التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

مجموعة من الدروس في العلوم السياسية

المحاضرة الأولى:
http://videos.najah.edu/node/1298
المحاضرة الثانية:
http://videos.najah.edu/node/1322

المحاضرة الثالثة:
http://videos.najah.edu/node/1334
المحاضرة الرابعة:
http://videos.najah.edu/node/1356

لمحاضرة الخامسة:
http://videos.najah.edu/node/1575
المحاضرة السادسة:
http://videos.najah.edu/node/1427

المحاضرة السابعة:
http://videos.najah.edu/node/1450
المحاضرة الثامنة:
http://videos.najah.edu/node/1457

المحاضرة التاسعة:
http://videos.najah.edu/node/1457
المحاضرة العاشرة:
http://videos.najah.edu/node/1515

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الشيوعية

الشيوعية:

المقصود بالشيوعية: هي الشيوع (الانتشار) اي لا اعتبار للملكية الفردية وانما يشاع الامر بين الناس..

يجدر الاشاره ان المذهب الشيوعي والاشتراكي هما مذهب واحد يتلخص كل منه بشعاراته حيث ان النظام الاشتراكي يتلخص “انه لكل عمله ولكل حسب جهده ” .. اما النظام الشيوعي فان”لكل عمله ولكل حسب حاجته “..
الشيوعية مرحلة تاريخية الحقت بالاشتراكية وهي الاخرى التى قامت على الغاء الملكية الفردية وجعلها ثروة مشتركة بين الناس وتقسم بالتساوي وبذلك يمنع الفرد من ان يمتلك الزائد عن حاجته…
أجدر بالذكر ان الشيوعية كمبدأها فهي قائمه على نفي الدين أي نفي مبدأ الحياة المنطقية فعند محاربة مبدأ منطقي في الحياة فانهم يصلون الى مرحلة الكفر والجحود فاعتبار مؤيدين الفكر الشيوعي واعضاء هذا المذهب قد وصلوا لهذه المرحلة شيء مسترسل فقد كفروا بقوانين الهية واحكام سماوية وضعها الرب جلا علاه لحكمة ولاسباب تكمن لاعمار الارض والانتاج واتمام الحياة حيث ان اعتقاداتهم وافكارهم كانت تنافي هذا الحكمة فكانت شعاراتهم تتلخص في جعل الناس جميعا سواسية في الملك والقوة وهذا شيء ينافي حكمة الخلق والحياة فأردت ان اوضح رأيي فوصلت الى انه هل باستطاعت هؤلاء البشر وضع ما هو أفضل او انسب مما وضعه العلي القدير رب العالمين …..؟ والعياذ بالله بالتأكيد لا.

وارجع الى ما بدأت به اذا فهم نفوا الدين وأبطلوه بمبدأ ان الدين مخدر الشعوب ومسيطر العقول والارادات ولذلك أعلنوا الالحاد الصريح ونفي وجود الخالق

وأصل هذا المذهب انما هو من وضع اليهود الذين أرادوا به ابطال الاديان والسيطرة على الناس بنزعهم من أي عقيدة ينتمون اليها..

شيوعية المرأة؟ام شيوعية الرجل؟

أردت استوضاح معنى الشيوعية اللغوي بطريقة اخرى لتصل الفكرة بطريقة اسهل ولأضع طابع التنوع والتغيير في بحثي او موضوعي.

اذا اريد الاشارة اولا الى تفسير مصطلح من موضوعنا وهو زواج الضمد ….زواج الضمد : اشتراك مجموعة رجال في امراة واحدة حيث الذى يتطلب بهذا النوع من الزواج هو الرجال واسياد بعض القبائل بسبب الحاجة وقلة الموارد البشرية من النساء وازدياد في أعداد الموارد البشرية من الرجال وتراجع في أعداد النساء..

كانت النساء العربيات يتزوجن في الجاهلية زواج الضمد بحيث تنكح المرأة أكثر من رجل واحد أي (اشتراك مجموعة رجال في امرأة وحدة’) وللعلم فان هذا النوع من الزواج ليس متطلبا نسويا بل كان متطلبا ذكوريا…فأصل هذا الزواج كان بدافع رغبة الرجال وليس من منطلق رغبة النساء به حتى انه علميا ليس للمرأة رغبة بتعدد الازواج بقدر رغبة الرجل .
أود تقسيم أسباب هذا الزواج الى قسمين او سببين حتى توضح الفكرة[COLOR=”royalblue”

أولا:ظروف واسباب اقتصادية:

وهي انه كمان اوضحت سابقا أنه في الجاهلية كان رجال القبيلة من شدة الفقر يشتركون بكل شيء حتى في المرأءة وهنا نقول ان شيوعية المراءة ان صح التعبير والذي برأيي أن معنى هذا المصطلح أساسا هو عكس ما تتوقع وهو شيوعية الرجل خلقت كمتطلب اقتصادي وهنا نصل لنقطة مهمة ان وأد البنات هو نظام ظهر قبل نظام الزواج الغمد حيث كان الأباء تأد بناتها وتقتلهم ليس بدافع الدفاع عن الشرف بل بسبب أن البنت الصغيرة والتى لم يكن يجد العرب لها غذاءا كانوا يقتلونها ويبقون الذكور يكبر الذكور ولا يجدون نساء تكفيهم فأين وصلنا….؟ لفكرة قبول اشتراك اكثر من رجل واحد في امرأءه واحدة.

ثانيا:ظروف واسباب بيولوجية:

ومنعا للاطالة نجد ان الانسان في العصور الحجرية وما قبلها لم يكن يعلم ان جماعه ونكاحه مع النساء ينجب الاولاد بل كان يؤدي دوره الجنسي كما يؤديه اي بهيمة لذلك فان شيوعية النساء عندهم أمر طبيعي وليس مخجلا او عيبا ..

كارل ماركس
(1818-1883)

اردت استجماع المعلومات واستكمالها بالتحدث قليلا عن كارل ماركس مؤسس الفلسفة الماركسية والمنظر الرسمي الاساسي للفكر الشيوعي هو مع صديقه فريدريك انجلز
كان ماركس فيلسوف الماني يهودي الاصل واتبع البروستاتيه بعد ذلك . اكتسب شهرته العالمية حيث ألف نظريته المتعلقة بالرأسمالية وتعارضه مع مبدأ أجور العمال أوصله ذلك الى شهرته والجدير بالذكر انه منذ أن جمع المصير ب ماركس وانجلز حتى اصبح عمل حياة الصديقين عملا مشتركا.
درس ماركس القانون بالوقت الذي كان يملك فيه الحس الفلسفي والاهتمام بالفلسفة التى ابرع بها .وقام بتقديم رسالة الدكتورة في الفلسفة وحاز عليها عام 1840 .

كانت بداياته بكتابة المقالات في المجلات والصحائف حيث كانت تتسم مقالاته بالنقد لوضع السياسة والاوضاع الاجتماعية المتردية المعاصرة فهو صاحب مقولة”الدين افيون الشعوب لان الدين لا يشجع الفكر الحر الذي ينتج بل يبقيهم كالمخدرين دون طموح للتقدم والتغيير”

انتقل ماركس من المانيا الى باريس وهناك دأب على قرأة الفلسفة والتاريخ والعلوم السياسية وتبنى الفكر الشيوعي.

نبذة مختصرة عن الحزب الشيوعي في لبنان:

أسس الحزب الشيوعي اللبناني رسميا في 24 تشرين الاول (اكتوبر)1924 تم تأسيسه في بلدة الحدث من ضواحي بيروت الجنوبية حيث تأثر أصحاب المهن الحرة وكتابا وصحافيين والذين استمدوا من شعارات الثورة الفرنسية في الحرية والعدالة و الاخاء ومما تمكنوا من الاطلاع عليه من كتابات ماركس وانجلز وغيرها ومتأثرين بوهج الثورة الروسية .

الحزب الشيوعي اللبناني هو أقدم حزب في لبنان وهو يتميز بأنه يصف في صفوفه مناضلين من مختلف الطوائف اللبنانية ..ومن الاقليات القومية الموجودة في لبنان ولاسيمه أكبرها (الأقلية الارمنية) وهي تنتشر في كل المناطق والمدن اللبنانية. على خلاف نشوء احزاب شيوعية أخرى في المناطق وخارجها نشأ الحزر دون اي تدخل خارجي مباشر بل تطور داخلي هادىء وطويل نسبيا تلبية لطموحات عناصر متقدمة الوعي من العمال والمثقفين. ومن ابرز رئساء الحزب الشيوعي اللبناني :(فرج الله الحلو) الذى انتخب 1944 …. وفي عام 1969 في سوريا احرق فرج الله الحلو بالاسيد بعد قرار سوري مصري للقضاء على قادة الحركة الشيوعية.

نبذة مختصرة عن الحركة الشيوعية في الجزائر:

ظهرت اولى تشكيلات الحركة الشيوعية في الجزائر عام 1926 اثر تأسس حزب نجم شمال افريقيا وكان مؤسسه الأب الروحي للحركة الوطنية في الجزائر مصالحي الحاج .

نشأ الحزب الشيوعي الجزاثري في (يناير) كانون الثاني 1966 والذي كان امتداده صريحا للحزب الشيوعي الفرنسي واهتم بشكل كبير بالأدب وخاصة المسرح والرواية فظهر الكتاب والصحفيين حاملين الفكر اليساري وبذلك انتشرت هذا الفكر ليقتحم الثقافة الجزائرية.

أصول الحزب الشيوعي في الجزائر متعدد الوجهات حيث فيه من لهم أصول امازيغية بربرية وقدم من أسر ثرية على غرار محمد بن شيكو والطاهر جاووت وأخريين أتو من الطبقة الكادحة و أسر مغرقة في الفقر والضياع على غرار الراحل يوسف سبتي جيلالي يابس والرفيقة لويزة حنون .

ومايجدر بالذكر انه ظل الحزب الشيوعي الجزائري على صلة وثيقة بالحزب الشيوعي الفرنسي مماجعله رهينة للطروحات اليسارية وأبعده اكثر عن الاهتمام بالقضايا الجوهرية للشعب الجزائري وقد أثر عليه في الارتباط اذ أصبح يأخد بتوجيهات موريس توريز زعيم الشيوعيين الفرنسيين ولذلك لم يتعاطف مع الجزائريين أثناء مجازر 1945 بل واكثر من ذلك اعتبر الجزائريين فاشيين ونازيين ووقف الحزب ضد الحركة الوطنية في اغلب المواقف اذ رفض الانضمام الى حركة أحباب البيان سنة 1944 وواصل تتصدى لمطالب الشعب الجزائري حتى اندلاع الثورة التحريرية اذ اعتبرها عملية انتحارية وان الدولة الجزائرية مازالت في طور التكوين.


[/COLOR]


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الأزمة الاقتصادية أسبابها و تأثيراتها

أهم عوامل وأسباب الأزمة

يمكن القول بان نمو الفوائض المالية في العالم نتيجة عدة عوامل أهمها زيادة غير مسبوقة بأسعار النفط وتحقيق بعض بلدان العالم لمعدلات نمو كبيرة أدى إلى زيادة في الإيداعات في المصارف العالمية ، وفي الولايات المتحدة عززت بعض الظروف السياسية اتخاذ قرارات باتجاه خفض الفوائد على الإقراض هذه الأمور مجتمعة أدت إلى توفر ما يمكن تسميته بـ “المال السهل”. هذا المال الذي ذهب كتلة كبيرة منه باتجاه القروض العقارية ذات التصنيف الائتماني المنخفض ، أي القروض التي أعطيت بضمانات غير كافية ، أدت إلى نشوء طفرة في القطاع السكني وارتفاع أسعار العقارات

والسبب الرئيسي للازمة كما يرى الدكتور فؤاد شاكر رئيس اتحاد المصارف العربية هو التوسع الكبير في القروض العقارية في السوق الأمريكي اعتمادا على الارتفاع الكبير في أسعار العقارات. لكن مع تراجع النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة تراجعت أسعار العقارات من جهة، وتوقف مقترضون عن سداد ديونهم للبنوك مع زيادة البطالة من جهة أخرى ، وبالتالي وجدت البنوك أنها لا تستطيع بيع العقارات لاسترداد قيمة القروض لان قيمة هذه العقارات، ببساطة، أصبحت اقل كثيرا من قيمة القروض. والنتيجة، حسب وصفه، ان فقاعة القروض العقارية قد انفجرت.

ويضيف الدكتور إبراهيم البدوي الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي ، ان المؤسسات المالية تشتري سندات مالية securities بضمان الديون العقارية، وهذه السندات المالية يتم إعادة إنتاجها وإعادة بيعها في السوق الموازية Secondary market عدة مرات طالما ان هناك من يشتريها، بمعنى آخر يتم تداول القروض العقارية في الأسواق دون رقابة ودون ضوابط. صحيح ان تدوير رؤوس الأموال يؤدي إلى خلق فرص تمويلية جديدة ، لكنه أيضا يحمل مخاطر كبيرة ، خاصة وان جانبا كبيرا من هذه القروض العقارية تصبح بلا ضمان إذا انهارت أسعار العقارات ، وهو ما حدث.
جذور الأزمة ، تطورات التمويل العقاري

شهدت نظم التمويل العقاري تغيرات كبيرة في العديد من الاقتصادات المتقدمة. فحتى الثمانينيات، خضعت أسواق الرهن العقاري لدرجة عالية من التنظيم، وكان الائتمان العقاري يخضع لسيطرة جهات الإقراض المتخصصة التي واجهت قدرا محدودا من التنافس في الأسواق المجزأة . وقد وضعت القواعد التنظيمية حدودا قصوى لأسعار الفائدة وحدودا للقروض العقارية وفترات السداد. وأسفرت هذه القواعد التنظيمية عن ترشيد استخدام الائتمان في أسواق الرهن العقاري .

ومع تحرير أسواق الرهن العقاري الذي بدأ في أوائل الثمانينيات في العديد من الدول المتقدمة، ظهرت الضغوط التنافسية من جهات الإقراض غير التقليدية. وكانت النتيجة أن أصبحت الأسعار أكثر تفاعلا واتسع نطاق الخدمات المتاحة، مما أدى إلى زيادة فرص المستهلكين للحصول على القروض العقارية.

ففي الولايات المتحدة تزامنت عملية تحرير أسواق التمويل العقاري مع الإلغاء التدريجي للقيود على أسعار الفائدة في أوائل الثمانينيات. وفي الوقت ذاته ترتب على نشأة سوق ثانوية للرهن العقاري سهولة كبيرة في تمويل القروض العقارية عن طريق أسواق رأس المال. فأدى ذلك إلى تشجيع مجموعة كبيرة من البنوك والمؤسسات المالية الأخرى على دخول سوق الرهن العقاري.
أسباب الأزمة

لقد شكل وضع شركتي فاني ماي و فريدي ماك “تحت الوصاية” خطوة غير متوقّعة في مسار أزمة الرهونات العقارية التي هي أساس العاصفة المالية القائمة. هاتان المؤسستان اللتان ترمزان إلى ضخامة الفقاعة المالية، كانتا تغطيان بمفردهما مخاطر 45 في المئة من القروض العقارية الأميركية .

كانت مهمّة مؤسّستا Fannie Mae Fannie Mae وFreddie Mac هي تأمين سيولة سوق القروض العقاريّة، من خلال تأمين هذه القروض أو عبر شرائها من المصارف. كذلك تمّ تشجيع الإقتراض نظراً لإمكانيّة خصم الفائدة على الدين العقاريّ من ضريبة الدخل. وكانت Fannie Mae وFreddie Mac تموّلان نشاطاتهما من خلال إصدار سندات معروفة باسم “سندات المنازل المضمونة عقاريّاً” (Residential Mortgage-based Securities، RMBS)، والتي لم يكن نجاحها لدى المستثمرين غريباً عن القناعة بأنّ الحكومة الأميركية كانت تضمنها، ولو دون إعلانٍ صريح.

وقد ازدادت وتيرة نموّها المتسارعة باستمرار، بالتزامن مع إلغاء القيود على المنظومة المالية. ففي العام 1990، كانت المؤسّستان تمتلكان 740 ملياراً من القروض. وقد ارتفع هذا الرقم ليبلغ 1250 مليار دولار في العام 1995، وليتخطّى 2000 ملياراً في العام 1999 ثمّ 4000 مليار في العام 2022. وعشيّة تأميمهما، كان في حوزتهما 5400 مليار دولار (3825 مليار يورو)، أي ما يعادل 45 في المئة من الرقم الشامل للقروض العقاريّة في الولايات المتحدة. من جهة أخرى، كانت الشركتان تدعمان بمفردهما 97 في المئة من السندات المُرفقة بقروض الرهن العقاري. ويمكن تفسير تسارع وتيرة النموّ بالتأثير المتزاوج للفقاعة العقاريّة بين العامين 2001 و2006 وبالتطوّرات التي تحقّقت في مجال الهندسة الماليّة.

