التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

رسالة دكتورة في الصحافة نشاة و تطورها

التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

الصحافة الجزائرية قبل الاستقلال

الصحافة الجزائرية قبل الاستقلال
من طرف سميحة زيدي في السبت ديسمبر 26, 2022 9:42 pm

.4-1- الصحافة الجزائرية قبل الاستقلال:

دخلت الصحافة العالم العربي في بداية القرن التاسع عشر مع الحملات الاستعمارية التي قامت بها فرنسا (نابليون) ضد مصر ثم الجزائر، لذا كان طابعها الأول في البلدان العربية ذو صبغة استعمارية (الصحافة استعمارية ناطقة بالفرنسية، هدفها خدمة الاستعمار)، فكان من بين ما حمل في حملة نابليون مطبعة وهيئة تحرير تشرف على إصدار جريدة على أرض الجزائر، فكانت أول جريدة تصدرها بالفرنسية هي “l estafethe de sidi FRedje”، تضمنت أخبارا عن الحملة الاستعمارية, وتوزع على جنود فرنسا, ولم تعمد كثيرا لتستبدل بجرائد أخرى استعمارية كجريدة “الأخبار” في 1839(1).
و بدأ هذا النوع من الصحافة في التطور و التنوع إلى صحف يومية, و أسبوعية و مجلات عامة, و متخصصة و خصت ” الصحافة اليومية” بكثرة المدن الكبرى مثل ” الصحافة الحرة ” صدى الجزائر” “جريدة الجزائر” ” صدى وهران”…الخ. و مع هذا الازدهار النسبي بلغ عدد الصحف بالجزائر ما يزيد عن 150 صحيفة كان أحسن تصنيف لها ذلك الذي بني على مستوى مضامينها و هو كالأتي:

1- الصحافة الاستعمارية: بدأت بالصدور عام 1874, صحافة أحباب الأهالي بدأت عام 1882.
2- الصحافة الأهلية: بدأت بالصدور عام 1893، الصحافة الوطنية الاستقلالية لعام 1903.

4-1-1- الصحافة الاستعمارية:
التي أشرفت عليها فرنسا امتازت بالاستمرارية بدأت بإصدار جريدة ” التبشير” لكن هذه الصحافة لم تكن سوى ركيزة التثبيت الوجود الفرنسي, رغم أنها كانت تصدر بالعربية للتأثير على مساعينا أكثر.

-1-2- صحافة أحباب الأهالي:
تشير التسمية إلى أن أصحابها مستعمرون استاءوا من سياسة دولتهم الاستعمارية, فأرادوا إعانة نخبة معينة من المساهمين الجزائريين, حتى لا ييأسوا من الاستعمار في الجزائر, من بين هذه الجرائد المنتخب 1852, الأخبار, منبر الأهالي…(2).

-1-3-الصحافة الأهلية:هي التي يقوم بها الجزائريون من ناحية التسيير الإداري و التوزيع, و يتعلق موضوعها بقضايا إسلامية جزائرية, و شؤونهم العامة في علاقتهم بالفرنسيين, و من بين هاته الفئة ” جريدة الحق، المغرب، “, و أهم جريدة ” كوكب أفريقيا بالجزائر” 1907.

4-1-4- صحافة الحركة الوطنية:يراد بها الصحافة الجزائرية التي لا تعترف بالوجود الفرنسي و تحاربه, و تنشر من يقوي الوعي السياسي بوجود أمة جزائرية, و ضرورة استرجاع الاستقلال حتى و لو كان بالقوة, و كانت تنطق باللغتين العربية و الفرنسية, و ظهرت بالجزائر و خارجها من 1830 و 1962, و أهم جرائد الصحافة الوطنية جريدة “المجاهد “؛ التي لعبت دورا هاما في نجاح الثورة, و استمرت في الظهور إلى الاستقلال, حتى يومنا هذا (3).

4-1-5 – حركة جمعية العلماء المسلمين و الصحافة:

كان اهتمام الحركة منصفا على الإصلاح الديني و الثقافي, معتبرة إياه الطريقة المثلى لتنديد الرأي العام الجزائري ضد الاديولوجية الاستعمارية, انطلاقا من فكرة أن تغيير عقليات الناس, قد يؤدي بالضرورة إلى تغيير محيطهم (4).

و على هذا, فقد اتخذ الأمام “عبد الحميد بن باديس” الصحافة منبرا يعلن من فوقه مبادئه للرأي العام, فقد ظهرت في الجزائر صحف بالفرنسية و العربية, قبل تأسيس جمعية العلماء المسلمين، لذلك كان طبيعيا أن تستعين بالصحافة, و تجعلها وسيلة من أهم الوسائل لنشر حركتها الإصلاحية، فبعد إنشاء جمعية العلماء المسلمين سنة 1924, و جمع شمل العلماء الذين يؤمنون بالاتجاه الإصلاحي، أنشا عبد الحميد بن باديس مجلة ( المنتقد) سنة 1925, و بعد 18 عددا, خلفتها جريدة الشهاب في نفس السنة لتكون لسان حل الحركة الإصلاحية, و كانت تصدر في قسنطينة بين 1925-1935 ,فاعتبرت الصحيفة الرسمية للمدرسة الإصلاحية في الجزائر ,حيت عبرت عن أخبار، أهداف ، بيانات, بلاغات, و أنشطة الجمعية (5).
لقد عرفت الجمعية في الفترة الممتدة بين (1931-1935) نوع من الصراع الصحفي بين العلماء و السلطة الإدارية, حيت أنشأت الجمعية الصحفية باسم ( السنة), وبعدما أوقفتها الحكومة, أسست في نفس السنة صحيفة الشريعة في 07 جويلية 1933, و صودرت بدورها في نفس السنة في 20 أوت 1933, ثم جريدة ( الصراع السنوي), و هي أسبوعية و صدرت في 11 سبتمبر 1933, و أوقفت في جانفي 1934, كما حدت الحكومة في هذه القترة النشاط الحكومي لبعض أعضاء الجمعية(6).

-2 الصحافة الجزائرية بعد الاستقلال:إ
ن فترة الاستقلال لا يمكن النظر إليها كحدث ماضي,و الحكم عليه حاضرا بل يجب وضعها كأنه في فترة معاصرة تتعايش معها، لا يحكم عليها نهائيا, وإنما يقدم بعض التحليلات لجوانب من أحداثها تكتسي أهمية, و لها تأثير على مجرى الوقائع (7).

لقد عرفت الصحافة الجزائرية بعد الاستقلال تسرب بعض المثقفين الاندماجيين إلى بعض مراكز القرار, و جل وسائل الاتصال المكتوبة و السمعية البصرية، حيت تركوا بصماتهم واضحة في توجهها الأيديولوجي إلى يومنا هذا, و من أهم هذه الوسائل الصحافة المكتوبة التي لا زال معظمها يكتب باللغة الفرنسية(, لذا فإن الصحافة الجزائرية بعد الاستقلال مرت بمحطتين هامتين وفقا للنظام السياسي لكل مرحلة ,وهما مرحلة الأحادية الإعلامية، مرحلة التعددية الإعلامية.

4-2-1-فترة الأحادية الإعلامية:
و تنقسم إلى مرحلتين و هما:

4-2-1-1- مرحلة الغموض “62-65″: تبدأ من عهد الاستقلال, و تنتهي مع 19 جوان 1965 تاريخ التصحيح الثوري لبومدين على بن بلة, و الذي أحدث تغييرا في النظام السياسي من جهة, وحدثا صحفيا من جهة أخرى, وهو ظهور ” المجاهد ” بالفرنسية.
و على هذا, فقد عملت الحكومة على إنشاء يوميات جزائرية، القضاء على الصحافة الاستعمارية, و البحث عن حل للقضية ( Alger Rrépublique )؛ التي كانت تابعة للقطاع الخاص، هذه الأحداث الثلاث تتلخص في فكرة واحدة, و هي البحث عن طريقة لهيمنة الحرب و الحكومة على الصحافة

الصحافة الجزائرية قبل الاستقلال

.4-1- الصحافة الجزائرية قبل الاستقلال:
دخلت الصحافة العالم العربي في بداية القرن التاسع عشر مع الحملات الاستعمارية التي قامت بها فرنسا (نابليون) ضد مصر ثم الجزائر، لذا كان طابعها الأول في البلدان العربية ذو صبغة استعمارية (الصحافة استعمارية ناطقة بالفرنسية، هدفها خدمة الاستعمار)، فكان من بين ما حمل في حملة نابليون مطبعة وهيئة تحرير تشرف على إصدار جريدة على أرض الجزائر، فكانت أول جريدة تصدرها بالفرنسية هي “l estafethe de sidi FRedje”، تضمنت أخبارا عن الحملة الاستعمارية, وتوزع على جنود فرنسا, ولم تعمد كثيرا لتستبدل بجرائد أخرى استعمارية كجريدة “الأخبار” في 1839(1).
و بدأ هذا النوع من الصحافة في التطور و التنوع إلى صحف يومية, و أسبوعية و مجلات عامة, و متخصصة و خصت ” الصحافة اليومية” بكثرة المدن الكبرى مثل ” الصحافة الحرة ” صدى الجزائر” “جريدة الجزائر” ” صدى وهران”…الخ. و مع هذا الازدهار النسبي بلغ عدد الصحف بالجزائر ما يزيد عن 150 صحيفة كان أحسن تصنيف لها ذلك الذي بني على مستوى مضامينها و هو كالأتي:
1- الصحافة الاستعمارية: بدأت بالصدور عام 1874, صحافة أحباب الأهالي بدأت عام 1882.
2- الصحافة الأهلية: بدأت بالصدور عام 1893، الصحافة الوطنية الاستقلالية لعام 1903.
4-1-1- الصحافة الاستعمارية:
التي أشرفت عليها فرنسا امتازت بالاستمرارية بدأت بإصدار جريدة ” التبشير” لكن هذه الصحافة لم تكن سوى ركيزة التثبيت الوجود الفرنسي, رغم أنها كانت تصدر بالعربية للتأثير على مساعينا أكثر.

4-1-2- صحافة أحباب الأهالي:
تشير التسمية إلى أن أصحابها مستعمرون استاءوا من سياسة دولتهم الاستعمارية, فأرادوا إعانة نخبة معينة من المساهمين الجزائريين, حتى لا ييأسوا من الاستعمار في الجزائر, من بين هذه الجرائد المنتخب 1852, الأخبار, منبر الأهالي…(2).
4-1-3-الصحافة الأهلية:
هي التي يقوم بها الجزائريون من ناحية التسيير الإداري و التوزيع, و يتعلق موضوعها بقضايا إسلامية جزائرية, و شؤونهم العامة في علاقتهم بالفرنسيين, و من بين هاته الفئة ” جريدة الحق، المغرب، “, و أهم جريدة ” كوكب أفريقيا بالجزائر” 1907.
4-1-4- صحافة الحركة الوطنية:
يراد بها الصحافة الجزائرية التي لا تعترف بالوجود الفرنسي و تحاربه, و تنشر من يقوي الوعي السياسي بوجود أمة جزائرية, و ضرورة استرجاع الاستقلال حتى و لو كان بالقوة, و كانت تنطق باللغتين العربية و الفرنسية, و ظهرت بالجزائر و خارجها من 1830 و 1962, و أهم جرائد الصحافة الوطنية جريدة “المجاهد “؛ التي لعبت دورا هاما في نجاح الثورة, و استمرت في الظهور إلى الاستقلال, حتى يومنا هذا (3).
4-1-5 – حركة جمعية العلماء المسلمين و الصحافة:
كان اهتمام الحركة منصفا على الإصلاح الديني و الثقافي, معتبرة إياه الطريقة المثلى لتنديد الرأي العام الجزائري ضد الاديولوجية الاستعمارية, انطلاقا من فكرة أن تغيير عقليات الناس, قد يؤدي بالضرورة إلى تغيير محيطهم (4).
و على هذا, فقد اتخذ الأمام “عبد الحميد بن باديس” الصحافة منبرا يعلن من فوقه مبادئه للرأي العام, فقد ظهرت في الجزائر صحف بالفرنسية و العربية, قبل تأسيس جمعية العلماء المسلمين، لذلك كان طبيعيا أن تستعين بالصحافة, و تجعلها وسيلة من أهم الوسائل لنشر حركتها الإصلاحية، فبعد إنشاء جمعية العلماء المسلمين سنة 1924, و جمع شمل العلماء الذين يؤمنون بالاتجاه الإصلاحي، أنشا عبد الحميد بن باديس مجلة ( المنتقد) سنة 1925, و بعد 18 عددا, خلفتها جريدة الشهاب في نفس السنة لتكون لسان حل الحركة الإصلاحية, و كانت تصدر في قسنطينة بين 1925-1935 ,فاعتبرت الصحيفة الرسمية للمدرسة الإصلاحية في الجزائر ,حيت عبرت عن أخبار، أهداف ، بيانات, بلاغات, و أنشطة الجمعية (5).
لقد عرفت الجمعية في الفترة الممتدة بين (1931-1935) نوع من الصراع الصحفي بين العلماء و السلطة الإدارية, حيت أنشأت الجمعية الصحفية باسم ( السنة), وبعدما أوقفتها الحكومة, أسست في نفس السنة صحيفة الشريعة في 07 جويلية 1933, و صودرت بدورها في نفس السنة في 20 أوت 1933, ثم جريدة ( الصراع السنوي), و هي أسبوعية و صدرت في 11 سبتمبر 1933, و أوقفت في جانفي 1934, كما حدت الحكومة في هذه القترة النشاط الحكومي لبعض أعضاء الجمعية(6).
4-2 الصحافة الجزائرية بعد الاستقلال:
إن فترة الاستقلال لا يمكن النظر إليها كحدث ماضي,و الحكم عليه حاضرا بل يجب وضعها كأنه في فترة معاصرة تتعايش معها، لا يحكم عليها نهائيا, وإنما يقدم بعض التحليلات لجوانب من أحداثها تكتسي أهمية, و لها تأثير على مجرى الوقائع (7).
لقد عرفت الصحافة الجزائرية بعد الاستقلال تسرب بعض المثقفين الاندماجيين إلى بعض مراكز القرار, و جل وسائل الاتصال المكتوبة و السمعية البصرية، حيت تركوا بصماتهم واضحة في توجهها الأيديولوجي إلى يومنا هذا, و من أهم هذه الوسائل الصحافة المكتوبة التي لا زال معظمها يكتب باللغة الفرنسية(, لذا فإن الصحافة الجزائرية بعد الاستقلال مرت بمحطتين هامتين وفقا للنظام السياسي لكل مرحلة ,وهما مرحلة الأحادية الإعلامية، مرحلة التعددية الإعلامية.
4-2-1-فترة الأحادية الإعلامية:
و تنقسم إلى مرحلتين و هما:
4-2-1-1- مرحلة الغموض “62-65″: تبدأ من عهد الاستقلال, و تنتهي مع 19 جوان 1965 تاريخ التصحيح الثوري لبومدين على بن بلة, و الذي أحدث تغييرا في النظام السياسي من جهة, وحدثا صحفيا من جهة أخرى, وهو ظهور ” المجاهد ” بالفرنسية.

و على هذا, فقد عملت الحكومة على إنشاء يوميات جزائرية، القضاء على الصحافة الاستعمارية, و البحث عن حل للقضية ( Alger Rrépublique )؛ التي كانت تابعة للقطاع الخاص، هذه الأحداث الثلاث تتلخص في فكرة واحدة, و هي البحث عن طريقة لهيمنة الحرب و الحكومة على الصحافة المكتوبة (9).

لقد صدرت اليومية الجزائرية الأولى في 19 سبتمبر 1962, أعطي لهذه الجريدة اسم (le peuple), و كانت محررة باللغة الفرنسية تلتها اليومية الوحيدة باللغة العربية ” الشعب” في 11 ديسمبر 1962, و بعد ذلك صدرت يوميتان جهويتان بالفرنسية الأولى بوهران, بتاريخ مارس 1963 باسم (ELDJOUMHOURIA ), و الثانية بتاريخ سبتمبر 1963 باسم (ENNASR) بقسنطينة (10).

و في شهر أفريل 1964 تأسست اليومية المسائية الأولى (Alger le Soir), كما أصدرت الحكومة أسبوعية جديدة تحمل اسم (Révolution Africaine) في 02 فيفري 1963 ,و مجلة ” الجيش” الشهرية بالفرنسية في جانفي 1963, و بالعربية في مارس 1964, و مجلات متخصصة أخرى مثل ( الشهاب) و ( المعرفة) و غيرها, كما أنه يجب الإشارة إلى صدور العديد من الصحف التابعة للملكية الخاصة, مثل جريدة ( الجماهير) التي أصدرها الكاتب ( الطاهر وطار), و الجريدة الناطقة باسم الحزب الشيوعي Alger Publicain , في سبتمبر 1963 اجتمع المكتب السياسي لجبهة التحرير الوطني مع أول دستور للبلاد في 8 سبتمبر, قرر تأميم هده الصحف ، فتوقفت عن الصدور و عوضت بصحف أخرى, تمثل أسماء جديدة مثل (En-Nasr) بدلا من (la dépêche de Constantine) و ( El Moujahade) بدلا عن (l’écho d’Oran ), و صدرت اليوميات الثلاثة: الشعب, النصر, الجمهورية, و في 18 سبتمبر1963 و بعناوين ضخمة في الصفحة الأولى تخبر بتأميم اليوميات

بتأميم اليوميات الاستعمارية, و يقول القرار أن هذه الصحافة تذكر بالعهد الاستعماري, و أن وجودها لا يتلازم مع السيادة الوطنية, برغم موقفها الحالي المعتدل رغم وجود صحافة وطنية ناشئة لا تقوى على المنافسة (11).

