التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

إمام في النحو والعروض والبلاغة وغيرها يعجز عن نظم بيت من الشعر!!!

إمام في النحو والعروض والبلاغة وغيرها يعجز عن نظم بيت من الشعر!!!
استوقفني ما ستراه أدناه في ترجمة الصفدي في الوافي بالوفيات للإمام بدر الدين بن الإمام جمال الدين بن مالك ، وهو البحر بن البحر .
فهل تصدق هذا؟
قال الصفدي:
الشيخ بدر الدين ابن مالك
محمد بن محمد بن عبد الله ابن عبد الله بن مالك الإمام البليغ النحوي بدر الدين ابن الإمام العلامة جمال الدين الطائي الجياني ثم الدمشقي كان إماماً ذكياً فهماً حاد الخاطر إماماً في النحو إماماً في المعاني والبيان والبديع والعروض والمنطق جيد المشاركة في الفقه والأصول أخذ عن والده وجرى بينه وبين والده صورة سكن لأجلها بعلبك فقرأ عليه بها جماعة منهم بدر الدين ابن زيد، فلما مات والده طلب إلى دمشق وولي وظيفة والده وسكنها وتصدى للأشغال والتصنيف، وكان اللعب يغلب عليه والعشرة، حكى لي الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين محمود الكاتب رحمه الله تعالى حكاية جرت له مع الأمير علم الدين سنجر الدواداري وهي غريبة ما أوثر ذكرها وحكى لي غيره عنه ما يوافقها من اللعب وكان إماماً في مواد النظم من العروض والنحو والمعاني والبيان والبديع ولم يقدر على نظم بيت واحد ولقد حضرت إليه رقعة من صاحبه فيها نظم أراد أن يجيبه عنها بنظم فجلس في بيته من بكرة إلى صلاة العصر ولم يقدر على بيت واحد حتى استعان بجار له في المدرسة على الجواب بعد ما حكى ذلك لجاره،

وقيل لي أنه أملى على قول أبي جلنك.
والبان تحسبه سنانيراً رأت … قاضي القضاة فنفشت أذنابها
كراسة وتكلم على ما في هذا البيت من علوم البلاغة سبحان الله العظيم،
ووالده كان ينظم العلوم في الأراجيز ويدرج المسائل الكثيرة في الألفاظ القليلة وهذا دليل القدرة على النظم، ومن تصانيف الشيخ بدر الدين شرح الفية والده المعروفة بالخلاصة وهو شرح فاضل منقى منقح وخطأ والده في بعيض المواضع ولم تشرح الخلاصة بأحسن ولا أسد ولا أجزل على كثرة شروحها وأراها في الشروح كالشرح الذي لابن يونس للتنبيه، والمصابح اختصر فيه معاني وبيان المفتاح وهو في غاية الحسن وقيل إنه وضع أكبر منه وسماه روضة الأذهان والي الآن لم أره ورأيت له مقدمة ف يالمنطق ومقدمة في العروض، ومات قبل الكهولة من قولنج كان يعتريه كثيراً في سنة ست وثمانين وست مائة بدمشق ودفن بمقبرة باب الصغير وكثر التأسف عليه، وولي إعادة الأمينية بعده الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني وكثر تأسف الناس عليه، وقيل إنه حضر مجلس الشيخ شمس الدين الأيكي وكان يعرف الشكاف معرفة مليحة فقعد لا يتكلم والأيكي يذكر درسه إلى أن أطال الكلام فقال له يا شيخ بدر الدين لأي شيء ما تتكلم فقال ما أقول ومن وقت تكلمت فيه إلى الآن عددت عليك إحدى وثلاثين لحنة أو كما قيل.
الوافي بالوفيات – (1 / 90)


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

النحو بين التيسير والتعسير

النحو بين التيسير والتعسير

د. محمد أحمد الشامي*

2022-12-26

مقدمة:

قد عَجَّمْتُ عود النحو فوجدته صلبًا، ولم يكن الأمر كما كنا نسمع من مشايخنا من أنك ترى النحو أسدًا فإذا دخلته وجدته خروفًا، وكدت أقول مع المبرد حين يأتيه شخص ليقرأ عليه كتاب سيبويه [هل ركبت البحر”> أو أقول مع القائل – [على أنني راضٍ بأن أحمل الهوى فأخلص منه لا عليّ ولا ليَّا”> غير أني عدلت عن ذلك إلى القول مع القائل “سعاد التي أضناك حب سعاد”، فعشت في كتب النحاة منذ غضاضة العمر حتى هذا اليوم الذي تجاوزت فيه الخمسين، – وهي فترة زمنية كافية لأن يكون للإنسان رؤية فيما أحسب – تعينه على فهم النحو ودروبه ومسالكه بحيث يتمكن من سلوك الطريق الذي يساعده إن شاء الله على فهم النحو وتقريب قصيه، وشغلت كثيرًا بهموم هذا النحو العربي كغيري من الحادبين، لا سيما وأن شغفي بالعربية يحدوني دومًا لتمكين الآخرين منها، من الطلاب والأصحاب سواء أكان ذلك عن طريق المدارسة أم المساءلة أم المراسلة، ولكم وددت أن أجمع ما يعنّ لي من مسائل وأطروحات في مقام واحد أستمع لرأي الآخرين فيها أناقشهم ويناقشونني أبادلهم الرأي بالرأي والمحاورة بالمحاورة، حتى تتجلى لنا الحقائق وتستبين المعالم فترتاح قليلاً من وعثاء السفر، لا سيما في عصرنا هذا الذي فقد مثل ذلك الاعرابي الذي أجاب على الأخفش حين سأله بعد حضور مجلسه الذي كان يقوم فيه بتدريس النحو – “ما نسمع أخا العرب؟” فقال الاعرابي الذي كان يستمع في تعجب تتكلمون بكلامنا في كلامنا مما ليس من كلامنا(1).

هذا وأبناء عصرنا يحملون كثيرًا من الأسئلة التي يحاولون الإجابة عنها، فمنهم من بدأ في الإجابة ومنهم من لا ندري أهي من مخطوطاته أم اختطفته المنايا وفي نفسه شيء من أسئلته، كأستاذنا المرحوم الدكتور حسن عون الذي قال: “إن السؤال الذي يفرض نفسه علينا الآن هو:

* هل هناك من سبيل لوضع النحو العربي، ولا نقول إصلاح النحو العربي لأنه ليس فاسدًا – وضْعًا جديدًا في الإطار الذي ينبغي أن يكون فيه، حتى نستطيع أن نخفف من أعباء دراسته، وإن نبعث الحياة في مسائلة، وفصوله وأبوابه وأن نخلصه مما علق به وليس منه، وأن نجعله يساير الظروف اللغوية التي نعيشها”.

إلى أن يقول: “نعم هناك سبيل لوضع النحو العربي لا بدّ أن يوائم ظروفنا وينسجم مع تطورنا الثقافي والاجتماعي. وهذا هو الذي عقدنا العزم عليه”(2).

ولكن فيما أحسب أن الأستاذ حسن عون لم يشف غليل نفسه مما ذكره، خاصة في مسألة إعراب الأفعال، إذ أذكر أنه عندما كان يناقشني في مدرج كلية الآداب بجامعة القاهرة الأم ويحضر الأستاذ الدكتور رمضان عبد التواب والأستاذ الدكتور عبد الله درويش في قولي بأن الفعل المضارع معرب إطلاقًا، قال إنه ذهب إلى أكثر من ذلك ذهب إلى إعراب الأمر والماضي، ولكم تمنيت أن أرى ذلك مكتوبًا وهو أمر لم أصل إليه حتى الآن.

أقول إن أبناء عصرنا في نفوسهم كثير من القضايا والمسائل ووجهات النظر، وهم في النهاية كما أحسبهم واصلون إلى إقناع محدد بأن الآراء من حيث صوابها وخطؤها تخدم درسنا النحوي. فتعديل الخطأ وتأكيد الصواب هو من صميم عمل الباحثين ودأبهم، وان المراحل المختلفة التي مر بها النحو العربي على مسار الزمن الطويل كفيلة بالوقفة تلو الوقفة لتبعث فيه العافية وتجدد منه الشباب، فليس ثمة اقتناع على الإطلاق باحتراق النحو، وإلا لذهب النحو وأدراج الرياح وأصبح من الذكريات الخالية من مخلفات التاريخ، كما أننا لا تقنعنا أبدًا عبرات الباكين على السالفين منه فنردد مع علقمة بن عبده الأسدي:

هل ما علمت وما استودعت مكتوم =أم حـبلهـــا إذ نـأتـــك اليـــــوم مـصـــروم

أم هــل كبيـر بكى لم يقـض عبرتـه =إثــر الأحـبــة يـــوم البـيـن مشكــــوم

لـم أدر بالبـيـن حــتى أزمعوا ظــعــنًا =كـل الجمــال قــبـيـل الصـبـح مزمــوم

1

2

3 هل ما علمت وما استودعت مكتوم أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم

أم هل كبير بكى لم يقض iiعبرته إثر الأحبة يوم البين iiمشكوم

لم أدر بالبين حتى أزمعوا iiظعنًا كل الجمال قبيل الصبح iiمزموم

ولكنا نقول:

ألاحبذا هند وأرض بها هند =وهند أتى من دونها النأي والبعد

1 ألاحبذا هند وأرض بها iiهند وهند أتى من دونها النأي والبعد

إن حقيقة النحو العربي بطريقته العربية تلك التي كانت رهينة النص وحبيسة التذوق؛ قد بعدت الآن فغدا محكومًا بالبراعة التي توسعت في العلل وكثرت فيها الإجتهادات التي ربما كان بعضها قاصرًا عن بلوغ مراده، في وضع يقنع الواقف أمامه. فوجدنا التخريج يصدر في مهارة، والتفسير يحدث ببراعة، كما وجدنا بعض أهل النحو من سلفنا يصطلحون على مسائل أطلقوا على بعضها النكات النحوية أو عويصات المسائل، مما جعل بعض المتأخرين يجنح لتضعيفها باطلاق قد عَدّه لطيفًا مثل قوله: “إنّ نكات النحو كالورد تُشَم ولا تُدْعَك”، وليت شعري هل مثل يصل عند المحدثين ذكرًا، ولما كنا هنا في مجال ذكر جهود علمائنا في النحو؛ لابد من الاشارة إلى أمر مهم نوثق فيه نحاتنا السالفين، فهم على ما رأيت لم يعرفوا بالتدليس كما هو الشأن عند بعض أصحاب الفنون. فرؤيتهم ومقولاتهم نقلاً ووصفًا هي من عندهم ومن قناعتهم، ولم تكن موضوعاتهم طائشة أو معممة ولكن هي الحقيقة التي اقتنعوا بها حسب جهدهم وكسبهم، ولم نعرف منهم من طلق النحو في بينونة صغرى أو كبرى، وتلك محمدة لأهل علم أجلاء كان الاخلاص رائدهم، والوفاء سلوكهم، حتى نهضوا بواجبهم وفق ما اقتضته ظروفهم، وحياتهم وأوضاعهم الثقافية والاجتماعية.

إن نحاتنا من سالف أيامهم قد اجتهدوا واستخدموا الأقيسة التي بدت لبعضهم كالجربانات كما قال أبو منصور بن الجيّان: “قياسات النحو تتوقف ولا تطرد كقميص له جربانات فصاحبه كل ساعة يخرج رأسه من جربانة”(3).

وأظن أن الخروج من جربانة إلى أخرى لا يمكن أن يصل بالإنسان إلى غايته الكاملة ما دامت العلوم كلها لا تدرك قيعانها في عمر المرء القصير وكما قيل: فإن العلم بحرٌ زخار لا يدرك له من قرار. وطود شامخ لا يسلك إلى قننه ولا يصار. من أراد السبيل إلى استقصائه لم يبلغ إلى ذلك وصولاً، ومن رام الوصول احصائه لم يجد إلى ذلك سبيلا. كيف وقد قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاَ}.

ورحم الله الزركشي في آخر مقولته: “فإن الصناعة طويلة والعمر قصير وماذا عسى أن يبلغ لسان التقصير…”

من أجل هذا دعونا ننظر في درسنا النحو بما يلائم روحه ويساير طبيعته، عسانا نجيب أبناء عصرنا فيه فيقدموا على أبوابه وفصوله ومسائله بما يخدم لغة القرآن العظيم.

هذا وهنا أشير إلى وجهة نظر تمثلت لي خلال دراستي للنحو وتدريسه، تلك هي أن دراسة النحو على طريقة القدماء من خلال اللغة نفسها هو ما ينبغي أن يدور فيه تعليمه ومدارسته معنىً وشكلاً، وذلك مفهوم أحسب أن التماساته لم تنعدم في يوم من الأيام، وخلال الحقب المتتالية من علماء العربية الأجلاء. ولا أظن أن نواياهم وأعمالهم كانت قاصرة في مجموعهم. وكل متناول لمسائل النحو وقضاياه الأساسية في العربية لا أظنه يغفل الاعتبار الكافي الذي يلزمه أن يحفظ لسلفنا الصالح كل اجتهادهم وإخلاصهم للعلم والتجرد له. لكنا نود الإشارة إلى حقيقة مهمة تتمثل في أن النحو العربي تشابكت فيه عدة عوامل نتج عنها ما يلي:

أ/ تذاءبت على النمو المذاهب المختلفة.

ب/ احتضن النحاة اللهجات العربية التي اعترفوا بها فقط في مجال الإصلاح النحوي الذي اتفق عليه.

ج/ كثرت الاجتهادات في التخريج المرهق.

د/ قل الحافز نحو الترغيب.

هـ/ تدخلت المعالجة الشكلية المفرطة مع الاصرار والمحافظة على القائم من مسائل النحو والمتابعة القاسية لكل ما جدّ وظهر، دون الاهتمام بعامل الزمن وتنوع الرغبات والبيئات ووحدة العلوم العربية التي أسسها جِلّة من الأوئل والسير على طريقة العربي في لغتهم بمختلف لغاتها في براح وإفساح.

عوامل العسر

أ/ تختلف الأسباب التي تدعو لنشأة ظاهرة ما. فمنها أحيانًا طبيعة الظاهرة ذاتها وما تفرضه، ومنها ما هو من صنع الإنسان نفسه، فمثلاً ما نحن بصدده من عوامل التعسير في النحو العربي؛ فإننا نجد الانبعاج والترهل الذي أصابه على يد أهله بسبب حرصهم على استقصاء كل ما يتعلق بمسائله سالكين لذلك كل السبل التي تيسرت لهم من حركة وثقافة وعلوم. مما أدى بطبيعة الحال إلى فتور التلاميذ وقصور هممهم.

ب/ عامل يعود إلى صاحب الصنعة نفسه، حينما حاول بعضهم أن يتكسب بهذا العلم ويتخذه مظهرًا اجتماعيًا يجلب له الوجاهة والتفرد في مجتمعه، فصار يدخله في مسائل لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن ثم نجد من دخل في ديار النحو طلبًا للمال ومناصرة للمذاهب، فغدا النحو مخيفًا فشاب من شاب خوفًا منه ومات من مات كمدًا ومكايدة في مجالسه، وهذا فيما أحسب من العوامل الحادة التي جعلت النحو يتحرك في دائرة حرمته كثيرًا من الافكار النيرة والوقفات الصائبة. ولننظر فيما يأتي من الأقوال كنماذج لهذه المسألة فالنحاة أحيانًا يتجاوزون لأكثر من علة كسؤال السائل عن زيد في (قام زيد) لم رفع؟ فيقال لأنه فاعل مرفوع (هذه العلة الأولى) فيقول لم رفع الفاعل؟ فيقال للفرق بين الفاعل والمفعول (هذه العلة الثانية) – فيقول فلم لم تعكس القضية بنصب الفاعل ورفع المفعول؟ فيقال لأن الفاعل قليل والمفعولات كثيرة فأعطى الأثقل الذي هو الرفع الفاعل وأعطى الأخف الذي هو النصب للمفعول لأن الفاعل واحد والمفعولات كثيرة، ليقل في كلامهم ما يستثقلون ويكثر في كلامهم ما يستخفون. فهل مثل هذا يزيدنا علمًا، أظن الاجابة سالبة إذ لو جهلنا ذلك، لم يضرنا جهله لأنه في الواقع رفع الفاعل الذي هو مطلوب الدارس. هذا ومن وجوه التفسير ذلك الحديث الذي جرى بين من ينتحل النحو وآخر ذي إلمام – في قول كثير:

وأنت التـي جببت كـل قصـيرة =إلـىّ ومـا تــدري بــذاك القــصـائر

عنيت قـصـيرات الحجــال ولم أرد =قصار الخطا شر النساء البحاتر

1

2 وأنت التي جببت كل iiقصيرة إلىّ وما تدري بذاك iiالقصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء iiالبحاتر

قال بعضهم البحاتر مبتدأ وشر النساء خبره، وقال بعضهم يجوز أن يكون شر النساء هو المبتدأ والبحاتر خبره، وكان هناك من يرى أن الشاعر لا يريد إلا أن يخبر أنّ البحاتر شر النساء وأنكر صحة غيره … وجعل يكثر من ذكر الموضوع والمحمول، ويورد الألفاظ المنطقية التي يستعملها أهل البرهان فقلت له أنت تريد أن تدخل صناعة المنطق في صناعة النحو وصناعة النحو تستعمل فيها مجازات ومساحات لا يستعملها أهل المنطق، وقد قال أهل الفلسفة يجب أن تحمل كل صناعة على القوانين المتعارفة بين أهلها، وكانوا يرون أن إدخال بعض الصناعات في بعض إنما يكمن من جهل المتكلم أو عن قصد منه للمخالطة واستراحة بالانتقال من صناعة إلى أخرى إذا ضاقت عليه طرق الكلام(4).

ومما يؤيد هذا المنحى ذا الجذور ما روى عن سبب وضع الفرَّاء للحدود واملائه:

إنّ جماعة من أصحاب الكسائي صاروا إليه وسألوه أن يُملي عليهم أبيات النحو ففعل، فلما كان المجلس الثالث قال بعضهم لبعض إن دام هذا على هذا علم النحو الصبيان. والوجه أن يُقعَد عنه فقعدوا. فغضب وقال: سألوني القعود. فلمّا قعدت تأخروا والله لأملين النحو ما اجتمع اثنان فأملى ذلك ست عشرة سنة.

وعند إنعام النظر إلى هذا النص ترى من يريد النحو لاسم لا يفقهها كل الناس حتى لا يشاع، بينما نرى إصرار الفراء على التيسير وما أظن الرجل إلا مريدًا بذلك الخروج من حزن إلى سهل حتى يستجم الدارس ويلتقط أنفاسه ويدفع عنه الملل، وما أظن أولئك الممتنعين والقاعدين إلا آمّين الحزن من المسائل، وبهذا يقطعون ظهر الدارس ويبتّون قواه الذهنية والبدنية، فيقف دون مرامه فيكون لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى. وإذا كان أساسًا الهدف من تعليم النحو عند قدمائنا الأجلاء محاولة فهم القرآن وإدراك معانيه، فما العيب في أن يفهمه الصبيان، وكان من الجميل جدًا عند المرغبين الميسرين أن تتجه هممهم للتعمق في الصوت وفي اللفظة وفي الجملة، مما اقتضاهم طرق كل باب يفضي إلى الإفصاح عن أسرار التركيب القرآني، ومن ثم نتابع النحاة في هذه القرون الممتدة يؤصلون، ويفصلون، ويشرحون ويعللون وهم في ذلك لا يغفلون لحظة عن الهدف الذي من أجله ولد علم النحو هذا.

وأحسب أن هذا الفهم والهدف هو الذي دفع أبا عبيدة معمر بن المثني (ت 308هـ) إلى تأليف كتابه في مجازالقرآن، محاولاً بما أوتي من قوة ملاحظة ومشاهدة دقيقة أن يسلك بدرس النحو سبلاً أخرى تربطه بالنصوص وتوسع من دائرته وتسهل عويصه الصناعي. فاتخذ من بعض المسائل موضوعًا للتأميل في ربطها بالنص، وكان يهدف من وراء ذلك العمل إلى الكشف عن الحقيقة العلمية الكامنة وراء النصوص. فجاء عمله طيبًا وفق جهده فتناول مسائل متعددة من تقديم وتأخير وحذف وغيرها.

وعله بهذا العمل فيما نحسب يود أن يسعى إلى طريقة حسنة تفيد في تناول مسائل النحو وقضاياه، بدل البحث عن العلل الأوائل والثواني وكلها كانت من الطرق التي تلتمس لفهم طريقة لغة العرب ونحوها بمعناه الواسع المفيد. وهذا التناول قد فتح الباب أمام نظرات جديدة للنحو تتمثل في الجهد الذي ظهر في القرن الخامس على يد العلامة الشيخ عبد القاهر الجرحاني (471 هـ).

فكان النحو عنده ليس علامات الإعراب وحدها، أو النظر إلى أواخر الكلمات وليست البلاغة في التشبيه وبراعته ومحدودية النظر، وإنما سبيل العربية المطلوب هو الإبانة والفهم ووسائل العربية كثيرة، منها التنكير والتعريف والتقديم والتأخير والفصل والوصل والتحول من الاسم إلى الفعل ومن صيغة لأخرى.

