يقولون : تحرّى عن الأمر ، فيعدون الفعل ( تحرّى ) بحرف الجر ( عن ) ـ
والصواب : تحرى الامر
ـ والصواب : ( تحرّى فلانٌ الأمرَ ) ، أي توخاه وطلبه ، ويقال : ( فلان حَرِيٌّ بكذا ) أي خليق وجدير وحقيق وَ ( أحْرِ به ) أي أجدر به ) قال الشاعر :ـ

فأحْرِ بمن رامنا أن يخيبا فإن كنتَ توعدنا بالهجاء

وقد اشتق التحري من ( أحرِ به ) ، وهو يعني توخّي الأولى وقصد الأحق ، كما تدل على ذلك طائفة من النصوص اللغوية نذكر من بينها :ـ
قال عز وجل (سورة الجن 14) : { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرّواْ رَشَدًا } أي توخوا وعمدوا

ـ يقولون : احْتَضَرَ فلان في المستشفى
ـ والصواب : فلانٌ يُحْتَضَرُ في المستشفى ، لأننا نقول : : ( احْتُضِرَ فلان ) إذا حضره الموت .
قال تعالى ( سورة النساء 18 ) { حَتَّىَ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ المَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ }
وقال الشاعر الشماخ :ـ

عليه يُحْتَضَرُ احتضارًا فأوردها معا ماء رواء

ـ يقولون : نسائم الصباح الجميلة
ـ والصواب : نسمات الصباح الجميلة
نسائم على وزن فعائل ومفردة نسيمة على وزن فعيلة مثلها في ذلك مثل صحيفة وطريقة ووديعة
وجمعها صحائف وطرائق وودائع ، أما جمع نسمة فهو نَسَمٌ أو نسمات ، يقول إبن منظور صاحب
لسان العرب : ( ونسيم الريح أولها حين تقبل بلين قبل أن تشتد ) . ويقول في موضع آخر والنسمة
الإنسان ، والجمع نَسَمٌ ونسمات ، قال الأعشى :ـ
إذا النسمات نفضن الغبارا بأعظم منه تقى في الحساب
وقد وردت نسائم عند بعض الشعراء المعاصرين مثل قول أحدهم :ـ
سوف تظل دائمة من عطرها نسائم

يقولون : إسهاما منها في تشجيع القدرات
ـ والصواب : مساهمة منها في تشجيع القدرات

إسهاماً هو مصدر الفعل أسهم ، وهذه تعني كما يقول إبن فارس في مقاييس اللغة أسهم الرجلان إذا إقترعا) وذلك من السّهمة والنصيب . وهذه تختلف مساهمة المشتقة من الفعل ساهم الذي يعني شارك ، فالمساهمة هي المشاركة والإسهام يعني الإقتراع . ومن هنا نلاحظ أن أية زيادة في المبني تؤدي إلى تغيير المعنى

ـ يقولون : مجوهرات فلان ـ
ـ والصواب : جواهر فلان
يقول إبن سيده في لسان العرب : ( الجوهر معروف ، الواحدة جوهرة ، والجوهر كل حجر يستخرج منه شيء ينتفع به ) . والجوهر على وزن فوعَل وجمعها جواهر على وزن فواعل ، ومثلها في ذلك مثل جورب وجمعها جوارب وجوسق وجمعها جواسق . وقد وردت هذه اللفظة في صحيح مسلم ( كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة ، فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورِق وجوهر ) كتاب المسقاة ص92

ـ يقولون : البعض

ـ والصواب : بعض .

كثيرا ما تردد هذه الكلمة في الاستعمال العام معرفة بأل التعريف ، والأصح أن هذه اللفظة ( بعض ) معرفة لأنها كما يقول أصحاب اللغة في نية الإضافة .

وفي هذا الصدد يقول الجوهر في الصحاح : ( وكل وبعض معرفتان ولم يجىء عن العرب بالألف واللام وهو جائز ، إلا أن فيهما معنى الإضافة أضفت أو لم تضف ) .

فالجوهري يقر بأن بعض لم تجىء عن العرب بالألف واللام .
وقد وردت كلمة ( بعض ) في القرآن الكريم في مواضع كثيرة وكلها جاءت مجردة من أل التعريف كقوله تعالى : { وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضٌكٌمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ } . ( النحل :71 ) .

ـ يقولون : تـصـنـّـت .

ـ والصواب : تــنــصّـــت .

هذه اللفظة كثيرة الاستعمال خاصة هذه الأيام في نشرات الأخبار وفي الصحف ، ويراد بها استراق السمع ، ولو حاولنا ارجاع هذه الكلمة إلى أصلها نجد أن صاحب لسان العرب يورد كلمة ( صنتيت ) ويقول ( الصنتيت ) : الصنديد وهو السيد الكريم .

والصواب أن هذه اللفظة هي ( نصت ) ومنها الفعل ( تنصت ) ومعناها كما يقول ابن فارس في كتابه مقاييس اللغة : النون والصاد والتاء كلمة وادحة تدل على السكوت وانصت لاستماع الحديث ونصت ينصت وفي كتاب الله { وَأَنْصِتٌوا } .
ونصت على وزن فعل وهي مثل نشد وفي حالة زيادة التاء والتضعيف تصبح ( تنصّت ) ومثلها ( تنشّد ) والاسم منها تنصت وتنشد .
ـ يقولون : أعلنتُ الخُــطــبـَـة ويقصدون النكاح .

ـ الصواب : أعلنتُ الخِــطـبَة ، أو أعلنتُ خِطبَة فلان

لأن الخِطبة هي طلب الزواج بفتاة فهي خِطبَة وهو خطيبها وهي خطيبته .

ـ يقولون هذا بئر عميق .

ـ والصواب : هذه بئر عميقة ،

لأن كلمة بئر مؤنثة كما جاء في الآية 45 من سورة الحج { وَبِئْرٌ مُعَطَّلَةٌ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ } وجمع

بئر آبار وتُصَغَّر على بؤيرة .

ـ يقولون : بتَّ فلان في الأمر .

ـ والصواب : بتَّ فلان الأمر أي نواه وجزم به .

وجاء في الأساس بتَّ القضاء عليه وبتَّ النية جزمها . وجاء في المحكم بتَّ الشيء يبته ، أي قطعه قطعًا مستأصلاً . ومن ذلك بت طلاق امرأته أي جعله باتًا لا رجعة فيه .

ـ يقولون : اجتمع فلان بفلان .

ـ والصواب : اجتمع فلان إلى فلان ،

اعتمادًا على قول اللسان والتاج ( كانت قريش تجتمع إلى كعب بن لؤي فيخطبهم ) .

ـ يقولون : الفَرار ( بفتح الفاء )

ـ والصواب : الفِرار ( بكسر الفاء )

تنطق هذه الكلمة ويقصد بها الهروب والصواب الفِرار ـ بكسر الفاء ـ وهذه تعني الهروب ، أما الفَرار بفتح الفاء فتعني الكشف عن أسنان الدابة لمعرفة كم بلغت من السنين . ومن الجدير ذكره أنَّ كل مصدر من المصادر التالية : ( المفَرّ ) ـ بفتح الميم والفاء وتشديد الراء ـ و ( المَفِر ) ـ بفتح الميم وكسر الفاء وتشديد الراء ـ يعني الهروب أيضًا . يقول الشاعر :

ممدّون سودان عظام المناكبفضحتم قريشًا بالفِـرار وأنتـم

ومن الشواهد التي أوردها سيبويه في كتابة :

يخال الفِرار يراخي الأملضعيف النكاية أعـداءه

ـ يقولون : مُدَرَاء .

ـ والصواب مديرون .

يشيع استخدام هذا الجمع على الألسنة على أنه جمع ( مدير ) ظنًّا أنه مثل جمع سفير على سفراء ، ووزير وزراء ، وأمير أمراء …إلخ . وشتان بين الاستعمالين ؛ فمادة وزير وسفير وأمير هي : وزر ، سفر ، أمر ، الثلاثي والياء فيها لبناء صيغة فعيل . على حين أن الفعل من ( مدير ) رباعي وهو أدار . واسم الفاعل من الرباعي عادة على وزن مضارعه مع إبدال يائه ميمًا مضمومة وكسر ما قبل الآخر . فيقال : أقبل يقبل مُقبـِل ، وأحسن يحسن مُـحسِن على زون مُفعــِل ، ومثلها أدار يدير مُـدير ، على وزن مُفعـِل أيضًا بدالٍ ساكنة وياء ساكنة قياسًا ، ولكن لثقل اللفظ ، لوجود الكسرة على الياء ، حملها القاء حركة الياء على الدال ، فكسرت الدال وسكنت الياء ، فصارت مدير ، وعند جمع محسن ومغير ومنير نقول : محسنون ، مغيرون ، منيرون ولا نقول : محساء ، ولا مغراء ، ولا منراء ، وكذلك الحال مع مع مدير ، فنقول : مديرون وهو الصواب لا مدراء وهو خطأ شائع .

ـ يقولون : ملفت للنظر .

ـ والصواب : لافت للنظر .

كثيرًا ما نسمع قول بعضهم : هذا المنظر او الحادث ملفت للنظر . وهذا الاستعمال خطأ . ووجه الصواب أن نقول : لافت ؛ أن فعله لفت ، لا ألفت ، إذ لا يوجد في العربية فعل هو ( ألفت ) ، واسم الفاعل من الثلاثي عادة على وزن ( فاعل ) فنقول : لافت .أما ( ملفت ) فهو اسم الفاعل الرباعي ( ألفت ) مثل ( مكرم ) و ( محسن ) من أكرم و أحسن ، ولا يوجد في العربية ( أفلت ) كما قلنا . ومعنى لفت الشيء . يلفته لفتا : لواه على غير وجهه ، بياء مفتوحة ، لا مضمومة . ولفته عن الشيء : صرفه . قال تعالى على لسان الملأ من قوم فرعون لموسى عليه السلام : ( قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا ) . بفتح الياء.


bravouuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuuu
moidou3 hayal merci anis

شكرا اخي على هده المعلومات القيمة

التصنيفات
لغــة وأدب عربي

بحث حول نظرية عمود الشعر

((نظرية عمود الشعر بين النشأة والتأسيس))

المبحث الأول: عمود الشعر لغةً واصطلاحًا.

في اللغة: العمود: عمود البيت وهو الخشبة القائمة في وسط الخباء، والجمع أعمدة وعمد، وعمود الأمر: قِوامه الذي لا يستقيم إلاّ به، والعميد: السيد المعتمد عليه في الأمور أو المعمود إليه[1].

وفي الاصطلاح: هو طريقة العرب في نظم الشعر لا ما أحدثه المولدون والمتأخرون، أو هي القواعد الكلاسيكية للشعر العربي التي يجب على الشاعر أن يأخذ بها، فيحكم له أو عليه بمقتضاها[2].

ويُعرَّف كذلك بأنه: هو مجموعة الخصائص الفنية المتوفرة في قصائد فحول الشعراء، والتي ينبغي أن تتوفر في الشعر ليكون جيدًا.

ويُعرَّف بأنه: التقاليد الشعرية المتوارثة أو السنن المتبعة عند شعراء العربية، فمن سار على هذه السنن، وراعى تلك التقاليد، قيل عنه: إنّه التزم عمود الشعر، واتبع طريقة العرب، ومن حاد عن تلك التقاليد، وعدل عن تلك السنن قيل عنه: إنّه قد خرج على عمود الشعر، وخالف طريقة العرب.

يلاحظ في المعنى المُعجمي أنه لم يُذكر ارتباط كلمة العمود بالشعر كما هو الأمر في المعنى الاصطلاحي، إلا أن هذا لا ينفي أن يكون المعنى الاصطلاحي مستوحىً من المعنى اللغوي، فكما أن خشبة بيت الشَعر هي الأساس الذي يقوم عليه ذلك البيت، فإن أصول الشعر العربي وعناصره التي يُشير إليها المعنى الاصطلاحي تُعدُّ أيضًا بمثابة الدعامة والركيزة الأساسية التي لا يقوم نظم الشعر الجيد الصحيح إلا عليها.

المبحث الثاني: المصطلح عند الآمدي.
الفرع الأول: نشأة مصطلح عمود الشعر عند الآمدي.
عند تتبع هذا المصطلح تاريخيًا، فإنني لا أجدُّ من النقاد قبل الآمدي من تحدث عن عمود الشعر بهذا اللفظ، وإنما نحن نواجه هذا المصطلح عنده لأول مرة، لذا فإنه يُنسب له فضل الإسهام في تأسيس هذا المصطلح وتأصيله، ولكن من أين استمد الآمدي هذا المصطلح؟ وكيف استطاع أن يقع عليه؟.

