التطور التاريخي ومختلف الإصلاحات التي مست المؤسسة العمومية الجزائرية
عرفت المؤسسة العمومية الجزائرية خلال الأربعة عقود السابقة مراحل مختلفة في تطورها، وما الأسماء التي أخذتها إلا تعبيرا واضحا على الأشكال التنظيمية المتعددة التي عرفتها.
مرحلة الممتدة من 1962-1965 تميزت بضعف المؤسسات الوطنية من ناحية العدد*التسيير الذاتي والحجم.
مرحلة الشركات الوطنية الممتدة من 1965-1971 تم خلالها إنشاء معظم المؤسسات الوطنية.
مرحلة التسيير الاشتراكي للمؤسسات (المؤسسات الاشتراكية)، وتميزت بنشر النصوص التي تشرك العمال في التسيير.
إن الوضعية التي آلت إليها المؤسسة الاقتصادية في الجزائر خلال مرحلة التسيير البيروقراطي أدت لاتخاذ إجراءات لإصلاح الوضع من خلال: عملية إعادة الهيكلة العضوية والمالية، ثم استقلالية المؤسسات، وأخيرا إعادة الهيكلة.
أولا : إعادة هيكلة العضوية والمالية
إن أهم ما ميز المراحل السابقة هو بروز مؤسسات وطنية ذات حجم كبير (تجسيدا لمنطق التسيير المركزي) حيث تتصرف كإدارة للفرع كله محتكرة إنتاج الفرع وتجارته الخارجية والتوزيع الداخلي وتحديد سياسة الفرع، الأمر الذي خلق صعوبة تسييرها، كما أن موقفها الاحتكاري أدى إلى ظهور عدم التوازن في الاستثمارات إضافة إلى قيامها زيادة عن وظائفها الأساسية بوظائف أخرى سياسية واجتماعية.
1- مفهوم إعادة هيكلة العضوية والماليةا
لهيكلة العضوية للشركات الوطنية الكبرى تتمثل في تجزئتها إلى مؤسسات عمومية صغيرة الحجم حيث تضاعف عددها عدة مرات وحولت أسماؤها إلى مؤسسات عمومية وذلك لخلق نوع من التخصص للمؤسسة وتحديد مجالها الجغرافي والفصل بين المهام داخل كل منها.
أما الهيكلة المالية فهي حل لمشكل ديون المؤسسات السابقة أين تولت الخزينة العمومية بتسديد الديون التي كانت تربط هذه المؤسسات فيما بينها.
2- مبادئ إعادة هيكلة العضوية والمالية
ويمكن تلخيصها في ثلاث نقاط:
-التخصص حسب عائلات منتجات متجانسة، وفي حالة ما إذا اتضح أنها لازالت كبيرة يتم تقسيمها إلى وحدات جهوية،
-الفصل بين وظيفة الإنتاج ووظيفة البيع، مؤسسات الإنتاج تختص فقط بالإنتاج أما تسويق المنتجات به المؤسسات التجارية المنبثقة عن شبكة التوزيع القديمة،
– فصل وظيفة الإنتاج عن وظيفة انجاز الاستثمارات، حيث تتولى مهمة انجاز الاستثمارات مؤسسات متخصصة.
3- أهداف إعادة الهيكلة العضوية والمالية
من الأهداف الأساسية التي كانت ترمي إليها عملية إعادة الهيكلة نذكر:
– تحسين الإنتاج كما ونوعا،
– تخفيض أسعار التكلفة،
– التخلص من نموذج تنمية ممركز لمرحلة السبعينات الذي يكلف الدولة مبالغ ضخمة،
– استعادة الانضباط،
– زيادة تحفيز العمال والمسيرين،
– تخفيض تكاليف الخدمات العامة،
– التخفيف من العراقيل البيروقراطية والتبذير،
– تحسين الاتصال….
ثانيا: استقلالية المؤسسة العمومية الاقتصادية
لم تسمح عملية إعادة الهيكلة السابقة للمؤسسات بالقضاء على الصعوبات وبالتالي تم إصدار مجموعة من القوانين سميت المؤسسة من خلالها بالمؤسسة*المتراكمة العمومية المستقلة.