وقد كان الرجل عظيمًا حين أسند وجوه البيان والافهام إلى علم النحو، وعاب على بعض القوم زهدهم في النحو وعلى آخرين اغفالهم لمعناه الواسع الجميل. قال عن المستهينين “وأما زهدهم في النحو واحتقارهم له أو إصغارهم أمره وتهاونهم به فصنيعم في ذلك أشنع .. وأشبه بأن يكون صدًا عن كتاب الله وعن معرفة معانيه وذلك بأنهم لا يجدون بدًا من أن يعترفوا بالحاجة إليه فيه. إذا كان قد علم أن الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذي يفتِّقها، وأن الأغراض كامنة فيها. حتى يكون هو المستخرج لها.. ولا ينكر ذلك إلا من ينكر حسه وإلا من غالط في الحقائق نفسه، وإذا كان الأمر كذلك فليت شعري ما عذر منه تهاون به وزهد فيه، ولم ير أن يستسقيه من مصبه ويأخذه من معدنه ورضى لنفسه بالنقص والكمال لها معرض وأثر الغبينة وهو يجد إلى الربح سبيلاً”(5).

فعبد القاهر بمثل هذه الملاحظات يؤكد أن أمر التدريس النحوي مرتبط بفك المغلق واستخراج الأغراض الكامنة وليس هو أمر ما يلحق أواخر الكلام. هذا والذي أصاب النحو قبل فترة هذا العالم قد أبعده كثيرًا عن هذه الدوائر وصار مسائل كالألغاز عند بعضهم، وتلاعبًا بالصور والأشكال كما في قرينة الصرف كتلك الأقوال التي نعرفها من مثل: كيف تبني من كذا كذا، أو ما هو وزن كذا ثم ما وزن عزويت أو قولهم لو سميت رجلاً بكذا فكيف يكون الحكم (6) فمثل هذا وما أشبهه لا يثمر إلا كدّ الفكر وإضاعة الوقت وجلب الوهن، وعكسه نجده في ترغيب عبد القاهر الجرجاني في بعض المسائل البلاغية المختلطة بالأداء النحوي مما نحسبه صنيعًا محببًا للنفس الطموحة التي تشرئب لفهم العربية بأصلها، ولننظر في مثال واحد تناوله في الدلائل وهو “اشتعل الرأس شيبًا”(7). نحن في دراستنا النحوية نمثل به في باب التمييز المحول عن فاعل دون تلمس الوجوه الجمالية فيه. والمعاني الجمّة التي يشتمل عليها كما يتناوله البلاغيون الحرفيون يقول:

“ومن دقيق ذلك أنك ترى الناس إذا ذكروا قوله تعالى: {واشتعل الرأس شبيًا} لم يزيدوا فيه على ذكرالاستعارة، ولم ينسبوا الشرف إلا إليها ولم يروا موجبًا للمزية سواها، هكذا ترى الأمر في ظاهر كلامهم وليس الأمر على ذلك ولا هذا الشرف العظيم.. ولكن لأن يسلك بالكلام طريق ما يسند الفعل فيه إلى الشيء وهو لما هو من سببه فيرفع به ما يسند إليه ويؤتى بالذي الفعل له في المعنى منصوبًا بعده مبينًا أن ذلك الاسناد وتلك النسبة إلى ذلك الأول إنما كان من أجل هذا ولما بينه وبينه من الاتصال والملابسة كقولهم طاب زيد نفسًا وقرّ عمرو عينًا … وأعلم أن في الآية شيئًا آخر من جنس النظم وهو تعريف الرأس بالألف واللام وأفادة معنى الإضافة وهو أحد ما أوجب المزية ولو قيل “واشتعل رأس فصرح بالاضافة” لذهب بعض “الحسن” فأرفه(8).

وقال: “اعلم أنه ليس النظم إلا أن تضع الكلام الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها، فينظر في الخبر إلى الوجوه التي تراها في قولك زيد منطلق، وزيد ينطلق، وينطلق زيد ومنطلق زيد والمنطلق زيد وزيد هو المنطلق وينظر إلى التعريف والتنكير، والتقديم والتأخير والحذف والتكرار والإضمار والإظهار فيضع كلا من ذلك مكانه ويستعمله على الصحة وعلى ما ينبغي له”(9).

هذا وعلى أية حال؛ إن وضع النحو يحتاج إلى معالجة واعية ليس فيها على قدمائنا تطاول وليس فيها على المحدثين تهاون، فزماننا قد وهنت فيه الهمم وأشأم الناس وتيمن النحو وصار مدرسو النحو مع طلابهم كالمنكح الثريا سهيلاً، فالاستعداد في النفوس حادث ليبلغ أهل العربية العربية على وجه يرضى الله ويرضيهم، ويرفع عنهم كوالح المسائل وعويصاتها، ويوجد لهم المصطلحات ومنابعها ويحبذ لهم منهج المتذوقين، والمستبصرين الذي يجمعون المتفرّقات ويربأون عن الخلافات ويحسنون جمال القول في براعة التركيب وبلاغة الفصحى، ولا أحسبنا بمبتعدين عن الصواب إن جارينا قدماءنا في روحهم الوثابة في التعامل مع عصورهم فقد وجدناهم دومًا يشيرون إلى حال العصر الذي يعيشون ويتعاملون معه بواقعية مشهودة، فيصفون قصور الهمم وكثرة الشواغل كل هذه في زمانهم فماذا يكون الحال في عصرنا الذي صارت بضاعة العلوم فيه من حيث هي مزجاة أما النحو العربي فلا بواكي له.

وأما سدّ باب الاجتهاد على النحاة في أي عصر من العصور، فلا حجة في ذلك لا سيما بعد التطور البشري في وسائل المعرفة وفي إدراكنا لنعم الله على عباده، فقد يفتح الله لعالم بعد آخر من الأبواب مالم يتطرق إليه من المتقدمين أحد. ولا أظن الأمر يحتاج إلى عرك أذن أو عراك أبدان، وإنما الفكر والرؤية والتريث بعد النظر والاستعداد. فالخلاف الذي لا يقوم على عصبية مذهبية في النحو عند أبناء عصرنا لا يثير التخوف ولا يصد عن السبيل – فهم على استعداد حميد لقبول الرأي الآخر والرأي الموافق على وجه يجلى الغموض ويستبعد الحرفية المدلجة.

النحو والمناكفات

لم يطرح النحاة التثريب على بعضهم جانبًا وإنّما كانوا يتعمدون أحيانًا إثارة المسائل في المجامع وأمام الأمراء ويعقدون المجالس لإحراج بعضهم بعضًا تارة، ولإظهار البراعة تارة أخرى، وللوصول إلى المقاييس أو التصويب تارة ثالثة. ولعل الدارس للنحو يدرك تمامًا المناظرات المختلفة والمجالس التي عقدت ودار فيها مثل هذا العمل، كالصنيع الذي نجده بين أعلام النحو العربي إذا استعرضنا النحاة البارزين من أمثال سيبويه، ابن السراج، الكسائي، الفرّاء، الأخفش، المبرد، الزجاج، ثعلب، الزجاجي، السيرافي، ابن كيسان، ابن برهان، ابن جنّي، ابن الأنباري، الزمخشري، ابن مضاء، ابن خروف، الشلوبيني، ابن عصفور وابن الحاجب، وغيرهم من أعلام النحو. لوجدنا لأكثرهم لقاءات ومحاورات وردودًا على من تعاطى هذه الصنعة من أقرانهم ومعاصريهم أو على من سبقهم يمكننا أن نجد بعضًا من ذلك في – مناظرة الكسائي واليزيدي، ومجلس أبي إسحق الزجاج وجماعته ومجلس ثعلب والمبرد ومجلس أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر ومجلس الزجاج مع رجل غريب، ومجلس ثعلب مع ابن كيسان ومجلس ابي عثمان المازني مع ابي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ولا يخفى ذلك الجمع المشهود الذي هباه يحيى البرمكي بين سيبويه والكسائي في المسألة الزنبورية.

مما هيأ الجو في مجال النحو للبعد به عن التسهيل والترغيب فنشأ جيل تعاطى النحو وبرع فيه براعة مشهودة مما جعل نفرًا منهم يتخذه مباهاة فحال هذا العمل ببين النحو للجميع وبين الناس، فظهرت المشكلات والمسائل العويصات كالأحاجي والمجالس والمناظرات في أمور نحسبها لم تعط النحو دفعات أو تطورًا أو يجني الدارسون منها ثمرة عملية تطبيقية، ويمكن تصور هذا الذي نقول إذا رأينا الفتاوي النحوية التي ربما جاءت نتيجة للتطور الذي نشأ من خلال تلك الممارات والمناظرات والمجالس والأحاجي. وسأسوق هنا أمثلة متنوعة على ذلك.

نموذج للمناكفات:

في نظري أن افتعال المسائل الصعبة أو السهلة في حد ذاته يدل على تعقيدات لا مبرر لها في مجال الدراسات النحوية والصرفية التي مجالها العطاء لا المحاجة ومما جاء في هذا المجلس أبي عثمان المازني مع يعقوب ابن السكيت (186 – 244) جاء فيه:

“أخبرنا أبو إسحق الزجاج قال أنبأنا أبو العباس عمر بن يزيد عن أبي عثمان قال:

جمعني وابن السكيت بعض المجالس فقال لي بعض من حضر: سله عن مسألة، وكان بيني وبين ابن السكيت ودٌ، فكرهت أن أتجهه بالسؤال لعلمي بضعفه في النحو – [بمعناه العام”> فلما ألح عليّ قلت ما تقول في قول الله عز وجل {فارسِلْ مَعْنَا أَخَانَا نَكْتَل}(10).

ما وزن نكتل من الفعل ولم جزمه، فقال وزنه نفعل وجزمه لأنه جواب الأمر قلت فما ماضيه ففكر وتشوّر فاستحييت له. فلما خرجنا قال لي – ويحك ما حفظت الودّ خجَّلتني بين الجماعة فقلت: – والله ما أعرف في القرآن أسهل منها قال فإن وزن نكتل نفتعل من اكتال يكتال وأصله نكتيل فقلبت الواو لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت الألف لسكونها وسكون اللام فصارت نكتل(11).

الفتاوي النحوية:

لقد تطور أمر المناكفات فاتخذ شكل فتاوي نحوية لزداد الأمر تعقيدًا ومن أمثال ذلك ما تقول السادة النحويون أحسن الله توفيقهم في قول العرب يا أيّها الرجُل هل ضمة الرجل ضمة إعراب وهل الألف واللام فيه للتعريف؟

فكان جواب المكني بأبي نزار:

الضمة ضمة بناء وليست ضمة إعراب، لأنّ ضمة الإعراب لابدّ من عامل يوجبها إذ لا عامل هنا يوجب هذه الضمة والألف واللام ليست هنا للتعريف… والصحيح أنها دخلت بدلاً من ياء، وأيّ وإن كان منادى فنداؤه لفظيٌّ، والمنادى على الحقيقة هو الرجل، وجاءت إجابة الشيخ أبي منصور موهوب ابن أحمد: “ضمة اللام ضمة إعراب ولا يجوز أن تكون ضمة بناء ومن قال ذلك فقد غفل عن الصواب وذلك أن الواقع عليه النداء أي المبني على الضم لوقوعه موقع الحرف والرجل وإن كان مقصودًا بالنداء فهو صفة أي محال أن يبنى أيضًا لأنه مرفوع رفعًا صحيحًا، ولهذا أجاز فيه أبو عثمان النصب على الموضع كما يجوز في يا زيد الظريف .. والألف واللام فيه للتعريف.

قال بن الشجري: الجواب والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب أن ضمة اللام ضمة إعراب لأن ضمة المنادى المفرد (المعرفة) لها باطراد منزلة بين المنزلتين فليست كضمة حيث لأن ضمة حيث غير مطردة وذلك لعدم اطراد العلة التي أوجبتها ولا كضمة زيد نحو خرج زيد لأن هذه حدثت بعامل لفظي (وذكر هنا كلامًا كثيرًا استغرق صفحة كاملة في التعليل والاسترسال) إلى أن يقول والألف واللام هنا لتعريف الحضرة كالتعريف في قولك جاء هذا الرجل(12).

هذا ولم تقف المناكفات وإنما أمتدت إلى الأدباء والشعراء وغيرهم فتصدى أولئك للنحاة وعلمهم فنالوا منهم على طرائق مختلفة. وهذه نماذج من ذلك فيما بينهم كأصحاب صناعة وفيما بينهم وبين الشعراء والأدباء وغيرهم.

فمما جاء في ذلك ما وراء صاحب نزهة الألباب أن أعرابيًا وقف على حلقة أبي زيد فظنه جاء يسأل عن شيء في النحو، فقال له: سل يا أعرابي حاجتك فأنشد على البديهة:

لسن للنحو جئتكم = لا ولا فيه أرغب

أنـــــــا مــــالي ولامـــرئ = أبد الدهر يضرب

خـــل زيــدًا لشـــــأنــــــه = أينما شجاه يذهب

واســـتمــع قــول عاشــق = قد شجاه التطرب

همــه الـــدهــر طــفـلــــة = فهــــو فيهــا يشــبب(13)

1

2

3

4

5 لسن للنحو iiجئتكم لا ولا فيه iiأرغب

أنا مالي iiولامرئ أبد الدهر يضرب

خل زيدًا iiلشأنه أينما شجاه iiيذهب

واستمع قول iiعاشق قد شجاه iiالتطرب

همه الدهر iiطفلة فهو فيها يشبب(13)

هذا والذي يبدو أن لهذا الاعرابي معرفة بأمثلة النحاة ومحيطهم الذي يضرب فيه زيد عمرًا وبالعنت الحادث خلال مداخلاتهم كما قال الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير:

ولقيت من عنت الزيود مشقة = وبكيت من عمرو ومن إعرابه

1 ولقيت من عنت الزيود iiمشقة وبكيت من عمرو ومن إعرابه

وقال رؤبة بن العجاج ليونس بن حبيب(14):

حتى متى تسألني عن هذه الأباطيل وأذوقها لك؟ أما ترى الشيب قد بلغ في رأسك ولحيتك؟

وكان أبو حاتم السجستاني وهو على علم باللغة إذا التقى هو والمازني في دار عيسى بن جعفر الهاشمي تشاغل خوفًا أن يسأله المازني في النحو(15).

وهذه المرتبة من العلم في هذا النحو امتاز بها المازني لأنه كان علمًا في الأعراب وإن كان من بين اولئك العلماء من برع في الجميع كالرياشي الذي يفزع إليه أهل البصرة إذا اختلفوا في شيء وقالوا فيه ما قال الرياشي انقيادًا لفضله وروايته.

هذا ومن بين ما تناول النحاة في بعض شعره فغضب منهم عمار الكلبي وسجل ذلك في أبيات قال فيها:

مـاذا لــقـيت مـــن المســـتعربين ومـــن = قـياس نحـوهم هـذا الذي ابتدعـوا

إن قـلـت قــافية بكرًا يكون بهـا = بيت خلاف الذي قاسوه أو ذرعوا

قــالوا لحـنـت وهــذا لـيـــس مـنتـصبــًا = وذاك خـفـض وهــذا لـيـــس يرتـفـع

وحـرضـوا بــين عـبـد الله مـــن حمـــق = وبـين زيــد فطــال الضــرب والوجع

كم بــين قــوم قد احتالوا لمنطقهم = وبين قـوم عـلى اعـرابـهم طـبعــوا(16)

1

2

3

4

5 ماذا لقيت من المستعربين iiومن قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا

إن قلت قافية بكرًا يكون iiبها بيت خلاف الذي قاسوه أو iiذرعوا

قالوا لحنت وهذا ليس iiمنتصبًا وذاك خفض وهذا ليس iiيرتفع

وحرضوا بين عبد الله من iiحمق وبين زيد فطال الضرب iiوالوجع

كم بين قوم قد احتالوا iiلمنطقهم وبين قوم على اعرابهم طبعوا(16)

ومما جاء في هجاء النحاة قول يريد بن الحكم الثقفي:

اذا اجتمعوا على ألف وواو = وياء هاج بينهم جدال

1 اذا اجتمعوا على ألف وواو وياء هاج بينهم iiجدال

وقال عبد الله الحضرمي للفرزدق بعد أن أنشد قوله:

وغض زمان يا بن مروان لم يدع = من المال إلا مسحتًا أو مجلف

1 وغض زمان يا بن مروان لم يدع من المال إلا مسحتًا أو iiمجلف

لم رفعت مجلف قال الفرزدق:

بما يسوؤك وينوءك لنا أن نقول وعليكم أن تتأولوا. ثم هجاه بعد ذلك حين عرف الرجل بما سعى في تخطئته والتقليل من شأنه إذا ظهر جانب الصواب فقال:

فلو كان عبد الله مولى هجوته = لوكن عبد الله مولى مواليا(17)

1 فلو كان عبد الله مولى iiهجوته لوكن عبد الله مولى مواليا(17)

وجاء في الخصائص. قال أبو عبيدة معمر بن المثني للمازني ما أكذب النحويين! وهذا يعني استنكاره لبعض المسائل النحوية والرجل يريد فهمًا آخر لا يعني رفضه للنحو من حيث هو وقال ما أكذب النحويين: يقولون إن هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث وهم يقولون علقاة فقيل لأبي عثمان المازني لِمَ لَمْ تفسر له؟ فقال لم أفسر له لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا، يريد الفرق بين ألف الإلحاق وهي هنا للإلحاق وبين ألف التأنيث(18).

بدع نحوية وصرفية

لقد أدخل المتكلمون بالعربية بدعًا كثيرة عليها. حدث ذلك في صيغها الصرفية وتراكيبها النحوية وضوابطها اللغوية وكان ذلك يحدث في عصور مختلفة، وأخطر تلك البدع فيما أحسب تجاهل الفصحى ومحاولة استبدالها بالعامية وعدم التعامل معها حتى في حجرات الدراسة وقاعات المؤتمرات، ومن أفدحها أن يكون أستاذ اللغة العربية نفسه من المتحدثين بالعامية لمن يقوم بتدريسهم العربية أو يلتزم السكون كما هو الشائع في كل المفردات والعبارات جريًا على المقولة المعروفة (سكن تسلم) بينما يعلم أولو الألباب أن العربية لغة حركة دائبة وتتمثل حيويتها في تلك الحركة.

كذلك تتسع الفداحة حيث يقدمون دروسهم باللهجة الدارجة، بل يزداد المرء تعجبًا حين يقف على كثير من الرسائل الجامعية المعدة بالعربية في مختلف الجامعات العربية فإذا به يجد الأخطاء النحوية والصرفية والإملائية تأخذ طريقها وسط الطالب والمشرف، لكن أكبر من كل ذلك حين يحضر المرء مناقشة رسالة علمية في مدرج مفتوح فيسمع كثيرًا مما ينغص، وبرغم ذلك يتجاوز الناس هذا التساهل ويخرجون بتقديرات يتعجب منها الحضور قبل الفاحص المتلمس. ومادروا أن الأخطاء الصرفية والنحوية واللغوية مما يجب الوقوف عنده ومحاسبة من يرتكبه باعتباره بدعة صارفه عن الحق وتستاهل ردّ الرسائل ومؤاخذة الفاحصين مهما كانت مواقعهم في الجامعات والمعاهد العليا من أهل اللغة وأهل قرباها – بل لقد وصل الأمر في هذا المجال إلى أن تعقد مؤتمرات للغة العربية ويكون الحديث فيها بالعامية، ويدار النقاش بها – بل نجد التهاون في العربية حتى في المحافل الدولية، حيث يتكلم أحد المسئولين العرب بها فلا حرمة لقاعدة ولا طريقة.

بل نجد الافتراء والاستهوان. هذا وفيما يلي الوقوف على بعض النماذج لهذه البدع من ذلك: علاقة بالكسر يقولونها للعلاقات المعنوية بينما هي علاقة بفتح العين وليس كسرها لأن الكسر للحسيات وليس للمعنويات ومن ذلك ابدال ال أم متابعة للنادر فيقولون جئت أم بارح – بدل البارح ويقول فناء المدرسة بفتح الفاء في كلمة (فناء) والصواب كسرها لأن الفناء بالفتح الموت – ويقولون في الإذاعات وغيرها وصلنا الخبر الآتي. بدل وصل الينا لأنّ وصلنا تعني أعطانا صلة من الصلات المتكرم بها.