لا يمكن القطع برأي محدد في مصدر هذا المصطلح عن الآمدي، وإنما نحن نفترض افتراضًا أن يكون الآمدي استفاد في وضعه من بعض المصطلحات التي ترد كثيرًا في كتب النقد القديمة مثل: مذهب الشعر، وطريقة الشعر، ومذاهب العرب، ومسالك الأوائل، وما شاكل ذلك من العبارات التي تقترب من معنى عمود الشعر.

أو لعله استفاد من مصطلح (عمود الخطابة) الذي ورد عند الجاحظ في كتابه البيان والتبيين، فقد جاء فيه: ” أخبرني محمد بن عباد بن كاسب… قال سمعت أبا داود بن جرير يقول: “رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحليها الأعراب”[3].

أو لعله استفاد من بعض عبارات أخرى للجاحظ في قوله: “وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام، وليس هناك معاناة ولا مكابدة… وإنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام وإلى رجز يوم الخصام،… فما هو إلا أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، وإلى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني إرسالاً”[4].

كما أن ربط الآمدي بين الجانب الشكلي لأبيات القصيدة العربية وبيت الشعر، مسكن العرب قديمًا قد يكون واردًا؛ لأن الشعراء أحبوا أن يجعلوا الأقاويل مرتبة ترتيب أحويتهم وبيوتهم في البصر، فقصدوا أن يحاكوا بيوت الشعر التي كانت مساكنهم، ولما قصدوا أن يجعلوا هيئات ترتيب الأقاويل الشعرية ونظام أوزانهم بمنزلة وضع البيوت وترتيبها فتأملوا البيوت فوجدوا لها كورًا أي جوانب وأركانًا وأقطارًا أي نواحي وأعمدةً وأسبابًا وأوتادًا، وجعلوا الوضع الذي يُبنى عليه منتهى شطر البيت، وينقسم البيت عنده نصفين بمنزلة عمود البيت الموضوع وسطه[5].
وفي رأيي أن الآمدي لم يحدد مفهوم عمود الشعر وعناصره بالشكل الدقيق، وإنما هو شيء سنحاول أن نستنبطه من ثنايا كلامه على كل من مذهبي أبي تمام والبحتري، وعن تصوره الخاص لطريقة الشعر عند العرب.

وقد صرّح الآمدي بلفظ عمود الشعر أكثر من مرة بوصفهِ شيئًا معروفًا ومتداولاً بين الناس، ثم نص صراحةً على أن البحتري قد التزم هذا العمود ولم يخرج عليه، فقال: “أن البحتري كان أعرابي الشعر، مطبوعاً، وعلى مذهب الأوائل، وما فارق عمود الشعر المعروف”[6].
وفي حين يرى الآمدي أن أبا تمام خرج عليه، ولم يقم به كما قال البحتري، حين قال على لسان البحتري الذي سُئل عن نفسهِ وعن أبي تمام فأجاب: “كان أغوص على المعاني مني، وأنا أقوم بعمود الشعر منه”[7].

ومن الواضح أن الآمدي قد نسب هذا المصطلح إلى البحتري في قولهِ السابق حين سُئل عن نفسه وعن أبي تمام، فكان جوابه بأنه أقوم بعمود الشعر منه، وفي رأيي أنه لو ثبت أن البحتري قد قال ذلك حقًا لكان هو أقدم من استعمل هذا المصطلح في حدود ما وصل إلينا، ولكننا لا نجد هذا الخبر إلا في كتاب الموازنة، مما يجعلنا نعتقد تمامًا أن الآمدي يسوق معاني البحتري بألفاظه ومصطلحاته الخاصة.

وهذا يؤكد في رأيي بأن المصطلح قد جاء من الآمدي خدمةً للبحتري، أي تأييد الآمدي لشعر البحتري؛ لأنه اتهم أبا تمام بالخروج عليه، بيد أن المرزوقي والجرجاني كما سنرى لاحقًا تحدثا عن عمود الشعر ولكن لم يتهما أبا تمام بذلك.

ويرد مصطلح (عمود الشعر) في موضع آخر من كتاب الموازنة على لسان البحتري يقول: “وحصل للبحتري أنه ما فارق عمود الشعر وطريقته المعروفة، مع ما نجده كثيرًا في شعره من الاستعارة والتجنيس والمطابقة”[8].

يدل النص السابق على قبول الآمدي للصنعة في عمود الشعر، إذ لم تخرج إلى حيز الإفراط والمبالغة، وما نجده في طريقة البحتري التي هي (عمود الشعر)، أنها لم تكن خالية من الصنعة باعتراف الآمدي نفسه.

ويقول الآمدي في شأن ذلك: “وليس الشعر عند أهل العلم به إلا حسن التأتي، وقرب المأخذ، واختيار الكلام، ووضع الألفاظ في موضعها، وأن يورد المعاني باللفظ المعتاد فيه المستعمل في مثله، وأن تكون الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له وغير منافرة لمعناه، فإن الكلام لا يكتسي البهاء والرونق إلا إذا كان بهذا الوصف، وتلك طريقة البحتري”[9].

فطريقة البحتري هذه – كما يتحدث عنها الآمدي – لم تنفِ أن يكون فيها صنعة، كما أن البحتري كان يأخذ من فنون البديع وأشكاله، حتى كاد بعض النقاد أن يلحقه بأبي تمام في ذلك، ويجعلها طبقة واحدة، كما فعل ابن رشيق القيرواني حينما قال: ” وليس يتجه البتة أن يتأتى من الشاعر قصيدة كلها أو أكثرها متصنع من غير قصد كالذي يأتي من أشعار حبيب والبحتري وغيرهما، فقد كانا يطلبان الصنعة، ويولعان بها “[10].

إذنْ يمكن القول بأن عمود الشعر عند الآمدي لا يتجافى مع الصنعة، ما دامت في حدودٍ مقبولة، لا تبلغ الإفراط الزائد، ولا تصل إلى التكلف المذموم، والشاعر الذي يحسن تناولها بهذه الصورة شاعر مطبوع، على مذهب العرب، ولم يفارق عمود الشعر العربي.

ونودُّ أن نُشير إلى أن مصطلح (عمود الشعر) الذي ورد في كتاب الموازنة للآمدي، وذكره ثلاثة مرات تصريحًا، كان بمعنى قِوام الشعر وملاكه الذي لا ينهض إلا به حتى يُقال عنه أنه شعر، والمرجعُ في ذلك أشعار العرب القدماء في معانيها وصياغتها وصورها.

ونخلص مما سبق بأن الآمدي هو أول من حام حول ما أسماه (عمود الشعر) وحدده بالصفات السلبية وأوردَ ما تورط فيه أبو تمام من تعقيد، وألفاظ مستكرهة، وكلام وحشي، وإبعاد في الاستعارة، واستكراه في المعاني، مما لو عكسنا تلك الصفات لأصبحت صفات البحتري في شعرهِ.
وليس من شك في أن الآمدي كان يُؤثر طريقة البحتري، ومن أجل ذلك جعلها (عمود الشعر) ونسبها إلى الأوائل، وصرّح لنا بأنه من هذا الفريق يقول: “والمطبوعون وأهل البلاغة لا يكون الفضل عندهم من جهة استقصاء المعاني والإغراق في الوصف، وإنما يكون الفضل عندهم في الإلمام بالمعاني وأخذ العفو منها كما كانت الأوائل تفعل، مع جودة السبك وقرب المأتى، والقول في هذا قولهم، وإليه أذهب”[11].

الفرع الثاني: تصور الآمدي للمصطلح.
كما ذكرنا سابقًا بأن الآمدي قد بدأ في مصطلح (عمود الشعر) منتصرًا للبحتري؛ لأنه أكثر التزامًا بتقليد أساليب القدماء في الشعر، تلك الأساليب التي يُشير إليها هذا المصطلح، فكان أول من أسس له، بعدما كان الجاحظ قد ألمح إليه[12].
إذن فالآمدي تحدث من خلال (عمود الشعر) عن تصوره للشعر وطرائقه ومناهجه من خلال شعر البحتري أنموذجًا للشعر القديم، فقد تحدث عنه من حيث الأسلوب، ومن حيث المعاني، ومن حيث الأخيلة والصور.

أما الأسلوب فإن عمود الشعر ينشد في الألفاظ السهولة والألفة، وألا تكون ألفاظًا حوشيه غريبة، والشعر يؤثر السهولة والوضوح، ويتجه إلى الشعر القريب الذي يخاطب القلب من أسهل الطرق، وبالتالي فهو يُنفر من كل ما يمكن أن يُفسد في الشعر بساطته ويبعده عن عفويته أو يعقده ويغمضه[13].
فالآمدي يُنفر من الفلسفة والأفكار الدقيقة إذا دخلت في نسيج الشعر؛ لأنها تجعله بحاجةٍ إلى استنباط وإدامة النظر والتفكير، فيصبح الشعر بعيدًا كل البعد عن عمود الشعر العربي المعروف، ويُخرج صاحبه من دائرة الشعراء والبلغاء، ويُسمى وقتها حكيمًا أو فيلسوفًا؛ لأن طريقته ليست طريقة العرب ولا على مذهبهم[14].

إذنْ فأصحاب عمود الشعر هم من أنصار اللفظ الذين يكون الفضل عندهم لسلامة السبك، وجودة الرصف، وإشراقه ديباجة الشعر، وحسن اختيار الألفاظ، وإيقاعها في الجملة موقعها الملائم بحيث تكون مشاكله لما قبلها، وما بعدها، وملائمة للمعنى الذي استُعملَتْ فيه بلا زيادة ولا نقصان[15].
ومما يحرص عليه الآمدي وهو يرسم عناصر عمود الشعر قرب الاستعارة، وهذا القرب يتأتى إذا كانت العلاقة واضحة بين المشبه والمشبه به، وكلّما كانت الصلة واضحة بين هذين الركنين، وكان وجه الشبه الذي يربطهما متميزًا جليًا؛ كانت الاستعارة قريبة، وبالتالي مستحسنة[16].

كما أن الاستعارة تكون قريبة حينما تحمل اللفظة المستعارة معنى أو فكرة تصلح لذلك الشيء الذي استُعيرتْ له، أما إذا استعرنا كلمة لا تصلح له، أو لا تتناسب معه فهي عندئذٍ استعارة مستكرهة، ويقول الآمدي: “وإنما تُستعار اللفظة لغير ما هي له إذا احتملت معنًى يصلح لذلك الشيء الذي استعيرت له ويليق به؛ لأن الكلام مبني على الفائدة في حقيقته ومجازه، وإذا لم تتعلق اللفظة المستعارة بفائدة في النطق فلا وجه لاستعارتها”[17].

إذنْ فنستنتج مما سبق بأن الاستعارة من أسباب خروج أبي تمام على عمود الشعر؛ لأن استعارته اتسمت بالبعد، فأصبح شعره “لا يشبه الأوائل، ولا على طريقتهم، لما فيه من الاستعارات البعيدة”[18].

فإذن، فالآمدي يولي عنايةً خاصة في عموده للأسلوب، فهو يهتم كثيرًا بجودة السبك، وسلامة التأليف، ونصاعة ديباجة الشعر وحلاوة اللفظ، وكذلك أن تقع الألفاظ في مواقعها المناسبة في الجملة مشاكلة معانيها وغير متنافية معها.

ويمكن القول: إن الآمدي كان يتمثل شعر البحتري وهو يضع عناصر عموده، لا بل إن بعض الدارسين يرى أن عمود الشعر عنده جاء صورةً لشعر البحتري، ووُضع أساسًا خدمةً له، فعناصر ذلك العمود هي الخصائص التي تتوافر في شعر البحتري، ويتجافى عنها شعر أبي تمام[19]. في حين يرى إحسان عباس أن عمود الشعر عند الآمدي نظرية وُضعت خدمةً للبحتري وأنصاره فأبعدت الموازنة عن الإنصاف[20].

إذن يمكن القول بأن الآمدي قد نعى في مواضع كثيرة من الموازنة على أبي تمام استعماله الغريب المستكره من الألفاظ، مما يعد مخالفة لعمود الشعر، وأشاد في المقابل كثيرًا بالبحتري؛ لأنه ابتعد عن ذلك، وآثر ما سهل من الألفاظ، وكان خفيف الوقع مأنوسًا مفهومًا لدى كل الناس.