1- مفهوم المؤسسة العمومية الاقتصادية المستقلة
تعتبر المؤسسة العمومية الاقتصادية شركات مساهمة أو شركات ذات مسؤولية محدودة لأهمية النشاط لكل منهما أو نوعية الفرع الذي تنتمي إليه الدولة أو الجماعات المحلية فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، تخضع في تسييرها لمبادئ التجارة وتتميز بصلاحيات قانونية في حدود قوانينها الأساسية، يعبر عن إرادتها ممثل قانوني يدافع عن مصالحها.
2- أسس ومبادئ المؤسسة العمومية الاقتصادية المستقلة
يمكن تلخيص أهم المبادئ التي جاء بها قانون استقلالية المؤسسات في النقاط التالية:
– إنشاء المؤسسة العمومية يتخذ شكلين هما: شركات المساهمة أو شركات محدودة المسؤولية تملك الدولة أو الجماعات المحلية جميع الحصص أو الأسهم، وهذه الأشكال كما هو معلوم ينظمها القانون التجاري،
– الدولة والجماعات المحلية تملك رأسمال المؤسسة لكن تسييره يتم بواسطة صناديق المساهمة التي تعتبر وسيط بين الدولة والمؤسسة،
– لا يمكن لصناديق المساهمة أن تفرض مراقبة كلية على المؤسسات التي تملك جزء من رأسمالها (%40 كنسبة قصوى للمساهمة) كما أن أعضاء مجلس إدارة المؤسسة لا يخضعون إلى التدرج الإداري لصناديق المساهمة. دور هذه الصناديق يتمثل على المدى القصير في المساهمة في التطهير المالي وإعادة الهيكلة المالية للمؤسسات وأيضا المساهمة في قيام سوق مالي.
– تتمتع المؤسسة بالأهلية القانونية الكاملة فتكون بذلك صاحبة حقوق وواجبات وبالتالي لها حرية التصرف في ممتلكاتها وبيعها وفقا لقواعد القانون التجاري بشرط عدم المساس بالأموال الأساسية.
ثالثا: إعادة الهيكلة الاقتصادية والصناعية للمؤسسة العمومية
لقد اعتبرت هذه العملية ضرورة حتمية نتيجة التراكمات السلبية في مختلف المجالات: ارتفاع نسبة التضخم والبطالة، عدم التوازن في الميزانية العامة وسوء التوازن في مؤسسات القطاع العام فجاءت هذه العملية لإعادة التوازن للاقتصاد الوطني وتوفير الشروط للانطلاقة الاقتصادية وهذا عن طريق إعادة هيكلة المؤسسات أو خوصصتها.
1- إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية
هذا الإجراء يمس المؤسسات الإستراتيجية فقط حيث يعتمد على إتباع برنامج تعديل هيكلي بناء على معطيات مخطط التقويم الداخلي الذي تحضره المؤسسة، كما يتم إمضاء عقد نجاعة بين ممول المؤسسة والوزارة القطاعية المختصة في إطار خطة متوسطة الآجل، هذه العملية تعتبر انتقالية للمرور بالمؤسسات نحو اقتصاد السوق.
2- الخوصصة2-1-
مفهوم الخوصصة: كل صفقة تتجسد في نقل ملكية المؤسسة العامة من القطاع العام إلى أشخاص طبيعيين أو معنويين يخضعون للقانون الخاص من غير المؤسسات العمومية، وعملية الخوصصة تمس المؤسسات التي لا يمكنها الاستمرار كمؤسسة عمومية بسبب ظروفها السيئة أو كونها غير إستراتيجية للدولة، وتعتبر الخوصصة إحدى الدعائم المستعملة للانتقال إلى اقتصاد السوق.
2-2- طرق الخوصصة: تتم بطريقتين
– الطريقة الأولى: لا تمس العمومية للدولة لرأسمال بل إدخال طرق وتقنيات تسير في المؤسسة كما يلي
– تأجير المؤسسة العمومية لشركة أو متعامل خاص،
– عقد تسيير بواسطة مؤسسة خاصة لكل أو جزء من ممتلكاتها،
– المساعدة في التسيير،
– استقلالية المؤسسات العمومية.