ومن ذلك أيضًا الوقوف بالتنوين على الاسم المنون مثلاً يقولون: جلس علىُّ “مُنفردًا” بتنوين منفرد عند الوقوف بدل “منفردا” بغير تنوين حيث يكون الوقف على الألف. كما نجد بعض المتكلمين لا يفرقون بين الكلمات التي على صورة المبني للمجهول من غيرها وهم على مستويات ثقافية مشهودة فيقول: استهتر فلان بفتح التاء الأولى والثانية بدل ضم التاء الأولى وكسر الثانية. ويقولون عني بفتح العين بدل عني بضمها وكسر النون. كما نجد البدع فاشية في حروف المضارعة في الفعل الرباعي مثل أريد، وأحب، ويشبه فبدل ضم الهمزة والياء الحادثة في أول الفعل لأنها أفعال رباعية نجدهم يفتحونها ويزيدون كذلك حرف أنّ المصدرية متصلاً بضمير في الجملة التي تتكون من هب مثلاً:

هبني أني قلت هذا بدل هبني قلت هذا. قال الشاعر:

هبوني أمرًا منكم أضل بعيره =له ذمة أنّ الذمام كبير(19)

1 هبوني أمرًا منكم أضل بعيره له ذمة أنّ الذمام iiكبير(19)

كما ظهرت البدع في خلط الأفعال المتعدية بنفسها وتلك التي تتعدّى بحروف الجر أو العكس. فنجد مثل التراكيب كان عليّ يسير ليلاً بقرب القرية وقد نبحت عليه الكلاب .. وفي الحقيقة هذا الفعل يتعدى بنفسه تقول نبحته الكلاب. ومثله قولهم أنعشه الجو وأطربه جدًا والحقيقة هي نعشه الجو يتعدى بذاته بدل الهمزة: كما تتضح هذه البدع في عدم التفريق بين صيغة اسم الفاعل وصيغة اسم المفعول في شهرة عجيبة يقول أحدهم قرأت المعوذتين بتشديد الواو وفتحها بصيغة اسم المفعول بينما الذي يطلق على هاتين السورتين. قل أعوذ برب الناس، وقل أعوذ برب الفلق “المعوذتين” بتشديد الواو وكسرها بصيغة اسم الفاعل. ومن ذلك أيضًا وصلهم بين لولا وضمير المخاطب فيقولون:

لولاك والوارد مكانها لولا أنت بضمير الرفع المنفصل قال القرآن الكريم {لَولاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤمِنِين} ومن إدخال أل على بعض وكل، في شيوع غير محدد. وكذلك ادخالهاعلى كافة وهذه تضاف دومًا إلى غيرها مثلاً – حدثني كافة الناس ولي الكافة.

ومن البدع الصرفية أيضًا التي يمكن للإنسان أن يحدث عنها بدون حرج لأنها بدأت منذ أن سمع أول لحن في البادية حين قال ذلك العربي “هذه عصاتي بدل عصاي”(20).

إذ يقول عرب اليوم عجوزة أو العجوزة – بدل عجوز وامرأة عجوز/ كرجل عروس وامرأة عروس.

ومما جاء في عين الكلمة من حيث “الضم والفتح والكسر” قولهم عَجِز بكسر الجيم والصواب فتحها قال الله تعالى: {يَا وَيلَتَا أَعَجَزتُ أَنْ أَكُونَ مِثلَ هَذَا الغُرَاب}(21).

ويقولون رغم بكسر الغين المعجمة والصحيح رغم بفتحها، ومما هو مشتهر “نعيٌّ” بإسكان العين وتخفيف الياء. والصواب نه نعيُّ بكسر وتشديد الياء، ويقولون مشْورة بسكون الشين والصواب ضمها مشُورة هذا ولم يخل فاء الكلمة من البدع أيضًا يقولون: وقود بضم الواو والصواب فتحها قال تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَة}(22).

ويقولون نفاية بكسر النون والصواب نُفاية الشيء رداءته. ويقولون “قتله” بفتح القاف وسكون التاء والصواب كسرها، ومن البدع حذف الهمزة من الفعل (أضج) فيقولون القوم ضجوا ومنها كذلك “أسيته” فيقولون: واسيته في مثل (استخفيت) من فلان، اختفيت بدون سبب وهلم جرا. وقد أشار بن الجوزي رحمه الله لمثل هذه البدع في زمانه، ولكننا اليوم نراها قد اتخذت شكلاً بعيدًا إذ عمت الأسماء والأفعال صحيحها ومعتلها إلى درجة الطغيان، ولا أرى مخرجًا منها إلا بالتمكين للعربية الفصحى في كل أنواع المعرفة والوسائل السمعية والبصرية ورفع قدرها في المؤسسات الرسمية والاعتماد بها في الأجهزة الإعلامية ومن المؤسف مثلاً أن تذكر للمسئول الأول في الأجهزة الإعلامية أخطاء محددة من أناس محددين فلا يزيد إلا ضحكًا. فأنت تسمع الثلاثة (الأول) بتشديد الواو/ وفي كلمة الأول بضم الهمزة وتخفيف الواو وتسمع “قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم” تسمع قراءة “يخزيهم” بفتح الياء وكسر الخاء وسكون الزاي والكلمة بضم الياء وسكون الخاء وكسر الزاي من الفعل أخْزَى وليس وخز وغيرها مما لا حاجة لنا لذكره. وتسمع صورة الحجر بفتح الحاء المهملة والجيم. بدل كسر الحاء وسكون الجيم، وسمعنا مكررًا لا تسافر المرأة إلا ومعها مُحْرم بضم الميم وسكون الحاء وكسر الراء، والصواب فتح الميم وسكون الحاء وفتح الراء، وسمعنا ولا تجعلوا الله عرضة لإيمانكم بكسر الهمزة في كلمة أيمان بفتحها وهناك فرق بين الحلف والتصديق بالقلب والآية بفتح الهمزة إذ المراد الحلف وغير ذلك مما يرد يوميًا.

استشراف المستقبل النحوي

حين نتحدث عن هذا الاستشراف للمفهوم النحوي والأداء اللغوي للعربية، يجب أن نضع في اعتبارنا دور اللغة الخطير في المفهوم الحضاري للأمة، ومقدرة الأجيال القادمة ومعرفتها بتراثها وأصالتها، واستحضار ذلك في كل مراحل النشاط وصياغته وتمثله كتابة وقراءة والمحافظة المستمرة على ما ورثنا من السلف، مع التركيز دائمًا على النقاء والبقاء لهذا الموروث اللغوي الحضاري، ما كتب فيه وما قيل عنه وما قيل عنه وما يحمله من قيم ونشاط وما دار فيه من مواقف ومناقشات، بما يحسن بنا أن نفهم في المراحل العالية – القضايا والمسائل التي دار فيها النقاش أو المجالس التي عقدت والمؤلفات وأغراضها ودوافعها وما حققته من نتائج، كما يفهم الدارس ما حدث من استدراكات ودوافعها وما ألف من حواش وما أسقط كذلك وما استجد من تقريرات، ويتعرف الدارس أيضًا على بعض المؤلفات وأسمائها ودلالة تلك المسميات والنظر في الواقع الذي تشتمل عليه تلك الكتب ومعرفة أسماء علماء العربية الذين ألفوا والذي لم تعرف لهم مؤلفات أو لم يصل إلينا منها ما يعرف من مؤلفات. مقرونًا كل ذلك بالواقع الاجتماعي والثقافي لتلك الأجيال وتلك العصور، مقارنًا ذلك بما استجد من آراء وما حدث من تطور ويتم كل ذلك في دراسة وصفية كوسيلة لرصد المتغيرات التي تحدث للنحو بخاصة واللغة بعامة. في نفوس الدارسين والمتلقين وما يصدر من كتب وصحف تتعلق بهذا الأمر. وهنا يحضرنا كثير مما تناوله بعض السلف في الدرس النحوي الذي راعوا فيه الواقع الاجتماعي والثقافي إذ نجد المؤلفات المنظومة وذلك في حد ذاته هدف كما نجد الشروح المطولة والشروح المختصرة ومسمياتها ونجد الاستدراكات والتتبع والكتب التي رامت الغايات التعليمية كصنيع الأبناء [ابن مالك وابن هشام وابن عصفور”>.

وسنستعين في هذا الموضع بمقدمات بعض المؤلفات في هذا العلم الجليل الأمر الذي يجعلنا عادّين الذين قاموا بها من الساعين لتسهيل النحو وتذليل كل صعوباته، هذا وسأختار ثلاثة مقدمات على حسب التسلسل التاريخي – وثلاثة نصوص لكل منهم ليتبين لنا تنفيذ منهجهم الذي اختطوه في المقدمات مع الواقع الطبيعي للغة والدرس النحوي مما نعتبره نماذج طيبة. وإن كنا لا نغفل بعض الرجال الذين كانت لهم جهود في الدرس النحوي ظهرت في مسميات كثيرة منها المختصرات والإيضاحات والصغار والاستدراكات والمقنع والمغني كما نجد أسماء تدلنا على المتابعة مثل كتب اللحن – وتقويم اللسان إلى غير ذلك مما سعوا فيه، وأتوا بما عندهم من جهد يشكرون عليه مدى التاريخ النحوي واللغوي.

هذا وليس من فضول القول إن ذكرت أن هؤلاء الأبناء جاءوا بعد زمن نضج فيه النحو وظهرت كل معالمه وتطوراته وبانت للعيان والمسامع والقلوب ثمراته الحلوة والمرة. ولنبدأ بابن مالك.

ابن مالك (ت 672هـ)

يعد ابن مالك من المرغبين في النحو الذين سعوا في جهود مكثفة لتقديمه للناس والدارسين، فدأب يقرب الفهم ويوضح الغامض وكانت محاولات تأليفه كلها تدور في هذا الجانب، فهو يسعى من وراء تلك المؤلفات والمنظومات والشروح أن يخدم العربية ويسهلها لأبنائها، ولم أر من النحاة على الإطلاق من اجتهد اجتهاده وسعى سعيه في حماس دافق وطي للزمان حتى يقدم ما قدمه، ولقد ذكر د. محمد كامل بركات محقق التسهيل أنه من الميسرين في الشكل والموضوع يقول (التيسير هذا من ناحية الشكل والمنهج العام في التأليف، أما من ناحية الموضوع فالسمة الغالبة على بن مالك في النحو توخي السهولة والتيسير في كل ما ذهب إليه من آراء واتجاهات. حتى أنه ليصرح في كثير من المناسبات بأنه اختار هذا المذهب لأنه المذهب الأسهل أو لبعده عن التكليف والتعقيد. واسم التسهيل أوضح دليل على اتجاه ابن مالك العام في التحويل ان اكثاره من النظم انما هو لتيسير الحفظ والضبط على الدارسين)(23).

ويظهر لنا هذا الأثر حقًا في متابعتنا للمصطلحات التي استخدمها بن مالك فعلى سبيل المثال:

عبارة (نائب الفاعل) وعند الجمهرة المفعول الذي لم يسم فاعله وتظهر لنا دِقته إذا تبين لنا أنه ينوب عن الفاعل الظرف والجار والمجرور.

والبدل المطابق – بدل عبارة بدل كل من كل – المعرف بأداة التعريف – بدل المعرف بأل –

– لغة يتعاقبون فيكم – بدل أكلوني البراغيث، وغير هذا وثبوت مثل هذه الأشياء تظهر لنا الأدلة التي تقول أنه كان حقًا من الميسرين الساعين لتقريب النحو ومصطلحاته.

هذا ولننظر إليه في التسهيل

قال في المقدمة باسطًا منهجه:

(هذا كتاب في النحو جعلته بعون الله مستوفيًا لأصوله، مستوليًا على أبوابه وفصوله، فسميته لذلك تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد فهو جدير بأن يلبي دعوته الألبّاء، ويجتنب منابذته النجباء، ويعترف العارفون برشد المعرَى بتحصيله، وتأتلف قلوبهم على تقديمه وتفصيله. فليثق متأمله ببلوغ أمله، وليتلق بالقبول ما يرد من قبله…)

وإذا كانت العلوم منحًا إلهية، ومواهب اختصاصية فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين أعاذنا الله من حسد يسد باب الإنصاف ويصد عن جميع الأوصاف وألهمنا شكرًا يقتضي توالي الآلاء ويقتضي بانقضاء اللأواء وها أنا شارع فيما انتدبت إليه مستعينًا بالله عليه ختم الله لي ولقارئيه بالحسنى. وختم لي ولهم الحظ الأوفى في المقر الأسنى بمنه وكرمه.

وها هو نموذج للتسهيل يمثل لغة سهلة وقواعد ميسرة نجده واضحًا في باب “حبذا”

قال: أصل “حب” من “حبذا” حَبُب أي صار حبيبًا فأدغم كغيره وألزم منع التصرف، وايلاءً “ذا” فاعلاً في إفراد وتذكير وغيرها. وليس هذا التركيب مزيلاً فعليه “حب” فتكون مع “ذا” مبتدأ خلافًا للمبرد وابن السراج ومن وافقهما، ولا أسميّه “ذا” فيكون مع “حب” فعلاً فاعله المخصوص، خلافًا لقوم وتدخل عليهما “لا” فتحصل موافقة “بئس” معنى، ويذكر بعدهما المخصوص بمعناهما مبتدأ مخبرًا عنه بهما أو خبر مبتدأ لا يظهر، ولا تعمل فيه النواسخ ولا يقدم، وقد يكون قبله أو بعده تمييز مطابق أو حال عامله “حب” وربما استغنى به أو بدليل آخر عن المخصوص. وقد تفرد حب فيجوز نقل ضمة عينها إلى فائها، وكذا كل فعل حلقي الفاء مراد به مدع أو تعجب وقد يجر فاعل “حب” بباء زائدة تشبهًا بفاعل أفعل تعجبًا.

ابن هشام (ت 761 هـ)

من العلماء الأفذاذ الذين عركوا النحو وعايشوه وجدانًا وعقلاً ومارسوه في كل منعطفاته، شيخ العربية المشرقي الذي ترامى ذكره في أرجاء كثيرة من عالم العربية ونطاقها، فالرجل قد حاول بلطافته وأدبه أن يلطف النحو ويؤدبه ويحلي جيده بالسهولة واللغة والنصوص وخير دليل على ذلك كتابه شذور الذهب الذي يقول في مقدمته:

(وبعد فهذا كتاب شرحت فيه مختصري المسمى بـ “شذور الذهب في معرفة كلام العرب” تممت به شواهده وجمعت به شوارده، ومكنت من اقتناص أوابده. قصدت فيه إلى إيضاح العبارة لا إلى إخفاء الإشارة وعمدت فيه إلى لف المباني والأقسام لا إلى نشر القواعد والأحكام. والتزمت فيه أنّي كلما مررت ببيت من شواهد الأصل ذكرت إعرابه وكلما أتيت على لفظ مستغرب أردفته بما يزيل استغرابه وكلما انهيت مسألة ختمتها بآية تتعلق بها من أي التنزيل واتبعتها بما تحتاج إليه من إعراب وتفسير وتأويل، وقصدي تدريب الطالب وتعريفه السلوك إلى أمثال هذه المطالب)(24).

وهذا نموذج من منهجه:

في شرحه لبانت سعاد يقول: في مقدمته لها:

والذي دعاني إلى هذا التأليف غرضان سنيان:

أحدهما التعرض لبركات من قيلت فيه صلى الله عليه وسلم.

الثاني: اسعاف طالب علم العربية بفوائد جليلة أوردها وقواعد عديدة أسردها(25).

قال: ولا تمسك بالعهد الذي زعمت، إلا كما يمسك الماء الغرابيل قوله: “ولا تمسك” عطف على فما تدوم وتمسك أما بضم التاء وكسر السين المشددة مضارع “مسك” بالتشديد وأما بفتحها مضارع “تمسك” والأصل تتمسك فحذفت احدى التاءين يقال مسك بالشيء وتمسك به وأمسك واستمسك بمعني واحد وقرئ (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) بضم التاء وفتح الميم بضم التاء وسكون الميم وقرئ في غير السبع بضمها.

وقال تعالى: {فقد استمسك} قيل وفي التشديد معنى التكثير وهذا وهم، وانما بغير التشديد التكثير إذا لم يكن الفعل موضوعًا عليه كما في حدث وخير ولم يكن لإفادة تعديه القاصر إلى المفعول كما في فرحته ولا التعدي لواحد إلى التعدي لاثنين، كعلمته الحساب ومثال ذلك قتلت وكسرت وحولت وطوفت.

وقوله: زعمت اما بمعني تكلفت ومصدره الزعم بالفتح والزعامة والتقدير: الذي زعمت به. كما قال تعال {وأنا به زعيم}

بن عصفور (ت969هـ)

ألف هذا الرجل كتبًا مختلفة في النحو والتصريف حاول من خلالها تبسيط الدرس النحوي وتهوين أمره على الدارسين وقد دعاه ذلك لتناول من سبقوه في آرائهم وكتبهم، وكان هناك من يتعصب لأولئك فقابلوا آراءه بالاستهجان والاستنكار وحاولوا الرد عليه وهذا أمر وارد في كل عصر لكن المهم عندنا هي تلك الآراء والمشاعر التي أبداها الرجل نحو مادة النحو ودرسها، وخير مثال له نجده في كتابه المقرب – يقول في منهجه عندما قدم له:

(فلما كان علم العربية من أجلّ العلوم قدرًا وأعظمها خطرًا إذ به تقوم للإنسان ديانته فتتم صلاته وتصح قراءته وكانت أكثر الموضوعات فيه لا تبرد غليلاً … ولا تحصل لطالبه مأمولاً. وأنها بين مطولة قد أسرف فيها غاية الإسراف ومختصرة قد أجحف فيها غاية الإجحاف … أثار من النجح معقود بنواصي آرائه … أبو زكريا … إلى وضع تأليف منزه عن الإطناب الممل والاختصار المخل، محتو على كلياته مشتمل على فصوله وغاياته، عارٍ عن إيراد الخلاف والدليل مجرد أكثره عن ذكر التوجيه والتعليل يشرف الناظر فيه على جملة العلم في أقرب زمان ويحيط بمسائله في أقرب أوان)(26)

ولننظر الآن كيف تناول ابن عصفور المنادى بصورة قيّمة سهلة تفي بالغرض وتقرّب فعْلاً ألقاصي من هذا الباب الأسلوبي.

باب النداء

(1) حروف النداء: (يا)، (أيا)، (هيا)، (وا)، (أي)، والهمزة، ممدودتين ومقصورتين.

(2) اختصاصـاتهـا: فـ (وا)، منها للمندوب وما جرى مجراه خاصة.

و(يا): تستعمل في جميع ضروب المناديات من: مندوب، ومتعجب منه، ومستغاث به، وغير ذلك، قريبًا كان أو بعيدًا، وسائرها لا يستعمل إلا في النِّداء الخالص.

فأما الهمزة، منها فللقريب خاصة، وسائرها للبعيد مسافة أو حكمًا كالنائم، وقد تكون للقريب.

(3) أصول المنادى: والاسم المنادى غير المندوب، والمستغاث به، والمتعجب منه، أمّا أن يكون مفردًا أو مضافًا، فإن كان مضافًا كان منصوبًا بإضمار فعلٍ لا يجوز إظهاره.

وإن كان مفردًا، فإما أن يكون مطولاً أو غير مطول، فإن كان مطولاً، وأعني به ما كان عاملاً في غيره، لم يجز فيه أيضًا إلا النصب، نحو قولك: “يا ضاربًا زيدًا”. وإن كان غير مطول: فإما أن يكون معرفة أو نكرة، فإن كان معرفة بُني على الضم، ويكون في موضع نصب بإضمار فعل أيضًا.

وإن كان نكرة، فإما أن تكون مُقْبلاً عليها، أو غير مقبل عليها، فإن كان مقبلاً عليها، فهي أيضًا مبنية على الضم، كالعلم، وإن كانت غير مقبل عليها، كانت منصوبة بإضمار فعل.

(4) الأسماء والنداء: والأسماء كلها يجوز نداؤها إلا المضمرات، والأسماء المعرَّفة بالألف واللام، والأسماء غير المتصرفة، والأسماء اللازمة للصدر.

وقد يُنادى المضمر المخاطب في نادر الكلام، أو ضرورة شعر، وتكون صيعته صيغة المنصوب، نحو ما حكى من قول بعضهم:

“يا اِيّاكَ قد كفيتُك”(27)

وقد تكون كصيغة (28) المرفوع، نحو قوله(29):

يا أبجـرُ ابـنَ أبجـرٍ يـا أنْتا =أنت الذي طلقت عام جعتا

1 يا أبجرُ ابنَ أبجرٍ يا iiأنْتا أنت الذي طلقت عام جعتا

فإن أردت كلامًا فيه الألف واللام، توصلت إلى ذلك بأي، أو اسم إشارة، نحو قولك:

“يا أيها الرجل، ويا هذا الرجل”، أو بهما معًًا وذلك قليلُ، نحو قوله:

ألا أيهذا النابح السيد أنني =على نأيها مستبسل من ورائها

1 ألا أيهذا النابح السيد iiأنني على نأيها مستبسل من ورائها

ولا ينادي منها بغير وصلةٍ، إلا اسم الله تعالى، لكثرة الاستعمال مع معاقبتهما لهمزة من (الإله)، أو في ضرورة، نحو قوله(30):

فيا الغُلامانِ اللَّذانِ فرَّا =إيّاكُما أنْ تكسباني شرَّا

1 فيا الغُلامانِ اللَّذانِ iiفرَّا إيّاكُما أنْ تكسباني شرَّا

(5) حذف حرف النداء:

ويجوز حذف حرف النداء، وإبقاءُ المنادَى، نحو قوله تعالى: {يوسف أعرض عن هذا}(31).

