http://www.4shared.com/get/37110698/…/________.html
هذا رابط كتاب بعنوان:
العلاقات الدولي_الروابط بين النظرية والممارسة في السياسة الدولية
http://www.4shared.com/get/37110698/…/________.html
هذا رابط كتاب بعنوان:
العلاقات الدولي_الروابط بين النظرية والممارسة في السياسة الدولية
السياسة الإقتصادية:
– خطة البحث –
الفصل الأول : الدولة و السياسات الاقتصادية
المبحث الأول : السيلسة الاقتصادية
المطلب الأول : مفهوم السياسة الاقتصادية
المطلب الثاني : أنواع السياسة الاقتصادية
المطلب الثالث : أدوات السياسة الاقتصادية
المبحث الثاني : السلطات الاقتصادية
المطلب الأول : السلطة النقدية
المطلب الثاني : السلطة المالية
الفصل الثاني : العولمة والسياسات الاقتصادية
المبحث الأول : العولمة الاقتصادية و تداعياتها
المطلب الأول : مفهوم العولمة الاقتصادية
المطلب الثاني : العولمة و التنمية الاقتصادية
المبحث الثاني : مظاهر العولمة
المطلب الأول : ظهور المعلوماتية
المطلب الثاني : تزايد دور المنظمات الدولية
المطلب الثالث : تزايد التكتلات الاقتصادية
الفصل الثالث : تأثير العولمة على السياسات الاقتصادية
المبحث الأول : التأثير على السياسة النقدية
المبحث الثاني : التأثير على سياسة الميزانية
المبحث الثالث : التأثير على سعر الصرف
الخاتمة
.الفصل الأول : الدولة و السياسة الاقتصادية
المبحث الأول : السياسة الاقتصادية
المطلب الأول : مفهوم السياسة الاقتصادية
إن مفهوم السياسة الاقتصادية تعني المنهج المتبع لدى بلد معين في التعامل داخل مجال نشاط السلع و الخدمات, وفي هذا الصدد إما تعتمد الدولة سياسة أو نظام الأنشطة الحرة أي سياسة السوق المفتوح ،
وإما تعتمد نظام أو سياسة الاقتصاد الموجه
أ – نظام النشاط الحر الاقتصاد المفتوح )
وهو النظام الذي ترفع فيه الدولة القيود على بعض السلع و الخدمات ضمن دائرة التعامل بين الأفراد أو المؤسسات داخل البلد الواحد و خارج الحدود
ب – نظام النشاط الموجه :
وهو النظام الاقتصادي الذي تكون فيه سلطة الدولة هي المسيطرة و الموجهة لسياسة النشاط الاقتصادي في سوق السلع و الخدمات , بحيث تحدد الأسعار للسلع وتدعم الأسعار في حالة وجود فارق بين السعر الحقيقي للسلعة و السعر المعروض في الشوق مع وجود تدني لدخول الأفراد
المطلب الثاني : أنواع السياسات الاقتصادية
تتمثل أنواع السياسات الاقتصادية في سعر الصرف و السياسة النقدية , وهما نوعان أساسيان في التعامل
أ – سياسة سعر الصرف :
إن الدولة في سياستها الاقتصادية المتبعة تتحكم في نشاط معين للحد منه أو تشجيعه فتستخدم سياسة سعر الصرف حيث يمكنها أن تقوم بتخفيض في قيمة العملة للحد من تسرب العملة للخارج, و قد تلجأ إلى هذه الطريقة إذا أرادت أن تشجع الاستثمار بالأموال في مشاريع داخلية , و المحافظة على كمية النقود داخل الحدود
ب – السياسة النقدية :
إن سياسة النقود عملية تلجأ إليها الدولة في عدة حالات منها :
– الحد من إصدار النقود 0
– التحكم في الكتلة النقدية بضمان ثبات معدل الدوران للمخزون النقدي0
ومن خلال ذلك يمكن للدولة أن تقلل من نسبة القروض و التسهيلات المصرفية الممنوحة للقطاعات, لأن من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ضعف الأسواق الأولية و غرق الشركات عن طرح أسهمها للاكتتاب العام هو محدودبة الوعي المالي لدى المستثمرين
المطلب الثالث : أدوات السياسة الاقتصادية
إن الهدف من دراسة أي سياسة اقتصادية هو تحقيق التوازن بين المداخيل و المنتجات لسوق السلع و الخدمات و الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة و الحد من الفقر 0
و من بين الأدوات الممكن استغلالها لتحقيق هذا الهدف , و تتخذها الدولة كإصلاحات هيكلية تتمثل فيما يلي:
– تحرير الرقابة على الأسعار و إلغاء بعض احتكارات القطاع العام0
– خوصصة العديد من المؤسسات الحكومية 0
– إلغاء الحواجز غير الجمركية و خفض رسوم الإستيراد0
و هناك من الدول من يلجأ إلى أبعد من ذلك و هو تحرير أسعار الصرف و إلغاء الرقابة المباشرة على الائتمان المصرفي
المبحث الثاني : السلطات الاقتصادية
إن السلطة الاقتصادية تشمل جانبين : جانب السلطة المالية ، و جانب السلطة النقدية
المطلب الأول : السلطة النقدية
إن الجانب النقدي له أهمية و أثر كبير في السياسة الاقتصادية داخل النشاط الاقتصادي 0
و لهذا فإنه قبل الشروع في أي سياسة اقتصادية يجب التفكير و التأكد من قدرات السلطات النقدية أو المؤسسات المصرفية و النقدية للبلد ومدى تحملها لمواكبة النظام الاقتصادي المزعوم انتهاجه من قبل الدولة مع مراعاة أسعار الصرف لأي نظام سعر. الصرف المتغير يتحدد من خلال القوة الشرائية لكمية النقود إضافة إلى عوامل أخرى منها العرض و الطلب و معدلات الفوائد , و التضخم و التطور الاقتصادي و القوة الاقتصادية
المطلب الثاني : السلطة المالية
إن عملية التمويل عنصر أساسي في تمرير السياسة الاقتصادية , و على هذا الأساس يجب توفر أدواته و المتمثلة في التمويل الذاتي , تمويل طويل الأجل الأقراض , تسهيل الإيداع 0
و هذه العناصر أساسها البنوك المحلية للبلد المعني و مدى قدرتها على توفير الأموال لإدارة المشاريع , و يساهم في ذلك أيضا إلى جانب البنوك المحلية البنوك الخارجية في ظل نظام الشراكة. حيث تساهم هذه البنوك أو المؤسسات المصرفية بإعطاء قروض لأجل أو قروض في شكل مساهمات في رأس المال 0
الفصل الثاني : العولمة و السياسات الاقتصادية الدولية
المبحث الأول : العولمة الاقتصادية و تداعياتها
المطلب الأول : مفهوم العولمة الاقتصادية
العولمة هي ظاهرة متعددة الأوجه , و تتضمن عدة جوانب منها جوانب سياسية , اقتصادية و ثقافية و بيئية 0 ولذا يمكن القول أن العولمة الاقتصادية هي نظام يشير إلى إزالة العوائق الوطنية الاقتصادية و نشر التكنولوجيا و التجارة و أنشطة الإنتاج و زيادة قوة الشركات عابرة الحدود الوطنية و المؤسسات المالية الدولية و تحرير الأسواق , و إلغاء القيود عليها و خصخصة الأصول و زيادة التعاملات في النقد الأجنبي , و تكامل أسواق رأس المال , و استحداث أدوات مالية جديدة , وينتج عن ذلك زيادة اعتماد الأسواق
المطلب الثاني : العولمة و التنمية الاقتصادية
إن من أبرز العناصر المساهمة في التنمية الاقتصادية في ظل العولمة هي منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية (ocde) الشبكة الممثل دورها للدولة الغنية حيث أطلق عليها تسمية نادي الأقوياء إقتصاديا
ينمثل دورها في كونها تعتمد على البحث و الدراسات و متابعة التطورات الاقتصادية , في كل دولة عضو
في هذه المنظمة و مقابلة كل هذا بما يجري في بقية دول العالم لمدة 25 سنة القادمة , ومن ثم نقترح الحلول المناسبة إذ أنها لا تصدر قرارات و لا تتبنى إجراءات عملية0
و من أهم نشاطات المنظمة أنها أعد ت مشروع بحث سنة 1995 بعنوان interfuturs قصد تصور نمو اقتصاديات أعضاؤها و علاقة هذا النمو بما يحدث في الدول النامية حتى نهاية القرن0
و في نفس السنة أجرت دراسة أخرى تمتد إلى سنة 2022 اسمها interdepnce أو الاعتماد المتبادل
ومن خلال هذه الدراسات خرجت بفرضية أولى تتمثل في أن نمو إقتصاد أعضاء المنظمة بمعدل ثابت
3 %سنويا طول هذه الفترة, و معدل نمو الدول غير الأعضاء يبلغ 6.7% على أساس نجاح الإصلاحات الاقتصادية و السياسية التي توفر الحرية الكاملة لحركة المبادلات و الاستثمار بين الدول0
أما الفرضية الثانية فتقوم على أساس أن معدل نمو 3 % في دول المنظمة و 4.8 % في الدول الأخرى على أساس تأخر عدد من الدول عن إجراء التحرير الكامل للتجارة الدولية و الاستثمار الدولي 0
و توصلت الدراسة إلى خمس دول كبرى جديدة ( روسيا , الصين , أندونيسيا , الهند و البرازيل ) التي ستأخذ نصيبا وفر من مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم و حجم التجارة الدولية 0
المبحث الثاني :مظاهر العولمة
المطلب الأول : التدويل
إن ظاهرة التدويل تعبر في حقيقة وقعنا المعاش عن تدويل القوى المنتجة على المستوى العالمي , ويقصد بالقوى المنتجة جميع الوسائل والقدرات التي هي في متناول المجتمع البشري لأجل الإنتاج0
وقوى الإنتاج تتضمن وسائل الإنتاج و قوى العمل التي تستخدمها هذه المجتمعات البشرية و بالتالي فهي تتضمن أساليب الإنتاج و تنظيم هذا الإنتاج وكذا مستوى العلوم و التكنولوجيا
المطلب الثاني : الثورة العلمية والتكنولوجية
لقد شاهد العالم ثورة في عدد من القطاعات المرتبطة أساسا بلإلكترونيك و الإعلام الآلي و الاتصال
و الكيمياء و البيولوجيا , الشيء الذي جعل البعض يتحدث عن رأسمالية إلكترونية .
هذه الثورة سوف تغير ترتيب القطاعات الاقتصادية أين تصبح قطاع الخدمات المرتبطة بهذه القطاعات تحتل نصيبا أكبر في النشاط الاقتصادي و الإنساني ككل, كما تغير هذه الثورة من أنماط الإنتاج و التشغيل و كذا طرق التسيير0
لقد عرف العالم في نهاية القرن الثامن عشر الثورة الصناعية التي نظمت التقسيم التقني و الاجتماعي للعمل حيث أصبحت الصناعة هي القطاع المحرك لكل النشاط الاقتصادي , هذا التقسيم كان قائما على أساس علاقة تبعية بين الإنسان و الآلة و كذا الفصل بين العمل اليدوي و الذهني , وبين التصميم و الإدارة و التنفيذ0
ولقد تميزت الثورة العلمية و التكنولوجيا بمجموعة من الخصائص يمكن أن نذكر منها النقاط التالية :
أ- أعطى مكانة للعلم والبحث العلمي لم يشهدها العالم من قبل
ب- إلزامية قيام علاقة جديدة بين الإنسان و الآلة و فالعامل الإنساني يصبح أولى من العالم التقني , لهذا سوف تعطى الثورة التكنولوجية مكانة أكبر للإنسان الحامل للعلم , فهذا الأخير هو كائن اجتماعي و ليس عاملا من عوامل الإنتاج الأخرى مما يستلزم قيام أساليب عمل و تنظيم جديد0
ج- ظهور إنقلابا جذريا و نوعيا في الإنتاج أساسه الإلكترونيك و الإعلام الآلي و الإتصال وهذا مما يؤدي إلى نمو سريع في للقوى المنتجة0
د – التطور المذهل والسريع لقطاع المعلومات و الاتصال وانعكاسه على مختلف جوانب النشاط الإنساني , و هذا ما سيحدث انقلابا في عدة مجالات من النشاط الاقتصادي أولها مجال الإنتاج و أساسا أنماط العمل و التشغيل , حيث سينشر تشغيل اليد العاملة الماهرة و الرخيصة عن بعد و كذا إدارة الأعمال عبر الإعلام الآلي 0
التحولات على مستوى البنية الفوقية العالمية :
عندما لاحت بوادر فوز الحلفاء , و بعد تلك الحرب العالمية الثانية و بعد الفوضى السياسية و الاقتصادية التي عرفها العالم , سعت مجموعة من الدول لوضع مؤسسات دولية و جهوية لإعادة تنظيم شؤون العالم الاقتصادية و الاجتماعية و توفير شروط الإنطلاقة الاقتصادية و الاجتماعية و إزالة كل العقاب التي تعيق عملية تمركز الإنتاج و الرأسمال على المستوى العالمي و خلق شروط اقتصادية و سياسية جديدة لإعادة اقتسام مناطق النفوذ0
ومن خلال ما سبق يمكن أن نلاحظ الآن تغيرات هامة على مستوى الخريطة الاقتصادية و السياسية للعالم خاصة مع انهيار البلدان الإشتراكية سابقا و و تراجع حركات التحرر الوطني في البلدان النامية , حيث شاهد ميلاد قطبي اقتصادي وسياسي أحادي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية
الفصل الثالث : تأثير العولمة على السياسات الاقتصادية
المبحث الأول : التأثير على السياسة النقدية
بالنسبة لهذا الجانب نلاحظ أن البنك العالمي هو ثاني مؤسسة ذات اعتبار كوني بعد صندوق النقد الدولي , حيث يقوم بمنح قروض طويلة الأجل همها قروض التكيف الهيكلي بهدف دفع تيار العولمة و دوره يتكامل مع دور صندوق النقد الدولي الذي حد دته لهما اتفاقيات ” بريتون وودز” , التي كلفت الصندوق بالسهر على ضمان قواعد الاستقرار النقدي الدولي , و تنمية العلاقات النقدية المتعددة الأطراف و البنك العالمي يقوم بتقديم العون المالي الضروري لتمويل التنمية طويلة الأجل , و إزداد هذا التكامل مع إستفحال المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية في البلدان النامية و إظطراب العلاقات النقدية و تدهور العلاقات التجارية و المالية بين مختلف الدول , بحيث كيف الصندوق و البنك شيئا فشيئا سياستهما و برامجهما لإعانة الدول النامية و سعيها للقضاء أو الحد من إشكاليتها النقدية و المالية و الهيكلية , و تتضح لنا الرؤية أكثر إذا علمنا أن العضوية في البنك العالمي مشروطة بالعضوية في الصندوق 0
و في ظل النظام الجديد يعتبر البنك العالمي هو أقوى وكالات التنمية و التمويل الدولية , حيث يستعمل أمواله لأغراض شتى أهمها :
– تمويل المشاريع للبنية الأساسية
– تشجيع رأس المال الدوالي الخاص 0
– تسريع وتيرة الخوصصة 0
المبحث الثاني : التأثير على سياسة الميزانية
إن تحقق المنافع المحتملة في ظل النظام العالمي بتوفير البنية الأساسية تحقيقا كاملا من عدمه مسألة تعتمد على الكيفية التي تقوم الحكومة بتوزيع المخاطر , فيمكن للحكومة أن تزيد المنافع بواسطة تحمل المخاطر التي تستطيع السيطرة عليها , و لكن ينبغي لها أن تتجنب تحمل المخاطر الأخرى 0
و بهذه الطريقة يواجه المستثمرون بخواطر قوية لإختيار المشاريع بعناية و إدارتها بكفاءة , فهي تستطيع أن تقلل المخاطر التي يتعرض لها المستثمرون بواسطة إتباع سياسات إقتصادية كلية وطيدة , و الإفصاح عن المعلومات , و تنفيذ قوانين و لوائح تنظيمية جيدة , و تدعيم سلطتها القضائية و و تستطيع أن تقيس بها الضمانات التي تقدمها وتوازنها و تحسبها , بحيث تكون التكاليف و المخاطر واضحة وقت إصدار الضمانات و ليس فبما بعد عندما يتعين على الحكومة أن تسدد ، لأن من المعلوم في إطار توازن الميزانية أن الدولة عليها تكافأ بين إلتزاماتها و إيراداتها لتقييم الضمانات و الإلتزامات المحتملة كما يمكنها إستخدام قيمة الضمانات لحساب خسارة متوقعة 0
و عندما تقيم الضمانات , يكون من الأكثر إحتمالا أن تتخذ القرارات على أساس التكاليف و المنافع الحقيقية و ليس الظاهرة 0
و من وجهة النظر الاقتصادية فإن التمييز بين الخسائر المحتملة وغير المحتملة ليس مفيدا على الدوام ,
إن وجود فرصة بنسبة 10 % بخسارة 10 ملايين من الدولارات أسوأ من وجود فرصة بنسبة 90 %
لخسارة مليون دولار , و الأفيد من ذلك هو تقدير القيمة الحالية للخسارة المتوقعة الناجمة عن إلتزام محتمل
و من شأن وجود نظام مثالي للمحاسبة و الموازنة أن يسجل القيمة الحالية المتوقعة لجميع العقود التي تبرمها الحكومة 0
المبحث الثالث : التأثير على سعر الصرف
نظرا لأن الكثير من استثمارات البنية الأساسية تمول بواسطة قروض مقومة بالنقد الأجنبي و تعقد بأسعار فائدة معومة , فإن الأرباح تكون حساسة بشكل مرتفع للتغيرات في أسعار الصرف و أسعار الفائدة .
و يتبين أنه للوهلة الأولى أنه ينبغي للحكومة أن تتحمل بتعبئة المخاطر المرتبطة بهذا الخطر , لأن لها بعض السيطرة على أسعار الصرف و الفائدة , و سيكون لديها إذا ما تحملت هذه المخاطر حافز لإتباع سياسات اقتصادية كلية مستقرة.
و في ظل نظام العولمة ثمة عدد من الأسباب تجعل من الضروري للمستثمرين أن يتحملوا بمخاطر سعر الصرف و الفائدة :
– فأولا يمكن أن تشجع الضمانات الحكومية للمستثمرين على التعرض لحدود كبيرة من مخاطر أسعار الصرف , و عندئذ يستطيعون إذا ما حدث إنخفاض قيمة العملة أن يلقوا باللوم على الحكومة لما تعرضوا عنه من خسائر بدلا من الإعتراف بخطر الإفراط في الإقتراض بعملات أجنبية 0
– ثانيا : يمكن أن يكون لضمانات سعر الصرف تأثير معاكس على سلوك الحكومة , وعلى سبيل المثال فقد تغري الحكومة بدم إجراء التخفيض الذي يكون مطلوبا في قيمة العملة المحلية في أعقاب صدمة في معدلات التبادل التجاري 0
– ثالثا : قد تكون الكثير من الحكومات قد إننكشفت بالفعل هي و دافعو الضرائب الذين يدعمونها للمخاطر المرتبطة بصدمات سعر الصرف والفائدة .
وقد تفضي صدمة معدل تبادل تجاري معاكس مثلا : تخفيض في قيمة العملة و إنخفاض في الدخول على حد سواء , مما يجبر الحكومة على تعيض المستثمرين في نفس الوقت التي تتقلص فيها قاعدتها الضريبية .
إى أنه قد يكون لدى القطاع الخاص في حالة عدم وجود ضمان حكومي , حوافز أكبر على إدارة مخاطر سعر الصرف .
المراجع :
1 – أحمد فريد مصطفى – سمير محمد السيد حسن ،السياسات النقدية و البعد الدولي للأورو
مؤسسة شهاب الجامعية – الإسكندرية –
2 – مروان عطوان ،الأسواق النقدية و المالية،ديوان م – ج
3 – باشوندة رفيق – رسالة ماجيستر – عوامل التحكم في المردودية المالية 96 .1997/
4 – التمويل و التنمية -مجلة تصدر كل ثلاثة أشهر عن صندوق النقد الدولي و البنك الدولي للإنشاء-المجلد 39 , العدد 01 – مارس 1999 –
5 – العولمة و إدارة الاقتصادات الوطنية – وقائع الندوة المنعقدة في 18 و 19 نوفمبر 2000
.علم السياسة كحقل من حقول المعرفة
_ عملية المعرفة : تستهدف الوصول إلي حقيقة الشياء المحيطة بنا في الطبيعة والمجتمع ، من خلل مجموعة من الجراءات
الذهنية التي تدور بين العقل النساني والظاهرة محل الدراسة )أي المادة التي نريد أن نتعرف على حقيقتها(. إذن طرفا عملية
المعرفة هما : ) 1( العقل النساني ) 2( الظاهرة محل الدراسة.
– المعارف نوعان :
أ-معارف) أي علوم( طبيعية
ب- معارف اجتماعية :
_ علم السياسة هو علم اجتماعي ينصب اهتمامه على دراسة النشاطات السياسية للنسان مثل عمليات الحكم والتصويت والضغط
السياسي وتكوين التنظيمات السياسية كالحزاب وجماعات المصالح وغيرها.
تطور علم السياسة :
_ كانت العلوم السياسية تقليدياً تعنى بمجموعة العلوم التي تعالج الجوانب السياسية في العلوم الجتماعية المختلفة
_ اكتسب علم السياسة شخصية متميزة عن غيره من العلوم
ان علماء السياسه المجتمعون في باريس أربعة قطاعات لعلم السياسة هي:
1_النظرية السياسية:
2_النظم السياسية :
-3 الحياة السياسية :
-4 العلقات الدولية:
هناك تعريفات عديدة لعلم السياسة منها:
هناك عدة تعاريف لعلم السياسية ومنها:
أول:تعريف جامعة كولومبيا:
هي علم لدراسة الحكومات والمؤسسات والسلوك والممارسة السياسية.
ثانيا: تعريف المعاجم الفرنسية:
هو علم دراسة حكم المجتمعات النسانية )أي علم حكم الدول(
. ثالثا: تعريف ديفيد أستون)عالم سياسة أمريكي( :
هو العلم الذي يهتم بدراسة التوزيع السلطوي اللزامي للقيم في المجتمع.
مناهج البحث في علم السياسة
_ منهج البحث هو شكل عملية المعرفة ، أو أسلوب الباحث في الوصول إلي حقائق الشياء المحيطة به في الطبيعة والمجتمع من
خلل مجموعة من الجراءات الذهنية والواقعية التي يستخدمها لهذا الغرض.
_ هناك مناهج عديدة تستخدم في دراسة عالم السياسة منها :
1( المنهج الفلسفي المثالي : (
2( المنهج التاريخي : (
3( المنهج الوصفي )الختباري الصرف( : (
4( المنهج العلمي التجريبي : (
يهدف الى تفسير وتعميم والتوقع فهو:
-1 ملحظه.
-2 تجريب.
-3 تفسير.
-4 تعميم.
-5 توقع.
إذا ماذا نعني بدراسة الظواهر السياسية ؟؟ أي كل ما يتعلق بعالم السياسة سواء تلك النشاطات السياسية التي تأتي من أسفل إلى أعلى
أو تلك التي تأتي من أعلى إلى أسفل.