أما (Alger pepublicain) التي استأنفت نشاطها في اليوم الأول من الاستقلال, و رغم أنها أصبحت تؤيد أعمال الحكومة, و الحزب و برامجها نحو الاستقلال التام, و نحو الثورة الزراعية, و التقدم الاجتماعي و تحديد الثقافة الوطنية, و لكنها بهذه الصفة بقيت حرة لا تقوى عليها الصحافة الحكومية، كان هذا الوضع يقلق كثيرا الدولة الجزائرية, ويعرقل سياستها اتجاه وسائل الإعلام (12) ,

فطرح الشكل أمام مؤتمر جبهة التحرير الوطني الذي أنعقد سنة 1964, حيت قرر إجراء مفاوضات مع مسئولي هذه اليومية حتى يتم إدماجها في الصحف الحكومية ,لكن هذا لم يحصل إلا بعد 19 جوان 1965 ,أين توقفت الجريدة بإرادة من مسيريها (13), و بزوال هذه الجريدة,تمت بصفة نهائية هيمنة الحكومة, و الحرب على الصحافة المكتوبة, و زالت معها الملكية الخاصة في الميدان الإعلامي.

-2-1-2- مرحلة الإعلام الموجه:

و تبدأ بالتصحيح الثوري إلى غاية وفات الرئيس هواري بومدين يوم 27 ديسمبر 1978,

و استلام الرئيس الشاذلي بن جديد السلطة, و تميزت هذه المرحلة بظهور أول لائحة خاصة بالإعلام, و تحويل يومية “le peuple” إلى ” el moudjahid ” ,التي سيطرت على الساحة ب 203 ألف نسخة لوحدها, مقابل 71 ألف نسخة لباقي الصحف عام 1978 ,و ظهور أسبوعية جديدة بالفرنسيةActualité ” Alger” في 1965, كما وضعت جميع الصحف تحت وصاية وزارة الإعلام, و عرفت نهاية هذه المرحلة التعريب التدريجي لكل من يومية ” النصر” ابتدءا من 1972, ” الجمهورية” في 1976 (14) ,وقد مرت هذه المرحلة بعدة أوضاع منها :

أ- إقامة نظام اشتراكي للإعلام:
عملت الحكومة بهذا النظام, و يتمثل في إلغاء الصحافة, و توجيه الصحافة الحكومية و الحربية ( الحرب الواحد), حتى تكون أداة تستعملها الدولة لتعزيز سياستها, كما أممت الدولة شركة ” هاشت” التي كانت تتولى توزيع الصحافة في الجزائر, و أسست شركة جزائرية ” الشركة الجزائرية للنشر و الإشهار”, و خولت لها حق الاحتكار في التوزيع, و لهذا لمراقبة ميدانية، و أدى هذا إلى تجميد الصحافة المكتوبة من حيت تعدد الصحف ,و نوعية الرسالة (15) .

ب- تعريب اليوميات:
في المرحلة الأولى للاستقلال, كانت هناك يومية واحدة معربة, أما مع بداية السبعينات طرحت قضية التعريب كمشكل سياسي, لذلك اتخذت عدة إجراءات كتعريب ” النصر” بقسنطينة عام 1972, ثم” الجمهورية ” بوهران عام 1976, و كان سير التعريب تدريجي ( أي صفحة بعد أخرى مثلا) – التعريب النهائي ” الجمهورية “, كان في 1977 ( أي بعد عام تقريبا من بدايته), كان هذا التغيير في اللغة لم يعرف رواجا, فقد انخفض توزيع النصر في 20.000 نسخة في 1977، مما أدى بالحكومة لاتخاذ قرار تدعيم الهوة لمواصلة العملية و نجاحها,و لم تظهر إلا يومية واحدة بالفرنسية هي ” المجاهد” (16).

جـ- توزيع الصحافة:
شبكة التوزيع لم تعرف تحسنا قبل بداية 1977, حيث و في عام 1976 لم تغط هذه الشبكة للتوزيع سوى 208/704 بلدية، أما في 19778, فقد غطت أكثر من نصف بلديات الجزائر، و تواصلت الجهود في 1978و 1979 مما أدى إلى ارتفاع متزايد في مبيعات اليوميات

مثلا: في 1969 كان مجموع سحب اليوميات 155.00 نسخة, أما في 1970 فقد بلغت درجة السحب 430.000 نسخة, و هذه الفترة لم تعرف ازدهارا كبيرا للصحافة المكتوبة على حد قول عزي عبد الرحمن.

لكن ما يلاحظ على هذه المرحلة كذلك, هو بداية الاهتمام الفعلي بقضايا الإعلام ووسائله، خصوصا في ظل استكمال بناء مختلف المؤسسات, و الهياكل السياسية, و الاقتصادية, و بدأت معالم السياسة الإعلامية تنضج مع صدور أول (سياق وطني ) عام 1976, و الذي أشار إلى الدور الاستراتيجي لوسائل الإعلام في خدمة أهداف التنمية، كما دعا إلى ضرورة استحداث قوانين, و تشريعات تحدد دور الصحافة و الإذاعة و التلفزيون, و السينما في مختلف المشاريع الوطنية, و الاهتمام بالتكوين في مجال الإعلام و توفير الكوادر الإعلامية و اللازمة لمواكبة خطط التنمية, و إشباع مختلف حاجات الجماهير إلى إعلام موضوعي وحيد(17).

و قد عرفت بداية الثمانينات حدث سياسي هام, هو انعقاد المؤتمر الرابع لجبهة التحرير الوطني, الذي أصدر أول قانون للإعلام في الجزائر عام 1982،

و قد تناول هذا القانون لأول مرة مختلف جوانب النشاط الإعلامي، و حدد هذا الأخير الإطار العام لموضوع الإعلام في الجزائر، إذ جاء في مادته الأولى:” الإعلام قطاع من قطاعات السيادة الوطنية، يعبر الإعلام بقيادة حرب جبهة التحرير الوطني، و في إطار الإمتيازات الاشتراكية المحددة في الميثاق عن إرادة الثروة، وترجمت المطابع الجماهير الشعبية،

يعمل الإعلام على تعبئة كل القطاعات و تنظيمها لتحقيق الأهداف الوطنية”.
كما تناول القانون الجديد جملة من القضايا المتعلقة بالنشاط الإعلامي، حيث جاء بهذا الخصوص في المادة الثانية:” الحق في الإعلام حق أساسي لجميع المواطنين، تعمل الدولة على توفير كامل و موضوعي”، و حدد الخطوط العامة لممارسة النشاط الإعلامي ضمن السياسة العامة للدولة المنصوص عليها في الدستور و الميثاق،

حيث جاء في المادة الثالثة منه:” يمارس حق الإعلام بكل حرية ضمن نطاق الاختيارات الإيديولوجية للبلاد، و القيم الأخلاقية للأمة، وتوجيهات القيادة السياسية المنبثقة عن الميثاق الوطني، مع مراعاة الأحكام التي يتضمنها الدستور، و خاصة في مادتيه (55- 73)”، كما أكدت هذه الوثيقة على أن لغة الإعلام الوطني مستقبلا هي: اللغة العربية، في محاولة لحسم موضوع اللغة التي تستخدم في وسائل الإعلام الوطنية، وقد نصت المادة الرابعة من القانون على ذلك بما يلي:” مع العمل دوما على استعمال اللغة الوطنية و تعميمها، يتم الإعلام من خلال نشرات إخبارية عامة ونشرات متخصصة، ووسائل سمعية بصرية”(18).

– هوامش الفصل الرابع:

(1) د. عزي عبد الرحمان وآخرون: عالم الاتصال، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1992. ص97.
(2) نفس المرجع السابق ص 99-101.
(3) نفيس المرجع السابق ص 113-119.
(4) صالح فيلالي ، الأزمة الجزائرية الأيديولوجية ، الحركة الوطنية ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ط1 1996 ص 19.

(5) الشيخ محمد خير الدين : مذكرات المؤسسة الوطنية للكتاب الجزء الأول الجزائر ص 296
(6) الشيخ محمد خير الدين:مرجع سابق ص299.
(7) ع-الرحمن عزي و آخرون مرجع سابق ص 121.
( د.فضيل دليو ، وسائل الاتصال الجماهيري ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1996 ص 119.
(9) ع- الرحمن عزي و آخرون مرجع سابق ص 122-124-128.
(10) زهير إحدادن ، مدخل لعلوم الإعلام و الاتصال ، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1991 ص 97.
(11) د.عزي عبد الرحمن و آخرون مرجع سابق ص 129.
(12) د.عزي عبد الرحمن و آخرون مرجع سابق ص 313.
(13) زهير أحدان ، مرجع سابق ص 97.
(14) د.فضيل دليو مرجع سابق ص 120.121.
(15) د.عزي عبد الرحمن ، مرجع سابق ص 132- 133.
(16) د.عزي عبد الرحمن ، مرجع سابق ص 136-137.
(17) د.عزي عبد الرحمن ، مرجع سابق ص 137-138.
(18) الميثاق الوطني .الجزائر سنة 1976 ص131.


شكرا على الموضوع القيم

merciiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii

شكرا لك اخي الكريم

التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

دور الصحافة الحرة في التأثير على الرأي العام

تعد علاقة الصحافة بالرأي العام من العلاقات الصميمة التي تترجم مدى الترابط الجدلي والتفاعل بينهما وبالطبع أن الحديث عن هذه الصلة وبالتالي تأثير أحدهما في الآخر، فالصحافة وهي من المجالات التي شهدت تطوراً هائلاً خاصة في القرن العشرين فعند ظهور التكنولوجيا والتي استفادت منها الصحافة بكل تأكيد وأيضاً مدى انتشار القراءة والكتابة بين شرائح المجتمع الأمر الذي عزز انتشار الصحافة بكل أنواعها في العالم أجمع إن الصحافة متغير مهم جداً وله العديد من الإيجابيات على المستوى الإعلامي والاجتماعي فالصحافة كما يعرفها الأستاذ أديب مروة: ((بأنها فن تسجيل الوقائع اليومية بدقة وانتظام وذوق سليم مع الاستجابة لرغبات الرأي العام وتوجيهه والاهتمام بالجماعات البشرية وتناقل أخبارها ووصف نشاطها ثم تسليتها وتزجية أوقات فراغها وكل هذا فالصحافة هي مرآة تنعكس عليها صورة الجماعة وآرائها وخواطرها))، إن الصحافة رسالة مشرفة في المجتمع وهذا الأمر يتطلب أن يكون للالتزام الاجتماعي والأخلاقي ركن أساسي من الأركان التي تقوم عليها أمر الذي يعني أنها وسيط بين عدة تشكيلات سواء كانت اجتماعية أو سياسية .

من المعروف أن أي مجتمع متحضر تكون هناك عدة مؤسسات تشرف على تسيير الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها وهذا الأمر يتطلب أن يكون هناك من يستطيع أن ينقل للمجتمع والنشاطات التي تقوم بها مؤسسات هامة جداً مثل الحكومة ومن رؤية واقعية للأمور يحدث أن تكون هناك في بعض الأحيان ما يستدعي أن يطلع الشعب والمجتمع على بعض الإجراءات التي تقدم عليها الحكومة أو بعض من ينتسبون اليها، هنا يأتي دور الصحافة في تزويد الشعب بالحقائق والمعلومات كي يتم أن يكون هناك رأي عام ضاغط وفاعل أي سيمائيات استبداد يمكن ان تبدر من بعض المتنفذين إن حصلت وبالتأكيد . إن هذا الكلام لا يعني أن تكون العلاقة بين الحكومة والصحافة عدائية بل على العكس هي علاقة مستقلة ولكنها رقابية لأن الصحافة جزء من الإعلام وهو السلطة الرابعة كما ينبغي أن يكون وهذا ما يحدث في أغلب دول العالم المتحضرة والتي قطعت أشواطاً طويلة وكبيرة في هذا المضمار ، ومن هنا (إن للصحافة أهدافاً عديدة تتمثل في الأخبار والإعلام والشرح والتفسير والتعقب والإرشاد والتنوير والتوجيه وتلبية رغبات الجمهور وحاجاته والتسلية والإمتاع).

لذلك أن من متطلبات خلق رأي عام فاعل يتمثل في وجود صحافة حرة تستطيع أن تقوم بواجب تنوير المجتمع بشأن الأحداث التي تحصل أو تجري في المجتمع وتزويده بكل الحقائق التي توصلت إليها وهذا هو أساس الشرف الذي يجب أن تعمل بموجبه الصحافة وأن تبتعد عن أجواء المحاباة أو التبعية لاية سلطة كانت لأنها إن دخلت في هذه الزاوية وتفقد استقلاليتها الذي هو أساس عملها الذي تقوم عليه .

إن الصحافة الحرة عمود أو حجر زاوية في أي رأي عام ينتظر منه أن يكون فاعلاً والصحافة تستطيع عبر تبنيها سياسة شفافة وحضارية تكون قادرة على خلق اتجاهات في المجتمع بشأن قضايا أو قضاياها هامة ومن هنا أن تكون الصحافة مستقلة وفاعلة وحرة وأيضاً عبر الإلمام بكل التقنيات التي توصل إليها العلم الحديث لذلك أن الرأي العام الذي هو أحد دعامات المجتمع الذي ينتهج منهجا ديمقراطيا وفي هذا النظام الديمقراطي الذي يتيح حرية التعبير عن الرأي أو الاحتجاج ضد إجراءات معينة قد تبرر من الحد مؤسسة فالرأي العام في أي مجتمع ديمقراطي قد يتنوع في عدة اتجاهات وهذا أمر طبيعي لمجتمع يسير وفق آلية الديمقراطية والذي يعد التنوع أحد سماته الأساسية وهو علامة أو دلالة من دلالات عدم حصول حالة تشنج أو تمرد وغير محمودة العواقب . إن من تجليات المجتمعات التي يكون فيها الرأي العام فاعل نرى أن الحكومات في هذه البلدان المتقدمة تضع حسابات شديدة لآراء هذا الرأي العام أو ضد ردود الفعل فترى مثلاً استطلاعات الرأي المستمرة والتي تحصل في المجتمع سواء في الحالات الطبيعية أو عند حصول ممارسة أو تحول سياسي كالانتخابات أو الاستفسار وغيرها فترى أحياناً أن الرأي العام الفاعل يستطيع أن يسقط وزارة أو استحداث قانون أو تغيير أو التقاء بعض القوانين بل أنه حصل في أحدى الدول الأوروبية التي جرى فيها استفتاء لتوحيد العملة الأوروبية في إطار السوق الأوروبية المشتركة تم رفض هذا الامر بتوحيد العملة وبالتالي لم يقر القرار وبتأثير الرأي العام الفاعل والواعي و بناءً على آراء المجتمع هناك وبفعل رأي عام فاعل استطاع أن يفرض آرائه وهذا من دلائل قوة واتجاهات الرأي العام هناك تقليد سياسي وثقافي في الصحافة البريطانية في احدى الحقب وكانت صيغة الاحتجاج تتخذ من مقولة ظهرت في رواية (1984) للروائي جورج اورويل التي وردت على لسان احد ابطال الرواية والتي كانت ترمز للطاغية حيث كان يخاطب الشعب حين كان يريد اشعارهم بسلطته وكان يخاطبهم (الاخ الاكبر يراقبكم) وهي صيغة رمزية عن تحكم هذا الطاغية بمصير الشعب والمجتمع حيث عمد هذا الطاغية الى محاصرة الشعب بكل انواع الضغوط النفسية والطبيعية فعمل على جعل لكل فرد من شعبه سواء كان ذكرا اوانثى رقما خاصا به ويظهر بين الحين والاخر في شاشات كبيرة موزعة في كل البلاد تظهر فيها صورته ويشعرهم بوجوده بل الاكثر من ذلك هو منعه تعاطي الحب بين الشعب بين رجاله ونسائه حتى لايشعروا بكينونتهم ومع هذا هرب اثنان من شعبه الى غابات بعيدة من المدن حتى يمارسا عاطفتهم التي شعرا فيها كلاهما تجاه الاخر ولكن مع هذا شعر هذا الطاغية بذلك واحس بالهلع لادراكه ان الشعور بالحب سيقودهم الى الشعور بالحرية من ذلك فأوعز لاجهزته بالقبض عليهما ومعاقبتهما على تعاطيهم الحب لانه شيء محرم في مملكته فخرج الاخ الاكبر في شاشته ليقول الاخ الاكبر يراقبكم فاصبحت هذه المقولة هي الصيغة الاحتجاجية للمثقفين والصحفيين الملتزمين فكريا في حالة بروز نزعة للتسلط او الاستبداد من السلطة حتى ان كانت عن الطريق البرلماني في محاولة تمرير قانون او قرار لا يحوز على موافقة الاغلبية وممثلي الشعب فتمنح السلطة سلطات استثنائية لكي تمرر هذا القانون فان حدث هذا يهب مثقفي الشعب في كل قناة ثقافية واعلامية بان يصدروا بيانات فكرية وصحفية يستلهمون فيه هذه المقولة حيث تعنون كل البيانات بعبارة (الاخ الاكبر يراقبكم) كناية واستعارة على ان السلطة بدأت تتجه نحو الاستبداد او الغاء الاخر وهكذا اصبح الادب والفن والصحافة اداة من ادوات الوعي والتنوير ، فإذاً أن الصلة بين الصحافة والرأي العام صلة وثيقةومن هنا أهمية رعاية هذه الصلة ، ومن هنا أيضاً ومن منطلق ماسبق أشدد على مسألة بناء صحافة ورأي عام فاعل في عراقنا الديمقراطي الذي ينتهج الآن نهج بناء مؤسساته الديمقراطية الدائمة ويختار نظام الحياة العصري القائم على الاطرالمؤسساتية والابتعاد عن الاستبداد والفردية التي ميزت التاريخ العراقي في السابق والذي جر انتكاسات كبيرة جداً على شعبنا ومجتمعنا العراقي الأمر الذي ينبغي أن يعالج في هذه المرحلة المعاصرة بأن نعد الخطط البناءة التي تعتمد على معطيات واقعية وحضارية كي يمكن أن يكون هناك بناء ديمقراطي حقيقي ورفد هذا البناء أن تكون هناك مؤسسات بحثية تعتمد معايير علمية وفق سمات العصر وأن تتبلور بصورة جدية في أذهان القائمين على عملية بناء الأساس الذي ستقوم عليه الصحافة الحرة والرأي العام الفاعل وأن يتم الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى التي قطعت بوناً شاسعاً وكبيراً في هذا المجال ولأن العالم في تفاعل جدلي متواصل . إن المجتمع الذي نرى فيه صحفاً عديدة تصدر وتعبر أو تنقل ما يدور في المجتمع من أحداث أو نشاطات هو مجتمع منفتح على سمات ومتغيرات العصر وأنه في إطار متبلور فيه تقاليد سياسية واجتماعية وغيرها وأنه يسير في الطريق الصحيح وأن رعاية هذه السمات تساعد على خلق مجتمع متضامن وحضاري ، وأعتقد أن رعاية بناء الذات للفرد والمجتمع تستحق كل الاحترام والسهر على تنفيذها ومتابعتها ومنها بالطبع الاهتمام بالصحافة الحرة والرأي العام الفاعل ولها الأولوية في ذلك.



