الأدب المقارن:
نشأ الأدب المقارن نشأة أروبية ويعتني بالأحداث التاريخية والعلاقات الاجتماعية وأصدائها في آدابهم وهو أمرُ بديهي لأي دراسة تحمل في مظهرها وطياتها بيئته، وعرف (بندوتوكروتشيه) الأدب المقارن بأنه (اسم جديد لنوع جديد من الخبرة، هي موضع التبجيل على مر العصور)(11).
الدراسات المقارنة نوع من الدراسات الإنسانية التي تزدهر وترقي بيقظة الوعي القومي والإنساني، وظهر اسم الأدب المقارن في فرنسا عام 1927 في محاضرات (فيلمان برونتير (وأطلق على منابر وكتب وجدت نفسها مدفوعة في ممارستها لدرس تاريخ الأدب الوطني في الاشتراك لمقارنات فرعية مكملة للآداب الخاصة دون دراية بأنها على باب درس جديد سيخرج من تحت منعطفها من خلال مقابلاتها بين الظواهر والأدب وتقريبها للفضاءات والأزمنة وكانت محاولة برنتير لها أثر كبير في انتشار مصطلح الأدب المقارن بين الأوساط الثقافية بهذا المدلول، وهو أثر عظيم بالرغم أن دراساته لم تتمتع بقدر واف من التركيز فأسهمت في إدراك التأثير المتبادل بين الآداب وفي عام 1832 قام (جان جاك أمبير (بدور كبير من خلال محاضراته التي ألقاها في جامعة السور بون عن الأدب الفرنسي في علاقاته بالآداب الأجنبية وأكد على أهمية هذه الدراسة ثم شاع المصطلح على نحوٍ لم نره من قبل فألفت العديد من الكتب التي تحمل عناوين هذا المصطلح من الأدب وصدرت العديد من المجلات من بينها مجلة بعنوان :journal de litteratur comparee 1877في المجر.
تعد المقابلة طريقة من طرائق الأدب المقارن ورأى: (مارسيل باطيون) إن المقارنة ليست سوى طريقة من الطرائق التي تقترن بالأدب والآداب تارة أخرى بتاريخ الأدب مما تتنوع.
إن مجال الأدب المقارن هو الدراسات التي تدخل في مجال (التاريخ العام للآداب) وهو مجال يفترض مقارناً، ومقارناً به، وحصيلة مقارنة، ولتحقيق التوازن يجب رفع الالتباس الناشئ عن تسمية الأدب المقارن ويقترح روني ويليك على البحث عن المعني الدقيق للأدب المقارن في مختلف اللغات على مستوى معجمي وتاريخ سينمائي كمنطلق أولي ويعتبر معجم (Webster’s(1960 أن كل ما يدرس نسقياً عبر مقارنة الظواهر هو أدب مقارن (12) وعلى هذا فالدراسة في الأدب المقارن تصف انتقالاً من أدب وقد يكون هذا الانتقال في الألفاظ اللغوية أو في الموضوعات أو في الصور التي يعرض فيها الأديب موضوعاته أو الأشكال الفنية التي قد يكون الانتقال في العواطف أو الأحاسيس التي تسري من أديب إلى أديب آخر حول موضوع إنساني واحد أثر في عواطف الأول فتأثر الثاني بنفس هذه العواطف وقد يكون الانتقال في رأي معين رآه أديب من الأدباء فقلده وجرى عليه أدباء آخرون في آداب أخرى والحدود الفاصلة بين أدب وآخر في مجال الدراسة المقارنة هي اللغات، فاختلاف اللغات شرط لقيام الدراسة الأدبية المقارنة والآثار الأدبية التي تكتب بلغة واحدة تخرج عن مجال درس الأدب المقارن وإن تأثر بعضها ببعض فشرط الدراسة المقارنة تأثر الأعمال الأدبية في لغات مختلفة ويثبت بالدليل القاطع على قيام صلة بينهم تتيح القول بأن أحدهم تأثر بالأخر هذا هو مجال الأدب المقارن (13).