5( المنهج المؤسسي : (
6( المنهج السلوكي : (
7( المنهج المقارن : (
علقة علم السياسة بغيره من العلوم الجتماعية
أول:علم السياسة وعلم القتصاد
ثانيا: علم السياسة وعلم الجتماع
ثالثا:علم السياسة والنثربولوجيا
رابعا العلقة بين علم السياسة والتاريخ
خامسا العلقة بين علم السياسة والقانون
ثمة روابط عديدة بين علم السياسة والقانون منها:
_ وجود فرع رئيسي من فروع علم السياسة يعتمد في دراسته على المنهج القانوني وهو)النظم السياسية(
_ القانون الدولي كذلك يعتبر فرعا مشتركا بين المعارف السياسية والقانونية
_ موضوع نظرية الدولة هو أيضا من الموضوعات المشتركة التي يهتم بها علماء السياسة وفقهاء القانون
_ كذلك هناك موضوع على قدر كبير من الهمية يركز عليه كل من علم السياسة والقانون أل وهو موضوع )شرعية السلطة( والتي
تعني مدى دستورية السلطة ، أي مدى التزامها بالقانون فهي شرعية طالما التزمت بالقانون والعكس صحيح.
سادسا: علم السياسة وعلم النفس
الفكر السياسي
الفكر العشوائي
الفكر منهجي
الفكر السياسي اليوناني
بيئه الفكر السياسي اليوناني )الغريقي(
البناء الجتماعي : 1- المواطنون 2- الجانب 3- الرقاء
*كثير من المصطلحات ذات اصل يوناني
البناء السياسي لدوله المدينه الغرقيه
من ثلثه عناصر
-1 الجمعيه 2- مجلس الخمسمائه 3- المحاكم
• الديمقراطيه المباشره كانت في الغريق
أفلطون
اول رائد للمنهج للمنهج الفلسفي
حياته و الصدمتان التي تعرض لهما
منهجه السياسي
فلسفته)لحقيقه في العالم المادي المحسوس(
مديننه الفاظله تقسيه للحكم علم على جسم النسان وقياسها عليه.
أكادميته
المحاور )الكتب الي ألفها على هيئه سؤال وجواب(
*الحتراف العسكري
*أمثل أشكال الحكومات حكومه الفلسفه
………………………………………….. ………………………………………….. ………………………………………….. …
المعرفة :-مجموعة من الجراءت الذهنية التي تدور بين طرفين العقل النساني والمادة الظاهرة او الشي المستهدف بالدراسة
المعرفة نوعان:-
1_معرفة طبيعية
2_معرفة اجتماعية
-تطور علم السياسة تحقق في هذا العام البوتسكووفراوفي ياربسلو حدد شخصية علم السياسة قبل عام 1941 يمكن القولن علم
السياسه علم على العلوم الخرى كانت تعني مجموعة من العلوم إنما تدرس الجوانب السياسية في العلوم الخرى
مناهج البحث في علم السياسة:-
1_المنهج التاريخي واهمية بالنسبة لعلم السياسة 00000
منهج يقوم على تسجيل الحداث ولوقائع السياسية متسلسه تسلسل تريخيا دون تفسير أو تأويل والوقائع السياسي يمكن لعالم السياسه
-ومن هذه المناهج :-
1_المنهج المؤسسي )هو المنهج دراسة النظم السياسه(
2_المنهج السلوكي )هو العلقة التفاعلية بين الظواهر السياسه والظواهر الخرى الجتماعية ولقتصادية(
3_المنهج المقارن)المقارنة بين واقعين سياسين أو أكثر (
-وهناك علقة طردية)كلما زادت نسبة الفقراء داخل المجتمع كلما نعرض الستقرار الساسيه للهتزاز
التشبيه السياسي للفرد)هو موضوع مشترك بين علم السياسه وعلم الجتماع علم الجتماع السياسي يهتم في الوضاع السياسي
ولوضاع الجتماعي وبدراسة التأثير المتبادل بينهما
-الحالة المزاجية للنسان لشك أنها تؤثر في سلوكه
الفكر السياسي )هو كل مايصدر عن العقل النساني من افكار أراء نظريات تتقلص بعالم السياسة
الفكر السياسي نوعان:-
1_الذي ليلتزم صاحبه بمنهج من مناهج العرفه )فكر السياسي عشوائي (
2_الذي يلتزم صاحبه بمنهج معين من مناهج المعرفة)فكر سياسي منهجي(
البناء السياسي في مدينه الغريقية )الجمعية(:-تتكون من جميع المواطنين وكان لها دور في كل مايتعلق في الوظيفة الشرعية
والتنفيذية
-افلكون لغير مؤسسي الفكر المنهجي المثالي ولد في اتينا 427 قبل الميلد وتوفي 347 قبل الميلد
………………………………………….. ………………………………………….. ………………………………………….. …
قانون كريميو والذي بموجبه تمنح الجمسية الفرنسية لليهود
مع التقدير
إليك المعلومة التالية
أدولف كريميو : وزير العدل الفرنسي ، ثم وزير الداخلية يهودي الأصل ،صاحب قانون 24/10/1870 المعروف باسمه الذي ينص على منح الجنسية الفرنسية لليهود بالجزائر .
مع الشكر و التقدير
إن الإسلام ليس عقيدة فحسب وإنما هو منهج شامل ينظم كافة شؤون الحياة سواء تعلق الأمر بالأفراد و الجماعات أو سواء إتصل بالحياة الدنيا و الآخرة .
فالشريعة الإسلامية لا تتغير أحكامها بتغير جنسية الإنسان و ليست قاصرة على زمن من دون زمن , حيث أنها جاءت تحفظ الضروريات المعتبرة للإنسان . وتحمي حظه في إشباع حاجاته بالمباحات دون الإعتداء على حق الجماعة أو إخلال بواجباته نحوها , فلهذه الشريعة مبادىء وأصول تسير بها وسياسات محكمة وشرعية تنتهجها وهذه السياسات تترأسها الدولة الإسلامية وفق ما تنص عليه أحكام هذه الشريعة . ومن خلال هذا سنتطرق إلى دراسة مايلي :
المبحث الأول : والذي سندرس فيه جوانب الإقتصـاد الإسلامي من خـلال تعريفـه و نشأتـه
و المبادئ التي يقوم عليها و الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها .
أما المبحث الثاني : والذي يتحدث عن دور الدولة في الإقتصاد الإسلامي و الأسس التي تقوم عليها مع الإطلاع على وظائفها .
أما المبحث الثالث : والذي يبين الإطار العام للسياسة المالية التي يجب على الدولة أن تنتهجها للوصول إلى أهدافها المرجوة وفق أدوات هذه السياسة .
المبحـث الأول : ماهية الإقتصاد الإسلامي :
يعتبر الإقتصاد الإسلامي الإقتصاد الذي يتماش وفق ما تنص عليه أحكام الشريعة الإسلامية من قواعد و نظم تنظم الحياة الإقتصادية و الإجتماعية لإفراد المجتمع الإسلامي .
المطلـب الأول : طبيعة الإقتصاد الإسلامي .
إن الإقتصاد الإسلامي ليس حديث النشأة بل تمتد جذوره إلى عهد الرسول .
فـــرع(1) : نشـأتـه .
إن الإقتصاد هو جزئية صغيرة من تشريعات الإسلام و قد بدأ تنظيم الإقتصاد مع بدء نزول القران في مكة المكرمة قبل أن يعرف العالم شيئا إسمه ” علم الإقتصاد ” , هذا العلم الذي لم يعرف في الغرب بنظرياته إلا منذ قرنين من الزمان ففي مكة نزلت سورة المطففينوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)(1) فنرى في هذه السورة النذير الشديد و التحذير البالغ من جريمة الغش في المعاملات بين الناس التي تفسد المعاملات و العلاقات في المجتمع .
أما في المدينة بعد أن هاجر إليها الرسول فقد توالى نزول التشريع الإسلامي للمجتمع الجديد ينظم كل شيء في حياة المسلم الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية . و في الإقتصاد نظم التجارة و المعاملات المالية المختلفة حتى أنه جاء في سورة البقرة أطول أية في القران يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (2). حيث أنها تنظم عملية التداين بالآجال و كيفية كتابة الدين و الإشهاد عليه بما لا يترك زيادة المستزيد .
بل لقد كان أول عمل له بعد بناء المسجد هو إنشاء سوق المسلمين يحررهم من إحتكار اليهود و سيطرتهم على إقتصاد المدينة , و ينظم التجارة وفق القواعد جديدة أرساها الإسلام من الحرية و العدل و البعد عن الغش و الإحتكار و كل السوءات التي زرعها اليهود في معاملاتهم و أفرزوا منها ما عرف أخيرا بالنظام الرأسمالي .
ومضى سلفنا الصالح يوضحون هذه القواعد الأساسية و يضيفون إليها ما يستجد من معاملات في ضوء من الكتـاب و السنة فلم يخلو كتاب من كتب الفقـه القديمـة من باب”المعـاملات”أو” الأموال ” وهما الإسمان اللذان أطلقا على علم الإقتصاد الإسلامي وهما لغويا أصح من التنميـة الغربية التي يفهم منها- سواء في اللفظ العربي أو الإنجليزي- أنه يختص بالإدخار من فعل ” إقتصد ” بينما هو علم يناقش كل ما يتعلق بالمعاملات المالية بين الناس (1) .
فالإقتصاد في الدولة الإسلامية منذ نشأتها جزء من الكل إمتزجت بحوثه ببحوث الفقه و التفسير و الحديث و تناول السلف الصالح من فقهاء المسلمين الأوائل لشؤون الإقتصاد بالبحث و التحليل, فجاءت الشريعة الإسلامية بمبادئ و قوانين محكمة و ثابتة لا تختلف و لا يسوغ الإخلال بشئ منها تتماشى مع إختلاف الضروف و الأحوال و تركت أمور دون تفصيل ليكون التطبيق بما يتناسب للمصالح العامة . حيث جاءت الشرائع السماوية لتنظيم شؤون الأفراد بالمقاصة الخمسة و هي الدين و النفس و العقل و النسل و المالوَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (2) .
فتعاليم الإسلام في تنظيم شؤون الحياة الاقتصادية ذات الهدف واضح ثابت لا يتغير لكن الوصول إليه قابل للتغير(3).
هذا و إن الصحوة الإسلامية المعاصر توشك أن توجد لنا مجتمعات تطبيق الإسلام , لنرى, فيها واقعا عمليا لأنظمة إقتصاد إسلامية نستطيع إن نتخذها أمثلة تطبيقية لدراسة النظام الإقتصادي الإسلامي , كما تتخذ الولايات المتحدة و الصين أمثلة تطبيقية لدراسة الأنظمة الرأسمالية أو الإشتراكية(4).
فـــرع(2) : مفهوم الإقتصاد الإسلامي :
كلمة إقتصاد مشتقة من لفظ إغريقي قديم معناه (تدبير أمور البيت) بحيث يشترك جميع أفراده في التمتع بما حوزته ولغة هو للتوفير وليس معناه المال أما إصطلاحا فهو تدبير شؤون المال بتكثيره وتأمين إيجاده (وهذا يبحث فيه علم الإقتصاد) , وأما بكيفية توزيعه (وهذا يبحث فيه النظام الإقتصادي) (5) .
و الإقتصاد الإسلامي هو سياسة إقتصادية تهدف إلى بلوغ غايات معينة تحددها الشريعة الإسلامية وهي الوصول بالمجتمع إلى الرفاهية الإقتصادية في ظل التكافل الإجتماعي , ويقتضي حشد إمكانيات النشاط الإقتصادي في إتجاه معين دون سواه حيث أقام الإسلام حدودا واضحة ووضع أصولا ليقر شؤون الإنسان على قواعد الحق والصدق و العدالة و الأمانة لم يكن التشريع الإسلامي يكبت غريزة حب التملك ويلغيها ويحولها إلى ملكية جماعية (6) .
فهو إقتصاد واقعي و أخلاقي معا في غاياته التي يرمي إلى تحقيقها وفي الطريقة التي يتخذها لذلك , كل هذا في إطار التوجيهات الإلاهية التي ليست من وضع فئة من الناس قد يغلب على تفكيرهم منهج معين – بل هو من وضع الخالق – فالإقتصاد الإسلامي إقتصاد متميز عن الإقتصاد المعاصر الرأسمالي أو الإشتراكي .فهو من إقراراه للمشاهدات والإستنباطات الصحيحة
يفرض على البشر توجيهات إسلامية تختلف في مصدرها عن توجيهات المذاهب الإقتصادية المعاصرة و هو لا ينفصل عن أرضيته الخاصة التي أعدت له , وهيئت فيها كل عناصر البقاء و القوة .
فهذا الإقتصاد لم يؤخذ من النظم الرأسمالية ولا من النظم الإشتراكية محاسنها دون المساوئ كلا النظامين , فالنظام الإسلامي أسبق من النظامين وتنبثق قواعده وأحكامه عن المبادئ أصلية لم يؤخذ من هذا النظام أو ذاك , فقد جاءت تعاليم الإسلام في صيغة كلية محكمة مقصودة وهي : « أن التعميم الذي لا ينزل إلى التفصيلات الجزئية لا يقيد الأجيال المقبلة بهذه التفصيلات
و التطبيقات بل تركها حتى تقتبس الوضع الذي تتوافر فيه الملاءة العملية لحاجات كل زمان ومكان». كما تقتضي أيضا تعاليم الإسلام الإقتصادي على وجوب مداومة استثمار المالك لماله ,
وهذا التكليف كان يطبق في عصر الرسول و عصر الخلفاء الراشدين على نحو معين وفي نطاق محدود . أصبح في عصرنا هذا يتطلب تطبيقا أوسع في نطاقه مع بقاء الهدف الإسلامي فيه كما كان بغير تبديل أو تغيير (1) .
و أخيرا فهو العلم الذي يبحث في استخدام الموارد المتاحة في إنتاج أقصى ما يمكن من السلع والخدمات الحلال لإشباع الحاجات طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية , كما يبحث في تهيئة الظروف الملائمة لتنمية الإنتاج وتوزيعه بطريقة عادلة تحقق شرع الله (2).
المطلـب الثـاني : خصائص و أهداف للإقتصاد الإسلامي .
كما ذكرنا سابقا , لعلم الإقتصاد الإسلامي خصائص يختص بها و أهداف يصبو إلى تحقيقها :
فـــرع(1) : خصائص الإقتصاد الإسلامي :
للإقتصاد الإسلامي عدة خصائص يمتاز بها عن بقية النظم و من أهمها :
1- الحرية المقيدة بأحكام الشريعة :
تتعدد مناحي الحياة التي يطلب الناس فيها الحرية , وقد وقفت المذاهب والنظم من الحريات مواقف مختلفة مابين معترف بها جميعها ومعترف ببعضها دون البعض الآخر .
وللإسلام من هذه الحريات موقفه المتميز بين سائر المذاهب والنظم التي عرفتها البشرية , فلا تعرف البشرية شريعة سماوية أو وضعية أرست أسس الحرية وجعلتها قاعدة لكل شيء فيها, و من بين الحريات , الحرية الإقتصادية في الإسلام نتيجة منطقية بما قرره الإسلام على وجه الإستقلال , فالحرية بشتى أقسامها أصل من أصول الإسلام و الحرية في الإقتصاد هي أساس التعامل والتعاقد و التصرف في شؤونه . وقد أجمع الفقه الإسلامي على أن تصرفات المكره كلها باطلة , فمن آمن مكرها أو باع الحاكم مكرها أو باع و اشترى مكرها فلا قيمة ولا أثر لكل ذلك في ميزان الإسلام (3) .
2- الطابع الأخلاقي الواقعي :
لقد كان للطابع الذي إصطبغت به تعاليم الإسلام أثره على قيام النظام الإقتصادي الإسلامي لخير الإنسان والجماعة(4) , بحيث إعتنت الشريعة الإسلامية بالمعاملات لأنها الطريق إلى الكسب الحلال فحثت على تحصيل المال من طرقه المشروعة وفي سبيل عدم إنحراف الناس عن الطريق
الجادة نهض فقهاء الإسلام فأبانوا الطرق الصحيحة للكسب المشروع للمال(1) فجعل وسيلة لقضاء الحاجات ومن ثم كان الربح مصدرا مشروعا للرزق , فإنه يجب أن يأتي عن طريق مشـروع
و بالتالي فهو يحرم إستغلال الإنسان لأخيه . ومن أسباب المحبة والتراحم والتعاون هو نظافـة
التعامل المالي اللازم للمجتمع حتى يقوم بنيانه عاليا كريما يتحلى بالخلق الحميد ويعتمد على الأخوة الإنسانية .
3- تحقيق التوازن بين الإعتبارات المادية والقيم والمبادئ الروحية :
إن النظام الإقتصاد الإسلامي يستمد أسسه من العقيدة الإسلامية مما يحقق الإرتباط و الإتصال الوثيق بين الأنشطة الإقتصادية(2) .
ومن أعظم وجوه الإرتباط بين الإقتصاد و التشريع الجنائي الإسلامي في مثل : حد السرقة فالمقصرون عن إدراك الإرتباط يرون أن قطع اليد مبالغ فيه ولكن يزول هذا إذا أمعنا النظر في القيود والشروط التي تحيط بتطبيق تلك العقوبة(3) فهنا المبادئ الإسلامية تحقق التوازن بين الإعتبارات الإقتصادية والقيم والمبادئ الإنسانية .
4- فعالية النظام الإقتصادي الإسلامي .
بعدت الأمة العربية الإسلامية عن ركب الحضارة و التقدم ووقعت في براثن التخلف و الضعف الهوان عندما إبتعدت عن تطبيق النظام الإقتصادي الإسلامي , وخضعت شعوبها لكل ألوان التقلب و التبعية فأصابها الفقر ومنيت بالأزمات الإقتصادية , ذلك لأن النظم الإقتصادية المطبقة حاليا في العالم الإسلامي غريبة عنه وبالتالي فهي لن تحقق له التنمية وزادها النظام الإقتصادي العالمي الحالي مشاكل وتخلف. فالنظام الإقتصادي الإسلامي فقد فعاليته وكفاءته إذا كان بمعزل عن الممارسة العملية وهو يعيش جهاد شمالا ضد التخلف والضعف وبهذا سوف لن يجد أمامه بعد سلسلة من محاولات الخطأ والصواب إلا طريق واحد للقضاء على التخلف الإقتصادي وهو طريق النظام الإقتصادي الإسلامي(4) .
فـــرع(2):الأهــداف :
من أهم الأهداف التي يسعى لتحقيقها نذكر ما يلي :
1- تحقيق عهد الخلافة بين الخالق والإنسان :
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (5) العهد هو إعمار هذه الأرض ,وعلى ذلك فالناس وكلاء مستخلفون في الأرض وليسوا مُلاكا خالقين لما في أيديهم من رزق وهذا يوجب عليهم جانب القصد و الإعتدال وتجنب الصرف والشطط مما ينفقون من رزق الله .
2- تحقيق عدالة توزيع الثروة : والتي تعتبر الغاية الكبرى من نظامنا الإسلامي لأن وحدة الأمة الإسلامية هي وحدة عقائدية وشريعية . وتربطهم مصالح مشتركة يمكن أن يقام على أساسها صرح التعاون الإقتصادي و الإجتماعي لهذه الأمة على تلك الوحدة بحيث يصبح المجتمع الإسلامي قوة إقتصادية كبرى تعطيه وزنا عالميا في المجال الدولي في عصرنا الحاضر(6).
3- التحقق من أن الإيرادات أنفقت طبقا لما تقتضي به أحكام الشريعة , أي أن كل إيراد أنفق في مصارفه المعينة وقد أخذ كل ذي حق حقه و الكشف على ما يقع من الإختلاسات و الإختلافات .
4- التأكد من كل الإيرادات بمختلف أنواعها قد استخدمت أفضل استخدام فلا ضياع ولا إسراف و
لا تقتير ولا تقصير(1) وهنا يجب على الفرد المسلم بأن يعد العدة بمواجهة المحيط الدولي وأخطاره وخاصة في ظل العولمة ومثال هذه التعليمات الإنفاق في سبيل الله , فقد كان الصحابة في صدر الإسلام يؤدون الزكاة المفروضة ويتطوعون بالإنفاق في سبيل الله بخير مالهم كلما دعت إلى ذلك حاجة المجتمع الإسلامي , ولكن في عصر آخر قد تضعف العقيدة الإسلامية ويهبط المستوى الأخلاقي في المجتمع , فيتطلب الأمر تدخلا من الدولة الإسلامية لتنفيذ أداء فريضة الإنفاق في سبيل الله وتنظيم الآداء(2).
5- إن النظام الإقتصادي في الإسلام هو حلقة من جملة حلقات مترابطة وركن من أركان ذلك البنيان الشامخ الذي يتمثل في النظام المالي للإسلام ,فقد جاء لحفظ حياة الناس من الإختلال ومن الإنحطاط , وهو يسعى للمحافظة على كلية الحياه على أكبر قدر من الرفاهية ,فلا يمكن أن نتصور قيام تنمية إقتصادية تضمن لهم الإستقرار دون تشريعات دينية(3) .
6- قيام تنظيم إقتصادي دولي إسلامي يعمل على ترجمة هذا الفكر الإقتصادي الإسلامي إلى مشروعات إقتصادية دولية تحقق التكامل الإقتصادي بين أرجاء العالم الإسلامي(4).
المطلـب الثالـث : مبادئ و أسس الإقتصاد الإسلامي
من أهم المبادئ التي يقوم عليها :
الفرع الأول: العقـيـدة
وحدانية الله سبحانه وتعالى وقدسيته وتنزهه عن الشبه والنظير والضد , و واجب الإنسان في الإحتفاظ بصلته المباشرة مع الله بالعبادة , و يربط بهذا المبدأ أركان خمسةّ [الشهادتان,الصلاة , الزكاة ,الصوم, الحج لمن إستطاع إليه سبيلا]. كتطبيق عملي لعقيدة التوحيد في الحياة العملية للمسلم . أما التوحيد في إصطلاح علم الكلام إسم للعلم الذي يبحث فيه عن الله , و في الحديث النبوي الشريفما قلت أنا و النبيين من قبلي مثل لا إله إلا الله (5) .
فالعقيدة هي الجانب النظري الذي يدعو إليه الإسلام و يطلب الإيمان به أولا و قبل كل شيء , و هي الأساس التي تبنى عليه الشريعة لكون العقيدة هي القوة المعنوية التي توحي بإحترام الشريعة الإسلامية و قد مضت سنة الله في خلقه أن يكون للعقيدة سلطان على ما يقوم به الفرد من أعمال و تصرفات(6) .
الفرع الثاني: العدل و المساواة بين الناس:
يقوم الإسلام على مبدأ المساواة كدعامة أساسية تحقق العدل في المعاملات بين أفراد المجتمع , فليس هناك تفاضل بين مسلم و آخر إلا بقدر عمله الصالح لقوله تعالى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (1) وقد بين لنا رسول الله مبدأ المساواة في حجة الوداع فقال:« يا أيها الناس ألا ربكم واحد ,وإن أباكم واحد ,ألا لا أفضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي , ولا أحمر على أسود , ولا أسود على أحمرإلا بالتقوى» مسند أحمد .
وقد حقق الإسلام المساواة في شؤون الإقتصاد فجعل الناس سواسية أمام الفرص المتاحة وله الحق في أن يتملك أو يعمل محققا تكافؤ الفرص(2) . ومنه فالشورى أساس الحكم, والعدالة أساس التعامل , والأخوة الإنسانية قاعدة للعلاقات الإجتماعية في المجتمع الإنساني(3) . و العدالة في الإسلام لها ميزان واحد تطبق على الجميع لقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (4), فالحكام مطالبون بأن يكونوا شهداء بالقسط أي أن يظهروا العدل ويؤيدوه والرعية أيضا مطالبون بأن يكونوا شهداء ,فقد جعل الله الحكم بين الناس بالعدل أمانة وأصل من الأصول التي يقوم عليها الحكم في الإسلام(5).