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موفق بإذن الله … لك مني أجمل تحية .

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .


التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

الصحافة الجزائرية الواقع والآفاق


تعتبر الصحافة في مختلف دول العالم من وسائل الإعلام الأكثر أهمية للتحكم في الأوضاع وتوجيهها لخدمة أغراض وأهداف وطنية أو لخدمة السلطة أو الجهة المالكة للصحافة، ومع التطور الهائل في تكنولوجيا وسائل الاتصال، من أقمار صناعية وشبكات عنكبوتية باتت تغطي جهات المعمورة الأربع وتصل إلى أقصى نقطة فيها، متيحة الفرصة للعاملين في مجال الأخبار لنقل أدق تفاصيل الخبر وآخر تطوراته لحظة بلحظة، والتعليق عليه وتحليله على الهواء مباشرة من موقع الحدث، بالتوازي مع أجهزة الهاتف الجوال التي أضحت ناقلا مهما للأخبار الطارئة التي تأتينا عبر الرسائل القصيرة، تمكنت الصحافة من الازدهار وأصبحت تستأثر باهتمامات مختلف الأوساط، وتمثل مجال استقطاب للعديد من مراكز اتخاذ القرارات ومجموعات المصالح.

غير أن هذا التطور المذهل في عالم الصحافة أدخل الجزائر منذ الانفتاح الديمقراطي الذي أقره دستور 23 فبراير 1989 م في طوفان إعلامي سببه قضية جوهرية، هو أن طبيعة النظام السياسي لا يقبل إلا بهامش يسير من الحرية على ضيقه… وعندما نتكلم عن هامش الحرية في الجزائر اليوم، يقودنا الحديث عن حرية التعبير التي تتميز بها الصحافة الخاصة المكتوبة فقط، رغم أن معظمها ينتهج أسلوب اختلاق الخبر والانتقائية والكيل بمكيالين..

قد يعطي حال الصحافة المكتوبة في الجزائر الانطباع بأنها مشرقة، لكنها في الحقيقة بائسة، بل شديدة البؤس.. وعنوان بؤسها هو احتكار المطابع ففي الجزائر ست مطابع كبيرة تسيطر الحكومة على خمسة منها تطبع لجل الصحف التي تبقى رهينة التوقيت الذي تحدده لها لتسليم الصفحات حتى يمكن سحب الصحيفة، وحتى حجم سحب كل صحيفة مرهون بطاقة هذه المطابع التي تعاني الاكتظاظ، بغض النظر على قدرة كل عنوان على استقطاب القراء. فيما يبقى مشروع مطبعة الجنوب متوقف والمطابع الخاصة بالشرق والغرب تنتظر الفرج، علاوة على أنها بحاجة إلى ضمانات كبيرة..

وما يزيد بؤس الصحافة المكتوبة مشكل الورق المستعمل في الطباعة، فالورق المستعمل مستورد ولا تتوفر فيه أدنى المعايير والشروط المعمول بها عالميا، ناهيك عن تمسك الصحف بالشكل المتوارث من الحقب الماضية واقتصارها على أربعة وعشرين صفحة أو ما يزيد بقليل، وسعيا منها لارتقاء بمستوى الصحافة الإلكترونية من حيث المحتوى والشكل انتهجت طريقة “نسخ لصق” باقتباس المواضيع، بل يزيد بسرقة ما ينشر في المواقع الإخبارية ونسبها لبعض صحفييها…

ويتفاقم بؤسها باحتكار المال حيث أصبحت مداخيل الإشهار تضمنها الوكالة الوطنية للنشر والإشهار للصحف المخنوقة بفضل تعليمة الحكومة الصادرة في ماي 2022، والتي تجبر المؤسسات العمومية على تمرير إعلاناتها على وكالة الإشهار العمومية قبل أن يتم توزيعها على الصحف. وهو قرار يرهن تسليم الإشهار العمومي إلا للتلميذ النجيب الذي يحفظ الدروس، فالكثير من الصحف اختفت لأسباب تجارية، وأخرى متعلقة بعقاب السلطة لها على خطها الافتتاحي حتى باتت الصحف التي فلتت من احتواء السلطة شديد الحرص على توازنها المالي أو ربحها، وتموقعها في بيئة اقتصادية يميزها الفساد والصراع المستميت حول الريع.. وربما يتعدى التغطية على الفساد وأحيانا المشاركة فيه والاغتراف منه..

البؤس يتسع ليشمل الصحافيين الجزائريين بسبب القوانين الزجرية في حقهم، ونذكر في هذا الشأن مرسوم حالة الطوارئ، ثم قانون العقوبات المعدل في جويلية 2001 م، حيث تم تشديد العقوبات على جنح الصحافة لا سيما القذف في حق رئيس الجمهورية والمسئولين السامين في الدولة. ولا زلنا إلى اليوم بقوانين تقر بسجن الصحافي عقابا له على كتاباته، والصحافيون يفتقدون لأدنى حماية في ممارسة مهامهم، فهم أول من يكون محل متابعة وتعنيف لما يكتبون عن الفساد، ويكفي في هذا الشأن ذكر عدد الصحافيين الذين مثلوا أمام المحاكم، أو أدخلوا السجن وعانوا من المضايقات وتلقيهم عشرات الاستدعاءات لأنهم أدانوا سوء التسيير والتجاوزات بالإضافة لحالات حرمان مراسلين أجانب من الاعتماد.

معاناة الصحفي لا تتوقف في حدود الحصار الذي تفرضه الخطوط الحمراء، بل تتعدى ليضيق به مكان عمله في التحرير والعمل، فكثير هي الصحف التي لا تتوفر على مكاتب وحتى وإن وجدت فهي تضيق بأهلها كون ولليوم لم توفر الدولة مكان يسع الجميع رغم الوعود… ويمضى الصحفي في العمل ليواجه حصار أخر عن سابقه يتمثل في شبح الحياة الاجتماعي فالكثير منهم يعانون الويل في حياتهم بحثا على لقمة العيش ويحلمون بالحصول على حاسوب محمول، ناهيك عن معاناتهم في الحصول على سكن يأويهم، أو على الأقل رفع الأجور التي لا يتعدى في أحسن الحالات 300 دولار… إلا أن كرامتهم لا تسمح لهم بالتشهير بوضعيتهم المأساوية… فقد وصل الأمر إلى حد مطالبة أحد الصحفيين بالتبرع بكليته مقابل الحصول على مبلغ مالي لشراء بيت لعائلته التي تعيش في الشارع بعد طردها من مسكنها، والأدهى من ذلك أن المساعدة التي تلقاها المعني جاءت من بلد العراق الذي يقبع تحت وطأة الاحتلال، في وقت أدارت – فيه السلطة والنقابات وحتى مؤسسات عمل فيها من قبل كصحفي – ظهرها ولم تكترث لوضعيته، وكثيرون هم أمثال هذا الصحفي…

الواقع المزري يدفعنا للحديث عن واقع التشغيل في هذا القطاع الذي أصبح استغلاليا بقطاعه العام والخاص، فكثير هي الأقلام الشابة، بل يتعدى حتى ليشمل مختلف شرائح رجال الإعلام الذين يواجهون البيروقراطية والإقصاء في مختلف المؤسسات الإعلامية، زد على ذلك وجود ظاهرة التشغيل بعقود ما قبل العمل لتقليل من النفقات ليجد الإعلامي نفسه بعد عام من الاستغلال عاطل عن الشغل ويبحث عن مصير جديد ليبدأ حياته من جديد.. وما يحمس المدراء والمسئولين هم أصحاب الوظائف المزدوجة ذوى الخبرة في جلب الأموال بطرق إلتوائية، ويكون جزاءهم جزء من ذاك المال وقد يتجاوزه إلى منصب عمل في تلك المؤسسات أو لأحد أقاربهم من لا علاقة له بالصحافة…

ورغم الحصار المضروب إلا أن المحيط القانوني في الجزائر ساعد على وجود حرية إعلامية وتعددية عبر صفحات الصحف ارتبطت بالتعددية السياسية التي عجلت الأحداث المأساوية في تشكلها، فكانت مضربا للمثل عربيا وحتى دوليا، وجعل من الجزائر بلد له السبق في بناء صحافة حرة بلغت الجرأة ما لم تبلغه حتى صحافة بعض الدول الديمقراطية وحرية لتعبير، إلا أن هذه الصورة لم تعمر طويلا فتحول إلى بلد يتلذذ بسجن الصحفيين وملاحقتهم عند كل منعرج وكأنهم مجرد مجرمين…

لقد سمحت تلك الحقبة إلى إصدار ستين يومية ونحو مائة أسبوعية، وفُرض توازي بين الصحف المكتوبة باللغة العربية والمكتوبة باللغة الفرنسية كون الساحة الجزائرية تتميز بثنائية الملكية، والسوق اليوم يضم ست صحف حكومية والباقي خاصة، لأفراد وأحزاب، الخاصة تسعى للإثارة والانتشار’ والحكومية تعمل على التأكيد أن كل شيء على ما يرام..

الوضع الذي آلات له الصحافة الجزائرية يتطلب اتخاذ الإجراءات والضوابط الملائمة لترشيد الصحافة لخدمة الثقافة والفكر بهدف تغيير المجتمع نحو الأفضل، ومواجهة الإعلام الثقيل، والتصدي لهيمنته الدولة التي تتضح جليا من خلال سيطرتها على وكالة الأنباء والتلفزيون والإذاعة، وفرضها رقابة مشددة على مصدر الخبر، زد على ذلك إعلان السلطة صراحة أنها لن تفتح مجال الإعلام السمعي بطري أمام التعددية إلى حين تشاء..

وأمام هذا السد يلجأ المواطن إلى الفضائيات العالمية التي تلقى صدى كبير أمام شح التلفزيون والإذاعة للأخبار والبرامج والأعمال الهادفة كما ومضمونا حتى باتت هذه الوسائل يتيمة غائبة من قائمة القنوات المفضلة لدى أفراد المجتمع، وما يزيد نفور الفرد لها اتباع هذه الوسائل لغة إعلامية لا تزال أسيرة لغة فارغة ومطنبة بمفردات الثناء على كل ما هو رسمي بغية التلميع الدائم للسراب.. والكل يعلم مدى التأثير الكبير لهذه الوسائل الإعلامية في بلد بلغت نسبة الأمية فيه الـ 30 % من مجوع السكان، ونفهم لماذا تصر السلطة على احتكارها، وتشجيعها للبرامج الهزيلة وعديمة المنفعة والمصداقية ومثيرة السخرية، فالسبب يكمن في مستوى ومدى وعي المسئولين المسيرين للتلفزيون بقنواته الثلاث والإذاعة بقنواتها الوطنية ومحطاتها الجهوية…

من الترف الحديث عن صحافة حرة ومتطورة في الجزائر، في ظل انعدام منظمات قوية لأهل المهنة ونواد وتقاليد نقابية، وفضاءات حرة لمناقشة القضايا الأخلاقية والمهنية والاجتماعية. هذا الوضع غذته انقسامات فكرية وولاءات سياسية ودوافع مصلحية، والقوى التي تخيفها حرية التعبير لا تقبل بوجود هذه الفضاءات. لذلك لا عجب أن تصنف الجزائر في الرتبة 129 من بين 167 دولة تعاني من غياب حرية التعبير، في ترتيب منظمة “محققون بلا حدود” غير الحكومية الصادر في العام المنصرم 2022، بمعنى أن الجزائر فقدت 34 نقطة مقارنة بأول ترتيب أقامته نفس المنظمة سنة 2022 وهي عام بعد عام تتأخر في الترتيب ومن غير شك أن مرتبة العام 2022 لن يؤشر عليها بالأخضر، طالما أن هناك قوانين تجرّم الصحافيين بحجة القذف والتشهير فالصحفي وإن انحرف بكتاباته أو تمادى ربما في الإساءة لا يمكن أن يعامل معاملة المجرم لأن الرأي حتى وإن كان لم يعجب البعض يبقى رأيا، إضافة للقائمة السوداء التي تتضمن أزيد من 60 صحيفة تم تعليقها وتمنع من الصدور لعدة تبريرات، فضلا عن سياسة التضييق المتواصل على مصادر الخبر والتوزيع غير المنصف للإشهار، والأهم لماذا تعجز الحكومات المتوالية عن إنجاب قانون للإعلام يكون في مستوى طموحات كل المهتمين بهذا القطاع الاستراتيجي ؟

لقد تلقى الوسط الإعلامي عدة دعوات من مختلف الوزراء المتعاقبين على قطاع الإعلام من رحباني إلى هيشور مرورا بمحي الدين عميمور وخليدة تومي ومحمد عبو، فكل هؤلاء جمعوا الصحفيين في لقاءات لإثراء مسودة مشروع قانون للإعلام لم ير النور أبدا، شأنه شأن مجلس أخلاقيات المهنة… واليوم الدور على الوزير الهاشمي جيار لتنشيط المشاريع المتأخرة خاصة أنه أكد أنه هناك إرادة سياسية قوية لتأهيل قطاع الإعلام بمختلف تشكيلاته.

والواقع اليوم ورغم الصورة المحتشمة للصحافة الجزائرية إلا أنها سجلت حضورا في ميدان جديد قد يجهله الكثير هو الإعلام الإلكتروني من خلال إطلالة مجموعة من المواقع الإعلامية المهتمة بالأخبار وتحاليل الأحداث أو حتى الإطلالة الإلكترونية للصحف المطبوعة، فكان لهذه المواقع إسهامات مهمة في استخدام الإنترنت كوسيلة صحفية، باعتبارها وسيلة تكنولوجية مفتوحة المجال نحو العالمية للحريات عبر كل المجتمعات.

الظاهرة ورغم حداثتها وجدت صدى لدى الجزائريين في الداخل والخارج أيضاً، رغم أنه من المبكر جداً الحكم عليها ومدى تأثيرها على مستقبل الصحافة بالنظر إلى أن صحافة الورق لا تزال إلى اليوم سيدة الموقف، فإن ذلك لا ينسينا ما نراه في جيل الشباب من افتتان بالمواقع الإلكترونية متابعة لها واستفادة مما تضخه من معلومات بسرعة ومهنية عالية رغم حداثتها”.


السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهن بارك الله فيكم على ما تقدمونه من خير للطلبة و الاساتذة.

التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

واقع الصحافة المكتوبة العربية

واقع الصحافة المكتوبة العربية الجزائر نمودجا:
تعتبر الصحافة في مختلف دول العالم من وسائل الإعلام الأكثر أهمية للتحكم في الأوضاع وتوجيهها لخدمة أغراض وأهداف وطنية أو لخدمة السلطة أو الجهة المالكة للصحافة، ومع التطور الهائل في تكنولوجيا وسائل الاتصال، من أقمار صناعية وشبكات عنكبوتية باتت تغطي جهات المعمورة الأربع وتصل إلى أقصى نقطة فيها، متيحة الفرصة للعاملين في مجال الأخبار لنقل أدق تفاصيل الخبر وآخر تطوراته لحظة بلحظة، والتعليق عليه وتحليله على الهواء مباشرة من موقع الحدث، بالتوازي مع أجهزة الهاتف الجوال التي أضحت ناقلا مهما للأخبار الطارئة التي تأتينا عبر الرسائل القصيرة، تمكنت الصحافة من الازدهار وأصبحت تستأثر باهتمامات مختلف الأوساط، وتمثل مجال استقطاب للعديد من مراكز اتخاذ القرارات ومجموعات المصالح.