الأدب العام:
مصطلح الأدب العام يعني في الأصل فن الشعر أو نظرية الأدب ومبادئه ثم أصبح مفهوماً مضاداً للأدب المقارن، فالأدب العام يدرس الحركات الأدبية التجديدية التي تتخطى المعايير القومية (14).
إن مصطلح الأدب العام استخدم لوسم المقررات والمنشورات المعينة بالآداب الأجنبية من خلال الترجمة الانكليزية. بشكل أوسع لوسم تلك الكتابات التي يصعب أن تصنف تحت أي عنوان من عناوين الدراسة الأدبية يبدو أن لها عند الدارسين أهمية تتجاوز الأدب القومي……..وهي أحياناً تشير إلى الاتجاهات الأدبية أو المشكلات أو النظريات ذات الاهتمام العام أو الجماليات(15).
يحاول الأدب العام دراسة الأعمال الأدبية الكبرى المتميزة بصداها التي تكون التراث الإنساني والنجاح الدولي التي تحرزه بطابع الاستمرارية التي تمثلها (حيث لا تصبح ميزة خاصة بعبقرية الكاتب بل بأصالة عالمية من هنا هي هدف الأدب العام بكل تقنياته الإحصائية والتأويلية بأصالة عالميته فالعالمية نجاح وصدى الأعمال الأدبية علماً أن الأدب العام والأدب العالمي يخفقان في تحقيق مواصفات منهج للتقريب مقارن في الوقت نفسه أن مقررات الأدب تمد الدراسات الأدبية بركيزة فلا تكون بالضرورة داخلة في الأدب المقارن.
ميز (فان تيجم (بين الآداب القومية والأدب المقارن والأدب العام بثلاثة مستويات:
(الأدب القومي يعالج مسائل محصورة من نطاق أدبي قومي، الأدب المقارن يعالج مسائل يتداخل فيها أدبان يختلفان، والأدب العام مخصص لمعالجة تطورات في عدد أكبر من البلدان التي تشكل وحدة عضوية مثل أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية…وباستعارة تعبيرات مصيرية يمكن القول أن الأدب القومي هو دراسة الأدب داخل الجدران والأدب المقارن هو دراسة الأدب عبر الجدران والأدب العام فوق الجدران.
قاصداً بذلك أن الأدب العام يتناول بالدرس والبحث الوقائع المشتركة بين عدد من الآداب سواء في علاقاتها المتبادلة أو في انطباقها على بعضها البعض.
إن الهدف الذي يرمي إليه الأدب العام إحصاء الوقائع الأدبية وتفسيرها التي تمثل وجود مشابهات أكيدة في بلدان مختلفة تشكل وحدة عضوية وعلى هذا يدخل في إطار الأدب العام إلي أدب واحد، فتأثير (فولتير) وغيره من كتّاب المأساة في القرن الثامن عشر (ببراسين)، و(فاليري) و(مالا رميه) كل ذلك ينحصر في أدب واحد هو (الأدب العام الأوروبي) وما يساق من موازنات في داخل الأدب القومي، فالموازنة بين أبي تمام و البحتري وبين حافظ شوقي وتأثر الحريري في مقاماته ببديع الزمان الهمذاني تنحصر في أدب واحد هو (الأدب العام العربي).
الأدب العالمي:
تحدث جوته (1827)عن الأدب العالمي على أنه مجموعة من الآداب الخاصة ينبغي أن نحسن النظر إليها حتى لا نقع فريسة أخطاء قومية، فبعد عالمية المسيحية والفروسية في القرون الوسطى والعالمية الإنسانية….والعالمية الكلاسيكية….ظهرت عالمية رومانطيقية تاريخية تعني أكثر من العالميات التي سبقتها)(16)
يدور في خلد جوته أدب عالمي موحد تختفي فيه الفروق بين أدب وأخر، ولا يتم ذلك إلا بتجاوب الآداب بعضها مع بعض، فينشأ عن هذا التجاوب توحد في أجناسها الأدبية وقواعدها الفنية وغاياتها الإنسانية ، فتختفي الحواجز حينئذ ٍ بين الآداب و لا يبقى ما يميزها إلا اللغة التي كتبت بها والدور الذي يمكن أن تقوم به كل أمة في دائرة النطاق العالمي الشامل.