كان مهندس هذا الانفجار العقاريّ وأحد أشدّ المؤيّدين للابتكار المالي، هو السيّد “” آلان غرينسبان “” بلا منازع، الرجل الذي أدار الخزينة الفيدرالية الأميركية (Fed) والذي أطلقت عليه الأوساط المالية، بالإجماع تقريباً، اسم “المايسترو” [2]. فتصاريحه المتعاقبة كانت تحدّد الفكر الذي سيسيطر على الدوائر الماليّة.

ففي العام 2022، اعتبر أنّه “ما من سياسة قادرة على وضع حدٍّ لتضخّم فقّاعة ماليّة”، مع استمراره بتغذية هذه الفقّاعة من خلال سياساته التي اعتمدت على خفض معدلات الفوائد.

وفي العام 2022، أكّد على أنّ “الاحتمال ضئيلٌ في حصول انخفاض قويّ في أسعار الأسواق العقاريّة في الولايات المتّحدة، نظراً إلى حجمها وتنوّعها”. ثمّ أضاف في العام 2022: “في حال انخفضت أسعار المساكن، لن يترتّب على ذلك عواقب مهمّة على الاقتصاد الكلّي”. وفي العام نفسه، اعتبر أنّ “الآليّات الماليّة الأكثر فأكثر تعقيداً قد ساهمت في تطوير نظامٍ ماليٍّ مرن، فعّال وصلب أكثر من الذي كان موجوداً منذ ربع قرن”. أمّا، في العام 2022، عشيّة انفجار الفقّاعة العقاريّة، وفي حين لم يعد ربّ عمل الخزينة الفيدرالية الأميركية، فقد اعتبر أنّه “تم بلا شكّ تجاوز أسوأ انخفاض للأسواق العقاريّة [3]”.

كان تأثير تلك التصريحات أن شجّعت الاستثمار في أسهم وسندات شركتي Fannie Mae وFreddie Mac اللّتيْن شهدتا حينها نموّاً وأرباحاً قياسيّين . غير أنّ هذا العصر الذهبيّ كان ملطّخاً بالفضائح . ففي العام 2022، اتُّهمت شركة Fannie Mae بتزوير حساباتها بهدف منح علاواتٍ أكبر لمديريها. واضطّر مدراؤها الثلاثة على الاستقالة ودفع غرامة بقيمة 100 مليون دولار. وفي العام 2022، حُكِمَ على شركة Freddie Mac بدفع 3.8 مليون دولار لممارستها الضغط بصورة غير شرعيّة لمصلحة أعضاءٍ في مجلس النواب مكلَّفين بمراقبة نشاطاتها. هكذا سمح الموقع الهجينيّ لماردي القرض الرهنيّ لهما بالانغماس إلى الآخر في لعبة خلط الطبيعة (بين المال العام والخاص). فبالرغم من مهمّتهما الإجتماعيّة – مهمّة السماح بالتملّك لأكبر عددٍ ممكنٍ من الناس – كانتا تحاولان رفع نسب أرباح المساهمين فيها وخاصّة مدرائها، إلى أقصى حدّ. وعلى سبيل المثال، كانت تصل رواتب كلٍّ من رؤساء شركتي Fannie Mae وFreddie Mac ، إلى مبلغ 70 مليون دولار سنوياً.

اكتسبت الشركتان في الواقع نفوذاً سياسياً ضخماً. وكانتا تظهران سخاءً كبيراً إزاء أعضاء الكونغرس في كلي الحزبيْن، الذين كانوا يخفّفون باستمرار من القيود القانونيّة التي كانت تخضع لها. النتيجة: أنّ انعدام الشفافيّة أصبح هو السائد، في حين أنّ المعايير الاحترازيّة المعتَمَدَة نظريّاً بدأت تتراخى بشكلٍ متنناقض ، عندما اندلعت، في آب/أغسطس 2022، الأزمة المسمّاة بـ”أزمة الرهون العقارية المخاطرة” subprime، كان من المريح التفكير بأنّ Fannie Mae وFreddie Mac ستنجوان من الإعصار. فقد كانتا تحافظان على نمّوهما، ولم تكن “الأسواق” تعير أيّ انتباهٍ إلى الشوائب في آليّة عملهما. وفي حين ارتفع عدد العائلات التي لم تعُد قادرة على تسديد قروضها بشكلٍ خطير، كانت الهيئات التنظيميّة تمنح ماردي القرض الرهنيّ تنازلات جديدة.

في 19 آذار/مارس 2022 (أي بعد ثلاثة أيام على “عمليّة الإنقاذ” في اللحظة الأخيرة لمصرف Bear Stearns)، سمحت وزارة المال، بحجة إيقاف انهيار القطاع العقاريّ وتثبيت الأسواق المالية، لـ Fannie Mae وFreddie Mac بتقليصٍ بنسبة الثلث للرساميل التي كان يفترض بها احتيازها لمواجهة التزاماتها. غباوة أو تضليل؟

ردّاً على من رأى في ذلك خطوةً نحو ضخّ أموال حكومية فيهما، قال جيمس لوكهارت، مدير الهيئة الرقابية المشرفة عليهما:

“الضخّ الحكومي لا منطق له. فتلك الشركتان في وضعٍ صحيٍّ ومتينٍ، وستبقيان كذلك”.

في النهاية، تغلّب تكدّس الخسارات على السيناريوهات المتفائلة للمحلّلين الماليّين [4]. عندها تمّ تفحّص عمل وخلل نظام القرض الرهنيّ بدقّة. وتوصّلت “الأسواق” إلى التالي:

إنّ انهيار سندات “الرهون العقارية المخاطرة” الموجودة بحوزة Fannie وFreddie، وارتفاع عدد المقترضين المفلسين، والانخفاض المستمرّ للسوق العقاريّة، والتخوّفات من حصول أزمة ركود، لهي كلّها عناصر تركّب لوحةً ذات انعكاساتٍ مقلقة.

لوموند ديبلوماتيك .
الدكتور حاز الببلاوي يبسط ويشرح المشكلة وأبعادها

تتطلب البداية أن نفهم أن هناك تفرقة أساسية بين ما يمكن أن نطلق عليه “الاقتصاد العيني أو الحقيقي” وبين “الاقتصاد المالي”.

فأما ” الاقتصاد العيني” وهو ما يتعلق بالأصول العينية ، فهو يتناول كل الموارد الحقيقية التي تشبع الحاجات بطريق مباشر (السلع الاستهلاكية) أو بطريق غير مباشر (السلع الاستثمارية).

“فالأصول العينية” هي الأراضي وهي المصانع، وهي الطرق، ومحطات الكهرباء، وهي أيضاً القوى البشرية. وبعبارة أخرى هي مجموع السلع الاستهلاكية التي تشبع حاجات الإنسان ، ولكنها أيضاً تتضمن الأصول التي تنتج هذه السلع (السلع الاستثمارية) من مصانع وأراضي زراعية ومراكز للبحوث والتطوير.. الخ. وهكذا فالاقتصاد العيني أو الأصول العينية هو الثروة الحقيقية التي يتوقف عليها بقاء البشرية وتقدمها.

وإذا كان الاقتصاد العيني هو الأساس في حياة البشر وسبيل تقدمهم، فقد اكتشفت البشرية منذ وقت مبكر أن هذا الاقتصاد العيني وحده لا يكفي بل لابد وأن يزود بأدوات مالية تسهل علميات التبادل من ناحية، والعمل المشترك من أجل المستقبل من ناحية أخرى. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى “أدوات” أو “وسائل” تسهل التعامل في الثروة العينية. ولعل أول صور هذه الأدوات المالية هي ظهور فكرة “الحقوق” على الثروة العينية.

فالأرض الزراعية هي جزء من الثروة العينية وهي التي تنتج المحاصيل الزراعية التي تشبع حاجة الإنسان من المأكل وربما السكن وأحياناً الملبس . ولكنك إذا أردت أن تتصرف في هذه الأرض فإنك لا تحمل الأرض على رأسك لكي تبيعها أو تؤجرها للغير، وإنما كان لابد للبشرية أن تكتشف مفهوماً جديداً اسمه “حق الملكية” على هذه الأرض. فهذا “الحق القانوني” يعني أن يعترف الجميع بأنك (المالك) لهذه الأرض.

وهكذا بدأ ظهور مفهوم جديد اسمه “الأصول المالية” باعتبارها حقوقاً على الثروة العينية. وأصبح التعامل الذي يتم على هذه “الأصول المالية” باعتبارها ممثلاً للأصول العينية.

فالبائع ينقل إلى المشتري حق الملكية، والمشتري تنقل إليه الملكية العينية من المالك القديم بمجرد التعامل في سند الملكية. وأصبح التعامل الذي يتم على هذه الأصول المالية (سندات الملكية) كاف لكي تنتقل ملكية الأصول العينية من مالك قديم إلى مالك جديد.

ولم يتوقف الأمر على ظهور أصول مالية بالملكية، بل اكتشفت البشرية أن التبادل عن طريق “المقايضة” ومبادلة سلعة عينية بسلعة عينية أخرى أمر معقد ومكلف ، ومن ثم ظهرت فكرة “النقود” التي هي أصل مالي، بمعنى أنها بمثابة “حق”، ولكن ليس على أصل محدد بعينه (أرض معينة أو سلعة معينة) وإنما هي حق على الاقتصاد كله.

فمن يملك نقوداً يستطيع أن يبادلها بأية سلعة معروضة في الاقتصاد. أي أن “النقود” أصبحت أصلاً مالياً يعطى صاحبها الحق في الحصول على ما يشاء مما هو متاح في الاقتصاد من السلع والخدمات المعروضة للبيع.

فالنقود في ذاتها ليست سلعة، فهي لا تشبع الحاجات، فهي لا تؤكل ولا تشبع حاجة الملبس أو المسكن ، وفقط الاقتصاد العيني من سلع وخدمات يسمح بذلك ، أي أن “النقود” هي مجرد أصل مالي أو حق على الأصول العينية ، ولكن وجودها والتعامل بها يساعد على سهولة التبادل والمعاملات في السلع العينية.

ولم يتوقف تطور “الأصول المالية” على ظهور حق الملكية أو ظهور النقود كحقوق مالية على موارد عينية محددة أو على الاقتصاد في مجموعه، بل اكتشف أيضاً أن الكفاءة الاقتصادية تزداد كلما اتسع حجم المبادلات ولم يعد قاصراً على عدد محدود من الأفراد أو القطاعات ، فالقابلية للتداول ترفع القيمة الاقتصادية للموارد. ومن هنا ظهرت أهمية أن تكون هذه الأصول قابلة للتداول.

وبشكل عام تأخذ هذه الأصول المالية التي تتداول عادة أحد شكلين، فهي إما تمثل حق الملكية على بعض الموارد (أرض زراعية أو مصانع أو غير ذلك) أو تأخذ شكل دائنية على مدين معين (فرد أو شركة).

وقد تطورت أشكال الأصول المالية الممثلة للملكية (الأسهم) مع ظهور الشركات المساهمة، كما تطورت أشكال الأصول المالية الدائنة (أو المديونية) مع تطور الأوراق التجارية والسندات . ومع اكتسابها لخاصية القابلية للتداول ، أصبحت هذه الأصول أشبه بحقوق عامة على الاقتصاد القومي.

وهكذا جاء ظهور الأوراق المالية من أسهم وأوراق تجارية وسندات مما زاد من حجم الأصول المالية المتداولة التي تمثل الثروة العينية للاقتصاد. وساعد وجود هذه الأصول المالية المتنوعة على انتشار وتوسع الشركات وتداول ملكيتها وزيادة قدرتها على الاستدانة.

ولكن الأمر لم يقتصر على ظهور هذه الأصول المالية الجديدة (أسهم وسندات وأوراق تجارية) بل ساعد على انتشار تداولها ظهور مؤسسات مالية قوية تصدر هذه الأصول باسمها وحيث تتمتع بثقة الجمهور مما أدى إلى زيادة تداول هذه الأسهم والسندات بين الجمهور.

فمن ناحية ظهرت البورصات التي تتداول فيها هذا الأصول المالية مما أعطى المتعاملين درجة من “الثقة” في سلامة هذه الأصول المالية المتداولة فيها ، ومن ناحية أخرى فإن المؤسسات المالية الوسيطة (البنوك بوجه خاص) حين تتدخل في عمليات التمويل فإنها تحل، في الواقع، مديونية هذه البنوك التي تتمتع بثقة كبيرة لدى الجمهور، محل مديونية عملائها.

فالعميل يتقدم للبنك للحصول على تسهيل أو قرض، ومديونية هذا العميل للبنك تستند إلى ملاءته المالية والثقة فيه، ولكن ما أن يحصل العميل على تسهيل البنك فإنه يتصرف في هذا “التسهيل” كما لو كان نقوداً لأن البنوك تتمتع بثقة عامة في الاقتصاد.

وهكذا فإن البنوك تحول المديونيات الخاصة للعملاء إلى مديونيات عامة نتيجة لما تتمتع بثقة كبيرة لدى الجمهور فيقبل عليها المتعاملون لأنهم يثقون في هذه البنوك.

فالاقتصاد المالي، والحال كذلك، يتكون من أدوات ومؤسسات مالية.

فهناك أولاً مجموعة من الأدوات المالية في شكل رموز من حقوق ملكية أو دائنية أو غير ذلك من الالتزامات على أصول الاقتصاد العيني من موارد طبيعية أو بشرية.

كذلك هناك العديد من المؤسسات التي تتعامل في هذه الرموز (الأصول المالية) بالإصدار والتداول والتقييم والترويج . وقد لعب القطاع المصرفي – والقطاع المالي بصفة عامةـ دوراً هائلاً في زيادة حجم الأصول المالية المتداولة وزيادة الثقة فيها. وبدأت بوادر أو بذور الأزمات المالية عندما بدأ انقطاع الصلة بين الاقتصاد المالي والاقتصاد العيني.

فالتوسع المالي تعمق بإصدار أنواع متعددة من الأصول المالية المتنوعة استقلالاً عن الاقتصاد العيني، وبحيث أصبحت للأسواق المالية حياتها الخاصة بعيداً عما يحدث في الاقتصاد العيني. وهنا موطن الداء ؛ التوسع الكبير في الأصول المالية.

وهكذا تظهر حقيقة الأزمة المعاصرة باعتبارها أزمة “مالية” بالدرجة الأولى نجمت عن التوسع الكبير في الأصول المالية على نحو مستقل ـ إلى حد كبيرـ عما يحدث في “الاقتصاد العيني”. كيف؟

يرجع ذلك إلى المؤسسات المالية التي أسرفت في إصدار الأصول المالية ـ وخاصة أصول المديونيات ـ بأكثر من حاجة الاقتصاد العيني.

ومع هذا التوسع الكبير في إصدار الأصول المالية، زاد عدد المدينين وزاد بالتالي حجم المخاطر إذا عجز أحدهم عن السداد ، وهناك ثلاثة عناصر متكاملة تفسر هذا التوسع المجنون في إصدار الأصول المالية خلال السنوات الأخيرة.

أما العنصر الأول فهو زيادة أحجام المديونية أو ما يطلق عليه اسم الرافعة المالية ، وهنا أصل المشكلة ، فقد بالغت المؤسسات المالية في التوسع في هذه الأصول للمديونية. وهي ليست مجرد مديونيات فردية وإنما تأخذ عادةً شكل مديونيات قابلة للتداول في الأسواق المالية، وبالتالي فهي أشبه بالمديونيات العامة. فهي جزء من الثروة المالية. وكانت التجارب التاريخية السابقة قد تطلبت ضرورة وضع الحدود على هذا التوسع في الإقراض.

لذلك حددت اتفاقية بازل للرقابة على البنوك حدود التوسع في الإقراض ـ وبالتالي الاقتراض ـ للبنوك بألا تتجاوز نسبة من رأس المال المملوك لها . فالبنك لا يستطيع أن يقرض أكثر من نسبة محددة لما يملكه من رأس مال واحتياطي، وهذا هو ما يعرف ” بالرافعة المالية “.

ورغم أن البنوك المركزية تراقب البنوك التجارية في ضرورة احترام هذه النسب، فإن ما يعرف باسم بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة لا يخضع لرقابة البنك المركزي، ومن هنا توسعت بعض هذه البنوك في الإقراض لأكثر من ستين ضعف حجم رؤوس أموالها كما في حالة بنك UBS، ويقال أن الوضع بالنسبة لبنك Lehman كان أسوأ . ولكن التوسع في الإقراض لا يرجع فقط إلى تجاهل اعتبارات الحدود المعقولة للرافعة المالية لكل مؤسسة بل أن النظام المالي في الدول الصناعية قد اكتشف وسيلة جديدة لزيادة حجم الإقراض عن طريق اختراع جديد اسمه المشتقات المالية ، وهو اختراع يمكن عن طريقة توليد موجات متتالية من الأصول المالية بناءً على أصل واحد كما سيتضح من المثال الذي سوف نعرضه عن تركيز الإقراض على قطاع أو قطاعات محدودة .

والعنصر الثاني للأزمة، وهو تركيز الإقراض على قطاع أو قطاعات قليلة وأثر ذلك على زيادة المخاطر.