غير أن هذا التطور المذهل في عالم الصحافة أدخل الجزائر منذ الانفتاح الديمقراطي الذي أقره دستور 23 فبراير 1989 م في طوفان إعلامي سببه قضية جوهرية، هو أن طبيعة النظام السياسي لا يقبل إلا بهامش يسير من الحرية على ضيقه… وعندما نتكلم عن هامش الحرية في الجزائر اليوم، يقودنا الحديث عن حرية التعبير التي تتميز بها الصحافة الخاصة المكتوبة فقط، رغم أن معظمها ينتهج أسلوب اختلاق الخبر والانتقائية والكيل بمكيالين..

قد يعطي حال الصحافة المكتوبة في الجزائر الانطباع بأنها مشرقة، لكنها في الحقيقة بائسة، بل شديدة البؤس.. وعنوان بؤسها هو احتكار المطابع ففي الجزائر ست مطابع كبيرة تسيطر الحكومة على خمسة منها تطبع لجل الصحف التي تبقى رهينة التوقيت الذي تحدده لها لتسليم الصفحات حتى يمكن سحب الصحيفة، وحتى حجم سحب كل صحيفة مرهون بطاقة هذه المطابع التي تعاني الاكتظاظ، بغض النظر على قدرة كل عنوان على استقطاب القراء. فيما يبقى مشروع مطبعة الجنوب متوقف والمطابع الخاصة بالشرق والغرب تنتظر الفرج، علاوة على أنها بحاجة إلى ضمانات كبيرة..

وما يزيد بؤس الصحافة المكتوبة مشكل الورق المستعمل في الطباعة، فالورق المستعمل مستورد ولا تتوفر فيه أدنى المعايير والشروط المعمول بها عالميا، ناهيك عن تمسك الصحف بالشكل المتوارث من الحقب الماضية واقتصارها على أربعة وعشرين صفحة أو ما يزيد بقليل، وسعيا منها لارتقاء بمستوى الصحافة الإلكترونية من حيث المحتوى والشكل انتهجت طريقة “نسخ لصق” باقتباس المواضيع، بل يزيد بسرقة ما ينشر في المواقع الإخبارية ونسبها لبعض صحفييها…
ويتفاقم بؤسها باحتكار المال حيث أصبحت مداخيل الإشهار تضمنها الوكالة الوطنية للنشر والإشهار للصحف المخنوقة بفضل تعليمة الحكومة الصادرة في ماي 2022، والتي تجبر المؤسسات العمومية على تمرير إعلاناتها على وكالة الإشهار العمومية قبل أن يتم توزيعها على الصحف. وهو قرار يرهن تسليم الإشهار العمومي إلا للتلميذ النجيب الذي يحفظ الدروس، فالكثير من الصحف اختفت لأسباب تجارية، وأخرى متعلقة بعقاب السلطة لها على خطها الافتتاحي حتى باتت الصحف التي فلتت من احتواء السلطة شديد الحرص على توازنها المالي أو ربحها، وتموقعها في بيئة اقتصادية يميزها الفساد والصراع المستميت حول الريع.. وربما يتعدى التغطية على الفساد وأحيانا المشاركة فيه والاغتراف منه..

البؤس يتسع ليشمل الصحافيين الجزائريين بسبب القوانين الزجرية في حقهم، ونذكر في هذا الشأن مرسوم حالة الطوارئ، ثم قانون العقوبات المعدل في جويلية 2001 م، حيث تم تشديد العقوبات على جنح الصحافة لا سيما القذف في حق رئيس الجمهورية والمسئولين السامين في الدولة. ولا زلنا إلى اليوم بقوانين تقر بسجن الصحافي عقابا له على كتاباته، والصحافيون يفتقدون لأدنى حماية في ممارسة مهامهم، فهم أول من يكون محل متابعة وتعنيف لما يكتبون عن الفساد، ويكفي في هذا الشأن ذكر عدد الصحافيين الذين مثلوا أمام المحاكم، أو أدخلوا السجن وعانوا من المضايقات وتلقيهم عشرات الاستدعاءات لأنهم أدانوا سوء التسيير والتجاوزات بالإضافة لحالات حرمان مراسلين أجانب من الاعتماد.

معاناة الصحفي لا تتوقف في حدود الحصار الذي تفرضه الخطوط الحمراء، بل تتعدى ليضيق به مكان عمله في التحرير والعمل، فكثير هي الصحف التي لا تتوفر على مكاتب وحتى وإن وجدت فهي تضيق بأهلها كون ولليوم لم توفر الدولة مكان يسع الجميع رغم الوعود… ويمضى الصحفي في العمل ليواجه حصار أخر عن سابقه يتمثل في شبح الحياة الاجتماعي فالكثير منهم يعانون الويل في حياتهم بحثا على لقمة العيش ويحلمون بالحصول على حاسوب محمول، ناهيك عن معاناتهم في الحصول على سكن يأويهم، أو على الأقل رفع الأجور التي لا يتعدى في أحسن الحالات 300 دولار… إلا أن كرامتهم لا تسمح لهم بالتشهير بوضعيتهم المأساوية… فقد وصل الأمر إلى حد مطالبة أحد الصحفيين بالتبرع بكليته مقابل الحصول على مبلغ مالي لشراء بيت لعائلته التي تعيش في الشارع بعد طردها من مسكنها، والأدهى من ذلك أن المساعدة التي تلقاها المعني جاءت من بلد العراق الذي يقبع تحت وطأة الاحتلال، في وقت أدارت – فيه السلطة والنقابات وحتى مؤسسات عمل فيها من قبل كصحفي – ظهرها ولم تكترث لوضعيته، وكثيرون هم أمثال هذا الصحفي…

الواقع المزري يدفعنا للحديث عن واقع التشغيل في هذا القطاع الذي أصبح استغلاليا بقطاعه العام والخاص، فكثير هي الأقلام الشابة، بل يتعدى حتى ليشمل مختلف شرائح رجال الإعلام الذين يواجهون البيروقراطية والإقصاء في مختلف المؤسسات الإعلامية، زد على ذلك وجود ظاهرة التشغيل بعقود ما قبل العمل لتقليل من النفقات ليجد الإعلامي نفسه بعد عام من الاستغلال عاطل عن الشغل ويبحث عن مصير جديد ليبدأ حياته من جديد.. وما يحمس المدراء والمسئولين هم أصحاب الوظائف المزدوجة ذوى الخبرة في جلب الأموال بطرق إلتوائية، ويكون جزاءهم جزء من ذاك المال وقد يتجاوزه إلى منصب عمل في تلك المؤسسات أو لأحد أقاربهم من لا علاقة له بالصحافة…

ورغم الحصار المضروب إلا أن المحيط القانوني في الجزائر ساعد على وجود حرية إعلامية وتعددية عبر صفحات الصحف ارتبطت بالتعددية السياسية التي عجلت الأحداث المأساوية في تشكلها، فكانت مضربا للمثل عربيا وحتى دوليا، وجعل من الجزائر بلد له السبق في بناء صحافة حرة بلغت الجرأة ما لم تبلغه حتى صحافة بعض الدول الديمقراطية وحرية لتعبير، إلا أن هذه الصورة لم تعمر طويلا فتحول إلى بلد يتلذذ بسجن الصحفيين وملاحقتهم عند كل منعرج وكأنهم مجرد مجرمين…

لقد سمحت تلك الحقبة إلى إصدار ستين يومية ونحو مائة أسبوعية، وفُرض توازي بين الصحف المكتوبة باللغة العربية والمكتوبة باللغة الفرنسية كون الساحة الجزائرية تتميز بثنائية الملكية، والسوق اليوم يضم ست صحف حكومية والباقي خاصة، لأفراد وأحزاب، الخاصة تسعى للإثارة والانتشار’ والحكومية تعمل على التأكيد أن كل شيء على ما يرام..

الوضع الذي آلات له الصحافة الجزائرية يتطلب اتخاذ الإجراءات والضوابط الملائمة لترشيد الصحافة لخدمة الثقافة والفكر بهدف تغيير المجتمع نحو الأفضل، ومواجهة الإعلام الثقيل، والتصدي لهيمنته الدولة التي تتضح جليا من خلال سيطرتها على وكالة الأنباء والتلفزيون والإذاعة، وفرضها رقابة مشددة على مصدر الخبر، زد على ذلك إعلان السلطة صراحة أنها لن تفتح مجال الإعلام السمعي بطري أمام التعددية إلى حين تشاء..

وأمام هذا السد يلجأ المواطن إلى الفضائيات العالمية التي تلقى صدى كبير أمام شح التلفزيون والإذاعة للأخبار والبرامج والأعمال الهادفة كما ومضمونا حتى باتت هذه الوسائل يتيمة غائبة من قائمة القنوات المفضلة لدى أفراد المجتمع، وما يزيد نفور الفرد لها اتباع هذه الوسائل لغة إعلامية لا تزال أسيرة لغة فارغة ومطنبة بمفردات الثناء على كل ما هو رسمي بغية التلميع الدائم للسراب.. والكل يعلم مدى التأثير الكبير لهذه الوسائل الإعلامية في بلد بلغت نسبة الأمية فيه الـ 30 % من مجوع السكان، ونفهم لماذا تصر السلطة على احتكارها، وتشجيعها للبرامج الهزيلة وعديمة المنفعة والمصداقية ومثيرة السخرية، فالسبب يكمن في مستوى ومدى وعي المسئولين المسيرين للتلفزيون بقنواته الثلاث والإذاعة بقنواتها الوطنية ومحطاتها الجهوية…

من الترف الحديث عن صحافة حرة ومتطورة في الجزائر، في ظل انعدام منظمات قوية لأهل المهنة ونواد وتقاليد نقابية، وفضاءات حرة لمناقشة القضايا الأخلاقية والمهنية والاجتماعية. هذا الوضع غذته انقسامات فكرية وولاءات سياسية ودوافع مصلحية، والقوى التي تخيفها حرية التعبير لا تقبل بوجود هذه الفضاءات. لذلك لا عجب أن تصنف الجزائر في الرتبة 129 من بين 167 دولة تعاني من غياب حرية التعبير، في ترتيب منظمة “محققون بلا حدود” غير الحكومية الصادر في العام المنصرم 2022، بمعنى أن الجزائر فقدت 34 نقطة مقارنة بأول ترتيب أقامته نفس المنظمة سنة 2022 وهي عام بعد عام تتأخر في الترتيب ومن غير شك أن مرتبة العام 2022 لن يؤشر عليها بالأخضر، طالما أن هناك قوانين تجرّم الصحافيين بحجة القذف والتشهير فالصحفي وإن انحرف بكتاباته أو تمادى ربما في الإساءة لا يمكن أن يعامل معاملة المجرم لأن الرأي حتى وإن كان لم يعجب البعض يبقى رأيا، إضافة للقائمة السوداء التي تتضمن أزيد من 60 صحيفة تم تعليقها وتمنع من الصدور لعدة تبريرات، فضلا عن سياسة التضييق المتواصل على مصادر الخبر والتوزيع غير المنصف للإشهار، والأهم لماذا تعجز الحكومات المتوالية عن إنجاب قانون للإعلام يكون في مستوى طموحات كل المهتمين بهذا القطاع الاستراتيجي ؟

لقد تلقى الوسط الإعلامي عدة دعوات من مختلف الوزراء المتعاقبين على قطاع الإعلام من رحباني إلى هيشور مرورا بمحي الدين عميمور وخليدة تومي ومحمد عبو، فكل هؤلاء جمعوا الصحفيين في لقاءات لإثراء مسودة مشروع قانون للإعلام لم ير النور أبدا، شأنه شأن مجلس أخلاقيات المهنة… واليوم الدور على الوزير الهاشمي جيار لتنشيط المشاريع المتأخرة خاصة أنه أكد أنه هناك إرادة سياسية قوية لتأهيل قطاع الإعلام بمختلف تشكيلاته.

والواقع اليوم ورغم الصورة المحتشمة للصحافة الجزائرية إلا أنها سجلت حضورا في ميدان جديد قد يجهله الكثير هو الإعلام الإلكتروني من خلال إطلالة مجموعة من المواقع الإعلامية المهتمة بالأخبار وتحاليل الأحداث أو حتى الإطلالة الإلكترونية للصحف المطبوعة، فكان لهذه المواقع إسهامات مهمة في استخدام الإنترنت كوسيلة صحفية، باعتبارها وسيلة تكنولوجية مفتوحة المجال نحو العالمية للحريات عبر كل المجتمعات. الظاهرة ورغم حداثتها وجدت صدى لدى الجزائريين في الداخل والخارج أيضاً، رغم أنه من المبكر جداً الحكم عليها ومدى تأثيرها على مستقبل الصحافة بالنظر إلى أن صحافة الورق لا تزال إلى اليوم سيدة الموقف، فإن ذلك لا ينسينا ما نراه في جيل الشباب من افتتان بالمواقع الإلكترونية متابعة لها واستفادة مما تضخه من معلومات بسرعة ومهنية عالية رغم حداثتها”
تقرير مراسلين بلا حدود حول الجزائر
التقرير السنوي للعام2008
بالرغم من هشاشة الصحافة المستقلة الجزائرية، إلا أنه لا مناص منها. تتصدّى للسلطات أكثر من أي حزب سياسي من أحزاب المعارضة، مساهمةً في تشكيل ثقافة ديمقراطية. بيد أن العدد الملفت للصحف المطروحة في السوق لا يدل بأي حال من الأحوال على سيادة حرية التعبير والتعددية الإعلامية.
في التاسع من نيسان/أبريل الماضي، أعيد انتخاب عبد العزيز بوتفليقة على رأس الجزائر لولاية ثالثة. وفي أيار/مايو 2022، وغداة إعادة انتخابه للمرة الأولى، جدد إصراره “على صون حرية التعبير” في الجزائر معتبراً في بيان صحافي أنه متمسّك بضمان “الممارسة الفعلية لحرية التعبير للجميع بما يتماشى مع أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. إلا أن الوضع لم يشهد أي تغييرات ملحوظة بالرغم من هذه الالتزامات المؤيّدة لحرية التعبير.
لا تزال عقوبات السجن والغرامات تفرض على كل من يرتكب جنح صحافة علماً بأن المادة 144 مكرر من قانون العقوبات الجزائري (المرعي الإجراء منذ العام 2001) تنص على عقوبات بالسجن تتراوح بين عامين واثني عشر عاماً وغرامات لكل تصريح يعتبر تشهيرياً. ولا شك في أن التهديد بالسجن هذا بيقى سيفاً مسلطاً على كل الصحافيين الجزائريين. فإذا بالدعاوى القضائية المرفوعة ضدهم ومدراء المؤسسات الإعلامية تزداد فيما لا تفرغ المحاكم منها.
وبالرغم من نهاية احتكارها لقطاع الصحافة في العام 1989 الذي سمح لعدة صحف بأن تبصر النور، إلا أن الحكومة الجزائرية لا تزال تحتفظ بسيطرتها على الطباعة والنشر. صحيح أن الخبر والوطن تمكنتا من إنشاء مؤسسة مستقلة تتولى إدارة مطبعتين ونظام توزيع مستقل (“مؤسسة الجزائر للطباعة والنشر الصحافي”)، لكن هاتين الصحيفتين اليوميتين تستفيدان وحدهما منها. أما الصحف الأخرى فتعتمد كلياً على مطابع الدولة. ولم يساهم إنشاء وزارة الاتصال في تموز/يوليو 2022 مجموعة من الشركات إلا في تعزيز سيطرة الدولة على هذا الميدان. وبالتالي، يعدّ هذا النظام كفيلاً بالحد من أي هامش تحرّك قد تستفيد منه الصحف الراغبة في إلقاء نظرة انتقادية على المجتمع والحياة السياسية الجزائرية. وينطبق الوضع نفسه على توزيع الصحف: باستثناء الخبر والوطن اللتين نجحتا في إرساء شبكة مستقلة، لا تزال الصحف الأخرى تعتمد على شركات التوزيع التابعة للدولة.
مع احتكار استيراد الأوراق، تستكمل السلطات الجزائرية فرض سيطرتها مع الإشارة إلى أنها تملك سلاحاً اقتصادياً إضافياً ضد المتمرّدين عبر احتكارها لتوزيع الإعلانات. فمنذ نيسان/أبريل 1968، تتولى الوكالة الوطنية للنشر والإعلان المنشأة في كانون الأول/ديسمبر 1967 توزيع إعلانات الإدارات والشركات وفقاً للخطوط الافتتاحية، مخصصةً أموالها للصحف المقرّبة من النظام أولاً. ولا يزال القطاع المرئي والمسموع في قبضة السلطة منذ العام 1963.
ولا تتوانى السلطات الجزائرية عن حظر نشر الصحف الدولية في الجزائر باستمرار. ففي بداية نيسان/أبريل 2022، تعرّضت المنشورات الفرنسية الثلاث لكسبرس وماريان وجورنال دو ديمانش للحجب عشية الانتخابات الرئاسية. وفي السابع من آذار/مارس 2022، حظر توزيع أسبوعية أفريك ماغازين بتهمة “الإساءة إلى القيم الوطنية” تماماً كما العدد 2991 من أسبوعية لكسبرس بتاريخ 30 تشرين الأول/أكتوبر 2022 بتهمة “الإساءة إلى الإسلام”. وفيالصحـــافة المكتوبة العربية في مواجهة الصحافة الإلكترونية
إذا اندثرت الصحافة الورقية فلتندثرْ. هذا كل ما يمكن قوله عن أنباء نعيها المتواترة منذ ظهور الراديو، ثم التلفزيون، وأخيراً الكومبيوتر، وشبكة الإنترنت. و”الأخبار السيئة تنتقل بسرعة، حسب المثل الإنجليزي. وقد بلغت سرعة انتقال أخبار نهاية الصحافة الورقية حدّ أن العالم ما يزال يحاول اللحاق بها منذ مطلع القرن الماضي. هل يعود ذلك إلى أن الناس يعز عليهم التخلي عن عادة قراءة الصحف الورقية، أم أن نهايتها أضغاث أحلام؟