إلا أن يكون المنادى اسم إشارة، أو نكرة، مقبلاً عليها، أو غير مقبل، وقد يحذف من النكرة المقبل عليها في ضرورة، نحو قوله(32):

جَاري لا تستنكري عذري

1 جَاري لا تستنكري عذري

أو في شاذّ من الكلام، نحو قولهم: “افْتدِ مخْنوق” و”أطْرِق كرا” و”ثوبي حجَرَ”.

ولا يحذف مع اسم الإشارة أصلاً، ولذلك لحنّ المتنبئ في قوله(33):

هذي برزْتِ لنا فهِجتِ رسيسا =ثم انصرفت وما شفيت نَسيسا

1 هذي برزْتِ لنا فهِجتِ iiرسيسا ثم انصرفت وما شفيت نَسيسا

ولم يترك الرجل من منهجه الذي اختطه شيئًا إلا طبقهُ. ونظرة واحدة لهذا الباب في كتب النحو تجعل المرء على اقتناع كامل بأن الرجل كان حريصًا على التطبيق فلم يوجز بإخلال ولم يطنب في إسراف. ورغم ذلك كان هناك من يناكفه وينتقده وربما يمكننا ضم نقدهم هذا إلى الأنواع السابقة التي ترفض السهل الميسر وقد تمثل هذا في تلك العاصفة القوية التي أثارها بعض النحاة من المغاربة في الأندلس وغيرهم من النحاة المشرقيين لا لأمر خطير وإنما للتيسير والتقريب الذي قام به عالم جليل من علماء العربية هو ابن عصفور رحمه الله.

فقد تناوله فريق منهم بالنقد والتجريح والتشنيع – حتى إن بعضهم حاول أن يرد ما فيه من براعة وجودة إلى فضل غير ابن عصفور من النحاة – ومن الذين انتقدوه ابراهيم بن أحمد بن محمد الجزري الأنصاري الخزرجي – أحد علماء الأندلس ومن آثاره .. المنهج المعرب في الرد على المقرّب – وابن الحاج أحد علماء العربية في الأندلس الذي قال: “إذا مِتّ بِفعل ابن عصفور في كتاب سيبويه ما شاء. وقد رد على ابن عصفور في كتاب سماه الإيرادات على المقرب .. وحازم القرطبي وله شدّ الزناد على جحفله الحمار(34).

هذا ومؤلفات ابن عصفور في نظري من النماذج الطيبة الميسرة التي تعمق الفكرة وتريح النفس ولا تكلفها شططًا الشيء الذي يساعدنا في ترسم السبيل التي نعالج بها بعض قضايا النحو المعاصرة.

استشراف المستقبل في آراء معاصرة

لست أول من بث رأيًا في مسألة التيسير هذه وإن اختلفت المسميات من تيسير وتسهيل وتفقيه الخ… ولكن طبيعة التناول قد اختلفت تمامًا من حيث الوضع التاريخي والاستقراء العملي والاستبيان الذي يساعد على إكمال الصورة وإصدار الأحكام في شأنها وقد ذكرت أن الذين مارسوا تدريس النحو هم أقدر الناس على الإحساس بمشاكله، وبما يعانيه طلاب العربية في شأنه سواء أكان ذلك في مدرجات الجامعات أو الفصول الدراسية، في التعليم العام أو العالي وسنقدم النماذج على ذلك بدءًا بالشيخ إبراهيم مصطفى الذي يقول:

“هذا بحث من النحو عكفت عليه سبع سنين وأقدمه إليك في صفحاته أطمع أن أغير منهج البحث النحوي للغة العربية، وأن أرفع عن المتعلمين إصر هذا النحو وأبدلهم منه أصولاً سهلة يسيرة تقربهم من العربية وتهديهم إلى حظ من الفقه بأساليبها، ولقد بذل في تهوين النحو جهود مجيدة واصطنعت أصول التعليم اصطناعًا بارعًا ليكون قريبًا واضحًا، على أنه لم يتجه إلى القواعد نفسها وإلى طريقة وضعها فيسأل “ألا يمكن أن تكون تلك الصعوبة من ناحية وضع النحو وتدوين قواعده وأن يكون الدواء في تبديل منهج البحث النحوي للغة العربية.

هذا السؤال هو الذي بدا لي وهو الذي شغلني جوابه طويلاً.

وتناول ذات الأغراض أيضًا د. شوقي ضيف والدكتور مازن المبارك في تقديمه للإيضاح في علل النحو. حيث يقول دكتور شوقي ضيف في (ص 5):

“ولعلي لا أبعد إذا قلت إن واجبًا على من يحاولون تيسير نحونا أن يحيوا نصوصه لقديمة حتى يضطلعوا بما يريدون من هذا التيسير عن علم وبصيرة”(35).

ويقول د. مازن المبارك:

“وحسب صاحبه أنه كان من الرواد الأوائل الذين فقهوا وتعمقوا أسرار قواعدها ثم حاولوا التبسيط والتيسير ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً”.

ويقول عن إغراض الزجاجي في الإيضاح:

“فمن هذه الأغراض مثلاً أن يسعى لتقريب النحو من الفهم وتيسير الوقوف على أسراره وقد عني الزجاجي بالمبتدئين واهتم بهم وألّف لهم. وكذلك هو في الإيضاح يهتم بهم ويجعل تقريب النحو لهم من أغراضه ولو أدّى به ذلك لتغيير ألفاظ النحاة قال:

“والاحتجاجات على ثلاثة أضرب منها ما كان مسطرًا في كتب البصريين والكوفيين بألفاظ مستغلقة صعبة فعبرت عنها بألفاظ قريبة من فهم الناظرين في هذا الكتاب فهذبتها وسهلت مراتبها والوقوف عليها.

ويقول دكتور حماسة:

“إنه إذا أريد للنحو أن يكون له دور واضح في حياتنا المعاصرة سوى التخطئة والتصويب … أن يسلك أحد سبيلين:

أولاهما: أن يتجه النحو إلى العربية المعاصرة في نصوصها الفصيحة فيجمع تراكيبها ويصف أنماطها ويقدم وصفًا دقيقًا لها…

والأخرى: أن يعمد النحويون المعارون إلى النصوص العربية قديمها وحديثها كما فعل الأسلاف العظماء مع القرآن الكريم والشعر ودواوينه ومختاراته فيحاولون أن يكشفوا دور النحو في بنائها ويبينوا ما تقوم بها المعطيات النحوية في تركيبها وترابط أجزائها واستواء هيئتها وما تقدمه في إنتاج دلالاتها وقيمة هذا الدور في تحديد الدلالة وبذلك يرتبط النحو في الأذهان – وخاصة أذهان الناشئة بجانب عملي نافع مفيد من جانب وبالدلالة من جانب آخر(36).

أما فيما يقوله مدرسو العربية في التعليم العام فتقول إحدى أستاذات اللغة العربية في تقرير لها:

“في السنة الثالثة بمدرسة البلك الثانوية للبنات – القسم العلمي، حيث ضم الفصل قرابة السبعين دارسة وبعدما قدمت لهن إحدانا من تعريف لما حضرنا من أجله وملأت قرابة الخمس عشرة طالبة الاستبيان طلبنا من البعض القراءة الجهرية لبعض النصوص التي بكتبهن وقد لاحظت أن معظم القارئات لم يبنّ ويفصحن بين السين والثاء، والظاء تحول مخرجها فصار خلف الأسنان أو من اللثة بدلاً من بين الأسنان وقد نحت القاف نحو الغين في نطقها. وإن ظهرت جودة قراءة البعض لنصوص قرآنية أما الشرح والتفسير فكانت غالبية الكلمات ساكنة وحتى التي تود أن تقرأ بالشكل لا تستطيع قراءة سطرين كاملين أو جملتين كاملتين مجردتين عن الأخطاء النحوية. كما لاحظت عدم التمييز بين أل الشمسية وأل القمرية.

أما عن الإنشاء فقد جاءت بأسلوب أشبه بالعامية منها للفصحى مثل! قال الزُرّاع: نتوجه صباح اليوم الثاني إلى المحافظة”.

وعن بعض الأسئلة التي طرحت إليهن للإجابة عليها أجابت بعض الطالبات:

1/ ما مدى أهمية دراسة اللغة العربية بوصفك طالبة بالقسم العلمي؟

* قالت إحدى الطالبات إن اللغة العربية سوف لن تفيدها بشيء لأنها تتحدث العامية وهي لغتها الأم، وليس هناك كبير فرق بين ما نتحدثه في العامية وبين ما ندرسة في المدرسة سوى بعض الدروس النحوية المعقدة التي ذكرتها وزميلاتها في استبيانهن. وقالت أخرى: مؤكدة حديثها “بإذن الله” سوف لن تزيد على ما تلقت من علوم العربية ودراستها أكثر من عامها هذا، وقد هاجمتنا بسؤالها عن أهمية حفظ المعلقة بالنسبة لهن وما هي الفائدة من هذا الأسلوب القديم لفظًا ومعنىً وشحن عقولهن به.

2/ كيف يمكن لَكُنَّ حفظ التراث العربي وكتابته وصيانته؟

فردت إحداهن إننا نستطيع أن نكتبه بما تعلمنا فقط وسوف لن نحتاج إلى مزيد.

3/ وسألتهن عن مدى تأثرهن بوصفهن طالبات بالقسم العلمي عن المادة إذا ما قدمت إليهن بأسلوب جميل مصوغ باللغة الفصحى وعن نتاج ما قدم إليهن بأي طريقة؟

فأجابت إحداهن لا يهمنا إلا الحقيقة العلمية ونتيجة التجربة فقط ونسجلها كما يحلو لنا وبأي طريقة شئنا.

4/ أعربي: يا عبادي لا تقنطوا من رحمة الله.

بعد ضجة شديدة ورفض للإعراب حاولت إحداهن ولم توفق ولم تقدم أي طالبة أخرى لخوض هذه التجربة.

5/ الشعر العربي القديم والحديث ماذا تعرفين عنه ووجهة نظرك؟

لم تكن من بين الطالبات من تهتم بالشعر العربي ولم تكن هناك أديبة.

هذا بعض ما سجلته أستاذة اللغة العربية في بعض المدارس الثانوية وكان ذلك من قبل أربعة عشر عامًا.

هذا ومن قبيل الاستكمال لهذه الصورة المعيشة أود أن أقول إنه من الأمور التي أدخلت السرور على نفسي وأنا أعالج هذا الموضوع إنّي وجدت بحمد الله استطلاعًا نموذجيًا كذلك لبعض طالبات المدارس الثانوية وكان ذلك في عام 1979م واستخدمت في مكان النحو كلمة قواعد عند تسجيل الأسئلة إليهن لأنهن كن لا يفهمن النحو بالاصطلاح المعروف عند توجيه الأسئلة إليهن دون طلب ذكر الاسم تشجيعًا للصدق في الإجابة ورفعًا للحرج كما كنا نهدف من خلال هذا العمل والإيضاح أن نربط النحو بالمجتمع وبالواقع المعاش حتى يتضح العمل الذي يتوجب على أهل العربية القيام به لتكتمل الصورة مع صنيع علمائنا في الوقت الحاضر ممن سعوا في هذا المنحى، وممن قاموا بمحاولة تجديدات وما حدث لعملهم من تطور أو إقبار مما يدخل كله في المنهج الذي سلكناه في استخدام المنهج الوصفي كوسيلة لرصد المتغيرات كلها حتى هذه الساعة في الفهم واللغة وفي المجتمعات، وكل ذلك كان الغرض من ورائه تحقيق الغاية العلمية الخالصة أو يمكن القول بأنها غاية علمية ممزوجة بالتلعم.

أما الأسئلة التي وضعت فكانت كما يلي:

1- ما نوع الدروس التي تركت في نفسك أثرًا عند دراستك للُّغة العربية منذ المرحلة الابتدائية؟

2- ما الأبواب التي دُرِّست لك في القواعد وكانت لك مزعجة؟

3- إذا كانت هناك صعوبة أو سهولة على ما ذكرت فهل كان ذلك في نظرك يرجع إلى الأستاذ أم إلى الكتاب؟

4- هل تفضلين أن تدرس لك القواعد مباشرة عن طريق الأمثلة التي توضح القاعدة أم عن طريق النصوص؟

5- لو طلبت منك أن ألقي عليك درسًا في القواعد فما الباب الذي تفضلين أن يُدرّس لك؟

6- ما هو إحساسك حين تستمعين إلى شخص يتحدث باللغة العربية الفصحى؟

# وقد تفاوتت الإجابة على هذه الأسئلة لكن هذه إجابة خمس طالبات كما ذكرت دون تعديل فيها ليتحدث الواقع عن نفسه:

هذه إجابة الطالبات

الطالبة الأولى:

1- الإنشاء لو أنها كانت تعطى أسبوعيًا إلا أننا نكتب كل عام أقل من خمسة موضوعات. الأدب أحبه منظومًا ولا أحبه نثرًا.

2- الاعلال – التصغير.

3- كان باب الاعلال صعبًا علىّ لأنني لم أحضر أول حصة دُرِّست فيه فتعسر عليّ فهمه.

4- أحب أن تدرس مباشرة.

5- أحبها من البداية.

الطالبة الثانية:

1- أحب دراسة الأدب وقد تركت أثرًا عميقًا في نفسي، وبصراحة كنت لا أحب دراسة القواعد ولا زلت ربما لا أفهمها. وعندما أقرؤها يصيبني صداع وأبتلع بعده حبة أسربين.

2- في الابتدائية والثانوي العام كنت لا أجد صعوبة في دروس القواعد والإعراب خاصة ولكن عندما وصلت المرحلة الثانوية العليا وجدت نفسي قد نسيت الدروس وأصبحت القواعد شيئًا غير مريح بالنسبة لي إلا أنه توجد بعض الدروس كانت سهلة لطيفة سريعة الفهم وربّما كان للأستاذ أثر في ذلك.

3- طبعًا للأستاذ الأثر الأعظم، وله دور كبير في التأثير على نفوس تلاميذه فكلما كان الأستاذ واضح العبارات وكان ذا حماس للدروس التي يلقيها كلما تركت هذه الدروس نفسها أثرًا على الطالب وشدت انتباهه.

4- أفضل أن تدرس القواعد عن طريق النصوص كالآيات القرآنية والأحاديث والأشعار، لأن هذه الطريقة تجعل الطالب منتبهًا لكل كلمة يقولها الأستاذ ويكون متشوقًا لمعرفة القاعدة.

5- أحب أن أدرس مبادئها.

6- أحب دائمًا أن يعبر الإنسان عن نفسه باللغة العربية وإن من يتحدثها لابد أن يجيدها.

الطالبة الثالثة:

1- من القواعد نائب الفاعل أما دراسة الإنشاء فكانت “نص نص” أما التوجيه الأدبي والمطالعة التوجيهية فلا أود الحديث عنها لكرهي الشديد لها.

2- (المزعجة) المبتدأ والخبر. اسم كان والفعل المعتل وأقسامه من الثانوية العامة واسم إنّ. أما الدروس المريحة فكانت الفاعل والمفعول به والمطلق والمفعول لأجله واسم الهيئة والحال ونائب الفاعل والمقصور والمنقوص.

3- في رأيي أن الكتاب كان في بعض الدروس على شيء من النقص أم العبء الأكبر من الدروس التي لم أفهمها كان يرجع إلى الأستاذ فلو كان يعطي الدروس على شيء من الثقة ارتحت له وفهمت ما يعنية ولكن كان يعيب الأستاذ والأستاذة على السواء النقص في سرد المادة.

4- أفضل الدروس عن طريق الأمثلة على السبورة لسهولتها وسهولة معانيها حتى يُفهم الدرس من أول وهلة أما النصوص فعلى شيء من التعقيد لأنها تحتاج إلى شرح أولاً ثم الفهم بعد ذلك.

5- الاعلال.

6- أفضل المتحدث بالعربية الفصحى لأنه عربي ويجب أن يعتز بعربيته وقوميته ويجيدها.

الطالبة الرابعة:

1- أحببت القواعد منذ السنين الأولى في الابتدائية إلا أنني في الثانوية العامة أصبحت أكرهها.

2- أحب البلاغة.

3- يرجع إلى الكتاب لأن الأمثلة غالبًا ما تكون من الشعر وتحتاج إلى شرح وذلك مما يعقد في الكتاب.

4- مباشرة على السبورة.

5- الاعلال والإبدال.

6- أنزعج وأغضب جدًا عندما يتكلم إنسان باللغة العربية ويخطئ فيها.

الطالبة الخامسة:

1- دروس القواعد – دروس البلاغة لا يستفيد منها الإنسان في حياته اليومية – دروس الإنشاء غير مفيدة لأنها كانت نفس (المواضيع) (الصواب الموضوعات) في كل المراحل – في الصف الثالث التوجيه الأدبي والمطالعة التوجيهية (ما مفيدة).

2- المزعجة الإعلال والإبدال – المنقوص والمقصور – الأفعال الخمسة والأبواب التي كانت مريحة مثلاً:

الفاعل – المفعول به – النسب – اسم الفاعل – اسم المفعول.

3- بعض الكتب التي لم يكن فيها التوضيح التام – بعض الأساتذة (يكلفتون) المادة التي تدرس ولم يشرحوها شرحًا تامًا وافيًا ويعطون ملخص الدروس من غير شرح.

4- أفضل عن طريق السبورة وتكون واضحة.

5- الإعلال والإبدال لأنني لم أفهمه جيدًا.

6- أن كان يجيدها أرتاح له وأ، كان يخطئ فإنه يسبب لجميع الناس (ضيقًا) في النفس ولا يجب أن يتحدث بها.

الطالبة السادسة:

1- دروس الأدب في الابتدائي والثانوي العام كانت جيدة – ولكن القواعد كانت تدرس بطريقة رديئة وفي الثانوي العام بالذات – أما البلاغة فندرسها بطريقة تجارية. أما المطالعة التوجيهية والتوجيه الأدبي فلا فائدة فيها ولا ثمرة لها أما الإنشاء فكل المواضيع (الموضوعات) جافة لا تستحق الكتابة.

2- في الابتدائية كانت القواعد بسيطة وفي الثانوي العام (حاجات) عدة لا أحبها (ناس) اسم كان واسم إن والمقصور والمنقوص والضمائر (وناس) الأفعال الخمسة والأسماء الخمسة أما في الثانوي العام (كانت في دروس ثقيلة).

3- الصعوبة أن الكتاب لا يفي بالشرع والأستاذ ربما كان (شاطر) ولكنه لا يدرس مادته بإتقان فينقلها نقلاً من الكتاب. (تحدثت هذه الطالبة عن كراهتها للأستاذ الذي يدرس من كتاب يحمله في يده أو يضعه على التربيزة وهو مفتوح وتقول: هذا الكلام لا ينطبق على الأدب.

4- عن طريقة مباشرة.

5- أحس بالفخر عندما أسمع شخصًا يجيد اللغة العربية لأنها لغتنا ولكن أحس (بالقرف) عندما أسمعها (وهي مكسرة) وغير مجادة.

هذا ومن خلال هذا الطرح من قبل الطالبات الثانويات يظهره لنا بوضوح ما يعانيه الطلاب من الدرس النحوي، فتارة نرى مصدر الصعوبة منذ تأسيس المادة وتلقيها من البداية والاستمرار على ذلك النمط. وتارة نرى الطالبات يرجعن الصعوبة التي تقابلهن إلى الكتاب وطريقته وبعضهن يرجعن سبب الصعوبة إلى الأستاذ الذي لم يكن يجيد تقديمه للمادة من حيث الشرح والتوضيح وتكرار ما يستحق التكرار وعدم الحماس للمادة التي يقوم بتدريسها.

كما أننا نلاحظ أن أبوابًا كثيرة أشارت الطالبات لها مما يؤكد عموم الصعوبة واكتنافها لمعظم أبواب النحو باستثناء الفاعل والمفعول به والمفعول المطلق، أما الصرف فكان الإجماع على صعوبته مما يؤكد ضعف المعالجة من الكتاب والأستاذة إذ لو كان الأمر يتعلق بالأستاذ لوجدنا بعض الإشارة إليه أو من الكتاب وحده لوجدنا ذلك أيضًا مما يوجب على المدرسين للعربية إعادة النظر في طرائقهم وفي كتبهم ومحاولة تحبيب أبناء العربية فيها مع استلطاف التلاميذ وتسهيل الصعب وإن أدى الأمر إلى إعادة الدرس كرات وكرات. والاهتمام بالكيف أولى من الاهتمام بالكم. والتنويع في تقديم المادة من حيث الأمثلة المجردة تارة وعن طريق النصوص تارة أخرى أمر لابد منه. وهو ما يمكن أن نسميه أسلوب المزاوجة بين التجريد والتطبيق.

هذا كما نلاحظ ضعف الأساليب والتعبيرات عند ذات المجيبات واستخدام بعض الكلمات العامية في أثناء الإجابة عن الأسئلة مما يدل على ترهل واضح في العربية برغم أن بعضهن يبدين التقزز من سواهن ممن يخطئ في العربية.

وقفة ونتائج

أولاً:

دراسة تاريخ النحو وما ألف فيه وما دار من مناقشات وما عقد من مجالس وما تم من مناظرات وما حدث من استدراكات ومختصرات وتفريعات وما ألحق من حواشٍ أو ما أسقط، ومعرفة من ألف من العلماء ومن لم يؤلف.