ويري(فان تيجم ) أن التأثير العالمي لا يعتمد باسم أو ثلاثة من كبار الكتاب علماً أن العبقريات الفذة لا تتفق مع غيرها إلا في جزء بسيط من أنفسها وما تأخذه من التيار العام التي تجعله شيء في ذاتها فاكتشاف العناصر المشتركة تتم بقراءة الكتّاب العاديين ومدهم أكبر منهم إن هذا التنظير للأدب العالم (weltliteratur ) تسلم بريادة(ورسو) و(باريون) كمرحلة أولية تقتضي استخلاص تأثيراتهم الأكيدة في الكتّاب العادين، ودعا د. نجيب العقيقي في كتابه (حول الأدب المقارن لاكتشاف العناصر المشتركة بقراءة الكتّاب العادين وبين من هم أكبر منهم).
الاعتماد على رأي (فان تيجم) يجعل فكرة الأدب العالمي، فكرة خيالية لأنه يحصر الفضاء العالمي في فضاء أرويي محض، بينما لو تقصينا الكثير من الآداب عند أمم متعددة لوجدنا أعمالاً أدبية كتبت من عظماء الكتّاب يجدر الأخذ بها في إطار الأدب العالمي.
فالخلفية الحقيقية للأدب العالمي هي التي تجعل من الأعمال الأدبية أعمالاً متماثلة البناء والقوالب الفنية المتقيدة بالقومية والوطنية. نقصد بعالمية الأدب خروج الآداب من نطاق اللغة التي كتبت بها إلى لغة أو آداب لغات أخرى في قوالبها العامة لأن الآداب في طبيعتها محلية أو قومية أولاً، لأنها استجابة للحاجات الفكرية والاجتماعية الوطنية والقومية أولاً، ثم تشف من وراء ذلك غايات عالمية وإنسانية.
فخلود الآثار الأدبية لا يأتي من جهة دلالاتها العالمية ولكن من صدقها وتعمقها في الوعي الوطني والتاريخي وأصالتها الفنية في تصوير الآمال والآلام بين الكاتب وجمهوره (17).
مما يحدث توازناً وسيطاً بين الوطني وألما فوق يأخذ في تقيمه للرصيد الثقافي الإنساني فالأدب العالمي الحقيقي لا يكتفي بمجرد تجميع الآداب الكبرى في العالم بل يصير على قراءات الطرف من القراء (وبما أن هناك وجود سوسيولوجية الآداب الوطنية فلماذا لا نتنبأ بوجود سوسيولوجية للأدب العالمي الذي يضع في الصف الأول كتّاباً فرأوا لشكسبير وراسين وجوته………فقيمة عمل يحتفظ به الأدب العالمي لا يعود فقط إلي العبقرية المبدعة له بل ترتبط بالعالمية المتأصلة فيه، فملازمة أدب لحضارة مهيمنة يساعد اقتحام هذا الأدب لمستوي الأدب العالمي الذي عليه أن يبحث في كل فضاء عن الأعمال التي تتحقق انتشاراً عالمياً ولم تبلغه بعد ((18).
من هنا فإن حقيقة الأدب العالمي تستجيب لعامل الزمن الذي اقترحه (هنري ريماك) كقاعدة تلم شمل الأعمال الأدبية الإنسانية التي توجد بينها تشابهات أكيدة إذ (من الممكن بدون شك تفسير الظواهر المتشابهة والتي تقع في نفس الوقت عبر بلدان مختلفة بفضل البنيات (السوسيو اقتصادية) المشتركة لهذه البلدان إلا أن هذا التفسير سيبقي جزئياً لأن مجموعة من البنيات عليها أن لا تنتهي إلى مجرد ظواهر متشابهة بل إلى ظواهر واحدة ومتطابقة، إلا أن هذه الأخيرة لا توجد على مستوي الأيدلوجيات الفلسفية، الاجتماعية، السياسية، والتوجيهات العامة التي تختزل إلى مفاهيم ثابتة، بينما يفترض المتشابه تعدداً في البنيات السفلى وهو تعدد يأتي نتيجة المناخ الوطني، اللغة، الوعي بالماضي التاريخي الذي يكون صُلب بلدٌ ما) (19).