يتوقف الجواب على ما إذا كنا من مالكي إمبراطوريات إعلامية، كالاسترالي “روبرت مزدوج الذي خسرت شركته العملاقة “نيوزكورب” ثلاثة مليارات و400 مليون دولار في العام الماضي، أو كنا من مُنّظري الإعلام، كالكاتب الأميركي “كلاي شيركي” الذي يعلن ابتهاجه بالوفرة التي جلبتها شبكة الإنترنت للنشر الصحافي. هذا بعض ما يُتوقع أن يناقشه مؤتمر “الصحافة الورقية بين الواقع والطموح” الذي تعقده صحيفة “الاتحاد” في أبوظبي الأسبوع المقبل. والمؤتمر الذي سيشارك فيه عدد من أبرز المفكرين العرب، مكان جيد لبحث فشل الصحافة العالمية في بيع طبعاتها على “الإنترنت”. هل يعود ذلك إلى توقيت البيع مع الأزمة المالية، أم لأن قراء الإنترنت يريدونها مجانية؟

روبرت مردوخ، ناشر صحف عالمية عدة، بينها “تايمز” البريطانية العريقة، و”صن” التي تعتبر أكثر الصحف الشعبية رواجاً، أعلن أخيراً عزمه على إنهاء القراءة المجانية لصحفه على الإنترنت في العام المقبل. وسيبدأ نهاية الشهر القادم في فرض أجور على قراء الطبعة الإلكترونية لصحيفته الأسبوعية “صانداي تايمز”. وهذا هروب إلى الأمام. فصحيفة “صانداي تايمز” التي كانت “البقرة الحلوب” لتغطية خسارة الصحف الأخرى، سجلت في العام الماضي لأول مرة خسارة بلغت نحو 25 مليون دولار، بعد أن كانت قد حققت أرباحاً بلغت نحو 85 مليون دولار عام 2022. ورغم نجاح مردوخ في إقامة إمبراطورية إعلامية، تشمل فضائية “سكاي”، لا يتوقع المراقبون أن يعيد التاريخ نفسه، وأن ينجح كما في ثمانينيات القرن الماضي في تحدي قواعد السوق الإعلامية العالمية.

ولم تفلح لحد الآن سوى “وول ستريت جورنال” الأميركية، و”فاينانشيال تايمز” البريطانية في تقاضي أجور من قراء طبعاتهما الإلكترونية. يعود ذلك إلى طبيعة مادة الصحيفتين اللتين تعتبران أكبر صحف المال والأعمال العالمية، ومعظم قرائهما رجال أعمال لا يدفعون أجور الاشتراك من جيبهم الخاص، بل عبر شركاتهم.

وقد فشلت الصحف العامة في ذلك، لأن “جدار الأجور” يقلل عدد قراء الطبعة الإلكترونية وبالتالي إعلاناتها. تذكر ذلك “فيفيان شيلر”، المديرة العامة السابقة لصحيفة “نيويورك تايمز” التي تعتبر أكثر الصحف الأميركية نفوذاً. وكانت “شيلر” قد فرضت أجوراً عام 1996 على قراءة الطبعة الإلكترونية، رغم اعتراض كتابها المرموقين، ولم تتراجع عن قرارها إلاّ عندما وجدت أنه يؤدي إلى هبوط الإعلانات على موقع الصحيفة في الإنترنت.

وسار في الاتجاه المعاكس تماماً الملياردير الروسي “ألكساندر ليبيديف” الذي شرع هذا الأسبوع بتوزيع صحيفة “إيفننغ ستاندرد” اللندنية مجاناً. وكان ليبيديف قد اشترى، ولقاء جنيه استرليني واحد، الصحيفة التي كانت تسجل خسارة كبيرة بملايين الدولارات شهرياً، رغم أنها الصحيفة المسائية الوحيدة. ويتوقع أن يقضي بيعها مجاناً على صحف مجانية أخرى ستفقد الإعلانات، مصدر رزقها الوحيد. وهذه مفارقة ظريفة إذا صح ادّعاء الصحف أن ليبيديف كان جاسوساً سوفييتياً!

ويبدو الموضوع بالنسبة لكثير من منظري الإعلام، كما رآه الفيلسوف الألماني كارل ماركس، الذي كان يتندر على نصيحة أم زوجته بأن يكوِّن بدلا من الكتابة عن “الرأسمال” رأسمالا يعيش منه! نظرة ماركس المتفائلة حول دور القوى المنتجة في التاريخ، تشكل أساس فلسفات حالية عن تأثير التكنولوجيا الإلكترونية على الصحافة والإعلام عموماً. الكاتب الأميركي “كلاي شيركي” يعتبر وفرة الإنتاج أهم مشكلة تواجهها صناعة النشر منذ اختراع الألماني “غوتنبرغ” الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر. إنتاج نسخة من كتاب أصبح يستغرق وقتاً أقل من قراءته، والأمر نفسه في النشر الصحفي الذي ولد عقب اختراع الطباعة مباشرة. الوفرة في الإنتاج طرحت مشكلة اختيار الكتب أو المقالات التي تستحق النشر، وأدى هذا إلى ظهور المحررين الذين يقوم دورهم الإبداعي على اختيار ما يُنشر وتنقيحه.

هذه الوفرة في الإنتاج أصبحت مع ظهور شبكة الإنترنت وفرة في المنتجين. فالإنترنت نقل آلية إعادة الإنتاج والتوزيع إلى شبكة هياكل ارتكازية مفتوحة لكل من يشارك فيها. ولا تعاني أجهزة الكومبيوتر المشاركة في هذه العملية من عدم التوازن بين سعر شراء جهاز تلفزيون وكلفة امتلاك محطة تلفزيون. فالتوازن هنا كما في استخدام الهاتف، حيث يمكن لمن يسمع أن يتكلم، ولمن يقرأ أن ينشر. ولا يعني هذا في تقدير الكاتب الأميركي أن موهبة التحرير الصحفي أصبحت مبذولة، بل يعني توفر فرص أكثر لعرض مواهب الموهوبين الذين يظلون قلة. ويتيح النشر على الإنترنت الفرصة حتى لمن يُسمون “أصحاب القصيدة الواحدة” أن ينشروها حول العالم من دون الحاجة إلى إيجاد ناشر والخضوع لعقود النشر. لقد زالت القيود الاقتصادية، ولم يعد السؤال الملح لهواة الكتابة هو: “لماذا ننشر هذا”؟ بل أصبح: “لماذا لا”؟!

هذا التحول حقق أعظم زيادة في القدرات التعبيرية في تاريخ البشرية: ناس أكثر يمكن أن يوصلوا أشياء أكثر لأناس أكثر مّما في أي وقت مضى. هل نندب الآن ثقافة الإعلام على هذا العدد الكبير من المشاركين، وعلى الهبوط بالنوعية، وتدمير هيبة صناعة النشر؟ الجواب على ذلك ليس هو أن نريد وسيلة إعلامية تتيح لكل شخص أن ينتج مضموناً، بل كيف نستخدمها. فالصحافة الورقية ليست كل الصحافة، والصحفيون ليسوا كُتّابا من ورق، ومصطلح “الصحافة الورقية” قاصر عن الإحاطة بإبداعهم. ولن تندثر الصحافة الورقية ما لم يتم العثور على وسيلةأخف وزناً وأسهل حملا من الورق، وحروفها أوضح، يمكن تصفحها حتى في السرير، وأكاد أقول أزكى رائحة من الورق، وأن تملك في آن سحر الصحيفة الإلكترونية.

فهذه المقالة التي أكتبها على الكومبيوتر في ضواحي العاصمة البريطانية لندن، أُرسلها مباشرة عبر شبكة الإنترنت إلى مقر صحيفة “الاتحاد” في أبوظبي، حيث يراجعها محررو قسم “وجهات نظر”، وتُحول عبر الشبكة الداخلية للصحيفة إلى المصمم الذي يصممها ضمن الصفحة على شاشة الكومبيوتر، ثم تُبث الصفحات المصممة عبر الإنترنت إلى المطابع، فتُطبع على الورق، وتوزع عالمياً، وتُعرض في الآن ذاته في موقع “الاتحاد” على شبكة “الإنترنت” ليقرأها القراء على شاشة الكومبيوتر أينما كانوا حول العالم. وبعض القراء يفضل طباعة المقالة على الورق، ويستمتع بقراءتها “صباح الأحد مع فنجان قهوة وسماء ممطرة وخريف برليني رمادي”. هل هناك أفضل تقدير لنجاح النشر الإلكتروني العربي من تحية روائية عراقية مغتربة منذ ربع قرن في ألمانيا؟

مستقبل الصحافة المكتوبة العربية :
مع انتشار الانترنت ونشر الصحف المكتوبة على المواقع الالكترونية، سجل تراجع ملحوظ للإعلام المكتوب. وكنا نتساءل باستمرار: هل ينتهي قريباً زمن الإعلام المكتوب؟ هناك أكثر من ظاهرة في انحسار الإعلام المكتوب لصالح الإعلام الالكتروني تجعل تساؤلنا أكثر إلحاحاً.
الإحصاءات والوقائع في السنوات الماضية ترسم صورة قاتمة لمستقبل الصحافة المكتوبة في أميركا، وربما في مناطق كثيرة في العالم. فمنذ عام 2000 انخفض توزيع الصحف في أميركا من 55 مليون نسخة إلى 50 مليوناً. وفي الفترة ذاتها انخفضت عائدات الصحف بنسبة 28 في المئة، أي بقيمة 11 مليار دولار، وهذه الاحصاءات لا تشمل الانخفاض الذي حصل بعد بدء أزمة الكساد الاقتصادي الراهن.
وتتضح بشاعة الخسائر حين تعطى وجهاً إنسانياً، إذ تبين الإحصاءات ان نحو 16 ألف وظيفة تبخرت من الإعلام التقليدي في 2022، ووصل عدد الوظائف التي ألغيت هذه السنة إلى 8484 وظيفة وفقاً لما جاء في صحيفة “بوليتيكو”. ومصير العديد من الباقين أي نحو خمسين ألف صحافي غير مضمون.
وفي الاشهر الأخيرة، حتى كبريات الصحف الأميركية اضطرت إلى تسريح مراسلين ومحررين بعد انخفاض عائداتها. وفي مقدم هذه الصحف “الواشنطن بوست” التي كشفت فضيحة ووترغيت، وأرغمت للمرة الاولى في تاريخ الولايات المتحدة رئيس البلاد ريتشارد نيكسون على الاستقالة. فقد انخفضت عائدات هذه الصحيفة في الفصل الرابع من السنة الماضية بنسبة 77 في المئة، واضطرت إلى إلغاء بعض الأقسام ودمجها بأقسام أخرى. وهناك أيضاً “النيويورك تايمس” التي تعتبر من أبرز الصحف الأميركية والعالمية وأكبرها، وكانت قد كشفت مجازر الحرب في فيتنام وأكاذيبها، اضطرت أخيراً إلى رهن مقرها في مدينة نيويورك في مقابل قرض بقيمة 250 مليون دولار وبفائدة 14 في المئة حصلت عليه من رجل الأعمال المكسيكي كارلوس سليم اللبناني الأصل الذي يملك أيضاً امبراطورية إعلامية.
واضطرت “النيويورك تايمز” أخيراً إلى تسريح مئة موظف وخفضت رواتب الآخرين بنسبة 5 في المئة، وزادت سعر الصحيفة ليصل إلى دولارين في بعض المناطق. وهذه الصحيفة تجد نفسها اليوم معرضة للشراء من رجال أعمال أثرياء من أمثال كارلوس سليم أو ديفيد غيفين (المنتج المعروف في هوليوود) أو روبرت موردوك صاحب الامبراطورية الإعلامية العالمية الذي اشترى صحيفة “الوول ستريت جورنال” النافذة. وقبل بضعة أسابيع تم إنقاذ صحيفة “البوسطن غلوب” القديمة والمهمة التي تملكها شركة “النيويورك تايمس” من نهاية محتمة بعدما تراجع موظفوها ونقابتهم عن رفضهم الاولي لقرار خفض رواتبهم. صحيفة “لوس انجلس تايمس” سرحت هذه السنة 300 موظف. صحيفة “ميامي هيرالد” سرحت 205 موظفين.. وهكذا. وأغلق بعض هذه الصحف، وغيرها مكاتبها في واشنطن أو قلصتها جداً، ولم يعد لمثل هذه الصحف أي حضور في العالم كما كان الوضع في السابق. وحتى في مناطق النزاع أو المناطق المهمة للأميركيين اقتصادياً واستراتيجياً أو ثقافياً، لم تعد تحظى بتغطية وافية من جميع وسائل الإعلام الأميركية، بما في ذلك العراق وافغانستان (العامل الأمني والخطر على حياة المراسلين كان أيضاً سبباً مهماً)، ولكن العامل الأساسي هو عامل اقتصادي. ولشبكة التلفزيون الأميركية المهمة “ان بي سي” مراسل واحد يجول في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وإذا استمرت هذه الأنماط سيستمر انكماش الصحف، وستختفي ظاهرة وجود صحيفتين على الأقل في المدن الأميركية الكبيرة، وربما حرمان بعض هذه المدن صحيفة واحدة.
وإذا نظرنا إلى الإعلام المكتوب في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية وجدنا ان المؤشرات التجارية لهذا الإعلام لم تشهد أي تطور ملحوظ منذ عام 2022. إلا ان التراجع المؤثر في الميزانيات المعتمدة، شهده قطاع الاعلانات في حقل الصحافة، وهو القطاع الأهم تمويلياً. وقد تراجع بنسبة 3.1 في المئة، ليقف عند حاجز 4.15 مليارات يورو. وكانت صحيفة “لومانيتي” الشيوعية الفرنسية قد تعرضت لأزمة خانقة، فعمدت عندها إلى جمع مليون يورو من تبرعات قرائها للخروج من الأزمة موقتاً. هذا وان أزمة هذه الصحيفة لم تكن فريدة من نوعها في فرنسا، فقد سبقتها صحيفة “لوموند” إلى الوقوع في مثل هذا الاختناق المالي، حين شهدت أول اضراب للعاملين في هذه المطبوعة منذ عام 1976. تبعه لاحقاً إضرابان آخران، احتجاجاً على قيام الادارة بإلغاء 130 وظيفة للحد من الخسائر (ربع الوظائف في الصحيفة!). وفي “لوفيغارو” أضرب الموظفون احتجاجاً على إلغاء أكثر من 50 وظيفة لتقليص النفقات، في ظل تدهور الأوضاع المالية للصحف الفرنسية التاريخية، وهزيمتها في منافسة الصحف المجانية والمحلية من جهة، وعالم الانترنت المعلومة من جهة اخرى. وفي تقرير للرابطة العالمية للصحف، أشار إلى أن الدول المتقدمة تشهد منذ مطلع القرن انخفاضاً في اقتصاد الاعلام المكتوب. وقد انخفض مثلاً عدد نسخ الصحف الموزعة في أوروبا خلال ثلاث سنوات من أكثر من 80 مليون نسخة يومياً، إلى أقل من 76 مليون نسخة. وفي اليابان، انخفضت نسبة مبيعات الصحف في خمس سنوات 2.6 في المئة، وهذا يكفي لإسقاط التطورات العالمية اقتصادياً على الحركة في قطاع الإعلام المكتوب الذي يتأثر بالخضّات في الأسواق وبغلاء الأسعار، وبنمو الانترنت، وبتجاذبات قطاع الإعلان.
هناك جيل بكامله في العالم اليوم لا يعرف، أو لم يختبر ذلك الطقس الصباحي الذي اختبره أهلهم وحتى أجدادهم، ألا وهو قراءة صحيفة في الصباح مع فنجان القهوة والفطور في البيت أو في المطعم.
فهل ان كل هذه الظواهر تقود إلى انقراض الإعلام المكتوب؟!همــوم الصحافة العربية :
تختلف أزمة الصحافة العربيّة عن تلك التي يشهدها الغرب وحتّى عن بلدان مثل تركيا. ففي فرنسا، تعيش صحيفة لوموند اليوميّة العريقة أزمةً نتيجة سياسات توسعيّة قامت بها إدارتها في مرحلة معيّنة، في ظلّ تغيّر في النموذج الاقتصادي وظهور الصحف المجّانيّة، وتوسّع سيطرة الشركات الكبرى على الصحافة اليوميّة الأخرى. وفي تركيا تسيطر مجموعة اقتصاديّة واحدة على معظم الصحف من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، عدا بعض الصحف القريبة من الأحزاب السياسيّة أو… من الطرق الصوفيّة.
في البلدان العربيّة، الوضع ليس ذاته بين مصر والمغرب من ناحية، حيث هناك نوعٌ من التعدّدية في العناوين المطروحة في الأكشاك تعكس الحريّة السياسيّة النسبيّة، وسورية وتونس من ناحية أخرى، حيث “العرض” أقلّ بكثير نتيجة السياسات الرقابية الشديدة وتسلّط أصحاب السلطة والمال مباشرةً على الصحافة. إلاّ أنّ الفرق الأساسي بين البلدان العربيّة وغيرها، هو أنّ مجالات نموّ الصحافة المطبوعة ما زال كبيراً، لأسبابٍ كثيرة، منها مثلاً أنّ الصحافة لم تكن تصل عادّة إلى المناطق خارج العاصمة والمدن، ولم تكن تستطيع الاستفادة من سوق الإعلان المحلّي، وأنّ هناك شغفاً لقراءة كلّ ما هو خارج الصحافة الرسميّة التي سيطرت على هذا الفضاء لعقود.
هذا هو مثلاً سبب نجاح صحيفة “الخبر” الجزائريّة التي استطاعت الوصول إلى أرقام توزيع غير متوقّعة، مع أنّها لا ترتبط بالحكومة أو بأحد الأحزاب أو المجموعات الاقتصاديّة، لأنّها عرفت كيف تنظّم توزيعها صباحاً في كافّة مناطق هذا البلد الشاسع الأطراف؛ ولأنّها دفعت بتحقيقاتها حدود المادة الإعلامية المتاحة للمواطنين، مع المخاطرة بعشرات الدعاوى القضائيّة المرفوعة ضدّها. والمنافسة شديدة في مصر (خاصّة بين “الأخبار” و”الأهرام” الحكوميّتان وبين “المصري اليوم”) وفي المغرب (مع القفزة النوعيّة في التوزيع لصحيفة “المساء”) وفي السعوديّة (بين الصحف الوطنيّة “الرياض” والقوميّة “الحياة” وتلك المحليّة “الوطن” و”عكاظ” وغيرها لأمر سهلٌ في البلدان ذات الرقابة المسبقة، إذ تختفي المجلاّت الاقتصادية “الشرعيّة” في سورية بشكلٍ دوريّ من الأكشاك، حالما تجرّأت على ملامسة الحدود، وإن كانت جدّ منخفضة. كما صودرت خمس صحفٍ سودانيّة الأسبوع الماضي: “الأحداث”، “الأيام”، “أجراس الحريّة”، الصحافة”، “السوداني”. والأمر أصعب في البلدان ذات “الحريّة” النسبيّة، حيث تدفع هذه الحريّة والمنافسة أحياناً إلى نزعة “الصحف الصفراء”، مع قصصٍ مختلقة وطروحات شعبويّة، بغية جلب القارئ بأيّ ثمن. وكثيرٌ من الصحف المصريّة “المستقلّة” قد فقد مصداقيّته من جرّاء ذلك.
أين حدود الصحافة إذاً؟ ومن يضعها، في ظلّ تبعيّة النظام القضائي في الكثير من البلدان العربيّة للسلطات الحاكمة؟
تنطرح هذه الإشكاليّة بشكلٍ حادّ اليوم. فها هم القائمون على صحيفة “الموقف” التونسيّة يضربون عن الطعام، بعد مقاضاة شركات الزيوت التونسية للصحيفة ولهم بمبالغٍ طائلة نتيجة نشر خبرٍ عن تقرير لمخبرٍ جزائريّ عن الزيوت التونسيّة؛ هذا مع سحب العدد من الأسواق قبل توزيعه [1]. وها هي صحيفة “المساء” المغربيّة تُقاضى بأكثر من 800 ألف دولار لنشرها اسم قاضٍ حضر احتفالاً في مدينة “قصر الكبير”، نُشِرَت أفلاماً عنه في المواقع الإلكترونيّة، وهاج الشارع المحافظ بعدها في المدينة ليقتصّ بيده من المثليّين الجنسيين [2]. وأخيراً هاهم صحافيّو كردستان العراق يضربون ويثورون ضدّ مشروعٍ قانونٍ جديدٍ للصحافة (في ظلّ الديمقراطية التي ينشرها السيّد جورج والكر بوش) وَصَفهُ “مرصد الحريّات الصحافيّة” في العراق أنّه “يبرز الوجه القبيح لتجربة الإقليم أمام الرأي العام (…) كما يشتمل على الكثير من العقوبات بحق الصحف (غرامات ماليّة باهظة، إيقاف صدور الصحف لمدد طويلة) والصحفيين ويشرّع اعتقال الصحفيين بشكلٍ لم يعُد مقبولاً حتى في بعض دول الجوار” [3[
مع الاختلاف الشديد للمضامين، يتعلّق الأمر، في هذه الحالات الثلاث، بالحدّ من الحريّات الصحافيّة. ولكن الشأن المطروح يذهب أبعد من ذلك. فما هي “حدود” الصحافة في طرحها لقضايا تتعلّق بصحّة المواطنين ونشر تقارير عن إمكانيّة أن تضرّ منتجات بها، في ظلّ تردّي عمل الإدارات الحكومية؟ وهل المشكلة في ما يخصّ “المثليّة” الجنسيّة هي في شعبويّة الصحافة وتخطّيها للحدود، أم هي في أنّ قوانين البلاد التي تجعل من هذه “المثليّة” جرماً قضائياً؟ [4]. وهل المشكلة في العراق هي في عدم وجود تعدديّة حزبيّة أم في آلية هذه التعدديّة نفسها التي تقوم فوق المواطنين والمهنيين؟ وكيف يمكن ضمان التمييز بين الخصوصيّة الشخصيّة (التي يجب احترامها) والشأن العام؟ ومن يحدّث القوانين: السلطة وحدها، أم الحوار المجتمعي والتداول مع الفعاليّات والجمعيّات الأهليّة والصحفيين؟
مشكلة حريّة الصحافة و”حدودها” مشكلة عويصة وشائكة، ولها دلالتها الواضحة عن تطوّر الدولة والمجتمع على حدٍّ سواء؟ ولكن أفضل ما يحدث اليوم في البلدان العربيّة، أن هناك من يحاول “أخذ” هذه الحريّة (فهي لا تُعطى بل تؤخذ، ويدفع الصحفيّون كأشخاص الثمن الغالي من أجل ذلك)، وأنّ الحدود تداس كل يومٍ لتضع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أمام المجتمعات لتحلّها (ليس دائماً بالصيغة الأفضل، ولكن ذلك هو الثمن)
الصحافة تخطيء وتصيب. كما كلّ اللاعبين في المجتمع؟ ولكن لا ترموها بحجر. فمن منكم بلا خطيئة؟ ولا تقتلوها… لأنّها في