ونخلص مما سبق بأن عمود الشعر عند الآمدي من حيث الأسلوب كان ينفر من الألفاظ الغريبة، والكلمات غير المألوفة، فهي لا تتفق مع جمال السبك، ورشاقة الرصف اللذين ينشدهما، ولا تتفق أيضًا مع ما يتطلبه عمود الشعر في الشعر من سهولة وبساطة، وبعد عن التكلف والتعقيد والغموض.

أما من حيث المعاني فعمود الشعر يوليها المرتبة الثانية بعد حسن الأسلوب، وسلامة التأليف، وهو يؤثر فيها السهولة والبساطة والوضوح، فالشعر في نظر الآمدي تصوير للأحاسيس والعواطف، وهو حديث إلى القلب والمشاعر، فهو بذلك ينفر من المعاني الصعبة، والأفكار الدقيقة التي تحوج إلى طول تأمل وتفكر، وإلى استنباط واستخراج[21].

ولذلك نجده ينتصر للبحتري؛ لأنه كان يتجنب التعقيد ومستكره الألفاظ، ووحشيّ الكلام، أمّا أبو تمام فإنه في رأيه فارق عمود الشعر؛ لأنه شديد التكلف، صاحب صنعة، ويستكره الألفاظ والمعاني[22].

أما من حيث الخيال فمن الواضح أن عمود الشعر يهتم بالصنعة، ويرى فيها مزية وفضلاً وهو يدعو إلى الأخذ بها، والاهتمام بشأنها ولكن ألاّ تجاوز المألوف، وألاّ تبلغ حد الإفراط والإسراف فتصل إلى التكلف والتصنع الممقوت[23].

وقد ذكرنا آنفًا أن الآمدي كان يولي الصنعة اهتمامًا، بشرط أن تكون في حدود المقبول وألا تتجاوز الإفراط، كما كان عمود الشعر يولي عناية خاصة للاستعارة وينشد أن تكون قريبة واضحة، ويتأنى لها هذا القرب من ظهور العلاقة بين المشبه والمشبه به وانكشافها[24].

ونخلص مما سبق بأن الآمدي كان يستمد خصائص عمود الشعر التي تحدثنا عنها سابقًا (الأسلوب، والمعاني، والأخيلة) من الشعر القديم، ولا ننسى أنه كان من أنصار القديم، وأن ذوقه محافظ تقليدي يميل إلى أشعار القدماء.

كما أن هذه الخصائص التي يتسم بها عمود الشعر – كما صوره الآمدي – تتفق تمامًا مع مذهب البحتري، وفي رأيي كما ذكرتُ سابقًا بأن ذلك المصطلح جاء خدمةً للبحتري بدليل أنه اتهم أبا تمام بالخروج على العمود، بيد أن المرزوقي والجرجاني لم يتهما أبا تمام بالخروج والمخالفة، فالبحتري في رأيه كان يعني بجودة السبك، وسلامة التأليف، وحلاوة الألفاظ، هذا من ناحية الأسلوب، أما من ناحية المعاني فكان يأخذ ما بدا له، في قرب وعفوية وبساطة، وأما من حيث الخيال فاتصفت صنعته بسهولتها، فلم تتعقد عنده.

وبالمقابل هذا كله خالف أبو تمام، فلم يعنَ بأسلوبه كما كان يُعنى بمعانيه، فلم يخلُ شعره من نسج رديء، وعبارة سيئة، وألفاظ وحشية مستكرهة، فتعقدت صنعته، وبلغت درجة التكلف الممقوت.

——————–
[1] انظر: ابن منظور، لسان العرب، و الفيروز آبادي، القاموس المحيط، مادة (عَمَدَ).
[2] انظر: أحمد مطلوب، معجم النقد العربي القديم، 2/ 133.
[3] انظر: الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة، ط1، 1961م، 1/44.
[4] المصدر نفسه، 1/84.
[5] انظر: حازم القرطاجَنِّي، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق: محمد الحبيب، تونس، د.ط، 1966م، ص 249، 251.
[6] انظر: الآمدي، الموازنة بين الطائيين، تحقيق: السيد صقر، دار المعارف، ذخائر العرب، 1965م، 1/4.
[7] نفسه، 1/12.
[8] نفسه، 1/18.
[9] نفسه، 1/423.
[10] انظر: القيرواني، أبو علي الحسن بن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق: محمد قرقزان، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1988م، 1/214.
[11] انظر: الآمدي، المصدر السابق، 1/401 – 402.
[12] انظر: الجاحظ، المصدر السابق، 1/44 و 84.
[13] انظر: الآمدي، الموازنة، 1/423.
[14] نفسه، 1/423 وما بعدها.
[15] انظر: وليد قصاب، قضية عمود الشعر العربي القديم، المكتبة الحديثة، العين، ط2، 1985م، ص 146.
[16] انظر: الآمدي، الموازنة، 1/201.
[17] نفسه.
[18] المصدر السابق، 1/4 – 5.
[19] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 141، و ابتسام الصفار و ناصر حلاوى، محاضرات في تاريخ النقد عن العرب، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بغداد، د.ط، د.ت، ص 274.
[20] انظر: إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1971م، ص 150.
[21] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 157.
[22] انظر: الآمدي، الموازنة، 1/6 – 18.
[23] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 157 وما بعدها.
[24] نفسه، ص 158.

المبحث الثالث: المصطلح عند الجرجاني.
الفرع الأول: تصور الجرجاني لمصطلح عمود الشعر.
قد قرأ القاضي الجرجاني ما كتبه الآمدي عن عمود الشعر، فحاول أن يستفيد من مصطلحه[1]، وأراد أن يطور على ما جاء به الآمدي من خصائص في مصطلح عمود الشعر، إلا أن هذه الخصائص “كانت أكثر توافرًا في عمود الشعر على النحو الذي تصوره الآمدي، وأشد وضوحًا منها في عمود الشعر على النحو الذي تصوره الجرجاني في الوساطة”[2].

فالجرجاني في كتابه الوساطة قد تعَّرض فيه لبعض خصائص الشعر العربي، ولكثير من الأحكام النقدية، ومن ذلك إشارته إلى (عمود الشعر ونظام القريض) في قوله: “ولم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذ حصل لها عمود الشعر ونظام القريض”[3].

إلا أن هذا التعبير (عمود الشعر) لم يذكره الجرجاني في رأيي كمصطلح له حدوده الجامعة المانعة، بل ذكره في معرض كلامه على المرتكزات الأساسية للمفاضلة بين الشعراء.

ويقول الجرجاني بناءً على ذلك: “وكانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن، بشرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، وتسلّمُ السّبق فيه لمن وصف فأصاب، وشبّه فقارب، وَبدَه فأغزر، ولمن كثرت سوائرُ أمثاله وشوارد أبياتهِ”[4].

فمن هنا كانت معظم العناصر التي تحدث عنها الجرجاني على أنها مقياس المفاضلة والسبق بين الشعراء، وكذلك على أنها معيار الشعر الجيد، وهذه تكاد تكون عناصر عامة تتوافر في الشعر القديم مثلما تتوافر في الشعر الحديث كذلك.

فمثلاً ذكر الجرجاني صحة المعاني، وإصابة الوصف، واستقامة اللفظ، والغزارة في البديهة، وكثرة الأمثال السائرة والأبيات الشاردة، فهي ليست خصائص للشعر القديم فقط، ولا هي مقصورة عليه، وإن منها ما يعد أصلاً من أصول الشعر الذي لا يستغني عنه، ولا يقوم إلا به في أي عصر كان[5].

ويمكن القول بأن الجرجاني لم يتحدث عن عمود الشعر حديثًا واضحًا محددًا، وإنما أشار إليه إشارة عابرة سريعة، فحدد للشعر ستة عناصر يتعلق بعضها باللفظ الذي ينبغي أن تتوافر فيه الجزالة والاستقامة، ويتعلق بعضها بالمعنى الذي يشترط فيه الشرف والصحة، ويستحسن منه ما كان سهلاً مفهومًا يسير أمثالاً على الألسنية، وأبياتًا شاردة يتناقلها الناس ويحفظونها حكمًا وشواهد، ويتعلق بعضها بالخيال، ويؤثر عمود الشعر عند الجرجاني ما كان مطبوعًا سهلاً، قريب المتناول، يُصيب الوصف، ويقصد الغرض من سبيل صحيح[6].

فنلاحظ مما سبق أن الجرجاني قد تحدث عن عناصر أو خصائص عمود الشعر بشكلٍ عام فلم يحصرها في الشعر الجاهلي كما فعل الآمدي، وإنما هو يحدثنا عن عمود الشعر الذي يعني مجموعة عناصر الشعر ومقوماته الأساسية التي لا يقوم إلا بها في الشعر القديم والشعر الحديث.

فالجرجاني من خلال حديثه عن عمود الشعر فهو يكشف لنا عن إدراكه بأن الآمدي قبله أفاض في القضية، وهو يدرك المآخذ التي يمكن أن تؤخذ على تناوله لها، ولهذا جاءت معالجة الجرجاني لعمود الشعر مجسدة لميزة بارزة هي إطلاق القضية من عقال أبي تمام والبحتري خاصة إلى أفق أعم وأرحب، وإطار يصلح تطبيقه على كل شاعر وكل شعر[7].

وأشرنا سابقًا عن أهم العناصر التي ذكرها الجرجاني، وكان قد أشار إليها الآمدي ولكن بعباراتٍ واصطلاحاتٍ مختلفة، أما العنصران الآخران وهما: الغزارة على البديهة، وكثرة الأبيات السائرة والأمثال الشاردة، فهذان العنصران يستند الجرجاني فيهما إلى الذوق العام، ويفتح بها الباب بقوة لكثير من نماذج الشعر الحديث وشعرائهِ.

ولعل أن أهم مُلاحظة تُذكر للجرجاني في هذا الصدد عمده إلى تجنب تحديد المقصود بهذه المصطلحات وذلك حرصًا منه على تأكيد مرونتها وإضفاء طابع تعميمي عليها؛ ليجعلها أداة صالحة للتقويم المتشرب لطبيعة الذوق الخاص بالناقد[8].

الفرع الثاني: مقارنة بين تصور الجرجاني والآمدي للمصطلح.
بدا الجرجاني ناجحًا أكثر من الآمدي في مبدأ المقايسة، عند دفاعه عن المتنبي، “وما كان الآمدي إلاّ معلمًا للجرجاني، فنجح الآمدي نظريًا فقط، بينما نجح تلميذه في منهجه نظريًا وعمليًا، أما في الآراء والنظرات النقدية، فإن الجرجاني لم يأتِ بشيء جديد، وإنما التقت عنده أكثر الآراء والنظرات النقدية السابقة، فأحسن استغلالها في التطبيق والعرض”[9].

فقد كان الجرجاني في وساطته مثالاً للناقد الفذ في نزاهة الحكم، وقد كان في قوله بآراء نقدية سابقة، وإهماله قضايا نقدية كقضية اللفظ والمعنى، ما يؤثر التطور النقدي والحاجة إلى طرائق جديدة في الغرض النقدي.

ويلتقي الجرجاني مع الآمدي في إيثاره للشعر المطبوع، وفي تفضيله لما كان سهل المتناول قريب المأخذ، ولكن الآمدي قد يكون أكثر تقبلاً منه للصنعة إذا كانت في حدود مقبولة لا تبلغ الإسراف الشديد، فقد رأينا أن البحتري عنده -على الرغم من أنه من أصحاب البديع، وقد أكثر من فنونه وأشكاله- فهو شاعر ملتزم بعمود الشعر العربي، لم يفارق أصوله القديمة، ولم يخرج عليها[10].

بينما هذه الصنعة تأتي هامشية في عمود الشعر عند الجرجاني؛ لأن العرب -على حد تعبيره- “لم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة، إذا حصل عمود الشعر ونظام القريض”[11].

وقد رأينا فيما سبق أن عمود الشعر عند الآمدي لم يكن يعبأ بالمعاني الموّلدة الجديدة، فقد رفض هذه المعاني أساسًا في الشعر، بل إن هذه المعاني التي يأتي بها أبو تمام أحيانًا مخالفًا ما ألفته العرب، ويعدها خروجًا على عمود الشعر.

ولذلك يقول الآمدي في شعر أبي تمام: “لا يشبه أشعار الأوائل ولا على طريقتهم؛ لما فيه من الاستعارات البعيدة والمعاني المولّدة”[12].

أما الجرجاني فقد نظر إلى المعاني من زاوية أوسع وأرحب، فاشترط فيها أن تكون شريفة صحيحة، ومن الواضح أن هاتين الصفتين في المعنى تُفسحان المجال للأفكار الجديدة، والمعاني الموّلدة، ولا تعدانها خروجًا على عمود الشعر أو مخالفة لطرائقه.