الفـرع الثالـث :التكافل الإجتماعي:
أي أن يكون كل فرد في كفالة جماعته يؤدي ما عليه من حقوق وواجبات ,فالتكافل الإجتماعي يوجب العمل على سلامة كل قوى الآحاد لتسير في قافلة الجماعة الإسلامية .و قد وضع الإسلام هذا النظام ليحرم الظلم والعدوان ويحرم كل طرق الكسب غير المشروع(6) (كالربا,الرشوة……) فإن الطرق المشروعة في الكسب لا ينجم عنها في الغالب إلا الربح المعقول المتفق مع سنن الإقتصاد. أما الأرباح الفاحشة و الثروات الضخمة فإنها تكون في الغالب نتيجة لعمل غير مشروع ,وفي تحريم النظام الإقتصادي الإسلامي لهذه الطرائق تحقيق لتكافؤ الفرص بين الناس ,والقضاء على أهم عامل من العوامل التي تؤدي إلى إتساع الفروق الإقتصادية بين الأغنياء والفقراء وتحقيق المساواة في المعاملات التجارية ,والتي من بينها نذكر(7) :
1)- تحريم الربا:
قام النظام الإقتصادي الإسلامي على أساس منع جميع طرق الكسب الغير المشروع .إن الزيادة التي تأتي للأموال عن طريق الربا هي زيادة في الظاهر,ولكنها ليست زيادة في نظر الخالق ولا في الواقع لأنها لا تزيد شيئا في الثروة العامة للمجتمع قال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِيـنَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحـَاتِ وَأَقَامُوا الصَّـلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجـْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُــمْ يَحْزَنُونَ(277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) (1) .
وقد قضي الرسول بعد تحريم الربا ,على جميع الفوائد التي ترتبت على ديون قديمة .
وهذه المعاملات الربوية غير سليمة من الناحية الإقتصادية لأن الفائدة التي يحصل عليها المقرض تزيد من أعباء المقترض, علما أن المقترض لا يلجأ إلى الإقتراض إلا إذا ضعفت وسائله المالية عن مواجهة إحتياجاته الضرورية . ومن الناحية الأخرى فإن التعامل بالربا يؤدي إلى توسيع الفروق في الثروة بين الأغنياء والفقراء لما يؤدي إليه من حدوث فرق شاسع بين طبقات المجتمع , وبين دخول الأفراد في الدول النامية والدول المتقدمة.
2)- النهي عن الكسب المال بطرق غير مشروعة:
أ- النهي عن الغش والتدليس : المراد بالغش كل ما خالق الحقيقة التي يريدها الطرف الثاني ,أما التدليس فهو كتمان عيب السلعة عن المشتري وكلاهما حرام, لقول الرسول«من غشنا فليس منا» رواه المسلم ,وقوله«البيعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا و كتما محق بركة بيعهما » رواه المسلم .
ب- منع الإحتكار2)
لغـة:هو إحتباس الشيء إنتظارا لغلاءه .
شرعا:شراء طعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء, كإحتكار الزرع لحين أوقات الغلاء لقوله عليه الصلاة والسلام «من إحتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين فهو خاطئ» مسند أحمد .
ج- البيوع المنهي عنها :
ج-1- بيع الغـرر : الغرر لغـة :لقوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (3)
قال أبو إسحاق: أي ما خدعك وما سول لك حتى أضعت ما وجب عليك وقال غيره ماغرك أي ماخدعك بربك وحملك على معصيته والأمن من عقابه فزين لك المعاصي والأماني الكاذبة ولم تخفه وأمنت عقابه(4)والغرر مثل بيع السمك في الماء والطير في الهواء .
ج-2- بيع السـوم: لقوله «لا يبيع أحدكم على بيع أخيه ولا يسوم على سومه»رواه البخاري ومسلم .
أي إذا جاء أحد المشترين و سام السلع يشتريها فلا تسوم أنت بسعر آخر.
ج-3- بيع الجلب: بيع السلع المستوردة والتي يحتاجها البلد بأسعار باهضة إستغلالا لحاجات الناس .
ج-4- بيع المفروض : وهو البيع للمضطر الذي إذا لم يحصل على المبيع قد يلحقه ضرر شديد أو هلاك(5).
الفـرع الـرابـع : الملكية في الإسلام .
و تتضمن ما يلي : (I مفاهيم حول الملكية : لملكيـة : لغـة :تعني الإحتواء للشيء و التصرف فيه تصرفا يستقل به المالك دون غيره .
إصطلاحا:فقد عرفت في إصطلاح الفقهاء بأنها : )إختصاص حاجز شرعا, يصوغ لصاحبه التصرف فيه إلا لمانع) (1) .
أما تعريف بعض علماء السلف(2) :
أ- تعريف القُرافيأنها حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة بمقتضى من يضاف إليه من إنتفاعه بالمملوك و العوض عنه حيث هو كذلك) .
ب-الشيخ إبن تيمية – رحمه الله-(الملك هو القدرة الشرعية على التصرف بمنزلة القدرة الحسية)
ج – تعريف الشيخ محمد أبو زهرة – أ حد العلماء المعاصرين-هي العلاقة التي أقرها الشارع بين الإنسان و المال و جعله مختصا به ليتمكن من الإنتفاع به بكل الطرق السائغة شرعا و في الحدود التي بينها المولى ).
وفي الأخير نلخص من التعريفات السابقة إلى القول بأن:الملكية إختصاص يمكن صاحبه من أن يستبد بالتصرف و الإنتفاع عند عدم وجود مانع شرعي أو قانوني و قد قيد بأن لا يترتب عليه إضرار بالغير وهذا ما إنتهى إليه الفقه و القضاء في عصرنا الحالي وسبقت إليه الشريعة الإسلامية منذ 14قرنا من الزمان(3).
(II نظرة الإسلام للملكية :
أ- الإستخــلاف : الإستخلاف مسمى قرآني ينصرف إلى المركز الذي خص به الله تعالى الإنسان دون غيره من المخلوقات تكريما و إختبارا(4).
والإستخلاف أيضا معناه التمكين و التسلط , فإستخلاف البشر في الأرض معناه أن الله -جل شأنه- أسكنهم الأرض و إستعمرهم فيها و منحهم حق التسلط على ما فيها(5).
أ-1- أركـان الإستخـلاف:الله هو المستخلف والإنسان هو الخليفة والأرض هي موضوع الإستخلاف والدين هو دليل الإستخلاف .
أ-2- شـروط الإستخـلاف:وللإستخلاف شروط مادية و أخرى إعتقادية (6):
– شـروط مـاديـة : تتمثل في التسخير ,فالله سبحانه وتعالى قد سخر مفردات هذا الوجود للإنسان على نحو يمكنه من الإستفادة منها لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(7).
– شـروط إعتقـاديـة :تتمثل بتعهد الله سبحانه وتعالى بهداية البشر زيادة على تعهده بتوفير المستقر والمتاع لقوله تعالى:قُلْنَا اهْبِطُـوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُـدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِـمْ وَلا هُـمْ يَحْزَنُونَ (8) , وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(9).
ب- المال مال الله :
عرفه جمهور الفقهاء بأنه: ما كان له قيمة مادية بين الناس وجاز شرعا الإنتفاع به في حال السلع(1) .
أما المال في المفهوم الإسلامي: هو مال الله إستخلف البشر فيه، فلو رجعنا إلى منطقنا البشري لوجدنا أن صانع الشيء هو مالكه،فالله جل شأنه هو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما ولكن ملكية الله لكل شيء لاتعني حرمان الإنسان من جهده أو منعه من التصرف فيما يحصل عليه نتيجة جهده وعمله,إنما تعني هذه الملكية تذكير الإنسان بما سيؤول إليه أمره عندما ينتهي دوره في هذه الحياة أن الذي يبقى له نتيجة هذا الإستخلاف عن الله في الأرض هو صالح عمله(2).
-(IIIأنـواع المـلكيـة 3)
-1-(III الملكية الفردية :إن المالك الأصلي هو الله سبحانه وتعالى ولكن الله إستخلف الإنسان في ملكه, نجد أن الإسلام أقر بمبدأ الملكية الفردية لقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(4).
-2-(IIIالملكية الجماعية :وقد أقرها الإسلام في الأشياء التي لايصح أن يستأثر بها الأفراد مثل الماء والكلأ والنار،لقوله « الناس شركاء في ثلاث:الماء والكلأ والنار» رواه أبو داود
-3-(III ملكية الدولـة : للدولة كذلك الحق في وضع يدها على بعض الممتلكات للتصرف فيها بمقتضى المصلحة العامة ولكن ولي الأمر مفوض ومستخلف ليوجهها وفقا لما تمليه المصلحة العامة الجماعية ومثال ذلك مايرد إلى بيت المال .
(IV طرق كسبها في الإسلام(5):
1- العقود الناقلة للملك من مالك لآخر البيع والهبة والوصية .
2- الميراث : بأن يخلف شخص أخر فيما يملكه بسبب القرابة أو الزوجية أو الولاء حسب ما رسمه الشرع.
3- الشفعة: هي حلول الشريك أو الجار محل المشتري في ملكية العقار المباع إذا طلب أحدهما ذلك(6).
4- عن طريق العمل(زراعة ,صناعة,تجارة).
5- عن طريق ما يأخذه المسلم من الغنيمة و الفيء أو عن طريق أخذ ما يستحق من الزكاة المفروضة ومن أموال بيت مال المسلمين.
المبحـث الثـانـي : دور الدولة في الإقتصاد الإسلامي :
وفي ظل الإقتصاد الإسلامي تتدخل الدولة في النشاط الإقتصادي الذي يباشره الأفراد,سواء المراقبة هذا النشاط أو لتنظيمه فالدولة مسؤولة عن إيجاد إطار صحيح للتفاعل المناسب بين الموارد البشرية والقيم الروحية والمادية والمؤسسات الإقتصادية الرقابية لتحقيق أهدافها.
ولتوضيح مدى تكفل دور الدولة في الإقتصاد الإسلامي ندرج مايلي :
المطلـب الأول : مفهوم الدولة وخصائصها:
ولمعرفة الدور الإيجابي للدولة في الإقتصاد الإسلامي يجب أن نتطرق إلى تعريفها وخصائصها وذلك من خلال مايلي :
أولا :مفهوم الدولة: هناك تعاريف متعددة نذكر منها مايلي1)
1- من وجهة نظر قانونية : تُعرف بأنها مجموعة من الناس يعيشون بصورة دائمة فوق إقليم جغرافي ويخضعون لسلطة سياسية معينة .
2- من وجهة نظر إقتصادية : تعرف بأنها المؤسسة المكلفة بوضع وتطيق السياسات الإقتصادية ويعتبر هذا التعريف أن الحكومة هي كالدولة.
3- أما تعريف ابن تيمية للدولة أنها جهاز إجتماعي فعال وظيفته تنمية الحياة الإنسانية في الإتجاهات الخيرية التي رسمها الإسلام(2).
4- التعريف الأشمل للدولة:تعرف بأنها ذلك الجهاز المؤسسي الذي يضطلع بإدارة شؤون المجتمع, وفق مشروع حضاري في إقليم جغرافي محدد وفي محيط حيوي لتحقيق التنمية الشاملة .وفي إطارها ترتفع المقدرة الإنجازية المجتمعية بما يضمن بلوغ أهداف المجتمع وتعظيم مصالحه ومواجهة تحدياته الحالية والمستقبلية.
ثـانيـا:خصائص الدولة: نذكر منها3)
1- كونها دولة للمجتمع وليست جهاز للنخبة: أي في الدولة توجد مشاركة حقيقية من المجتمع في صناعة القرار وتأكده من أهمية الإختيار.
2- الدولة قائمة على المشروع الحضاري الذي يجسد هوية المجتمع: وهذه الخاصية تجعل الدولة تعمل على تثمين تجربتها التنموية بالحفاظ على المنجزات المتحققة بضمان تواصلها ,وبالمقابل نتخلص من الإنحرافـات وتقلل من إنعكاساتها السلبية وهذا بخلاف وضعية الدولة التابعة .
3- الدولة تقوم على القدرة والكفاءة:القدرة تعني أن الدولة تجسد إمكانياتها في القيام بمهامها بجدية وفي إنجاز وتنفيذ أعمالها بفعالية التي تنعكس مباشرة على حركية الحياة الإقتصادية. أما الكفاءة فتعني أن الدولة تقوم بدورها بدرجة عالية من المهارة والإحسان عن طريق إختيار أفضل البدائل في إنجاز المهام والوصول إلى أقل تكاليف في تنفيذ الأعمال وقدرة وكفاءة الدولة ليستا ثابتتين لكي تستوعب تطورات الأوضاع الداخلية والخارجية وتتجاوب مع مستجدات الحياة الإقتصادية والإجتماعية .
4- كون دولة التنمية تقوم على المبادئ و تراعي القيم المجتمعية: تقوم على تفعيل المبادئ المحورية التي تميز الأمة ومجتمعاتها عن غيرها وتعمل على ترسيخ القيم المجتمعية الإيجابية التي تبرز جوانب الخصوصية الحضارية لبعث نموذج دولة معينة ترتكز على مبادئ كبرى منها:مبدأ الشورى ,مبدأ العدل,مبدأ المساواة,مبدأ ضمان الحريات,مبدأ كفالة الحقوق .
المطلـب الثاني:دور الدولة في الإقتصاد الإسلامي
تسعى الدولة من خلال تدخلها في النشاط الإقتصادي إلى تدعيم إستقلالها السياسي بإستقلالها الإقتصادي من خلال ترشيد منافع الموارد الإقتصادية المتاحة لتحقيق الرفاهية المتوازنة للمجتمع. ومن أهم الأدوار التي تقوم بها الدولة مايلي(1)
أولا : دور الدولة في مراقبة الأنشطة الإقتصادية :الحرية هي الأصل في ممارسة الأنشطة الإقتصادية ,خاصة عندما تسير هذه الأنشطة في الطريق المثالي ,غير أن الواقع يبين أن إعتبارات كثيرة تتدخل لتغيير هذا الطريق بما يؤدي إلى الإخلال بالمصالح العامة عندئذ تتدخل الدولة لتمنع التصرفات الضارة بالمجتمع .فالدولة لا تتدخل في النشاط الإقتصادي للأفراد إلا عندما ترى مخالفة للأحكام العامة للتشريع الإسلامي .
ثـانيـا:إستخدام الموارد وتوزيع الثروات والمداخيل :تعمل الدولة على تجسيد القواعد التي ترشد عملية إستخدام الموارد المجتمعية فقد تنفرد بحُسن تعبئة الموارد المعنوية و كذلك الإستخدام الرشيد للموارد المادية عن طريق التأكد الميداني على حرية التملك ورعاية وحفظ الأموال الخاصة والعامة والتحفيز على الإستثمار والتشجيع على الإنتاج بإستخدام الوسائل المالية كالزكاة ،أما في مجال التوزيع فإن دور الدولة شمل توزيع بعض المصادر المادية وتنظيم عملية الإنتفاع بها وإعادة توزيع الدخول والثروات بصورة إجبارية (الزكاة) وقد تحتل الدولة في التجربة الحضارية
الإسلامية مكان الزيادة وتبوأت بموجبها مقعد السبق في القيام بهذه الوظائف الإقتصادية(2).
ثـالثـا : دور الدولة في مجال ضمان حيوية الحركية الإقتصادية:كانت الدولة منذ بداية نشأتها متدخلة في الحياة الإقتصادية ولم تكن حارسة فقط في أوقات الشدة والرخاء ،حيث شاركت في بناء القاعدة الهيكلية الإقتصادية والإجتماعية وحاولت تنويع مصادر إيراداتها لتغطية نفقاتها العامة وكانت في بداية تأسيسها تعتمد على القطاع الزراعي التجاري وذلك عن طريق القيام بإنشاء السدود وشق الترع وإصلاح الأراضي وتجديد صيغ وأساليب الإستثمار الزراعي وهذه الوظيفة عدها البعض من واجبات الدولة بقول العلامة ” الماوردي ” : “عمارة البلدان بإعتماد مصالحها وتهذيب سبلها ومسالكها من مسؤوليات الحاكم الواجب القيام بها”ولهذا نجد الدولة في البلاد الإسلامية قد إهتموا بحفر الآبار والأنهار… وظهرت أهمية الإنفاق العام في التأثير في ديناميكية الحركة الإقتصادية ومن خلال معاينة إبن خلدون للوقائع الإقتصادية في البلاد الإسلامية أشار إلى أهمية الطلب الحكومي في تحقيق الرواج الإقتصادي وتنمية بعض الصناعات الأساسية(3)
رابـعـا: دور الدولة في تحقيق العدالة الإجتماعية :يعتبر تدخل الدولة في الإقتصاد الإسلامي تطبيق لمبدأ من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها ، وهو التوجيه الإداري للإقتصاد الإسلامي من خلال التوازن الإجتماعي .وإن بدا هدفا قصير المدى تلتزم الدولة بتحقيقه إلا أنه يعتبر وسيلة في المدى الطويل، ذلك بإعتبار أن التوازن الإجتماعي كوسيلة للعدالة الإجتماعية . والضمان الإجتماعي كوسيلة لتحقيق التوازن الإجتماعي حيث أن التوازن الإجتماعي هو توازن بين أفراد المجتمع في مستوى المعيشة- لا في مستوى الدخل- والتوازن في مستوى المعيشة معناه أن يكون المال موجودا لدى أفراد المجتمع ومتداولا بينهم .والضمان الإجتماعي مسؤولية الدولة في
الإقتصاد الإسلامي ويقوم على أساسين هما التكافل العام بين أفراد المجتمع المسلم وحق المجتمع المسلم في موارد الدولة العامة.
خامسا :دور الدولة في التأثير في العلاقات الإقتصادية الخارجية :يعتبر الإسلام الدولة هي المسؤولة عن حماية الإقتصاد الإسلامي ويقرر ذلك قاعدة من القواعد التي يقوم عليها نظامه الإقتصادي ومن هذا تتولى الدولة في الإقتصاد الإسلامي الإشراف المباشر على العلاقات الإقتصادية التي تربطها بالعالم الخارجي كحماية الإقتصاد الوطني من المنافسة أوبناء القدران لتعزيز نمو الصادرات وترقية التجارة مع الدول الإسلامية.ويهدف إشراف الدولة على العلاقات الإقتصادية الخارجية إلى القيام بكل مامن شأنه أن يحقق مصلحة للأمة أوأن يدفع عنها مفسدة .
المطلب الثالث: وظائف وأسس الدولة .
إن للدولة في الإقتصاد الإسلامي وظائف وأسس يجب عليها القيام بها والإنتهاج عليها .
الفـرع الأول: وظائف الدولة: نذكر مايلي(1):
1– حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة.
2 – إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى من الإنتهاك وتحفظ حقوق عباده من الإتلاف والإستهلال.
3– تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين حتى تعُمّ النصفة (العدل) فلا يعتدي ظالم ولا يٌضعف مظلوم.
4– جهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة حتى يُسلم أو يدخل في الذمة حتى يُقام عليه حق الله في إظهاره على الدين كله.
5– جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادا من غير خوف ولا عسف .
6– تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقتير ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير.
7– تحديد أسعار السلع والخدمات عندما تستدعيه الضرورة العامة لحماية مصالح الجماعة ,كذلك إلغاء ومنع المعاملات المالية المحرمة الأخرى كالبيوع المنهي عنها و أنواع الغش سواء في المبيعات أو في الأوزان والمكاييل بالإضافة إلى ضبط السلوكات الأخلاقية حيث تأمر الدولة بأداء الأمانة والصدق في المعاملة والنصح في الأقوال والأعمال والوفاء بالإلتزامات المالية(2).
8– إستكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوضه إليه من الأعمال ويوكله إليهم من الأموال ،لتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطة والأموال بالأمناء محفوظة.
والباحث في نظام الدولة الإسلامية يجد أنها تقوم بالخدمات الأساسية التي يتطلبها المجتمع الإسلامي كالدفاع والقضاء والأمن وما تقوم به للتكافل الإجتماعي– التي تميزت به– أي أنها كانت دولة حامية لا تتدخل في النشاط الإقتصادي إلا بقدر ضئيل لتمنع الإستغلال والإحتكار(3)
الفـرع الثاني : أسس الدولة في الإقتصاد الإسلامي 1)
1- إخفاق الدولة المتدخلة بكثافة في الحياة الإقتصادية قد أثبتت التجربة بأن تدخل الدولة له إنعكاسات سلبية على مستوى إستخدام الموارد حيث إتصفت بالتبذير وإرتفاع التكاليف وبالتالي فالتدخل الواسع في أنظمته اللاسوفية مليء بالعيوب فيما يتعلق بمعيار العدالة والتأخير في إتخاذ القرارات البيروقراطية.
2- أهمية الحرية الإقتصادية والدور الإيجابي الذي يلعبه القطاع الخاص في ظلها: كلما كانت الحرية كلما توفر المناخ الملائم لتعبئة الموارد الإقتصادية الخاصة ولحسن إستخدامها وقد ثبت بأن الإعتداء على الأملاك الخاصة يؤدي إلى معاكسة الفطرة الإنسانية وتعطيل جانب كبير من القدرات المتاحة للإقتصاد الوطني ،الأمر الذي يعد مؤشرا على إخفاق الجهود التنموية والتغييرية.
3- مكانة القطاع العام والدور الذي يلعبه : عندما تتجاوز القدرات الإستثمارية للقطاع الخاص أو لإرتفاع تكاليف الأبحاث والدراسات المتعلقة بتطور ذلك النشاط وإستمراره ،فهذه الميادين أوضحت أن التعويل على القطاع الخاص فيها غير مجد، وهو ما أدى إلى قيام قطاع عام قوي وكفء كما حدث في جميع البلدان المتقدمة حاليا.
4- أهمية التخطيط الإستراتيجي لتعبئة كافة الموارد: إن مسألة تعبئة الموارد لمواجهة مشكلات التخلف الداخلي والتخفيف من آثار العولمة تعتبر من أهم الضوابط التي تحكم دور الدولة الإقتصادية.
ولما كانت علاقات التعاون الخارجي والشراكة الأجنبية هي قبل كل شيء موازنة بين المصالح والتكاليف فإن ذلك يستدعي قدرة تفاوضية لها حكمة المفاوضة بين البدائل التي تحقق المصلحة الحقيقية الدائمة للإقتصاد الوطني. وترتفع المقدرة الإنجازية للأهداف الكبرى إذا تم إعداد خطة سياسية إستراتيجية طويلة المدى ،وهذا سوف يساعد على إعطاء توجه واضح لسياسات الحكومة و برامج الإنفاق وعلى إتخاذ تدابير فعالة لدفع عجلة التغيرات الهيكلية بغية تمكين الحكومة والقطاع الخاص من تقديم مساهمتهما الكاملة.
5- تطور أزمة الإقتصاديات النامية : وتزايد التحديات التنموية يتطلب مشاريع جادة وأصلية للإصلاح والتغيير بعيدة عن تلك الوصفات الإرتجالية والمشاريع التنموية لا نعتقد أنها وليدة الصدفة واليد الخفية بل تتطلب وجود دولة مؤسسية لها مصداقيتها المجتمعية التي تؤهلها بل تتطلب وجود دولة مؤسسية لها مصداقيتها المجتمعية التي تؤهلها وتمكنها من القيام بدورها وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا كانت حكومات شرعية أي أنها حصلت على تفويض من الشعب وأن تكون مسؤولة أمامه على نجاحها أو فشلها في وضع وتنفيذ السياسات الملائمة(2) .