– الطريقة الثانية: تحويل كلي أو جزئي لرأسمال المؤسسة العمومية الاقتصادية للقطاع الخاص من خلال:
– المساهمة العمالية (%5 من الأسهم مجانية)،
– رفع رأسمال المؤسسة،
– طرح الأسهم للبيع (بعد التهيئة والتعديل الضروري للمؤسسة)،
– بيع أصول المؤسسة العمومية (في حالة التوقف عن التسديد)،
– تنازل مباشر للأسهم باختيار المشتري الذي يتوفر على أهم رؤوس أموال أو تكنولوجيا.
مثلا: خوصصة مركب الحديد والصلب بالجحار مع الشركة الهندية "إسبات: « ispat » خوصصة جزئية لـ: "صيدال " " الأوراسي".
2-3- أهداف الخوصصة:
إن الخوصصة وسيلة وليست غاية وبالتالي فهي تهدف إلى
– تحسين طرق التسيير ورفع كفاءة المسيرين،
– رفع الكفاءة الإنتاجية للمؤسسات،
– جلب رؤوس الأموال الأجنبية لخلق مشاريع جديدة وبالتالي القضاء على البطالة،
– تحسين جودة المنتجات والخدمات تماشيا مع متطلبات الزبائن ومقاييس الجودة العالمية،
– خلق القدرة التنافسية لدى المؤسسات الوطنية،
– زيادة ربحية المشروعات وتحديث الاقتصاد الوطني،
– تجنيد القدرات المالية لدى الأفراد والمؤسسات وإدخالها إلى دائرة الاستثمار والإنتاج بواسطة السوق المالية أو البنوك.
2-4- آثار الخوصصة
2-4-1- الآثار الايجابية: وتتمثل في
– الحد من تبذير الأموال العمومية،
– تشجيع الادخار وإعادة الأموال المكتنزة إلى دائرة الاستثمار والإنتاج بواسطة السوق المالية أو البنوك،
– فرض انضباط مالي أكثر جدية في استغلال المؤسسة بحيث تخضع لمراقبة الشركاء،
– تحسين الإنتاج من حيث الكمية والنوعية من خلال المنافسة،
-الشراكة الاقتصادية لجلب التكنولوجيا للمؤسسات،
– التقليل من عجز الميزانية عن طريق توفير أموال من خلال التنازل عن أصول المؤسسات.
2-4-2- الآثار السلبية: وتتمثل في
– تسريح العمال لأسباب اقتصادية،
– انخفاض المستوى المعيشي للسكان،
– ظهور الطبقية في المجتمع،
– زيادة النفقات العامة الناجمة عن الخوصصة كتعويض العمال المسرحيين، التطهير المالي …،
– صعوبة إيجاد مستثمرين في بعض القطاعات أو المؤسسات الضخمة.
3- أهداف إعادة الهيكلة الاقتصادية والصناعية
من جملة الأهداف التي ترمي إليها هذه العملية نذكر ما يلي:
– تخليص الدولة من المبالغ المالية الباهضة التي يكلفها القطاع العام،
– إنقاذ المؤسسات القادرة على الاستمرار في الإنتاج وفق نمط التسيير الجديد عن طريق إعادة التوازن لها حتى لا يرفع معدل البطالة،
– تكثيف النسيج الصناعي بطريقة تختلف عن الماضي بإعطاء أهمية للقطاع الخاص باعتباره محرك لهذه العملية.
عموما كانت مختلف الإصلاحات التي شهدتها المؤسسة العمومية الاقتصادية متعددة أهمها تحسين التسيير والتحكم أكثر في نشاطاتها، وبالتالي تحقيق مردودية من ورائها، إلا أن الواقع يظهر شيئا آخر، حيث اتسمت هذه المؤسسات بعد الإصلاحات بميزات سوء التسيير، عدم ارتفاع المردودية إلا في حالات نادرة وكان ذلك نتيجة عدة معوقات كانت ولا زالت تقف في وجه هذه المؤسسات في تحقيق أهدافها