ومثال ذلك أنه يمكن أن يُستنتج من عبارة (الإصابة في الوصف) وهي عبارة عامة أن تدخل تحت مدلولها الأوصاف الجديدة التي يبدعها خيال الشاعر ما دام قد أصاب في وصفهِ، وأتى بالغرض على وجهه الصحيح الكامل[13].

ونخلص مما سبق بأن نظرة الجرجاني كانت أوسع مدًى من نظرة الآمدي الذي رأيناه أضيق صدرًا، وأقل تقبلاً لهذه الأوصاف المبتدعة الجديدة التي كان يأتي بها أو تمام.

ومع ذلك فعمود الشعر عند الجرجاني يلتقي مع عمود الآمدي في أنه ينفر من المعاني المعقدة الغامضة التي تُستخرج بالغوص والفكرة، وتحتاج إلى تأمل ونظر كما رأينا سابقًا.

فكان الجرجاني كالآمدي لا يرحب كثيرًا بدخول الفلسفة إلى مجال الشعر، ويكره فيه أن يكون معرضًا للنظر والمحاججة، أو الجدل والقياس، فلذلك في نظره هذا مما يعقد الشعر، فيبعده عن النفس، وينفرها منه، ويقول: “والشعر لا يُحبب إلى النفوس بالنظر والمحاجة، ولا يحلي في الصدور بالجدال والمقايسة، وإنما يعطفها عليه القبول والطلاوة، ويقربها منه الرونق والحلاوة..”[14].

وقد ذكرنا آنفًا بأن الآمدي قد ذكر صراحةً، وفي أكثر من موضع، على أن البحتري قد التزم بعمود الشعر، وقام بأصوله حق قيام، على حين أن أبا تمام فارق عمود الشعر، وخرج عليه، وخالف طريقة العرب.

أما الجرجاني فإننا لا نلمح له موقفًا محددًا من هذه القضية، فهو لم يتهم أبا تمام بالخروج على عمود الشعر، حتى إنه لم يتحدث في وساطته بين المتنبي وخصومه عن صلة المتنبي بعمود الشعر.

وأنا في رأيي أن السبب في ذلك حتى تكون معالجة الجرجاني لقضية عمود الشعر أوسع منها عند الآمدي، وحتى تكون صالحة في كل عصر وكل زمان، بحيث يمكن تطبيقها كما ذكرنا على كل شاعر وكل شعر.

إذن فالجرجاني يمرُّ بالمصطلح مرورًا عابرًا سريعًا، لا يتوقف عنده، ولا يُشير إلى علاقة أبي الطيب به، فهو يكتفي بأن يضع للشعر وعموده تلك العناصر الستة التي أشرنا إليها سابقًا دون شرح لها أو حتى توضيح لمدلولاتها، ودون أن يقيس عليها شعر المتنبي؛ ليرى مدى اتفاقه معها أو مجافاته لها.

وكما ذكرنا سابقًا بأن خصائص عمود الشعر بشكل عام كانت مستمدة من الشعر القديم ومستنبطة من أصولهِ ومبادئهِ، وهذه ظهرت عند الآمدي حيث مثلها وطبقها على البحتري أنموذجًا للشعراء الأوائل، بينما كانت تلك الخصائص عند الجرجاني تمثل المفاضلة بين الشعراء بشكلٍ عام، وكانت تتوافر في الشعر الجيد وهي عناصر عامة تتوافر في الشعر القديم مثلما تتوافر في الشعر الحديث.

إن نظرية عمود الشعر هذه كما عرضها الجرجاني قد أصابها تطور كبير عما كانت عليه من قبل، مثلاً كانت تلك النظرية عند الآمدي محصورة في نطاق ضيق تتمثل في الشعر القديم أو في شعر البحتري، بينما نجد غير ذلك عند الجرجاني فأخذت تتسع وتمتد، وتصبح أكثر انفتاحًا، وأشد انفساحًا.

وفي نهاية الأمر، أنوّه إلى أن من خلال طريقة سوق الكلام وصياغته لدى كل من الآمدي والجرجاني -في توضيح عمود الشعر- لا توحي بأنهما يعمدان إلى تحديد مصطلحٍ نقديٍّ لم يكن قد اُُشتهر بعدُ، ولا عُرف قبلهم، كما لا توحي بأنهما هما اللذان وضعاه ابتداءً.

——————–
[1] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 178 وما بعدها، و الجرجاني، القاضي علي بن عبد العزيز، الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي، المكتبة العصرية، بيروت، د.ط، 1966م، ص 15 – 25.
[2] انظر: الآمدي، الموازنة، 1/4.
[3] انظر: الجرجاني، الوساطة، ص 34.
[4] نفسه، ص 15 – 25.
[5] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 184.
[6] المصدر السابق، ص 186.
[7] انظر: صلاح رزق، أدبية النص، دار الثقافة العربية، القاهرة، ط1، 1989م، ص 127.
[8] نفسه، ص 128.
[9] انظر: إحسان عباس، تاريخ النقد عند العرب (نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري)، دار الشروق للنشر والتوزيع، ط2، عمان، 1986م، ص 316 وما بعدها.
[10] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 182.
[11] انظر: الجرجاني، الوساطة، ص 33.
[12] انظر: الآمدي، الموازنة، 1/6.
[13] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 182.
[14] انظر: الجرجاني، المرجع السابق، ص 100.



شكرا على المجهود

شكرا لكم بارك الله في جهودكم دمت بخير خدمة للعلم

التصنيفات
لغــة وأدب عربي

لنقد الادبي الحديث

تمهيد..

ما هو النقد ؟
1- استعملت اللغة العربية لفظ النقد لمعان ٍ مختلفة :
الأول : تمييز الجيد من الردىء ، قالوا : نقدت الدراهم وانتقدتها : أخرجت منها الزيف وميزت جيدها من رديئها، ومنه : التـنقاد والانتقاد ، وهو تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها .

والثاني : العيب والانتقاص . قالت العرب : نقدته الحية إذا لدغته ، ونقدت رأسه بأصبعي إذا ضربته , ونقدت الجوزة أنقدها إذا ضربتها . وفي حديث أبي الدرداء : إن نقدت الناس نقدوك ، ومعناه إن عبتهم وجرحتهم قابلوك بمثل صنيعك .

2- واستعمل الأدباء العرب كلمة النقد بالاستعمالين لنقد الكلام شعره ونثره على السواء ، وبدأ ظهور ذلك في القرن الثالث الهجري على وجه التقريب ، ويقول البحتري عن أبي العباس ثعلب : ما رأيته ناقدا للشعر ، ولا مميزا للألفاظ ، ورد عليه آخر فقال : أما نقده وتمييزه فهذه صناعة أخرى ، ولكنه أعرف الناس بإعرابه وغريبه . وألّف قـُدامة كتابيه ” نقد الشعر ” , و ” نقد النثر ” . وألّف ابن رشيق ” العمدة في صناعة الشعر ونقده ” .

3- وسارالنقاد العرب في نقدهم على كل من الاستعمالين :
(أ) استعملوه في القديم والحديث على معنى التحليل والشرح والتمييز والحكم , فالنقد عندهم دراسة الأشياء وتفسيرها وتحليلها وموازنتها بغيرها المشابهة لها ، أوالمقابلة ، ثم الحكم عليها ببيان قيمتها ودرجتها ، وأكثر الذين كتبوا في النقد العربي مشوا على هذا المعنى .

(ب) واستعملوه كذلك بمعنى العيب والمؤاخذة والتَّخطئة ، فألـّف المرزباني ” الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء ” ، ويريد بالعلماء النقاد . ولايزال النقد مستعملا بهذا المعنى حتى اليوم عند بعض النقاد المعاصرين ، ويقابله التقريظ ، فهو المدح والإعجاب ، من قرظ الجلد إذا دبغه ، وذلك إنما يكون للتحسين والتزيين .

4- ويعرّف المحدثون النقد – بناء على المعنى الأول في الاستعمال اللغوي – فيقولون : إنه التقدير الصحيح لأي أثر فني ، وبيان قيمته في ذاته ودرجته بالنسبة إلى سواه . فكلمة النقد تعني في مفهومها الدقيق ” الحـُكم ” ، وهو مفهوم نلحظه في كل استعمالات الكلمة حتى في أشدها عموما . والنقد الأدبي في أدق معانيه هو فن دراسة الأساليب وتمييزها ، على أن نفهم لفظة الأسلوب بمعناها الواسع ، وهو منحى الكاتب العالم وطريقته في التأليف والتعبير والتفكير والإحساس على السواء .

فللنقد مهمتان مختلفتان : مهمة التفسير ، ومهمة الحكم ، أي إصدار الأحكام الأدبية في قضايا الأدب ومشكلاته .

وجملة الأمر أن النقد الأدبي هو الحـُكم الذي تصدره على الشعر والنثر ، وأنه عند المحدثين تقدير النص الأدبي تقديرا صحيحا ، وبيان قيمته العامة ، والموازنة بينها وبين ما يشابهها من الآثار .. وأصول النقد قراءة وفهم وتفسير وحكم ، والغرض منه دراسة الأساليب أو الكـُتـَّاب أو الآراء والأفكار .

5- ومن الضروري أن نعرف النقد بدءً – منذ استمع الإنسان إلى الأدب شعرا ونثرا – بأحكام عامة مقتضبة ، موجزة , لا تحمل تعليلا ، ولا تستصحب أسبابها ، شأن الأحكام العامة التي يرشد إليها الذوق ، ويكون للفطرة الأدبية مدخل فيها ، دون أن تتأثر بنزعة علمية ، أو منهج عقلي ، أو أسس موضوعة .

كذلك كان شأنه في الأدب العربي ، في العصر الجاهلي ، حكم دون تعليل ، لأن أحكام الذوق والفطرة التي لم تسترشد بمناهج أو أصول موضوعة لابد أن تكون كذلك .. ثم أخذ يرتقي العقل ، وينضج الحس الأدبي ، ويرتفع مستوى الملكات ، وبدأ العقل لا يقنع بأن يرسل الحكم إرسالا دون أن يوضحه توضيحا ، فأخذ يومىء من بعيد على سبيل الرمز والتلويح إلى السبب . وبعد أن بدأ تدوين العلوم والثقافات ، وأخذ العقل العربي يضع أصولا للبيان والنقد ، بدات أحكام النقد تصطبغ بصبغة علمية موضوعية ، فالحـُكم بجانبه السبب والعلة ، والنقد يحمل معه طابع التوجيه والتعليل للوصول إلى أحكام موضوعية .

فالنقد في الآداب العربية هو ” شرح الشعر ، وتقرير طريقة الشعر الجاهلي لتكون منهجا للشعراء ، لا حركة العقول والأفكار وأكبر مظاهره عندهم هو علم البلاغة ” .

وهكذا تجد أن أصول النقد هي : قراءة ، وفهم ، وتفسير , وحُـكم وأن الغرض منه كما يقول بعض النقاد : دراسة الأساليب أو نفوس الكـُتـَّاب ، أو دراسة الآراء والأفكار .

على أن النقد ذو صلة وثيقة بالذوق ، وليس هو مطلق الذوق ، بل ذوق ذوي الثقافات الأدبية العالية . والنقد فن وليس بعلم ، فليس له قاعدة ثابتة .

وظيفة النقد الأدبي :
1- إذا كانت كلمة النقد تعني في مفهومها الدقيق ( الحُـكم ) ، وكان ” النقد الأدبي ” هو إصدار حكم على الآثار الأدبية ، فإن الأدب الإنشائي يخالف الأدب النقدي الذي هو من الأدب الوصفي ، فالإنشائي هو تفسير للحياة في صور مختلفة من الفن الأدبي , والأدب النقدي هو تفسير لهذا ولصور الفن التي يوضع فيها ، وكما يأخذ الأدب من الطبيعة والحياة فإن النقد كذلك ياخذ منهما عن طريق غير مباشر ، ولذلك يقول الناقد ” وليم واطسون ” عن الشعراء : ” وقد اعتبرت هؤلاء كجزء من عظمة الطبيعة ” .

وإذا كان في الإمكان الرجوع إلى المصدر الأول وهو الطبيعة دون الرجوع إلى تفسير لها أي إلى النقد ، فإن النقد يوحي ويشجع وينير السبيل ، ويلهم الأدباء أنفسهم اتجاهات جديدة ، وللنقد قيمته الذاتية في أنه تعبير عن الناقد نفسه ، عن شخصيته وفكره ومذهبه ومنهجه .