ثانيًا:

التعرض للواقع النحوي في أزمنة مختلفة ويعني ذلك الوقوف المتأني لعلاقة النحو بالمجتمع وماذا صنع النحاة إزاء ذلك الواقع مقارنًا بما صنعه النحاة في وقتنا الحاضر وما قاموا به من محاولات وتجديدات وما حدث لذلك من تطور أو إقبار حتى نربط دور اللغة المتواصل في المفهوم الحضاري للأمة ومدى مقدرة الأجيال على فهم التراث واستحضاره. والمحافظة على إبقائه ونقائه.

ثالثًا:

السعي الدائم لمعرفة الأسس والطرق والوسائل التي تكفل الترغيب في النحو وتعطي الثمرة المرجوة من دراسته.

رابعًا:

استخدام الدراسة الوصفية لرصد التغيرات التي تحدث للدراسة النحوية الساعية نحو الغاية العلمية الخالصة الممزوجة بالتعلم والتعليم التي تستعين بالمجهود القديم والحديث لتحقيق الغرض من دراسة اللغة كصيغ الخطيب التبريزي والمبرد وابن مالك وابن هشام وابن عصفور وغيرهم من علماء العربية مقرونًا بمسعي المحدثين الذين هضموا القديم واطلعوا على الجديد مما يمكن أبناء العربية منها فهمًا وممارسة.

كل ذلك يعيننا في تناول (جذور الفكرة العربية الشاملة ومناهجها التي فحواها ألا توزع المواد إلى بلاغة ونحو وصرف وقراءة وأدب إلى غير ذلك دون ربط وإنها تعطي في شكل جرعات مركزة – نتناول جزئيات بعينها مترابطة في تطبيقات محسوبة بحيث تشمل كل المطلوب من إعطائه للكليات التي سنصل إليها في النهاية، ونحن بهذا التصور نحتاج إلى الفهم العميق وسنقابل دون شك العنت والمشقة ونحتاج إلى جماعة من النحاة واللغويين يتوفرون على إخراج مؤلفات محددة لتفي بهذا الغرض في منهجية واضحة، ولعل ما قام به المبرد في الكامل له دلالته الكبرى. وعلى العموم فإن المنهج الذي تتبعه الأسلاف في تيسير العربية على الناشئة كما رأينا والعمق فيها وشمولها وتعليمها تعليمًا سهلاً كان واضحًا في كل أعمالهم، وهو يضمن لنا قواعدها الأساسية في صيغ أشبه ما تكون بقوانين مركزة كي يحفظها الناشئة حتى يتسنّى لهم اليوم درسها وتدريسها دراسة تتيح لهم استيعاب أوضاعها وأسرارها وتمثلها تمثلاً بينًا.

بحيث يخدمها في بنيتها اللفظية وتراكيبها التعبيرية ودلالتها وعطائها المعنوي واستجابتها لكل حاجات الإنسان وتطورات حياته أصالة ومعاصرة.

———-

(1)الإمتاع والمؤانسة لأبي حبان التوحيدي ص 139.

(2)دراسات في اللغة والنحو العربي ص 88 – د. حسن عون.

(3)إرشاد الأديب لياقوت ص 46.

(4) الأشباه والنظائر ص 72 السيوطي.

(5)دلائل الإعجاز ص 21 عبد القاهر الجرجاني.

(6)المرجع نفسه ص …

(7)المرجع نفسه ص …

(8)المرجع نفسه ص 21 – 68.

(9)سورة يوسف الآية 63.

(10)الأشباه والنظائر ص 3 وص 34 – 35 للسيوطي.

(11)المرجع السابق ص 3 و64 – 68.

(12)نزهة الألياء في طبقات الأدباء، لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري ص 187.

(13)طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي ص 581 طبعة دار المعارف مصر.

(14)أخبار النحويين البصريين ص 71.

(15)الخصائص ص 239 – 240 ابن جني.

(16)المغتضب ص 143 للمبرد.

(17)الخصائص ص 1 ، ص 272 ابن جني.

(18)تقويم اللسان ص 205 ابن الجوزي.

(19)إصلاح المنطق ص 297 ابن السكيت.

(20)تقويم اللسان ص 205 ابن الجوزي.

(21)سورة المائدة الآية 31.

(22)سورة التحريم الآية 6.

(23)التسهيل لابن مالك، ص 44 تحقيق محمد كامل بركات.

(24)شذور الذهب لابن هشام.

(25)شرح بانت سعاد لابن هشام ص 146 – 147.

(26) المقرب لابن عصفور.

(27)أنظر: أوضح المسالك 2/72.

(28)في د: (تكون صيغته صيغة المرفوع).

(29)هو سالم بن دارة، يقوله في: (مر بن واقع) ونسبه الأزهري تبعًا للعيني إلى الأحوص، وصدره في: أوضح المسالك: يا مر يا بن واقع يا أنتا.

أنظر أوضح المسالك ج2 ص 72، وشرح المفصل 1/127 – 130.

(30)هذان شطران من الرجز المشطور، وقائلها مجهول، وهما في شرح المفصل 2/9 وشرح الكافية 1/132، والخزانة 1/358، والإنصاف 1/336.

(31)سورة يوسف الآية 29.

في د: (تكون صيغته صيغة المرفوع).

(32)هو العجاج بن رؤبة، وأنشده بن هشام في أوضح المسالك 2/102.

(33)أنظر ديوانه ج2 ص 259 وفيه: انثنبت.

(34)بغية الدعاة ص 204 – نفح الطيب ص 522 ط أوربا – مقدمة المقرب للمحقق ص 44 – 45.

(35)الإيضاح في علل النحو ص 16 ص ص – 5 – وصفحة 19/15 19/15 الزجاجي النحوي.

(36)الجملة في الشعر العربي ص 16 – 17 د. محمد حماسة.

المراجع

1-القرآن الكريم.

2-إحياء النحو – الأستاذ إبراهيم مصطفى – مطبعة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة.

3-أخبار النحويين البصريين – لأبي سعيد السراقي – تحقيق د. محمد إبراهيم ألبنا دار الاعتصام مصر 1405هـ 1985م.

4-إرشاد الأديب. لياقوت الحموي دار المأمون 1323.

5-الأشباه والنظائر لجلال الدين السيوطي – دار الكتب العلمية بيروت 1405 هـ 1984م.

6-إصلاح المنطق لابن السكيت. تحقيق – أحمد محمد شاكر – وعبد السلام هرون.

7-الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي.

8- الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباري – القاهرة 1364.

9-أوضح المسالك لأبن هشام القاهرة 1354.

10-الإيضاح في علل النحو لأبي القاسم عبد الرحمن الزجاجي النحوي. تحقيق د. مازن المبارك – دار العروبة.

11-بغية الدعاة – لجلال الدين السيوطي، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم – المكتبة العصرية بيروت.

12-تقويم اللسان للإمام أبي الفرح عبد الرحمن الجوزي، تحقيق د. عبد العزيز مطر – دار المعرفة القاهرة ط أولى 1966م.

13-التسهيل – لابن مالك، تحقيق د. محمد كامل بركات.

14-الجملة في الشعر العربي، د. محمد حماسة.

15-الخصائص – لابن جنّي، تحقيق محمد علي النجار – دار الكتاب بيروت.

16-دراسات في اللغة والنحو د. حسن عون.

17-دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني المطبعة العربية بمصر.

18-ديوان رؤية بن العجاج – عني بتصحيحه وليم بن الورد الروس دار الآفاق الحديث.

19-طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي دار المعارف مصر.

20-المقتضب للمبرد. تحقيق عبد الخالق عضيمة عالم الكتب ببيروت.

21-المقرب لابن عصفور – تحقيق أحمد الجبوري وآخرون مطبعة العاني بغداد.

22-شرح بانت سعاد – لإبن هشام، تحقيق د. أبو ناجي.

23-نزهة الألباء في طبقات الأدباء، لأبي البركات عبد الرحمن محمد الأنباري – مطبعة إحياء ثائر العرب – العرب – القاهرة 1294هـ


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

أَخَرَةٍ بفتح الهمزة وضمها ملتقى علوم الأصوات والصرف والنحو والمعجم والإملاء والعر

لكل علم مصطلحاته وتعبيراته وصيغه، وإن صيغة “أَخَرَةٍ” من صيغ علم الجرح والتعديل، فهي لا تغادره إلى غيره. وقد استوقفتني طويلا عند أول لقاء، وقد حملتني الجِدَّة على محاولة تخطئتها، لكن نظرة في “المعجم الوسيط” أوقفتني على النص على الصحة، حيث قال “الوسيط” في “مادة “أ خ ر” صيغة (الأَخَرَة، الأُخَرَة): الأخير. يقال: نلته بأَخَرَةٍ وأُخَرَةٍ: أخيرا.
وطالت وقفتي معها، وأثمرت هذه الرحلة عبر علوم اللغة العربية التي تشكل مستويات اللغة التحتية والفوقية.
كيف؟
كان بدء الرحلة من “علم الأصوات” حيث يخبرنا مبحث “المقاطع الصوتية” فيه أن الوصف المقطعي لهذه الصيغة هو:
أَ خَ رَ ةٍ: ويتمثل مقطعيا بالصورة التالية:
ص ح / ص ح / ص ح / ص ح ص، حيث ص هو الصامت consonant أي الصحيح بلغة الصرف، وح: الصائت vowel أي الحركة والعلة بلغة الصرف.
وتفسير هذا التشكيل المقطعي أن الكلمة تتكون من ثلاثة مقاطع قصيرة ومقطع متوسط مغلق.
وقراءة ذلك صرفيا تعني توالي أربع حركات، وتوالي هذا الكم من الحركات مكروه في لغتنا العربية؛ لذا تعمد إلى التخلص منه بتسكين الحرف الثالث، ويتجلى ذلك عند إسناد الفعل الثلاثي إلى ضمائر الرفع المتحركة.
فالفعل “ضَرَبَ” عند إسناده إلى “تاء الفاعل”- مثال لضمائر الرفع المتحركة- نجد الباء تسكن، وتصير الهيئة “ضَرَبْتُ”.
وتفسير ذلك مقطعيا أن المقاطع القصيرة التي كان يفترض أن تكون أربعة هي ( ضَ: ص ح ) و(رَ: ص ح ) و(بَ: ص ح ) و(تُ: ص ح ) – قد صارت مقطعا قصيرا (ضَ: ص ح )، ثم مقطعا متوسطا مغلقا (رَبْ: ص ح ص) ، ثم مقطعا قصيرا (تُ: ص ح ).
وهكذا تتخلص اللغة العربية من الصورة الإملائية “ضَرَبَتُ”، وتقبل الصورة الإملائية “ضَرَبْتُ”.
ويلقي النحو بصيغة إعراب هذا الفعل ضوءا على المقصود. كيف؟
يقال في إعراب الفعل السابق: فعل ماض مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بالسكون منعا من توالي أربع حركات فيما يشبه الكلمة الواحدة.
وليس السابق كل رحلتنا في الصرف مع كلمتنا، فهناك الدلالة الكمية للصيغة، وإذا تأملنا وفق ذلك نجدها تصلح وزنا للمفرد مثل: سمكة، وبلحة، وثمرة ، وما شابه ذلك من كلمات يفرق بين جمعها ومفردها التاء المربوطة، فيكون الجمع اسم جنس جمعي، وتكون المصحوبة بالتاء مفرده.
وتصلح أيضا للجمع حيث نجد في أوزان جموع التكسير أن صيغة “فَعَلَة” جمعا قياسيا لكل مفرد وصف على وزن “فاعل” غير عاقل بشرط صحة لامه، مثل:
ساحر: سَحَرَة، ووارث: وَرَثَة، وكاتب: كَتَبَة، وكامل: كَمَلَة، وخائن: خَوَنَة، وصائغ: صَاغَة، وبائع: بَاعَة، وقاصّ: قَصَصَة.
ومن أمثلتها القرآنية قوله تعالى :” فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ” [ الشعراء: 46] ، وقوله تعالى : ” بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ ” [ عبس: 15-16 ]، وقوله تعالى : ” وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ” [ الشعرا : 85 ] ، وقوله تعالى: “أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ” [ عبس : 43 ] ، وقوله تعالى : “وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا” [ الزمر : 71 ] ( ينظر الصرف التعليمي. د. محمود سليمان ياقوت، ص 175-176).
وأظن أن هذه الصيغة أصل في الجمع، وهذا الظن يحتاج إلى استقراء أكبر حتى يتأيد ذلك الظن أو ينفى.
وقبل مغادرة الصرف نعرج على الصيغة الأخرى “فُعَلَة” لنجد الصرف يعلمنا أنها صيغة جمع يجمع عليها قياسا كل وصف مذكر لغير العاقل على وزن “فاعل” بشرط علة لامه بالواو أو الياء، مثل:غازٍ: غُزَاة، طاهٍ: طُهًاة، ورامٍ: رُمَاة، وساعٍ: سُعَاة، وداعٍ: دُعَاة، وقاضٍ: قُضَاة . (ينظر الصرف التعليمي. د. محمود سليمان ياقوت، ص 174-175).
ولا يخفى أن الصيغ السابقة حدث لها إعلال بالقلب فالأصل فيها: غُزَوَة، وطُهَوَة، ورُمَيَة، وسُعَيَة، ودُعَوَة، وقُضَوَة.
تحركت الواو والياء وانفتح ما قبلهما فقلبتا ألفا.
ونغادر الصرف لنصل النحو الذي يخبرنا أن موقع الكلمة النصب على الحالية، يقول الكفوي في “الكليات.. معجم في المصطلحات والفروق اللغوية” : والأخرة كالثمرة بمعنى الأخير { جاءني فلان أخرة وبأخرة } و{ عرفه بأخرة } أي أخيرا ، وهو في موضع الحال ، وحق الحال أن تكون نكرة.

ونصل إلى العروض ليخبرنا أن هذه الصيغة تمثل الوحدة العروضية الكبرى من وحدات بناء التفاعيل.
كيف؟
إنها الفاصلة الكبرى الذي رمزها هو ////0، وهذه تتحقق في تفعيلة /0/0//0 مُسْتَفْعِلُنْ بحذف الثاني الساكن “زحاف الخبن” والرابع الساكن “زحاف الطي”، فتصير ////0 “مُتَعِلُنْ”، وتتحول إلى “فَعَلَتُنْ” تحسينا.
وهناك من ينكر هذه الفاصلة كمكون من مكونات وحدات العروض اعتمادا على أنها تتكون من وحدتين صغيرتين هما السبب الثقيل //، والوتد المجموع //0

ونختم الجولة مع علم الدلالة في مستواه الصرفي الذي يخبرنا أن هاتين الصيغتين من صيغ جموع الكثرة المختلف في بدئها ما بين فريق يرى أن بدء جمع الكثرة عشرة إلى ما لا نهاية، وآخر يرى أن البدء من الثلاثة إلى ما لا نهاية.


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

النحو إلى أصول النحو

الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله ، و على آله و صحبه و من والاه .
أما بعد :
( فإن النحو علم يُعرف به حقائق المعاني ، و يوقف به على معرفة الأصول و المباني ، و يحتاج إليه في معرفة الأحكام ، و يستدل به على الفرق بين الحلال و الحرام ، و يُتوصل بمعرفته إلى معاني الكتاب ، و ما فيه من الحكمة و فصل الخطاب )[1]
و لابد له مع ذلك من أصول تُحكمه ، و ضوابط تضبطه حتى يكون الاستدلال ، و الاحتجاج على أصول و قواعد محكمة.
و قد كتب في ذلك الجلال السيوطي ( الاقتراح في أصول النحو و جدله ) فنثر فيه درراً ، و غرراً ، و فوائد بديعة ، و شوارد رفيعة .
و مما زاده جمالاً على جماله شرح ابن الطيب الفاسي ( فيض نشر الانشراح من روض طي الاقتراح ) عليه ، فجلى فيه غوامضه ، و أبان مشكلاته .
و قد اعتراهما حشوٌ يُورث الملل و السآمة على المشتغل بالقراءة فيهما .
و قد صحَّ العزم باختصار و تهذيب لكتاب السيوطي مقتصراً فيه على المهم من تلك الأصول ، وزائداً عليه المهم _ من غيـره _ ، مجانباً للحشو فيه .
و سميته بـ ( النحو إلى أصول النحو ) .
و مرادي بـ ( النحو ) الأولى القصد إذ هو من معانيه [2]، و بالثانية العلم – أي علم النحو -.
و الله أسأل أن ينفع به كما نفع بأصله .

مقدمات
أصول النحو : علم يُبحث فيه عن أدلة النحو الإجمالية من حيث هي أدلته ، و كيفية الاستدلال بها، و حال المستدل بها .
حد النحو : علم بأصولٍ يُعرف بها أحوال أواخر الكلم العربية إعراباً و بناءً .
و قيل : انتحاء سمْتِ كلام العرب ليلحق مَنْ ليس مِنْ أهل العربية بأهلها في الفصاحة .
حد اللغات : اللغة أصوات يُعَبِّر بها كل قوم عن أغراضهم .

فصل
في مبدأ اللغة
اختلف أهل العربية في ذلك على أقوال ثلاثة :
الأول : أنها من وضع الله تعالى . وهو الأرجح .
الثاني : أنها اصطلاحية .
الثالث : التوقف .

فصل
في المناسبة بين الألفاظ و المعاني
أطبق أهل اللغة على التناسب بين الألفاظ و المعاني ، بل الألفاظ قوالب للمعاني .
و هي شرط في الألفاظ لأنها إن كانت من وضع الله تعالى فهي لازمة لحكمته ، أو كانت من وضع البشر فهي ظاهرة لمرادهم لمعناها .
و دلالة الألفاظ على المعاني إما :
(1) بذواتها .
(2) أو بوضع الله تعالى .
(3) أو بوضع الناس .
(4) أو بكون البعض بوضع الله ، و البعض بوضع الناس .

فصل
في الدلالات النحوية
الدلالة هي ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه .
و هي ثلاث دلالات :
الأولى : دلالة لفظية : وهو ما يعود إلى القول و الكلام .
الثانية : دلالة صناعية : و هي ما يعرف بالمصطلح .
الثالثة : دلالة معنوية : وهو ما يفهم من الملابسات المحيطة بالمتكلم من غير استعانة بكلام كـقولك للمسافر : سفرا سعيدا أي تسافر سفرا سعيدا .

فصل
في الحكم النحوي
الحكم النحوي ستة أقسام :
الأول : الواجب ؛ كـ ( رفع الفاعل ) و تأخره عن الفعل .
الثاني : الممنوع ؛ كعكس ما سبق .
الثالث : الحسن ؛كرفع المضارع الواقع جزاءً بعد شرط ماضٍ .
الرابع : القبيح ؛ كرفع المضارع بعد شرط مضارع . وهو ضعيف أو ضرورة .
الخامس : خلاف الأوْلى ؛كتقديم الفاعل على المفعول نحو ( ضرب غلامُهُ زيداً ) بدلاً من ( ضرب زيداً غلامه ) .
السادس : جائز على السواء ؛ كحذف المبتدأ أو الخبر أو إثباته حيث لا مانع من الحذف و لا مقتضى له .
و منه رخصة : وهو ما جاز استعماله لضرورة الشعر .

فصل
في طرق معرفة العجمة
الكلام العجمي هو كلُّ ما ليس بعربي ، و لو نقل إلى العربية .
و لمعرفة العجمة في الاسم طرائق سبعة :
الأولى : أن يُعرف بالنقل عن إمام من أئمة العربية .
الثانية : أن يكون خارجاً عن أوزان الأسماء العربية .
الثالثة : أن يكون أوله نون ثم راء كـ ( نرجس )، فإنه لا يعرف في العربية اسم هذه حاله .
الرابعة : أن يكون آخره دالٌ بعدها زاي كـ ( مهندز )، أو دالٌ بعدها ذال كـ ( بغداذ ) .
الخامسة : أن يجتمع فيه :
(1) الجيم و الصاد كـ ( الصولجان ) .
(2) الجيم و القاف كـ ( المنجنيق ) .
(3) الجيم و الكاف كـ ( جنكيز ).
(4) الجيم و الطاء كـ ( الطاجن ) .
(5) السين و الذال كـ ( السذَّاب ) .
(6) الصاد و الطاء كـ ( صراط ) [3].
(7) الطاء و التاء كـ ( طست ) .
السادسة : أن يكون خماسياً أو رباعياً عارياً من الحروف الذلاقية _ و هي : الباء ، و الراء ، و الفاء ، و اللام ، و الميم ، و النون _ .
فإذا كان الاسم كذلك _ أي رباعي أو خماسي وهو خالٍ من تلك الحروف _ فهو أعجمي[4].
السابعة : أن يأتي الاسم و فيه لام بعدها شين ، فإن الشينات في العربية كلها قبل اللام .