وقد ولدت الأزمة الأخيرة نتيجة لما أطلق عليه أزمة الرهون العقارية. فالعقارات في أمريكا هي أكبر مصدر للإقراض والاقتراض . يشتري المواطن بيته بالدين مقابل رهن هذا العقار، ثم ترتفع قيمة العقار في السوق، فيحاول صاحب العقار الحصول على قرض جديد مقابل ارتفاع قيمة العقار وذلك عن طريق رهن جديد من الدرجة الثانية. ومن هنا التسمية بأنها الرهون الأقل جودة ، وبالتالي فإنها معرضة أكثر للمخاطر إذا انخفضت قيمة العقارات. ولكن البنوك لم تكفي بالتوسع في هذه القروض الأقل جودة بل استخدمت “المشتقات المالية” لتوليد مصادر جديدة للتمويل وبالتالي للتوسع في الإقراض. كيف؟

عندما يتجمع لدى البنك محفظة كبيرة من الرهونات العقارية، فإنها تلجأ إلى استخدام هذه “المحفظة من الرهونات العقارية” لإصدار أوراق مالية جديدة تقترض بها من المؤسسات المالية الأخرى بضمان هذه المحفظة.

وهو ما يطلق التوريق . فكأن البنك لم يكتف بالإقراض الأولى بضمان هذه العقارات، بل أصدر موجه ثانية من الأصول المالية بضمان هذه الرهون العقارية.

فالبنك يقدم محفظته من الرهونات العقارية كضمان للاقتراض الجديد من السوق عن طريق إصدار سندات أو أوراق مالية مضمونة بالمحفظة العقارية.

وهكذا فإن العقار الواحد يعطي مالكه الحق في الاقتراض من البنك، ولكن البنك يعيد استخدام نفس العقار ضمن محفظة أكبر، للاقتراض بموجبها من جديد من المؤسسات المالية الأخرى. وهذه هي المشتقات المالية. وتستمر العملية في موجه بعد موجة، بحيث يولد العقار طبقات متتابعة من الإقراض بأسماء المؤسسات المالية واحدة بعد الأخرى . ولا تقتصر “المشتقات” المالية على هذه الصورة من “التوريق” بإصدار موجات من الأصول المالية بناءً على أصل عيني واحد، بل أنها تأخذ صوراً أخرى وخاصةً فيما يتعلق بالتعامل مع المستقبل. فالتعامل المالي لا يقتصر على التعامل في أصول عينية موجودة بالفعل في الحاضر، بل قد ينصرف إلى أصول محتملة سوف توجد في المستقبل. فهناك التصرفات الآجلة ، فضلاً عما يعرف “بالمستقبليات” ، وقد لا يقتصر الأمر على مجرد بيع وشراء حقوق مستقبلة بل وتشمل أيضاً على خيارات تستخدم، أو لا تستخدم، وفقاً لرغبة أحد الطرفين.

ويأتي العنصر الثالث والأخير وهو نقص أو انعدام الرقابة أو الإشراف الكافي على المؤسسات المالية الوسيطة. حقاً تخضع البنوك التجارية في معظم الدول لرقابة دقيقة من البنوك المركزية ومؤسسات الرقابة ، ولكن هذه الرقابة تضعف أو حتى تنعدم بالنسبة لمؤسسات مالية أخرى مثل بنوك الاستثمار وسماسرة الرهون العقارية فضلاً عن نقص الرقابة على المنتجات المالية الجديدة مثل المشتقات المالية أو الرقابة على الهيئات المالية التي تصدر شهادات الجدارة الائتمانية والتي تشجع المستثمرين على الإقبال على الأوراق المالية.

وقد تكاتفت هذه العناصر الثلاثة على خلق هذه الأزمة المالية، ولم يقتصر أثرها على التأثير على القطاع المالي بزيادة حجم المخاطر نتيجة للتوسع المحموم في الأصول المالية، بل أنه هدد أحد أهم أركان الاقتصاد المالي، وهو “الثقة”.

فرغم أن العناصر الثلاثة المشار إليها ـ زيادة الاقتراض ، وتركيز المخاطر ، ونقص الرقابة والإشراف ـ كافية لإحداث أزمة عميقة في الأسواق المالية، فإن الأمور تصبح أكثر خطورة إذا فقدت ” الثقة ” أو ضعفت في النظام المالي الذي يقوم على ثقة الأفراد.

فمع فقدان الثقة يقل الشراء ويكثر البيع ، وتنخفض أسعار الأصول المالية وندخل في دوامة من الانخفاضات المتتالية وبالتالي مزيد من الانهيار المالي . ويزداد الأمر تعقيداً نتيجة للتداخل بين المؤسسات المالية في مختلف الدول. فجميع المؤسسات المالية ـوبلا استثناءـ تتعامل مع بعضها البعض، وأية مشكلة عويصة تصيب أحد هذه المؤسسات لابد وأن تنعكس بشكل مضاعف على بقية النظام المالي العالمي (العولمة). وهكذا تتكاتف اعتبارات الثقة، أو بالأحرى انعدام الثقة، مع اعتبارات العولمة في تضخيم أثر الانهيار المالي.

وهكذا نجد أن الأزمة المالية الحالية هي نتيجة للتوسع غير المنضبط في قروض القطاع المالي في الولايات المتحدة ومن ورائه في بقية دول العالم المتقدم. والسؤال هل يمكن التجاوز عن هذا الاقتصاد المالي بأدواته المتعددة ومؤسساته الكثيرة؟ للأسف لا يمكن .

تطورت أزمة الأسواق المالية التي تفجرت في أغسطس/آب 2022 حتى أصبحت أكبر صدمة مالية منذ الكساد الكبير، ملحقة الضرر البالغ بالأسواق والمؤسسات الأساسية في النظام المالي.

وقد بدأ الاضطراب بسبب الارتفاع السريع المستمر في حالات التعثر عن السداد في سوق الرهون العقارية العالية المخاطر في سياق عملية تصحيح رئيسية تشهدها سوق المساكن في أميركا وما أعقبها من ارتفاع حاد في فروق العائد على الأوراق المالية المضمونة بتلك الرهون العقارية بما في ذلك التزامات الدين المضمونة بأصول على نحو يجتذب مراتب ائتمانية مرتفعة.

غير أن التداعيات اللاحقة سرعان ما امتدت من خلال نظام مالي شديد الاعتماد على الرفع المالي لتسبب في خفض السيولة في سوق المعاملات بين البنوك وإضعاف كفاية رأس المال وفرض تسوية طارئة لأوضاع مؤسسات وساطة مالية كبرى وإحداث اضطراب عميق في أسواق الائتمان والحث على إعادة تسعير المخاطر في مجموعة كبيرة من الأدوات المالية المختلفة.

ومن أكثر الأمور حدة في هذه الأزمة حدوث خسارة لم يسبق لها مثيل في السيولة، حيث قفزت أسعار الفائدة على المعاملات بين البنوك لأجل ثلاثة أشهر بما يتجاوز بكثير أسعار الفائدة على الإقراض لليلة واحدة والمستخدمة كأداة للسياسة النقدية، وحدث هذا في وقت سعت فيه البنوك إلى الحفاظ على ما لديها من سيولة أمام الضغوط الواقعة عليها، وبسبب الزيادة المستمرة في عدم اليقين المحيط بمدى قدرتها المالية وتوزيع خسائر البنوك من حيازات الأوراق المالية المرتبطة بالرهون العقارية العالية المخاطر وغيرها من أشكال الائتمان.

وانتشرت حالات نقص السيولة بصورة أوسع نطاقا حيث لجأت البنوك إلى تخفيض خطوط الائتمان وزيادة هوامش الضمان للأوراق المالية وزيادة طلبات إيداع هامش الوقاية من الوسطاء الماليين الآخرين.

البعض يعتقد ان الخسائر المالية في أسواق المال مثلاً لا تعني أكثر من كونها تغيير في أسعار رؤوس الأموال الحقيقية تغيير في القيمة الاسمية للاقتصاد بل ربما ذهب البعض إلى ان هبوط القيمة الاسمية هذه ليس أكثر من نتيجة لتضخم هذه القيمة ، إلا ان عطب النظام المالي و حدوث خسائر ضخمة معناه افتقار المؤسسات المنتجة بمختلف أشكالها للتمويل و تراجع الطلب و ارتفاع البطالة و تعثر التسهيلات المالية و بالتالي فإن الانعكاس لهذه الأزمة المالية على القطاعات المنتجة المختلفة حاد للغاية و لا يمكن تخيل قطاعات الاقتصاد المختلفة تعمل بشكل طبيعي دون ان نتخيل الجهاز المالي يؤمن التدفق النقدي بشكل سليم .
أين يمكن ان تتوقف هذه الكارثة ؟

إن الحديث عن اقتصاد مالي متداخل بهذا المستوى يجعلنا لا نشك لحظة واحدة إنها تماماً مثل كرة الثلج التي يزداد حجمها كلما تدحرجت بحيث تبتلع كل ما يمكن ان يواجهها إننا هنا بصدد الحديث عن أزمة تعصف بعصب الحياة الاقتصادية انه الجهاز المصرفي و لذا نحن لسنا بإزاء أزمة قطاع بل أزمة الجهاز المالي للولايات المتحدة و بالتالي العالم إننا نتكلم عن القطاع المصرفي و المسؤول عن خلق أكثر من 80% من عرض النقد .

يرى فؤاد شاكر ان هذه الأزمة ستؤدي إلى تغيير الطريقة التي تعمل بها البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية، إذ لابد من وضع ضوابط اكبر على عمليات الإقراض العقاري ، وعلى عمليات بيع القروض بين البنوك كأصول مستثمرة، كما انه لابد من تصحيح هامش الإقراض العقاري مع تغير قيمة العقار في السوق.

ويجب، من وجهة نظره، ان تتم محاسبة مديري البنوك الذين اخفوا الحقائق عن المودعين، وهو أمر بالغ الخطورة لأنه يهز ثقة المودعين في النظام المصرفي . كما يرى ان الأزمة ستؤدي إلى إقامة إطار عام دولي جديد لتنظيم الأسواق المالية حتى لا يكون الاقتصاد العالمي ضحية لمشكلات أمريكية، ويتوقع ان يقوم هذا النظام النقدي الدولي الجديد على دور أوروبي وآسيوي اكبر ودور أمريكي اقل .

هناك خاصية يتميز بها القطاع المالي وهي أنه عند إفلاس أو انهيار مؤسسة مالية بسبب وضعها السيئ فإن الذعر يصيب المودعين في المؤسسات المالية الأخرى، التي يكون الوضع المالي لمعظمها جيدا، ومن ثم يلجؤون إلى سحب ودائعهم.

وبالتالي فإن سحب الودائع بصورة مفاجئة يؤدي إلى انهيار تلك المؤسسات المالية حتى لو كان وضعها جيدا وسليما. وهذا الأمر يطلق عليه أثر الدومينو بحيث لو انهارت ورقة واحدة من أوراق لعبة الدومينو انهارت باقي الأوراق، لذا نجد أن تدخل البنوك المركزية في هذه الحالات يعتبر أمرا ضروريا.

ويتفق الدكتور حاز الببلاوي مع الرأي القائل بان هذه الأزمة ستؤدي إلى مراجعة عمل الأسواق المالية وفرض المزيد من الضوابط عليها، وأنها ستؤدي إلى دخول الولايات المتحدة في دورة كساد لفترة من الزمن ، لكنه يرفض الرأي القائل بأنها تمثل انهيار للرأسمالية الأمريكية.

ويضيف الببلاوي “النظام الرأسمالي ليس له أيدلوجية في الوقت الراهن، بل يتغير حسب المصالح ، وهذا سر قوته. كان يقال أثناء الكساد الكبير ان الدولة يجب ألا تتدخل في عمل الأسواق لكن هذا الأمر تغير الآن .

لكنه يؤكد ان هذه الأزمة تمثل درسا قاسيا للإدارة الأمريكية يجب ان تتعلم منه.

وهذا ما يراه اغلب الاقتصاديين، إذ ان دروس هذه الأزمة ستغير الكثير في عالمنا . ستتغير طريقة عمل الأسواق والنظام المالي الدولي ، وسيتغير بلا شك دور الولايات المتحدة في هذا الن








التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

المجال الدولي


المجال الدولي

من خلال دراسة المعاهدات فإنه يمكن إبرامها بين أشخاص القانون الدولي العام ، وربما تكون الدولة هي الشخص الرئيسي لقواعد القانون الدولي إضافة إلى المنظمات الدولية ، وبدراسة دستور الدولة فتعرف من خلال عناصرها المادية المكونة لها ، إضافة إلى خصائصها وتبعا لذلك فهي : عبارة عن مجموعة بشرية تعيش في إطار إقليم محدد وتخضع لسلطة من خلال تنظيم سياسي واقتصادي واجتماعي ، ولكي يكتمل مفهوم الدولة لابد من أن يكون كيانها متمتعا بالسيادة والشخصية المعنوية .
ودراسة الشعب والسلطة يدخل في نطاق القانون الدستوري ، ولذلك فإننا سنقتصر في دراستنا للمجال الدولي على ركن الإقليم ( بقية الأركان الأخرى درست في السنة الأولى في كل من القانون الدستوري والمجتمع الدولي ) .
ركن الإقليم يعتبر من العناصر المادية الهامة التي تمارس عليه السلطة وتحدد في إطاره اختصاصات الدولة في مواجهة الدول الأخرى . والإقليم كركن للدولة يتكون من عنصرين أساسيين وهامين لكل دول المعمورة وهما : العنصر البري والعنصر الجوي ، ولكن هناك مجموعة من الدول توصف بأنها دول ساحلية وهي المطلة على البحار والمحيطات وبالتالي فإنه يمكن القول بأن عنصر الإقليم يتكون من عنصرين في بعض الدول ( البري والجوي بالنسبة للدول الداخلية)ومن ثلاثة عناصر بالنسبة للدول الساحلية (الجوي والبري والبحري )
والقواعد القانونية المنظمة للعنصر البحري يُطلق عليها في إطار التخصص ” القانون الدولي للبـــــــــــحار ” وعلى هذا فإن دراسة المجال الدولي تنحصر في دراسة القواعد القانونية الدولية المنظمة للحيز البحري وكذلك المنظمة للمجال الجوي بما فيه الفضاء الخارجي .

أولا : المجال البحري ( القانون الدولي للبحار )

كانت البحار منذ أمد بعيد من المواضيع الحساسة في العلاقات الدولية ، وذلك كونها سبيلا للاتصال ومصدر للرزق والغذاء ، ويكفي للتدليل على ذلك أن الدراسة الحديثة تعتبر أن مصدر التغذية للأجيال القادمة تكمن في قاع البحار وما تحتها ( التراث الإنساني المشترك ) ، أهمية كهذه وردت في القرآن الكريم حيث جاء ذكره في مواضع كثيرة منها ما جاء في سورة إبراهيم الآية 32 « وسخّر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخّر لكم الأنهار ». وأهمية كهذه هي التي تجعله محل صراع منذ نشأة الجماعة الدولية ، لأن بعض الدول حاولت فرض سيطرتها على أجزاء كبيرة من البحار والمحيطات وإخضاعها لسيادتها على أساس قابليتها للحيازة ، وعلى هذا وجد ملوك بريطانيا واسبانيا وبرتغاليا إذ كانوا يصفون أنفسهم بملوك البحار ، وتبعا لهذه المزاعم فقد اتجه الفقه الدولي منذ بداية القرن 17 إلى الانتصار لفكرة مضادة ، فالفقيه الهولندي ( غروسيوس Grotius) ناد بالبحر المفتوح وحرية الملاحة في البحار لمواجهة آراء الفقهاء الإنجليز فيما يتعلق بالبحار المغلقة.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين توصل المجتمع الدولي إلى تقنين القواعد المتعلقة بالبحار حيث أُبرمت اتفاقيات جنيف الأربع المتعلقة بقانون البحار سنة 1958 وهي تتعلق ب:

-البحر الإقليمي .
-المنطقة المتاخمة ( الملاصقة والمجاورة ) في أعالي البحار .
-اتفاقية الصيد وصيانة موارد الأحياء المائية بأعالي البحار .
-اتفاقية الامتداد القاري أو الجرف القاري أو الرصيف القاري .
وقد كان لعوامل التقدم العلمي والتكنولوجي وظهور دول جديدة وتطلعها إلى إقامة نظام اقتصادي قانوني دولي جديد يحقق لها التنمية المنشودة ، كما أن لمبدأ السيادة ومحاولة الدول بسط سيطرتها الإقليمية على أجزاء من البحار والمحيطات أثّر في إعادة النظر في قواعد القانون الدولي للبحار ، ولذلك تم إبرام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقع عليها في جمايكا سنة 1982م .والتي تحتوي على 320 مادة إضافة إلى 5 مرافق ملحقة بها.

I. ا لبحر الإقليمي:

مع نهاية العصر الوسيط وبداية العصر الحديث ظهر إدعاء السيطرة على البحار والمحيطات ، وبذلك بدأت ملامح تحديد البحر الإقليمي في تلك الفترة . وقد تعددت معايير تحديد البحر الإقليمي في تلك الفترة ، فقد حدّد على أساس ” مد البصر” وجسد ذلك في المعاهدة بين الجزائر وانجلترا سنة 1602 ، كما حدد على أساس المدى الذي تصله قذيفة المدفع المنصوب على الشاطئ ، وقد انعكس ذلك على الفقه الدولي حيث اختلف في تحديد البحر الإقليمي بين 3 أميال إلى 100 ميل بحري ، ونظرا لهذا الاختلاف فقد ذهب رأي فقهي إلى اعتبار البحر الإقليمي جزء من أعالي البحار ، وذهب اتجاه فقهي آخر إلى اعتباره جزء من إقليم الدولة الساحلية الذي تغمره المياه ، وبالنسبة للاتفاقية الأخيرة فقد حسمت في هذه القضية بنصها في المادة 2 منها على ما يلي :

« 1/ تمتد سيادة الدولة الساحلية خارج إقليمها البري ومياهها الداخلية أو مياهها الأرخبيلية إذا كانت دولة أرخبيلية إلى حزام بحري ملاصق يعرف بالبحر الإقليمي.
2/ تمتد هذه السيادة إلى الحيز الجوي فوق البحر الإقليمي وكذلك على قاعه وباطن أرضه.
3/ تمارس السيادة على البحر الإقليمي رهنا بمراعاة أحكام هذه الاتفاقية وغيرها من قواعد القانون الدولي ».

حق المرور البريء :

هناك قيد قد يرد على سيادة الدولة على بحرها الإقليمي يتمثل في حق المرور البريء ويعني:
حق السفن التابعة للدول الأخرى في العبور بالبحر الإقليمي مادام هذا العبور يتسم بالبراءة والمقصود بها أن السفن الأجنبية خلال عبورها البحر الإقليمي للدولة الساحلية لا تلحق أضرارا بمصالح هذه الأخيرة من العبور ، ويكون ذلك بإحدى الصور الآتية :

a-اتخاذ السفينة لطريقها في البحر الإقليمي من غير أن تقصد ميناء أو رصيف تابع للدولة الساحلية.
b- اتخاذ السفينة لطريقها في البحر الإقليمي قاصدة المياه الداخلية للدولة الساحلية.
c- اتخاذ السفينة لطريقها خارجة من المياه الداخلية إلى أعالي البحار.
وبالنسبة للمادة 17 من اتفاقية قانون البحار فإن جميع سفن الدول سواء كانت ساحلية أو غير ساحلية تتمتع بهذا الحق خلال مرورها عبر البحر الإقليمي ، وقد حددت هذا الحق بنصها على أن يكون المرور بريئا مادام لا يضر بالسلم للدولة الساحلية أو بحسن نظامها و بأمنها ، كما حددت هذه المادة الحالات التي لا يكون فيها المرور بريئا ومثال ذلك
أن تقوم السفينة أثناء مرورها بالبحر الإقليمي بأي تهديد بالقوة أو باستعمالها ضد سلامة الدولة الساحلية ، أو أي نشاط آخر لا تكون له علاقة بالمرور.

تحديد البحر الإقليمي:

لكل دولة الحق في أن تحدد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميل بحري تقاس من خط الأساس وهو الخط الفاصل بين المياه الداخلية والإقليمية ، ويتمثل وفقا للمادة 5 من الاتفاقية في : «…….أنه حد أدنى جَزر على امتداد الساحل كما هو مبين على الخرائط ذات المقياس الكبير المعترف بها رسميا من قبل الدولة الساحلية » .
وهنالك حالات خاصة لتحديد عرض البحر الإقليمي منها :

1–الخلجان: ( جمع خليج ) والخليج هو منطقة من البحر تتغلغل في الشاطئ نتيجة التعرجات الطبيعية للساحل بحيث يكون بشكل نصف دائرة أو أكثر ، وقطر هذه الدائرة يتمثل في فتحتي التغلغل ، ووفقا للمادة 10 الفقرة 1فإنه يراد بالخليج « ……. انبعاج واضح المعالم يكون توغله بالقياس إلى عرض مدخله على نحو يجعله يحتوي على مياه محصورة بالبر ويشكل أكثر من مجرد انحناء للساحل ، غير أن الانبعاج لا يعتبر خليجا إلا إذا كانت مساحته تعادل أو تفوق مساحة نصف دائرة قطرها يرسم خط عبر مدخل ذلك الانبعاج ».
وفي الفقرة 4 من ذات المادة ورد فيها : « إذا كانت المسافة بين حدي أدنى الجزر لنقطتي المدخل الطبيعي لخليج ما لا تتجاوز 34 ميلا بحريا ،جاز أن يرسم خط فاصل بين حدي أدنى الجزر المذكورين ، وتعتبر المياه الواقعة داخل هذا الخط مياها داخلية ».
لا تنطبق الأحكام الآنفة الذكر على ما يسمى بـــ ” الخلجان التاريخية ” ولا في أية حالة ينطبق عليها نظام خطوط الأساس المستقيمة المنصوص عليها في المادة 07 .

2-المياه الداخلية : تبعا لما سبق فإن المياه الداخلية هي التي تقع بين اليابسة وخط الأساس وحكمها حكم اليابسة ، وباختصار يمكن القول بأن أن البحر الإقليمي أو المياه الإقليمية للدولة الساحلية تكون عنصرا من العناصر التي يتكون منها إقليم الدولة ككل ، وتبعا لذلك فإن الدولة تمارس اختصاصاتها على هذا العنصر وكذلك على الأشخاص بما لها من سيادة ، ولكن سيادة الدولة الساحلية على البحر الإقليمي يرد عليها حق مقرر للسفن الأجنبية وهو حق “” المرور البريء”” وقد حددت المادة 18 من قانون البحار معنى المرور ، وفي كل الأحوال فإن المرور يكون متواصلا وسريعا وإن كان يشتمل على التوقف و الرسو لكن فقط بقدر ما يكون له من مقتضيات الملاحة العادية أو حين تستلزمها قوة قاهرة أو حالة شدة أو حين يكون لغرض تقديم المساعدة لأشخاص أو سفن أو طائرات في حالة شدة .
أما معنى براءة المرور فقد حددتها المادة 19 حيث تضمنت الفقرة 01 أنه : « يكون المرور بريئا مادام لا يضر بسلم الدولة الساحلية أو بحسن نظامها أو بأمنها » . وحددت الفقرة 02 من ذات المادة الحالات التي لا يكون فيها المرور بريئا وهي :

« أ/أي تهديد بالقوة أو أي استعمال لها ضد سيادة الدولة الساحلية أو سلامتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأية صورة أخرى انتهاكا لمبادئ القانون الدولي المجسدة في ميثاق الأمم المتحدة.
ب/ أي مناورة أو تدريب بأسلحة من أي نوع .
ج/ أي عمل يهدف إلى جمع معلومات بدفاع الدولة الساحلية أو أمنها.
د/ أي عمل دعائي يهدف إلى المساس بدفاع الدولة الساحلية أو أمنها.
هـ/ إطلاق أي طائرة أو إنزالها أو تحميلها .
و/ إطلاق أي جهاز عسكري أو إنزاله أو تحميله.
ز/ تحميل أو إنزال أي سلعة أو عملة أو شخص خلافا لقوانين وأنظمة الدولة الساحلية الجمركية أو الضريبية أو المتعلقة بالهجرة أو الصحة.
ح/ أي عمل من أعمال التلويث المقصود والخطير يخالف هذه الاتفاقية.
ط/ أي من أنشطة صيد السمك .
ي/ القيام بأنشطة بحث أو مسح.
ك/ أي فعل يهدف إلى التدخل في عمل أي من شبكات المواصلات أو من المرافق أو المنشآت الأخرى للدولة الساحلية .
ل/ أي نشاط آخر ليس له علاقة مباشرة بالمرور » .
وفيما يتعلق بالمركبات الغاطسة والغواصات فيجب أن تبحر فيه رافعة علمها .

واجبات الدولة الساحلية فيما يتعلق بالمرور البريء :

القاعدة العامة المحددة في المادة 24 أن على الدولة الساحلية أن لا تعيق المرور البريء للسفن الأجنبية عبر بحرها الإقليمي ، وتمتنع بصورة خاصة بفرض شروط على السفن الأجنبية يكون أثرها العملي إنكار حق المرور البريء على تلك السفن أو الإخلال به ، أو التمييز القانوني أو الفعلي ضد سفن أية دولة أو ضد السفن التي تحمل بضاعة إلى دولة أخرى أو منها أو لحسابها ، وأيضا أن تقوم بالإعلان المناسب على أي خطر يهدد الملاحة عبر بحرها الإقليمي تعلم بوجوده.
وهناك التزامات أخرى حددتها المادة 26 من قانون البحار تتمثل في عدم جواز فرض رسوم على السفن لمجرد مرورها عبر بحرها الإقليمي ، ويمكن أن تطلب رسوم بالنسبة للسفن التي تقدم لها خدمات بشرط أن يكون هذا الإجراء غير تمييزي .

الولاية الجنائية على ظهر سفينة أجنبية :

وفقا للمادة 27 فإنه لا ينبغي للدولة الساحلية ممارسة الولاية الجنائية على ظهر سفينة أجنبية مارة عبر بحرها الإقليمي من أجل توقيف أي شخص أو إجراء أي تحقيق بصدد أي جريمة اُرتكبت على ظهر السفينة إلا في الحالات الآتية :
1-إذا امتدت نتائج الجريمة إلى الدولة الساحلية.
2-إذا كانت الجريمة من نوع يخل بسلم البلد أو بحسن النظام في البحر الإقليمي .
3-إذا طلب ربان السفينة أو ممثل دبلوماسي أو موظف قنصلي لدولة العلم مساعدة السلطات المحلية .
4-إذا كانت هذه التدابير اللازمة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو المواد التي تؤثر على العقل .
ولكن يمكن للدولة الساحلية أن تتخذ الإجراءات التي تأذن بها قوانينها لإجراء توقيف أو تحقيق على ظهر سفينة أجنبية مارة خلال البحر الإقليمي بعد مغادرة مياهها الداخلية


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

المجتمع المدني: المفهوم والأبعاد

المجتمع المدني: المفهوم والأبعاد

أ.د.عبدالرحمن أحمد هيجان 10/9/1424هـ الموافق 4/10/2003م

مفهوم «المجتمع المدني» الذي نحن بصدده في هذه الورقة هو مفهوم أوروبي المولد والنشأة والعقيدة. أما من حيث الممارسة فهو ليس محصورًا على الثقافة الأوروبية وإنما شائع في جميع حضارات وثقافات الأمم وإن اختلفت تسمية هذه الممارسة والدرجة التي تطبق بها. هذا المفهوم في صورته الراهنة ينتمي إلى عائلة كبيرة من المفاهيم، بغض النظر عن الترتيب التاريخي لظهورها، من أبرزها مقاومة السلطة المطلقة والليبرالية، والعقد الاجتماعي أو التعاقد الاجتماعي، ونظرية الحق الإلهي للمملوك، والفصل بين الدين والدولة، والتعددية السياسية بدلاً من الحكم المطلق، والحريات العامة في الحياة والملكية والعمل والرأي والمعتقد، وسيادة الأمة أو الشعب، والمواطنة، ونبذ الانتماءات في صيغها الدينية والمذهبية والعرقية،وحركة الشعب أو المواطنين في مقابل الحكومة، ومقاومة البرجوازية، وحقوق الإنسان، والحد من هيمنة الحكومة،والحد من تمركز السلطة في الدولة بفصل الأجهزة التشريعية والقضائية عن السلطة التنفيذية، والعلمانية، والتطور الاقتصادي والسياسي والثقافي، والاقتصاد الرأسمالي، والشيوعية والاشتراكية، والشفافية والحاكمية وغير ذلك من المفاهيم الأخرى المرتبطة بالسياسة والإدارة. وكما هي العادة بالنسبة لأي مفهوم يتم تداوله في أوروبا ويوزع على العالم بسهولة، فإنه غالبًا ما يعمد الكتاب الأوروبيون إلى إعادة هذا المفهوم إلى الثقافة اليونانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وبأسلوب سلس أو قسري، ليثبتوا لمجتمعاتهم ولخارج مجتمعاتهم بأن المفهوم قديم، وأن الحديث فيه متواصل، وأن أي حديث عن أي إسهام حضاري لا معنى له إذا لم يرتبط بالحضارة الأوروبية. من ناحية أخرى فلعل المتتبع للكتابة في مثل هذه المفاهيم التي غالبًا ما يكون مصدرها علماء الاجتماع أو التاريخ أو الاقتصاد أو علماء النفس يجد أن هؤلاء الكتاب غالبًا ما ينتمون إلى العقيدة اليهودية أو من خلفية يهودية، كما سنرى لاحقًا، حيث تسعى هذه الفئة إلى تسويق أفكارها بسهولة بحكم أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات والحضارات التي يعيشون فيها. ومن أجل استجلاء طبيعة مفهوم «المجتمع المدني» وعلاقته بواقع مجتمعنا الراهن فإن هناك العديد من الأسئلة التي يمكن طرحها في هذا الشأن وذلك على النحو الآتي:

1. ما إرهاصات أو مقدمات ظهور مفهوم «المجتمع المدني»؟ ومن أبرز الكتاب في هذا المفهوم؟
2. ما التعريفات المطروحة لمفهوم المجتمع المدني؟ وما التعريف الذي نراه ملائمًا؟
3. ما وسائل أو أدوات تفعيل مفهوم المجتمع المدني؟

من أجل الإجابة على هذه الأسئلة سوف نحاول الاختصار قدر الإمكان وذلك بالتركيز على أبرز النقاط الأساسية بالنسبة لكل سؤال:

السؤال الأول: ما إرهاصات أو مقدمات ظهور مفهوم «المجتمع المدني»؟ ومن أبرز الكتّاب في هذا المفهوم؟ كما ذكرت سلفًا فإن المفهوم أوروبي المولد والنشأة والعقيدة، لذا فإن المؤرخين له بعد أن يتجاوزوا مرحلة الربط بينه وبين الثقافة اليونانية يقفزون مباشرة إلى الحديث عن تاريخ أوروبا الحديثة؛ وذلك من خلال نقد ما كان سائدًا فيها من ممارسات دينية وسياسية واقتصادية واجتماعية في العصور الوسطى. لقد كانت أبرز الإرهاصات أو المقدمات التي أدت إلى ظهور المجتمع المدني في أوروبا ماثلة في النقاط الآتية:

أ ــ مقاومة النظام السياسي المرتكز على «الحق الإلهي» للملوك والسلطة المطلقة المقدسة بالمعنيين الديني والسياسي. هاتان السلطتان تارة ما تكون مندمجة ومتداخلة فيما بينها بحيث تكون السلطة السياسية هي السلطة الدينية، وتارة ما تكون متكاملة وتارة أخرى تكون متنافرة ومتصارعة كما حصل بين سلطة الكنيسة والسلطة السياسية المتمثلة في الأباطرة الرومان أو الجرمان. وبغضِّ النظر عن طبيعة العلاقة بين السلطة الدينية والسياسية فقد كان للكنيسة اليد الطولى في تسيير أمور الحياة، وكان الملكُ الذي هو الحاكم السياسي في تلك الفترة غالبًا ما يستمد سلطته من السلطة الدينية حيث أفرز ذلك الوضع مفهوم أو نظرية الحق الإلهي وهو ما أدى ــ من وجهة نظر الكتّاب الأوروبيين ــ إلى إقصاء المجتمع وتهميشه لصالح سلطة مطلقة متعالية.

ب ــ تقسيم المجتمعات إلى طبقات أبرزها طبقة النبلاء، وطبقة رجال الدين، وطبقة العاملين بمختلف فئاتها، والتي كانت تشكل الأخيرة منها حوالي 98% من السكان، ولكنها محرومة الحقوق، الأمر الذي قاد إلى حركة الإصلاح الديني والسياسي في أوروبا، حيث مهّد هذا الوضع إلى وقوع الثورة الفرنسية.

جـ ــ ظهور الحركات الإصلاحية المناوئة للأوضاع السياسية والدينية التي كانت قائمة في أوروبا خلال العصور الوسطى، وكان من أبرزها حركة مارتن لوثر والإصلاح الديني البروتستانتية (1483-1546م). لقد حاول مارتن لوثر مقاومة سيطرة الكنيسة وهيمنتها؛ حيث نادى بالتخلص من كل العبوديات التي كانت تنادي بها الكنيسة ما عدا العبودية للخالق. غير أنّه في حركته هذه لم يستطع الخروج من قالبه المسيحي؛ إذ لم يكن يتصور أن هناك خلاصًا لأي إنسان خارج المسيحية، حيث كان يرى أن الإنسان الكامل هو الإنسان المسيحي المؤمن.

د ــ بروز حركة التنوير أو الثورة العلمية منذ القرن السابع عشر الميلادي، وذلك من خلال المفكرين الذين حاولوا أن يغيروا التصورات القديمة عن العالم الطبيعي وبخاصة ما جاء منها في أفكار بطليموس والتصورات اليونانية المختلفة عن الإنسان. لقد كانت أفكار نيوتن وهارفي وديكارت وباسكال وكيبلر وجاليلوا من أهم الأفكار البارزة في عصر حركة التنوير الأولى. لقد كانت الفكرة الأساسية التي ميزت مفكري التنوير هي أن البشر يستطيعون أن يبلغوا قدرًا من الكمال على الأرض؛ وذلك من خلال سيطرة الإنسان على الطبيعة، والبعد عن الميتافيزيقيات، واستثمار طاقات العقل، ومن ثم ربط التقدم العلمي بالمعنى الثقافي والأخلاقي للأمة. لقد قادت أفكار التنويريين الأوائل إلى ظهور مفكرين بارزين من أمثال آدم سمث صاحب كتاب «ثروة الأمم» وجان جاك رسوا وجون آدمز وفولتير. لقد قادت حركة التنويريين إلى ظهور الدستور في إنجلترا، كما مهدت للثورة الفرنسية، وظهور الموسوعة الثقافية أداة فاعلة للصراع ضد السلطة إلى جانب ظهور حركة الليبرالية بعدها خطًا مقاومًا للأفكار المسيحية الدينية، وبالتحديد الأفكار الكاثولوكية.
على أن النتيجة البارزة لحركة التنويريين هي صياغة «مفهوم المجتمع المدني» على أساس المواطنة القومية، وإسقاط كل الانتماءات السائدة آنذاك من طائفية أو مذهبية، وتغيير مفهوم الأغلبية الذي كان دينيًا؛ ليصبح سياسيًا مستندًا إلى قاعدة سياسية وحزبية تستمد قوتها من خلال أصوات الناخبين التي قادت في النهاية إلى ظهور الدساتير.

هـ ــ مقاومة أي دعوة للسلطة المطلقة التي كان يدعو إليها أشخاص، مثل: بوسية وتوماس هوبز صاحب كتاب «التنين» (1797-1709م) الذي كانت أفكاره مماثلة لأفكار «بودان» الذي سبقه بحوالي قرن من الزمان. لقد كان أبرز مقاومي السلطة المطلقة كتّاب، مثل: «جون لوك» و «روسو»، حيث ظهر في كتاباتهما مفهوم التعاقد الاجتماعي وحق الملكية، والمواطنة والمساواة والملكية الخاصة والحالة الطبيعية «الفطرة» والأهلية في السيادة والسلطة بدلاً من الخضوع المطلق للحاكم. لقد تمثّلت أهم مكونات المجتمع المدني في هذه المرحلة التأسيسية في مبدأ الحرية الفردية الذي ينطوي على حق الملكية أولاً، اعتمادًا على مفهوم المواطن الذي يشكل اللبنة الأساسية في مضمار المجتمع المدني. أما ما يشكل المبدأ الثاني المكمل لسابقه فهو التعاقد الاجتماعي بين مواطنين أحرار بغية تنظيم شؤون مجتمعهم، في ظل مبدأ سيادة القانون، وهو الركن الثالث، والمبدأ الذي لا غنى عنه لاستمرار الجماعة. وأخيرًا يأتي مبدأ فصل السلطات، ليضمن عدم إساءة استخدام السلطة من قبل فرد أو أقلية، وليؤمّن المشروعية المجتمعية للسلطة القائمة على الاختيار الطوعي للجماعة، لينتج عن المبادئ السابقة ما يسميه «لوك» الحكم المدني الصحيح.

و ــ ظهور الحركة الليبرالية. لقد كانت هذه الحركة استمرارًا لمقاومة سيطرة الكنيسة والحكم المطلق، حيث كانت النزعة الفردية أبرز مرتكزات الليبرالية. لقد كانت أهم دعوات هذه الحركة ماثلة في القول: «إن على كل فرد أن يسوي أموره مع الله بطريقته الخاصة» أو تطبيق مبدأ «دعه يعمل دعه يمر» الذي تبناه المذهب المنفعي في الاقتصاد.

ز ــ التعددية. يُعبَّر عن التعددية بصيغ مختلفة منها التيارات الثقافية والحركات الاجتماعية والأحزاب السياسية وصيغ التعاون النقابي والجمعيات والاتحادات المختلفة. من هذا المنطلق يُفضي مبدأ التعددية إلى أهمية بناء التحالفات، بغية استقطاب الرأي العام، خصوصِا على المستوى السياسي. وقد بينت التجربة الديمقراطية الليبرالية، أهمية ومعنى وجود المعارضة، ودور وسائل الإعلام وحرية التعبير، بصفتها وسائل رقابة اجتماعية، على سبل ممارسة السلطة ومدى التزامها وتطبيقها للقوانين السائدة، بل وإمكانية محاسبتها طبقًا للدستور. وبهذا المعنى، تكون المعارضة صاحبة سلطة أيضًا؛ وإن كانت ممارستها لهذه السلطة متوقفة على شروط وظروف خاصة؛ مما يمنع من احتكار السلطة وتمركزها. ولا يكتمل دور التعددية إلا من خلال تطبيق مبدأ التداول السلمي للسلطة، هذا المبدأ الذي يشكل أحد الأسس التي يتركز عليها النظام الليبرالي. إن تداول السلطة أو دورانها كما يُقال يوسع القاعدة الاجتماعية المعنية باتخاذ القرار والمشاركة في صنعه، عبر الهيئات البرلمانية، وعلى مستوى المجالس المحلية في المدن والمصانع المنتخبة مباشرة، والتي تشارك الإدارة في الإشراف على سير العمل وتقديم الخدمات للمواطنين.
إن أهم رسالة في تيار التعددية تتمثل في ثنائية المجتمع والدولة؛ أي: القبول بوجود مجتمع مدني متعدد الأشكال؛ مما يتيح لعدد كبير من الفاعلين الاجتماعيين إمكانية تولي جزءًا من سلطة الدولة، وخضوع الإدارة العامة لرقابة الرأي العام. لقد ارتكزت التعددية على الأفكار الليبرالية التي نادى بها جون لوك وجون ستيورات مل وجون رولز في كتابه الشهير «نظرية العدالة»، وفوكوياما صاحب «نهاية التاريخ والإنسان الأخير».

ح ــ ظهور الأعمال المساندة لمفهوم المجتمع المدني المتمثلة في كتابات هيغل، وماركس وغرامشي. فلقد ركز هيغل على قضية الضوابط والنظم والقوانين في مقابل السلطة المطلقة، وظهور الهيئات المدنية الحرفية كالنقابات والأندية والجمعيات التعاونية وغرف التجارة والصناعة، وغيرها من المنظمات التعاونية الأخرى التي ينشط عبرها أعضاء المجتمع المدني، ويعبرن عن فعالياتهم السياسية، ومشاركتهم في صنع القرار وفق قوانين ونظم الدولة الليبرالية أو ربما على النقيض منها، وإن كان بالطبع لم يقلل هيغل من مكانة الدولة؛ حيث جعلها تعلو على المجتمع وتقوده. أما كارل ماركس فقد ربط مفهوم المجتمع المدني بالاقتصاد، وذلك بارز من خلال كتاباته المختلفة في إسهام منه في نقد الاقتصاد السياسي «ورأس المال»، وربط مفهوم المجتمع المدني بالقوى الإنتاجية حيث يقول: «إن شكل التعامل المحدد بالقوى الإنتاجية الموجودة في جميع المراحل التاريخية السابقة، والمحدد بدوره لهذه المراحل، هو المجتمع المدني، وإن لهذا المجتمع المدني مقدماته وأسسه في الأسرة البسيطة والمركبة. وأنه لمن الواضح سلفًا أن المجتمع المدني يشكل البؤرة الحقيقية أو المسرح الحقيقي للتاريخ كله». كما يقول في مكان آخر: «يشتمل المجتمع المدني على جميع علاقات الأفراد المادية ضمن مرحلة معينة من تطور القوى المنتجة. إنه يشتمل على مجمل الحياة التجارية والصناعية لمرحلة معينة، وبذلك يتجاوز الدولة والأمة، بالرغم من أنه لابد له على أية حال، من تأكيد ذاته في الخارج من حيث هو دولة، وفي الداخل من حيث هو قومية». لقد كان الاختلاف البارز بين هيغل وماركس ماثلاً في إقرار الأول بأهمية الدولة في حين يقلل ماركس من أهمية الدولة، ويرى أهمية المجتمع المدني على حسابها. أما «غرامشي» فتعد كتاباته من أبرز الأطروحات في مجال المجتمع المدني، وبخاصة للمثقفين العرب؛ حيث ركز على عنصر الثقافة. فلقد عرّف غرامشي المجتمع المدني بأنه «الهيمنة الثقافية والسياسية، حيث تمارس الطبقة الاجتماعية هيمنتها على كامل المجتمع كاحتواء أخلاقي للدولة». كما ينظر غرامشي إلى الدولة بصفتها المجتمع السياسي زائد المجتمع المدني. لقد كان غرامشي ينظر إلى المجتمع المدني بصفته فضاء للهيمنة الثقافية الأيديولوجية حيث تسعى التنظيمات الخاصة، مثل: دور العبادة، والنقابات، والمدارس إلى تنسيق، وتوحيد مواقف الفئات والطبقات الاجتماعية؛ كمقدمة لابد منها لتحقيق السيادة السياسية؛ وذلك من خلال فاعلية الحزب «المثقف الجمعي»، وقدرته على تعبئة وحشد كل أصحاب المصلحة في التغيير تحت قيادته كونه يحمل لواء الإصلاح والتغيير، ويسعى لنشر هيمنته الثقافية والسياسية على كامل المجتمع المدني. وهكذا يرى غرامشي على غرار «ابن خلدون» أن المطاولة الثقافية هي أساس وشرط نجاح المطاولة السياسية.

ط ــ تبني الحركات الديمقراطية لمفهوم المجتمع المدني بعدها محققًا لمطالب الليبرالية والعدالة والمساواة والتصويت وحركة الشعب، والالتزام بالقانون، والحد من السيادة المطلقة للحاكم… . هذه المفاهيم وجدت صداها في ظهور قانون الحقوق في بريطانيا 1689م، والدستور الأمريكي 1787م، والثورات الفرنسية المتتالية في الأعوام 1830- 1848- 1871م. وبإيجاز يمكن القول بأن مفهوم المجتمع المدني في الثقافة الأوروبية هي نتاج الوضع التاريخي في أوروبا بخاصة ما يتصل منها بسيادة الكنيسة والحاكمية المطلقة؛ حيث أدى هذا الوضع إلى النظر إلى الدولة نظرة سلبية إما بعدها وضعًا متطرفًا أو جهازًا قمعيًا أو وسيلة للسيطرة، وأن الدولة ليست هي الذي يكيف المجتمع المدني بل إن المجتمع المدني هو الذي يكيف الدولة. هذه النظرة للدولة في مقابل المجتمع المدني جعل الاهتمام يتحول من الكتابة في مكانتها ودورها في المجتمع إلى الاهتمام بموضوعات أخرى، مثل: الحركات الاجتماعية والطلابية والثقافية والعمالية والنسوية.
أما في العالم العربي فإن تعامله مع مفهوم المجتمع المدني يدخل في جملته في إطار تأثر الثقافة العربية بالثقافات الأجنبية، وعلى وجه التحديد الثقافة الأوروبية والأمريكية مثله في ذلك مثل التأثر بمعطيات التقنية أو الموضة بشتى صورها المختلفة. على أنه ومع الإقرار بوجود مثل هذا التأثر إلا أن تلقي واستجابة المفكرين والمثقفين العرب للمفاهيم الأجنبية بشكل عام والغربية بشكل خاص ليس على وتيرة واحدة، فمنهم من يرفضها على الإطلاق، ومنهم يقبلها أيضًا على الإطلاق، ومنهم من يحاول إرجاع هذه المفاهيم إلى بعض الممارسات العربية أو الإسلامية؛ ليسوغ ويسوق لقبولها في المجتمع، وهناك طرف ثالث يحاول أن يكيّف هذه المفاهيم بما يتفق وقيم المجتمع العربي بشكل عام ومجتمعه الذي يتواجد فيه بشكل خاص، هذا الوضع المتعلق بالتعامل مع المفاهيم الأجنبية إذا ما حاولنا تطبيقه على مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي فإننا وقبل كل شيء يجب أن نفهم حقيقة المجتمع العربي في الوقت الراهن. هذا المجتمع العربي في جملته يعاني في الوقت الراهن من كثير من الضغوط السياسية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية الناجمة عن البنية الاقتصادية الهشة، والحملات الإعلامية الغربية، وعلى وجه التحديد الأمريكية والصهيونية، والآثار الناجمة عن حروب الخليج المتوالية، ومفاهيم العالم الجديد والعولمة. والمعتنقين من مثقفي العالم العربي لأي أفكار غربية بغض النظر عن ملاءمتها لقيمنا العربية التي جعلت مقاومته للمفاهيم الأجنبية ضعيفة جدًا.
انطلاقًا من هذه الحقيقة يأتي مفهوم المجتمع المدني كأحد المفاهيم التي برزت الدعوة إليها حديثًا، وعلى وجه التحديد بعد حرب الخليج الثانية، على الرغم من أن ظهورها يعود إلى بداية السبعينيات الميلادية؛ نتيجة للتأثر بأفكار ومؤلفات أنطونيو غرامشي التي وجدت ميولاً كبيرًا لها وبخاصة في بلدان المغرب العربي.
لقد حمل المجتمع المدني في طياته الدعوة إلى التعددية والحزبية، والممارسة للديموقراطية الغربية، والتركيز على الثقافة، وإعطائها الدور الأكبر في الإسهام في حركة المجتمع السياسية، وقيام تنظيمات أو منظمات توعية أو رسمية مستقلة عن السلطة السياسية تهدف إلى تعزيز التماسك والتضامن بين أعضاء المجتمع في مقابل الاستقلال النسبي عن الدولة أو الحد من قوتها بل وإقصاء الدولة إذا اقتضى الأمر ذلك. ومن أجل تحقيق هذه المطالب فقد برزت مفاهيم مصاحبة للمجتمع المدني، مثل: المواطنة، وحقوق الإنسان، والمشاركة السياسية والشرعية والثقافية … .
على أن التعامل مع مفهوم المجتمع المدني وتسويقه في الثقافة العربية لم يكن على وتيرة واحدة. ففي الوقت الذي حاول فيه بعض المفكرين قبول هذا المفهوم بمضامينه الأوروبية أو الغربية كاملة نجد أن هناك من يحاول إيجاد مفاهيم وتصورات بديلة لهذا المفهوم الغربي من خلال البحث في مخزون ذاكرة الثقافة العربية بما يسهل قبوله لدى المواطن والمفكر العربي وتعبيرًا عن رفض الهيمنة الغربية. هذه المفاهيم البديلة تمثلت في استخدام مصطلحات من قبيل «المجتمع الأهلي» بدلاً من المجتمع المدني «والجماعة» عوضًا عن المجتمع السياسي ومجتمع المدنية والسياسة المدنية. بل لقد حاول بعض المتحمسين للثقافة العربية ربط مفهوم المجتمع المدني ببعض الممارسات التاريخية الإسلامية، وبخاصة ما حدث في عهد الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ فيما تم التعبير عنه بمسمى «وثيقة المدينة» أو «الصحيفة» أو ما أطلق عليه البعض «دستور المدينة». وكما حاول بعض المفكرين العرب تكييف هذا المفهوم بما يتفق وقيم الثقافة العربية نجد البعض يعترض بل ويرفض مفهوم المجتمع المدني انطلاقًا من مفاهيم الخطاب الماركسي الذي نظر إلى هذا المفهوم بعده مفهومًا برجوازيًا، وأنّ تداوله أو تبنيه يصب في خدمة الأيديولوجية البرجوازية. هذا التناقض في التعامل مع مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي ازداد تعقيدًا نتيجة لعدم الاتفاق على تعريف موحد للمفهوم، ومحاولة التأكيد على المفهوم البديل وبخاصة مفهوم المجتمع الأهلي الذي يتذبذب بين قبول ورفض مكونات المجتمعات الطائفية والقبلية والعائلية، وحرصه على الاستقلال النسبي عن الدولة ومؤسساتها من خلال قيام الأهالي بأدوار التنظيم الاجتماعي والتعليم، وتقديم بعض الخدمات الصحية والاجتماعية عبر معطيات متأصلة في التاريخ الإسلامي، مثل: الزكاة والوقف والمسجد والزوايا والتكايا والمستشفيات، أو ممارسات حديثة كالجلسات الخاصة أو الاجتماعات الدورية أو الديوانيات. من ناحية أخرى فإن التأكيد على الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي وعدّ الثاني خصمًا للأول قد أوجد نوعًا من الاختلاط والتشويش في فهم مصطلح المجتمع المدني في الثقافة العربية، وممارسته على أسلوب واضح نزيه. وأخيرًا فإن الأمر بالنسبة لتسويق مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي قد واجه معوقات أخرى جعلته يعاني في حد ذاته من القصور بل والنبذ؛ حيث تم ربطه بمفاهيم فضفاضة أو غير مقبولة لأغلب قطاعات المجتمع العربي. من هذه المفاهيم: التسامح الديني والاجتماعي والفكري، وحقوق المرأة والديموقراطية الغربية والعلمانية. بل لقد وصل البعض إلى حد القول إلى أنه لا يمكن تطبيق مفهوم المجتمع المدني دون ديموقراطية، وأنه لا يمكن تصور ديموقراطية دون علمانية، ليحصر القضية بعد ذلك في صورة خلاف بين الدين والسياسة. بناءً على هذه النتيجة يدعو بعض المتحمسين للمجتمع المدني إلى إعادة التفكير بالعلمانية؛ بغية إعادة تصور مختلف للعلاقة بين رجل الدين ورجل السياسة يُنهي على حد تعبيره القطيعة بينهما، ويمكن العلمانية من الاندراج في نسيج المجتمع المدني.

مما سبق نخلص إلى القول بأن مفهوم المجتمع المدني هو مفهوم أوروبي بشكل خاص وغربي بشكل عام. لقد وُلد هذا المفهوم في أحضان الثقافة الأوروبية بسبب العلاقة بين الكنيسة والمجتمع والدولة والكنيسة والدولة والمجتمع؛ حيث نشأ الصراع بينهما من أجل الحد من هيمنة أيًّا منهما حيث كانت نتيجتها الدفع نحو إشراك أفراد المجتمع ومؤسساته الخاصة في قرار وأنشطة المجتمع، وإن كانت حدود هذه المشاركة ومجالاتها غير محددة أو واضحة المعالم. لذلك نجد على سبيل المثال أن مفهوم المجتمع المدني لا يحظى بكثير من القبول في الثقافة البريطانية في مقابل قوة الدولة وبالعكس في إيطاليا التي تتولى مؤسسات المجتمع المدني الكثير من أنشطة المجتمع بل وتنافس الحكومة في كثير من أدوارها بينما نجد الصورة مختلفة في فرنسا وبقية بلدان أوروبا وأمريكا.
أما في العالم العربي فإنَّ المفهوم ما يزال متأرجحًا بين القبول والرفض بسبب ما ارتبط به من مفاهيم غير مقبولة سواءً بالنسبة لأعضاء المجتمع أو الحكومة كإقصاء الدولة، أو الحد من هيمنتها والديموقراطية الغربية والعلمانية. وإن كانت الضغوط الغربية على المجتمع العربي تبرز في وقتنا الراهن أكثر مما سبق، وتدفع باتجاه تبني هذا المفهوم وغيره من المفاهيم الغربية الأخرى السياسية والاجتماعية.

السؤال الثاني: ما التعريفات المطروحة لمفهوم المجتمع المدني؟ وما التعريف الذي نراه ملائمًا؟ لا يوجد في الواقع اتفاق بين المفكرين أو المنظرين حول تعريف مفهوم المجتمع المدني، وذلك عائد إلى الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة في كل عصر يتم فيه طرح هذا المفهوم والتعامل معه. ففي المراحل الأولى لظهور هذا المفهوم نجد التركيز قائمًا على أساس الحد من سلطة الكنيسة، ومشاركة المجتمع في بعض قراراتها؛ ليتطور الأمر بعد ذلك إلى التأكيد على أهمية مشاركة المجتمع مع بقاء التأكيد على أهمية دور السلطة المالكة أو الملك كما كان سائدًا في أوروبا. هذا الوضع تغير بعد ذلك؛ حيث تحولت الدعوة إلى مهاجمة الحكومة ذاتها، والعمل على الحد من قوتها أو مشاركتها في السلطة من خلال المؤسسات الاجتماعية، وذلك على الرغم من عدم تحديد نطاق هذه المشاركة أو مجالاتها حيث بقي المفهوم عائمًا في هذا الصدد سواء من حيث التعريف أو الممارسة .

وبغض النظر عن الإشكالية المرتبطة بتعريف مفهوم المجتمع المدني فإن ذلك لن يحول دون تقديمنا لبعض التعريفات لهذا المفهوم والتي نختار من بينها التعريفات الآتية:

1. المجتمع المدني: هو المفهوم القائم على أساس المواطنة القومية، وإسقاط الانتماءات القديمة من طائفية ومذهبية وقبلية.
2. المجتمع المدني: هو المجتمع الذي يعترف بحق المواطن الإنسان الفرد بدلاً من مفاهيم المؤمن وغير المؤمن الرجل أو المرأة الحر والعبد.
3. المجتمع المدني: تعني قوة المجتمع بجانب السلطة حيث تنطلق مكونات هذا المجتمع من مبدأ الحرية الفردية الذي ينطوي على حق الملكية أولاً، واعتمادًا على مفهوم المواطن الذي يشكل اللبنة الأساسية في مضمار المجتمع المدني. أما ما يشكل المبدأ الثاني المكمل لسابقه فهو التعاقد الاجتماعي بين مواطنين أحرار؛ بغية تنظيم شؤون مجتمعهم، في ظل مبدأ سيادة القانون، وهو الركن الثالث، والمبدأ الذي لا غنى عنه لاستمرار الجماعة. وأخيرًا يأتي مبدأ فصل السلطات؛ ليضمن عدم إساءة استخدام السلطة من قبل فرد أو أقلية، وليؤمِّن المشروعية المجتمعية للسلطة القائمة على الاختيار الطوعي للجماعة؛ لينتج عن المبادئ السابقة ما يسميه «لوك» الحكم المدني الصحيح.
4. المجتمع المدني: يعني الليبرالية والتعددية والمعارضة، وبناء التحالفات؛ بغية استقطاب الرأي العام، ومشاركة الدولة في اتخاذ القرار عبر الهيئات البرلمانية والمجالس المحلية.
5. المجتمع المدني: هو المجتمع القائم على أساس الفرد الجزئي؛ حيث يصبح المجتمع المدني تركيبًا من أعضاء مستقلين يتخذ كل منهم نظرة خاصة تجاه الأشياء، ويعمل من أجل غاياته الخاصة.
6. المجتمع المدني: هو المجتمع المحدد بالقوى الإنتاجية الموجودة في جميع المراحل التاريخية، وأن لهذا المجتمع مقدماته أو أسسه في الأسرة البسيطة والمركبة، وأنه لمن الواضح سلفًا أن المجتمع المدني يشكل البؤرة الحقيقية أو المسرح الحقيقي للتاريخ كله.
7. المجتمع المدني: يعني الهيمنة الثقافية والسياسية، حيث تمارس الطبقة الاجتماعية هيمنتها على كامل المجتمع كاحتواء أخلاقي للدولة.
8. المجتمع المدني: هو جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال عن سلطة الدولة؛ لتحقيق أغراض عدة. منها: أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرارات على المستوى القومي، ومثال ذلك الأحزاب السياسية، ومنها أغراض نقابية كالدفاع عن المصالح الاقتصادية لأعضاء النقابة. ومنها أغراض مهنية كما هي الحال في النقابات للارتفاع بمستوى المهنة، والدفاع عن مصالح أعضائها. ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الكتاب والمثقفين والجمعيات الثقافية التي تهدف إلى نشر الوعي الثقافي وفقًا لاتجاهات أعضاء كل جمعية، ومنها أغراض اجتماعية للإسهام في العمل الاجتماعي لتحقيق التنمية؛ وبالتالي يمكن القول بأن الأمثلة البارزة لمؤسسات المجتمع المدني هي : الأحزاب السياسية، النقابات العمالية، النقابات المهنية، الجمعيات الاجتماعية والثقافية.
9. المجتمع المدني: هو مجموعة التنظيمات التطوعية التي تنشأ بالإرادة الحرة؛ لتملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، وتشمل تنظيمات المجتمع المدني كلاً من الجمعيات والروابط والنقابات والأحزاب والأندية والتعاونيات؛ أي: كل ما هو غير حكومي، وكل ما هو غير عائلي أو إرثي (من الوراثة). والمجتمع المدني هو الأجزاء المنظمة من المجتمع العام. المجتمع المدني هو مجتمع عضويات فبقدر ما يحمل أي مواطن من بطاقات عضوية فبقدر ما يكون عضوًا نشيطًا في مجتمعه المدني.

من التعريفات السابقة نخلص إلى ما يأتي:
1. لا يوجد تعريف محدد لمفهوم المجتمع المدني؛ حيث إن كل تعريف يمثل المرحلة أو الفترة الزمنية التي ظهر فيها هذا التعريف.
2. إن التعريفات الراهنة لمفهوم المجتمع المدني تتجه نحو تفعيل حركة المجتمع فيما يتصل بالمشاركة في اتخاذ القرار على مستوى الدولة، وذلك من خلال الأحزاب أو المنظمات أو الجمعيات أو الأفراد، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى الحد من قوة أو سلطة أو ممارسة الدولة.
3. إن مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي هو انعكاس لتعريفه في المجتمع الغربي، وإن كان هذا التعريف محددًا لكثير من القيم الإسلامية العربية التي جعلت قبوله صعبًا جدًا سواء من قبل قطاع المجتمع أو السياسيين، نظرًا لتداخله مع مفاهيم أخرى، مثل: الليبرالية والماركسية والعلمانية والتعددية والجزئية.
وتبعًا لذلك يمكننا تعريف المجتمع المدني بأنه حركة المجتمع غير الرسمية من خلال أفراد أو جمعيات معينة تهدف جميعها إلى مشاركة الدولة في اتخاذ القرار بأبسط صورة أو تقليص دورها إلى أقصى حد ممكن.

السؤال الثالث: ما وسائل أو أدوات تفعيل مفهوم المجتمع المدني؟ بالرجوع إلى تاريخ ظهور مفهوم المجتمع المدني نجد أن هناك العديد من الوسائل أو الأدوات التي تم استخدامها من أجل تفعيل هذا المفهوم في المجتمع. هذه الأدوات تتراوح ما بين الحوار ومحاولة الإصلاح إلى اللجوء إلى العنف، وتغيير النظام السياسي بالكامل. لذا يمكن أن نجمل وسائل تفعيل المجتمع المدني في النقاط الآتية:

1. ظهور الحركات التصحيحية.
2. توظيف مفهوم التربية المدنية.
3. استثمار واستغلال بعض المفاهيم والممارسات السائدة في المجتمعات الغربية والشرقية، مثل: الحرية، والديموقراطية، والعدالة، والمساواة، إما لأغراض مباشرة أو غير مباشرة نبيلة أو غير نبيلة.
4. تفعيل المؤسسات والتنظيمات الحرة المدافعة عن مصالح الأفراد والجماعات في إطار القوانين التي تسنها الدولة.
5. تحرير السوق والتركيز عليه كمجال للتبادل والتنافس وفق شروط مدروسة أو مقررة.
6. الضغط على الحكومات من خلال الاستعانة بالمنظمات العالمية أو الحكومات الأجنبية.
7. الدعوات الفردية التي تعمل على مساندة ودعم الحكومة من خلال تبصيرها ببعض جوانب القصور لديها.
8. الدعوات الفردية التي تعمل على التعبير عن وجهة نظرها حول عدم إقرارها لممارسات الحكومة، وذلك من خلال وسائل الإعلام، أو الانضمام لبعض المنظمات والجمعيات الوطنية أو العالمية.
9. استثمار المؤسسات والتنظيمات القائمة التي تسمح بوجودها الدولة كالأندية الأدبية والرياضية والثقافية والاجتماعية والخيرية والجمعيات العلمية والجلسات الخاصة الدورية.
10. استخدام العنف والعنف المضاد من قبل بعض الأفراد والجماعات بهدف تغيير الأوضاع القائمة.

يعتقد المنادون بتطبيق مفهوم المجتمع المدني بأن الطبيعة التطوعية لتنظيمات أو مؤسسات المجتمع المدني هي سر قوتها في مقابل قوة الدولة، وأن عضوية هذه التنظيمات تعطي الفرد إحساسًا بأنه قادر على التأثير، ولو بقدر متواضع في بيئته الاجتماعية. كما تعطيه قدرًا ولو متواضعًا من الشعور بالأمان الجماعي في مواجهة الدولة، وتتيح له عددًا كبيرًا من فرص النمو الذاتي، كما تزوده بقدر لا بأس به من المهارات التنظيمية والسياسية. بل يذهب البعض إلى القول بأن تنظيمات المجتمع المدني هي التي تملأ الفراغ الذي يترتب على تقهقر الدولة في مجالات خدمية أو إنتاجية كانت تقوم بها أو تعوض ولو جزئيًا من عجز الدولة عن الوفاء بهذه المتطلبات الخدمية الإنتاجية.

وخلاصة القول بأن هناك العديد من الوسائل أو الأدوات التي تُطبق من أجل تفعيل مفهوم المجتمع المدني، والتي تتراوح ما بين أسلوب الحوار والسِّلم إلى أسلوب العنف والمقاومة، والتي تتباين غايتها من محاولة إصلاح مسيرة وأخطاء الحكومة إلى محاولة إقصائها. هذه الوسائل في مجملها لا تنظر بعين الرضا إلى الحكومة في وقتها الراهن، ولا تؤمن بسيادتها المطلقة في القرار بل قد يصل الأمر إلى عدم الثقة بها وبخاصة في العالم العربي.

انطلاقًا من الحقائق السابقة يمكن القول بأننا أمام أربع خيارات رئيسية للتعامل مع مفهوم المجتمع المدني، هذه الخيارات هي على النحو الآتي:

الخيار الأول: رفض مفهوم «المجتمع المدني»، وكل ما يحمله من مضامين بعده مفهومًا غربيًا غير محمود الدلالة والمقاصد. هذا الخيار قد لا يكون مقبولاً في وقتنا الراهن، وذلك بسبب تشابك مصالح وثقافة المجتمع السعودي مع مصالح وثقافات المجتمعات الأخرى التي تفرض علينا الاستفادة من تجاربها، والتجاوب مع أطروحاتها بما يتفق مع ثقافتنا الإسلامية العربية.

الخيار الثاني: قبول مفهوم «المجتمع المدني» بالكامل بغض النظر عن إيجابياته أو سلبياته. هذا الخيار ليس بأحسن حالاً من سابقه؛ وذلك لأن مفهوم المجتمع المدني يتضمن الكثير من المعطيات والمتطلبات التي تتعارض مع معتقداتنا وقيمنا الإسلامية العربية السعودية. ذلك أن قبول هذا المفهوم على إطلاقه يقتضي ما يأتي:

أ ـ الإيمان بحرية حركة الناس، وذلك فيما يتصل باختيار من يحكمهم، ومن يمثلهم في مؤسسات الدولة، وأن ينتظموا بالشكل المناسب الذي يحقق مصالحهم.
ب ـ كف الدولة عن إدخال يدها في التأثير على التشريعات أو الأنظمة التي تحكم حركة وسير مؤسسات وتنظيمات وأنشطة المجتمع المدني.
جـ ـ إعطاء ضمانات للأفراد والتنظيمات المنخرطة في مسيرة المجتمع المدني بأن حركتهم وأنشطتهم لن تستغل ضدهم في المستقبل من قبل الدولة.
د ـ تغيير كامل الأنظمة أو التشريعات التي تحد من حركة أفراد المجتمع، ومنها حركة المرأة والأقليات والطوائف وبعض التجمعات ذات التوجه الفكري أو السلوكي الذي قد يتناقض مع القيم الإسلامية.
هـ ـ تطبيق منهج التربية المدنية القائم على أساس تعليم المواطن أن يكون مواطنًا وتعليمه طبيعة وحدود العلاقة بينه وبين الحكم والمكان والزمان.
و ـ الدعوة إلى إجراء حوار وطني مع كل فئات المجتمع بغض النظر عن انتماءاتها العقدية أو المذهبية أو القبلية أو الثقافية.
ز ـ إيجاد ميثاق أو نظام يحدد العلاقات بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، على أن يُترك لهذه المؤسسات حرية اختيار الوسائل التي تناسبها فيما يتعلق بممارسة أنشطتها وتحقيق أهدافها.

الخيار الثالث: قبول مفهوم المجتمع المدني وتطويعه بما يتفق وثقافتنا المحلية.
هذا الخيار ليس جديدًا في الواقع بل هو ما يطبق في جله في الوقت الراهن سواء ما يتعلق منه بإتاحة المجال للجمعيات الأهلية، أم الجمعيات الخيرية، أم الجمعيات العلمية أم النوادي أم المجالس الخاصة. غير أننا هنا يجب أن نعيد تقييم تجربتنا في هذا المجال، لتحديد إيجابيات وسلبيات الوضع الراهن، واقتراح الوسائل الممكنة للاستعداد والتهيؤ ما هي؟ ومن يقوم بذلك؟ أو أن المقصود شيء آخر بما يضمن تلبية احتياجات المجتمع، والمواطن والمثقف فيما يتصل بتفعيل مضامين مفهوم المجتمع المدني.

إن تبني مفهوم المصلحة العامة مفهومًا مستمدًا من الشريعة الإسلامية سوف يوفر لنا البديل الأقوى في مواجهة أطروحات وتحديات المجتمع المدني. بل إن تبني مفهوم المصلحة العامة سوف يقلل من انتقادات الآخرين لممارسات الحكومة، كما سيعمل على جلب المزيد من المؤيدين من أبناء المجتمع لمفهوم «المصلحة العامة» بصفته مفهومًا إسلاميًا بديلاً عن المفهوم الغربي «المجتمع المدني».


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الحماية الاجتماعية للموظف


الحماية الاجتماعية للموظف – صندوق الضمان الاجتماعي-

المقدمة العامة:

يحتاج الجميع، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، إلى حد أدنى من الحماية الاجتماعية وسلامة الدخل، يحدد وفقاً لقدرة مجتمعهم ومستواه من التنمية. ولن يحدث هذا تلقائياً. وقد ثبت بالتجربة إن الاعتماد على التنمية الاقتصادية والديمقراطية وحدها ليس كافياً. ولذلك يجب على كل بلد من البلدان أن يطور من خلال الحوار الاجتماعي نظاماً وطنياً للحماية الاجتماعية يلبي احتياجات كل سكانه، وخاصة منهم العمال والمجموعات المستبعدة التي تعمل في الاقتصاد غير المنظم.
و يكون دلك من خلال نظام الضمان الاجتماعي. ويتعين على كل بلد أن يحدد أولويات وفقاً للموارد والظروف المحلية. و نجد أن البلدان الغنية أكثر انشغالاً بسلامة الدخل في السن المتقدمة، في حين إن البلدان الأكثر فقراً قد تعطي أولوية أعلى للرعاية الصحية الكافية وللتامين ضد مخاطر العجز والوفاة.
وقد أكد البنك الدولي في تقرير صادر له مؤخرا أن نسبة سكان العالم المحميين في أي من الأوقات في إطار شبكات أمان حكومية تقل عن ربع عدد سكان العالم، و أن نسبة المؤمنين تقل في بلدان العالم الثالث، بينما تزداد بثبات واستمرار تقدم برامج الحماية الاجتماعية في البلدان مرتفعة الدخل منذ ولادة مفهوم دولة الرعاية الاجتماعية،و يعتبر العديد من البلدان النامية شبكات الأمان هذه إجراءات تتخذ في آخر المطاف، تستخدم في أوقات الطوارئ وبعد ذلك توضع على الرف عقب انتهاء الأزمة. ويحذر البنك الدولي من أن أزمة شرق آسيا، التي وقعت مؤخرا وضربت الأسواق الناشئة بدءا بروسيا وانتهاء بالبرازيل، لا تبرز الضرورة الملحة لحماية الفقراء والمعرضين للمعاناة أثناء فترات الاضطراب والتغيير الاقتصادي فحسب، بل تبيّن أيضا ضرورة وجود شبكات الأمان الاجتماعي قبل حدوث الأزمة لتعظيم فرص نجاح هذه الشبكات. فعند وقوع أزمة، يمكن أن يكون من الصعب على الحكومات العثور سريعا على التأييد السياسي والأموال والخبرة اللازمة للاستجابة للطوارئ الاجتماعية.
ادن فالبلدان النامية تحتاج إلى آليات توسع نطاق الحماية الاجتماعية ليشمل أولئك الذين يوجدون على هامش البقاء، وتدمج هذه النظم في الوقت ذاته في المفاهيم التعددية الوطنية المتعلقة بالحماية الاجتماعية الشاملة. أما البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية، فهي تحتاج إلى إقامة نظم أكثر استجابة لحقائق التغير الهيكلي الكبير في اقتصادياتها. وأما البلدان الصناعية، فهي تحتاج إلى إلقاء نظرة جديدة على التغطية والكفاية والاستدامة المالية للعديد من أشكال الحماية الاجتماعية بغية تحسين تجاوبها مع زيادة مرونة ولامركزية أسواق العمل، ومع تغير الهياكل الأسرية. على أن البلدان، أينما كانت، ستحتاج إلى إدماج أنماط مختلفة من الحماية الاجتماعية لتشكل كلاً واحداً متماسكاً، يدعمه التفاهم الوطني ويطوره الحوار الاجتماعي بصورة خاصة.
وسنتطرق في بحثنا هذا إلى واقع الحماية الاجتماعية في الجزائر و تونس وذلك بدراسة صندوق الضمان الاجتماعي في البلدين و آليات عمله.

الفصل الاول:

1- الحمـاية الإجتمـاعية:

أ- مفهوم الحماية الاجتماعية:
تشمـل الحمـايـة الإجتمـاعيـة مجموعـة الأليـات والمؤسسـات التـي تـرتكز علـى مبـدأ التضـامن والتكـافل والتـي تضمن للأفـراد الحمـاية مـن الأخطـار الإجتمـاعية المتمثلـة أساسـا فـي الأمراض و البطـالة والمخاطر التي قد تنجم أثناء العمل و الفقر و التكفل بالمتقاعدين ودوي الاحتياجات الخاصة . إن الحمـاية الإجتمـاعية يمكـن تلخيصهـا فـي الدور الـذي تقـوم به صنـاديق الحمـاية الإجتمـاعية عبـر الـدول .

ب- أهداف الحماية الإجتماعية :
تعتبر الحماية الاجتماعية رافدا للتنمية وآلية للمحافظة على الموارد البشرية ولتكريس قيم التضامن والتآزر بين مختلف الفئات والأجيال وتحسين مستوى عيش الأفراد والأسر ودعم أواصر الاستقرار والتماسك الاجتماعي، ويمكن تلخيص أهداف الحماية الاجتماعية فيمايلي:
– حمـاية الأفـراد من المخـاطر الإجتمـاعية : تهدف الحماية الاجتماعية الى حماية كل أفراد المجتمع و تأمينهم ضد بعض الأخطار مثل: المرض ، الموت ، البطـالة ، حوادث العمل
– المساهمة في اعادة توزيع الخل الوطني : من خلال إعـادة توزيـع المداخيـل أي الإقتطاع من دخل الفئة العاملة وتوزيعها على الفئة غير القادرة على العمل. مثـل فئـة المتقـاعـدين.
– مسـاعـدة وتحفيـزالتنميــة الإقتصـادية وذلك مـن خـلال المحـافظة علـى القـدرة الشـرائية للأفــراد ( دعــم الطلـب ) .
– تضمن تمتع الناس بالأمن الاجتماعي والاقتصادي الأساسي الذي يمكنهم من تنمية إمكاناتهم البشرية: في العمل، وضمن أسرهم، وفي المجتمع عموما
– تخفيف المخاطر الاجتماعية وتوسيع الفرص أمام الفقراء والمعرضين للخطر
– تعتبر الحماية الاجتماعية أحد الركائز الأساسية لتكريس مبدأ التلازم بين الأبعاد الاقتصادية والأبعاد الاجتماعية والإنساية للتنمية .

ج‌- اليات الحماية الاجتماعية:
تلعب الحماية الاجتماعية دورا هامـا فـي حيـاة المجتمع مـن النـاحية الاقتصادية والاجتماعية خـاصة. ولهـذا تخصص لها الـدول مجموعة مـن الأنظمة و الآليات التـي يمكن أن تنـدرج ضمـن صناديق متعددة ومتنوعة أو حتى وزارات مثلما هو الحال في الجزائر ، وكذا جمعيات المجتمع المدني ، و غالبا ما تكون أليات الحماية الاجتماعية في الدول في شكل صناديق للضمان الاجتماعي و التامين عن البطالة و التقاعد ، وحماية المعاقين و ذو ي الاحتياجات الخاصة ، و حماية المرأة العاملة

2- الحماية الاجتماعية في الجزائر:

عرفت الحماية الاجتماعية في الجزائر منذ الاستقلال تطورا كبيرا تجسّد من خلال العديد من التنظيمات والقرارات والاجراءات التي تمّ إتخاذها والتي تهدف إلى تحقيق شمولية التغطية الاجتماعية لكافة الفئات الناشطة والشرائح الاجتماعية وتحسين مستويات المعيشة، و يمكن تلخيص نظام الحماية الاجتماعية في الفروع التالية:

Cnas- : الصنـدوق الوطنـي للتأمينـات الإجتمـاعية ويشمـل العمـال الذين يتقـاضـون الأجـور بصفـة عامـة , وكـذلك بعض الفئـات الأخـرى) , المعوقين , المجاهدين , ….) .
حيث تقتطـع نسبـة من أجـور العمـال شهـريا لتغطيـة النفقـات الناجمـة عن المـرض أو حوادث العمـل .

-casnos : الصنـدوق الوطنـي للتأمينـات الإجتمـاعية لغيـر الأجـراء هـذا الصنـدوق خـاص بأصحـاب الحـرف وأربـاب العمل وبصفة عامـة كل من يمتـلك محل تجاري فهو ملـزم بتسديد إشتراكـاته لضمـان الإستفادة من التعويضات عنـد المـرض أو التعرض لحـادث عمـل , وكـذا للحصـول علـى التقاعد .
Cnac – : الصنـدوق الوطنـي للتأميـن علـى البطـالة تضمـن هذه الهيئـة للعمـال الذيـن تـم تسـريحهم بمـوجب قانـون وزاري وكذلك في حـالة إغـلاق المؤسسـات العمـومية دفع أجـرة شهرية لفتـرة زمنية معينـة.
Cnr -: الصنـدوق الوطنـي للمعـاشـات تهتـم هذه الهيئـة بتسـديد مستحقـات فئـة المـؤمنين الذين أحيلوا إلى التقـاعد.
Cacobath – : صنـدوق التأمينـات للعطـل مدفوعـة الأجـر يعمـل هذا الصنـدوق كـوسيط بين العـامل وصـاحب العمـل فـي قطـاع البنـاء و الأشغـال العمـومية وذلك من خـلال الإشتراكـات التـي تدفـع سنـويا لهـذا الصنـدوق لتغطيـة أجـور العمـال الخـاصة بالعطـل .
Onaaph – : الديـوان الوطنـي للأعضـاء الإصطنـاعية للمعـوقين أنشـأ هذا الديـوان خصيصـا للفئـة المعـوقة حركيـا حيث يقـوم بتقديم المساعـدات المتمثلة فـي الأعضاء الإصطناعية ، الكراسـي المتحركة, وغيرها من الأجهزة دون مقـابل وهـذه المصاريف تغطـى مـن قبـل صنـدوق الضمـان الإجتماعـي . Fnpos – : الصنـدوق الوطنـي لمعـادلة الخدمـات الإجتمـاعية خصص هذا الصنـدوق لتدعيم بنـاء السكنـات الإجتماعية الخاصة بالأجـراء أي الفئـة العاملـة وهو يمـّّول مـن قبل الـدولة وكذا الصناديـق الإجتمـاعية الأخـر ى .

الفصل الثاني:

الضمان الاجتماعي :

يعتبر نظام الضمان( التأمين) الاجتماعي في الوقت الحاضر من أهم النظم الاجتماعية الحديثة التي تهدف إلى معالجة الآثار التي تنجم عن الأخطار التي يتعرض لها العامل خلال حياته الوظيفية وهى الشيخوخة والعجز والوفاة وإصابة العمل والمرض والبطالة وذلك عن طريق إيجاد بديل للأجر في حالة انقطاعه بسبب تحقق أي من هذه الأخطار سواء كان هذا البديل في صورة تعويض أو معاش بحسب الأحوال بما يكفل للعامل ولأسرته من بعده حياة كريمة ومستقرة.
ويعتبر الحق في الضمان الاجتماعي من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تنص عليها مجموعة من العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وهي لاتقل أهمية عن الحقوق المدنية و السياسية . ويستفيد الأجراء المصرح بهم في صندوق الضمان الاجتماعي من تعويضات عن العجز المؤقت الناتج عن الأمراض والحوادث ، وعن الإحالة عن التقاعد الجزئي
المرجعية الدولية للحقوق الاجتماعية (الحق في الضمان الاجتماعي )
تعتبر المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان وكذا التوصيات والاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية من أهم مرجعيات الحقوق الاجتماعية وتتمثل في مجموعة من العهود والاتفاقيات :
ـ المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: ” لكل شخص بصفته عضوا في المجتمع الحق في الضمانة الاجتماعية “.
ـ المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : ” لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة ، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش الكريم نتيجة لظروف خارج عن إرادته “
. المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية : “تقر الدول الأطراف في العهد الحالي بحق كل فرد في الضمان الاجتماعي بما في ذلك التأمين الإجباري”.
ـ المواد 10 ـ 11 و 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى مجموعة من التوصيات والاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية :
ـ التوصية 67 لسنة 1944 حول المقاييس العامة التي تهم ضمان أسباب العيش .
ـ الاتفاقية 102 لسنة 1952 حول المقياس الأدنى للضمان الاجتماعي
ـالاتفاقية 118 لسنة 1962 حول المساواة بين عمال البلد والأجانب في مجال الضمان الاجتماعي .
ـالاتفاقية 157 لسنة 1982 حول إقرار نظام دولي للحفاظ على الحقوق في مجال الضمان الاجتماعي .
ـالتوصية 167 لسنة 1983

الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي:

1- مهــام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي :
يمكـن تلخيـص مهــام الصنـدوق فـي النقـاط التـالية :
– تسييـر التعويضـات المـادية كمصـاريف العلاج , العطـل المرضية, حـوادث العمـل و الأمـراض المهنيـة .
– تسييـر تعويضـات المنـح العـائلية علـى حسـاب الـدولة مـن الخـزينة العمـومية.
– تأميـن التحصيـل و المراقبـة ومنـازعات التحصيـل .
– المسـاهمة فـي تنميـة السيـاسـة و الـوقـايـة مـن حـوادث العمـل و الأمـراض المهنيـة .
– تسييـر تعـويضـات الأشخـاص المستفيـدين مـن الإتفـاقيـات الـدولية .

2- هيكلة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي:
يتخـذ التنظيـم العــام للصندوق شكـل مديـريـات فـرعية تنـدرج ضمن المقر المركزي (المديرية الوطنية) الكائن مقرها بالجزائر العاصمة، الوكالات الولائية ، مراكز بلديـة و فروع مـؤسسة أو فروع إدارة. ويعتبـر هـذا التنظيـم آدات فعـالة فـي عمـلية الرقـابة وتحـديد المسؤوليـات وكـذى تبييـن مختلف العلاقـات بيـن الفروع و الوكالات وهـي على النحـو التالـي :

أ- المقر المركزي (المديرية الوطنية) : و تتولى الوظائف التالية :
تنظيم و تنسيق و مراقبة :
*نشاطات الوكالات الولائية و فروع الإدارة.
* تسيير الوسائل البشرية و المادية للصندوق.
* تسيير ميزانية الصـندوق , تنسيق العمليات المالية و تجميع المحاسبة العامة.
* تنظيم المراقبة الطبية.
* منح للمؤمنين الاجتماعين و المستخدمون رقم تسجيل وطني.
*تنظيم طريقة الإعلام للمؤمنين الاجتماعين و المستخدمين.
* متابعة تطبيق الاتفاقية والعقود في مجال الضمان الاجتماعي.
*تنسـيق و متابعة إنجاز الاسـتثمارات المخـططة

يتكون المقر المركزي للصندوق و تحت سلطة المدير و بمساعدة الأمين العام من :
– المديرية الفرعية للأداءات.
– المديرية الفرعية للتحصيل و المنازعات .
– المديرية الفرعية للمراقبة .
– المديرية الفرعية للمراقبة الطبية .
– المديرية الفرعية للوقاية من حوادث العمل و الأمراض المهنية .
– المديرية الفرعية للدراسات و الإحصائيات و التنظيم .
– المديرية الفرعية للإعلام الآلي .
– المديرية الفرعية للعمليات المالية .
– المديرية الفرعية للإنجازات و التجهيز الوسائل العامة .
– المديرية الفرعية للمستخدمين .

1- المديرية الفرعية للأداءات : وتكلف ب:

* تنظيـم و متابعة تسيير أداءات التأمـينات الاجـتماعية و حوادث العمل و الأمراض المهنية و بصفة انتقالية المنح العائلية.
* تنظيم و متابعة تسيير الأداءات المستحقة بعنوان العطل المدفوعة الأجر طبقا للقوانين و التنظيمات المعمول بها .
* ضمان سير لجنة المساعدة و الإسعافات و تسيير صندوق المساعدة و الإسعافات
* السهر على تطبيق الأحكام المنصوص عليها في الاتفاقات الثنائية الخاصة بالضمان الاجـتماعي ، و القيا م بتصفـية الحـسابات الناشـئة عـن تطـبيق هذه الاتفاقات.
*متابعة تطـبيق التدابير المقررة في مجال التحويلات قصد العلاج و تجميع الفواتير فـي هذا المـيدان و القيام بعـمليات الدفع لفائدة المؤسسات المعالجة و إعدادا حصيلة دورية .