2- إن وظيفة النقد الأدبي هي في تقويم العمل الأدبي من الناحية الفنية . وبيان قيمته الموضوعية ، وقيمته التعبيرية والشعورية ، وتوضيح منزلته وآثاره في الأدب .

يرى ” سانت بيف ” أن وظيفة الأدب هي النفاذ إلى ذات المؤلف لتستشف روحه من وراء عباراته بحيث يفهمه قـُرَّاؤه ؛ وفي ذلك يضع الناقد نفسه موضع الكاتب ، فالنقد على حد تعبيره يعلم الآخرين كيف يقرءون ، ولذلك كان على النقد أن يتجاوز القيم الجمالية العامة إلى بيان العمل الأدبي للقارئ لمساعدته على فهمه وتذوقه ، وذلك عن طريق فحص طبيعته وعرض ما فيه من قيم .

ويُعرِّف ” سانت بيف ” الشعر بأنه التعبير الجميل عن شعور صادق .
ويحمل ” وردزورث ” على النقد ويعدّه عبثا ، لأن المقدرة على النقد أحط من المقدرة على الإنشاء . ومن قبل حمل ” أفلاطون ” على الشعر وعابه بأنه تقليد للتقليد .

ولا شك أن ذلك أمر لا يوافقه عليه ناقد آخر ، فإن النقد يوجه ويثري الأدب , ويعلي من منزلته في الحياة ، ولا غنى للحياة ولا للأدب ولا الأدباء عنه , وهو الذي يخلق المناهج والمذاهب الأدبية ، ويقوّم أعمال الأدباء ، ويوصي باختيار النماذج الجيدة من الأدب ومحاكاتها ، ويغرس حب الجيد منه في نفوس الدارسين والناشئين ويُعـَوِّدهم على مثل هذا الجيد منه .

والنقد عند ” كولردج ” ليس هو اكتشاف مدى إلتزام العمل الأدبي بقواعد شكلية معينة ، بل في كشف مدى انسجام العمل مع ذات الناقد . ومهمة الأديب هو تجسيد تجربته في رموز ، وعلى الناقد أن يتحقق فيما إذا كان الشاعر قد اقتصر على ترجمة أفكاره إلى لغة الشعر أم أنه قد نجح في تجسيد هذه الأفكار في رموز تعادلها تماما بحيث يتعذر انفصال إحداها عن الأخرى .

ويروي ” باوند ” الأمريكي أن الشعر خَلـْق لا تعبير ، وعملية الخلق هي عملية واعية في الدرجة الأولى ، فهي عملية تحكم ، وليست عملية إلهام . ويقول : إن أعظم أمراض النقد هو الإندفاع بحثا عن شخص الفنان في العمل الفني ، ويناظره في الفشل النظر إلى العمل في ذاته .. ومن الموهبة واستيعاب التراث يصبح الإنسان شاعرا ، فلا بد لذلك منهما ، وفي هذا يتفق ” باوند ” مع ” إليوت ” .

ووظيفة النقد عند ” باوند ” هي فحص العمل الفني من الداخل ، من حيث علاقته بذاته ، دون أي شيء خارج عليه , سواء كان ذلك مُمـَثلا في حياة الأدب أو المجتمع أو العصر .

وأدوات النقد عند باوند , و إليوت هي :

1- التحليل : أي فحص العمل الفني من الداخل واستظهار الصلة القائمة بين أجزائه .
2- المقارنة : وهي ربط العمل الفني بالتراث الذي ينتمي إليه ، وكشف موضعه من هذا التراث .

ويرفض ” باوند” نظرية التفسير في النقد ، رفضاً تاماً .
أنواع النقد الأدبي :
1- النقد الذاتي أو التأثـُّري : وهو الذي يقوم على الذوق الخاص ، ويعتمد على التجربة الشخصية ، ويعتمد على المنهج الموضوعي .

2- النقد الموضوعي : وهو الذي يركن إلى أصول مرعية وقواعد عقلية مقررة يعتمد عليها في الحكم ، كطريقة قـُدامة في كتابه ” نقد الشعر ” .

3- النقد الاعتقادي : وهو النقد الذي تتحكم فيه عقائد وآراء خاصة عند الناقد , وهو يحمل في طياته معنى التعصب والميل إلى نزعة خاصة , وكلما تحرّر الناقد في نقده من آرائه ومعتقداته الشخصية كان تقديمه عادلا وأكثر إنصافا وصدقا وتحريا للحقيقة , إذ أن تجرّد الناقد من هواه وآرائه شرط أساسي لسلامة أحكامه النقدية من الجور .

4- النقد التاريخي : وهو النقد الذي يحاول تفسير الظواهر الأدبية والمؤلفات وشخصيات الكتـّاب ، فهو يـُعنى بالفهم والتفهيم أكثر من عنايته بالحكم والمفاضلة .. وتفسير الظواهر الأدبية أو المؤلفات أو شخصيات الكتـّاب ، يتطلـّب معرفة بالماضي السابق لهم ، ومعرفة بالحاضر الذي أثـّر فيهم .

5- النقد اللغوي : وهو الذي يحكم فيه على أساس اللغة وقواعدها الأسلوبية واللغوية المقرّرة .

هذا ويرى الناقد مصطفى عبداللطيف السحرتي أن الناقد العربي المعاصر ، ينبغي أن تكون له ثقافته الفنية ، واتجاهه الفلسفي ، ومـُثـُله الحضارية ، وقيمه الخلقية على سواء ، وأن يطبـّقها على الأعمال الأدبية في حرّية وشجاعة , فيزن ما في عمل الأديب من مقومات فنية , وما يضم من فكرات صائبة أو مخطئة ، هادية أو مضللة , سليمة أو زائفة منحرفة ، أو بمعنى آخر لابد للناقد من تقييم المضمون أو المحتوى في العمل الأدبي , والمضمون عنصر جوهري في رأينا ورأي الفريق الثاني الذي اصطرع مع الفريق الأول وله درجات بحسب قيمته البناءة في حياة الأشخاص وفي الجماعات ، فالأديب الذي يقصر محتواه على التغزّل في زهرة ، أو يذرف الدمع الغزير على قِط ، أو يهدهد الغرائز بقصصه ، وما إلى ذلك ، ليس كالأديب الجاد الذي يتناول حقيقة من الحقائق النفسية النبيلة ، أو تجربة من التجارب الناضجة ، أو فكرة من الأفكار الحية العميقة . فلو أبيح للأديب أن يقول ما يشاء ، فينبغي أن يباح للناقد أن يعقـب على مضمونه قيـّماً أو تافهاً ، سليماً أو شاذّاً ، وإلا كنا جارمين آثمين في حق الأدب وفي حقّ البشرية التي يطرح الأديب لها نتاجه .

وفي الحركات النقدية في أوربا أو أمريكا من وقف مثل هذه الوقفات ، فلقد وقف في وجه ” إليوت ” نقاد كبار ، كما هوجم ” بوند ” و ” همنجواي ” و ” فولكنز ” , لآرائهم السلبية , واتجاهاتهم المناقضة للاتجاهات الديمقراطية أو الإنسانية في بعض الأحيان ، فإذا كان هذا هو موقف النقاد في الغرب فما بالنا بما ينبغي أن يكون عليه موقفنا ونحن في مفترق الطريق ، ننشد طريقاً يهدي إلى الرشد والتقدم والحضارة ، إنه لموقف يوجب علينا أن نعطي الناقد كل الحق في التحدث عن فن العمل الأدبي ، ومحتواه ، واتجاهه الفلسفسي أو الاجتماعي وأن نلح في ذلك إلحاحا شديدا .

وبهذه المواقف الفنية والفلسفية والاجتماعية التي تتفق مع أيديولوجيتنا العربية ، ومع القيم الخلقية العربية ، ومع الروح الإنساني إلى المتعة الجمالية ، يمكن أن نجني من الأعمال الأدبية الثمرة الطيبة الشهية لخير الإنسـان العربي والمجتمع العربي .

والناقد العربي في تقويمه لا يجوز أن يتقمـّص مذهبا فنيـّاً وينحصر فيه بذاته ، ولا أيديولوجية شرقية أو غربية ، بل عليه أن ينطلق مستقلا في هذا التقويم ومستفيدا من أحدث النظريات الفنية فائدة توجيهية , فله أن يرجع إلى التاريخ ليعرف البيئة التي نما فيها العمل الأدبي وترعرع ، وله أن يرجع إلى السيكولوجية ليعرف صحة الشخوص ويفهم نوازعها فهما عميقا ، وله أن يرجع إلى الحالة الاجتماعية ليعرف آثارها في الأعمال الأدبية ، وله أن يـُقوِّم العمل بما يتفق مع الثقافة الرفيعة . كل هذه النواحي تلقى أضواءً على الأعمال الأدبية ، وإمكان تقويمها ، أضواء أكثر وهجا ً من الأضواء التي تلقيها العناصر الجمالية أو الفنية .

إن فهم الحركة الأدبية التي قامت بها جماعة أبولـُّو في مصر منذ بداية عام 1932 مثلا يكون أكثر عمقا إذا درسنا حالة البلاد الاقتصادية ، وسياسة حكومتها الديكتاتورية ، وسيكولوجية المجتمع في تلك الآونة . وفهم الأعمال الأدبية في فترة القلق والتحرر التي شاعت حين ذاك ، يكون أكثر سعة ورحابة إذا رجعنا إلى حالة القلق السياسية التي كانت سائدة في تلك الفترة . ولست أقول إن وعي هذه الحالات من عناصر تقويم النصوص الأدبية ، ولكن أقول إنها تنوّرها وتساعد على فهمها فهما ً طيبا ً واسعا ً .

ولكي أخرج من التعميم إلى التخصيص ، أذكر أن رواية ” عودة الروح ” لتوفيق الحكيم تبدو أكثر إثارة إذا درسنا ثورة 1919 , وأن رواية ” الأرض ” للشرقاوي تكون أكثر وضوحا إذا رجعنا لفترة ما بين الحربين ، ولعهود الحزبية المتطاحنة ، ورواية ” في بيتنا رجل ” لإحسان عبدالقدوس تنكشف إذا عرفنا حالة القلق والتحرر قبيل ثورة 1952 ، وهكـذا .

على أن المقياس التاريخي والاجتماعي في تقويم الأعمال الأدبية هو خطوة نحو إنارته , وإن كان ليس مقياسا كافيا ، ولكنه عامل مفيد للنقد ، إذا استخدم كوسيلة أو كعنصر للتقويم .

فليس بين نقادنا اختلاف ، فالفريق الأول الذي يلتزم الفنية , و الفريق الثاني الذي يضم إلى الفنية قيمة المحتوى ، ينتفع كل منهما بالآخر ، ويمكن تقاربهما إذا قدرنا أن أعمالنا الأدبية يجب أن ينظر إليها نظرة فنية في ضوء الأيديولوجية الجديدة التي تعتنقها ، وفي ضوء التقدّم الذي نصبوا إليه .

على أنه لا يجوز لنا أن نجري وراء مدرسة ولا مذهب شرقي أو غربي ، بل يمكننا أن ننتفع بجميع المذاهب لإبداع نقد مستقل أصيل .

إن النقد الأدبي هو فن شخصي ، فن يعتمد على الثقافة والبصيرة النفاذة , وعلى النزاهة ، وعلى الذكاء الحاد ، أكثر مما يعتمد على المذهبية ، وإن النقاد البصراء هم قلة موهوبة ، تعلو موهبتهم إلى درجة النبوغ بل العقربية ، وإن هؤلاء الموهوبين قد يصلون إلى حكم أكثر نفاذا وحكمة من الذين يسبحون بالقواعد والأصول الفنية , ومن الذين يضعون المضمون في القمة ، وليست الأصول ولا قيم المضامين بأكثر أهمية للناقد من الموهبة , والفطنة , والنزاهة ، فإذا ثارت مناوشة بين أصحاب المذاهب ، فإنما هي مناوشة لن تفيد النقد كثيرا ولا قليلا ، إنما يجني النقد والأدب – على سواء – ثمرات نافعة إذا عَمـِلَ النقاد – مدرّسيين وأحرارا ً- في الحقل الأدبي في محبة وتسامح وتواضع على خير الأدب ، وإعلاء شأن الموهوبين من الأدباء : شعراء ، أو قصاصين ، أو مسرحيين ، أو روائيين , أو مؤلفين ، فإنه ليؤلمني ويشجيني أن أسمع أن النقد في أزمة ، وأن أدبنا العربي يشكو اليتم ، وإنه لا يجد أقلاما ناقدة صادقة ترعاه وتضعه حيث ينبغي أن يوضع ، أو توجـّهه في لباقة وكياسة ومودة إلى الجادة القويمة .