الأدلة
تثبت النحويات بأمور هي :
الأول : السماع : و المحتج به منه :
القرآن : فكلُّ ما ورد أنه قريء جاز الاحتجاج به في العربية سواءً كان :
(1) متواتراً وهو ما قرأ به السبعة .
(2) آحاداً وهو ما روي عن بعضهم و لم يتواتر .
(3) شاذاً : وهو ما كان عن غير السبعة .
و الإجماع على الاحتجاج بالقراءات الشاذة .
و ليس فيه لغة ضعيفة و لا شاذة و فيه لغات قليلة .
و ليس فيه ما ليس من لغة العرب ، و إنما يتوافق اللفظُ اللفظَ و يقاربه و معناهما واحد . و أحدهما بالعربية و الآخر بغيرها . و كل ما فيه فهو أفصح مما في غيره إجماعاً .
الحديث : الصحيح الاحتجاج به ، و هو أولى من غيره عدا القرآن .
و يستدل منه بما ثبت عن النبي e نقله على اللفظ المروي به ، و سواء فيه :
(1) المتواتر .
(2) الآحاد .
كلام العرب : و يحتج منه بما ثبت عن الفصحاء الموثوق بعربيتهم ، حتى و لو كانوا كفاراً .
و يحتج بكلام قبائل قلب الجزيرة : قريش ، قيس ، تميم ، أسد ، ثم هذيل ، و بعض كنانة ، و بعض الطائيين .
و لا يؤخذ عمن جاور غير العرب لفساد ألسنتهم .
و لا يحتج بكلام المولّدين و المُحدَثِيْن .
و فرقٌ بين المولَّد و المصنوع ، فإن المصنوع يورده صاحبه على أنه عربي فصيح ، و المولَّد بخلافه .

فصل
في أقسام المسموع
ينقسم المسموع عن العرب إلى قسمين :
(1) مُطّرِد : وهو الكلام المنقول عن العرب ، مستفيضاً ، بحيث يُطْمَأَن إلى أنه كثير كي يقاس عليه .
(2) شاذ : وهو كلُّ كلام عربي أصيل ، لم تذكر له قاعدة كلية ، و لم يحظَ بالشيوع و الكثرة ، و لا يقاس عليه .
و هما على أربعة أضرب :
الأول : مطرد في القياس و الاستعمال معاً و هذا هو المطلوب و الغاية : و هو الكلام :
(1) الذي لا يخرج عن القواعد العامة المبنية على الأعم و الأشمل .
(2) و الذي كثر استعماله في العربية .
الثاني : مطرد في القياس شاذ في الاستعمال : و هو الكلام :
(1) الذي لا يخرج عن القواعد العامة المبنية على الأعم و الأشمل .
(2) و ندر استعماله .
الثالث : مطرد في الاستعمال شاذ في القياس : و هو الكلام :
(1) الذي خرج عن القواعد العامة المبنية على الأعم و الأشمل .
(2) الذي كثر استعماله .
الرابع : شاذ في القياس و الاستعمال معاً : و هو الكلام :
(1) الخارج عن القواعد العامة المبنية على الأعم و الأشمل .
(2) و لم تستخدمه العرب . وهو مجمع على رفضه .

فصل
في حكم اللغات
جميع لغات العرب حجة على اختلافها ، و يقاس عليها .
و يستعمل الأقوى و الشائع منها .
فائدة : اختلاف اللغات من وجوه :
الأول : الاختلاف في الحركات .
الثاني : الاختلاف في الحركة و السكون .
الثالث : الاختلاف في إبدال الحروف .
الرابع : الاختلاف في الهمز و التليين .
الخامس : الاختلاف في التقديم و التأخير .
السادس :الاختلاف في الحذف و الإثبات .
السابع : الاختلاف في الحرف الصحيح يُبْدَل حرفاً معتلاً .
الثامن : الاختلاف في الإمالة و التفخيم .
التاسع : الاختلاف في الحرف الساكن يستقبله مثله فمنهم من يكسر الأول ، و منهم من يضم .
العاشر : الاختلاف في التذكير و التأنيث .
الحادي عشر : الاختلاف في الإدغام .
الثاني عشر : الاختلاف في الإعراب .
الثالث عشر : الاختلاف في صورة الجمع .
الرابع عشر :الاختلاف في التحقيق و الاختلاس .
الخامس عشر :الاختلاف في الوقف على هاء التأنيث .
السادس عشر :الاختلاف في الزيادة ، نحو : انظر و انظور .
و من اختلاف اللغات ما هو اختلاف تضادٍّ .
و قد يكون في الكلمة لغتان ، أو ثلاث ، أو أربع ، أو خمس ، أو ست ، و لا يكون أكثر من ذلك .
الثاني : الإجماع : وهو اتفاق علماء النحو و الصرف على مسألة أو حكم .
و المراد بالعلماء أئمة البلدين _ الكوفة و البصرة _ ، أو أكثر النحاة ، لا كلّ العلماء في العصور .
و إجماع العرب إن وقف عليه .
و هو حجة إذا لم يخالف :
(1) المنصوص .
(2) المقيس على المنصوص .
و يعمل بالمجمع عليه عند تعارضه مع المختلف فيه .
و إحداث قولٍ من تركيب للمذاهب شبيه بتداخل اللغات .
مسألة : هل يعتبر الإجماع السكوتي ؟
التحقيق على اعتباره .
الثالث : القياس : وهو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه .
وهو معظم أدلة النحو ، و التعويل عليه في أغلب المسائل النحوية .
و لا يتحقق إنكاره لأنه أغلب النحو ، و إنكاره إنكار للنحو .
و ينقسم إلى :
(1) حمل فرع على أصل .
(2) حمل أصل على فرع .
(3) حمل نظير على نظير .
(4) حمل ضد على ضد .
و الأول و الثالث هو قياس المساوي : وهو أن تكون العلة في الفرع و الأصل على سواء .
و الثاني قياس الأولى : و هو أن تكون العلة في الفرع أقوى منها في الأصل .
و الرابع قياس الأدون : و هو أن تكون العلة في الفرع أضعف منها في الأصل .
وهو ينقسم _ أيضاً _ :
(1) قياس جلي : أي واضح ظاهر لوضوح جامعية علته للأصل و الفرع .
(2) قياس خفي : وهو ترك القياس و الأخذ بما هو أوفق للناس ، و هو الاستحسان .
والقياس أنواع ستة :
الأول : القياس الأصلي : وهو إلحاق اللفظ بأمثاله في حكم ثبت لها باستقراء كلام العرب ، حتى انتظمت منه قاعدة عامة .
الثاني : قياس التمثيل : وهو إعطاء الكلم حكم ما ثبت لغيرها من الكلم المخالفة لها في نوعها ، و لكن توجد بينهما مشابهة في بعض الوجوه .
الثالث : قياس الشبه : وهو حمل العرب لبعض الكلمات على أخرى ، و إعطاؤها حكمها لشبه بينهما من جهة المعنى .
الرابع : قياس العلة : وهو اشتراك المقيس و المقيس عليه في العلة التي يقوم الحكم عليها . و يأتي الكلام على العلة إن شاء الله تعالى .
الخامس : قياس الطرد : وهو الذي يوجد معه الحكم للاطراد .
السادس : إلغاء الفارق : وهو بيان أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يؤثر ، فيلزم اشتراكهما .
و شروطه :
الأول : أن لا يكون المقيس عليه شاذاً .
الثاني : أن يكون المقيس قد قيس على كلام العرب .
الثالث : أن يكون الحكم قد ثبت استعماله عن العرب .
و أركانه أربعة :
الأول : الأصل : و هو المقيس عليه .
و من شرطه : أن لا يكون شاذاً خارجاً عن سَنَنِ القياس .
و ليس من شرطه الكثرة ؛ إذ قد يقاس على القليل لموافقته للقياس ، و لا يقاس على الكثير لمخالفته إياه .
و يجوز تعدد الأصول المقيس عليها .
الثاني : فرع : وهو المقيس .
و هو من كلام العرب إذ القياس على كلامهم .
الثالث : الحكم : وهو ما يكتسبه الفرع من الأصل .
و يقاس على حكم ثبت استعماله عن العرب ، و على ما ثبت بالقياس و الاستنباط .
و هل يجوز القياس على أصل مختلف في حكمه ؟
يجوز عند إقامة الدليل ، و يمنع عند عدمه .
الرابع : العلة الجامعة بين الأصل و الفرع .
اعتلالات النحويين صنفان :
الأول : علة تطرد على كلام العرب و تنساق إلى قانون لغتهم ، و هي الأكثر استعمالاً ، و أشد تداولاً .
الثاني : علة تُظهر حكمة العرب ، و تكشف عن صحة أغراضهم و مقاصدهم في موضوعاتهم .
و العلة قد تكون :
(1) بسيطة : و هي التي يقع التعليل بها من وجه واحد .
(2) مركبة : وهي التي يقع التعليل بها من عدة أوجه .
و أكثر العلل على الإيجاب .
و ثبوت الحكم في محل النص ثبوت بالعلة لا بالنص .
من شرط العلة : أن تكون هي الموجبة للحكم في المقيس عليه .

و يجوز :
(1) التعليل بعلتين .
(2) تعليل حكمين بعلة واحدة .
(3) التعليل بالأمور العدمية .

فصل
في مسالك العلة
الأول : الإجماع : وهو أن يجمع أهل العربية على أن علة هذا الحكم كذا .
الثاني : النص : وهو أن ينصَّ العربي على العلة .
الثالث : الإيماء : وهو الإشارة إلى العلة بخفاء .
الرابع : السبر و التقسيم : و هو ذكر الأقسام المحتملة ، ثم يختبر ما يصلح منها و ينفي ما عداه بطريقه .
الخامس : المناسبة : و هو أن يحمل الفرع على الأصل بالعلة التي علّق عليها الحكم في الأصل .
و هل يجب لإظهار المناسبة عند المطالبة ؟
قيل يجب ، و قيل لا يجب .
السادس : الشبه : وهو أن يحمل الفرع على الأصل بنوع من الشبه غير العلة التي علّق عليها الحكم في الأصل .
و قياسه قياس صحيح يجوز التمسك به كقياس العلة على الصحيح .
السابع : الطرد : وهو الذي يوجد معه الحكم وتفقد المناسبة في العلة .
الثامن : إلغاء الفارق : و هو بيان أن الفرع لم يفارق الأصل إلا فيما لا يؤثر فيلزم اشتراكهما .

فصل
في القوادح في العلة
الأول : النقض :و هو أن توجد العلة و لا يوجد الحكم .
و هذا عند من لا يرى التخصيص ببعض الأفراد لوجود اطّرادها ، فإذا وُجدت وجد الحكم فتخلفه عنها مع وجودها نقض لها .
الثاني : تخلف العكس : أي كون العلة غير منعكسة .
و العكس شرط في العلة وهو : أنه إذا فقدت العلة فقد الحكم .
الثالث : عدم التأثير : وهو أن يكون الوصف لا مناسبة له _ أي لا أثر له في الحكم _ .
و الأوصاف في العلة مفتقرة إلى شيئين :
أولهما : أن يكون لها تأثير .
ثانيهما : أن يكون فيها احتراز .
الرابع : القول بالموجب : و هو أن يسلم للمستدل ما اتخذه موجباً للعلة مع استبقاء الخلاف ، و متى توجه الخلاف كان المستدل منقطعاً ، فإن توجه الخلاف في بعض الصور المختلف فيها مع عموم العلة لتلك الصور لم يعد المستدل منقطعاً .
الخامس : فساد الاعتبار : وهو أن يستدل بالقياس في مقابلة النص عن العرب .
السادس : فساد الوضع : و هو كون الجامع في القياس ثبت اعتباره بنصٍ أو إجماع في نقيض الحكم .
و هو أيضاً : تعليق العلة على ضد المقتضى .
السابع : المنع للعلة : أي عدم قبولها _ و قد يكون في الأصل و الفرع _ .
و عدم قبول العلة مكابرة ، و موجب لقطع المناظرات .
الثامن : المطالبة بتصحيح العلة : أي أن يطالب المعترضُ المستدلَّ بثبوت العلة .
التاسع : المعارضة : وهو أن يعارَض المستدل بعلة مبتدأة .

فصل
في الأسئلة
السؤال مبناه على أربعة أركان :
الأول : السائل و هو الطالب للجواب .
و ينبغي له أن يقصد قصد المستفهم ، و يسأل عما ثبت فيه الغموض .
الثاني : المسؤول به : و هي أدوات الاستفهام المعروفة .
و يكون السؤال مفهوماً غيرَ مبهمٍ .
الثالث : المسؤول منه : و هو المطلوب منه الجواب على السؤال .
و شرطه أن يكون من أهل الفن المسؤول فيه كالنحوي عن النحو .
و يستحب له : أن يجيب بعد تعيين السؤال ، و سكوته بعده قبيح ، إلا إذا كان سكوته لما رآه من الحاضرين ما لا يليق بالأدب .
و قبيحٌ سكوته عن ذكر الدليل بعد الجواب زمناً طويلاً ؛ إلا إذا كان سكوته بحثاً عن أقرب الطرق إيفاءً بالغرض ، و ينبغي له أن يتحرى في الفتوى ما لا يتحرى بالمذاكرة .
و له أن يزيد في الجواب إذا اقتضى ذلك .
و النقص فيه _ أي الجواب _ عيب لما فيه من الإخلال بالجواب ، و عدم استيفائه .
و إذا كان السؤال عاماً كان الجواب عاماً .
الرابع : المسؤول عنه : وهو الأمر المتطلب جواباً .
وينبغي أن يكون مما يمكن إدراكه و الإحاطة به .
و الجواب : هو المطابق للسؤال .

فصل
في اجتماع الأدلة
قد تجتمع الأدلة السابقة _ السماع و الإجماع و القياس _ دليلاً على مسألة .

فصل
في الاستصحاب
وهو استمرار الحكم و بقاء ما كان على ما كان .
و هو من الأدلة المعتبرة ، و من أضعفها .
و لا يجوز التمسك به حال وجداننا لدليل .
و إذا تعارض مع دليلِ سماعٍ أو قياسٍ فلا عبرة به .

فصل
في أدلة متفرقة شتى
اعلم أن أدلة النحو كثيرة جداً لا تحصر ، و ما مر ذكره فهو منضبط بضابط ، و هناك أدلة لا ضابط خاص لها تندرج تحته ، منها :
الأول : الاستدلال بالعكس :وهو أن يعكس دليل على حكم مّا لإبطال هذا الحكم .
الثاني : الاستدلال ببيان العلة : و هو تبيان علة الحكم للاستدلال بوجودها على وجوده، و بعدم وجودها على عدم وجوده .
وهو نوعان :
الأول : أن يبيِّن علة الحكم و يستدلَّ بوجودها في موضع الخلاف ليوجد بها الحكم .
الثاني : أن يبين العلة ث يستدل بعدمها على عدم ذلك الحكم في موضع الخلاف .
الثالث : الاستدلال بعدم الدليل في شيء على نفيه : وهو نفي الدليل لعدم وجوده ، لأنه يلزم من فقد العلة فقد المعلول .
و هذا يكون في أي أمر ثبت فإن دليله يظهر ظهوراً لا خفاء فيه .
الرابع : الاستدلال بالأصول : وهو إبطال دليل بالرجوع إلى الأصل .
الخامس : الاستدلال بعدم النظير : وهو النفي لعدم وجود دليل على الإثبات .
فإن وجد الدليل على الإثبات لم يلتفت إليه .
السادس : الاستحسان : وهو ترك القياس و الأخذ بما هو أوفق للناس .
وهو القياس الخفي .
و دلالته ضعيفة غير محكمة .
ومنه :
(1) ترك الأخف إلى الأثقل من غير ضرورة .
(2) ما يخرج عن أصل قاعدته كـ ( استحوذ ) .
(3) ما يبقى الحكم فيه مع زوال علته .
(4) إذا اجتمع التعريف العلَمي و التأنيث السماعي أو العجمة في الثلاثي الساكن الوسط ، فالقياس منع الصرف ، و الاستحسان صرفه لخفته .
مثال المؤنث : هند . العجمة : نوح .
السابع : الاستقراء : و هو تعرُّف الشيء الكلي بجميع جزئياته .
أو إثبات الأمر الكلي بتتبع الجزئيات .
الثامن : الدليل المسمى بـ ( الباقي ) : و هو بقاء الدليل على حكمه الأصلي في جانب معيَّن بعدما خولفت الجوانب الأخرى لعلة اقتضت ذلك .
بيان ذلك :
أن الإعراب لا يدخل منه شيء في الفعل ، لأن الأصل البناء لعدم وجود علة تقتضي الإعراب .
و لكن هذا الحكم قد خولف في دخول الرفع و النصب في المضارع . لوجود العلة المقتضية للنصب و الرفع .
و هذا الحكم لم يُخالَف في الجر ، و هذا هو الدليل الباقي من أن الأصل عدم دخول الإعراب على الفعل .

التعارض و الترجيح
إذا تعارض نقلان أخذ بأرجحهما :
و الترجيح إما أن يكون في :
(1) الإسناد : و ذلك بأن يكون رواة أحد النقلين أكثر من الآخر ، أو أعلم و أحفظ .
(2) المتن : و ذلك بأن يكون أحد النقلين على وَفْق القياس ، و الآخر على خلافه .
إذا تعارض ارتكاب شاذ و لغة ضعيفة فارتكاب اللغة الضعيفة أولى من الشاذ .
إذا تعارض قياسان أخذ بأرجحهما و هو ما وافق دليلاً آخر من : نقلٍ أو قياس .
و إذا تعارض القياس و السماع نُطِقَ بالمسموع على ما جاء عليه لأنه نص الأصل .
و إذا كان التعارض في قوة القياس و كثرة الاستعمال قُدِّم ما كثر استعماله .
و إذا تعارض أصل و غالب فالعمل بالأصل ، و قد يعمل بالغالب على قلة .
و إذا تعارض قبيحان أُخذ بأقربهما ، و أقلهما فحشاً .
و إذا تعارض قولان عن عالم أحدهما مرسل _ أي لم يقيَّد بدليل _ ، و الآخر معلل _ أي مقيَّد بدليل _ أخذ بالثاني لقيام حجته .

أحوال مستنبط هذا العلم
من شرطه :
(1) أن يكون عالماً بلغة العرب .
(2) أن يكون محيطاً بكلامها .
(3) أن يكون مطلعاً على نثرها و نظمها .
(4) أن يكون خبيراً بصحة نسبة ذلك إليهم .
(5) أن يكون عالماً بأحوال الرواية .
(6) أن يكون عالماً بإجماع النحاة .
و إذا أدى المجتهدَ القياسُ إلى شيء ثم سمع العرب نطقت بغيره على قياسٍ غيره فإنه يدع ما كان عليه .
قال مقيده _ عفا الله عنه _: وافق الفراغ من رَقْم هذه الوجيزة الأصولية النحوية مغرب يوم الثلاثاء العشرين من شهر ربيع الأول عام اثنين و عشرين و أربعمائة و ألف في رياض نجد .
و الحمد لله رب العالمين .

—————-
[1] شرح عيون الإعراب لابن فضال 123.
[2] قال الداودي ناظماً معاني كلمة ( نحو ) :
النحو في لغة قصد كذا مثل و جانبٌ وقريب بعض مقدار
نوع و مثل بيان بعد ذا عقب عشر معانٍ لها في الكل أسرار
انظر : فيض نشر الانشراح 1/229 ، حاشية الخضري على شرح ابن عقيل 1/10 .
[3] و حكموا بأن الصاد مبدلة من السين ، و ليستا لغتان . ( الفيض 1/403 ) .
[4] نظم السيوطي بعض هذه الضوابط بقوله :
و تعرف العجمة بالنقل و أن يخرج عن وزن به الاسم اتزن
و إن تلا في الابتدا النون را و الدال زاي أو رباعي عـرا
عن الذلاقـة و ماذا تبعـا و الصاد أو قاف و جيم حمعا
أنظر : الفريدة 1/108 ( الشرح ) .
النحو إلى أصول النحو
عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

تيسير النحو : لفضيلة الشيخ أبي عبد الله محمد سعيد رسلان حفظه الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

تيسير النحو
شرح التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية

جديد=> ( 34 محاضرة بالصوت والصورة )

 هل تبحث عن درس أو تحضير إختبار او فرض  تمارين أو بحوث !؟

استعمل محرك بحث التعليم نت الشامل

ليساعدك للوصول الى هدفك

تعليم_الجزائر

تعليم_الجزائر

التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

[شرح متن] من الشروح المميّزة على متن الآجرومية في النحو

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فيسرّني أن أضع بين أيديكم هذا الشّرح الطّيّب لمتن الآجرومية في النحو للأستاذ : خالد بن إبراهيم النّملة ـ وفقه الله ـ أسأل الله أن ينفع بها سامعيها .