أيار/مايو 2022.




هذا الموضوع بحث عليه طويلا … شكرا شكرا شكرا

التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

بحث عن الصحافة الالكترونية وخصائص مطبوعة الانترنت

الصحافة الالكتونية وخصائص مطبوعة الانترنت
المبحث الأول :
الصحافة الإلكترونية , المفهوم والفئات والخصائص
تمهيد
ربما نكون بالكاد قد نجحنا في تخطي مرحلة القناعة بضرورة التعاطي مع شبكة الإنترنت , وربما نكون قد بدأنا خطوات في اتجاه التنفيذ والعمل , إلا إن خطواتنا في عالمنا العربي مازالت وئيدة , وما زلنا نعاني من غلبة الهواية على الاحتراف , أو نعاني – بالأحرى – من عدم الاكتراث بالتخصص اللازم والواجب لنجاح أي عمل في عالم اليوم
وقد جاءت ورقة العمل التي قدمت في ندوة الصحافة الإلكترونية التي عقدت في القاهرة كمحاولة لوضع النقاط على الحروف لتحديد المساحات الفاصلة التي تقع بين مواقع الهواة ومواقع المحترفين , وبين المواقع ذات الصلة بمهنة الصحافة وتلك التي لا تلتقي معها بأي صورة من خلال النظرة السريعة على مواقع الإنترنت وتصنيفاتها ونطاقات عملها من زاوية المحتوى والمضمون والتي تم تقسيمها بالآتي :
1 – مواقع تجارية :
لا تحتوي هذه المواقع على مواد صحفية سواء أخبارية أو معلوماتية ولا تستخدم غالبا قوالب إعلامية أو صحفية وتقتصر في الغالب على التعريف بالشركة أو المؤسسة والتعريف بالسلع والخدمات التي تقدمها وربما تقوم بعرض منتجات لشركات أخرى , وعمل إعلانات تجارية لسلع وخدمات غالبا ما تدخل في مجال تخصص الشركة التجاري .
2 – مواقع تفاعلية :
وتركز هذه المواقع على عملية التفاعل مع الزوار من خلال المنتديات وساحات الحوار المكتوبة وغرف الدردشة والحوارات الصوتية التفاعلية والمجموعات البريدية , ولا تعتمد مثل هذه المواقع على هياكل إدارية كبيرة , وتقتصر في الغالب على عملية المتابعة والمراقبة من خلال مشرفي المجموعات البريدية أو مشرفي ساحات الحوار
3 – مواقع تعريفية :
وتقوم هذه المواقع بالتعريف بأنشطة وفعاليات المؤسسات التي أسستها وهي غالبا ما تكون مؤسسات غير ربحية , مثل المؤسسات الخيرية والعلمية والفكرية والثقافية .
4 – مواقع إعلامية تكميلية :
وتتكامل هذه المواقع مع مؤسسات إعلامية سواء أكانت صحفية أو إذاعية أو فضائية , مثل مواقع الصحف الورقية وموقع قناة الجزيرة وموقع ال بي بي سي أو سي أن أن , وتتسم هذه المواقع بعدد من المواصفات منها الترويج للمؤسسة الإعلامية التي تتكامل معها وتدعم دورها الإعلامي سواء أكان إذاعيا أو فضائيا أو صحفيا .
5 – مواقع صحفية :
وتعد هذه المواقع صحفية بحتة فهي لم تنشأ من خلال مؤسسة تجارية , ولم تنشأ مكملة لمؤسسة إعلامية , ولكنها تأسست لتقوم بدور صحفي منذ البداية وتتميز هذه المواقع بأنها :
– تعتمد على هياكل إدارية منتظمة
– تعتمد على محترفين في المجال الصحفي
– تركز على تقديم مواد صحفية في قوالب صحفية
الصحافة الإلكترونية – المفهوم :
يشار إلى الصحافة الإلكترونية في الدراسات والكتابات العربية بمسميات عديدة أبرزها : الصحافة الفورية , النسخ الإلكترونية , الصحافة الرقمية
وقد قدم اكثر من تعريف للصحافة الإلكترونية فمنهم من عرفها على إنها (( الصحف التي تستخدم الإنترنت كقناة لانتشارها بالكلمة والصورة الحية والصوت أحيانا وبالخبر المتغير آنيا ))
كما عرفت على إنها (( تلك الصحف التي يتم إصدارها على شبكة الإنترنت وتكون كجريدة مطبوعة على شاشة الكمبيوتر وتشمل المتن والصورة والرسوم والصوت والصورة المتحركة , وقد تأخذ شكلا أو اكثر من نفس الجريدة المطبوعة الورقية أو موجز بأهم محتويات الجريدة الورقية أو منابر ومساحات للرأي أو خدمات مرجعية واتصالات مجتمعية ))
ويميل البعض إلى تعريف الصحافة الإلكترونية بأنها : الصحف التي يتم إصدارها ونشرها على شبكة الإنترنت سواء كانت هذه الصحف بمثابة نسخ أو إصدارات إلكترونية لصحف ورقية مطبوعة Electronic Editions أو موجز لأهم محتويات النسخ الورقية , أو كجرائد ومجلات إلكترونية ليست لها إصدارات عادية مطبوعة على الورق on Line News paper , وهي تتضمن مزيجا من الرسائل الأخبارية والقصص والمقالات والتعليقات والصور والخدمات المرجعية حيث يشير تعبير on Lin Journalism تحديدا في معظم الكتابات الأجنبية إلى تلك الصحف أو المجلات الإلكترونية المستقلة التي ليس لها علاقة بشكل أو بأخر بصحف ورقية مطبوعة
فيما وضع الدكتور فايز عبد الله الشهري تعريفا للصحافة الإلكترونية يؤكد إنها عبارة عن تكامل تكنولوجي بين أجهزة الحاسبات الإلكترونية وما تملكه من إمكانيات هائلة في تخزين وتنسيق وتبويب وتصنيف المعلومات واسترجاعها في ثوان معدودات , وبين التطور الهائل في وسائل الاتصالات الجماهيرية التي جعلت العالم قرية إلكترونية صغيرة
فئات الصحافة الإلكترونية :
صنفت الصحف الإلكترونية على شبكة الإنترنت إلى ثلاث فئات هي :
الأولى :المواقع التابعة لمؤسسات صحفية تقليدية كالصحف وبعض الفضائيات , ويندر أن تحدث هذه المواقع خلال اليوم ولا يعمل بها صحفيون وانما مبرمجون ينقلون ما في الصحيفة المطبوعة إلى الموقع الإلكتروني
الثانية : المواقع الأخبارية كالبوابات الإعلامية أمثال اريبيا لاين are beaonline وبلانيت ارابيا ونسيج ( Nassej ) وهي مواقع إلكترونية متخصصة تنشر أخبارا وتحليلات وتحقيقات أعدت خصيصا للنشر على شبكة الإنترنت وتحدث على مدار الساعة .
الثالثة : الصحف الإلكترونية البحتة التي ليس لها صحيفة مطبوعة وتدار عادة بجهد فردي وتغطي مجالات الأخبار كافة من سياسة واقتصاد ورياضة وسينما وموسيقى .
تتميز الصحف الإلكترونية المنتشرة على صفحات الإنترنت الآن بالحيوية التي تفقدها الصحف المطبوعة؛ ففي إمكانها إضافة وحذف وتغيير الأخبار والتحولات العالمية والعربية في كل لحظة من لحظات اليوم، على عكس الصحافة المطبوعة التي ما أن تنزل إلى الأسواق حتى تصبح ملكاً للقارئ، حيث لا تستطيع إدارة الصحيفة إضافة أو حذف أو تغيير أي شيء منها. فالصحف الإلكترونية غير مقيدة بحدود زمانية معينة، كما أنها مجاوزة لأطر المكان والتحديدات الخاصة بها , فالمرء يمكنه أن يطالع آخر الأخبار الواردة في هذه النوعية من الصحف في أي وقت من أوقات اليوم، وفي أي مكان في العالم، طالما أنه يمتلك جهاز كومبيوتر، ولديه إمكانية النفاذ عبر الإنترنت. ويلفت النظر هنا، أن القائمين على الصحف الإلكترونية يمتلكون إمكانيات كبيرة خاصة بشؤون التحرير أكثر بكثير من تلك الممنوحة للقائمين على الصحف المطبوعة من حيث حرية الحركة والتغيير، ومتابعة الأحداث، سواء بالكلمة، أو بالصوت، أو بالصورة، وهو ما لا تستطيع أن تقوم به الصحف المطبوعة بأي حالٍ من الأحوال.
كما أن الصحف الإلكترونية قد استطاعت أن تهرب من سلطة الرقيب العادي، رغم ما يتعرض له البعض منها في العديد من الدول العربية من إغلاق لبعض المواقع، بل وسجن القائمين عليها. حيث وفر هذا النوع من النشر الإلكتروني إمكانات جديدة من الحركة وتجاوز أنماط الرقابة المتعارف عليه. فبينما يمكن مراقبة الصحف المطبوعة في مرحلة ما قبل النشر، فإن الصحف الإلكترونية يمكنها النشر بسهولة، ثم انتظار النتائج بعد ذلك , فالفرص الواسعة التي تتيحها هذه النوعية من الصحف الإلكترونية قد أغرت الكثيرون بإصدار العديد من الصحف على صفحات الإنترنت، وإشباع رغباتهم في كتابة ما يرغبون في كتابته، ومالا يمكن نشره عبر الصحف المطبوعة. ومما لاشك فيه أن هذه النوعية من الصحف تتمتع بقدر كبير من الحرية، وإمكانية إطلاق الأخبار والمعلومات والمناقشات بشكلٍ مازالت تعجز عنه الصحف الورقية الخاضعة لرقابة ما قبل النشر.
ومن الضروري ذكر بعض الخصائص التي تميز الصحافة الإلكترونية ومنها :
1 – خاصية التنوع : عندما جاء الإنترنت الذي سمح بإنشاء صحف متعددة الأبعاد ذات حجم غير محدد نظريا يمكن من خلالها إرضاء مستويات متعددة من الاهتمام وطريقة النص هي المحرك لهذا التنويع من الإعلام الإلكتروني , الذي يمكن من تكوين نسيج إعلامي حقيقي يستخدم أنماطا مختلفة من المصادر والوسائل الإعلامية ترتبط جميعا بشبكة من المراجع .
2 – خاصية المرونة : تبرز خاصية المرونة بشكل جيد بالنسبة لمستخدمي صحافة الإنترنت إذ لا يمكن له إذا كان لديه الحد الأدنى من المعرفة بالإنترنت أن يتجاوز عددا من المشكلات الإجرائية التي تعترضه
ويرى الخبير لورنس ماير في مقابلة مع موقع دويتشه فيله, وفي إجابته عن ابرز خصائص الصحافة الإلكترونية إن الصحافة الإلكترونية هي استمرار للصحافة التقليدية بشكل يواكب التطور الإعلامي الذي نشهده في عصرنا الحالي, غير أنها تتميز عنها بنوع من المرونة على صعيد الجمع بين عدة أشكال من الإنتاج الصحافي كالنص المكتوب والمسموع والمرئي. وبهذا تجمع الصحافة الإلكترونية بين مختلف التقنيات المتوفرة في وسائل الإعلام التقليدية , وبكل تأكيد فأن الصحافة الإلكترونية أصبحت مهنة قائمة بذاتها على ضوء الازدياد المستمر في الطلب على المتخصصين وأصحاب الخبرة فيها ، فعروض العمل في هذا المجال تعرف تزايداً مضطرداً. ويدعم ذلك النمو الكبير لقطاع الإعلان على شبكة الإنترنت بشكل يجعلها جاذبة للاستثمار في مجال الإعلام. ومن نتائج ذلك خلق فرص عمل إضافية للصحافيين المتخصصين. ويزيد من أهمية ذلك إن المواقع الإلكترونية تعتبر الحل للعديد من المشاكل التي تتخبط بها وسائل الإعلام بسبب فقدان عدد كبير من القراء أو المشاهدين.