المبحث الثالث : عموميات حول السياسة المالية في الإقتصاد الإسلامي
كان للدولة الإسلامية سياسة مالية متميزة تنبثق من سياستها الشرعية في ظل إقتصاد لَهٌ سمات خاصة فهي دراسة تحليلية للنشاط المالي لما تتضمنه من تكييف كمي لحجم النفقات العامة فلها أهمية ومفهوم و أسس تقوم عليها وهذا ماسنوضحه في هذا المبحث من خلال مفهوم السياسة المالية وأهميتها والأسس التي تقوم عليها .
المطلب الأول :مفهوم السياسة المالية في الإقتصاد الإسلامي
تستخدم السلطات المالية مختلف إجراءات السياسة المالية لتحديد نشاطها المالي والإقتصادي ،علما أن السياسة المالية لم تتخذ موقف الحياد المالي في الإقتصاد الإسلامي .
الفرع الأول :تعريف السياسة المالية في الإقتصاد الإسلامي:
للسياسة المالية عدة تعاريف نذكر منها:
أولا : أصل وضع السياسة في اللغة:ساس الأمر سياسة أي قام به فالسياسة القيام على الشيء بما يصلحه ،والسياسة فعل السائس. أما إصطلاحا فهي إستصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في العاجل والآجل, فهي من الأنبياء على الخاصة والعامة في ظاهرهم وباطنهم ،ومن السلاطين والملوك على كل منهم في ظاهرهم لا غير, ومن العلماء على الخاصة في باطنهم لا غير(1) .
ثـانيـا:تعد الساسة المالية في الإقتصاد الإسلامي فرع من فروع السياسة الشرعية وتعرف بأنها “جميع القرارات ذات الصبغة المالية التي يتخذها ولي الأمر أو من ينوب عنه ،سواء كان إجتهاد”ا منه لتطبيق نص شرعي إجتهادا منه لتحقيق مقاصد الشريعة بصفة عامة ” كما تعرف السياسة المالية في الإقتصاد الإسلامي بأنها ” إستخدام الدولة الإسلامية لإيراداتها ونفقاتها لتحقيق أهدافها في ضوء القواعد والأصول الإسلامية الحاكمة في هذا المجال”(2).
وبناءًا على ماسبق نجد تعريف شامل للسياسة المالية: “بأنها مجموعة من الإجراءات والتدابير المالية التي تنتهجها الدولة إنطلاقا من مبادئ المذهب الإقتصادي المتيح وفي إطار النظام الإقتصادي المطبق وفي مرحلة معينة من مراحل التطور المجتمعي التي تعكس أوضاعا داخلية وظروفا دولية من أجل ضبط وتحصيل وتنمية مواردها المالية بكفاءة وحسن تخصيصها في مجالات الإنفاق المتعددة التي تحقق أهدافا إقتصادية وإجتماعية وسياسية وثقافية(3) .
الفرع الثاني : أهمية السياسة المالية في الإقتصاد الإسلامي :
تتبع أهمية السياسة المالية من كونها الأداة التي يمكن إستخدامها لتصحيح أثار السياسة النقدية والناتجة عن الإجراءات الكمية التوسعية ،فضلا عن كونها الأسلوب الأمثل لإعادة توزيع الدخل والإستثمارات على الإستخدامات الإقتصادية المختلفة .وبذلك تصبح السياسة المالية الأداة الفعالة لتشجيع الإستثمارات للإتجاه نحو المجالات الحيوية وأيضا لحماية الصناعات الوطنية من المنافسة الأجنبية(4).
ولو أمعنا النظر فيما حوَته الشريعة الإسلامية من تنظيمات مالية لأدركنا مبلغ ما أحرزته السياسة المالية في المجتمع الإسلامي من تقدم وإرتقاء فالتشريع الإسلامي فرض عدة ضرائب منها الضرائب على الدخل (كزكاة الزروع و الثمار) و ضرائب رأس المال (كزكاة الأنعام
الذهب و الفضة) و الضرائب غير المباشرة كالضرائب الجمركية المتمثلة في عشور التجارة و بذلك يكون الإسلام قد وضع نظاما ضريبيا متكاملا يقارب في كثير من النواحي للأنظمة المالية الحديثة . كذلك توخي التشريع المالي الإسلامي في فرائض المال أن تقوم على مبادئ العدالة و الملائمة و يقين و الإقتصاد , بالإضافة إلى عدم الإكتناز و ضرورة تثمين فائض الأموال فيما ينمي ثروة المجتمع و يكفل له الإستقرار و يشبع العدالة الإجتماعية(1) .
المطلب الثـانـي :خصائص السياسة المالية في الإقتصاد الإسلامي
السياسة المالية هي دراسة تحليلية للأدوات والوسائل المالية للتأثير على مالية الدولة ولها عدة خصائص نذكر منها2)
– السياسة المالية برنامج تخططه وتنفذه الدولة عن عمد مستخدمة فيه مصادرها الإيرادية وبرامجها الإنفاقية(3).
– إن المصلحة العامة مبدأ يحكم التصرف ولي الأمر في السياسة المالية،غير أنه في الإقتصاد الإسلامي ليس من الضروري أن تتساوى المصالح العامة في الأهمية والأولويات فرغم أن المصلحة العامة تمثل معيارا موضوعيا في إنفاق المال العام فإن إختيارها يخضع لضوابط معينة في الإقتصاد الإسلامي.
– إن الإيرادات العامة في ظل الإقتصاد الإسلامي لا يمكن أن نقول أنها تخضع لقاعدة عدم التخصيص،لان هناك من الإيرادات العامة قد تم تخصيصها بنص شرعي على جهات صرف محدودة منها ما يتكرر بصفة دورية كالزكاة ومنها غير دورية لعدم تكرارها كالغنائم ،والهدف من تخصيص هذه الإيرادات لتوفير حد الكفاية لكل محتاج في المجتمع وتوفير الرعاية والقضاء على الفروق الإجتماعية .أما باقي الإيرادات العامة غير المخصصة بنص شرعي فتوجه إلى إنجاز المصالح العامة حسب ترتيبها .
– تتميز السياسة المالية في الإقتصاد الإسلامي بالحكمة والعدل والرشد في جباية وإنفاق الأموال العامة كإيرادات الزكاة تتميز بالمحلية جمعا وإنفاقا غالبا،وإذا إستغنى أفراد البلد الذي جمعت منه الزكاة يمكن لولي الأمر أن ينفقها فيما يراها للصالح العام.كما أن الضرائب الجمركية(عشور التجارة)تجبي على المصدر الأجنبي تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل .
– تحمل السياسة المالية في ثناياها عوامل التطور والمرونة التي تجعلها تتلائم مع كل زمان ومكان وبذلك فهي صالحة لمقابلة التطورات المستثمرة بشرط ألا يخل التطور بمبادئ الشريعة الإسلامية وألا تتسم المبادئ المالية بالجمود الذي يجعلها عاجزة عن تحقيق دواعي المصلحة العامة.
– تقتصر رسالة السياسة المالية على تهيئة البيئة المواتية لإزدهار الإستثمار الخاص ونموه وكذا مساندته وسد أي ثغرة إنكماشية أو تضخمية(4).
الخـاتـمـة
وفي الأخير نستخلص أن الإقتصاد الإسلامي هو الإقتصاد الذي يتماشى وفق نصوص الشريعة الإسلامية للمبادئ والأصول والمعاملات (كتحريم الربا والبيوع المحرمة…)،فهو يصبو إلى تحقيق الأهداف التي تحقق المصلحة العامة للمجتمع ويمتاز بخصائص تميزه عن باقي الأنظمة الأخرى كالإشتراكية والرأسمالية.
كما أن للدولة الإسلامية دور فعال في تنمية الإقتصاد وتوجيه المدخرات وتوزيع وإعادة توزيع الدخول والثروات،فهي تبنى على مجموعة من الأسس التي حددت لها وفق المنهج الإسلامي كتحقيق التخصيص الأمثل للموارد كما أنها تقوم بعدة وظائف منها :حفظ الدين،إقامة الحدود،…
ولكي تتجسد لنا دولة قائمة بذاتها تتحدى كل الصعاب ونظرا لتطور الدولة عبر القرون تزايد أهمية السياسة المالية وهي مجموعة التدابير والإجراءات التي تنتهجها الدولة وفقا للمذاهب الإقتصادية وهي تعكس لنا الأوضاع الداخلية والخارجية للدولة، وتحقق السياسة المالية ما وضعت من أجله عن طريق أدوات ووسائل متعلقة إحداها بالنفقات العامة والأخرى بالإيرادات العام
تلعب الحكومة دوراً مهماً و فعالاً في الاقتصاد. فمن جهة، يعتبر الإنفاق الحكومي ( G )
أحد عناصر الإنفاق الكلي (الطلب الكلي):
AD = C + I + G + X – M
و بما أن الطلب الكلي لا بد و أن يتساوى مع العرض الكلي:
AS = AD
فإن الإنفاق الحكومي يؤثر على مستوى العرض الكلي (الدخل و الناتج) في الاقتصاد
و من جانب آخر، تلعب الضرائب (والتي تقوم بتحديدها الحكومة) دوراً أساسياً في
التأثير على مستوى الاستهلاك و الادخار في الاقتصاد (حيث تؤثر الضريبة على مستوى
الدخل الشخصي المتاح).
– تقوم الحكومة باستخدام أدوات السياسة المالية و المتمثلة في الإنفاق الحكومة و
الضرائب من أجل تحقيق الأهداف التالية:
1- المحافظة على استقرار المستوى العام للأسعار.
2- التوصل إلى مستوى التوظف الكامل Full Employment حيث تكون جميع العناصر
الإنتاجية الموجودة في الاقتصاد موظفة بشك تام.
3- إعادة توزيع الدخل.
4- رفع مستوى النمو الاقتصادي.
استخدام أدوات السياسة المالية لحل بعض المشكلات الاقتصادية
لنفترض أن الاقتصاد في مرحلة التوازن، أي أن الطلب الكلي ( AD ) يساوي العرض الكلي ( AS ).
و لنفترض أن مستوى التوظف الكامل يتحقق عند هذا المستوى من التوازن. (راجع شكل 11-1،
ص:373 و شكل 11-2، ص:375).
لنفترض الآن أن خللاً ما قد واجه الاقتصاد بحيث أصبح الطلب الكلي أكبر من العرض
الكلي، أو ( AD>AS ). عندما يكون الطلب الكلي أكبر من العرض الكلي فإن كمية الناتج لا
تستطيع تلبية الطلب الموجود في الاقتصاد. فعندما نكون في وضع أقل من وضع التوظف
الكامل، فإن النقص في المخزون يدفع المنتجين إلى توظيف عناصر إنتاج جديدة مثلاً من
أجل زيادة مستوى الإنتاج و من ثم يرتفع حجم الناتج (العرض الكلي) إلى أن يتساوى مع
حجم الطلب الكلي. أما في وضعنا الحالي، فإننا أصلا في وضع التوظف الكامل مما يعني
أن جميع عناصر الإنتاج الموجودة في الاقتصاد موظفة بشكل كامل و بالتالي فمن غير
الممكن توظيف عناصر إنتاجية جديدة. إن ارتفاع الطلب الكلي في هذه الحالة و عجز
العرض الكلي عن ملاحقة الطلب الكلي ستؤدي إلى مشكلة تضخم (ماذا يسمى هذا النوع من
التضخم عندما يكون الطلب الكلي أكبر من العرض الكلي؟).
لمواجهة هذه المشكلة، تقوم الحكومة بالتدخل من أجل تحقيق الهدف التالي:
مواجهة الفجوة التضخمية (الناتجة عن زيادة الطلب الكلي عن العرض الكلي، وذلك عند
مستوى التوظف الكامل) و بالتالي محاولة تقليص حجم الطلب الكلي في الاقتصاد.
وبما أن الإنفاق الحكومي يعتبر عنصر من عناصر الإنفاق الكلي (أو الطلب الكلي)، فإن
تقليص أو تخفيض حجم الإنفاق الحكومي سيؤدي إلى تقليل حجم الإنفاق الكلي إلى المستوى
الذي يكون فيه الطلب الكلي = العرض الكلي.
و من جانب آخر، تستطيع الحكومة استخدام الأداة الثانية من أدوات السياسة المالية و
هي الضرائب. فعند فرض ضريبة على الدخل (أو زيادة المستوى الضريبي) فإن ذلك سيؤدي
إلى تقليص مستوى الدخل الشخصي المتاح بقيمة الضريبة، و من ثم انخفاض مستوى
الاستهلاك بمقدار الضريبة مضروباً في الميل الحدي للاستهلاك، و كذلك انخفاض مستوى
الادخار بمقدار الضريبة مضروباً في الميل الحدي للادخار.
س: لماذا يكون حجم الضريبة المطلوب فرضه لمعالجة الفجوة التضخمية أكبر من حجم
الإنفاق الحكومي المطلوب تقليله لحل نفس المشكلة؟
لنفترض الآن أن خللاً ما قد واجه الاقتصاد بحيث أصبح الطلب الكلي أقل من العرض
الكلي، أو ( AD<as ). عندما يكون الطلب الكلي أقل من العرض فإن كمية لا
تستطيع استيعاب حجم الإنتاج الموجود في الاقتصاد. فعندما نكون في وضع أقل من وضع
التوظف الكامل، فإن الزيادة في المخزون (فائض) ستدفع المنتجين إلى توظيف عناصر أقل
-مثلاً- من أجل تقليل حجم الإنتاج و من ثم انخفاض حجم الناتج (العرض الكلي) إلى أن
يتساوى مع حجم الطلب الكلي أي أن هناك مشكلة بطالة ستواجه الاقتصاد بسبب الاستغناء
عن بعض العناصر الإنتاجية. (ماذا يسمى هذا النوع من البطالة الناجمة عن قصور الطلب
الكلي عن مساواة العرض الكلي؟).
لمواجهة هذه المشكلة، تقوم الحكومة بالتدخل من أجل تحقيق الهدف التالي:
مواجهة الفجوة الانكماشية (الناتجة عن انخفاض الطلب الكلي عن العرض الكلي، وذلك عند
مستوى التوظف الكامل) و بالتالي محاولة زيادة حجم الطلب الكلي في الاقتصاد.
وبما أن الإنفاق الحكومي يعتبر عنصر من عناصر الإنفاق الكلي (أو الطلب الكلي)، فإن
زيادة حجم الإنفاق الحكومي سيؤدي إلى زيادة حجم الإنفاق الكلي إلى المستوى الذي
يكون فيه الطلب الكلي = العرض الكلي.
و من جانب آخر، تستطيع الحكومة استخدام الأداة الثانية من أدوات السياسة المالية و
هي الضرائب. فعند تقليل حجم ضريبة الدخل فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة مستوى الدخل
الشخصي المتاح بقيمة الضريبة، و من ثم ارتفاع مستوى الاستهلاك بمقدار الضريبة
مضروباً في الميل الحدي للاستهلاك، و كذلك ارتفاع مستوى الادخار بمقدار الضريبة
مضروباً في الميل الحدي للادخار.
س: لماذا يكون حجم الضريبة المطلوب تقليله لمعالجة الفجوة الانكماشية أكبر من حجم
الإنفاق الحكومي المطلوب زيادته لحل نفس المشكلة؟
تستطيع الحكومة استخدام كل من الإنفاق الحكومي و الضريبة معاً في نفس الوقت لمواجهة
الفجوة التضخمية و الفجوة الانكماشية.
ثانياً: السياسة النقدية Monetary Policy
و هي السياسة التي يقوم البنك المركزي بتنفيذها (مثلما تقوم الحكومة بتنفيذ السياسة
المالية) وتستخدم السياسة النقدية بهدف معالجة المشاكل الاقتصادية المتنوعة مثل
التضخم، البطالة، الركود الاقتصادي و ما إلى ذلك.
أدوات السياسة النقدية:
1- عمليات السوق المفتوحة Open-Market Operations
2- سعر الخصم Discount Rate
3- نسبة الاحتياطي القانوني Legal Reserve
و بالتحديد، يتم استخدام أدوات السياسة النقدية لحل الفجوات التضخمية و الانكماشية.
أولاً: الفجوة التضخمية:
في الفجوة التضخمية، يكون الطلب الكلي أعلى من العرض الكلي أو ( AD>AS ). و يمكن
القضاء على هذه الفجوة عن طريق تقليل (تثبيط) الطلب الكلي في الاقتصاد. و في هذه
الحالة، يمكن استخدام أدوات السياسة النقدية الانكماشية كما يلي:
1- عمليات السوق المفتوحة: يقوم البنك المركزي من خلال عمليات السوق المفتوحة
بالدخول إلى السوق المالي إما بائعاً أو مشترياً للسندات الحكومية (الأوراق المالية
الحكومية).
فعندما يقوم البنك المركزي ببيع السندات الحكومية (بسعر فائدة مغري) فإن كمية النقد
المتداول في الاقتصاد يتجه للانخفاض مما يعمل على تقليل القوة الشرائية لدى
المستهلكين (الذين يقومون بشراء هذه السندات و تأجيل جزء من استهلاكهم في الفترة
الحالية) و كذلك تقليل حجم الاستثمار الذي يقوم به المستثمرين (و الذين يقومون
بتحويل مشاريعهم إلى شراء هذه السندات).
إذن، تنخفض عناصر الطلب الكلي ( C و I ) مما يعمل على تقليل الطلب الكلي إلى أن يصل
إلى مستوى يساوي العرض الكلي.
2- سعر الخصم: بصورة عامة، فإن سعر الخصم عبارة عن سعر الفائدة التي يقوم البنك
المركزي بفرضها على ودائع و قروض البنوك التجارية لدى البنك المركزي.
فعندما يقوم البنك المركزي برفع سعر الخصم، سيؤدي ذلك في نفس الوقت إلى رفع سعر
الفائدة على الودائع لدى البنوك التجارية (هذه الودائع يملكها المستهلكون و الذين
يقومون بإيداع و تقليل حجم استهلاكهم) مما يعمل على تقليل كمية النقد المتداول في
الاقتصاد وبالتالي تقل القوة الشرائية لدى المستهلكين. من جانب آخر، فإن رفع سعر
الخصم سيؤدي إلى رفع سعر الفائدة على القروض مما يعمل على تقليل حجم الاستثمار الذي
يقوم به المستثمرين (حيث أن كلفة الاقتراض ارتفعت الآن).
إذن، تنخفض عناصر الطلب الكلي ( C و I ) مما يعمل على تقليل الطلب الكلي إلى أن يصل
إلى مستوى يساوي العرض الكلي.
3- الاحتياطي القانوني: و هي النسبة التي يقوم البنك المركزي بفرضها على البنوك
التجارية حيث تقوم البنوك التجارية بموجب هذه النسبة بالاحتفاظ بمبلغ معين من
الوديعة و لا يمكن إقراضها.
فعندما يقوم البنك المركزي برفع نسبة الاحتياطي القانوني سيؤدي ذلك إلى تقليل قدرة
البنوك التجارية في إعطاء قروض (حيث تقوم البنوك التجارية بالاحتفاظ بحجم أكبر من
الودائع و تقرض حجم أقل منها) و بالتالي ينخفض حجم النقد المتداول في الاقتصاد.
إذن، تنخفض عناصر الطلب الكلي ( C و I ) مما يعمل على تقليل الطلب الكلي إلى أن يصل
إلى مستوى يساوي العرض الكلي.
ثانياً: الفجوة الانكماشية:
في الفجوة الانكماشية، يكون الطلب الكلي أقل من العرض الكلي أو ( AD<as ). و يمكن
القضاء على هذه الفجوة عن طريق زيادة حجم (تحفيز) الطلب الكلي في الاقتصاد. و في
هذه الحالة، يمكن استخدام أدوات السياسة النقدية التوسعية كما يلي:
– عمليات السوق المفتوحة:
فعندما يقوم البنك المركزي بشراء السندات الحكومية من المستهلكين و المستثمرين فإن
كمية النقد المتداول في الاقتصاد سترتفع مما يعمل على زيادة الإنفاق الاستهلاكي و
القوة الشرائية لدى المستهلكين وكذلك زيادة حجم الاستثمار الذي يقوم به المستثمرين
إذن، ترتفع عناصر الطلب الكلي ( C و I ) مما يعمل على زيادة الطلب الكلي إلى أن يصل
إلى مستوى يساوي العرض الكلي.
2- سعر الخصم:
يقوم البنك المركزي بتقليل سعر الخصم مما يعمل على خفض سعر الفائدة على الودائع لدى
البنوك التجارية (هذه الودائع يملكها المستهلكون و الذين يقومون بسحب هذه الودائع و
زيادة حجم استهلاكهم) مما يعمل على زيادة كمية النقد المتداول في الاقتصاد وبالتالي
زيادة الإنفاق الاستهلاكي و زيادة القوة الشرائية لدى المستهلكين. من جانب آخر، فإن
خفض سعر الخصم سيؤدي إلى خفض سعر الفائدة على القروض مما يعمل على تشجيع المستثمرين
على الاقتراض و من ثم زيادة حجم الإنفاق الاستثماري.
إذن، ترتفع عناصر الطلب الكلي ( C و I ) مما يعمل على زيادة الطلب الكلي إلى أن يصل
إلى مستوى يساوي العرض الكلي.
3- الاحتياطي القانوني:
فعندما يقوم البنك المركزي بخفض نسبة الاحتياطي القانوني سيؤدي ذلك إلى زيادة قدرة
البنوك التجارية في إعطاء قروض (حيث تقوم البنوك التجارية بالاحتفاظ بحجم أقل من
الودائع و تقرض الحجم الأكبر منها) و بالتالي يرتفع حجم النقد المتداول في الاقتصاد.
إذن، ترتفع عناصر الطلب الكلي ( C و I ) مما يعمل على زيادة الطلب الكلي إلى أن يصل
إلى مستوى يساوي العرض الكلي.