الملفات المرفقة تعليم_الجزائر 02.mp3‏ (5.18 ميجابايت)
تعليم_الجزائر 01.mp3‏ (5.21 ميجابايت)
تعليم_الجزائر 03.mp3‏ (5.26 ميجابايت)
تعليم_الجزائر 04.mp3‏ (5.23 ميجابايت)
تعليم_الجزائر 05.mp3‏ (5.32 ميجابايت)
تعليم_الجزائر 06.mp3‏ (5.18 ميجابايت)
تعليم_الجزائر 07.mp3‏ (5.27 ميجابايت)


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

بيان لبعض مصطلحات النحو الكوفي

الصرف

يرى الكوفيون أن الفعل المضارع الواقع بعد واو المعية أو بعد الفاء في جواب التمني والعرض والأمر والنفي والاستفهام والنهي نحو لا تأكل السمك وتشرب اللبن إلى أنه منصوب على الصرف او الخلاف
وقد فسر الفراء ـ رحمه الله ـ هذا المصطلح في موضعين من كتابه معاني القرآن قال ” فإن قلتَ: وما الصَّرْف؟ قلت: أن تأتى بالواو معطوفةً على كلامٍ فى أوّلِهِ حادثةٌ لا تستقيمُ إعادتُها على ما عُطِف عليها، فإذا كان كذلك فهو الصَّرْفُ

كقول الشاعر:
لاتَنْهَ عنْ خُلُقٍ وتأتِىَ مِثْلُهُ * عارٌعليْكَ إذا فَعلتَ عظِيمُ

ألا ترى أنه لا يجوز إعادة “لا” فى “تأتى مثله” فلذلك سُمّى صَرْفاً إذْ كان مَعطوفاً ولم يستَقم أن يُعاد فيه الحادث الذى قبلَه” وهذا النص لا يقتضي أن يكون الصرف عند الفراء محصورا في الواو بل يكون في الفاء وغيرها على ما ذكره
فالفراء قد نظر إلى خاصية انصراف هذه الأفعال في مدلولاتها عما قبلها وأن علامة هذا الانصراف هو النصب فعبر بمصطلح ” الصرف ” عن هذه الظاهرة


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

[فكرة] مسابقة في النحو والصرف والإملاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله جميعاً
هذه مسابقة في النحو والصرف والإملاء
يضع أحد الأعضاء سؤالاً (سواء جملة يطلب إعرابها* أو فقرة فيها أخطاء إملائية يطلب تصحيحها* أو كلمة يطلب وزنها….. إلى آخر ذلك)
ويجيب عليه الباقون
ومن يجيب له الحق في وضع السؤال التالي
بشرط أن لا تزيد مدة السؤال عن 5 أيام
فإن مرت 5 أيام ولم يُجَبْ عن السؤال فعلى السائل أن يضع الجواب ثم أقوم بوضع سؤال جديد وتدور الدائرة من جديد
أسأل الله أن تستمتعوا بها
واعلموا أن هذه المسابقات ليست للتسلية فقط* وإنما هي مفيدة تنشط الذهن وتعين على تطبيق القواعد النحوية واسترجاع المعلومات القديمة* وتحث على البحث والمذاكرة
واسألوا مجرباً

نبدأ باسم الله

السؤال الاول:
أعرب قوله صلى الله عليه وسلم:
قل آمنت بالله. ثم استقم

من لها؟


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

[صوتية] [mp3] سلسلة تيسير النحو للشيخ محمد سعيد رسلان [رابط واحد = 235 mb]

بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِيْنُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا .
مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ .
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
أمَّا بعد:
فهذه أشرطة سلسلة تيسير النحو للشيخ محمد سعيد رسلان-حفظه الله-

ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
نبذة عن السلسلة: فما زالت دراسةُ النحوِ هي الباب لفَهْمِ العربيةِ* ومِنْ ثَمَّ فَهْم كتابِ اللهِ تعالى واستيعابِ أحكامِهِ ومعانيه* وما زالت كتبُ السلفِ من العلماءِ الجهابذةِ الذين كَرَّسوا حياتَهُم لهذا العلم الجليل* هي خيرُ زادٍ؛ لِمَا أودعوه فيها من ذخائرِ خبرتهم* وروائع أفكارهم* ونتاج قرائحهم* وكتاب «التحفة السَّنِيَّة بشرح المقدمة الآجرُّومِيَّة» كتاب واضحُ العبارةِ* ظاهرُ الإشارةِ* يانعُ الثمرةِ* داني القِطافِ* فيه تيسير فَهْمِ «المقدمة الآجرُّومِيَّة» التي هي باب إلى تَفَهُّمِ اللغة العربية.
ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع المواد الصوتية (34 شريطا)
الحجم: 235 mb بصيغة mp3
(الملف مضغوط بصيغة zip)
ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
اضغط هنا للتحميل بإذن الله
——————–
لتحميل ملف عناصر أشرطة السلسلة بصيغة pdf : هنــــا
——————–
تنبيــه:- ممنوع إعادة رفع الأشرطة على مواقع الرفع التي تحتوي على إعلانات أو صور.
– الحقوق متاحة للمسلمين بشرط عدم الإستخدام التجاري.
——————–
أرجو المساهمة بنشر رابط الأشرطة في المنتديات مع ذِكْر هذيْن الشرطيْن:
1- الحقوق متاحة لكل مسلم بشرط عدم الإستخدام التجاري أو الرِبْحِي
2- ممنوع إعادة رفع الأشرطة بموقع رفع آخر يحتوي على إعلانات أو صور مهما كان نوعها
ــــــــــــــــــــــــــ
أرجو الدعاء لكل من ساهم بالرفع
ــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: موقع الشيخ رسلان حفظه الله www.rslan.com

الملفات المرفقة تعليم_الجزائر ملف عناصر أشرطة سلسلة تيسير النحو للشيخ رسلان.pdf‏ (157.2 كيلوبايت)