مناهج النقد:

1- منهج النقد السائد في الآداب العربية القديمة هو ” المنهج الفقهي أو اللغوي ” الذي يعتمد على تحليل النص ودراسته ، من حيث البلاغة ، وقواعد العربية ، والنحو والصرف ، واللغة والعـَروض ، وبيان ما بين معناه ومعاني السابقين والمعاصرين من تشابه أو احتذاء .. وتقسيم النص إلى جمل أو أبيات ، والتحدث عن كل جملة أو بيت على أنه وحدة فنية مستقلة بذاتها ، وقد سار على ذلك ابن سلام ، والجاحظ ، وابن قتيبة ، والمبرد ، وابن المعتز ، والآمدي ، والجرجاني .. ولكن قـُدامة بن جعفر يسير في تحديد النقد على التحدث عن عناصر الأدب عنصرا عنصرا , من معنى ولفظ وسواهما ، ويشرح أسباب الجودة أو القـُبْح في كل ، مع القرب من المذهب الفقهي في النقد ، ويحتذيه في ذلك أبو هلال وابن رشيق .. أما عبدالقاهر الجرجاني فقد نحا في النقد مَنـْحَى التحليل الأدبي القريب من المنج الفقهي ، وتحدث عن صلة البلاغة بالنفس والعاطفة والخيال حديثا قويا مستفيضا .

ولا تزال هذه الاتجاهات القديمة هي أظهر ما يغلب على أدبائنا اليوم ، ويتسم أغلب النقد المعاصر بسماتها .. وهي تغفل التجربة الشعرية والصياغة الفنية والقيم الشعرية والأثر الأدبي جملة وصلته بصاحبه ومدى توفيقه في أداء المشاعر الخفية والعواطف الدقيقة .. ولا تزال آراء نقادنا القدامى والمعاصرين غامضة مجملة ولا يزال الاختلاف بينهما كبيرا والحكم الأدبي متفاوتا ، لأنها آراء لا تقوم على قواعد محدّدة .. ومن ثم فإن هذا المذهب الفقهي الواضح في النقد العربي عجز , ولا يزال عاجزا عن الوفاء بحق الثقافة الأدبية العالية ، وإنارة السبيل أمام دارسي الأدب ونقـّاده .

2- وقد ساد في أوربا منهج جديد في النقد ، سماه أنصاره ” المذهب الفني ” وعماده الحكم على النص الأدبي من حيث روحه وموسيقاه وأصالته وعناصره وصدقه وتجربته الشعرية .

وقد دعا إلى هذا المذهب الفني في النقد واحتذاه جماعة من المجدّدين في أدبنا المعاصر ، ومن أوائلهم : شكري ، ومطران , وأبو شادي ، وقد حكم العقاد والمازني على شعر شوقي وحافظ متأثرين به ، كما حكم السحرتي على مطران والشابي على ضوئه .

وهو منهج أصيل لا نجد له أثرا في نقدنا العربي القديم إلاّ في ومضات قليلة , نلمسها عند القاضي الجرجاني ، وعبدالقاهر .

وقد رأى سيـّد قطب في كتابه ” النقد الأدبي ” أن هذا المنهج الفني هو الذي ساد الآداب العربية القديمة ، وهو رأي لا يعتمد على فهم عميق لروح النقد الأدبي في لغتنا العربية ، كما رأى أن مذاهب النقد ثلاثة : المنهج الفني , والمنهج التاريخي ، والمنهج النفسي , وهذا خلاف تقسيمنا الذي نسير عليه ، والذي فصّل الكلام فيه السحرتي الناقد المشهور في كتابه ” الشعر المعاصر على ضوء النقد الحديث ” .. ويرى سيد قطب أن المنهج الكامل في النقد هو اجتماع هذه المناهج الثلاثة التي عدَّدَها في منهج واحد سماه المنهج التكاملي .

هذا ويرى مندور أن مناهج النقد هي : المنهج التأثري – والموضوعي – والاعتقادي – والعلمي – والتاريخي – واللغوي .

3- وسادت نزعة جديدة في النقد سـُمّيت : ” النزعة الواقعية ، أو المنهج الواقعي ” ، وأساس هذه النزعة هو النظر إلى موضوع الأثر الأدبي ، فإن كان بينه وبين الحياة والمجتمع صلة فهو أثر أدبي قيـّم تجب العناية به والإشادة بمنزلته ، وإن كان لا يعالج شأنا ً من شئون الحياة والمجتمع والناس فهو أثر أدبي يجب أن يموت وأن يختفي .. فإن عالج الأدب الموضوعات الإنسانية العالية الخالدة كان أقرب إلى الخلود الأدبي ، وسنتحدّث عن هذا المذهب بتفصيل فيما بعد .

وحول هذا المذهب الواقعي يدور ” مندور ” ، وكذلك ” هيكل ” في تعريف الأدب بأنه فن جميل غايته تبليغ الناس رسالة ما فى الحياة من حقّ وجمال .

وأرى أن الجمع بين المناهج الثلاثة ” الفقهي ، والفني ، والواقعي ” في النقد يؤدي بنا إلى أحكام أصدق وآراء أشمل في الحكم على الأدب والشعر والآثار والنصوص المختلفة ، وفهم الخصائص والمميزات والسمات لكل أديب وشاعر ، والعوامل المؤثرة في الأدب ، وصلة القديم بالحديث ، والحديث بالقديم ، وبذلك ننتقل إلى مرحلة جديدة في النقد ، قد تصل بنا إلى ” النضـج الفنـّي الكامـل ” وإلى نهضة أدبية شاملة , وإلى ازدهار في نقدنا المعاصر


شكرا كتير عن الموضوع يسلموووووووووو

طرح هادف وتحليل قيّم

بارك الله فيك فما أحوجنا لمثل هذه المواضيع الراقية

ننتظر جديد مساهماتك


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

: امتحان مقياس المعجمية السنة الثانية


امتحان مقياس المعجمية

السداسي الثاني

السنة الثانية

جامعة الجلفة

حلل وفق منهجية تحليل النصوص مايلي ودعم رأيك بشواهد بناءا على ما درسته :

احتل المعجم مكانة سامية عند جميع الأمم التي تحافظ على لغتها وتراثها ، فهو ديوان اللغة ، وعنه يأخذون ألفاظها ويكشفون غوامضها ، ولذا لا يكاد فرد من أفراد الأمة ممن لديه قسط من العلم يستغني عن الرجوع إلى المعجم .

وقد أصبح علم المعاجم علما واسعا ذا جوانب عديدة ، و أصبح له نظريات تتناول أسس صناعته ، و أصبحت الدراسات المعجمية تحتل حيزا كبيرا من الدراسات اللغوية الحديثة ، و لم يقتصر هذا العلم على صناعة المعجم كما كان يغلب على الجهود السابقة ، بل أصبحت هذه الصناعة تخضع لقواعد و أسس دقيقة ، وصارت توازن بمعايير ثابتة تدل على نضج هذا العلم ، و مما أسهم في نضجه تلاقح الدراسات حول هذا الفن لدى العديد من الشعوب بلغاتهم المختلفة ، فقد كانت صناعة المعجم عند العلماء العربية نابعة من التراث العربي دون غيره ، ولذا عدّ إبداعا من إبداعات علماء العربية ، أما في عصرنا الحاضر فقد أصبحت صناعة المعجم عالمية أسهم في تطويرها لغويون من بلاد شتّى ولغات مختلفة .
و تطور هذه الصناعة في العصر الحاضر لا ينفي ما تميز به العرب في هذا الميدان و سبقهم الأمم الأخرى ، فقد فاقوا غيرهم في صناعة المعجم ، و تعدّدت طرفة لديهم ، و اختلفت أنواعه اختلافا اثري الدراسات حوله حتى أقرّ بتفوقهم غيرهم من العلماء اللغات الأخرى ، فهذا المستشرق الألماني أوجست فيشر يقول مبرزا تفوق العرب : ” و إذا استثنينا الصين فلا يوجد شعب آخر يحق له الفخار بوفرة كتب علوم لغته ، و بشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها ، بحسب أصول و قواعد غير العرب .” و قال هايوود ” : إن العرب في مجال المعجم يحتلون مكان المركز ، سواء في الزمان أو المكان ، بالنسبة للعالم القديم أو الحديث ، و بالنسبة للشرق أو الغرب .”