.الفصل الأول : الدولة و السياسة الاقتصادية
المبحث الأول : السياسة الاقتصادية
المطلب الأول : مفهوم السياسة الاقتصادية
إن مفهوم السياسة الاقتصادية تعني المنهج المتبع لدى بلد معين في التعامل داخل مجال نشاط السلع و الخدمات, وفي هذا الصدد إما تعتمد الدولة سياسة أو نظام الأنشطة الحرة أي سياسة السوق المفتوح ،
وإما تعتمد نظام أو سياسة الاقتصاد الموجه0
أ – نظام النشاط الحر الاقتصاد المفتوح )
وهو النظام الذي ترفع فيه الدولة القيود على بعض السلع و الخدمات ضمن دائرة التعامل بين الأفراد أو المؤسسات داخل البلد الواحد و خارج الحدود0
ب – نظام النشاط الموجه :
وهو النظام الاقتصادي الذي تكون فيه سلطة الدولة هي المسيطرة و الموجهة لسياسة النشاط الاقتصادي في سوق السلع و الخدمات , بحيث تحدد الأسعار للسلع وتدعم الأسعار في حالة وجود فارق بين السعر الحقيقي للسلعة و السعر المعروض في الشوق مع وجود تدني لدخول الأفراد
المطلب الثاني : أنواع السياسات الاقتصادية
تتمثل أنواع السياسات الاقتصادية في سعر الصرف و السياسة النقدية , وهما نوعان أساسيان في التعامل 0
أ – سياسة سعر الصرف :
إن الدولة في سياستها الاقتصادية المتبعة تتحكم في نشاط معين للحد منه أو تشجيعه فتستخدم سياسة سعر الصرف حيث يمكنها أن تقوم بتخفيض في قيمة العملة للحد من تسرب العملة للخارج, و قد تلجأ إلى هذه الطريقة إذا أرادت أن تشجع الاستثمار بالأموال في مشاريع داخلية , و المحافظة على كمية النقود داخل الحدود0
ب – السياسة النقدية :
إن سياسة النقود عملية تلجأ إليها الدولة في عدة حالات منها :
– الحد من إصدار النقود 0
– التحكم في الكتلة النقدية بضمان ثبات معدل الدوران للمخزون النقدي0
ومن خلال ذلك يمكن للدولة أن تقلل من نسبة القروض و التسهيلات المصرفية الممنوحة للقطاعات, لأن من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى ضعف الأسواق الأولية و غرق الشركات عن طرح أسهمها للاكتتاب العام هو محدودبة الوعي المالي لدى المستثمرين 0
المطلب الثالث : أدوات السياسة الاقتصادية
إن الهدف من دراسة أي سياسة اقتصادية هو تحقيق التوازن بين المداخيل و المنتجات لسوق السلع و الخدمات و الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة و الحد من الفقر 0
و من بين الأدوات الممكن استغلالها لتحقيق هذا الهدف , و تتخذها الدولة كإصلاحات هيكلية تتمثل فيما يلي:
– تحرير الرقابة على الأسعار و إلغاء بعض احتكارات القطاع العام0
– خوصصة العديد من المؤسسات الحكومية 0
– إلغاء الحواجز غير الجمركية و خفض رسوم الإستيراد0
و هناك من الدول من يلجأ إلى أبعد من ذلك و هو تحرير أسعار الصرف و إلغاء الرقابة المباشرة على الائتمان المصرفي 0
المبحث الثاني : السلطات الاقتصادية
إن السلطة الاقتصادية تشمل جانبين : جانب السلطة المالية ، و جانب السلطة النقدية 0
المطلب الأول : السلطة النقدية
إن الجانب النقدي له أهمية و أثر كبير في السياسة الاقتصادية داخل النشاط الاقتصادي 0
و لهذا فإنه قبل الشروع في أي سياسة اقتصادية يجب التفكير و التأكد من قدرات السلطات النقدية أو المؤسسات المصرفية و النقدية للبلد ومدى تحملها لمواكبة النظام الاقتصادي المزعوم انتهاجه من قبل الدولة مع مراعاة أسعار الصرف لأي نظام سعر. الصرف المتغير يتحدد من خلال القوة الشرائية لكمية النقود إضافة إلى عوامل أخرى منها العرض و الطلب و معدلات الفوائد , و التضخم و التطور الاقتصادي و القوة الاقتصادية 0
المطلب الثاني : السلطة المالية
إن عملية التمويل عنصر أساسي في تمرير السياسة الاقتصادية , و على هذا الأساس يجب توفر أدواته و المتمثلة في التمويل الذاتي , تمويل طويل الأجل الأقراض , تسهيل الإيداع 0
و هذه العناصر أساسها البنوك المحلية للبلد المعني و مدى قدرتها على توفير الأموال لإدارة المشاريع , و يساهم في ذلك أيضا إلى جانب البنوك المحلية البنوك الخارجية في ظل نظام الشراكة. حيث تساهم هذه البنوك أو المؤسسات المصرفية بإعطاء قروض لأجل أو قروض في شكل مساهمات في رأس المال 0
الفصل الثاني : العولمة و السياسات الاقتصادية الدولية
المبحث الأول : العولمة الاقتصادية و تداعياتها
المطلب الأول : مفهوم العولمة الاقتصادية
العولمة هي ظاهرة متعددة الأوجه , و تتضمن عدة جوانب منها جوانب سياسية , اقتصادية و ثقافية و بيئية 0 ولذا يمكن القول أن العولمة الاقتصادية هي نظام يشير إلى إزالة العوائق الوطنية الاقتصادية و نشر التكنولوجيا و التجارة و أنشطة الإنتاج و زيادة قوة الشركات عابرة الحدود الوطنية و المؤسسات المالية الدولية و تحرير الأسواق , و إلغاء القيود عليها و خصخصة الأصول و زيادة التعاملات في النقد الأجنبي , و تكامل أسواق رأس المال , و استحداث أدوات مالية جديدة , وينتج عن ذلك زيادة اعتماد الأسواق 0
المطلب الثاني : العولمة و التنمية الاقتصادية
إن من أبرز العناصر المساهمة في التنمية الاقتصادية في ظل العولمة هي منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية (OCDE) الشبكة الممثل دورها للدولة الغنية حيث أطلق عليها تسمية نادي الأقوياء إقتصاديا
ينمثل دورها في كونها تعتمد على البحث و الدراسات و متابعة التطورات الاقتصادية , في كل دولة عضو
في هذه المنظمة و مقابلة كل هذا بما يجري في بقية دول العالم لمدة 25 سنة القادمة , ومن ثم نقترح الحلول المناسبة إذ أنها لا تصدر قرارات و لا تتبنى إجراءات عملية0
و من أهم نشاطات المنظمة أنها أعد ت مشروع بحث سنة 1995 بعنوان INTERFUTURS قصد تصور نمو اقتصاديات أعضاؤها و علاقة هذا النمو بما يحدث في الدول النامية حتى نهاية القرن0
و في نفس السنة أجرت دراسة أخرى تمتد إلى سنة 2022 اسمها INTERDEPNCE أو الاعتماد المتبادل
ومن خلال هذه الدراسات خرجت بفرضية أولى تتمثل في أن نمو إقتصاد أعضاء المنظمة بمعدل ثابت
3 %سنويا طول هذه الفترة, و معدل نمو الدول غير الأعضاء يبلغ 6.7% على أساس نجاح الإصلاحات الاقتصادية و السياسية التي توفر الحرية الكاملة لحركة المبادلات و الاستثمار بين الدول0
أما الفرضية الثانية فتقوم على أساس أن معدل نمو 3 % في دول المنظمة و 4.8 % في الدول الأخرى على أساس تأخر عدد من الدول عن إجراء التحرير الكامل للتجارة الدولية و الاستثمار الدولي 0
و توصلت الدراسة إلى خمس دول كبرى جديدة ( روسيا , الصين , أندونيسيا , الهند و البرازيل ) التي ستأخذ نصيبا وفر من مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم و حجم التجارة الدولية 0
المبحث الثاني :مظاهر العولمة
المطلب الأول : التدويل
إن ظاهرة التدويل تعبر في حقيقة وقعنا المعاش عن تدويل القوى المنتجة على المستوى العالمي , ويقصد بالقوى المنتجة جميع الوسائل والقدرات التي هي في متناول المجتمع البشري لأجل الإنتاج0
وقوى الإنتاج تتضمن وسائل الإنتاج و قوى العمل التي تستخدمها هذه المجتمعات البشرية و بالتالي فهي تتضمن أساليب الإنتاج و تنظيم هذا الإنتاج وكذا مستوى العلوم و التكنولوجيا 0
المطلب الثاني : الثورة العلمية والتكنولوجية
لقد شاهد العالم ثورة في عدد من القطاعات المرتبطة أساسا بلإلكترونيك و الإعلام الآلي و الاتصال
و الكيمياء و البيولوجيا , الشيء الذي جعل البعض يتحدث عن رأسمالية إلكترونية .
هذه الثورة سوف تغير ترتيب القطاعات الاقتصادية أين تصبح قطاع الخدمات المرتبطة بهذه القطاعات تحتل نصيبا أكبر في النشاط الاقتصادي و الإنساني ككل, كما تغير هذه الثورة من أنماط الإنتاج و التشغيل و كذا طرق التسيير0
لقد عرف العالم في نهاية القرن الثامن عشر الثورة الصناعية التي نظمت التقسيم التقني و الاجتماعي للعمل حيث أصبحت الصناعة هي القطاع المحرك لكل النشاط الاقتصادي , هذا التقسيم كان قائما على أساس علاقة تبعية بين الإنسان و الآلة و كذا الفصل بين العمل اليدوي و الذهني , وبين التصميم و الإدارة و التنفيذ0
ولقد تميزت الثورة العلمية و التكنولوجيا بمجموعة من الخصائص يمكن أن نذكر منها النقاط التالية :
أ- أعطى مكانة للعلم والبحث العلمي لم يشهدها العالم من قبل0
ب- إلزامية قيام علاقة جديدة بين الإنسان و الآلة و فالعامل الإنساني يصبح أولى من العالم التقني , لهذا سوف تعطى الثورة التكنولوجية مكانة أكبر للإنسان الحامل للعلم , فهذا الأخير هو كائن اجتماعي و ليس عاملا من عوامل الإنتاج الأخرى مما يستلزم قيام أساليب عمل و تنظيم جديد0
ج- ظهور إنقلابا جذريا و نوعيا في الإنتاج أساسه الإلكترونيك و الإعلام الآلي و الإتصال وهذا مما يؤدي إلى نمو سريع في للقوى المنتجة0
د – التطور المذهل والسريع لقطاع المعلومات و الاتصال وانعكاسه على مختلف جوانب النشاط الإنساني , و هذا ما سيحدث انقلابا في عدة مجالات من النشاط الاقتصادي أولها مجال الإنتاج و أساسا أنماط العمل و التشغيل , حيث سينشر تشغيل اليد العاملة الماهرة و الرخيصة عن بعد و كذا إدارة الأعمال عبر الإعلام الآلي 0
التحولات على مستوى البنية الفوقية العالمية :
عندما لاحت بوادر فوز الحلفاء , و بعد تلك الحرب العالمية الثانية و بعد الفوضى السياسية و الاقتصادية التي عرفها العالم , سعت مجموعة من الدول لوضع مؤسسات دولية و جهوية لإعادة تنظيم شؤون العالم الاقتصادية و الاجتماعية و توفير شروط الإنطلاقة الاقتصادية و الاجتماعية و إزالة كل العقاب التي تعيق عملية تمركز الإنتاج و الرأسمال على المستوى العالمي و خلق شروط اقتصادية و سياسية جديدة لإعادة اقتسام مناطق النفوذ0
ومن خلال ما سبق يمكن أن نلاحظ الآن تغيرات هامة على مستوى الخريطة الاقتصادية و السياسية للعالم خاصة مع انهيار البلدان الإشتراكية سابقا و و تراجع حركات التحرر الوطني في البلدان النامية , حيث شاهد ميلاد قطبي اقتصادي وسياسي أحادي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية 0
الفصل الثالث : تأثير العولمة على السياسات الاقتصادية
المبحث الأول : التأثير على السياسة النقدية
بالنسبة لهذا الجانب نلاحظ أن البنك العالمي هو ثاني مؤسسة ذات اعتبار كوني بعد صندوق النقد الدولي , حيث يقوم بمنح قروض طويلة الأجل همها قروض التكيف الهيكلي بهدف دفع تيار العولمة و دوره يتكامل مع دور صندوق النقد الدولي الذي حد دته لهما اتفاقيات ” بريتون وودز” , التي كلفت الصندوق بالسهر على ضمان قواعد الاستقرار النقدي الدولي , و تنمية العلاقات النقدية المتعددة الأطراف و البنك العالمي يقوم بتقديم العون المالي الضروري لتمويل التنمية طويلة الأجل , و إزداد هذا التكامل مع إستفحال المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية في البلدان النامية و إظطراب العلاقات النقدية و تدهور العلاقات التجارية و المالية بين مختلف الدول , بحيث كيف الصندوق و البنك شيئا فشيئا سياستهما و برامجهما لإعانة الدول النامية و سعيها للقضاء أو الحد من إشكاليتها النقدية و المالية و الهيكلية , و تتضح لنا الرؤية أكثر إذا علمنا أن العضوية في البنك العالمي مشروطة بالعضوية في الصندوق 0
و في ظل النظام الجديد يعتبر البنك العالمي هو أقوى وكالات التنمية و التمويل الدولية , حيث يستعمل أمواله لأغراض شتى أهمها :
– تمويل المشاريع للبنية الأساسية
– تشجيع رأس المال الدوالي الخاص 0
– تسريع وتيرة الخوصصة 0
المبحث الثاني : التأثير على سياسة الميزانية
إن تحقق المنافع المحتملة في ظل النظام العالمي بتوفير البنية الأساسية تحقيقا كاملا من عدمه مسألة تعتمد على الكيفية التي تقوم الحكومة بتوزيع المخاطر , فيمكن للحكومة أن تزيد المنافع بواسطة تحمل المخاطر التي تستطيع السيطرة عليها , و لكن ينبغي لها أن تتجنب تحمل المخاطر الأخرى 0
و بهذه الطريقة يواجه المستثمرون بخواطر قوية لإختيار المشاريع بعناية و إدارتها بكفاءة , فهي تستطيع أن تقلل المخاطر التي يتعرض لها المستثمرون بواسطة إتباع سياسات إقتصادية كلية وطيدة , و الإفصاح عن المعلومات , و تنفيذ قوانين و لوائح تنظيمية جيدة , و تدعيم سلطتها القضائية و و تستطيع أن تقيس بها الضمانات التي تقدمها وتوازنها و تحسبها , بحيث تكون التكاليف و المخاطر واضحة وقت إصدار الضمانات و ليس فبما بعد عندما يتعين على الحكومة أن تسدد ، لأن من المعلوم في إطار توازن الميزانية أن الدولة عليها تكافأ بين إلتزاماتها و إيراداتها لتقييم الضمانات و الإلتزامات المحتملة كما يمكنها إستخدام قيمة الضمانات لحساب خسارة متوقعة 0
و عندما تقيم الضمانات , يكون من الأكثر إحتمالا أن تتخذ القرارات على أساس التكاليف و المنافع الحقيقية و ليس الظاهرة 0
و من وجهة النظر الاقتصادية فإن التمييز بين الخسائر المحتملة وغير المحتملة ليس مفيدا على الدوام ,
إن وجود فرصة بنسبة 10 % بخسارة 10 ملايين من الدولارات أسوأ من وجود فرصة بنسبة 90 %
لخسارة مليون دولار , و الأفيد من ذلك هو تقدير القيمة الحالية للخسارة المتوقعة الناجمة عن إلتزام محتمل
و من شأن وجود نظام مثالي للمحاسبة و الموازنة أن يسجل القيمة الحالية المتوقعة لجميع العقود التي تبرمها الحكومة 0
المبحث الثالث : التأثير على سعر الصرف
نظرا لأن الكثير من استثمارات البنية الأساسية تمول بواسطة قروض مقومة بالنقد الأجنبي و تعقد بأسعار فائدة معومة , فإن الأرباح تكون حساسة بشكل مرتفع للتغيرات في أسعار الصرف و أسعار الفائدة .
و يتبين أنه للوهلة الأولى أنه ينبغي للحكومة أن تتحمل بتعبئة المخاطر المرتبطة بهذا الخطر , لأن لها بعض السيطرة على أسعار الصرف و الفائدة , و سيكون لديها إذا ما تحملت هذه المخاطر حافز لإتباع سياسات اقتصادية كلية مستقرة.
و في ظل نظام العولمة ثمة عدد من الأسباب تجعل من الضروري للمستثمرين أن يتحملوا بمخاطر سعر الصرف و الفائدة :
– فأولا يمكن أن تشجع الضمانات الحكومية للمستثمرين على التعرض لحدود كبيرة من مخاطر أسعار الصرف , و عندئذ يستطيعون إذا ما حدث إنخفاض قيمة العملة أن يلقوا باللوم على الحكومة لما تعرضوا عنه من خسائر بدلا من الإعتراف بخطر الإفراط في الإقتراض بعملات أجنبية 0
– ثانيا : يمكن أن يكون لضمانات سعر الصرف تأثير معاكس على سلوك الحكومة , وعلى سبيل المثال فقد تغري الحكومة بدم إجراء التخفيض الذي يكون مطلوبا في قيمة العملة المحلية في أعقاب صدمة في معدلات التبادل التجاري 0
– ثالثا : قد تكون الكثير من الحكومات قد إننكشفت بالفعل هي و دافعو الضرائب الذين يدعمونها للمخاطر المرتبطة بصدمات سعر الصرف والفائدة .
وقد تفضي صدمة معدل تبادل تجاري معاكس مثلا : تخفيض في قيمة العملة و إنخفاض في الدخول على حد سواء , مما يجبر الحكومة على تعيض المستثمرين في نفس الوقت التي تتقلص فيها قاعدتها الضريبية .
إى أنه قد يكون لدى القطاع الخاص في حالة عدم وجود ضمان حكومي , حوافز أكبر على إدارة مخاطر سعر الصرف .
المراجع :
1 – أحمد فريد مصطفى – سمير محمد السيد حسن السياسات النقدية و البعد الدولي للأورو
مؤسسة شهاب الجامعية – الإسكندرية –
2 – مروان عطوان الأسواق النقدية و المالية ديوان م – ج
3 – باشوندة رفيق – رسالة ماجيستر – عوامل التحكم في المردودية المالية 96 .1997/
4 – التمويل و التنمية – مجلة تصدر كل ثلاثة أشهر عن صندوق النقد الدولي و البنك الدولي للإنشاء-المجلد 39 , العدد 01 – مارس 1999 –
5 – العولمة و إدارة الاقتصادات الوطنية – وقائع الندوة المنعقدة في 18 و 19 نوفمبر 2000 .
-أبو ظبي
الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية – من بداية الدولة النبوية حتى نهاية الدولة العثمانية / كمال السعيد حبيب
الحجم : 15.7 MB
جامعة الجزائر-بن يوسف بن خدة
كلية العلوم السياسية و الإعلام
قسم العلوم السياسية و العلاقات الدوليةمادة النظم السياسية المقارنة
مفاهيم في السياسة المقارنة الجديدةد.أمحند برقوق
2022/2009قائمة المفاهيم:
1- العولمة: الظاهرة و المفهوم
2- العولمة السياسية
3- المواطنة الديمقراطية
4- الثقافة الديمقراطية
5- السلم الديمقراطي
6- المواطنة العالمية
7- التباين السلطوي
8- التعقيد المؤسساتي
9- الجودة السياسية
10- العقلانية السياسية
11- الحنكة السياسية
12- الفعالية السياسية
13- المشروعية السياسية
14- الديمقراطية المشاركاتية
15- الشفافية السياسية
16- التعددية السياسية
17- المجتمع المدني
18- الديمقراطية المحلية
19- الإنتخابات الديمقراطية
20- الحكم الراشد
21- الرشادة السياسية
22- الدولة المنطقية
23- الدولة الذكية
24- الدولة الفاشلة
25- الهندسة السياسيةمقدمة:
تشكل السياسة المقارنة الجديدة أحد المجالات العلمية المنتجة لمفاهيم مركبة و هجينة من جهة، كما أنها تتميز بالحركية و التأسيس النظري. كما يعرف هذا المجال محاولات جدية لبناء مساقات إبستيمولوجية عبر-تخصصية Constructions epistemologiques trans-disciplinaires بإستخدام لمناهج متعددة الإنتماءات النظرية d’origines poly-theoriques و مركبة الأليات التحليلية ، مع إعتمادها على منطق تحليلي هادف و عضوي.فبالنظر لغياب مادة علمية حول السياسة المقارنة الجديدة باللغة العربية أرتأينا تقديم هذه المفاهيم الأساسية لطلبة العلوم السياسية و العلاقات الدولية بشكل يمكنهم من التحكم أكثر في التحليل المقارن للأنظمة السياسية في عالم يتجه أكثر نحو نمطية قيمية قوامها حقوق الإنسان و نموذجها السياسي المؤسس حول نظام الديمقراطية المشاركتية.
مع تمنياتي لطلبتنا بالتوفيق و النجاح
د.أمحند برقوق
(1) العولمة : الظاهرة و المفهوم
على الرغم من الاستخدام الواسع لمفهوم العولمة إلا أنه مع ذلك مازالت ظاهرة غامضة و مفهوما متضارب المعاني ، ليس فقط من حيث المكونات ، الأبعاد و الفواعل و لكن أيضا على مستوى القيم التي تحركها .
فمن أجل تبسيط هذا المفهوم يمكن حصر النقاش حول ثلاثة مداخل أساسية:
(1)- فأما الأول فيتعلق بالعولمة كمجموعة مسارات متشابكة اقتصاديا ، ماليا ، تكنولوجيا ، ثقافيا ،سياسيا، اجتماعيا و قيميا تشمل كل العالم و تحركه فواعل فوق وطنية (الأمم المتحدة ووكالاتها ، البورصات العالمية ،الشركات المتعددة الجنسيات ،و المجتمع المدني العالمي) و حاصرة بذلك لدور الدولة .
(2) – فأما المدخل الثاني فيحصر العولمة في محاولات مترابطة تهدف لتنميط القيم المحددة للسلوكيات الفردية بصفة تعكس توجهات عالمية نحو التجانس و التماثل من حيث القواعد ، القيم ، السلوكات و الأذواق و تجعل العالم مجالا مفتوحا للاستهلاك المادي و القيمي
(3)- أما المدخل الثالث فهو ذلك الذي ينظر للعولمة كحراك إنساني ،يتماشى وطبيعة الوضع الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ماديا و الغرب حضاريا ، و يهدف في النهاية لغربنة العالم على المستوى القيمي –السلوكي و للتأسيس لحركية تسلط أمريكي على المستوى الكوني .
و انطلاقا من هذه النقاشات يمكن الاستخلاص ،كما هو متفق عليه في التعريفات الإجرائية في العلاقات الدولية حول العولمة ، بأنه بإمكاننا وضع العناصر التالية في تحديد ماهية العولمة :
-1- العولمة حركية شاملة، شمولية تجعل من العالم كله مجالا لها .
-2- العولمة حركية تخلق في ذاتها و بذاتها آليات جديدة تعمد على تكييف الدول و المناطق و القيم مع منطقها التجانسي .
-3- العولمة حراك يهدف ، بمنطقه الإرغامي ،على خلق حركيات تنميط قيمي –سلوكي و مجموعة منمذجة على مستوى أسس و أشكال التنظيم الإنساني (ديمقراطية إقتصاد السوق الحر ، الحكم الراشد …الخ ) .
فمن هنا فالعولمة ليست فقط ظاهرة ولكنها حركية و حراك إنساني يعكس طبيعة النظام الدولي ، درجة الترابط الإنساني و طموح الهيمنة المادية و الحضارية للغرب
(2) العولمة السياسية
تشكل العولمة السياسية أكثر الأبعاد حيوية ، حركية و خطورة للعولمة ، إذ أنها لا تقوم فقط بإعادة النظر في المنطلقات الأساسية للدولة بجعلها أكثر ارتباطا بمحورية الإنسان و حقوقه و لكن أيضا بتنميط مجموعة قواعد التفاعل السياسي الداخلي و الوطني مع فرض تصورات منمذجة لأساليب الحكم .
فالعولمة السياسية، و إن كانت مرتبطة إلى حد بعيد بالمنطق الجدلي للفلسفة النيوليبرالية ، ولكنها أيضا تعكس التصورات و الطروحات التي أفرزها عالم ما بعد الحرب الباردة و التي تهدف لخلق نموذج حكم صالح لكل الأوطان والشعوب و الثقافات تماشيا مع منطق العالم الرافض للنسبية و الفارض للقيم المنمطة و الأنمطة المنمذجة .
فالعولمة السياسية تقوم على مجموعة من المحددات التأسيسية لهذا المنطق :
-1- ضرورة بناء تصور موحد و إلزامي لحقوق الإنسان لا تعترف لا بالثقافة و لا بالدين و لا تعترف بالحدود، و لا بالسيادة و لا بالاختصاص الداخلي للدولة. فهنا نجد أولوية الإنسان على الدولة و أولوية منطق حاجات الإنسان على منطق أمن الدولة .