المبحث الثاني :
خصائص مطبوعة الإنترنت
يرى دوج ميلسون إن صحافة الإنترنت هي باختصار الصحافة الممارسة في الشبكة وهي تضم نشر الأخبار والتقارير الأخبارية والتحليلات والحقائق والأحداث الجارية والتاريخية , وتتطور الخصائص العامة للصحافة والخدمات الأخبارية في الإنترنت مع تطور الشبكة لأن تكنولوجيات الشبكة نفسها في حالة تطور مستمر , ويمكن تقسيم الصحف والخدمات الصحفية في الإنترنت إلى خمسة أنواع رئيسية هي :
النوع الأول : توجد صحف معروفة بأسمائها وتاريخها في الشبكة في شكل خدمة منفصلة عن طبعتها الورقية أو شبيهة بالورقية وهما تمثلان النوع الأول .
النوع الثاني : تميل بعض الإذاعات إلى تقديم خدمات أخبارية نصية وصور وأشكال إيضاحية كما في موقع هيئة الإذاعة البريطانية الذي يقدم خدمات إذاعية بمختلف اللغات وخدمات صوتية كما يقدم تقارير أخبارية مكتوبة ومواد صوتية وصور وساحة حوار تفاعلية وهذه تمثل النوع الثاني .
النوع الثالث : فهو الذي نشأ في الإنترنت , وهو مجموعة الخدمات الأخبارية التي تجمع خصائص مختلفة للوسائل الإعلامية زائدا خصائص شبكة الإنترنت مثل فوكس نيوز وخدمات ام اس ان بي سي MSNBC وهي شراكة ما بين شركة مايكروسوفت وشبكة ان بي سي الأمريكية .
النوع الرابع : فهو صيغة مجلة الإنترنت .
النوع الخامس : فهي صيغة وكالات الأنباء في الشبكة ولها نماذج وطرق مختلفة في تقديم خدماتها .
وخصائص صحافة الإنترنت ترتبط بخصائص الإنترنت ذاته , إذ إن الكتابة لصحافة الإنترنت ليس مثل كتابة النص العادي , ويجب التفكير في كافة الأشكال التي يمكن استخدامها في القصة الأخبارية لتتجاوب مع بعض خصائص الإنترنت فالكتابة التقليدية التي تأتي في شكل سردي من أعلى إلى اسفل لا تتناسب مع صحافة الإنترنت
وقد أورد مارك ديوز مجموعة اعتبارات تكون خصائص المطبوعة الأخبارية في الإنترنت من خلال الجدول التالي :
1 – المحتوى الأساسي
1 – الكتابة الموثقة والتحليل
2 – أسلوب الكتابة غير السردي
3 – الصور الصحافية , غرافيك وصور
2 – المصادر
1 – توفر المصادر الأصلية
2 – الوصلات إلى مصادر المادة الصحفية
3 – توفير المواد المرجعية
4 – الأرشيف الذي يمكن البحث في معلوماته
3 – مشاركة القراء
1 – نقاش القراء على الخط
2 – وسائل التراسل الإلكتروني
3 – وسائل تلبية الحاجات الفردية للقراء , المؤتمرات وساحات الحوار
4 – تنظيم المحتوى
1 – تفصيل طبقات المحتوى
2 – توفير أدوات الملاحة سهلة الاستخدام
3 – التزاوج بين الوسائل المختلفة

وقد حدد ديفيد فيليس أمور يجب التفكير بها في صحافة الإنترنت أو الصحيفة الإلكترونية كالآتي :
– الأهداف
– التكرار
– المسؤول عنها ( المحرر )
– الميزانية
– إنشاء قائمة بالأشخاص على الإنترنت الذين سيتلقون هذه الصحيفة الإلكترونية
– وضع التصميم لها على الشبكة ( وخارج الشبكة إذا كان هذا ممكنا )

المبحث الثالث :
الصحافة الإلكترونية في الوطن العربي
رغم قلة المادة المتوافرة على صفحات الإنترنت باللغة العربية مقارنةً باللغة الإنجليزية ، فإن الأمر اللافت للنظر هو أن الكثير من الصحف في كافة الدول العربية قد بدأت في إصدار طبعاتها الإلكترونية على صفحات الإنترنت. إضافةً إلى ذلك، فقد بدأت العديد من الصحف إصداراتها على صفحات الإنترنت مباشرة بدون أن يكون لها طبعات ورقية سابقة؛ حيث انتشر هذا النوع الأخير من الصحف، مستفيداً في ذلك من التسهيلات المرتبطة بالنشر الإلكتروني مقارنةً بتكاليف الطباعة باهظة الثمن , ورغم توجه العديد من القراء العرب نحو قراءة الطبعات الإلكترونية من الصحف العربية، فإن الطبعات الورقية مازالت تحوز على قدر كبير من الانتشار لأسباب كثيرة منها قلة انتشار الكومبيوتر في المنازل والمؤسسات التعليمية العربية من جانب، وارتفاع تكلفة استخدام الإنترنت في معظم الدول العربية من جانب آخر. فما زال الكثير من القراء العرب يقبلون على قراءة الصحف المطبوعة، رغم اتجاه شريحة لابأس بها من الأجيال الجديدة نحو قراءة الصحف الإلكترونية. والأمر الذي لا شك فيه أننا سوف نشهد مرور فترات طويلة من الزمن حتى يعتاد المواطن العربي على قراءة ومتابعة الصحف عبر الإنترنت.
ويغلب على أشكال الصحافة الإلكترونية في هذه المرحلة التي يمكن أن نطلق عليها “مرحلة الانفلات الإلكتروني” أنها صحافة تعبر بالأساس عن توجهات أيديولوجية جامحة؛ فكل من لديه قضية ما مع نظام عربي أو مع دولة عربية أو مع الأغلبية أو مع الأقلية أو مع حزب سياسي، ما عليه إلا أن يطلق صحيفته الإلكترونية ليجذب إليها كل من يجد تماثلاً مع توجهات الصحيفة ونوعية القضايا التي تحاول إثارتها والكتابة عنها. وتستقطب هذه النوعية الجديدة من الصحف كتاباً جدد من كل مكان في العالم، سواء من هؤلاء المقيمين في المجتمعات الغربية أو من هؤلاء المقيمين في المجتمعات العربية، حيث وفرت هذه الصحف الإلكترونية سهولة المشاركة في الكتابة طالما أنها تنسجم مع توجهات الصحيفة والقضايا التي تسعى لتناولها والإفصاح عنها , وما يلفت النظر هنا أن العديد من هذه الصحف قد وُجد تحت وطأة موضة إصدار الصحف الإلكترونية أكثر منه تعبيراً عن حاجة ملحة لإشباع احتياج فكري وثقافي لدى القارئ والمتابع العربي. لذلك، وعبر الفترة المحدودة من عمر نشأة هذه الصحافة الإلكترونية يجد المرء العديد من هذه الصحف والمواقع ذات التوجهات والمشارب المتعددة والمتباينة. كما يلفت النظر هنا أن هناك علاقة طردية بين ما يواجهه الواقع العربي من مشكلات وتدهور وبين التوسع في إنشاء مواقع إلكترونية صحفية جديدة. بحيث يمكن القول بأن ما يحدث عبر صفحات الإنترنت ما هو إلا تجسيد حي ومشابه لما يحدث في الواقع العربي المعاصر , والعديد من هذه الصحف الإلكترونية، ورغم حيز الحرية الضخم المكفول لها عبر صفحات الإنترنت، يغلب عليه طابع المراهقة الصحفية من حيث نوعية المادة التي تتناولها وتحرص بشكلٍ دائم ومستمر على بثها عبر مواقعها. فالكثير من هذه الصحف تركز على الجوانب السلبية لخصومها، بل وتستقطب من لهم حسابات خاصة وشخصية مع دولهم أو مع أنظمتهم السياسية، أكثر من محاولة التناول الموضوعي للقضايا من أكثر من وجهة نظر وأكثر من رأى. وفي الكثير من هذه الصحف نجد الكثير من أقلام القائمين في الخارج الذين لا تربطهم أية علاقات بالمنطقة العربية سوى العزف المتواصل على نغمة الدفاع عن الأقليات ومسائل حقوق الإنسان وحقوق المرأة إلى آخره من مثل هذه القضايا.
ولا يمكن للمرء الآن إصدار أحكام نهائية ومطلقة على هذه النوعية من الصحف الإلكترونية في عالمنا العربي، فمازالت في مرحلة البدايات والمحاولة والخطأ. كما يمكن القول أن هذه البدايات لا تنفصل بشكلٍ أو بآخر عن أزمة الصحافة العربية المطبوعة، وما تواجهه في الواقع العربي المعايش من مصاعب مختلفة على مستوى الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية. لذلك فإن أية محاولة لدراسة هذه الظاهرة الجديدة يجب ألا تفصلها عن مجمل السياق العربي بعامة، وعن واقع الصحافة العربية بخاصة.
وأدت التطورات الإيجابية في استخدام الإنترنت إلى تشجيع الكثير من الناشرين العرب إلى الدخول في عالم النشر الإلكتروني , فمنذ السنوات الأولى لظهور الشبكة العالمية فكر الناشرون العرب في استثمار النشر على خط المباشر حيث شجعهم على ذلك ازدياد أعداد القراء الذين ارتبطوا بالإنترنت , فقد أصبحت قراءة رؤوس الموضوعات في بعض الصحف العربية التي تنشر يوميا في الإنترنت موديل لعصر كالصحف السعودية والمصرية والأردنية وغيرها
ويمكن تقسيم ما يمارسه الناشرون العرب على مستوى النشر على الإنترنت إلى ثلاث فئات
الفئة الأولى : تعتمد سياسة الحد الأدنى المتمثلة في إطلاق نسخ كاربونية صماء من الصحيفة المطبوعة بأقل التكاليف ودون تكاليف تذكر والاكتفاء بالإشارة إلى أن للصحيفة موقعا على الإنترنت يقوم بدور التواصل ما بين الصحيفة وقرائها أينما كانوا .
الفئة الثانية : تعتمد بناء مواقع متميزة اقرب ما تكون إلى البوابات الإعلامية الشاملة وهي تطور في مواقعها الموجودة للوصول إلى البوابة الإعلامية .
الفئة الثالثة : تعتمد سياسة الانطلاق من الصحيفة الإلكترونية دون وجود صحيفة مطبوعة أصلا
وحاليا تتوافر على الإنترنت معظم الصحف العربية المطبوعة وتعتمد هذه الصحف في بثها للمادة الصحفية على تقنيات مختلفة , ولكن أيا من هذه التقنيات المستخدمة لم يرتفع بالصحافة العربية إلى مستوى الصحيفة الإلكترونية المتكاملة على الرغم من توافر عدد من أنظمة البحث والاسترجاع المتوافقة مع اللغة العربية, واتبعت الصحافة العربية طريقتين في عملية إدخال أعدادها على شبكة الإنترنت , الأولى تعتمد على إدخالها كصورة وليس كنص حيث يتم تجهيز مواد الجريدة في صورة شريط طولي من الأخبار وتحويلها إلى صورة من خلال برنامج ( photoshop ) وحفظها كصورة وتكتفي الجريدة في هذه الحالة بإقامة وصلات بين صفحة الاستقبال وصفحات الجريدة المختلفة , كل وصلة مرتبطة بصورة الصفحة الخاصة بها , وهي الطريقة نفسها التي تعتمد عليها معظم الصحف العربية المنشورة على شبكة الإنترنت , بل إن بعض هذه الصحف مثل جريدة الحياة تقوم بضغط صور الصفحات الخاصة بها بدلا من أعدادها في صورة شريط طولي بحيث يتم إعادة نشر المواد المنشورة نفسها في الجريدة المطبوعة من حيث الترتيب والإخراج نفسهما
أما الطريقة الثانية التي يتم من خلالها التعامل مع النص فنجد أنموذجا لها في موقع جريدة باب الإلكترونية التي تتيح تصفح العدد سواء بتقنية النصوص , وهو ما يتطلب توافر برنامج يتيح قراءة النص العربي من على الإنترنت مثل برنامج سندباد أو برنامج نانجو أو بتقنية الصور لمن لا تتوافر عنده برامج تعريف الإنترنت , وتصدر صحيفة إيلاف على الإنترنت باعتماد نظام نشر إلكتروني , وليست إيلاف أول جريدة عربية تصدر على الإنترنت إلا إنها أول جريدة صممت خصيصا للإنترنت بوسائط نشر متعددة من نص وصورة وصوت وأفلام وثائقية وغرفة الأخبار المتعددة الأبعاد والوسائط .