التصنيفات
لغــة وأدب عربي

من لسانيات الجملةالى لسانيات النص


ـ الوظيفة التعبيرية f.expressive‏
ـ الوظيفة الانتباهية f.phatique‏
ـ الوظيفة الإفهامية f.conative‏
ـ الوظيفة ما وراء لغوية‏
f.****- linguistique‏
ـ الوظيفة الشعرية f.poetique‏
وتعد هذه الوظيفة (الشعرية) هي الوظيفة الأساسية في الخطاب الأدبي، ولذلك يمكننا القول بأن تعريف النص الأدبي عند جاكبسون لـه علاقة وثيقة بمفهوم الوظيفة الأساسية في النص؛ غير أن هذا لا يعني أن باقي الوظائف لا تؤدي دورها؟.. وإنما تتعالق وتتعاضد على أداء دورها بما يخدم الوظيفة الشعرية.‏
لقد ((ميز جاكبسون بين العناصر اللغوية التي لها مدلول ثابت والعناصر التي لا يمكن أن تدل إلا بالإحالة إلى حال الخطاب وذلك مثل الضمائر وأسماء الإشارة الموصولة والظروف….))(49).‏
أما رولان بارت r.barthes فقد عد النص نسيجاً وحجاباً جاهزاً يكمن وراءه المعنى/الحقيقة مختفياً يقول: ((فإننا سنشدد داخل النسيج على الفكرة التوليدية القائلة إن النص يتكون ويصنع نفسه من خلال تشابك مستمر، ولو أحببنا عمليات استحداث الألفاظ لا استطعنا أن نصف نظرية النص بكونها علم نسيج العنكبوت وشبكته))(50). فلما شبه بارت، النص بالنسيج الذي منه يحصل حجاب جاهز ولباس نلبسه ويسترنا ونتخفى فيه ويصبح جزء من شخصيتنا يكون في رأيي قد أصاب الحقيقة؛ لأن النص هو أيضاً منتوج لعملية التشابك المستمر والانسجام والتماسك التي يقيمها الناص/ الكاتب للمكلمات والجمل والمعاني التي تعطينا في النهاية ـ نصاً، كما تعطي العنكبوت شبكة من ذاتها فالناص يعادل أو يوازي العنكبوت في هذا التعريف ـ والشبكة توازي أو تعادل شبكة الكلمات والجمل والمعاني التي تؤلف النص، ولكأني “برولان بارت” يعد النص إنتاجية productivite شأنه شأن ما ذهبت إليه “جوليا كريستيفا” كما رأينا سابقاً يقول: ((النص نشاط وإنتاج… النص قوة متحولة، تتجاوز جميع الأجناس والمراتب المتعارف عليها، لتصبح واقعاً نقيضاً يقاوم الحدود وقواعد المعقول والمفهوم. إن النص ـ وهو يتكون من نقول منتظمة وإشارات وأصداء لغات وثقافات عديدة ـ تكتمل فيه خريطة التعدد الدلالي. إن النص مفتوح، ينتجه القارئ في عملية مشتركة لا مجرد استهلاك. هذه لمشاركة لا تتضمن قطيعة بين البنية والقراءة؛ وإنما تعني اندماجهما في عملية دلالية واحدة فممارسة القراءة إسهام في التأليف))(51).‏
لقد وسع بارت مفهوم النص؛ فهو عنده، نشاط وإنتاج وهو بهذا النشاط والإنتاج يصير قوة متحولة، ثم هو ملتقى للمعارف واللغات والثقافات أساسه النقول المختلفة، إنه يتناص مع غيره من النصوص السابقة ويؤسس لتناص آخر مع النصوص التالية لـه ثم إن النص يتعدى كتابته إلى القارئ الذي يشارك في عملية إنتاجه ويتجاوز القراءة الاستهلاكية إلى القراءة المنتجة التي تساهم في التأليف والبناء.‏
ويقدم لنا الدكتور محمد مفتاح مجموعة من التعريفات المتعلقة بالنص:‏
فهو: مدونة كلامية يتألف من الكلام لا من أشياء أخرى غير الكلام.‏
وهو: حدث: بمعنى أنه يقع في زمان ومكان محددين لا يعيد نفسه مثله مثل الحدث التاريخي.‏
وتواصلي: بمعنى أنه يهدف إلى إيصال معلومات ونقل خبرات وتجارب مختلفة إلى المتلقي.‏
وتفاعلي: أي أنه يؤدي وظيفة تفاعلية ويقيم علاقات بين أفراد المجتمع ويحافظ على ذلك.‏
ومغلق: أي أن لـه نقطة بداية ونقطة نهاية.‏
وتوالدي: أي أنه سلسل أحداث تاريخية ونفسانية ولغوية وتنبثق منه أحداث لغوية أخرى لاحقة له(52).‏
إن كل تعريف من هذه التعريفات يعكس وجهة نظر خاصة بمعرفة وبالمرجعيات الفكرية والتراكمات المعرفية التي ينطلق منها والخصوصيات الاجتماعية والنفسية والحضارية التي تميزه عن غيره؛ فهناك التعريف البنوي والتعريف الخاص باجتماعية الأدب والتعريف الذي يركز على الجانب النفساني في الأدب والتعريف الخاص باتجاه تحليل الخطاب. ومن هذا كله خلص الدكتور محمد مفتاح إلى تركيب التعريف الآتي: ((النص، إذاً، مدونة حدث كلامي ذي وظائف متعددة))(53) فالملاحظ أن هذا التعريف قد حاول الإحاطة بكل الجوانب المتعلقة بالنص: الاجتماعية والتاريخية والنفسانية واللسانية، ثم إنه أعد النص مدونة حدث كلامي؛ أي أنه يتعلق بالكتابة؛ فهو ما نكتبه. وقد اعتمد محمد مفتاح على: “جيليون براون g.braown” و”جورج يول g.yule” فلهما كتاب مهم هو: ((تحليل الخطاب)) الصادر سنة 1983 عن مطبوعات جامعة كمبريدج، وهو يعد نقلة نوعية في ميدان تحليل الخطاب بما احتواه من اقتراحات ومناقشات لوجهات نظر عديدة تنتمي إلى تخصصات متنوعة لها اهتمام هي ـ الأخرى ـ بتحليل الخطاب. فأهم ما ميز رأي “يول وبراون” هو اختزالهما لوظائف اللغة إلى وظيفتين اثنتين تحقيقاً للجدوى التحليلية وهما:‏
ـ الوظيفة النقلية أو التعاملية؛ وتقوم بنقل الأفكار والمعلومات مابين الأفراد والجماعات وهي بذلك تساهم في تطوير الثقافات ((إن تعليق قيمة الاستعمال اللغوي بمدى قدرته على نقل المعلومات مترسخ جيداً في إرثنا الثقافي. فكلنا يؤمن بأن تلك الوظيفة هي ميزة اللغة التي مكنت بني الإنسان من تطوير ثقافات متنوعة، لكل منها تقاليدها الاجتماعية وممارساتها وطقوسها الدينية وأعرافها وإبداعاتها الشفوية وقوانين معاملاتها المختلفة، وما إلى ذلك))(53).‏
ـ والوظيفة الثانية:هي الوظيفة التفاعلية(55)؛ أي قيام شكل من أشكال التفاعل الاجتماعي بين الأفراد والجماعات؛ أي هناك هدف إلى تأسيس وتعزيز العلاقات الاجتماعية والحفاظ عليها، وهذا النقل والتفاعل لا يتم إلا من خلال الكتابة؛ كتابة النصوص وقراءتها؛ يقول براون ويول: ((…… بل إننا نؤمن أكثر من ذلك بأن اكتساب اللغة المكتوبة هو الذي مكن من ظهور الفلسفة والعلم والأدب في بعض من هذه الثقافات، كما أننا نؤمن جميعاً بأن هذا التطور الذي لم يكن ليتحقق لولا القدرة على نقل المعلومات بواسطة اللغة، تلك القدرة التي سنحت للإنسان بأن يستفيد من تجربة السابقين، ومن تجربة أناس آخرين ينتمون إلى ثقافات أخرى))(56). وعلى هذا فإن الكتابة هي الصفة الأساسية المميزة للنص عن الخطاب بالرغم من أن السرديين أمثال: “جينيت g.genette” و”تودوروف t.todorov” و”فاينريش weinrich” وغيرهم لا يفرقون بين الخطاب وبين النص ويستعملونها بالمعنى نفسه.‏
فـ”شلوميت shlomete”: ((تستعمل النص بمعنى، الخطاب الشفوي أو الكتابي أو بمعنى آخر هو ما نقرأ))(57).‏
فنلاحظها قد استعملت النص والخطاب بمعنى واحد وأعطت فضاء واسعاً للنص ليشمل الخطاب؛ بمعنى أن الخطاب نشاط تبليغي شفوي ولكنه يتحول إلى كتابة فيصير نصاً.‏
أما “فان ديك vandjik” فيفترض أن أي تحديد للنص يقتضي الانطلاق من نظرية أدبية محددة، ويقول في مادة نص في معجم الآداب: ((إن الخطاب هو في آن واحد فعل الإنتاج اللفظي ونتيجته الملموسة والمسموعة والمرئية بينما النص هو مجموعة البنيات النسقية التي تتضمن الخطاب وتستوعبه وبتعبير آخر، إن الخطاب هو الموضوع المجسد أمامنا كفعل أما النص فهو الموضوع المجرد والمفترض؛ إنه نتاج لغتنا العلمية))(58).‏
إن النظرية اللسانية ـ في نظر فان ديك ـ تعد الجملة وحدة لغوية قابلة للوصف ووصف الجملة يصدق هو بدوره على وصف الجملة المركبة وكذلك على متتاليات الجمل وعليه فإن الفرق بين الجملة والجملة المركبة ومتتاليات الجمل فرق نسقي، ولذلك دعا “فان ديك” إلى إعادة بناء الأقوال ليس على شكل جمل وإنما على شكل وحدة أكبر وهي النص ويعني به البناء النظري التحتي المجرد لما يسمى عادة خطاباً(59).‏
وعلى الرغم من الجهود التي بذلها “فان ديك” وغيره من الدارسين في هذا الميدان فإن “هاليداي halliday” قد اكتسب شهرة كبيرة فهو أحد تلامذة “فيرت firth” وتعد أعماله امتداداً لأعمال أستاذه حتى أطلق عليه اسم “الفيرثية الجديدة”؛ فقد وجه “فيرت firth” نقداً شديداً للذين اهتموا بدراسة التركيب الداخلي للغة مهملين الجانب الاستعمالي لها في إطار المجتمع ومايمكن أن يفرضه من ضوابط وأعراف وأوضاع على مستعملي اللغة تحكم استعمالاتهم وتوجههم إلى اختيار السياقات المناسبة لتلك الاستعمالات، وقد انتهى “فيرت firth” إلى أن تحدي المعنى يكون بـ:‏
1 ـ تحليل السياق صوتياً وصرفياً ونحوياً ومعجمياً.‏
2 ـ بيان شخصية المتكلم والمخاطب والظروف المحيطة بكلامهما.‏
3 ـ بيان نوع الوظيفة الكلامية لكل منهما.‏
4 ـ بيان الأثر الذي يتركه الكلام المتبادل بينهما فيهما معاً أو في أحدهما(60).‏
بدأ “هاليداي” بالتركيز على أن اللغة ظاهرة اجتماعية وبالتأكيد على وجود أنظمة متعددة للتعبير عن المعاني في مختلف الثقافات مثلاً: الموسيقى والرسم والنحت….الخ.‏
ولذلك يرى أن اتجاهه يتمثل في دراسة اللغة في علاقاتها بالبنيات الاجتماعية المختلفة، وهو العامل الذي كان مفقوداً في الدراسات السابقة، ولذلك فهو لا يلغيها بل يضيف إليها بعداً جديداً، وفي رأيه ((أن فهم اللغة كنظام يستوجب فهم الكيفية التي تعمل بها النصوص، ويعني ذلك ـ باختصار ـ انتقال “هاليداي ـ من الاهتمام بمستوى الجملة ـ كما كان شأنه في السابق ـ إلى الاهتمام بمستوى النص))(61).‏
كما أعد هاليداي “مصطلح السياق cotexte” ومصطلح النص وجهين متداخلين كوجهي العملة الواحدة؛ فالنص هو النص الظاهر المكتوب والسياق هو النص الخفي المصاحب للنص الظاهر ويتمثل ذلك في الأحوال والظروف المحيطة بإنتاج النص.‏
ثم يذهب إلى تعريف النص بأنه ((هو اللغة التي تخدم غرضاً وظيفياً؛ أي هو اللغة التي تخدم غرضاً في إطار سياق ما، وقد يكون النص منطوقاً أو مكتوباً))(62).‏
وبالرغم من كون النص نظاماً يبدو في شكل كلمات وجمل فإنه في حقيقة أمره نظاماً من المعاني، ينظر إلى النص على أنه عملية تفاعل وتبادل للمعاني بين المتعاملين باللغة في الواقع الاجتماعي(63). ومن خلال كل هذا يتحدث “هاليداي” عن الوظائف التالية:‏
ـ الوظيفة التجريبية: وتبرز في مستوى الاستعمال وتتألف من بعدين: بعد تجريبي يتعلق بتمثيل التجربة التي يعيشها المتكلم في سياق ثقافي واجتماعي، وبعد منطقي يتم من خلاله التعبير عن العلاقات المنطقية المجردة التي تشتق التجربة منها ضمنياً.‏
ـ الوظيفة التواصلية: وتتعلق بالبعد الاجتماعي للمتخاطبين وفيها يتم تحديد زاوية المتكلم ووضعه وأحكامه وتشفيره لدور علاقته في المقام وحوافز قوله لشيء ما في علاقته مع مخاطبه.‏
ـ الوظيفة النصية: وتتضمن الأصول التي تتركب منها اللغة لإبداع النص(64). ثم يذهب “هاليداي” في كتابه “اللغة كسيميوطيقا اجتماعية” إلى ((أن النص شكل لساني للتفاعل الاجتماعي)) (65).‏
وهو ـ هنا ـ يراعي السياق الذي أحدث فيه النص وكذا علاقته بالأبعاد الاجتماعية اللسانية والثقافية والمعرفية.‏
ويمكن القول: إن النص يأخذ معناه من خلال السياق الذي يحيط به والمعرفة التي يتواجد داخلها، أو كما قال الأستاذ عبد الفتاح كيليطيو في كتابه: ((الأدب والغرابة)):‏