-2- جعل الديمقراطية نظام الحكم الوحيد القادر على التكيف مع منطلقات العولمة.
-3- جعل الديمقراطية حقا يستخدم لتغيير الأنظمة السياسية باسمه، و ترفض الأنظمة الإنقلابية باسم، و يتدخل في الشؤون الداخلية باسمه كما كان في حال تدخل الأمم المتحدة ، عن طريق تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في هايتي سنة 1994 لإرجاع نظام حكم منتخب بعد أن كان ضحية انقلاب عسكري.
-4- تفعيل منطق دولة الحق و القانون .
-5- بناء منطق المجتمع التعددي بخلق حراك اجتماعي و سياسي مؤثر يتمحور حول المجتمع المدني.
-6- أما المحدد الأخير فيهدف إلى خلق آليات الرشادة و العقلانية السياسية عن طريق فرض فلسفة الحكم الراشد .
فمن هنا يظهر أن العولمة السياسية هي حركية تهدف لجعل العالم يحكم بنفس المنطق السياسي ، بنفس المنطلقات القيمية المرتبطة بالتصور الغربي لحقوق الإنسان ، و يهدف لجعل كل الدول تحكم بمنطق الديمقراطية المشاركاتية و الحكم الراشد في حال عدم تعارضها مع مصالح القوى المهيمنة .
(3) المواطنة الديمقراطية
من الأهداف الأساسية للهندسة السياسية هو بناء مواطنة ديمقراطية تجعل من الحقوق المدنية و السياسية المنطلق الأساسي لبناء فلسفة الدولة و الحكم، و من الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية المحور الوظيفي الأول المحدد لأولويات النظام السياسي و الهادفة لتحقيق الحاجات الأساسية للمواطنين حسب منطق جامع بين الفعالية ، النجاعة ، العقلانية و الشفافية .
فالمواطنة الديمقراطية تقتضي مجموعة من الشروط التأسيسية و منها :
*ضرورة بناء هيكلة دستورية و قانونية و إجرائية متمحورة حول حقوق الإنسان العالمية و هادفة لتحقيق دولة العدالة و الرفاه .
*ضرورة جعل المشاركة السياسية للمواطن المحرك الأساسي لعمليات التداول و التجديد السياسيين.
*ضرورة بناء دولة قوامها الحق و القانون و هدفها تحقيق التنمية الإنسانية المستدامة.
* ضرورة بناء دولة الجودة السياسية التي تثمن الكفاءة و الاستحقاق و ترفض الرداءة السياسية ، المحسوبية و الجهوية .
و بناء على ذلك، فالمواطنة الديمقراطية هي مسار اندماج لتطلعات المواطنين لتحقيق أكبر قدر ممكن من حاجاتهم الأساسية و إلغاء هاجس الأنظمة السياسية في الحفاظ على الاستقرار و تحقيق أكبر قدر من العقلانية الاقتصادية و التسييرية. فالمواطنة الديمقراطية ،من هذا المنظور تجعل من النظام السياسي أداة مجتمعية لتحقيق الصالح العام و الخدمة العامة داخليا و الدفاع عن المصالح الوطنية خارجيا حسب منطق سياسي –مجتمعي توافقي وتفاعلي .
فمن هنا فالمواطنة الديمقراطية هي انعكاس لنضج ديمقراطي مجتمعي و لوجود فلسفة حكم تجمع بين حقوق الإنسان ، الديمقراطية المشاركتية ، الحكم الراشد و المحاسبة الديمقراطية على مستوى الدولة و النظام السياسي.
(4) الثقافة الديمقراطية
من بين شروط الهندسة السياسية الديمقراطية و المتوافقة مع القيم الأساسية للعولمة السياسية هي تطوير ثقافة ديمقراطية توجه عمليات التنشئة السياسية و تأطير حركيات التداول السياسي و التفاعل الديمقراطي .
فالثقافة الديمقراطية ليست مجرد قناعات فكرية أو قيم سياسية و لكن هي بالأساس إطار لترشيد عمليات التعزيز الديمقراطي حسب منطق جامع بيم العقلانية السياسية ، الشفافية ، الحسبة الديمقراطية و الحكم الراشد .
فالثقافة الديمقراطية بهذا المنظور تقتضي إستوفاء مجموعة من الشروط و منها :
-1- وجود حرية الصحافة و التعبير بصفة تشكل حراكا فعليا للشفافية و للتوجيه الديمقراطي .
-2- قيام مؤسسات المجتمع المدني، الإعلام و المؤسسات التعليمية بدور تكاملي للنشأة السياسية الديمقراطية.
-3- تطابق الممارسة السياسية مع المنطلقات القيمية الديمقراطية و ذلك بوجود نظام التداول الديمقراطي، دولة الحق و القانون، العقلانية السياسية و الشفافية مع ضرورة إعمال مبادئ المحاسبة الديمقراطية و الجزاء السياسي .
فالثقافة الديمقراطية من هذا المنظور هي الإطار الاجتماعي لدمقرطة الحياة العامة بما يتماشى و مبادئ التعددية، الاختلاف و الحوار، السلم الاجتماعي، التداول، الاستحقاق، الفعالية، العقلانية و المواطنة الديمقراطية.
(5) السلم الديمقراطي:
من بين المفاهيم الأساسية التي يروج لها أنصار العولمة السياسية في مفهوم “السلم الديمقراطي” و الذي تعود جذوره لأفكار مفكر و فيلسوف النهضة الايطالية Dante allege في القرن 15 و طروحات المفكر الألماني إيمانويل كانط في القرن 19 و التي تقوم على فكرة أساسية مفادها أن :
الديمقراطية تنشأ ثقافة الحوار ، و الحوار هو الآلية الأساسية للوقاية من الأزمات و منع تفاقمها لتصبح حالة مستعصية من العنف المسلح، أي أن السلم المجتمعي بأشكاله السياسية و الثقافية والاجتماعية و الاقتصادية تقتضي تطوير آليات الحوار و لا يمكن لهذه أن تكون فعالة إلا في ظل نظام الديمقراطية المشاركتية .
كما يستخدم مفهوم السلم الديمقراطي للترويج للقيم السياسية الليبرالية حسب منطق يقول أن السلم العالمي يستدعي الديمقراطية لأن التاريخ لم يعرف حروبا بين الديمقراطيات، لأن الديمقراطية تقوم على الإجماع ، العقلانية ،و الحوار و بالتالي تغلب الدبلوماسية على الحرب. و لكن التحليل الموضوعي للسياسية العالمية يؤكد على أن أغلب الحروب و الحملات الاستعمارية و الاستدمارية في العالم كانت وراءها أنظمة ديمقراطية : الولايات المتحدة الأمريكية ، فرنسا ، و بريطانيا . أما منطق السلم الديمقراطي بمعنى الهندسة السياسية فيقوم أساسا على مجموعة من المبادئ و هي :
-1- ضرورة تطوير ثقافة ديمقراطية محلية تكرس الاختلاف، التعددية و الحوار مع احترام الخصوصيات المجتمعية للدولة.
-2- ضرورة تبني نمط دولي و مؤسساتي يتماشى مع الطبيعة الاجتماعية للدولة ومستوى نموها.
-3- ضرورة تفعيل شروط المشاركة السياسية لخلق حركية حوار دائم قادرة على احتواء الأزمات قبل تحولها لشروخات سياسية و اجتماعية عنيفة .
-4- تمكين العدالة المستقلة من فرض قواعد دولة الحق و القانون كشرط أساسي لتمكين الإنسان-المواطن من حقوقه.
-5- ضرورة جعل العدالة التوزيعية المعيار الأساسي المحدد لسلوك الدولة لمنع التهميش ، الإحباط ، التطرف ، و العنف .
فالسلم الديمقراطي إذن هو نتاج وجود ثقافة و آليات ديمقراطية تكرس الاختلاف و التعددية و تأسس لدولة الحوار و المشاركة لا الإملاء و الإقصاء.
(6) المواطنة العالمية
من بين المصطلحات التي يروج لها أنصار العولمة السياسية و الكوسموبوليتالينون الجدد نجد مصطلح المواطنة العالمية التي تطرح تبديل مستقبلي للمواطنات الدولتية، أي أن مسار العولمة السياسية بعملياتها المتشابكة على المستويات الخاصة بنشر قيم متجانسة و منمطة لحقوق الإنسان و مؤسسات منمذجة متوافقة و طروحات الديمقراطية ، اقتصاد السوق الحر و الحكم الراشد .
يهدف هذا المنظور المعرفي ليس فقط لتحوير دور الدولة أو ومنطقها الوظيفي ولكن بالأساس لبناء كيان كوني على أنقاض الدول بإسم إنسانية الإنسان و المصدر الإنساني للمواطنة لا المصدر الدولي .
فحسب منطق دعاة هذا الطرح ، يمكن الوصول للمواطنة العالمية عن طريق العمليات التالية :
-1- نشر قيم معولمة لحقوق الإنسان ، الديمقراطية و المبادرة الاقتصادية الحرة .
-2- السماح بتطور شبكات المجتمع المدني العالمي مع روافد فعلية لها عبر كل العالم فعملية محلنة المجتمع العالمي
La glocalisation de la société mondiale قادرة على تطوير هذا التجانس القيمي العالمي مع جعل الهموم المحلية كونية و القيم العالمية المحلية.-3- تحويل المؤسسات الدولية ( الأمم المتحدة ووكالاتها خاصة ) إلى آليات الحكم العالمي مع تمكينها من فرض الخيارات العالمية على الدولة متخطية بذلك الحواجز القانونية الخاصة بإحترام الخيارات الوطنية للدولة بشكل لا يتوافق أساسا مع مبدأ السيادة.
-4- إعادة النظر في فلسفة السيادة بجعلها شكلية و رمزية و ليست عائقا على عمليات العولمة السياسية أو مبررا لعدم التدخل في الشؤون الداخلية الخاصة بالدولة باسم الديمقراطية و حقوق الإنسان .
فالمواطنة العالمية بهذا المنحى لن تكون مجرد إحساس إنساني ،أو قيمة طوباوية و لكن يعتقد الدعاة لها أنها سوف تكون تجربة إنسانية مستقبلية بخلق عالم ما بعد الدولة يتميز بالتعقيد على المستوى التنظيمي بين الحكم المحلي المجزأ (الجهات ) ،و الحكم العالمي المعقد (الحكومة العالمية) في حين يلعب المجتمع المدني العالمي دورا فعالا ووسيطا بين المواطن المحلي –العالمي و الحكومة المحلية لخلق شفافية المشاركة المباشرة من خلال هذا الضمير العالمي .
و لكن هل يمكن لهذا الطرح المثالي أن يتحقق و إن تحققت كثير من الأفكار التي تبدو خيالية قرون بعد ذلك؟
(7) التباين السلطوي
من بين المفاهيم الأساسية للهندسة السياسة نجد “مفهوم “التباين السلطوي ” الذي يهدف إلى أن يعوض المفهوم الدستوري الكلاسيكي للفصل بين السلطات المطور في عصر النهضة الأوربية من طرف Montesquieu و أتباعه .
فالتباين السلطوي يعتبر أن في عالم تتعقد فيه الحاجات و تتشابك فيه التفاعلات الدولية و الوطنية و خاصة بوجود الآليات المساعدة على اتخاذ القرارات بسرعة و بحوار مستمر (أليات الإتصال و التواصل الحديثة) و حرصا على تلبية أكبر قدر من الحاجات للمواطنين، و تفعيلا للمشاركة السياسية كحق سياسي محوري يهدف للوصول إلى حد أقصى من الشفافية و العقلانية السياسية و تحقيق العدالة و المسؤولية بالجزاء ، يجب بالتالي إعادة هندسة العلاقات بين السلطتين التشريعية و التنفيذية بجعل هذه الأخيرة نابعة بالضرورة من انتخابات حرة ، نزيهة ، تعددية و منتظمة. , عليها أن تكون مسؤولة أمام ممثلي الشعب ليس فقط دوريا و لكن بصفة مستمرة مع مراعاة قيم الكفاءة ، الاستحقاق، الفعالية و الجزاء . فالتباين السلطوي من هذا المنظور يقتضي مجموعة من الشروط التأسيسية و منها :
-1- ضرورة تكريس محورية المواطن في العملية السياسية مع جعل حقوق الإنسان الخارطة القيمية الموجهة لتفاعلات الدولة و المجتمع .
-2- ضرورة تمكين السلطة القضائية المستقلة من أن تلعب دورا فعالا في درء الفساد و معاقبة التعسف .
-3- جعل المشاركة السياسية حركية بناءة في عمليات التجديد المؤسساتي ، التداول السياسي و المراقبة على السلطة التنفيذية .
-4- ضرورة إعادة النظر في قاعدة الحصانة بتقييدها أكثر أو نزعها لمنع تعدي بعض البرلمانيين على القانون وإفلاتهم من العدالة خاصة في مسائل الفساد و جرائم القانون العام.
فالتباين السلطوي، من هذا المنظور، يهدف لخلق توازن وظيفي بمنع هيمنة سلطة على أخرى مع مساهمة السلطة التنفيذية في التشريع ” الإاستعجالي ” وقدرة السلطة التشريعية على المساهمة الفعلية في صناعة السياسيات العامة و التأثير على القرارات الوظيفية باسم الفعالية ، العقلانية و الأداء و تحقيقا لحاجات الإنسان و حقوقه .
(8) التعقيد المؤسساتي
من بين المفاهيم الأساسية للهندسة السياسية نجد مفهوم “التعقيد المؤسساتي ” الذي يقصد به أساسا جعل فلسفة دولة ما بعد الحداثة قائمة على تقريب الإدارة و مؤسسات الدولة من المواطن ربحا للوقت و اقتصادا للمال مما يرفع من وتيرة الأداء و يزيد من نجاعة الدولة و فعاليتها .
فالتعقيد المؤسساتي يستدعي أساسا إعتماد مجموعة من العمليات و الشروط و منها :
-1- جعل فلسفة الحكم متمحورة حول منطق أمن الإنسان التي تقوم على حقوق الإنسان و المواطن .
-2- التأسيس لديمقراطية مشاركاتية جوارية بالتشجيع على بناء مجتمع مدني ناضج و مبادر وطنيا و محليا .
-3- جعل مبدأ المحاسبة الديمقراطية قيمة أساسية في الحكم لتحقيق العقلانية و للرفع من مستوى الفعالية.
-4- إعادة النظر في الخارطة الإدارية بتقريب الإدارة من المواطن لتلبية حاجاته و تحقيق الاستقرار السكاني منعا للتهميش و الإحباط .
-5- جعل مبادرة التنمية المحلية متمحورة حول المجتمع المدني المحلي و الإدارة المحلية المنتخبة لتحقيق سلم أولويات الحاجات الإنسانية التي يجب أن تكون بالضرورة متوافقة مع الأولويات الوطنية .
-6- تطوير سياسة الجباية المحلية و التضامن الوطني لتمكين الإدارة المحلية من تطوير سياسات تنمية محلية عقلانية تتماشى و حاجات المواطنين و تطلعاتهم .
-7- خلق آليات مراقبة و مرافقة تسييرية في التسيير وطنية بهدف الرفع من مستوى الأداء الوظيفي للمؤسسات المحلية و الوطنية معا .
-8- إعمال آليات المتابعة القضائية عند وجود الفساد و التعسف مع المساعدة على تطوير صحافة محلية قدرة على تكريس الشفافية التسيرية على المستوى الجزئي .
فالتعقيد المؤسساتي ، القائم على المشاركة ، التمكين و التكامل يهدف أساسا لتحقيق أكبر قدر ممكن من الحاجات محليا و دون انتظار لمبادرات مركزية قد لا تكون مناسبة مع الأولويات المحلية . هذا هو لب فلسفة الدولة الذكية التي بدأت ولاية Queensland بأستراليا تطبيقها و الذي أصبح نموذجا عالميا يحتذى به .
(9) الجودة السياسية
من بين المفاهيم الجديدة التي أفرزتها العولمة السياسية نجد مفهوم الجودة السياسية التي تعني بمعناها البسيط بناء نظام حكم يقوم على الأداء الفعال ، على العقلانية ، على الشفافية ، على الديمقراطية المشاركتية ، على حقوق الإنسان ، و يؤمن بالتداول على السلطة ، بالتعددية، بالمحاسبة و بالجزاء .
فالجودة السياسية إذن هي نمط جديد للحكم ينطلق من حقوق المشاركة السياسية بأشكالها الثلاثة:
أما الشكل الأول فيقوم على -1- مشاركة سياسية دائمة تؤسس لهيكلة حزبية تعددية لها دور التأطير السياسي للمجتمع ، كما تلعب دور الرقيب في المعارضة و داخل السلطات التشريعية و القرارية. أيضا كما تتكون المشاركة السياسية الدائمة من مجتمع مدني فعال ، مستقل سياسيا عن السلطة السياسية و الأحزاب و يملك ذمة مالية خاصة تمكنه من المبادرة .
أما الشكل الثاني -2- فهو مرتبط بالمشاركة السياسية الدورية التي تقوم على حرية الترشح و المشاركة في إنتخابات حرة ، نزيهة ، تعددية و منتظمة حسب منظومة انتخابية قانونية و إجرائية تحدد شروط الترشح و الانتخاب و مدة العهدة و تضمن شفافيتها و حريتها و نزاهتها .
-3- أما البعد الأخير للمشاركة السياسية فهو البعد التمثيلي الذي يقوم على مركزية السلطة التشريعية في النظام السياسي ، بدورها الرقابي و محوريتها في التشريع و دورها الفعال في المساهمة في صناعة السياسيات العامة و في مراقبة السلطة التنفيذية ، هذا على المستوى الوطني . أما على المستويين المحلي و الجهوي فتقوم المجالس التمثيلية المنتخبة بالمبادرة في صناعة سياسات التنمية المحلية و الجهوية بما يحقق الأولويات النفعية لسكان هذه المناطق مع احترام مبادئ المشاركة و العقلانية في التسيير .
ونتاجا للمشاركة السياسية فنظام الجودة السياسية يعيد النظر في طبيعة النظام السياسي بتفضيل مركزية السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية ، بإعادة النظر في مفهوم الحصانة و بإعادة بناء فلسفة العقلانية ، بإعادة بناء منطق القانون حسب فلسفة حقوق الإنسان، و بإعادة محورة التنمية الوطنية حول أولويات تكاملية عمادها المحلي و ليس الوطني لتحقيق تنمية إنسانية متوازنة ، متكافئة و مستدامة. و هذا ما من شأنه أن يجعل من مشروعية النظام السياسي قائمة ليس على خطابات و لا رمزيات و لكن على مشاركة سياسية للمواطن من جهة و فعالية النظام السياسي من جهة أخرى .
فالجودة السياسية إذن هي حركية جامعة بين منطق المشروعية ، فلسفة التداول و عمليات الفعالية لبناء دولة الذكاء و الرشادة.
(10) العقلانية السياسية
من بين عناصر الجودة السياسية المرتبطة بالديمقراطية المشاركاتية و الفعالية حسب المنطق العولمي لحقوق الإنسان نجد العقلانية السياسية التي تعني في معناها البسيط قدرة النظام السياسي الوصول إلى مجموعة عمليات اتخاذ القرارات و صناعة السياسات العامة حسب منطق اقتصادي- مادي قائم على اختزال الزمن و اقتصاد المال و صرفه بصفة تحقق أكبر قدر من الخدمة العامة من جهة ، كما ترتبط العقلانية السياسية من جهة أخرى بفتح مجال لمشاركة كل الفواعل الاجتماعية ، السياسية و المؤسساتية بصفة تخلق عدد من الخيارات و البدائل السياسية و القرارية للرفع من مستوى النجاعة الوظيفية و الفعالية السياسية .
فالعقلانية السياسية، من هذا المنظور، تقتضي توفر مجمل الشروط التالية:
-1- ضرورة توفر تصور توافقي حول حقوق الإنسان على المستوى الوطني بشكل يجعلها تشكل مصدرا محوريا للتشريع تبني من خلاله أسس فلسفة الدولة و المجتمع .
2- وجود تصور توافقي لمفاهيم الخدمة العامة و الصالح العام .
-3- قدرة الفواعل السياسية و الاجتماعية من أحزاب و مجتمع مدني في التأثير في صناعة السياسات العامة و اتخاذ القرارات بتحولها لمصادر خيارات سياسية و قرارية و فواعل لتقييم مخرجات النظام السياسي من أجل تحسين الأداء الوظيفي و السياسي لنظام الحكم.
-4- توفير الكفاءة السياسية و الحنكة الديمقراطية الكفيلتين بترشيد وظائف النظام السياسي حسب منطق الفعالية ، اقتصاد الزمن و المال العام و تمكين المواطنين من حقوقهم .
فالعقلانية السياسية من هذا المنطلق هي مجموعة العمليات التي تجعل النظام السياسي أكثر حركية و فعالية و تحقيقا لحقوق المواطنين و حاجاتهم حسب منطق الإدارة بالجودة و الأهداف، و حسب منطق استشراف المخاطر و التهديدات كلها قبل بروزها و تفاقمها. فالعقلانية السياسية هي من معايير تقييم وقياس درجة جودة النظام السياسي ، مستوى نجاعته و فعاليته و درجة شدته الديمقراطية. فالنظام السياسي العقلاني يضمن في النهاية درجات عالية من العدالة الاجتماعية و السياسية من جهة، و الاستقرار السياسي المزمن من جهة أخرى .
(11) الحنكة السياسية
من بين الأبعاد الأكثر حيوية للجودة السياسية هي تلك المرتبطة بالحنكة السياسية كمنطق عقلاني في البناء الوظيفي للدولة الذكية. فالحنكة السياسية هي تلك العمليات المرتبطة بالاتصال السياسي الايجابي للنظام السياسي اتجاه البيئتين المجتمعية و الدولية و الهادفة ليس فقط للتلميع المجالي لصورة النظام السياسي و لكن لخلق حركيات تعبئة و دعم فعلية للخيارات السياسية و القرارية. فهذا الدعم ضروري لتقوية الظروف الداخلية المرتبطة بالمشروعية خاصة عندما يتعرض النظام السياسي لحركيات أزموية إقتصادية و إجتماعية أو سياسية .
كما تحتاج الحنكة السياسية أيضا لمجموعة من عمليات العقلنة السياسية المرتبطة بالتسيير الإيجابي للموارد العامة مع تحقيق حد عالي من الخدمة العامة .
فالحنكة السياسية ،إذن ،تقتضي مجموعة من الشروط التأسيسية و من بينها :
-1- وجود نظام ديمقراطي مشاركاتي قوامه الكفاءة و التنافس .
-2- توفر مجتمع مدني حركي و تعددية سياسية فعالة تساعد على إثراء الخيارات السياسية و القرارية للنظام .
-3- توفر أليات الشفافية و الرقابة و المساءلة و الجزاء .
-4- وجود آليات حرة للتعبير التعددي و الفعال.
فمن هنا فالحنكة السياسية هي منطق مرتبط بالكفاءة ، الفعالية ،العقلانية و الإستباقية في التعامل مع المصادر التأسيسية للأزمات بشكل يضمن عدم سقوط الدولة و المجتمع في معضلات التنمية السياسية و الإنسانية، التي قد تأثر سلبا على استقرارها الداخلي ، و تجانسها الاجتماعي و دورها الدولي . فالحنكة السياسية هي أيضا تعبير عن ثقافة سياسية ناضجة قوامها القانون و الحوار مع وجود منطق اجتماعي- سياسي يرفض احتكار السلطة و الرأي و يقر بالتقييم و التقويم من أجل التحسين المستمر في أداء النظام السياسي للرفع من درجة التمكين الإنساني و المواطني من الحقوق .
فالحنكة السياسية، هي في المحصلة الأخيرة، صفة مرتبطة بالنضج الديمقراطي، بالحس المواطنتي و بتوفر آليات دولة الحق و القانون الضامنة لمحورية المواطن في فلسفة الدولة و المجتمع.
(12) الفعالية السياسية
من بين المفاهيم المرتبطة بالجودة السياسية و الأداء الديمقراطي نجد مفهوم الفعالية السياسية الذي يعبر عن طبيعة الحركية الاجتماعية، السياسية و الوظيفية للنظام السياسي من حيث تكريسه لمفهوم محورية حقوق الإنسان، مركزية الحاجات الأساسية للإنسان المواطن في فلسفة الحكم و مدى قدرة هذا النظام على تحقيق تمكين كلي للإنسان من حقوقه حسب منطق جامع بين العقلانية السياسية و العدالة التوزيعية .
فالفعالية السياسية تقتضي مجموعة من الشروط التاسسية و منها:
(1).وضوح دستوري و قانوني و إجرائي تام حول ماهية حقوق الإنسان، ضماناتها، حدود و آليات تفعيلها و حمايتها.
(2).وجود نظام ديمقراطي مشاركاتي قائم على التداول، المراقبة، المساءلة و الجزاء .
(3).وجود مجتمع مدني يشكل قوة اقتراح و آلية أساسية مساهمة في حركيتي الشفافية و العقلانية.
(4).محورية الإنسان قي مسارات التنمية السياسية و الاقتصادية.
انطلاقا من هذه الشروط يمكن القول أن للفعالية أبعاد أساسية:
1-أما البعد الأول فيقوم على فعالية النظام السياسي على المستوى الاتصالي بقيامه بمجموعة من الوظائف التي تساعد على إيصال المعلومات في وقتها و بكل شفافية و على تقبل الطلبات المعبرة عن حاجات و رغبات و اقتراحات المواطنين للرفع من لأداء السياسي للنظام بجعله متفاعلا مع المجتمع حسب منطق المواطنة.
2-أما البعد الثاني فيقوم على فعالية النظام السياسي من حيث تحقيق حقوق المواطنة بجعله يضمن المشاركة السياسية التعددية بالسماح بوجود مجتمع سياسي فعال و مجتمع مدني حركي من جهة، و يساهم في تنظيم انتخابات حرة و نزيهة و تعددية و منتظمة حسب منطق الديمقراطية المشاركتية الضامن للتداول السلمي و المواطني للسلطة .
-3- أما البعد الأخير ، فيقوم على فعالية وظيفية هادفة لتحقيق حاجات المواطنين الأساسية سواء أكانت اجتماعية ،اقتصادية أو ثقافية وذلك بجعل حقوق الإنسان محورا صانعا للسياسات العامة للدولة وهدفا في أن واح.
فمن هنا فالفاعلية هي حركية وظيفية تنطلق من حقوق الإنسان –المواطن و تهدف لتحقيق حاجاته الأساسية السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية بصفة تضمن للدولة الاستقرار و للمجتمع الرفاه .(13) المشروعية السياسية Légitimité Politique
تشكل المشروعية السياسية أحد المفاهيم المحورية في العلوم السياسية خاصة بالنظر لارتباطها (كمفهوم ) بالحقوق المدنية و السياسية ، بمفهوم المواطنة و بالمشاركة السياسية الديمقراطية و بالتدول. فالمشروعية السياسية (كمعنى و محتوى ) قد تغيرت كثيرا في ظل العولمة السياسية إذ لم تعد قائمة ، بصفة حصرية ، على وجود مصادر متفق عليها من طرف المجتمع سواء أكانت قائمة على التوريث كما هو في الملكيات ، أو على القدرة الخطابية و الشخصية الكاريزمية في الأنظمة الشمولية و التسلطية أو على وجود خيارات عقلانية عن طريق تنظيم انتخابات حتى و إن كانت شكلية .
فالمشروعية السياسية ، بمعناها العولمي تقوم بالإضافة لحصر الشروط التأسيسية لها في وجود انتخابات حرة ، نزيهة تعددية و منتظمة بقدرة النظام السياسي على أداء وظائفه بفاعلية و أمانه و ذلك بتحقيق أكبر قدر ممكن من الحاجات الإنسانية حسب فلسفة التمكين الحقوقي المرتبطة بالعدالة التوزيعية للموارد و القيم الاجتماعية ،و سياسية و القانونية .
فالمشروعية السياسية ، بمعناها العولمي، تشترط مجموعة من الشروط التأسيسية و منها :
-1- وجود هيكلة دستورية، قانونية و إجرائية لتنظيم و إجراء انتخابات حرة، نزيهة، تعددية و منتظمة بصفة تجعل المواطن و مشاركته السياسية منطقا حركيا محددا للتداول السياسي.
-2- وجود تعددية حزبية تضمن التداول على السلطة مع توفرها للقدرة على المعارضة الايجابية للسلطة التنفيذية لضمان الرقابة و المساءلة .
-3- وجود صحافة حرة ،نزيهة و تعددية تضمن الشفافية.
-4- وجود كفاءة سياسية و عقلانية ترفع من الأداء و الفعالية السياسية للنظام السياسي بما يحقق تمكين كلي للإنسان من حقوقه وحاجياته
.
-5- وجود ضمانات دستورية ، قانونية ، إجرائية و سياسية تمنع من التعدي على حقوق المواطنين مع حماية الدور المواطني المنتج لنظام ديمقراطي مشاركاتي .فالمشروعية السياسية ،إذن ، تتمثل في بعدين :
أمل البعد الابتدائي فيقوم على تفعيل حقوق المشاركة الديمقراطية القائمة على وجود تعددية حزبية ، مجتمع مدني فعال ، و تنعكس في انتخابات حرة ، نزيهة ، تعددية و منتظمة مع وجود سلطة تشريعية تضمن الرقابة على السلطة التنفيذية .
أما البعد الثاني فيضمن استمرار مسار المشروعية عن طريق الفعالية التي تعني تمكين الإنسان من حقوقه و حاجاته في ظل دولة الحق و القانون .( 14) الديمقراطية المشاركاتية
من بين القيم الأساسية للعولمة السياسية هي تلك المرتبطة بتمكين الإنسان –المواطن من حقوقه السياسية و المدنية المرتبطة بكينونته الإنسانية من خلال تفعيل حركية المشاركتة السياسية لتجعل النظام السياسي متمحورا حول المواطن وخادما لحاجاته الاجتماعية ،الاقتصادية ،الثقافية و السياسية .
فالهدف من هذه الحركية التأسيسية و الشاملة هو التأصيل لنظام الديمقراطية المشاركاتية القائمة على أسس قيمية عالمية تعيد النظر بالضرورة في طبيعة النظام السياسي ،فلسفته، فواعله ، و منطقه. فالديمقراطية المشاركاتية تجعل من حقوق الإنسان المنطق الفلسفي و التأسيسي الأول الذي يقيم دولة عمادها الحقوق قبل القانون ،و تجعل من أمن الإنسان بعدا محوريا في أمن الدولة ، و تجعل من السلطة التشريعية عمادا محوريا للنظام السياسي و تجعل في النهاية النظام السياسي خادما للمواطن ، و المواطن و حاجاته مصادر المشروعية ومعايير قياس مستوى فعالية النظام السياسي و درجة ديمقراطيته .
فالديمقراطية المشاركاتية تقوم بالأساس على 5 مبادئ كبرى :
(1)- ضرورة إقامة دولة تؤمن بالحق في الديمقراطية التي مصدرها الفلسفة العالمية لحقوق الإنسان .
(2)- ضرورة تطوير و بناء دولة الحق و القانون يجعل الإنسان و حاجاته أساس منطق الحكم و العدالة .
(3)- ضرورة جعل المجتمع المدني الحلقة الاتصالية الأولى بين المجتمع و النظام السياسي .
(4)- ضرورة تطوير مفهوم الشفافية المرتبطة بالتعددية الحزبية و بحرية الصحافة .
(5)- ضرورة جعل المساءلة القانونية و المؤسساتية مرتبطة بالأساس بتقييم و تقويم السلطة التنفيذية و الهياكل القرارية المحلية بما يخدم حاجات المواطن .
فمن هنا فالديمقراطية المشاركاتية لا تنحصر فقط في وجود تعددية حزبية أو وجود شبكة جمعوية ، و انتخابات و قواعد قانونية و دستورية تنص على قوائم حقوق الإنسان و لكن أكثر من ذلك فهي تجعل من مشاركة المواطن الدائم في الاتصال السياسي، في الرقابة و المحاسبة أهم الشروط المنتجة للحكم الصالح المحقق لتنمية إنسانية مستدامة .
(15) الشفافية السياسية
من بين الإفرازات الجديدة للعولمة السياسية هي تلك المرتبطة بالشفافية السياسية كمنطق تسييري معبر عن مدى نضج النظام السياسي و درجة تفتحه على المجتمع و كذلك مستوى تجذر الحريات العامة فيه .
فالشفافية السياسية لا تعبر فقط عن مدى قدرة النظام السياسي على بناء اتصال تفاعلي مع المجتمع بجعل الحق في الإعلام حقا فاعلا و فعليا ، ولكن أيضا في وجود عدد من الميكانيزمات التي تفرض الرقابة و التحقق من السياسات و القرارات بإسم المواطنين و حسب منطق دولة الحق و القانون.
فالشفافية السياسية، من هذا المنظور تحتاج لمجموعة من الشروط التأسيسية و هي :
-1- بناء دولة الحق و القانون
-2- وجود تعددية إعلامية تتميز بالاستقلالية المهنية و النزاهة .
-3- وجود آليات رقابة و مساءلة مؤسسة في السلطتين التشريعية و القضائية.
-4- وجود مجتمع مدني يشكل الضمير الحي للمجتمع و يلعب في آن واحد حركية اجتماعية تساعد على الرقابة و التأثير الفعلي في عمليات صناعة السياسات العامة و القرارات.
فالشفافية السياسية هي أحد أبعاد الجودة السياسية المعبرة عن مستوى النضج الديمقراطي و درجة محورية الحنكة السياسية فيه. يقوم هذا النوع من الشفافية على 04 أبعاد أساسية:
-1- آليات الإعلام، الاستعلام و التحقيق
-2- آليات الرقابة و المساءلة
-3- آليات المسؤولية بالجزاء
-4- آليات التدقيق و التحسين الديمقراطيين.
فمن هنا فالشفافية السياسية ، كمنطق تسييري ، يرفع من درجة تفتح النظام السياسي على المشاركة ، و كعمليات تعبر عن رغبة النظام السياسي في الرفع من أدائه و فعاليته ،و يقوم على حركية اجتماعية قانونية ، إجرائية و إعلامية تساعد على التحسين من شدته الديمقراطية المشاركاتية .
(16) التعددية السياسية
من بين المفاهيم المرتبطة بالديمقراطية المشاركاتية نجد مفهوم التعددية السياسية ، الذي لا ينحصر فحسب في وجود عدد من الأحزاب السياسية و لكن أيضا بقدرة هذه الأحزاب على بناء تصورات لبرامج الدولة و المجتمع تتميز عن بعضها البعض و معبرة بذلك على نضجها ، عن فعاليتها و عاكسة بالضرورة لمستوى تفاعلها مع المجتمع .
كما أن التعددية السياسية، إضافة لبعدها الحزبي ، تقتضي وجود مجتمع مدني تعددي يتعدى مجرد كونه كتلة جمعوية ذات وظائف تعبوية ليكون مجتمعا مدنيا مستقلا عن النظام السياسي و الأحزاب و قادرا لأن يكون قوة اقتراح اجتماعية وقوة ضغط سياسية مؤثرة على الخيارات السياسية و القرارية لنظام السياسي .
فالتعددية السياسية ،بمعناها الايجابي و الفعال تقتضي الشروط التالية :
(1)- وجود تصور دستوري و قانوني يسمح بحركية سياسية داخل و خارج السلطة مع إلغاء الشروط القمعية ، القهرية ،القصرية التي تحد من نشاط الأحزاب و قدرتها على فرض التداول و الرقابة .
(2)- وجود ثقافة سياسية تكرس قيمة المعارضة و ترفض التدجين أو التهجين السياسيين للأحزاب و الجمعيات المدنية .
(3)- وجود صحافة حرة قادرة على نشر البرامج السياسية للأحزاب كما يخلق مجالا إعلاميا حرا و فاعلا ينمي النضج الديمقراطي للنخب و الموطنين على حد السواء.
(4)- وجود هيكلة سلطوية تكرس الدور المحوري للسلطة التشريعية المنتجة للحكومات و المراقبة لها .
فالتعددية السياسية ، إذن لا تعبر فقط على مجموعة من الأحزاب أو كتلة من الجمعيات ، و لكن هي بالأساس مؤسسة و معبرة في أن و احد لثقافة الاختلاف ، الحوار ، التلاقح الفكري و السياسي. كما أنها تكرس التنافس السياسي من أجل تطوير آليات العقلانية السياسية ، الرشادة الديمقراطية و الحكم الراشد بما يخلق في النهاية نظاما سياسيا يؤمن بالتداول ، بالرقابة ، بالشفافية ، بالمحاسبة و الجزاء. فالتعددية السياسية تؤسس للمشروعية السياسية بالانتخابات و الفعالية من جهة، كما أنها تؤسس أيضا لمنطق حكم يكرس حقوق المواطنة و يؤمن بالحريات العامة و يقدسها بما في ذلك حرية الرأي و التعبير و حرية المعارضة المؤسسة لحركيات التغيير السياسي حسب هندسة انتخابية تعددية تعكس طبيعة المجتمع و تبنى من خلالها ثقافة سياسية مواطنية و ديمقراطية .
فالتعددية السياسية إذن هي الركيزة الأساسية لنظام الديمقراطية المشاركاتية التي تجعل من المواطنة منطلقا لها و من حقوق الإنسان قيمتها المركزية .
(17) المجتمع المدني
يتم التركيز في ظل العولمة السياسية، و من خلال كل برامج الإصلاح السياسي الخاصة بالمجتمعات الصاعدة ، على ضرورة تفعيل المجتمع المدني كقيمة اجتماعية معبرة عن درجة انفتاح النظام السياسي على المجتمع ، كما أنه يعبر أيضا على مدى تكريس هذا النظام لحقوق المشاركة السياسية المؤسسة لدولة مدنية عمادها حقوق الإنسان العالمية .
فالمجتمع المدني بهذا المنظور هي قيمة اجتماعية و فاعلا اجتماعيا في آن واحد يتكرس في شبكة جمعوية تتميز بالخصائص التالية :
(1)- استقلالية وظيفة و عضوية عن النظام السياسي و الأحزاب بشكل تحولها إلى قوة اقتراح و آلية لضبط الشفافية و فرض الرقابة المجتمعية على البنى السلطوية و المؤسساتية للدولة .
(2)- استقلالية الذمة المالية لكي لا تكون عرضة للتوظيف أو التدجين السياسيين و لكن هي تحافظ على صفتها المدنية المعبرة على المواطنة المستقلة و المسؤولية .
(3)- كما تتميز أيضا بالنضج الديمقراطي و بالحس المواطني بصفة تجعلها عماد الديمقراطية المحلية و فاعلا محوريا في الديمقراطية المشاركاتية .
(4)- المجتمع المدني بكونه شبكة من الجمعيات تتميز بالاختصاص الوظيفي سواء في ما يخص البيئة ، الصحة ، الثقافة و غيرها مما يجعلها قادرة على أن تكون شريكا و وظيفيا للقطاع الوزاري الذي يقابلها بما يسمح بتوسع احتمالات اتخاذ القرارات الأكثر توافقا مع الحاجات الخاصة بالمجتمع في الميدان المعين و هذا ما سيرفع أيضا من حركية التنمية الإنسانية المستدامة ، كما ستؤدي أيضا لتعميق النضج الديمقراطي في الدولة و المجتمع.
لكي نطور مثل هذا المجتمع المدني، الذي يشكل الرأسمال الاجتماعي المعبر عن درجة الوعي الجماعي للدولة و المجتمع مما يقتضي بالضرورة مجموعة من الشروط ومنها:
-1- ضرورة تفعيل الدولة للهيكلة الحقوقية العالمية بما يكرس مفاهيم المواطنة ، الديمقراطية المشاركاتية ، الحاجات الإنسانية ، التدقيق الديمقراطي و الجودة السياسية .
-2- وجود قواعد قانونية مرنة تساعد على تطوير المجتمع المدني دون عرقلة سواءا فيما يخص النشاط ، التمويل أو الاستفادة من التجارب العالمية .
-3- وجود سياسة اتصالية تعددية تساعد على خلق حركية للتلاقح الفكري الضروري لبناء الحوار عن طريق تكريس فلسفة الاختلاف التي تشكل عماد الديمقراطية المشاركاتية .
فمن هنا فالمجتمع المدني هو أداة لتجسيد الديمقراطية كما أنه فاعلا في العقلانية السياسية و عنصرا محوريا في الرشادة السياسية. فمن هنا فبناء الدولة ما بعد الحداثية تستدعي بالضرورة دعم هذا المسار المدني حسب دينامية جامعة بين منطق الدولة و حاجات الإنسان – المواطن .
(18) الديمقراطية المحلية
تشكل الديمقراطية المحلية أحد المفاهيم الأكثر ارتباطا بالديمقراطية المشاركاتية بجعل المشاركة السياسية للمواطن في اتخاذ القرارات المحلية ضمانا أساسيا لبناء نظام سياسي عماده الموطنة ، المشاركة السياسية و الشفافية .
فالديمقراطية المحلية بهذا المنظور تقوم أساسا على ضرورة تقريب الإدارة من المواطن و جعلها في خدمته حسب منطق الصالح العام ، ودوما منفتحة على حاجاته ، أولوياته و رغباته بتطوير شبكة اتصالية مادية وجوارية، و أخرى افتراضية –معلوماتية تتخصص في إعلام المواطنين بكل المستجدات العملية من جهة، مع فتح آليات مشاركاتية في تقديم البدائل القرارية و الاقتراحات المحلية .
فالديمقراطية المحلية تقتضي بالتالي توفر مجموعة من الشروط و منها:
(1)- هيكلة دستورية تكرس الاستقلالية القرارية للمكون المحلي ( البلدية مثلا ) لتجسيد الأولويات التنموية المحلية .
(2)- تمكين المؤسسات القرارية المحلية من الموارد المالية الضرورية بالسماح لها بتطوير سياسة جباية محلية قوامها العدالة و الفعالية .
(3)- وجود إطارات ذات كفاءة عالية و متخصصة و بإمكانها أن ترفع من مستوى جودة الإدارة المحلية بما يحقق أكثر قدر من العقلانية الإدارية الجامعة بين التسيير العقلاني للمال العام مع تحقيق أعلى مستويات التنمية المحلية و الإنسانية.
(4)- وجود قواعد قانونية و إجرائية واضحة تحدد طبيعة العلاقات الوظيفية بين المكون المحلي و باقي العناصر المكونة للدولة.
(5)- ضرورة وجود مؤسسات للتدقيق المالي المحلي و آليات للرقابة المدنية و القضائية و الإدارية على تسيير الشأن العام المحلي.
من هنا يظهر جليا أن الديمقراطية المحلية تجعل من المواطن و حاجاته ركيزة أساسية لدولة الجودة السياسية، كما تجعل من المجتمع المدني الفاعل الأكثر حيوية في التفاعل المشاركاتي للمجتمع المحلي مع آليات ومؤسسات الحكم المحلي. فالديمقراطية المحلية ،هي حلقة أساسية أيضا في دينامكية الدولة المنطقية التي تهدف العولمة السياسية لإقرارها و تجسيدها .
(19) الانتخابات الديمقراطية
تشكل الانتخابات تفعيلا لمجموعة من الحقوق المدنية و السياسية للمواطنين التي أسسها النسق الحقوقي العالمي انطلاقا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) و العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية (1966) ووصولا لإعلان و برنامج عمل فيينا (جوان 1993) الذي أعمل حركية عولمة حقوق الإنسان و الديمقراطية .
فالانتخابات هي بالتالي تفعيل حركي للحق في الترشح و التصويت بصفة منتظمة على خيارات تعددية. فعقلنه الخيارات ، بالمنطق الديمقراطي ، تستدعي مجموعة من الشروط و منها : الحق في إنشاء و الدخول في الجمعيات المدنية و الأحزاب السياسية، و الحق في حرية التفكير و التعبير و التجمع و الدفاع عن القناعات السياسية و الفكرية.
فتوفر الحركيات الدستورية و القانونية و الإجرائية الضامنة لهذه الحقوق و الحريات لا تكفي و حدها، إذ أنها تستدعي تفعيل مجموعة من الآليات السياسية و الإعلامية و القضائية الكفيلة بتحقيق أكبر قدر من التمكين الحقوقي للمواطنين بشكل يجعله محورا مركزيا لفلسفة الدولة و النظام السياسي
فمن هنا فالانتخابات الديمقراطية ، كما تعرفها المعايير المتعارف عليها عالميا سواء من طرف برنامج الأمم المتحدة للتنميةPNUD) )، برنامج إدارة و تمويل الانتخاباتACE) )، منظمة الأمن و التعاون في أوربا (OSCE) و غيرها، تقتضي توفر أربعة محددات أساسية للانتخابات لتوصف بالديمقراطية و هي ، الانتظام ،التعددية ، الحرية و النزاهة .أما الانتظام فيقصد به احترام النظام السياسي لمدة العهدة المحددة دستوريا دون افتعال أسباب و ظروف “استثنائية ” لتبرير تأجيل الاستحقاقات الانتخابية ، خاصة عندما تكون الدولة لا تعرف حالات من الاضطرابات الاجتماعية و السياسية . فالانتظام ، من هذا المنظور، هو إحترام للعهد الانتخابي المحدد مجاليا و المعبر عن حق المواطنين في تفعيل حقوقهم لإحكام شروط التداول أو التغيير .
أما التعددية ، فهي بالأساس تعبر عن حق المواطنين في الترشح في إطر حزبية أو كمستقلين . فالتعددية هي شرط لصيق بالديمقراطية، فغيابه يعني غياب الصفة الديمقراطية عن الانتخابات. و التعددية شكلان: تعددية فعلية و أخرى صورية. فأما التعددية الفعلية فهي تقوم على توفير تنافس حر دون تمييز بين الفواعل السياسية مع غياب أي شكل من أشكال التقييد للمبادرات الحزبية أو الخاصة للمواطنين. فهي قائمة على مبدأ التساوي الفعلي في الفرص السياسي. و أما التعددية الصورية (كحالات سوريا و تونس مثلا ) فهي تقوم على هيمنة حزب السلطة و إن دخلت أحزابا “موجهة ” أو “ديكورية” ، لإضفاء نوعا من المصداقية على هذه الاستحقاقات، فهي ديمقراطية مظهرية يغيب عنها جوهر و روح الديمقراطية التي عمادها الحرية و المواطنة .
أما الحرية فهي تعبير عن مجموعة من الشروط الكفيلة بالمساعدة على بناء خيارات عقلانية تقدم للمواطنين من أجل إرشادهم لانتقاء المرشحين الكفيلين بإحداث الفعالية التشريعية و التنفيذية الضروريتين لإنتاج الأمن و الرفاه . فالحرية تعني بالأساس حرية التعبير و التفكير و المبادرة ، مع ضرورة غياب أي شرط أو فعل يحدث الإكراه أو التوجيه القصري لخيارات المواطنين . فالديمقراطية تقوم على القناعة و الإقناع ، على الاختلاف و الحوار و على تعددية الأفكار و قنوات التعبير عنها .