لماذا لا أستطيع تحميل مقالة الصحافة الإلكترونية

لماذا لا أستطيع نقل مقالة الصحافة الإلكترونية

التصنيفات
علوم الإعلام والإتصال

الصحافة علم وفن


الصحافة علم وفن الصحافة علم وفن! قد يتبادر، إلى الأذهان، أن هناك تناقضاً، في هذا العنوان، إذ كيف يمكن أن تكون الصحافة علماً وفناً، في وقت واحد، فالعلم يتناول موضوعات خاصة بقوانين علمية محددة، بينما الفن لا يخضع لقوانين محددة، بل يخضع للإبداع الفردي، أو بمعنى آخر، إن العلم موضوعي، والفن ذاتي.
وهذا الموضوع مثار جدل كبير. فالبعض يرى أن الصحافة فن، والراغب في العمل فيهـا لا بد أن يكون موهوباً. وأن الصحفي يولد، وفي يده القلم، وفي رأسه الفكرة، على حد تعبير بعضهم. بينما يؤكد آخرون أن الصحافة مهنة، كسائر المهن، في المجتمع، تحتاج إلى استعداد طبيعي، ولكنها، كأي مهنة، لها مكونات ثلاثة هي: المعارف، والمهارت، والقيم، التي يمكن اكتسابها، وتطويرها، تعليماً وتدريباً.
فالذين يقولون إن الصحافة فن يرون: “أن الصحافة استعداد طبيعي، قبل كل شيء، ولكي يكون الإنسان صحفياً وجب عليه أن يستجيب للنداء، الصادر من أعماقه، وأن تتوافر فيه الموهبة، والرغبة الملحة، في ملاحظة الحياة والناس”.
وعلى الجانب الآخر هناك من يقول بضرورة الدراسة والتجربة، مثل جوزيف بوليتزر الصحفي، المجري الأصل، الذي أصبح ناشر النيويورك ورلد، ورئيس تحريرها، في أوائل القرن العشرين، فمن رأيه “أن كل ذكاء في حاجة إلى من يتعهده، حتى لو سلمنا بأن الاستعدادات الطبيعية هي مفتاح النجاح، في جميع ميادين النشاط الإنساني”، وأن الصفات الخلقية ـ وهي لازمة للصحفي الناجح ـ تنمو بالعلم والتجربة.
ويشير بوليتزر، كذلك، إلى أن الصحفيين، الذين لم يؤهلوا، إنما يتعلمون مهنتهم، على حساب الجمهور. ويضيف قائلاً: “لا يكفي أن يكون صحفي الغد متعلماً، تعليماً جامعياً عاماً، بل لا بد من إعداده، لمهنته الجديدة، إعداداً خاصاً”. ويجيب بوليتزر على الذين يدعون أن الصحافة، في ذاتها، ليست مادة، يمكن تدريسها، بأنه: “كلما قطع المعترضون بأن هناك أشياء لا يمكن تدريسها، برهنوا على ضرورة ما يمكن تدريسه. إن المدرسة تكمل، ولا توجد. وإن كنا نحكم، على قيمة التعليم، من قدرته على إخراج صفات عقلية، من العدم، فإنه لا يكون، أمام معاهد التعليم، من رياض الأطفال إلى الجامعة، إلاّ أن تغلق أبوابها، فيتعطل جميع المشتغلين بالتعليم”.
ويرى جوزيف بوليتزر، كذلك، أن الصحافة هي أكثر المهن حاجة إلى أوسع المعارف، وأعمقها، ويسأل هل يصح أن تُترك هذه المهنة، ذات المسؤوليات الكبيرة، تُمارس من دون أي تأهيل منتظم.
وجدير بالذكر أن بوليتزر أوصى، عند وفاته، بمليونين ونصف مليون دولار، لتأسيس مدرسة صحافة، وإنشاء جوائز سنوية باسمه لأحسن إنتاج، في مجال الصحافة والأدب.
وهناك من يقول: إذا كان لا بد للجامعات، من أن يكون لها دور معلوم، في التدريب المهني للصحفيين، فليكن ذلك، على المستوى فوق الجامعي. ومن أصحاب هذا الرأي، توم هولكنيسون، الذي عمل رئيساً لتحرير صحيفة بيكتشربوست، من 1940 إلى 1950، وأصبح فيما بعد، مديراً لمركز الدراسات الصحفية، في جامعة كارديف البريطانية، ويعدد ما يحمله على الاعتقاد بذلك، قائلاً:
1. إن الصحافة، تختلف عن سائر المهن الفكرية الحرة، كالطب والهندسة والمحاماة، من حيث إن العمل فيها لا يقتصر على لون واحد، من الألوان المتعددة للمعرفة. بل هي مهنة مفتوحة، لا مغلقة، تحتاج إلى ثقافة ذوي المهن الفكرية الأخرى. فالطبيب، مثلاً، بوسعه أن يكون مراسلاً، أو محرراً طبياً، كذلك المحامي أو المهندس. لكن ليس بوسع من تخصص، في الصحافة وحدها، أن يكون طبيباً أو مهندساً أو محامياً، ومادام الأمر كذلك، فإن التدريب المهني فوق الجامعي للصحفيين، سيتيح الفرصة للصحافة كي تستفيد، من كل ذوي المعرفة المتخصصة، على اختلاف ألوانهم.
2. إن التدريب المهني للصحفيين، على المستوى فوق الجامعي، هو أقل أنواع التدريب المهني تكلفة، وأسرعها عائداً، كما إنه أقلها ازدحاماً بالمواد المختلفة، التي يدخل بعضها في اختصاصات الشُّعب، والكليات الجامعية، الأخرى.
3. إن مثل هذا التدريب سيؤدي إلى المزيد من التعاون والتنسيق، بين الصحافة، والجامعات، فقد تطلب بعض المؤسسات الصحفية، من إحدى الجامعات، تخصيص دورة تدريبية، على المستوى فوق الجامعي، لتدريب من يعملون فيها كمراسلين تربويين، ومثل هذا التدريب، سيعين المراسلين حتماً على فهم أحدث التيارات والأفكار، في عالم التربية.
جرت أولى المحاولات، في ميدان التعليم الصحفي، في داخل “واشنطون كوليج”، عام 1869، وبعد سنوات قلائل، درست مادة صف الحروف والاختزال، وكان يقوم، بتدريس المادتين، رئيس تحرير جريدة لكسنفتي جازيت، وكان الطلبة يعملون في تحرير المواد، وأعمال المطبعة. وبعد ذلك غزت فكرة تدريس الصحافة كثيراً من العقول، وانتشرت، في أنحاء الولايات المتحدة، على الرغم من أن الصحافة كانت في أطوارها الأولى، وكان لكل واحد، من القائمين على هذه الدراسة، طريقته الشخصية في التدريس. وتضمنت مناهج الدراسة: تاريخ الصحافة، وإصدار الصحف، وقانون القذف، والإدارة، ومحاضرات عن أهم القضايا العالمية، في الداخل، والخارج، ودراسات تطبيقية، في التحرير بأنواعه، إلى جانب المحاضرات العملية، التي كان يلقيها أرباب هذه المهنة، وتتضمن ملاحظاتهم وخبرتهم وتجاربهم.
أمّا في أوروبا، فكانت الصحافة هي مهنة الأدباء، ثم بدأت الموضوعات الصحفية تهتم بالنواحي الاجتماعية، والتاريخية والاقتصادية ولم تهتم، في بادئ الأمر، بالنواحي الفنية العملية، فلما اندلعت شرارة الحرب العالمية الأولى، ظهرت أهمية الصحافة، في نشر الأنباء، مما دعا إلى الاهتمام بمناهج التدريس على أسس مختلفة. واهتمت كل من ألمانيا والنرويج وبولونيا، بإجراء دراسات خاصة بهذه المهنة، ثم بدأت هذه الدراسات تحتل أمكنة لها، في الجامعات، خاصة في ألمانيا في السنوات الأخيرة، بين الحربين العالميتين، وأصبحت تدرس الصحافة بانتظام في السنوات، التي سبقت الحرب العالمية الثانية، في كثير من جامعات أوروبا. وظهرت أهمية المناهج وكان ذلك، بعد أن أثبتت بعض المناهج قيمتها، في الدراسة، والبحث وظهر التخصص.
ويلاحظ أن بريطانيا على خلاف ما هو متبع، في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، لا تميل كثيراً إلى نشاء كليات جامعية للدراسات الصحفية، أو الإعلامية، لكنها، مع ذلك، من الدول التي تهتم بالتدريب المهني للصحفيين؛ فقد تضافرت جهود جميع المنظمات الصحفية فيها على تحقيق مشروع قومي للتدريب، هو المجلس القومي لتدريب الصحفيين، وهذا المعهد، أو المجلس، لا يقبل التدريب فيه إلاّ أولئك، الذين يعملون في الصحافة بالفعل. ومن أراد الالتحاق به، عليه أن يبرهن على قدرته الصحفية بشكل عملي، أولاً، وقبل كل شيء، كما إن، لبعض المؤسسات الصحفية الكبرى، برامجها التدريبية الخاصة بها
إن إصدار الصحيفة لم يعد يُنظر إليه، كما كان الحال في الماضي، على أنه عمل أدبي أو فكري فحسب، بل أصبحت الصحافة صناعة قائمة بذاتها، لها اقتصادياتها الخاصة بها. وأصبحت كذلك مهنة لها سمات وخصائص المهن الفنية. وأصبحت جهازاً كاملاً له إدارته الخاصة.
يتضمن جوهر الفن الصحفي، مزيجاً إبداعياً من فن التحرير الصحفي، أو الكتابة بلغة تناسب الصحافة، كوسيلة، وتتسق مع سمات جمهورها، والتصوير الصحفي، والرسوم اليدوية بأنواعها الساخرة، والتوضيحية والتعبيرية، وفن الصور الصحفية والرسوم، ثم الفن الإعلاني، وأخيراً، فن الإخراج الصحفي، الذي يتولى عملية الإبراز والتنسيق والجذب، للمادة الصحفية، وللمادة الإعلانية وتكوين شخصية للصحيفة.
ولإصدار صحيفة (جريدة أو مجلة) لأول مرة لابد من اتخاذ عدة خطوات مهمة قبل الإصدار، هي:
دراسة الجمهور ومعرفة احتياجاته.
1. دراسة الصحف المنافسة.
2. تحديد الهدف من الإصدار.
3. رسم السياسة التحريرية.
4. وضع التصميم الأساسي للصحيفة.
5. اختيار النظام الإنتاجي للصحيفة (مراحل ما قبل الطبع والطباعة).
6. اختيار الكادر البشري المؤهل، وتوزيعه، على الأقسام المختلفة.
7. الحصول على ترخيص قانوني للإصدار، أو التقدم بإخطار.
8. تدبير التمويل اللازم، ووضع الميزانية، وحساب التكاليف.
9. توفير المقر، والتجهيزات التكنولوجية المختلفة، للإصدار.
10. الاتصال بالمعلنين، وحثهم على الإعلان، في الصحيفة.
11. وضع خريطة تنظيمية للصحيفة، تحدد خطوط السلطة، والمسؤوليات والعلاقات وخط سير النص الصحفي، من المحرر إلى المطبعة.
12. الاتفاق مع وكالات الأنباء، ووكالات الخدمات الصحفية، كوكالات الصور والرسوم والمقالات والمعلومات، وكذلك، وكالات الإعلان والتسويق، للاستفادة من خدماتها.
13. إعداد الحملة الإعلانية عن الصحيفة، وجدولتها.
14. إصدار الأعداد التجريبية، (الأعداد الزيرو)، وتحديد موعد نهائي لصدور العدد الأول.
أمّا خطوات إصدار عدد من الصحيفة، وهي الخطوات، التي تتم يومياً، أو أسبوعياً، على عدد واحد من الصحيفة فتتضمن:
1. تقييم العدد الصادر.
2. التخطيط للعدد التالى، ويتضمن ذلك توزيع المهام، على الأفراد، في الأقسام المختلفة.
3. جمع المعلومات، من المصادر الداخلية، والخارجية للصحيفة، من خلال المحررين والمندوبين.
4. مراجعة المواد المجموعة، واستكمالها ميدانياً، أو مكتبياً.
5. التقاط الصور الفوتوغرافية المناسبة للموضوعات، أو الحصول عليها من قسم المعلومات، في بعض الأخبار والموضوعات.
6. تجهيز الرسوم اليدوية التوضيحية والتعبيرية والساخرة.
7. تحرير المواد الصحفية المجموعة في شكل أخبار، وموضوعات صحفية، ومراجعتها.
8. تحرير التعليقات، أو الشروح، المصاحبة للصور الفوتوغرافية، والرسوم اليدوية.
9. جلب الإعلانات الصحفية، ووكالات الإعلان المختلفة، عن طريق قسم، أو إدارة الإعلانات بالصحيفة.
10. تحرير الإعلانات الصحفية، وإخراجها وتنفيذها، على ماكيتات ترسل إلى جهاز التحرير بالجريدة، مقترح عليها الصفحات المطلوب نشرها فيها.
11. تقييم المواد الصحفية، وتحديد صلاحيتها للنشر، بمعنى أن يجري تقييم جميع الأخبار والموضوعات، وتقرير ما إذا كانت صالحة للنشر بشكلها الحالي، أو بعد الاستكمال، أو غير صالحة للنشر، على الإطلاق.
12. الاستقرار على ماكيت، أو تخطيط لمواد العدد التحريرية، والإعلانية، وتوزيعها على الصفحات المختلفة.
13. إخراج الجريدة، بمعنى إعداد الصفحات المختلفة، وفقاً لخطة العدد، وفي إطار التصميم الأساسي للجريدة المستقر عليه، ويعنى ذلك تحديد مواقع الأخبار والموضوعات الصحفية، والإعلانات، داخل الصفحات المختلفة للجريدة، ومساحاتها، وأساليب المعالجة التيبوغرافية لها، ويتضمن ذلك تحديد حجم حروف كل مادة صحفية، واتساع سطورها، والصور والرسوم المناسبة لها.
14. إرسال المواد الصحفية والإعلانية المكتوبة إلى قسم الصف، ومراجعتها، وتصحيحها.
15. إرسال المواد المصورة والمرسومة إلى قسم التصوير ومراجعتها.
16. تجميع المواد المكتوبة والمصورة، وفقاً للماكيت المتفق عليه، في عملية الإعداد، أو المونتاج.
فن التحرير الصحفي
والتحرير الصحفي ـ كخطوة من خطوات إصدار الصحيفة هو العملية اليومية أو الأسبوعية، حسب دورية الإصدار، التي يقوم فيها المحرر الصحفي بالصياغة الفنية، والكتابة الصحفية، أو المعالجة لمضمون المادة الصحفية، أو المعلومات، التي جمعها من المصادر المختلفة، في الأشكال، أو القوالب الصحفية المناسبة، والمتعارف عليها، ثم المراجعة الدقيقة وإعادة الصياغة لها. وتبدأ عملية التحرير الصحفي فور عملية الكتابة الصحفية؛ فالمحرر يكتب المادة، في الشكل، الذي اختاره بنفسه، وقد يكتب المحرر، ويراجعه المحرر المسؤول، أي يحرر ما كتبه. وقد تبدأ العملية، وتنتهي مع المحرر، الذي يقوم بالعمليتين معاً، الكتابة Writing، والتحرير Editing. وتعني كلمة تحرير editing إعداد كتابات الآخرين للنشر، ومنها جاءت كلمة Editor، أي محرر، أو رئيس تحرير. والمحرر الصحفي الناجح هو، الذي ينجح في الكتابة، بلغة صحفية مناسبة وجيدة، مما يجعل هذا النص الصحفي، خبراً كان، أو موضوعاً، لا يحتاج إلى عملية تحرير جديدة، تتضمن المراجعة، وإعادة صياغة بالحذف، أو الإضافة أو تغيير الأسلوب، أو البناء الفني للنص.
والتحرير الصحفي، أو فن الكتابة الصحفية كفن كتابي يختلف عن فن الكتابة العلمية، حيث تعتمد الأخيرة على المصطلحات العلمية، أو الفنية المحددة الدقيقة، التي قد لا يفهمها، إلاّ أصحاب التخصص الدقيق، كما تختلف عن الكتابة الأدبية، التي تعتمد على الخيال، والبلاغة اللفظية، والاستطراد وتخاطب مشاعر المستقبل، وتتوجه إلى قارئ، يبحث عن متعة جمالية وفكرية.
بينما يعتمد التحرير الصحفي، على الأسلوب العلمي الأدبي، أو اللغة الوسطى، التي يسميها البعض، باللغة الصحفية، أو اللغة الإعلامية، ذات الأسلوب الصحفي أو الإعلامي، الذي يفهمه قارئ الصحيفة العادي، وذات الأشكال، أو القوالب الفنية المتميزة، التي يتم، من خلالها، نقل المضمون الصحفي.
والتحرير الصحفي هو نوع جديد من النثر، أضافه أساتذة الصحافة والأدب، إلى أنواع النثر التقليدية (العادي ـ العلمي ـ الفني)، هو النثر العملي، أو الصحفي وذلك بعد ظهور الصحافة، في القرن التاسع عشر، وقالوا إن هذا النثر يقف، في منتصف الطريق، بين النثر الفني، أي لغة الأدب، وبين النثر العادي، أي لغة التخاطب اليومي، وله من النثر العادي، ألفته وسهولته وبساطته ومباشرته وشعبيته، وله من النثر الفني، حظه من التفكير وحظه من عذوبة التعبير. ولعل ذلك المفهوم للنثر العلمي أو الصحفي، هو الذي جعل بعض أساتذة الصحافة يطلق على لغة الصحافة وصف الأدب العاجل. أو الأدب غير الخالد.
الأسلوب الصحفي
الواقع الصحفي يقول: إن هناك أسلوباً صحفياً، أو أسلوباً معيناً، له سمات التحرير الصحفي، وينبع هذا الأسلوب، من عدة محددات، تتعلق بطبيعة الصحافة، كوسيلة اتصال، من حيث حجم الصحيفة، والمساحة المحدودة، وجانبها التقني، وطبيعة دوريتها، أو توقيت إصدارها، الذي يقتضي السرعة والاختصار والتركيز، وبوظيفتها العامة، وهي التعبير عما يحدث، في الحياة اليومية، والتي يطلق عليها الوظيفة الأخبارية ـ كوظيفة أساسية ـ إذ تقوم بنقل الأخبار إلى كل فئات الرأي العام.
ويتخذ التحرير الصحفي أشكالاً أو قوالب خاصة، لها قواعدها المتعارف عليها. وفي النهاية يخرج المقال الصحفي بأنواعه المختلفة ووظائفه المتنوعة. وله تصميماته المختلفة، وفي أحيان كثيرة مع الصور والرسوم المناسبة المختارة.
اتجاهات نشر الأخبار
تبني بعض الصحف منهجها على الصدق، والتثبت من صحة الخبر، قبل كل شيء، وبعضها يبني منهجه على ما يسمى بالسبق الصحفي، حتى ولو ضحى، في سبيل ذلك بالتثبت من صحة الخبر. وكل من المنهجين يستند إلى حقيقة نفسية عند القراء؛ فأصحاب السبق الصحفي يراهنون على الفضول البشرى، والرغبة في الاستطلاع، ومعرفة الأسرار والمفاجآت إشباعاً للغرور، أو ترضية للهفة البشرية.
قد يكون منهج التثبت أكثر جدية، في الصحافة، واحتراماً لرسالتها، بل واحتراماً للقراء، وأصحاب هذا المنهج لا يرون، في صحفهم، مجرد أداة للإعلان، بل سجلاً للتاريخ، ومن ثم قد لا يأنفون من نشر خبر، سبق أن نشرته صحف أخرى، وإن كان بعضها لا يضع مثل هذه الأخبار السابقة في الأماكن البارزة، من الصحيفة، ولا في صفحاتها الرئيسة.
حدث ذات مرة، أن نشرت بعض صحف القاهرة نبأ، تلقته عن إحدى وكالات الأنباء، عن وفاة سلطان باشا الأطرش، زعيم الدروز. وظهرت الصحف في الصباح، وإذا بالأهرام، وحدها، تغفل نشر هذا الخبر، وروجع رئيس تحريرها الصحفي القديم، أنطون باشا الجميل، في هذا الأمر، فكان جوابه: “إن من لم يمت، في الأهرام، لم يمت”، وبالفعل اتضح أن الأهرام كانت قد تلقت الخبر، من الوكالة نفسها كما تلقته الصحف الأخرى، ولكن رئيس تحريرها اتصل بالمصادر العربية والدبلوماسية، في القاهرة ليتأكد من صحة الخبر، قبل نشره، فنفوا له صحته، وعدم علمهم بشيء، من هذا. وبعد ذلك بيوم، أذاعت الوكالة نفسها اعتذاراً، وتصحيحاً للخبر السابق، قالت فيه إن الذي مات كان والدة سلطان باشا الأطرش، لا الزعيم الدرزي نفسه.
وهكذا اختارت جريدة الأهرام التثبت الصحفي، واحترام القارئ، بدلاً من السبق الصحفي، وليس من شك في أن الأفضل هو الجمع بين السبق الصحفي، والتثبت منه، كلما استطاع الصحفي إلى ذلك سبيلاً، وإذا لم يكن بد من الاختيار، فربما كان، من الأصح أخلاقياً، وإنسانياً ووطنياً، تفضل التثبت على السبق الصحفي؛ لأن ثقة القراء واحترامهم رأس مال أدبي كبير للصحافة.