التصنيفات
اللغة العربية وعلومها

[بحث] علم النحو أهميته ومدارسه ونشأته

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون .
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
أما بعد
فأحمد الله على إفضاله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله فإن أولى ما تقترحه القرائح وأعلى ما تجنح إلى تحصيله الجوانح ما يتيسر به فهم كتاب الله تعالى المنزل ويتضح به معنى حديث نبيه صلى الله عليه وسلم المرسل فإنهما الوسيلة إلى السعادة الأبدية والذريعة إلى تحصيل المصالح الدينية والدنيوية وأصل ذلك علم الإعراب الهادي إلى صوب الصواب * مع العلم أننا في زمان عقمت فيه القرائح. واعتاطت الأذهان اللواقح.
ومما لا ريب فيه أن عماد ذلك وأسّه علم النحو إذ هو معيار لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتى يعرض عليه ومقياس لا يعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه ومن شذ فيه فقد خمش وجه الكلام وجعل نفسه غرضا لسهام الملام .
لذلك فقد نهى السلف عن التحدث بغير العربية إلا لضرورة أو حاجة ملحة لا بد للمتحدث منها ومن ذلك ما قاله الشافعي رحمه الله تعالى في ما نقله عنه شيخ الإسلام في الإقتضاء: [سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجارا ولم تزل العرب تسميهم التجار ثم سماهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب والسماسرة اسم من أسماء العجم فلا نحب أن يسمى رجل يعرف العربية تاجرا إلا تاجرا ولا ينطق بالعربية فيسمى شيئا بالعجمية وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز و جل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا نقول ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأولى. بأن يكون مرغوبا فيه من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية]
فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمى بغيرها وأن يتكلم بها خالطا لها بالعجمية وهذا الذي ذكره وقاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف حدثنا وكيع عن أبي هلال عن أبي بريدة قال قال عمر ما تعلم الرجل الفارسية إلا خب ولا خب رجل إلا نقضت مروءته.
وقال حدثنا وكيع عن ثور عن عطاء قال لا تعلموا رطانة الأعاجم ولا تدخلوا عليهم كنائسهم فإن السخط ينزل عليهم. وهذا الذي رويناه فيما تقدم عن عمر رضي الله عنه
وقال حدثنا إسماعيل بن علية عن داود بن أبي هند أن محمد بن سعد بن أبي وقاص سمع قوما يتكلمون بالفارسية فقال ما بال المجوسية بعد الحنيفية. أنظر كتاب الأدب لابن أبي شيبة باب من كره الكلام بالفارسية ص153
وقد روى السلفي من حديث سعيد بن العلاء البرذعي حدثنا إسحاق بن إبراهيم البلخي حدثنا عمر بن هرون البلخي حدثنا أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فإنه يورث النفاق" إقتضاء الصراط المستقيم/ص204-205.
قلت(أبو الحسين) :أخرجه الحاكم4/98ح7001 وعلق عليه الذهبي: " في إسناده عمر بن هرون كذبه ابن معين" وذكره ابن عراق في تنزيه الشريعة2/291 والسيوطي في اللآليء 2/238 وقال ابن حجر في الفتح6/184: "سنده واه" وذكره الشوكاني في الفوائد1/221وقال ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين2/218:" (عمر بن هارون) تركه أحمد وابن مهدي وقال يحيى كذاب خبيث ليس حديثه بشيء وقال مرة كذاب وقال النسائي متروك الحديث وقال أبو داود غير ثقة وقال علي والدارقطني ضعيف وقال ابن حبان يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخا لم يرهم" .
وقال شيخ الإسلام /المجموع32/252:" وَمَعْلُومٌ أَنَّ " تَعَلُّمَ الْعَرَبِيَّةِ ؛ وَتَعْلِيمَ الْعَرَبِيَّةِ " فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ ؛ وَكَانَ السَّلَفُ يُؤَدِّبُونَ أَوْلَادَهُمْ عَلَى اللَّحْنِ . فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ أَنْ نَحْفَظَ الْقَانُونَ الْعَرَبِيَّ ؛ وَنُصْلِحَ الْأَلْسُنَ الْمَائِلَةَ عَنْهُ ؛ فَيَحْفَظُ لَنَا طَرِيقَةَ فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؛ وَالِاقْتِدَاءِ بِالْعَرَبِ فِي خِطَابِهَا . فَلَوْ تُرِكَ النَّاسُ عَلَى لَحْنِهِمْ كَانَ نَقْصًا وَعَيْبًا ؛ فَكَيْفَ إذَا جَاءَ قَوْمٌ إلَى الْأَلْسِنَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ وَالْأَوْزَانِ الْقَوِيمَةِ : فَأَفْسَدُوهَا بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْأَوْزَانِ الْمُفْسِدَةِ لِلِّسَانِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ الْعَرْبَاءِ إلَى أَنْوَاعِ الْهَذَيَانِ ؛ الَّذِي لَا يَهْذِي بِهِ إلَّا قَوْمٌ مِنْ الْأَعَاجِمِ الطَّمَاطِمِ الصميان "
ولما سئل رحمه الله تعالى عن قوم يؤلفون الأناشيد ولا يلتزمون فيها بقواعد العربية قال:" وَمَا زَالَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ تَغْيِيرَ شَعَائِرِ الْعَرَبِ حَتَّى فِي الْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ " التَّكَلُّم بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ " إلَّا لِحَاجَةِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَالِك وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد بَلْ قَالَ مَالِك : مَنْ تَكَلَّمَ فِي مَسْجِدِنَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ أُخْرِجَ مِنْهُ . مَعَ أَنَّ سَائِرَ الْأَلْسُنِ يَجُوزُ النُّطْقُ بِهَا لِأَصْحَابِهَا ؛ وَلَكِنْ سَوَّغُوهَا لِلْحَاجَةِ وَكَرِهُوهَا لِغَيْرِ الْحَاجَةِ وَلِحِفْظِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ كِتَابَهُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَبَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ الْعَرَبِيَّ وَجَعَلَ الْأُمَّةَ الْعَرَبِيَّةَ خَيْرَ الْأُمَمِ فَصَارَ حِفْظُ شِعَارِهِمْ مِنْ تَمَامِ حِفْظِ الْإِسْلَامِ فَكَيْفَ بِمَنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ – مُفْرَدِهِ وَمَنْظُومِهِ – فَيُغَيِّرُهُ وَيُبَدِّلُهُ وَيُخْرِجُهُ عَنْ قَانُونِهِ وَيُكَلِّفُ الِانْتِقَالَ عَنْهُ إنَّمَا هَذَا نَظِيرُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الضَّلَالِ مِنْ الشُّيُوخِ الْجُهَّالِ حَيْثُ يَصْمُدُونَ إلَى الرَّجُلِ الْعَاقِلِ فَيُؤَلِّهُونَهُ ويخنثونه ؛ فَإِنَّهُمْ ضَادُّوا الرَّسُولَ إذْ بُعِثَ بِإِصْلَاحِ الْعُقُولِ وَالْأَدْيَانِ وَتَكْمِيلِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ وَحَرَّمَ مَا يُغَيِّرُ الْعَقْلَ مِنْ جَمِيعِ الْأَلْوَانِ . فَإِذَا جَاءَ هَؤُلَاءِ إلَى صَحِيحِ الْعَقْلِ فَأَفْسَدُوا عَقْلَهُ وَفَهْمَهُ وَقَدْ ضَادُّوا اللَّهَ وراغموا حُكْمَهُ . وَاَلَّذِينَ يُبَدِّلُونَ اللِّسَانَ الْعَرَبِيَّ وَيُفْسِدُونَهُ لَهُمْ مِنْ هَذَا الذَّمِّ وَالْعِقَابِ بِقَدْرِ مَا يَفْتَحُونَهُ ؛ فَإِنَّ صَلَاحَ الْعَقْلِ وَاللِّسَانِ مِمَّا يُؤْمَرُ بِهِ الْإِنْسَانُ . وَيُعِينُ ذَلِكَ عَلَى تَمَامِ الْإِيمَانِ وَضِدُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الشِّقَاقَ وَالضَّلَالَ وَالْخُسْرَانَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " المجموع32/252.
وقال أيضا:" وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه كما تقدم ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية وارض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية عودوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم وهكذا كانت خراسان قديما ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم ولا ريب أن هذا مكروه وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب فيظهر شعار الإسلام وأهله ويكن ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب عليه واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق ، وقال شيخ الإسلام أيضا:
فإن نفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " ثم منها ما هو واجب على الأعيان ومنها ما هو واجب على الكفاية وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد قال كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أما بعد فتفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال تعلموا العربية فإنها من دينكم وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله" إقتضاء الصراط المستقيم ص207.
ومما يؤكد على ما ذهبنا إليه من وجوب تعلم العربية ما قاله الأصمعي:" إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل فيما قال النبي صلى الله عليه و سلم من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار لأنه عليه الصلاة و السلام لم يكن لحانا ولم يلحن في حديثه فمهما رويت عنه ولحنت فيه كذبت عليه" أنظر روضة العقلاءونزهة الفضلاء محمد بن حبان البستي أبو حاتم/ص81.
فإن تعرض لنا جاهل بالقول: "كيف أوجبتم تعلم العربية مع أن الصحابة ما قالوه ولو كان فرض كفاية ما تركوه"
قلنا لقد ازددت باعتراضك هذا جهلا فإنه كان مركوزا بطبائعهم … ما فاتهم إلا الاصطلاحات التي أنت بحاجة لها وهم أغنياء عنها".
ولو أن رجلا اجتنى من ثمار العلوم السنية المشتهى وبلغ في رتبة الفقه المنتهى ولم يمارس النحو كان مقطوع الحجج غريقا في اللجج لا يوثق بعلمه ولا ينتفع بفهمه.و إن شئت فاسمع الوعاظ والخطباء الذي يلحنون فاسمع لهم ولا تعترض عليهم وإلا كان حالك كما أخرج البيهقي في شعب الإيمان2/258:" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا الحسن بن علي بن أحمد الرناني بمرو ثنا أحمد بن جعفر بن محمد البغدادي قدم علينا ثنا أبو أمية الطرطوسي ثنا عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي أخبرني أبو زيد النحوي قال : قال رجل للحسن البصري ما تقول في رجل ترك أبيه و أخيه قال : الحسن ترك أباه و أخاه(يصحح له) فقال الرجل فما لأباه و أخاه( أي من الحق) فقال الحسن فما لأبيه و أخيه(يصحح له أيضا) فقال الرجل للحسن أراني كلما تابعتك خالفتني"!!!! .
وأخرج البيهقي أيضا في الشعب2/258:" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس الأصم ثنا السري بن يحيى ثنا عثمان بن زفر ثنا حبان بن علي عن ابن شبرمة قال : ما عبر الرجال بعبارة أرقى من العربية ".
والنحو من أشرف العلوم وأفضلها وأعظم آلاتها وأكملها إذ به يحفظ القرآن الذي هو حبل الله المتين * وبحفظه تحفظ قواعد الدين المتين ، على أنه ينبغي أن يعلم أن المقصود علم الآلة وإلا فعلم التوحيد لا يقدم عليه شيء.
وبالنحو صلاح اللسان فقد قال إمام النحو ابن مالك في الكافية الشافية في النحو:
وبعد، فالنحو صلاح الألسنة والنفس إن تعدم سناه في سنه
به انكشاف حجب المعاني وجلوة الفهوم ذا إذعان
وكل علم فسوى موات إلا مع الإتقان للآلات
كالنحو والتصريف والمعاني وعلمي المنطق والبيان
ولكن لأهم علم النحو لا سيما الذي لصرف يحوي
وأنشد (علي بن حمزة بن عبد الله بن فيروز الكسائي قرأ على حمزة، وأدب الرشيد وولده الأمين قال الكسائي: صليت بالرشيد، فأخطأت في آية ما أخطأ فيها صبي، قلت: " لعلهم يرجعين "، فوالله ما اجترأ الرشيد أن يقول: أخطأت، لكن قال: أي لغة هذه ؟ قلت: يا أمير المؤمنين، قد يعثر الجواد وهو من تلامذة الخليل وسمع الأعمش* قال الشافعي فيه: من أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي قال الفراء: ناظرت الكسائي يوماً وزدت، فكأني كنت طائراً يشرب من بحر. ت182هـ ).أنظر تاريخ الإسلام للذهبي12/299والعبر له ص 56 وسير أعلام النبلاء له 9/133:
إنما النحوُ قياسٌ يتبعْ … وبه في كلِّ أمرٍ ينتفعْ
وإذا ما أبصرَ النحوَ الفتى …. مر في المنطق مراً فأتسعْ
وإذا لم يعرف النحوَ الفتىَ … هاب أن ينطقَ جبناً فانقمعْ
يقرأ القرانَ لا يعلمُ ما … صرفَ الإعرابُ فيه وصنعْ
فتراهُ يخفضُ الرفعَ وإن … كان من نصبٍ ومنْ خفضٍ رفعْ
وأنظر بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة للسيوطي2/146 وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي11/412.
وحكي أن رجلاً دخل على عبد العزيز بن مروان يشكو صهراً له فقال: إن ختني فعل بي كذا وكذا . فقال له : ومن خنتك وفتح النون . فقال : ختنني الختان الذي يختن الناس . فقال عبد العزيز لكاتبه : ما هذا الجواب فقال : إن الرجل يعرف النحو وكان ينبغي أن تقول : من ختنك بضم النون .أنظر خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب عبد القادر بن عمر البغدادي8/480.
وذكر ابن هشام في كتابه مغني اللبيب/ص877: "وحكى العسكري في كتاب التصحيف أنه قيل لبعضهم ما فعل أبوك بحماره فقال باعِه فقيل له لم قلت باعِه قال فلم قلت أنت بحمارِه فقال أنا جررته بالباء فقال فلمَ تجر باؤك وبائي لا تجر.
ومثله من القياس الفاسد ما حكاه أبو بكر التاريخي في كتاب أخبار النحويين أن رجلا قال لسماك بالبصرة بكم هذه السمكة فقال بدرهمان فضحك الرجل فقال السماك أنت أحمق سمعت سيبويه يقول ثمنها درهمان؛ وقلت(ابن هشام) يوما ترد الجملة الاسمية الحالية بغير واو في فصيح الكلام خلافا للزمخشري كقوله تعالى ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) فقال بعض من حضر هذه الواو في أوَّلها وقلت يوما الفقهاء يلحنون في قولهم البايع بغير همز فقال قائل فقد قال الله تعالى ( فبايعهن )" .
وجاء في تاريخ النحو العربي لسعيد الأفغاني قال عبد الملك بن مروان وقد قيل له 🙁 أسرع إليك الشيب ): قال ( شيبني ارتقاء المنابر ومخافة اللحن ).
ومن أروع ما اطلعت عليه ما ذكره الإمام ابن القيم في جلاء الأفهام وهو يتكلم في الفصل الأول في افتتاح صلاة المصلي بقول اللهم ومعنى ذلك، وفيه يبين بلاغة العرب قال : " ونظير هذا قولهم ذبح بكسر أوله للمحل المذبوح وذبح بفتح أوله لنفس الفعل ولا ريب أن الجسم أقوى من العرض فأعطوا الحركة القوية للقوي والضعيفة للضعيف وهو مثل قولهم نهب ونهب بالكسر للمنهوب وبالفتح للفعل وكقولهم ملء وملء بالكسر لما يملأ الشيء وبالفتح للمصدر الذي هو الفعل وكقولهم حمل وحمل فبالكسر لما كان قويا مرئيا مثقلا لحامله على ظهره أو رأسه أو غيرهما من أعضائه والحمل بالفتح لما كان خفيفه غير مثقل لحامله كحمل الحيوان وحمل الشجرة به أشبه ففتحوه وتأمل كونهم عكسوا هذا في الحب والحب فجعلوا المكسور الأول لنفس المحبوب ومضمومه للمصدر إيذانا بخفة المحبوب على قلوبهم ولطف موقعه في أنفسهم وحلاوته عندهم وثقل حمل الحب ولزومه للمحب كما يلزم الغريم غريمه ولهذا يسمى غراما ولهذا كثر وصفهم لتحمله بالشدة والصعوبة وإخبارهم بأن أعظم المخلوقات وأشدها من الصخر والحديد ونحوهما لو حمله لذاب ولم يستقل به كما هو كثير في أشعار المتقدين والمتأخرين وكلامهم فكان الأحسن أن يعطوا المصدر هنا الحركة القوية والمحبوب الحركة التي هي أخف منها ومن هذا قولهم قبض بسكون وسطه للفعل وقبض بتحريكه للمقبوض والحركة أقوى من السكون والمقبوض أقوى من المصدر ونظيره سبق بالسكون للفعل وسبق بالفتح للمال المأخوذ في هذا العقد وتأمل قولهم دار دورانا وفارت القدر…….. إلى أن قال رحمه الله تعالى:" ومثل هذه المعاني يستدعي لطافة ذهن ورقة طبع ولا تتأتى مع غلظ القلوب والرضى بأوائل مسائل النحو والتصريف دون تأملها وتدبرها والنظر إلى حكمة الواضع ومطالعة ما في هذه اللغة الباهرة من الأسرار التي تدق على أكثر العقول وهذا باب ينبه الفاضل على ما وراءه ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور النور 40 وانظر إلى تسميتهم الغليظ الجافي بالعتل والجعظري والجواظ كيف تجد هذه الألفاظ تنادي على ما تحتها من المعاني وانظر إلى تسميتهم الطويل بالعشنق وتأمل اقتضاء هذه الحروف ومناسبتها لمعنى الطويل وتسميتهم القصير بالبحتر وموالاتهم بين ثلاث فتحات في اسم الطويل وهو العشنق وإتيانهم بضمتين بينهما سكون في البحتر كيف يقتضي اللفظ الأول انفتاح الفم وانفراج آلات النطق وامتدادها وعدم ركوب بعضها بعضا وفي اسم البحتر الأمر بالضد وتأمل قولهم طال الشيء فهو طويل وكبر فهو كبير فإن زاد طوله قالوا طوالا وكبارا فأتوا بالألف التي هي أكثر مدا وأطول من الياء في المعنى الأطول فإن زاد كبر الشيء وثقل موقعه من النفوس ثقلوا اسمه فقالوا كبارا بتشديد الباء ولو أطلقنا عنان القلم في ذلك لطال مداه واستعصى على الضبط فلنرجع إلى ما جرى الكلام بسببه فنقول الميم حرف شفهي يجمع الناطق به شفتيه فوضعته العرب علما على الجمع فقالوا للواحد أنت فإذا جاوزوه إلى الجمع قالوا أنتم وقالوا للواحد الغائب هو فإذا جاوزوه إلى الجمع قالوا هم وكذلك في المتصل يقولون ضربت وضربتم وإياك وإياكم وإياه وإياهم ونظائره نحو به وبهم ويقولون للشيء الأزرق أزرق فإذا اشتدت زرقته واستحكمت قالوا زرقم ويقولون للكبير الاست ستهم وتأمل الألفاظ التي فيها الميم كيف تجد الجمع معقودا بها مثل لم الشيء يلمه إذا جمعه ومنه لم الله شعثه أي جمع ما تفرق من أموره ومنه قولهم دار لمومة أي تلم الناس وتجمعهم ومنه أكلا لما الفجر 19 جاء في تفسيرها يأكل نصيبه ونصيب صاحبه وأصله من اللم وهو الجمع كما يقال لفه يلفه ومنه ألم بالشيء إذا قارب الاجتماع به والوصول إليه ومنه اللمم وهو مقاربة الاجتماع بالكبائر ومنه الملمة وهي النازلة التي تصيب العبد ومنه اللمة وهي الشعر الذي قد اجتمع وتقلص حتى جاوز شحمة الأذن ومنه تم الشيء وما تصرف منها ومنه بدر التم إذا كمل واجتمع نوره ومنه التوأم للولدين المجتمعين في بطن ومنه الأم وأم الشيء أصله الذي تفرع منه فهو الجامع له وبه سميت مكة أم القرى والفاتحة أم القرآن واللوح المحفوظ أم الكتاب". جلاء الأفهام في فضل الصلاة على خير الأنام ص148 ومابعدها.
ولك أخي الكريم بارك الله فيك الإطلاع على أكثر من هذا لابن القيم وأنت تنظر في كتابه القيم {بدائع الفوائد}
تعريف النحو
لغة: له ستة معان. أنظر شرح الأشموني بحاشية الصبان1/49
1- القصد: يقال نحوت نحوك أي قصدت قصدك.
2- الجهة: توجهت نحو البيت أي جهة البيت.
3- قسم: تقول هذا على أربعة أنحاء أي أقسام . ومنه حديث عائشة رضى الله عنهافي صحيح البخاري5/1970ح4834وغيره :" أن النكاح في الجاهلية كان على أربع أنحاء…."
4- بعض: أكلت نحو السمكة. أي بعضها
5- مثل: مررت برجل نحوك أي مثلك.
6- مقدار :عندي نحو ألف دينار.أي مقدار ألف…
اصطلاحا: علم يبحث فيه عن أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناء. أنظر شرح الأشموني لشرح ألفية ابن مالك1/49 .
حكمه: الوجوب الكفائي *قاله النووي.أنظر شرح النووي لصحيح مسلم1/71
موضوعه: الكلمات العربية.
فائدته: صيانة اللسان عن الخطأ في الكلام والاستعانة به على فهم كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
أهمية علم النحو
وضَّح ابن خلدون أهمية علم النحو، وأبرز مميزاته التي لا نجدها في لغة أخرى، ومما قاله :
"إن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني، فلابد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان، وهو في كل أمة بحسب اصطلاحاتهم، وكانت الملكة الحاصلة للعرب من ذلك أحسن الملكات وأوضحها، إبانة عن المقاصد لدلالة غير الكلمات فيها على كثير من المعاني من المجرور، أعني المضاف، ومثل الحروف التي تفضي بالأفعال إلى الذوات من غير تكلف ألفاظ أخرى. وليس يوجد إلا في لغة العرب". ولاشك أن ملاحظته الدقيقة هذه في إبراز بعض خصائص اللغة التي لا نجدها في غير لغة العرب، وإشارته إلى استخدام الأفعال وتغير مقاصدها بإدخال الحروف عليها، مما يؤكد أهمية هذه الصفة المعروفة في أساليب اللغة العربية،
كان ابن خلدون على بينة من فشو العامية المخالفة لصريح العربية، ولم يكتف بذلك، وإنما حاول أن يقدم لنا آراءه في رأب هذا الصدع، وعقد لذلك فصلاً في تعليم اللسان المضري. كما أشار إلى الأمر نفسه في حديثه عن علم الأدب، فقال :
"هذا العلم لا موضوع له، يُنظر في إثبات عوارضه أو نفيها، وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته في فنَّي المنظوم والمنثور على أساليب العرب".
وتحدث ثانية عن فساد اللسان العربي، ووضح عوامله، وظهور اللحن، وضعف الأصالة، ثم عقد فصلاً خاصاً بذلك، ذكر فيه أن "اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة، إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها، بحسب تمام الملكة أو نقصانها" إن عرف التخاطب في الأمصار وبين الحضر ليس بلغة مضَر القديمة، ولا بلغة أهل الجيل، بل هي لغة أخرى قائمة بنفسها، بعيدة عن لغة مضر، وعن لغة هذا الجيل العربي الذي لعهدنا، وهي عن لغة مضر أبعد، فأما أنها لغة قائمة بنفسها، فهو ظاهر يشهد له ما فيها من التغاير الذي يعد عند صناعة أهل النحو لحناً، وهي مع ذلك تختلف باختلاف الأمصار في اصطلاحاتهم، فلغة أهل المشرق مباينة بعض الشيء للغة أهل المغرب، وكذا أهل الأندلس معهما، وكل منهم يتوصل بلغته إلى تأدية مقصوده والإبانة عما في نفسه". وهذا معنى اللسان واللغة وفقدان الإعراب ليس بضائر لهم كما قلناه في لغة العرب لهذا العهد وأما إنها أبعد عن اللسان الأول من لغة هذا الجيل فلأن البعد عن اللسان إنما هو بمخالطة العجمة فمن خالط العجم أكثر كانت لغته عن ذلك اللسان الأصلي أبعد لأن الملكة انما تحصل بالتعليم كما قلناه وهذه ملكة ممتزجة من الملكة الأولى التي كانت للعرب ومن الملكة الثانية التي للعجم فعلى مقدار ما يسمعونه من العجم ويربون عليه يبعدون عن الملكة الأولى واعتبر ذلك في أمصار أفريقية والمغرب والأندلس والمشرق أما أفريقية والمغرب فخالطت العرب فيها البرابرة من العجم بوفور عمرانها بهم ولم يكد يخلو عنهم مصر ولا جيل فغلبت العجمة فيها على اللسان العربي الذي كان لهم وصارت لغة أخرى ممتزجة والعجمة فيها أغلب لما ذكرناه فهي عن اللسان الأول أبعد وكذا المشرق لما غلب العرب على أممه من فارس والترك فخالطوهم وتداولت بينهم لغاتهم في الأكره والفلاحين والسبي الذين اتخذوهم خولا ودايات وأظارا ومراضع ففسدت لغتهم بفساد الملكه حتى انقلبت لغة أخرى وكذا أهل الأندلس مع عجم الجلالقة والإفرنجة وصار أهل الأمصار كلهم من هذه الأقاليم أهل لغة أخرى مخصوصة بهم تخالف لغة مضر ويخالف أيضا بعضهم بعضا كما نذكره وكأنه لغة أخرى لاستحكام ملكتها في أجيالهم والله يخلق ما يشاء ويقدر. أنظر مقدمة ابن خلدون ج1/ص558
نشأة علم النحو وعلماؤه :
أول من وضع علم النحو بإجماع النحويين هو أبو الأسود الدؤلي(ظالم بن عمرو – وهو أبو الأسود الدؤلي – يروي عن عمر وأبي ذر. قيل أنه صحابي شهد بدرا، بصري ت69هـ) وقيل أنه أخذه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال السيوطي في تاريخ الخلفاء ص157:"( قال أبو القاسم الزجاجي في أماليه : حدثنا أبو جعفر محمد بن رستم الطبري حدثنا أبو حاتم السجستاني حدثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي حدثنا سعيد ابن سلم الباهلي حدثنا أبي عن جدي عن أبي الأسود الدؤلي أو قال : عن جدي أبي الأسود عن أبيه قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرأيته مطرقا مفكرا فقلت : فيم تفكر يا أمير المؤمنين ؟ قال : إني سمعت ببلدكم هذا لحنا فأردت أن أصنع كتابا في أصول العربية فقلت : إن فعلت ذلك أحييتنا و بقيت فينا هذه اللغة ثم أتيته بعد ثلاثة فألقى إلي صحيفة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم الكلمة اسم و فعل و حرف فالاسم : ما أنبأ عن المسمى و الفعل : ما أنبأ عن حركة المسمى و الحرف : ما أنبأ عن معنى ليس باسم و لا فعل ثم قال : تتبعه و زد فيه ما وقع لك و اعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة : ظاهر و مضمر و شيء ليس بظاهر و لا مضمر و إنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر و لا مضمر قال : أبو الأسود : فجمعت منه أشياء و عرضتها عليه فكان من ذلك حروف النصب فذكرت منها : إن وأن و ليت و لعل و كأن ولم أذكر لكن فقال لي : لم تركتها ؟ فقلت : لم أحسبها منها فقال : بل هي منها فزدها فيها).
وأبو الأسود كوفي الدار بصري المنشأ .أما علم الصرف فقد وضعه معاذ بن مسلم الهراء وهو الذي أدب عبد الملك ابن مروان.
ثم جاء بعد الدؤلي خمسة نفر وهو الذي خلفهم. أنظر أبجد العلوم – صديق حسن خان القنوجي3/73. :
عنبسة بن معدان الفيل الميساني وهو أبرع أصحاب الدؤلي على ما ذكره الخليل وهو في الطبقة الأولى من البصريين ت100هـ.
ميمون الأقرن وهو رأس النحويين بعد عنبسة.
يحيى بن يعمر الوشقي العدواني، أبو سليمان النحوي البصري تابعي لقي عبدالله بن عمر وابن عباس ت129هـ.
عطاء بن أبي الأسود الدؤلي.
أبو الحارث بن أبي الأسود الدؤلي البصري روى عن عبد الله بن عمر ت109هـ.
عبدالله بن أبي إسحاق الحضرمي البصري النحوي المقرىءت117هـ وقيل سنة119وقيل سنة 205 ذكر أنه أول من وضع أصول النحو وقياسه). ذلك أن سيبويه قد سمى في كتابه من روى عنهم أصول النحو من الأئمة ولم يتجاوز الحضرمي إلى إمام قبله، فالحضرمي على هذا هو رأس البصرية.
ثم الإمام المعروف الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن شيخ سيبويه ولد سنة 100هـ وتوفي سنة170هـ.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج7/ص430:
"حدث عن أيوب السختياني وعاصم الأحول والعوام بن حوشب وغالب القطان أخذ عنه سيبويه النحو والنضر بن شميل وهارون بن موسى النحوي ووهب بن جرير والأصمعي وآخرون وكان رأسا في لسان العرب دينا ورعا قانعا متواضعا كبير الشأن يقال إنه دعا الله أن يرزقه علما لا يسبق إليه ففتح له بالعروض وله كتاب العين في اللغة وثقه ابن حبان وقيل كان متقشفا متعبدا قال النضر أقام الخليل في خص له بالبصرة لا يقدر على فلسين وتلامذته يكسبون بعلمه الأموال وكان كثيرا ما ينشد وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ذخرا يكون كصالح الأعمال
وكان رحمه الله مفرط الذكاء ولد سنة مئة ومات سنة بضع وستين ومئة وقيل بقي إلى سنة سبعين ومئة وكان هو ويونس إمامي أهل البصرة في العربية".
سيبويه عمرو بن عثمان بن قنبر، إمام النحاة ورئيس البصريين أبو بشر، مصنف الكتاب المشهور الذي هو عمدة النحو. مولى بني الحارث بن كعب .. ، ويُكَنَّى أبا بشر ويقال كنيته أبو الحسن ، وسيبويه بالفارسية : " رائحة التفاح وتوفي وله نيف وأربعين سنة … ، كان المُبَرِّد إذا أراد إنسانٌ أنْ يقرأ عليه كتاب سيبويه ، يقول له : " ركبتَ البحر " ، تعظيماً له ، واستعظاماً لما فيه . وكان المازني ، يقول : مَنْ أراد أنْ يعمل كتاباً كبيراً في النحو بعد كتاب سيبويه ، فليستحي ولد سنة148هـ وتوفي سنة180هـ ) اهـ الفهرست ص76، وينظر: أبجد العلوم 3/ 38.
9- علي بن حمزة الكسائي عبد الله الاسدي بالولاء، الكوفي، أبو الحسن ألكسائي: أمام في اللغة والنحو والقراءة.من أهل الكوفة. ولد في إحدى قراها.وتعلم بها.وقرأ النحو بعد الكبر، وتنقل في البادية، وسكن بغداد، وتوفي بالري، عن سبعين عاما.وهو مؤدب الرشيد العباسي وابنه الامين.قال الجاحظ: كان أثيرا عند الخليفة، حتى أخرجه من طبقة المؤدبين إلى طبقة الجلساء والمؤانسين.أصله من أولاد الفرس.
ثم افترقوا إلى فرقتين: أ) كوفية. ب) بصرية.
10- سعيد بن مسعدة المجاشعي بالولاء أبو الحسن الأخفش الأوسط البلخي ثم البصري النحوي المعتزلي أخذ النحو عن سيبوية ت210هـ.
11- الفراء يحيى بن زياد الأسلمي الكوفي أبرع الكوفيين، أخذ النحو عن الكسائي ت257هـ
صالح بن إسحاق الجرمي أبو عمرو البصري أخذ عن الأخفش ت225هـ.
أبو عثمان بكر بن محمد بن عثمان المازني البصري أخذ عن الأصمعي وغيره وأخذ عنه المبرد *قال أبو حعفر الطحاوي الحنفي المصري: سمعت القاضي بكار بن قتيبة قاضي مصر، يقول: ما رأيت نحوياً قط يشبه الفقهاء إلا حيان بن هرمة والمازني،ت249هـ.
أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي البصري المعروف بـ ( المبرد ) أخذ عن المازني وأخذ عنه نفطويه ت286هـ.
أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الزجاج أخذ عن المبرد وأخذ عنه أبو علي الفارسي ت310هـ.
أبو بكر محمد بن السري بن سهل المعروف بـ(السراج) أخذ عن المبرد وأخذ عنه السيرافي والرماني ت316هـ.
أبو محمد عبد الله بن جعفر (ابن درستويه) الفارسي النحوي أخذ عن ابن قتيبة والمبرد وأخذ عنه الدارقطني ت343هـ.
أبو بكر محمد بن مبرمان ت345هـ.
أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي ت377هـ.
أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي أعلم الناس بنحو البصريين أخذ عن ابن السراج ت368هـ.
أبو الحسن علي بن عيسى الرماني أخذ عن ابن السراج ت384هـ.
أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي أخذ عن الفارسي ت392هـ.
أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني النحوي المتكلم الأشعري أخذ عن الفارسي ت471هـ
أبو القاسم محمود بن عمر الخوارزمي الزمخشري كان إمام عصره * وكان له لوثة اعتزال تجلت بوضوح في كتابه( الكشاف) وهو حنفي المذهب معتبر ت538هـ*
أبو عمرو عثمان بن عمر (ابن يونس) المعروف بابن الحاجب الكردي الفقيه الأصولي المالكي ت646هـ.
26- محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك العلامة جمال الدين أبو عبد الله الطائي الجياني الشافعي إمام النحاة ولد سنة601هـ* سمع من السخاوي كان في النحو بحرا لا يحارى وحبرا لا يبارى * روى عنه ابنه بدر الدين والبدر بن جماعة ومن تلاميذه شرف الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مِرَى النووي، المتوفى سنة 676 وزين الدين أبو بكر بن يوسف بن محمود بن عثمان المزي الدمشقي، المتوفى سنة 726. وعلم الدين بن القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي المتوفى سنة739* لم يعثر له على شيخ معتبر مشهور مع علو كعبه وعظيم شأنه فإنه أخذ العلم بالنظر وقيل أخذ عن ثابت بن خيار وقيل من شيوخه أبو المظفر ثابت بن محمد بن حيان الكلاعي، المتوفى سنة 638*ت672هـ.. أنظر لزاما ترجمته في نفخ الطيب للمقرّي 2/427 وبغية الوعاة (1/482) ووفيات الوفيات/الكتبي 3/411 و عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان_ بدر الدين العيني،ص201 وتاريخ الإسلام للذهبي12/347* ووصفه الذهبي في تذكرة الحفاظ4/1490:" كبير النحاة العلامة القدوة حجة المغرب". وأنظر أيضا أبجد العلوم- صديق بن حسن القنوجي ج3/ص34 وانظر مقدمة شرح الأشموني1/17 وما بعدها.
أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي المغربي المعروف بابن آجروم ومعناه بلغة البرير الفقير الصوفي وكانت ولادته سنة 682 اثنتين وثمانين وستمائة وتوفى سنة 723 له مقدمة الآجرومية في النحو على مذهب الكوفيين لأنه عبر بالخفض وهو عبارتهم وقال الأمر مجزوم وهو ظاهر في أنه معرب وهو رأيهم وذكر في الجوازم كيفما والجزم بها رأيهم وأنكره البصريون فتفطن* وهي مقدمة نافعة للمبتدئين ألفها بمكة المكرمة. انظر بغية الوعاة ج1/ص238.
ثم أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري الإمام الذي فاق أقرانه وشأى من تقدمه وأعيا من يأتي بعده ، لا يشق غباره في سعة الاطلاع وحسن العبارة تمذهب على المذهب الشافعي ثم تحنبل وحفظ مختصر الخرقي *ت 762هـ، وقال المقريزي في السلوك لمعرفة الملوك2/482 توفي سنة799هـ.وقيل 855كما في نظم العقيان للسيوطي ص41 وربما يكون هذا بعيدا عن الصواب والله أعلم.
ومن المتأخرين من نحاة عصر المماليك الإمام نور الدين أبو الحسن علي بن محمد الشافعي المصري الأشموني ت900هـ وقيل سنة 920هـ.كما في ديوان الإسلام للعزي ص10* أو قي سنة927 كما في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي8/165.له شرح على ألفية ابن مالك بحاشية الصبان.
وغيرهم كثير.
ثم تتابع الناس في العصر الحديث على النظم والتأليف والشرح والتعليق في النحو والصرف والبديع والبيان وغيرها من فنون العربية * يعرف ذلك من كان له أدنى اهتمام بلغة القرآن والسنة والمحروم من حرم معرفة لغة الكتاب والسنة.
هذا وأسأل الله أن ينفع به عباده وأن يجعله لي ذخرا عنده إلى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وللقراء الأكارم تصويب صحيحه وبيان خطئه، والموفق من وفقه الله لما يحب ويرضى، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك