بارك الله فيكم و جزاكم عنا خيرا
في المتابعة
..بارك الله فيكم و جزاكم عنا خيرا
في المتابعة
.. س – هل هناك بعض القضايا اللغوية التي لم تحسم بعد في علم اللغة واللسانيات؟.
أرجو توضيح معنى اللسانيات وهل هناك فرق بينه وبين علم اللغة؟
وهل نقول علم اللسانيات أم اللسانيات؟ ولماذا؟
ج – اللسانيات هي علم اللغة ولا نقول علم اللسانيات لِما في المصطلَح من تكرار
واللسانيات هي العلم الذي يدرس اللغات البشرية دراسة منهجيّة بأدوات وصفية تحليلية
وبطريقة موضوعية متجرّدة تخلو من الاعتبارات المذهبيّة والذّاتية …
أما القضايا التي لم تُحسم بعدُ في اللسانيات فَما أكثَرَها
منها على سبيل المثال دراسَة المعنى
هل المعنى معطى موضوعيّ يخضع للملاحظة والدّراسة العلمية الدّقيقة
أم تلتبس بِه الاعتبارات الذاتية والاجتماعية وغير ذلك من الجوانب التي يصعب الإمساك بِها وإخضاعها للملاحظة والتّجريب
وما يُقال في المعنى يُقال في الجوانب التّداوليّة والدّلاليّة وغير ذلك
—-
س – يكثُر الكلامُ عن لسانيات دوسوسير ورِيادتِه في البحث اللساني
ومنهجِه الجديد الذي خرقَ حجُبَ البحث اللغوي وكشف عن أسرارٍ
في الظّاهرة اللغويّة
فماذا عن هذا العالِم الكبير ؟ج – دوسوسير يختلف عن اللغويين القدماء اختلافا كبيرا
فقد دعا إلى دراسة وصفية موضوعية للغة
مجرّدَةً عن الاعتباراتِ المعياريّة التي نجدُها عند القدماء
في تمييزهم بين الصحيح والخاطئ من التّراكيبوميّزَ بين الدّراسة الآنية السّنكرونيّة للغة
والدّراسة التّطوّريّة الدّياكورنية
أي إنّ الدّارسَ اللسانيّ لكي يدرك التسلسلَ
أو التعاقُبَ الزّماني في اللغة عليه أن ينظرَ إلى الظّواهرَ اللغوية
من جهتينِ: جهة الثباتِ والسّكون أو السانكرونيّة
وجهة الحركة والتغيّر في الزّمان أو الدّياكرونيّة
وهذه ثنائيّة متمكّنة من الظّاهرة اللّغويّة
وعلى اللسانيات أن تتّخذَ منهجها بناءً على كثير من الثنائيات منها السكونية
والتّعاقُب ، ومنها علاقة الدّالّ بالمدلول …
فمقولَة الزّمان والتّعاقُب الزّماني والتسلسل الزّماني لا تنفكّ عن فعل اللّغةوبناء عليه فقد جاء منهجه مخالفا لمنهجِ اللغويين السابقينَ له
ودَعا إلى أسس جديدة في تصوّر اللسانيات
تختلف عن أسس التفكير اللغوي عند النحاة الهنود
والإغريق والعرب والرومانوأهمّ ما يميّز الظّاهرة اللغوية عند دوسوسير
أنّها ظاهرة مجتمعيّة أكثر منها ظاهرة نفسية
والمقصود بذلِكَ أنّها يُصيبُها التّغيّر والتّطوّر باستمرار
ومعنى ذلك أنّ اللغةَ تقعُ أحداثُها في التتابُع الزّماني
بينما أغفل كثير من الفلاسفة واللغويين قديما
البعدَ الزّماني المؤثّرَ في اللغة أي إنّ الصّوتَ يتحدّد في التّعاقُب الزّماني
ولا يُمكن أن نتصوّرَ علاقَة الدّالّ بالمدلولِ إلاّ إذا راعينا تتابُعَ الأصواتِ
فالصّوتُ يتحدّد بكونِه يَمتدّ زمانا ثمّ يختفيهذا بالإضافَة إلى أنّ اللغة تندرِجُ في بنيةٍ أو نَسَق يرفعُها إلى مستوى من التّجريد
اعتماداُ على مبدإ التّقابُل بين وحداتٍ أو كياناتٍ أو عناصرَ لغويّةٍ ، وتضادِّها
فاللسانُ نسَق تقومُ العلاقاتُ فيه على تقابُل العناصرِ
وهذا المنهج البنيويّ أي البحث في علاقات النّظام أو النّسق، يختلف اختلافاً جذريا
عن منهج اللغويين القدماء ولغويي القرن التاسع عشرَ الذي كان يعتمدُ على
الاهتمام بخواصّ الأشياءِ وماهيتِها وجوهرِهاـــــــــــــــــــــ
للاستفادة أكثر يرجى الاطلاع على أفكارِ رائد اللسانيات الحديثة “دوسوسير”
في كتابِه “مُحاضرات في علم اللسان العامّ”
ترجمة الدكتور عبد الرحمن حاج صالح
——
ج – إنّ النّظريّةَ الدّلاليّةَ نظريّات :
فهناك نظرياتٌ دلاليّةٌ ظهرت قبل ظهورِ المدرسَة التّوليديّة : كالنّظريّة المرجعيّة
ونظريّة الأفكار والنّظريّة السّلوكيّة ونظريّة المَعْنى والاستعمال ونظريّة المعنى والأفعال اللغويّة
ثمّ هناك نظريات للدّلالة ظهرت مع المدرسة التّوليدية كالنّظرية النفسيّة أو الذّهنيّة التوليديّة
ونظريّة الدّلالة التّصوريّة و النّظريّة التّفاعليّة في تصوّر المعنى
ومن النماذج الدّلالية التوليدية : الدلالة التأويليّة التي ظهرت مع كاتز وبوسطل وفودور،
والدّلالة التّوليديّة من خلال نموذج غروبر
والحقيقة أنّ البنية الدّلالية في المقاربات اللسانية الحديثَة يغلبُ عليها الطّابع الذّهني التّصوّري،
وهذه البنية التّصوّريّة ذات حضورٍ كبيرٍ في تحليل البنى اللغوية
——
سأل سائلٌ في مجلس علميّ غيْرِ هذا عن الفُروقِ بين اللّسانيّاتِ البنيويّة واللسانيّاتِ الوظيفيّة
**************************************************الجَوابُ :
يُمكنُ أن نُميّزَ بينَ بنيويّةٍ و وظيفيّةٍ ، أو بعبارةٍ أدقَّ بيَنَ تيّارٍ لسانيّ وظيفيّ، وتيارٍ لسانيّ صورِيّ أو بنيويّ:أ- ويدخُلُ في التّيارِ الصّوريّ كلّ النّظرِيّاتِ اللّسانيّةِ التي تَسْعى
إلى تَفسيرِ الخَصائصِ الصّورِيّةِ للغاتِ الطّبيعيّةِ بِمعزِلٍ عن وظيفتِها التّواصليّةِ،ب- و يَدخُلُ في التّيارِ الوظيفيّ كلُّ النّظرِيّاتِ اللّسانيّةِ التي تَجْعَلُ من مَبادئِها المَنْهجيّةِ العامّةِ
تَفْسيرَ الخَصائصِ الصّورِيّةِ للغاتِ الطّبيعيّةِ ، وذلِك بربْطِ هذه الخَصائصِ بِوظيفةِ اللّسانِ الطّبيعيّ التّواصليّةِأمّا وجوه الاختِلافِ الرّئيسَةُ فيُمكنُ اختصارُها في ما يلي :
1- تَـعُـدّ النّظريّاتُ الصّوريّةُ اللّغةَ نسَقاً مجرّداً يؤدّي وظيفةَ التّعبيرِ عن الفكرِ،
أمّا النّظريّاتُ الوظيفيّةُ فتعدّ اللّغةَ وسيلةً للتّواصُلِ أي نسقاً رمزياً يؤدّي مجموعةً من الوظائفِ،
أهمّها وظيفةُ التّواصُل2- تعتمدُ النّظرِيّاتُ الوظيفيّةُ ِفرضيّةً مفادُها أنّ بنياتِ اللّغاتِ الطّبيعيّة
لا تُرْصَدُ خصائصُها إلاّ إذا رُبِطَتْ هذه البنيةُ بوظيفةِ التّواصُل .
أمّا النّظرِيّاتُ الصّورِيّةُ (ومنها البنيويّة) فتنطلقُ من مبدإ أنّ اللغةَ نسقٌ مجرّد
يُمكن وصفُ خصائصِه من دونِ اللّجوءِ إلى وظيفتِه الاستعماليّة3- قدرةُ المتكلّم/السّامِع في رأي الصّوريّينَ هي معرفتُه بالقواعدِ اللّغويّة الخالصَة
(التّركيبيّة الدّلاليّة الصّوتيّة) أمّا القدرةُ عند الوظيفيّينَ فهي معرِفةُ المتكلّمِ بالقواعدِ
التي تمكّنُه من تحقيق الأغراض التّواصليّةبواسطِ اللّغة4- يُعدّ “التّركيبُ /الصّرفُ” في النّظريّاتِ الصّورِيّة مستوى مركزياً في النّحو
أمّا الدّلالة والوظائفُ التّداوليّة فليست إلاّمستوياتٍ تقومُ بدورٍ تأويليّ ،أمّا في النّظرياتِ الوظيفيّة فالمستوى التّداوليّ-الدّلاليّ يحتلّ داخلَ النّحوِ مستوى مركزيّاً ويَتَولّى تحديدَ خصائصِ التّركيب.
—-
س – ما هو الحقل الدلالي للقرابة في اللغة العربية ؟
ج – يتألّفُ الحقل الدلالي من مجموعة من المعاني ِأو الكلمات المتقاربة التي تَدورُ في فلكِ مَعْنى عامّ ،
وهي كلماتٌ أومَعانٍ تشترِك فيما بينها في عناصر أو خصائصَ دلالية مشتركة،
وبذلك تكتسب الكلمة معناها من علاقاتها بالكلمات الأخرى
وتُعدّ مَعاجمُ الموضوعاتِ أوالرّسائلُ اللّغويّة التي ألَّفها اللغويّونَ العربُ مصنّفاتٍ في إطارِ “الحُقول الدّلاليّة”
نستطيع أن نتحدّث عن الحقل الدّلاليّ للإنسان ، والألوان ، والعِلْم …إلخ…
الحقل الدّلاليّ للقرابَة يضمّ الكلماتِ ذاتِ الصّلَة بالقَرابَة كالأسرة والعائلَة والأقارِب والإخوة والأعمام و الأخوال والجدود
والأولاد والأحفاد …
والحقلُ الدّلاليّ العامّ كالقرابَة أو الإنسان أو الألوان ، يتميّزُ باتّساعِ المساحَة والغِنى بالخصائصِ الدّلاليّة
وكلّما فرّعْنا الحقلَ الدّلاليّ العامّ إلى فروعٍ أو أقسامٍ تنحدر منه ، ضاقتْ مساحَةُ الحقل
فحقلُ الألوان أعمّ من حقلِ الألوان الدّاكنَة و حقل الألوان الدّاكنة أعمّ من حقل اللّونِ الأسود …
وحقل الأعمام أخصّ من القرابَة …
—-
س – إلى أي درجة يمكن للسانيات أن يفاد منها في دراسة قضايا بلاغية ونفسية في القرآن الكريم؟ج – النّصّ القرآني مفتوح أمام المناهج الأدبية و اللّسانية و النّقدية الحديثة التي يمكن أن تكشف عن مراميه الدّقيقة وأهدافِه السّامية، و مفتوح أمام ما جدّ من نظريات علمية صحيحة و طرائق نقدية يمكن أن تؤسَّسَ لتفسيرٍ حضاري يكشف الروابط بين معاني الآيات و روح العصر و سنن الاجتماع
ونُظُم العمران .و ليس التّجديد في خطّة التّفسير ابتداعا و أمرا مُحدَثا على غير قياس ، فقد سبق للمجتمع الإسلامي قديما أن وجد نفسَه في مواجهة ثقافة غريبة عنه هي ثقافة اليونان
إنّ الانتفاع بالمناهج الحديثة في معالجة معاني الآيات يحتاج إلى ضوابطَ َ تعصمُ التّفسيرَ الحديثَ من مزالق الإسقاط ِ و من تَحميل النّصّ ما لا يحتمل ، و تُمكِّنُ من الانتفاع من الجديد في حلّ مشكلات المجتمع الحديث ، دون التّحرُّج من مجاوزة حرفيّة النّصّ و الرّبط المُوفَّق الدّقيق بين مرمى النّصّ القرآني
و بين مشكلات المجتمع العاصر.ألا يحقُّ أن نقولَ إنّ التفسير علم يُفهَم به كتاب الله المنزّلُ على نبيّه صلّى الله عليه وسلَّم
و تُبيَّنُ به معانيه و تُستخرَج أحكامُه ، و يُستَمَدّ هذا البيانُ ، و ذلك الفهمُ من علوم التّفسير المعروفة و علوم الآلة ، مُضافاً إليها ما جدّ من من مناهج العلوم الإنسانية
وخاصّةً علم الاجتماع و اللّسانيّات ، فيدخل في التّفسير كلُّ نشاط ثقافيّ يعتمد في تأسيس البيان والفهم و الاستنباط على ما جدّ من معارِف ممّا يتناسَبُ و روحَ النّصّ ولا يُعارِضه، و ممّا يكشفُ عن زوايا و جوانبَ في النّصّ المفسَّر
لم تُوفِّها الأدواتُ السّابقةُ حقَّها من البيان و الإيضاح .و إنّ الاستفادةَ من مناهج العلوم الإنسانية لَمِمّا يوسّع دائرةَ التّفسير و يمدّد أفُقَه ليشملَ ألوانا من مناهج النّظر إلى النّصّ القرآني .
قديما قال ابنُ جنّي عن اللهجات العربية: اختلاف اللغات وكلُّها حجّة، وحديثا قال شومسكي رائد المدرسة التوليدية التّحويلية: اختلاف اللغات أمر ثانوي مُتجاوز، تكمن خلفه قواعد كلّيةٌ تحكم اللغات البشريةَ قاطبةً
لقد عاد الجدل حديثاً بين:
– أنصارِ اللسانياتِ الكلّيّة، الذين يقولون بوجود قواعد مشتركة بين المتكلمين هي قواعد النحو الكلّيّ، مستقرة في مخزون المتكلمين قاطبة، الذين لا يفزعون إلى هذه القواعد إلا لانتقاء ما يناسب لغاتهم ، ويوسّطون في الانتقاء وسائط لتثبيت القيم المناسبة ، تنتهي بالمستعمل اللغوي إلى تنزيل مبادئ النحو الكلي ومقاييسه على لغته الخاصة، فيتم الانتقال من الكليات إلى الجزئيات والأنواع .
– وأنصار اللسانيات النمطيّة أو النّسبيّة التي تذهب إلى أنّ لكل لغة خصائصها الخاصة، وتُعَدّ اللسانيات النمطية اتجاها رائدا في مجال التقعيد للغة، وهي نظرية أولوياتها فرضيات مِراسية، وموضوعها اللغات البشرية المستقلة بأبنيتها المتغايرة، وغايتها إقامة أنحاء نمطية، فرضيتها الأولى: كون اللغة البشرية ملكة كسبية وليست بنية طبعية، وأن اللغة كغيرها من الوضعيات متقومة الذات من أربعة مبادئ: المبدأ الدلالي والمبدأ التداولي والمبدأ الوضعي للوسائط اللغوية والمبدأ الصوري: محتوى المبدأين الأول والثاني كليات لغوية تنعكس في الخصائص المشتركة بين كل اللغات البشرية، ومحتوى المبدإ الثالث وسائط اختيارية تجبر اللغات على التغاير المتناهي، وينعكس أثرها في الخصائص النمطية التي تعم طبقة من اللغات دون غيرها، أما المبدأ الرابع فإن محتواه يتشكل من مجموعات التصويتات المستعملة في اللغات ومن قواعد تراكبها عبر مختلف المستويات، بدءا من المقطع وانتهاء بأعقد مقولة كالجملة أو الخطاب.
انظر: [الوسائط اللغوية ج1: أفول اللسانيات الكلية، ج2: اللسانيات النسبية والأنحاء النمطية، د.محمد الأوراغي، دار الأمان، الرباط، 2001 م]
عَوْدٌ إلى اخْتِلافِ اللُّغاتِ، واللِّسانِيّاتِ النِّسْبِيَّةِ
أَجَل ، لقد عرفَ البحثُ اللّسانيّ العربيّ اليَوْم بُزوغَ نظريّةٍ جديدةٍ هي نظريّة “النسبيّة” أو “النّمطيّة” في اللسانياتِ، وصاحب النظريّة الرّائدةِ هو د محمّد الأوراغي، صاحبُ كتابِ
“الوسائط اللغوية (ج1: أفول اللسانيات الكلية، ج2: اللسانيات النسبية والأنحاء النمطية، ط. دار الأمان، الرباط)
ردّا على دعوىِّ اللِّسانِيّاتِ الكلّيّةِ التي تتبنّاها المدرسةُ التّوليديّةُ، تستغرِقُ الأنماطَ اللّغويّةَ قاطبةً؛ وذلِك لأنّها تنطلِقُ في مشروعِها المتعلِّق بالنَّحو الكلّيّ من أنماطٍ لغويّةٍ مُتغايرةٍ؛ فلا ينبغي أن نُطبِّقَ مُقرّراتِ النّحوِ الإنجليزيّ على النّمطِ العربيّ، ولا ينبغي أن يَستغرِقَ نمطٌ ما كلَّ اللغاتِ البشريّةِ أو جُلَّها؛ لأنّ نقلَ القاعدةِ إلى خارِجِ نمطِها يثعدّ نقضاً لخصوصِيّةِ اللغاتِ، فلا ينبغي إذاً توسيعُ الإطارِ النّظريّ لأحدِ الأنماطِ اللّغويّةِ ليتناولَ النّمطَ الآخَر، أي لا ينبغي تحويلُ نحوٍ نسبِيّ إلى نحوٍ كلّيّ، مع العلمِ أيضاً أنّ نحوَ شومسكي لم يستقرَّ على حالةٍ واحدةٍ منذ عقدٍ كاملٍ من الزّمانِ.
و لهذا يقترِحُ الباحثُ المذكورُ ، إقامةَ نظريّةٍ لسانيّةٍ نسبيّةٍ من شأنِها أن تؤطِّرَ أنحاءً نمطيّةً، نظريّة نسبيّة تقوم وسطاً بينَ لسانيّات كلّيّة وأخرى خاصّة، وأهمّيتُها في أنّها لا تحوِّل نحواً نمطيّاً إلى نحوٍ كلّيّ و لا تُعمّمُه، ولكنّها تُؤطِّر اللّسانيّاتِ الخاصّةَ وتضمّ ما فيها من أوصافٍ منسجمةٍ
ولتحقيق هذه الغايةِ يرى ضرورَةَ إثباتِ قِيامِ نظريّةٍ لسانيّةٍ نسبيّةٍ منافِسةٍ لنظريّةٍ لسانيّةٍ كلّيّةٍ، والعملِ على نقضِ دعائمِ نظريّةِ النّحوِ الكلّيّ. يعملُ هذا التّوجّه على سبرِ الممكنِ من الأنحاءِ والمُفضي تحقُّقُها في اللُّغاتِ البشرِيّةِ إلى تجميعِها في أنماطٍ لغويّةٍ. ومن هذِه الفرضيّاتِ الممكنةِ الفرضيّة الكسبيّةُ؛ فهي فرضيّةٌ تتصوّرُ اللّغةَ مَلَكَةً صناعيّةً تقومُ ماهيتُها على تضافُرِ أرْبَعَةِ مَبادئَ: المبدأ الدّلاليّ، والمبدأ التّداوُليّ،والمبدأ الوضعِيّ للوسائِط اللّغويّة، والمبدأ الصّورِيّ. فأمّا الدّلاليّ والتّداوُليّ فإنّ محتوياتِهِما كلّيّةٌ بَحْتة، وأمّا الصّورِيّ فإنّه يحتوي على نسَقٍ من المبادئِ والقواعِدِ النّمطيّةِ المتحكِّمَةؤ في تكوينِ بنيةٍ قوليّةٍ تتقاسَمُها لُغاتٌ من النّمطِ نفسِه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظُرْ:
أوّلاً: الوَسائط اللّغويّة، ج1: أفول اللسانيات الكلّيّة، ج2: اللسانيّات والأنحاء النّمطيّة، دار الأمان للنشر والتّوزيع، الرّباط، ط.1، 1421هـ-2001م
ثانياً :
الوظيفيّة بين الكلّيّة والنّمطيّة، د.أحمد المتوكّل، دار الأمان للنشر والتوزيع، الرباط، المغرب، 2022
وكتابُ د. أحمد المتوكل جاءَ بعد كتاب د.محمد الأوراغي وتالياً له، مما يُفيد أنّ الكتابَ الأوّل مبشّر ببزوغ النظرية النسبية النمطيّة في اللسانيات
1- الكلّيات اللغويّة
تدعى النظرية اللسانية الواصفة والمفسرة، للغة البشرية قاطبةً، بنظرية النحو الكلّيّ (Universal Grammar)
والقول بقواعد النحو الكلي هو قول بظاهرة التعميم أي تعميم مجموعة من المبادئ العامّة على سائر الأنحاء الخاصة، وهو قول بأن اللغات الخاصة التي توصف بتلك الأنحاء الخاصة، تحكمها قواعد عامة كلّيّة، هي قواعد النحو الكليّ، ولا بدّ من ظاهرة التّعميم (Generalisation) في جسم النظرية حتى يصحّ نعتُها بأنها نظرية لسانية عامّة أو كلّيّة تقوم على وجود ثوابت عميقة تحكم الظواهر اللغوية – أصواتها، وتراكيبها ، ومعجمها ، وصرفها ، ودلالاتها – وقواعد لغوية ترتد إليها الأجزاء والآحاد ،و لا بدّ لكي تتحقق صفة التعميم والكلّيّة في النظريّة من اطراح عوامل الاختلاف والتنوع في اللغات، التي هي عناصر محلية لا انتساب لها إلى المبادئ والقواعد الكلية، وإنما هي محكومة بقواعد أخرى تؤول المختلفات وتفسرها بمتغيرات القاعدة الكلية الواحدة وتنوع أوجهها، وتسمى هذه المتغيّرات التي تفسر الخصوصيات بالوسائط أو الباراميترات (Parametres)
قواعد النحو الكلّيّ قواعد كلية مستقرة في مخزون المتكلمين قاطبة ،الذين لا يفزعون إلى هذه القواعد إلا لانتقاء ما يناسب لغاتهم ، ويوسّطون في الانتقاء وسائط لتثبيت القيم المناسبة ، تنتهي بالمستعمل اللغوي إلى تنزيل مبادئ النحو الكلي ومقاييسه على لغته الخاصة، فيتم الانتقال من الكليات إلى الجزئيات والأنواع
أمّا وسائط الاختلافِ بين اللّغاتِ في تطبيق الكلّيّاتِ فتُفيدُ أنّ شومسكي في بنائه لنماذِجه “المبادئ والوسائط” و”الكلّيّات…” يحاولُ توسيعَ هامش المرونة الصّوريّة فيها، وتطويرَ قدرتِه على الارتقاء في مراتبِ الكفايةِ والمُناسبَة بِما يجعلُه صالحا لأن يُعتَمَدَ مرجعاً في تفسيرِ الفروق بين اللّغاتِ…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر:
– نظرية النحو الكلي والتراكيب اللغوية العربية دراسات تطبيقية، د. حسام البهنساوي، مكتبة الثقافة الدّينية، 1998
– من قضايا الأشباه والنّظائر بين اللغويات العربية والدّرس اللساني المعاصر، د. عبد الرحمن بودرع، نشر: حوليات الآداب والعلوم الاجتماعية، جامعة الكويت، الرسالة:227، الحوليّة:25، مارس 2022
– قراءات في اللّسانيات التّوليديّة، من العامليّة والرّبط، إلى البرنامج الأدنى، اللّغة النَّظريّةالتّوليديّة من “بلاغة الإطناب” إلى “بلاغة الإيجاز”، ج:2، د.رشيد بوزيان، نشر: نادكوم، 1999.
– Formal Parameters of Generative Grammar, I: Yearbook 1985 by Ger de Haan, Wim Zonneveld, Author(s) of Review: Thomas F. Shannon
********, Vol. 62, No. 4 (Dec., 1986)
قام نموذَج المَبادئ والوَسائط (Principles and Parameters) على افتِراض وجود نحوٍ كلّيّ هو عبارةٌ عن مبادئ كلّيّة ثابتةٍ ومستقلَّةٍ عن اللّغاتِ الخاصّة، بل مشتركةٍ بينها، وافتِراضِ وجود وَسائطَ إلى جانبِ النّحو الكلّيّ ترتبِطُ بِما تَرسّبَ عن القواعِدِ الخاصَّةِ المميِّزةِ للغاتِ، ولكنّ إمكاناتِ التّنوّع بين اللّغاتِ مُقيَّدٌ، وكلُّ وسيطٍ يقترِنُ بسماتٍ صرفيّةٍ معيّنةٍ.
وقد بحثَ في موضوع التَّوسيطِ الباحث اللّسانيّ (Jespersen 1927) الذي ذهَبَ إلى أنّ التّركيبَ يُترجِمُ ما هو مُشتَرَك بين اللّعاتِ بِخلافِ الصّرفِ، وعليهِ يُنتَظَرُ أن يَكونَ هناك نظامٌ حسابيّ واحدٌ (Computational System) ونظامٌ معجميّ واحدٌ مشتَركانِ بين اللّغاتِ، وأن يكونَ التّنوّع والاختِلافُ محصورَيْنِ في بعضِ السِّماتِ الصّرفيّة المُوسَّطَةِ بين قواعدِ النّحوِ الكلّيّ والقواعِدِ الخاصّةِ. وهذا ما يُفسِّرُ الافْتراضَ النّظريّ للنّظريّةِ التَّوليديّةِ بأنّه لا توجدُ إلاّ لغةٌ واحدةٌ أساساً على الرّغم من عناصرِ التّباعدِ والتّنوُّعِ بين اللّغاتِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
انظر:
– البناء الموازي: نظرية في بناء الكلمة وبناء الجملة، د.عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنّشر، 1990
– المقارنة والتّخطيط في البحث اللّساني العربي، د.عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنّشر، 1998
3- البَرْمانَجُ الأدْنى:
البَرنامَجُ الأدْنى (Minimalist Program) برنامجٌ ذو توجّهٍ تفسيريّ، يرومُ بلوغَ التّفسيرِ عبرَ ما يُسمّى بـ”الأدنويّة” (Minimalization)، وهي نهجٌ نظريّ مفادُه أن يقومَ العلمُ بتغطيةِ أكبرِ عددٍ من الوقائعِ والتّجاربِ عبرَ استنتاجاتٍ منطقيّةٍ مرتبطةٍ بعددٍ قليل من الافتِراضات والمُسلَّمات. وهو مفهوم مرتبطٌ بالبساطةِ (Simplicity) والاختصارِ (Reduction) والاقتصار (Parcimony) .
وبِناء على مبدإ “الأدنويّة” ينبغي إعادةُ النّظرِ في النّسيجِ النّحويّ حتّى نتمكّنَ من التّبسيط والحذفِ وإعادة الهيكلة، وقد ركّز شومسكي (1995)
[The Minimalist Program for Linguistic Theory, Cambridge, Massachussets]
على التّقليص من مستوياتِ التّمثيل النّحويّة وكيفية بناء التّمثيلات أو معالجة المعلومات الصّوتيّة والدّلاليّة والمنطقية، فقد انحصرت مستويات التّمثيل النّحويّة في البرنامج الأدنى في مستويين اثنيْن (هما: التّمثيل الصّوتي أو الصّورة الصّوتية، والتّمثيل المنطقي أو الصّورة المنطقيّة) بدلاً من أربعة مستويات كان يتضمَّنُها نموذج الرّبط العامليّ (وهي المعجم والبنية العميقة والبنية السّطحيّة والصورتان الصوتيّة والمنطقيّة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
– انظر المرجع أعلاه: The Minimalist Program for Linguistic Theory
المقارنة والتّخطيط… د.عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنشر، 1998 –
4- ما مَكانُ البنيتيْنِ العميقةِ والسّطحيّةِ من البرنامجِ الأدنى؟
في سياقِ الحَديثِ عن دَوْرِ البرنامجِ الأدنى في تقليصِ مُستوياتِ التَّمْثيلِ النّحويّةِ، إلى تَمثيلٍ مجرَّدٍ للصّوتِ أو ما يُعرفُ بالصّورةؤ الصّوتيّة، وتمثيلٍ مجرّد للمعنى أو ما يُعرَفُ بالصّورةِ المنطقيّة، وهما مستوَيانِ لا يُمكن الاستغناءُ عنهُما أو تَجاوُزُهُما لأنّهما مستويانِ تمثيليّانِ في الواجهةِ (Interface levels)، ومتّصلانِ بنسقينِ خارجيّينِ بالنّسبةِ إلى النّحو: نسق يتّصلُ بالإدراكِ والنّطق، ونسق يتّصلُ بالتّصوّر والقصدِ.
أمّا المستويانِ الآخرانِ: البنية العميقةُ والبنيةُ السّطحيّة فهما مستويانِ داخليّان وليسا في الواجهةِ ولا يُزوِّدانِ أيّ نسقٍ خارجيّ، يعني ذلك أنّ المستوياتِ انقسَمَتْ إلى مستوياتٍ خارجيّةٍ رئيسةٍ، ومستويات داخليّة ثانوية، وأنّ الرّئيسةَ برزتْ إلى واجهةِ تمثيلِ الجُمْلة وأمّا الدّاخليّة فظلّتْ خلفَ الأولى. ولا ننسى أنّ المعجم مستوى في التّمثيلِ لأنّه يزوِّدُ المستويين الخارجييْنِ حيثُ يتضمّن مفرداتِ اللّغة، وكلّ مدخلٍ معجميّ يشتمل على ثلاثِ مجموعاتٍ من السِّماتِ: سماتٍ دلاليّة، وأخرى صوتيّة، وأخرى تركيبيّة، وأنّ الدّلاليّة والصوتيّةَ ينبغي أن تكونَ حاضرةً ومؤوَّلَةً في النّسقين الخارجييْنِ (نسق الإدراكِ والنّطق، ونسق التصوُّر والقصدِ، وأمّا السّماتِ التّركيبيّة في المعجمِ فإنّها تتضمّن المعلومات والمَقولات النّحويّة كالفعل والاسم والحرف… وتتضمّن أيضاً معلومات الإحالة والمُطابقة كالشّخص والعدد والجنس… ودورُ كلّ هذه السِّماتِ هو تعيين الوضعِ التّركيبيّ للكلماتِ
وهكذا فإنّ نموذَجَ النّحوِ في البرنامجِ الأدنى قد أخّر رتبة البنيتيْنِ العميقةِ والسّطحيّةِ إلى درجة الاستغناءِ عنهُما، لما يترتّبُ على افتِراض وجودِهِما من مشاكلَ تجريبيّةٍ، من ذلك أنّ العميقةَ مستوىً توجدُ فيه ممثَّلَةً كلّ المقولاتِ النّحويّة التّركيبيّة، وتُدرجُ فيها كلُّ المعلوماتِ في آنٍ واحدٍ، من دون تدرُّجٍ.