فالحرية تستدعي أيضا وجود مجال حر للصحافة تبتعد عن الموسمية و المظهرية. فالديمقراطية ليست مجرد فلكلور انتخابي قائم على الشعبوية و الوعود الزائفة و التجمهر أيام الحملات الانتخابية في التجمعات العامة و في الإذاعة و التلفزيون ، بل هي ممارسة يومية لإثراء النقاشات العامة حول هموم و آمال و آلام المواطنين لتشكيل حلقة اتصالية إضافية بين الحاكم و المحكومين من جهة ، و آلية فعلية لديمقراطة الثقافة السياسية المتمحورة حول حقوق الإنسان و المواطن و الفعالية و المحاسبة .
أما شرط النزاهة فهو قائم بالأساس على جعل التنافس شريف و عادل بين الفواعل السياسية لإقرار قدسية حقوق المواطنة و الصوت الانتخابي للمواطن . فالنزاهة من هذا بالمنظور تشمل على مجموعة من العمليات و التي تقوم بالأساس على بناء مصداقية الانتخابات بعدم التلاعب بالقوائم الانتخابية و عدم التلاعب بصناديق الاقتراع ،عدم تزوير محاضر الفرز و الاحترام الشامل لنتائج الصندوق .
فالنزاهة تقتضي بالأساس الحياد الإيجابي للإدارة المنظمة و المشرفة على العمليات الانتخابية ،و الذي هو بحد ذاته التزام للنظام السياسي بقواعد الديمقراطية و التداول .
فالانتخابات الديمقراطية ، من هذا المنظور تقتضي توفر مجموعة من القواعد و الآليات الضامنة لحقوق المواطن و المسهلة لديمقراطية الانتخابات و منها بالأساس تجريم التزوير ، احترام الحق المتساوي للمترشحين في الإعلام و المعلومات ، الرقابة لمواطنية و المؤسساتية للعمليات الانتخابية إبتداءا من إحصاء الناخبين لغاية الترسيم الدستوري للنتائج .
كما تقتضي أيضا الفعالية الديمقراطية إضافة لهذه الشروط التأسيسية ، التشجيع على تداول النخب بفتح مجال المشاركة السياسية للنخب المثقفة حسب قاعدة الكفاءة و الاستحقاق المنتجة للسياسات الاقتصادية و الاجتماعية المحققة لأكبر قدر من التنمية الإنسانية المستدامة و الأمن الإنساني. فعولمة حقوق الإنسان و الديمقراطية تستدعي بالإضافة للانتخابات و تعددية الأحزاب و المجتمع المدني عولمة المعرفة و الكفاءة أيضا .
(20) الحكم الراشد
من بين المفاهيم الأكثر تسويقا في ظل العولمة السياسية نجد الحكم الراشد (أو الحكمانية ، الحكمية عند البعض أو فلسفة إدارة شؤون الدولة و المجتمع عند البعض الأخر ). فاحكم الراشد و إن كان مرتبطا من حيث المنطق العولمي بسياسيات البنك العالمي (منذ 1989) الهادفة لترشيد النفقات العمومية بعيدا عن الفساد الإداري و التسييري، فإن الحكم الراشد كقيمة أصبحت لصيقة بكل أبعاد العولمة السياسية التي تهدف لبناء أنموذجا سياسيا جامعا بين حقوق الإنسان وحاجاته ، الديمقراطية المشاركاتية ، اللامركزية الوظيفية القائمة على المبادرة المحلية الناجعة ، و العقلانية في إدارة الموارد و الوقت .
فالحكم الراشد كفلسفة تسيير، مكملة للديمقراطية المشاركاتية لبناء نظام الرشادة السياسية، تقتضي مجموعة من الشروط الأساسية و هي :
(1)- وجود دولة الحق و القانون .
(2)- وجود تعددية المجتمع المدني و فاعليته .
(3)- وجود تعددية الرأي و التعبير الحر .
(4)- استقلالية القضاء و فعالية العدالة .
(5)- وضوح مفاهيم الخدمة العامة و الصالح العام في الخطاب السياسي الرسمي و العام .
(6)- توفر آليات الرقابة السياسية المؤسساتية و المدنية القادرة على فرض الشفافية و الجزاء .
فمن هنا فالحكم الراشد هو النظام القائم على المنطلقات المرتبطة بمجموعة من القيم الديمقراطية: الفعالية و النجاعة و العدالة في التوزيع المادي و القييمي، كما أنه الأساس الذي تبنى من خلاله دولة الجودة السياسية التي تمكن المجتمع من التفاعل التعاوني بين القطاع العام والقطاع الخاص و المجتمع المدني في ظل توفر شروط التنافس الاقتصادي الشريف و في ظل توفر شروط الارتقاء الاجتماعي القائمة على الكفاءة (compétence ) و الاستحقاق (le merite) و ليس على الرداءة (mediocrité ) و لا على المحسوبية nepotisme .
فالحكم الراشد، و إن كان ضامنا للعقلانية في التسيير، فهو أيضا منطقا مسهلا لبروز الكفاءات الوطنية التي تمكن الدولة و المجتمع من الخروج من التخلف و الفساد على المستويين السياسي و التسيري .
فالحكم الراشد إذن كما لخصه أب النهضة الماليزية ووزيرها الأول الأسبق الدكتور ماهاتير محمد هي فلسفة تجمع بين التسيير بشفافية باشتراك المواطن في إدارة الشؤون الدولة و المجتمع و عن طريق الحكم بأمانه لمدة زمنية معينة خدمة للصالح العام بمنطق الخدمة العامة الهادفة لتنمية محققة لحاجات المواطنين بصفة عادلة ، فبدون الشفافية ، الأمانة و العدالة. فلن تكون الدولة مهما كانت مواردها قادرة على تحقيق تنمية الدولة و لا المجتمع و لا الإنسان.
فرشد حكم الأنظمة يقاس بهذه المعايير الثلاثة (الشفافية ، الأمانة و العدالة ) .
(21) الرشادة السياسية
تعد الرشادة السياسية من بين الأبعاد الأكثر محورية و فعالية في بناء النظام السياسي العولمي حسب المنطق النيوليبرالي الذي يجعل من حقوق الإنسان المنطلق و من العقلانية الإطار العملياتي و الإجرائي الضامن للنجاعة و الفعالية من اجل تحقيق مستوى تمكين عالي للإنسان من حقوقه .
فالرشادة السياسية هي فلسفة حكم و تسيير تجعل من الإنسان المواطن فاعلا مركزيا في بناء الدولة و المجتمع، و في نفس الوقت موضوعا لكل العمليات العقلانية الحدية و محورا في فلسفة الغايات للدولة و المجتمع. إذ يشكل الإنسان وحاجاته منطقا ذاتيا مشكلا للخارطة النفعية للنظام السياسي .
فالرشادة السياسية ،حسب هذا المنطق تشترط 4 أساسيات كبرى و هي :
(1)- جعل منطق الدولة متمحورا حول حقوق الإنسان ،كرامته و حاجاته .
(2 )- جعل المنطق مكرسا لهذا المنطق الحقوقي، حاميا له و مدعما له.
(3)- بناء نظام ضمانات لمحورية الإنسان المواطن و حقوقه ببناء نظام سياسي قائم أساسا على التعددية، التداول ، الشفافية، الأمانة و المسؤولية بالجزاء .
و أخيرا جعل النظام السياسي هادفا للتحقيق الكلي و المتكامل للحاجات المرتبطة بذات الإنسان بشكل يحقق أمنه و يوسع من مفهومي أمن الدولة و أمن الوطن.
و بناءا على ذلك فالرشادة السياسية تجمع بين ثلاثة أبعاد أساسية :
* البعد الأول مرتبط بحقوق الإنسان المنشئة لدولة الحقوق و القانون الضامنة لتفاعل ايجابي ، عقلاني و فعال بين الحاكم و المحكومين .
*البعد الثاني مرتبط بالديمقراطية المشاركاتية التي عمادها حقوق المواطنة التي تؤسس لعمليات مراقبة و مساءلة وجزاء لمن يحكم من طرف مؤسسة تشريعية مستقلة تتميز بالكفاءة و المبادرة ، ولها القدرة على التأثير على السياسات العامة و توجيه السياسية الداخلية و الخارجية للدولة بما يتماشى و مفهومي الخدمة العامة و المصلحة الوطنية .
*أما البعد الأخير فهو مرتبط بالحكم الراشد الذي يقوم على إشراك القطاع العام ، القطاع الخاص و المجتمع المدني بشكل يجعل النظام السياسي يقوم على الشفافية و التسيير بأمانة و يهدف لتحقيق التنمية الإنسانية المستدامة بعقلانية و بمنطق العدالة التوزيعية .
فالرشادة السياسية إذن ، هي فلسفة معيارية تهدف لبناء دولة منطقية تعمد على تمكين الإنسان من حقوقه حسب منطق الديمقراطية المشاركاتية، الحكم الراشد وفلسفة حقوق الإنسان .
(22) الدولة المنطقية
تعد الدولة المنطقية من التصورات الجديدة حول التنظيم السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي للمجتمعات بما يتوافق مع المنطق الحركي ، المعقد و المتشعب للعولمة السياسية. فالدولة المنطقية تستقي صفتها “المنطقية ” من مدى قدرتها على تكييف هياكلها الداخلية القانونية ، الإجرائية ، الدستورية و التنظيمية على كل المستويات : الفردية و الجماعية ، المؤسساتية و السلطوية و في كل النشاطات الإنسانية: اللإقتصادية، الإجتماعية ، السياسية ، الثقافية ، الدينية بل وحتى الرياضية بما يتماشى و المنطلقات القيمية و المعيارية للعولمة .
فالدولة المنطقية من هذا المنظور هي نموذج للدولة المعولمة و المتوافقة مع المنظور النيوليبرالي للتنظيم السياسي ، الاقتصادي ، الاجتماعي و الوظيفي. فهي من هذا التصور تحتوي على 05 أبعاد كلية :
(1)- دولة تقوم على حقوق الإنسان و تعمد على تحقيق أعلى مستويات التمكين الكلي للمواطنين من حقوقهم المدنية، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، و الثقافية.
(2)- بناء نمط حكم يقوم على مركزية المواطنين و اختياراتهم و قناعاتهم حسب نمط دستوري ، مؤسساتي و انتخابي يتماشى و طبيعة الدولة و المجتمع .
(3)- بناء نظام اقتصادي قائم على الحق المتساوي في المبادرة الاستثمارية للفواعل الوطنية (قطاع خاص أو عام ) و الأجنبية بصفة تخلق أكبر اندماج للدولة المنطقية في الاقتصاد العالمي .
(4)- بناء عدالة تتميز بالاستقلالية ، الشفافية ، الفعالية وكذلك التوافق من حيث المنطلقات القانونية مع القيم و المعايير النمطية في ظل العولمة بمجمل مساراتها العالمية المتشابكة .
(5)- و أخيرا تمكين الأقليات الدينية ، اللغوية و العرقية و كذلك النساء من حقوقهم الخاصة لخلق دولة منطقية عمادها العدالة التوزيعية و التساوي في الفرص .
و من أجل بناء هذه الدولة المنطقية يجب توفير مجموعة من الشروط و منها:
-1- بناء دولة الحق و القانون .
-2- وجود نظام الديمقراطية المشاركاتية .
-3- وجود تصور توافقي للنظام السياسي و المجتمع حول تخطي الخصوصية و النسبية للاندماج في العولمة ،دون فقدان الذات الحضارية –كما يقول المفكر الماليزي Chandra Muzzafar .
-4- و أخيرا قدرة الأنظمة السياسية الخاصة بالدول الصاعدة على تبني الإصلاحات الضرورية دون تدخل أجنبي مخل بالتجانس الاجتماعي أو بالاستقرار السياسي للدولة
و التي تهدف لخلق فواعل وطنية أكثر اندماجا مع منطقها (أي مع منطق العولمة ) بما يسمح بجعل السيادة و الحدود مفاهيم تاريخية أكثر من أن يكون واقعا متعايشا بما يخدم المنطق التنميطي و الإدماجي للعولمة .23 – الدولة الذكية
من بين المفاهيم الجديدة التي أفرزتها العولمة نجد مفهوم “الدولة الذكية “بالانجليزية Smart Stateأو l’Etat Intelligent باللغة الفرنسية ،و الذي أصبح يطبق و لأول مرة منذ أقل من سنة في ولاية Queensland بشمال شرق أستراليا. فالدولة الذكية يراد لها أن تكون أنضج تصور للدولة المنطقية التي تهدف العولمة بمساراتها المتشابكة لتحقيقها .
فالدولة الذكية تستقي تسميتها من طبيعتها التي تقوم على المكونات السبعة التالية:
(1)- دولة تقوم على المشاركة الديمقراطية التي يعد المجتمع المدني الفاعل المركزي و الأكثر تأثيرا في صناعة السياسات العامة أو في بناء التصورات القرارية .
(2)- وجود قنوات اتصال تعددية تساعد على خلق تفاعل بين السلطات و الإدارة من جهة و المواطنين من جهة أخرى بشكل تصبح الدولة شفافة و مسئولة أمام المواطنين.
(3)- وجود سلطة قضائية لها الحق في فرض الجزاء القانوني و الجنائي على كل مسؤول مهما كان المنصب الذي يشغله .
(4)- قيام الفلسفة التسيرية للدولة على الحكم الراشد .
(5)- قيام الدولة بكل مكوناتها السلطوية و المؤسساتية على منطق العقلانية السياسية الهادفة لتحقيق أكبر قدر ممكن من حاجات و متطلبات الإنسان بأقل تكلفة وأقصر وقت .
(6)- قيام الدولة الذكية على مركزية حقوق الإنسان العالمية .
(7)- و أخيرا وجود رقابة مواطنية على عمل السلطات السياسية و القرارية مع بناء شبكات اتصالية تربط المواطنين بالمسؤولين في ظل الديمقراطية الكترونية التي تعمق من مفهوم الديمقراطية المشاركاتية .
فمن هذه المكونات، يمكن القول أن الدولة الذكية تصبو لتحقيق الأهداف التالية:
-1- الرفع من مستوى مشاركة المواطنين السياسية و كذلك مساهمتهم في توجيه الخيارات السياسية للدولة من أجل تحقيق تنمية متمحورة حول حقوق الإنسان حاجاته و مقتضياته .
-2- الرفع من الأداء الوظيفي للدولة حسب منطق الخدمة العامة و دون هدر للموارد العمومية مع خلق آليات لإلغاء شروط الفساد السياسي ، الإداري أو التسيري .
-3- الرفع من مستوى شفافية الإدارة و سلطات النظام السياسي بما يخلق مصداقية أعمق لها ، مع خلق آليات رادعة للفساد ورافضة للرداءة أو المحسوبية .
فمن هنا فالدولة الذكية ، هي تعبير عن رغبة ديمقراطية في تعميق الأداء الوظيفي للأنظمة السياسية و هياكلها الإدارية بما يحقق مستويات عليا من الشفافية و من العقلانية ، من الرقابة ، و من الفعالية و من التحقيق الكلي لحقوق الإنسان و حاجاته .
24- الدولة الفاشلة
من بين المفاهيم الجديدة في العلوم السياسية و العلاقات الدولية في ظل العولمة نجد مفهوم “الدولة الفاشلة”. فالدولة الفاشلة مفهوم يعبر عن الدرجة العليا لأزمة متعددة الأبعاد تعيشها الدولة :على مستوى ضعف التنمية الإنسانية ، ضعف التجانس الاجتماعي ، غياب دولة القانون ، غياب الديمقراطية ، مع انتشار الفساد ،و التهميش ، الفقر ، المرض ، بل وحتى أحيانا المجاعة و العنف السياسي .
فالدولة الفاشلة بهذا المنظور هي حالة من استعصاء أزمات الهوية ، المشاركة ، المشروعية و التوزيع مع عدم قدرة النظام السياسي على فرض سلطة القانون على كل مواطن و على كل شبر من الوطن. فهي حالة دولة تعيش خارج مسارات العولمة و خارج الحركية ما بعد الحداثية القائمة على : الديمقراطية المشاركاتية، اقتصاد السوق الحر ، دولة الحق و القانون / الحكم الراشد و المفهوم الموسع للأمن الوطني الإنساني الجامع بين أولويات و حاجات الإنسان. هذا يعني أن الدولة الفاشلة هي تلك الدولة التي فشلت في عمليات بناء الدولة ما بعد الاستعمار. فشلت في تحقيق التنمية الإنسانية المواطنية ببقائها في عصر الأنظمة الشمولية ، و التي فشلت في تحقيق الحد الأدنى من التنمية حسب مؤشرات برنامج الأمم المتحدة للتنمية (الخاصة بالتنمية الإنسان) و التي فشلت أيضا في دمج بلدها بصفة ايجابية في مسار التفاعلات العالمية .
من بين التصورات الخاصة بحل معضلة الدول الفاشلة نجد أساسا تصورين هما:
أولا – التصور الذي يقوم على الوقاية بمحاولة احتواء مصادر الفشل عن طريق مشاركة عالمية (في إطار الأمم المتحدة و وكالاتها ) أو إقليمية (المنظمات الجهوية ) و عن طريق المجتمع المدني العالمي بتقديم المساعدات التقنية ، المادية و المالية و الإنسانية لمنع بروز و تفاقم الأزمات (المجاعة و تأثيراتها على الاستقرار السياسي للدول و احتمال فشلها مثلا .
أما التصور الثاني – فيقوم على الاستباقية بنشر قيم الديمقراطية ، حقوق الإنسان و العدالة مع وجود آليات مرافقة عالمية لغرس هذه القيم و تطويرها لمستوى نماذج حكم منتجة لتنمية إنسانية و ديمقراطية مشاركاتية .
فالدولة الفاشلة، إذن لا تشكل تهديدا على بقاء الدولة فقط و لكن أيضا على حياة سكانها بل قد تكون أيضا من التهديدات الأكثر خطورة و حساسية على الأمن الإقليمي بحكم الهجرة و انتشار الأوبئة بل وحتى توسيع رقعة النزاعات المسلحة.
25- الهندسة السياسية
من بين المفاهيم الأكثر تعبيرا عن العولمة السياسية نجد الهندسة السياسية، إذ ظهر المفهوم سنة (1994) ليعبر عن طموح غربي لبناء تصور سياسي موحد قوامه حقوق الإنسان العالمية التي تنشأ نمطية قيمية ومعيارية غربية موحدة تساعد على بروز نموذج سياسي واحد و متوافق جامع بين الديمقراطية المشاركاتية و الحكم الراشد و دولة الحق و القانون .
فالهندسة السياسية مفهوم و منهجية تعبر عن تطلع غربي هادف لإعادة تشكيل مفهوم السيادة لتحويلها لمجرد قيمة رمزية و ليست تعبيرا عن الاختصاص الداخلي للدول ولا قاعدة تمكن الدول من تبني الأنظمة السياسية. فالهندسة السياسية تصبو لأن تجعل الإنسان -الفرد النقطة المحورية التي تؤسس أنظمة سياسية هادفة لتحقيق حاجاته بما يتماشى و منظور حقوق الإنسان العالمية ، المتكاملة ، الرافضة للانتقاء و لا التجزئة كما ظهر في إعلان و برنامج عمل فيينا حول حقوق الإنسان 1993 .
فمن هنا، فالهندسة السياسية ترتكز على القيم المحورية التالية :
(1)- عالمية حقوق الإنسان.
(2)- الديمقراطية المشاركاتية كنموذج حكم .
(3)- الحكم الراشد كنموذج تسيير .
(4)- مركزية حاجات الإنسان في تعريف الأولويات السياسية و القرارية للدول .
(5)- ضرورة تراجع الدول و سيادتها للسماح ببروز حكم عالمي و مواطنة عالمية .
و أخيرا ضرورة استخدام القوة المادية و العسكرية للغرب لإعادة تشكيل أنظمة حكم في العالم بما يتماشى و تصورات الهندسة السياسية .
فبالنظر للتباين البارز و الصارخ في مستوى ارتباط الدول الصاعدة بهذا المنظور تقترح هذه المنهجية 03 تصورات أساسية للتلاؤم مع هذا المنظور :
-1- الهندسة التغييرية التي تجعل النظام الشمولي ( العسكري أو القائم على حزب الدولة ) يتحول جذريا نحو الديمقراطية المشاركاتية عن طريق الثورة المواطنتية أو التدخل الأجنبي .
-2- الهندسة الانتقالية التي تعني انتقال النظام التسلطي تدريجيا نحو نمط الديمقراطية المشاركاتية بمرافقة دولية.
-3- الهندسة التكيفية للتدقيق الديمقراطي في الدولة التي تعرف مستوى ضعيف من الشدة الديمقراطية لتكون متوافقة فعليا مع فلسفة حقوق الإنسان و المشاركة السياسية .
فمن هنا فالهندسة السياسية هي منهجية تهدف لبناء نمط قيمي –معياري أساسه حقوق الإنسان و نموذج حكم قائم على الديمقراطية المشاركاتية و الحكم الراشد .
قائمة المراجع:
– Jeffrey Haynes : ” Comparative Politics in a Globalizing World”, London: Polity, 2022– David Held: “Political theory today”, London: Polity, 1991
– David Beetham: “Democracy and Human Rights”, London: Polity, 2022
– Alain Nonjon: “La mondialisation”, France: SEDES, 1999
– Pierre Senarclens & Yohan Ariffin: “La politique internationale: Theories et enjeux contemporains”, Paris: Armand Colin, 2022
– Laurence Boisson de Chazournes et Rostane Mehdi (ed.): “Une societe internationale en mutation: Quels acteurs pour une nouvelle gouvernance”, Bruxelles: Bruylant, 2022
– Paul R. Viotti & Mark V. Kauppi: “International Relations Theory”, Sydney: Allyn Bacon, 1999
– Martin Albrow : “The Global Age”, London: Polity, 2022
– David Held & Anthony McGrew (eds): “Governing globalization: Power, authority and governance”, London: Polity, 2022
– Stephan Lawson (ed.): “The new global agenda of International Relations”, London: Polity, 2022
– Amitai Etzioni: “Security First”, New Haven: Yale University Press, 2022
– Zygmunt Bauman: “Globalization: The human consequences”, London: Polity, 2000
– David Held et al: “Global transformations: Politics, economics and culture”, London: Polity, 2022
– David Marsh & Gerry Stoker (eds): “Theory and methods in Political Science”, Basingstoke: Basil Blackwell, 1995
– April Carter & Geoffrey Stokes (eds): ” Democratic theory today”, London: Polity, 2022
– David Held: “Models of Democracy”, London: Polity, 2022
– John Baylis & Steve Smith: “The globalization of World Politics: An introduction to International Relations”, Oxford: Oxford University Press, 1997
– Mark Kesselman & Joel Krieger: “Readings in Comparative Politics: Political challenges and changing agendas”, Boston: Houghton & Mifflin, 2022
– Alan S. Zuckerman: “Doing Political Science: An introduction to Political Analysis”, Boulder: Westview Press, 1991
– Mattei Dogan & Dominique Pelassy: “How to compare nations: Strategies in Comparative Politics”, New Jersey: Chathan House, 1990
– Peter Calvert: ” An introduction to Comparative Politics”, London: Harveseter Wheatsheaf, 1993
– Ronald H. Chilcote: “Comparative Inquiry in Politics and Political Economy: Theories and Issues”, Boulder: Westview Press, 2000
– Mark Lichbach & Alan S. Zuckerman (eds): “Comparative Politics: Rationality, culture, and structure”, Cambridge: Cambridge University Press, 1997
– Kay Lawson: “The human polity: An introduction to Political Science”, Boston: Houghton & Miffin, 2022
–