((… ما يلاحظ أن كلاماً ما لا يصير نصاً إلى داخل ثقافة خاصة. لأن الكلام الذي تعتبره ثقافة ما نصاً قد لا يعتبر نصاً من طرف ثقافة أخرى. بل هذا ما يحدث في الغالب))(66).‏
معنى هذا أن الثقافة تلعب دوراً بالغ الأهمية في تمييز النصوص فقد تجعل كتابة ما نصاً وقد تجعل كتابة أخرى لا ترتقي إلى مرتبة النص.‏
وإذا كان “هاليداي” قد رأى النص هو اللغة التي تخدم غرضاً وظيفياً كما رأينا سابقاً فإن “دوبو غراند r.a.de beaugrand” قد رأى أن الفرق بين ماهو نص وماهو غير نص يكمن في البعد الاتصالي وحده(67). وهذا يعني أن كل وحدة لغوية أدت غرضاً تواصلياً فهي نص وكل ما عدا ذلك ليس نصاً، ولهذا اتجه “دوبوغراند” مباشرة إلى تحليل النصوص لأنها تشتمل على مستويات لغوية مختلفة فالنص ((استراتيجية اتصالية شاملة تمتد خارج المجال اللساني ولذلك فهي تقوم على نحو من نوع آخر يعرف بنحو التراكيب الكبرى ـ macro structures وهو يختلف على نحو التراكيب الصغرى micro structures)) (68).‏
قدم دوبوغراند عدة ملاحظات منها: أن اللسانيات الحديثة في نظره، اهتمت بمستوى الجملة وما دونها واعتبرت المستويات التي تتجاوز مستوى الجملة مجالاً من مجالات علم الأسلوب الذي اهتم فيه الأدباء بكيفية بناء النصوص وتأثير الأدباء على العصور، وأن الاهتمام الأساسي بدراسة النص بدأ في مرحلة لاحقة مع تطبيق المناهج اللسانية على الدراسات الأدبية كما كان الحال مع “سبيتزر” و”جاكسون” و”فنديك”.‏
وبناء على ذلك فإن علم النص ـ في نظره ـ قد تجاوز سائر تلك الدراسات التي اقتصرت على وصف التراكيب اللغوية وحدها ولم تهتم بكيفية بناء النصوص وأغراض استخدامها(69) وبذلك حدث تحول في الدراسات اللغوية المعاصرة بتجاوز دراسة الجمل المنعزلة إلى دراسة النصوص المعبرة عن اللغة في حالات استعمالها في مواقف تواصلية محددة مما أوجب دراسة العمليات التي يتم بواسطتها توظيف اللغة باعتبارها وسيلة تواصلية أساسية وتوسيع دائرة الاهتمام إلى علوم أخرى كعلم الاجتماع والفلسفة وعلم النفس وحتى الحاسوب والسميولوجيا بل إنه ذهب إلى أن علم النص ـ من هذه الزاوية ـ يبدو أنه المجال القولي للسيميولوجيا(70).‏
إن أهم المفاهيم التي جاء بها “دوبوغراند وزميله دريسلار w.dresslar” هو مفهوم النصانية textualite(71)؛ فقد رأيا أن محاولات “هاريس” والتحويليين في إيجاد قواعد لإنشاء النصوص آلت جميعها إلى الفشل؛ لأنها لم تستطع أن تحدد موقفاً واضحاً من النصوص غير النحوية ومن اختلاف الأساليب في داخل النصوص. لذلك اقترحا بعض المبادئ العامة التي تصلح أساساً للنصانية دون أن تكتسب هذه المبادئ صفة القوانين الصارمة؛ أي هي مجرد مؤشرات مهمة في إنشاء النصوص، وهذه المبادئ هي:‏
1 ـ التناسق cohesion: والمقصود به الطريقة التي يتم بها ربط الأفكار في بنية النص الظاهرة، أو بصورة مبسطة يقصد به التشكيل النحوي للجمل والعبارات وما يتعلق بها من حذف وإضافة وغير ذلك…. ويتعلق كل هذا بالنص ذاته.‏
2 ـ الترابط الفكري coherence: ويعني الطريقة التي يتم بها ربط الأفكار داخل النص، ويعني ذلك وجود منطق للأفكار مبني على الخبرة وما يتوقعه الناس من النصوص في هذا المجال ويتعلق هذا العنصر أيضاً بالنص في حد ذاته.‏
3 ـ القصد intentionalite: ويعني أن النص ليس بنية عشوائية وإنما هو عمل مقصود به أن يكون متناسقاً ومترابطاً من أجل تحقيق هدف محدد، وبمعنى آخر هو عمل مخطط، لـه غاية يود بلوغها، وبالطبع فقد لا يستطيع منشئ النص أن يفي بتحقيق هذا العنصر النصاني…. ويتعلق هذا العنصر بمستعملي النص.‏
4 ـ المقامية situtionalite(72): يتعلق هذا العنصر بالسياق الثقافي والاجتماعي للنص ويعني أن يكون النص موجهاً للتلاؤم مع حالة أو مقام معين بغرض كشفه أو تغييره، وقد يكون الموقف الذي يحمله النص مباشراً يمكن إدراكه بسهولة أو غير مباشر ويمكن استنتاجه ويفترض هذا العنصر وجود مرسل ومرسل إليه.‏
5 ـ التناص intertextualite: يتعلق هذا العنصر كسابقة بالسياق الثقافي والاجتماعي فيرى “دوبوغران ودريسلار” أن عنصر التناص هو أهم العناصر المحققة للنصانية، فالنصوص في رأيهما، تكتب في إطار خبرة سابقة وبالرغم من أن مفهوم التناص يثير كثيراً من الإشكالات لأن بعض الدارسين المحدثين والمبدعين قد حرفوه عن معناه الصحيح، فإن المقصود به ليس أن تمثل النصوص إعادات لبعضها؛ وإنما المقصود به أن النصوص السابقة تشكل خبرة لتكوين النصوص اللاحقة والكشف عنها، وتؤسس النصوص اللاحقة ـ هي بدورها ـ لنصوص أخرى تأتي بعدها.‏
6 ـ الإخبارية informativite: يعد الجانب الإعلامي أو الإخباري عنصراً مهماً من عناصر النص، وتختلف درجة الإخبار بين النصوص بحسب نوعية كل نص، والمؤكد أن كل نص: يحمل قدراً من المعلومات الإخبارية.‏
7 ـ الاستحسان acceptabilite: (73) ويقصد به مدى استجابة القارئ للنص وقبوله له.‏
وبالرغم من أهمية هذه العناصر، يرى “دوبوغراند ودريسلار” أن طريقة تصميم النص إنما تعتمد على ظروف الواقع.‏
وبهذا فقد حاولا الإحاطة بالنص وبمستعمليه وبالسياق الاجتماعي ـ الثقافي الذي أنتج فيه النص، وعلى هذا فإن علم النص يعمل على إيجاد نوع من التوازن بين العناصر النحوية في اللغة والعناصر غير النحوية التي لها دخل بإنتاج النصوص من حيث هي وحدات تواصلية وهذا ماتم إبعاده من الدراسة في لسانيات الجملة.‏
إن هذه العناصر أو المبادئ التي أشار إليها كل من “دوبوغراند ودريسلار” في كتابهما: ((مقدمة للنصوص اللغوية)) تتقاطع بشكل أو بآخر مع ما ذهب إليه “جون ميشال آدام j.m.adam”(75) فقد بدأ بمحاولة تحديد مفهوم للنص مؤكداً على حتمية تجاوز الجملة التي لا تمثل ـ في رأيه ـ ا لوحدة الأساسية للتبادلات الكلامية والخطابية وإنما النص هو وحدة التبليغ والتبادل، ولذلك ينبغي الاهتمام بالنسيج النصي ومستوياته التي يحدثها المتكلمون أثناء ممارستهم اللغوية.‏
وما نلاحظه هنا أن “جون ميشال آدام” يسوي بين مستويين من اللغة هما: اللغة المنطوقة التي تتجلى في التواصل والممارسة الكلامية بين الأفراد واللغة المكتوبة التي تظهر في النصوص ويوسع “آدام” مجال اهتمامه إلى الاستعانة بعلوم أخرى مثل الأنثروبولوجيا والتاريخ وعلم النفس الإدراكي وأثنوغرافيا التبليغ والفلسفة… في دراسة السلوك الإنساني في المجال الرمزي وبخاصة الرمز اللغوي منه المتميز بطابع النصية، أو النصانية. ثم إن النصوص لكي يتم تداولها في المجتمع تحتاج أن يتوفر للمتكلمين ملكة نصية competence textuelle تمكنهم من فهم محتويات النص وإدراك أحداثه وتعينهم على إنتاجها.‏
لقد وسع “آدام” بهذا الطرح دائرة الملكة اللغوية competence linguistique لتشمل القدرات التبليغية les capacites communicatives التي تحقق التفاعل بين المتخاطبين وقد سبق أن لاحظنا هذا مع علماء اللسانيات الاجتماعية وبخاصة مع “ديل هايمس وفيرث وهاليداي”.‏
إن الملكة النصية عند “آدام” تنقسم إلى:‏
ـ ملكة نصية عامة: تمكن الفرد من إدراك نصوص متسقة ومترابطة وإنتاجها أيضاً.‏
ـ ملكة نصية خاصة: تمكن الفرد من إدراك مقاطع نصية معينة محددة: سردية أو وصفية أو برهانية حجاجية…. أو إنتاج مقاطع نصية أخرى على منوالها.‏
وقد خلص “جون ميشال آدام” انطلاقاً من كل هذا إلى أن ((النص منتوج مترابط وليس تتابعاً عشوائياً لألفاظ وجمل وقضايا وأفعال كلامية))(67).‏
4 ـ خلاصة:‏
نخلص من كل ما سبق إلى:‏
1 ـ الجملة وحدة لغوية قابلة للوصف النحوي تحلل من زاوية واحدة وهي كونها تركيباً نحوياً مجرداً.‏
2 ـ الملفوظ هو أيضاً وحدة لغوية قابلة للوصف اللساني وهو تمثيل جزئي للتلفظ الذي هو الفعل الحيوي في إنتاج اللغة. معنى ذلك أن الملفوظ مكتوب وأن التلفظ منطوق إن جاز هذا التعريف.‏
3 ـ الخطاب وحدة جملية كبرى قابلة للوصف اللساني ينتجها مخاطب واحد أو عدة مخاطبين بغرض التواصل.‏
4 ـ مهما كان التداخل بين الجملة والملفوظ فإن الملفوظ يختلف عن الجملة من حيث كونه وحدة لغوية أكبر منها.‏
5 ـ يعادل الملفوظ ـ في بعض الحالات ـ الخطاب ويعادل الخطاب التلفظ وعليه يتعلق الخطاب بالجانب الشفوي والكتابي وبخاصة عند بعض علماء السرد.‏
6 ـ توجد فروق محسوسة بين النص والخطاب تتمثل في:‏
ـ يفترض الخطاب وجود المتلقي لحظة إحداث الخطاب بينما يتوجه النص إلى متلق مؤجل يتلقاه عن طريق عينة قراءة؛ أي أن الخطاب نشاط تواصلي يتأسس ـ أولاً ـ على اللغة المنطوقة بينما النص مدونة مكتوبة.‏
ـ الخطاب لا يتجاوز سامعه إلى غيره؛ أي أنه مرتبط بلحظة إحداثه بينما النص لـه ديمومة الكتابة يقرأ في كل زمان ومكان.‏
ـ الخطاب تحدثه اللغة الشفوية بينما النص تنتجه الكتابة؛ أو كما قال “روبار اسكاربيت r.escarpit”: اللغة الشفوية تنتج خطابات بينما الكتابة تنتج نصوصاً، وكل منهما محدد بمرجعية القنوات التي يستعملها؛ الخطاب محدود بالقناة النطقية أي المشافهة بين المتكلم والمخاطب وعليه فديمومته مرتبطة بها لا تتجاوزها؛ أما النص فإنه يستعمل نظاماً خطياً فديمومته رئيسية في الزمان والمكان.‏
7 ـ يوجد من يجعل النص استراتيجية تواصلية عامة شاملة لكل هذه المصطلحات؛ من ملفوظ وتلفظ وخطاب إلا الجملة؛ لأنها وحدة لغوية خاصة بالبحث اللساني الخالص.‏
لكن عندما نتأمل الشروط المكونة للجملة نجدها تتعلق بالفائدة؛ فلكي تكون الجملة جملة لابد أن يكون لها معنى مفيداً يفهمه السامع وذلك ما يدخلها هي أيضاً في إطار التواصل فتصير وحدة لغوية قابلة للوصف هدفها التواصل، وتدخل ـ بذلك ـ ضمن النص كاستراتيجية تواصلية شاملة صالحة للدراسة والتحليل.‏
ويرى “هيلمسلاف l.hilmsleff” ((أن النص ملفوظ مهما كان منطوقاً أم مكتوباً طويلاً أم قصيراً قديماً أم جديداً، فكلمة “قف” هي نص مثلها مثل رواية طويلة،…))(77).‏
8 ـ نحو النص مصطلح يقابل المصطلح الأجنبي gramaire de texte استعمله الباحثون النحاة بهدف الوصف والدراسة اللغوية للأبنية النصية وتوضيح صور ترابطها النصي وهو لا يختلف ـ في نظري ـ عن لسانيات النص linguistique textuelle سوى أن المصطلح الأول استعمله النحاة على غرار نحو الجملة لأنهم رأوها هي وحدة التحليل النحوي، والمصطلح الثاني استعمله اللسانيون على غرار لسانيات الجملة لأنهم رأوها هي وحدة التحليل اللساني.‏
والأمر نفسه بالنسبة لعلم لغة النص فهذا أيضاً استعمال خصوصاً عند المشارقة الذين يترجمون linguistique بعلم اللغة بدل اللسانيات.‏
9 ـ إذا كان نحو النص أو لسانيات النص يتعلق بنوع محدد من النصوص ومن التحليل فإن علم النص textologie استعمال يوسع من نطاق التحليل ولا يقتصر على نوع واحد من النصوص بل يشمل أنواعاً عديدة مثل الرواية والإعلان الإشهاري والمقال الصحفي والعلمي والفلم السينمائي وكل ما يرتبط بالثقافة المعاصرة وما ينتج عنها من نصوص.‏
المراجع:‏
1 ـ د./سعيد حسين بحيري. علم لغة النص. المفاهيم والاتجاهات. الشركة المصرية العالمية للنشر ط1/1997ص2.‏
2 ـ انظر المرجع نفسه ـ ص 1.‏
3 ـ د/مهدي المخزومي ـ في