وفي المُقابِلِ اعتمدَ البرنامجُ الأدنى: التَّحْويلاتِ المُعمَّمَةَ (Generalized Transformations) بدلاً من البنيةِ العميقةِ، مثل عمليّة الضّمّ (Merge) والولوج المعجميّ (Lexical access). أمّا السّطحيّة فيُستغنى عنها وتُعوَّضُ بعمليةالقِراءةِ والتّأويل أو ما دَعاه د.عبد القادر الفاسي بالتّهجيّة
ــــــــــــــــــــــــــــ
انظر:
– تركيب اللغة العربية، مقاربة نظرية جديدة، محمد الرحالي، دار توبقال للنشر: 2022
– قراءات في اللسانيات التوليدية، من العامليّة والرّبط إلى البرنامج الأدنى، رشيد بوزيان، نشر شركة نادكوم 1999
– المقارنة والتّخطيط في البحث اللّساني العربي، د.عبد القادر الفاسي الفهري، 1998
6- نظريّةُ الصَّرْفِ المُوَزَّع
يتعلَّقُ الأمر بتحليلٍ لتوزيع السِّماتِ واللّواصق في تصاريف الأفعال
ورد في اقتراحاتٍ كثيرةٍ، مِنها ما ورَدَ في اقتِراحِ هالي ومرنتز
M. Halle and A. Marantz: Distributed Morphology and the Pieces of Inflection (1993)
ومن هذِه الاقتِراحاتِ:
– أنّ السِّماتِ التّركيبيّةَ والسِّماتِ الصِّواتيَّةَ [انظر تعريف الصِّواتة في المستويات اللّسانية، ضمن موادّ هذا المنتدى] تمثِّلانِ مجموعتيْنِ مستقلّتَيْن (ولا تقترِنانِ إلاّ في مرحلة متأخّرة من مراحلِ الاشتقاق)،
– وأنّ اللَّواصق وحداتٌ معجميّة تأتلف من جذور معجميّة (Lexemes) أو لواصق أخرى لتكوين كلماتٍ مركّبة
– وأنّ المفرداتِ Vocabulary تتّجه إلى العُقَد التّركيبية .
– وأنّ البنيةَ الصّرفيّةَ مكوِّن مستقلٌّ من مكوِّناتِ النَّحو .
ويقترح هالي ومرنتز نموذجا للتمثيل النّحوي دُعيَ بنموذَج الصّرف الموزَّع، تُؤلَّفُ العمليّاتُ التّركيبيّة بين العُقَد النّهائيّة لتكوينِ الكلماتِ قبل أن يقع دمجُ المفرداتِ في شجرةِ التّمثيلِ، ويفترض نموذَج الصّرف الموزَّع أنّ التّنظيمَ التّراتبيّ أو الهرميّ للكلماتِ أو اللَّواصق يحددّه التَّركيبُ.
ويقترحُ هالي ومرنتز قاعدة انشطار Fission يتمّ بموجبِها شَطرُ عُقدةٍ تركيبيّة واحدةٍ(تضمّ كتلةً من الضّمائرِ المتّصلة) إلى عُقدتَيْن نهائيّتيْن إحداهُما مستقلّةٌ عن الأخرى، ممّا ينتج عنه إمكان دمج مفردتيْنِ مستقلَّتَينِ بدلاً من مفردةٍ واحدة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وللنّظريّة تفاصيل كثيرة يمكن مراجعَتُها في :
M. Halle and A. Marantz: Distributed Morphology and the Pieces of Inflection (1993
المقارنة والتَّخطيط في البحث اللساني العربي، د.عبد القادر الفاسي الفهري، دار توبقال للنشر، 1998م
من هذا المنطلق، يمكن القول إن التداوليات حقل لساني يهتم بالبعد الاستعمالي أو الإنجازي للكلام ويأخذ بعين الاعتبار المتكلم والسياق.
أما المعنى التّداولي أو المعنى البراغماتي :
فهو المعنى الذي يتعلّق بوظيفة الكلام، وهي الرّبط بين بنية اللسان الطّبيعيّ ووظيفتِه الأساس، هذه الوظيفة الأساس هي التّواصل داخل مجموعة لغويّة محدّدة، واللسانيات التداولية تدرس علاقات البنية اللغوية بالمتكلم والمُخاطَب. أي المعاني التي تدور في فَلَكِ الحوار ودائرة المُحادَثات أو التّواصُل الكلاميّ بين أطرافِ الكلام.
إنّ اللسانيات التّداولية تركّزعلى البعد العملي للمعنى أي معنى المحاورة بين أطراف الكلام.
وتعمل التداوليات بحكم كونها لسانيات ذات اهتمامات عمليّة براغماتيّة، على وصف فعل المحادثة وتفسيرها؛ مستخدمةً في ذلك مجموعة من المبادئ والمفاهيم الوصفية، كمبدإ التعاون ومبدإ الاحترام ، وغيرها من المبادئ التي تضبط سير المحادثات بين المتكلِّمين