أتمثله محمدي الشمائل، غير صخاب و لا عياب، و لا مغتاب ولاسباب، عفا عن محارم الخلق ومحارم الخالق، مقصور اللسان إلا عن دعوة إلى الحق، أوصرخة في وجه الباطل، متجاوزا عما يكره من إخوانه، لا تنطوي أحناؤه على بغض ولاضغينة.
أتمثله متقلبا في الطاهرين والطاهرات، ارتضع أفاويق الإصلاح صبيا، وزرت غلائله عليه يافعا، فنبتت في حجره،ونبتت قوادمه في وكره، ورفرفت أجنحته في جوه، لم يمسسه زيغ العقيدة، ولا غشيت عقلهسحب الخرافات، بل وجد المنهج واضحا فمشى على سوائه، والأعلام منصوبة، فسار على هداها، واللواء معقودا، فأوى إلى ظله، والطريق معبدا، فخطا آمنا من العثار، فما بلغ مبلغ الرجال إلا وهو صحيح العقد في الدين، متين الاتصال بالله، مملوء القلب بالخوفمنه، خاوى الجوانح من الخوف من المخلوق، قوي الإيمان بالحياة، صحيح النظر فيحقائقها، ثابت العزيمة في المزاحمة عليها، ذلق اللسان في المطالبة بها، ناهض الحجةفي الخصومة لأجلها، يأبى أن يكون حظه منها الأخس الأوكس، أمن بعقله وفكره أن يضللفي الحياة كما أمن بهما أن يضلل في الدين.
” و في الحياة كما في الدينتضليل ”
يا شباب الجزائر!
ما قيمة الشباب ؟ وإن رقتأنداؤه، و تجاوبت أصداؤه، وقضيت أوطاره وغلا من بين أطوار العمر مقداره، و تناغتعلى أفنان الأيام و الليالي أطياره، و تنفست عن مثل روح الربيع أزهاره، وطابت بينانتهاب اللذات واقتطـاف المسرات أصائله وأسحاره.
بل ما قيمة الكهولة ؟ وإناستمسك بنيانها، واعتدل ميزانها، وفرت عن التجربة والمراس أسنانها، و وضعت علىقواعد الحكمة و الأناة أركانها.
بل ما قيمةالمشيب؟ وإن جلله الوقار بملاءته، وطوار الاختبار في عباءته، وامتلأت من حكمةالدهور، وغرائب العصور، حقائبه، ووصلت بخيوط الشمس، لا بفتائل البرس، جماتهوذوائبه.
ما قيمة ذلك كله؟ إذا لم تنفقدقائقه في تحصيل علم، و نصر حقيقة، ونشر لغة، ونفع أمة، وخدمة وطن.
يا شباب الجزائر هكذاكونوا… أو لا تكونوا…
أتمثلهكالغصن المروح، مطلولا بأنداء العروبة، مخضوضر اللِّحا والورق مما امتص منها، أخضرالجلدة و الآثار مما رشح له من أنسابها و أحسابها، كأنما أنبتته رمال الجزيرة،ولوحته شمسها، وسقاه سلسالها العذب، وغذاه نبتها الزكي، فيه مشابه من عدنان تقولإنه من سر هاشم أو سرة مخزوم، ومخايل من قحطان تقول كأنه ذو سكن، في السكن ، أو ذورضاعة، في قضاعة متقلبا في المنجبين والمنجبات، كأنما ولدته خندق ، أو نهضت عنه أمالكملة ، أو حضنته أخت بني سهم ، أو حنكته تُماضر الخنساء لعوبا بأطراف الكلامالمشقق، كأنما ولد في مكة، واسترضع في إياد، وربا في مسلنطح البطاح.
أتمثله مجتمع الأشد على طراوةالعود، بعيد المستمر على ميعة الشباب، يحمل ما من خير لأنّ يد الإسلام طبعته علىالخير، ولا يحمل ما حمل من شر لأن طبيعة الإسلام تأبى عليه الشر- فتح عينيه على نورالدين، فإذا الدنيا كلها في عينيه نيرة مشرقة، وفتح عقله على حقائق الدين، فإذاالدين والكون دال ومدلول عليه، وإذا هو يفتح بدلالة ذاك مغالق هذا، و فتح فكره علىعظمة الكون فاهتدى بها إلى عظمة المكون، فإذا كل شيء في الكون جليل، لأنه من أثر يدالله، وإذا كل شيء فيه قليل، لأنه خاضع لجلال الله، ومن هذه النقطة يبدأ سمو النفوسالسامية وتعاليها، وتهيؤها للسعادة في الكون، والسيادة على الكون.
أتمثله مجتلى للخلال العربيةالتي هي بواكير ثمار الفطرة في سلاستها وسلامتها، كأنما هو منحدر لانصبابها وقرارةلانسكابها، وكأنما خيط على وفاء السموأل وحاجب، وأشرج على إيثار كعب وحاتم، وختمعلى حفاظ جساس والحارث، وأغلق على عزة عوفوعروة.
أتمثله مترقرق البشر إذا حدث،متهلل الأسرة إذا حدث، مقصور اللسان عن اللغو، قصير الخطا عن المحارم، حتى إذاامتدت الأيدي إلى وطنه بالتخون، واستطاعت الألسنة على دينه بالزراية والتنقص،وتهافتت الأفهام على تاريخه بالقلب والتزوير، وتسابق الغرباء إلى كرائمه باللصوالتدمير، ثار وفار، وجاء بالبرق والرعد، والعاصفة والصاعقة، وملأ الدنيا فعالا،وكان منه ما يكون من الليث إذا ديس عرينه، أو وسم بالهون عرنينه.
أتمثله شديدالغيرة، حديد الطيرة، يغار لبنت جنسه أن تبور، وهو يملك القدرة على إحصانها، ويغارلماء شبابها أن يغور، وهو يستطيع جعله فياضا بالقوة دافقا بالحياة : ويغار على هواهوعواطفه أن تستأثر بها السلع الجليبة، والسحن السليبة، و يغار لعينيه أن تسترقهاالوجوه المطرأة، و الأجسام المعراة.
يا شباب الجزائر هكذا كونوا! … أو لاتكونوا!
أتمثله حنيفا فيه بقاياجاهلية… يدخرها لميقاتها، ويوزعها على أوقاتها، يرد بها جعل الجاهلين، في زمنتفتقت علومه عن جاهلية ثانية شر من الجاهلية الأولى – وتمخضت عقول أبنائه بوحشيةمقتبسة من الغرائز الدنيا للوحش اقتباسا علميا ألبس الإنسان غير لبوسه، ونقله منقيادة الحيوان إلى الانقياد للحيوانية – وأسفرت مدنيته عن جفاف في العقول، وانتكاسفي الأذواق، وقوانينه عن نصر للرذيلة وانتهاك للحرمات، وانتهت الحال ببنيه إلىوثنية جديدة في المال وعبادة غالبية للمال، واستعباد لئيم بالمال.
أتمثله معتدل المزاج الخلقيبين الميوعة والجمود، وبين النسك والفتك تتسع نفسه للعقيق، وعمر وابن أبي عتيق،فيصبو، ولا يكبو، كما تتسع للحرم وناسكيه فيصفـو، ولا يهفو، وتهزه مفاخرات الفرزدقفي المربد، كما تهزه مواعظ الحسن في المعبد.
أتمثله كالدينار يروق منظرا،وكالسيف يروع مخبرا، وكالرمح أمدح ما يوصف به أن يقال ذابل، ولكن ذاك ذبولالاهتزاز، وهذا ذبول الاعتزاز- وكالماء يمرؤ فيكون هناء يروى، ويزعق فيكون عنـاءيردى- وكالراية بين الجيشين تتساقط حولها المهج وهي قائمة.
أتمثله عف السرائر، عفالظواهر، لو عرضت له الرذيلة في الماء ما شربه، وآثر الموت ظمأ على أن يرد أكدارها،ولو عرضت له في الهواء ما استنشقه، وآثر الموت اختناقا على أن يتنسم أقذارها.
أتمثله جديدا على الدنيا، يرىمن شرطها عليه أن يزيد فيها شيئا جديدا، مستفادا فيها يرى من الوفاء لها أن يكونذلك الجديد مفيدا.
أتمثلهمقدما لدينه قبل وطنه، ولوطنه قبل شخصه، يرى الدين جوهرا، والوطن صدفا، وهو غواصعليهما، يصطادهما معا، ولكنه يعرف الفرق بين القيمتين. فإن أخطأ في التقدير خسرمرتين.
أتمثله واسع الآمال، إلى حدالخيال، ولكنه يزجيها بالأعمال، إلى حد الكمال، فإن شغف بحب وطنه، شغف المشرك بحبوثنه، عذره الناس في التخيل لإذكاء الحب، ولم يعذر فيه لتغطية الحقيقة.
أتمثله مصاولا لخصومه بالحجاجوالإقناع، لا باللجاج والإقذاع، مرهبا لأعدائه بالأعمال، لا بالأقوال.
أتمثله بانيا للوطنية على خمس،كما بني الدين قبلها على خمس : السباب آفة الشباب، واليأس مفسد للبأس، والآمال، لاتدرك بغير الأعمال والخيال أوله لذة وآخره خبال،
والأوطان، لا تخدم باتباعخطوات الشيطان.
يا شباب الجزائر… هكذاكونوا… أو لا تكونوا.