2- المديرية الفرعية للتحصيل و المنازعات: و تتكفل بـ:
* متابعة تحصيل الاشتراكات المستحقة طبقا للقوانين و التنظيمات السارية المفعول .
* السهر على أن يحترم الخاضعين ، التزاماتهم .
* مـنح رقـم تسجيل وطني لكل مـؤمن اجـتماعي, و كل مـستخدم و تسيير البطاقية الوطني.
* متابعة المسائل المتـعلقة بالمنازعات العامة ، التقنية و الطبية ، في مجال الضمان الاجتماعي.
* ضمان سير لجـنة الطعن المسبق

3- المديرية الفرعية للمراقبة: تتمحور مهامها حول :
*مدى تطبيق التشريع و التنظيم في المجال المتعلق بمهام الصندوق.
* الأداءات المدفوعة.
* السـير المـالي و الحسابي للوكالات الولائية و الفروع الأخرى
*تنظـيم و سير الوكالات الولائية و الفروع الأخرى

4- المديرية الفرعية للمراقبة الطبية: و تتكفل بـ:
* ضمان دور المجلس الطبي لدى المقر المركزي.
* تنظيم و توحيد المراقبة الطبية و تنسيق النشاطات .
* مشاركة في إطار القوانين و التنظيمات السارية المفعول في اللجنة التقنية ذات الطابع الطـبي و المتعـلق بالمنازعـات في مجال الضمان الاجتماعي .
– القيام بدراسات تتعلق يـ :
* مقياس العجز عن العمل.
* المدونة العامة للوثائق المهنية و قائمة المنتوجات الصيدلانية القابلة للتعويض ,
* الأجهزة الاصطناعية و أجهزة التبديل.
* جـداول للأمراض المهنية

5- المديرية الفرعية للوقاية من حوادث العمل و الأمراض المهنية: تتكفل بـ :
– المساهـمة في تنفـيذ التدابير المقررة في مجال الوقاية من حوادث العمل و الأمراض المهنية
– إعداد و اقتراح برنامـج نشاط الصندوق فـي مـجال الـوقاية مـن حوادث العمل و الأمراض المهنية.
– تسـيير صـندوق الوقاية مـن حـوادث العمل و الأمراض المهنية.
– تركيز و البحث في التحقيقات التي تجري لدى المؤسسات .
– تنظم ملتقيات تحسيسية.

6- المديرية الفرعية للدراسات و الإحصائيات و التنظيم: و تتكفل بـ :
* القيام بالدراسات و تقديم اقـتراحات فـي مجال الاستثمارات و في إطار الإجراءات المقررة.
* دراسة وإعداد و اقتراح نسب التسيير النموذجية .
* القيام بالدراسات الحسابية.
* جمع و تمركز المعطيات و المعلومات الإحصائية و معالجتها.
* إعداد برامج إعلامية موجهة إلى المؤمنين الاجتماعين و المستخدمين و تطبيقها .
* وضع إجراءات إعلامية لفائدة عمال الصندوق.
* تحـديد طـرق التنظيم ، قصد توحيد و تجانس الإجراءات و الوثائق و تنفيذ الطرق المقررة.
*تشكيل التوثيق التقني و تسيره.

7- المديرية الفرعية للمعلومات : وتتكفل بـ :
– إعداد مخطط الإعلام الآلي الخاص بالصندوق و تطبيق المخطط المعتمد .
– إجراء دراسات خاصة بالإعلام الآلي و ضمان التطبيقات المعلوماتية .
– تسيير مراكز الحساب و كذا مجموع الوسائل المعلوماتية .

8- المديرية الفرعية للعمليات المالية: و تتكفل بـ :
– تحـضير مشروع ميزانية الصندوق بالاتصال مع الهـياكل المعنية و متابعة تنفيذه.
مسك حسابات المقر المركزي و تجميع تلك الخاصة بالوكالـة الولائية ، و عند الاقتضاء ، فروع
المؤسسة و فروع الإدارة .
– السهر على السير الحسن لتنفيذ العمليات المالية و ضمان التنسيق المالي.

9- المـديرية الـفرعية للإنجازات و التجهيزات و الوسائل العامة: و تتكفل بـ:
– تنسيـق و متابعة إنجاز الاسـتثمارات المخططة و متـابـعة تسـيير الاستثمارات المنجزة.
– تحديد احـتياجات التجـهيز لجـميع هـياكل الصـندوق و التكفل باقتنائها و تسييره.
– إنجاز عمليات تمويل المقر المركزي في مجال، أدوات ،أثاث و أجهزة السير.
– وضع جرّد لممتلكات ا العقارية و غير العقارية لصندوق .
– تسيير الأرشيف .

10- المديرية الفرعية للموظفين: و تتكفل بـ :
– ضمان تسـيير المستخـدمين فـي إطار الأحكام التشريعية و التنظـيمية المعمول بها.
– إعداد مخطط تكوين المستخدمين و تنظيم أعمال تحسين المستوى و تجديد المعلومات ، بالاتصال مع الهياكل المعنية .
– إعداد برامج تعميم استعمال اللغة الوطنية.
– دراسة و إقتراح الـتدابير الضرورية لتحـسين ظـروف عـمل المستخـدمين على مستوى الصندوق .
– متابعة تسيير الخدمات الاجتماعية التابعة للصندوق.

ب- الوكالات الولائية:

تتكفل الوكالات الولائية للصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية و حوادث العمل و الأمراض المـهنية، إضافة إلى دورها فـي تنظـيم ، تنسيق و مراقبة نشاطات مـراكز الـبلـدية و فـروع المـؤسسة و فـروع الإدارة ب:
ضمان :
* مصلحـة الأداءات المستحقة بعنوان التأمينات الاجتماعية و حوادث العمل و الأمراض المهنية و بعنوان انتقالي ، المنح العائلية.
* مصلحة الأداءات المستحـقة بعـنوان العطل المدفوعة الآجر ، طبقا للقوانين و التنظيمات المعمول بها.
* النشاطات التي تتكفل بها فـي مـجال الوقايـة مـن حـوادث العمل و الأمراض المهنية.
تتكفل بتحـصيل الاشـتراكات و مـراقبة التزامات الخاضعين و القيام فيما يخصها بعمليات منازعات تحصيل الاشتراكات.
* ممارسة المراقبة الطبية.
* مسك الحسابات و ضمان تنفيذ العمليات المالية و تنسيقها.
* ضمان التسيير الدائم للوسائل المادية و البشرية للوكالة, و تطبيق الاسـتثمارات المخـططة التي تتحملها الوكالـة و تسير الهياكل ذات الطابع الصحي و الاجتماعي التابعة لاختصاصها.
تصنف الوكالات الولائية إلى ثلاث(03) أصناف :
– الصنف الأول : وكالات تسيير على الأقل 200,000 مؤمن اجتماعي .
– الصنف الثاني : و كالات تسـير أقل مـن 200,000 مـؤمن اجتماعي و على الأقل 100,000 مؤمن اجتماعي.
– الصنف الثالث : وكالات تسير اقل من 100,000 مؤمن اجتماعي.
تضم الوكالة مـن الصنف الأول على خمسة (5) هياكل فرعية مكلفة على التوالي ب:
– الأداءات ، التي توزع مهامها بين مسؤولين اثنين إلي أربعة مسؤولين في التسيير . – التحصيل و المنازعات, اللتان توزع مهامهما بين ثلاثة مسؤولين في التسيير.
– العـمليات المالية، التي تـوزع مـهامها بين مسؤولين انثين في التسيير.
– إدارة الوسائـل و الإنجازات ذات الطـابع الصحي و الاجتماعي, التي توزع مهامها بين مسؤولين اثنين أو ثلاثة مسؤولين في التسيير.
– المراقبة الطبية التي يشرف عليها ، طبيبا.

تضم الوكالة من الصنف الثاني على أربعة هياكل فرعية تكلف على التوالي بـ :
– الأداءات التي توزع مهامها بين مسؤولين اثنين أو ثلاثة مـسؤولين في التسيير.
– المراقبة الطبية, التي يشرف عليها ، طبيبا.

تضم الوكالة من الصنف الثالث على أربعة هياكل فرعية تكلف على التوالي بـ :
– الأداءات
– العمليات المالية و التحصيل و المنازعات.
– ادارة الوسائل و الإنجازات ذات الطابع الصحي و الاجتماعي.
– المراقبة الطبية التي يشرف عليها طبيبا.

الهيكل التنظيمي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

3- أصناف الحماية بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي
يشتمل الضمان الاجتماعي على الأصناف التالية:
أ – ضمان المرض والأمومة:
يتـم من خلالها التكفـل بمصـاريف العـلاج الصحـي وتـعويض أيـام العطـل المـرضية وعطلـة الأمـومة حيث لا تمنـح الآداءات العينيـة إلا إذا كـان الـدواء مـوصوفـا مـن قبـل الـطبيب .
التـأمين علـى المـرض ونسبـة التعـويض المتكفـل بهـا :
* التعـويض بنسبـة 80 ٪ لكـل مـن :
– الفحـوص الطبيـة ، المـواد الصيدلانية ، النظـارات ، التـداوي بالميـاه المعــدنية.
– عـلاج الأسنـان وإستخـلافهـا الإصطنـاعـي……. .
* التعـويض بنسبـة 100 ٪ فـي بعـض الحـالات :
– إمـا لطبيعـة , أو نـوعية , أو لمـدة العـلاج الـلازم
– لنـوعيـة المستفيـد , إذا كـان مستفيـدا مـن منحـة أو مـن ريــع التـأمينـات الإجتمـاعية . – بعـض العمليـات الجـراحية المهمـة والإقـامة بالمستشفـى بسبـب المـرض لمـدة تفـوق ثـلاثين يـوما.
– تـوريد الـدم ، البلازما ، أو وضـع الأطفـال الخـدج ( الـذين ولـدوا قبـل الشهـر التـاسع ) فـي المحضنـة .
– الأجهـزة والأعضـاء الإصطنـاعية ، الجبـارة الفكيـة والـوجهية .
– إعـادة التـدريب الـوظيفـي للأعضـاء ، وإعـادة التـأهيل المهنـي .
– عنـد الإصـابة بإحـدى الأمـراض التـي حـددها الضمـان الإجتمـاعـي …….
يستفيـد مـن هـذه الآداءات العينيـة الأشخـاص الطبيعيـن غيـرالأجـراء , المجـاهدين المعـوقين , المستفيـديـن مـن مسـاعدات الـدولـة , المتمتعـون بـإمتيـاز التأمينـات الإجتمـاعية
– كمـا يستفيـد منهـا ذوي حقـوق المـؤمن له ( زوج المـؤمن إذا لـم يكـن عـامـلا أو مستفيـد مـن إمتيـاز الضمـان الإجتمـاعـي, الأولاد المكفـولون والأصول المكفـولون)

ب – ضمان حوادث العمل والأمراض المهنية:
يستفـيد مـن ذلك المـؤمنين مـن فئـة العمـال الأجـراء أو شبـه الأجـراء تلاميـذ مؤسسـات التعليـم التقنـي والتكـوين المهنـي, الطلاب , اليتـامى الـذين يدخلون ضمن حمـاية الشبـاب مـن الحوادث … إلـخ .
– فـي حـالـة تعـرضهـم لحـادث عمـل أو مـرض مهنـي , و للإستفــادة مـن هـذا التعـويض يشتـرط تقـديـم وثيقـة تـثبت ممـارسة نشــاط مهنـي مـدفوع الأجـر و ذلك سـاعة وقـوع الحـادث أوالثبـات الأول للمـرض المهنـي كـذلك يـجب أن يكـون الحـادث إما داخـل مكـان العمـل أو بينـه وبيـن مقـر الإقـامة أمـا المـرض المهني فيجب أن يكـون مقيـدا ضمـن قـائمة الأمـراض المهنيـة .
– الإجـراءات الـواجب إتخـاذهـا فـي حـالة وقـوع حـادث عمـل :

– – يجـب التصـريح بحـادث العمـل مـن طـرف صـاحب العمـل أوالمـؤمن شخصيـا أو مفتـش العمـل , في أقـرب وقـت ممكـن ( 24 ساعة ) بـواسطة رسـالة مسجلـة مـن إشعـار الإستـلام .
– بعـد الإعـلان عـن حـادث العمـل يجب التحقيـق .
– يحتفـظ الـمؤمن بوثيقـة الحـادث لـديه . كمـا يجب أن يخضـع إلـى فحـص طبـي يحـدد فيـه الـوصف الـدقيق لحـالته الصحيـة المحتملة لعجـز المصـاب.
– يجب أن يخضع المـؤمن المصـاب إلـى الرقـابة الطبيـة التـابعة للصنـدوق الـوطني للتأمينـات الإجتمـاعيـة كـون أن رأي هـذه الأخيـرة ضـروري جـدا خـاصة فـي حـالة مـا إذا كـان الحـادث قـاتلا أو أدى إلـى عجـز دائـم و يتـم الإعـلان عـن رأي الصنـدوق خـلال 10 أيـام مـن تـاريخ الإعـلام بالحـادث .
الحـقوق التـي يستفيـد منهـا المـؤمن :
أ- تعـويضـات عينيـة : تعـويض المصـاريف الطبيـة والجـراحية ،الصيـدلية ،الإستشفـائية ،التحليليـة وكـذلك المصـاريف المـترتبة عـن العـلاج بـالحممـات المعـدنية ويكـون التعـويض بنسبـة 100٪ .

– ب- تعـويضـات نقـدية :
• فـي حـالة العجـز المـؤقت: يكـون التعـويض إبتـداءا مـن اليـوم الأول الـذي يلـي تـاريـخ التـوقف , و يتكفـل صـاحب العمـل بتعـويض اليـوم الـذي وقـع فيـه الحـادث .
• فـي حـالة العجـز الدائـم :
إذا ظهـر بعـد شفـاء الجـرح عجـز دائـم ( جزئـي أو كلـي ) يستفيـد المـؤمن مـن منحـة منـاسبـة لخطــورة العجــز التـي يشخصهـا الطبيـب الإستشـاري لصنـوق الضمـان وفقــا لجــدول خـاص .
– فـي حـالة الإعتـراض علـى نسبـة العجـزعـن العمـل يمكـن طلـب تعييـن خبيـر حيـث لاتعطـى هـذه المنحـة إلا إذا كـانت نسبـة العجـز تسـاوي أو تتجـاوز 10 ٪ .
– وفـي حـالة مـاإذا كـانت نسبـة العجـز أقـل مـن 10٪ , يكـون مـن حـق المـؤمن الإستفـادة مـن رأسمـال يحسـب علـى أسـاس الأجـرالـوطنـي الأدنـى المضمـون . وتصـرف هـذه المنحـة كـل شهـر بعـد تقـديـم بطـاقـة التعـريف وبطـاقة رقـم التسجيـل بإحـدى الطـرق التـالية :
– إستـلام المبلـغ مبـاشـرة فـي شبـابيـك الصنــدوق إذا كـان المبلـغ أقــل مـن 5000.00 دج
– إستـلام صك فـي حـالة مـاكـان المبلـغ أكبـرمـن أومسـاويا للقيمـة 5000.00 دج – إرسـال حـوالة نقـدية أوتحـويل المبلـغ إلـى الحسـاب الجـاري البـريدي الخـاص بـالمـؤمـن وفـي هـذه الحـالة عليـه بتقـديـم شهـادة إثبـات الأجـر بصفـة منتظمـة للوكـالـة
* في حـالة ما أودى الحـادث بحيـاة المصـاب : يستفيـد ذوي الحقوق ( الـزوج والأطفـال والسلف االمكفـولون ) مـن رأس مـال الوفـاة التـي تعـادل 12 مـرة مبلـغ الأجـر الشهـري الأخيـر الـذي تقـاضـاه المتـوفـى كمـا أنـه بإمكـانهـم الإستفـادة مـن منحـة الأيلـولة , تصـرف إبتـداءا مـن تـاريخ الـوفـاة ، ولقـد تـم تحـديدهـا كمـايلـي :
– تصـرف المنحـة للـزوج بنسـبة 75٪ مـن أجـر منصـب المتـوفـى إذا لـم يكـن لـه أطفـال أو سلـف .
– وبنسبـة 50٪ لفـائـدة الـزوج , و 30٪ إذا كـان للمـتوفي طفـلا واحـدا أو سلـف
– أما إذا كـان للمتـوفى إضـافة إلـى الـزوج أكثـرمـن ذي حـق تكـون المنحـة 50٪ لفـائدة الـزوج , و 40 ٪ لـذوي الحقـوق تقسـم بينهـم بالقصـاص .
– وفـي حـالة عـدم وجـود الـزوج تقسـم المنحـة بيـن ذوي الحقـوق حيث أن هـذه المنحـة تقـدر بـ 90 ٪ مـن أجـر منصب المتـوفي , و يتـم التقسيـم علـى أساس حد أقصـى خـاص بكـل ذي حـق أي 45 ٪ إذا كـان ذو الحـق طفـلا , أو 30٪ إذا كـان سلفـا حيث لا يجـوز أن تفـوق منحـة ذوي الحقـوق الإجمـالية 90 ٪ من أجـر منصب المتـوفى .
– – و فـي حـالة وفـاة الـزوج أو زواجـه مـن جـديد يتـم تقسيـم المنحـة بيـن ذوي الحقـوق
2- الأمـراض المهنيـة : يطلـق إسـم الأمـراض المهنيـة علـى بعض الأمـراض التـي تكـون ظـروف العمـل سببـا فيـها . ويطبـق عليهـا نفـس الأحكـام التـي تسيـرحـوادث العمـل إلا فيمـا يخص التصـريح بهـا, إذ أنه يستـوجب علـى المصاب التصريح شخصيـا وليـس مـن طـرف صـاحب العمـل . وتـم تحـديد مـدة التصريح مـن 15 يـوما إلـى ثـلاثة أشهـرعلـى الأكثـر إبتـداءا مـن تـاريخ الكشـف الطبـي و تشخـيص المـرض

ج – نظام المنح العائلية:
المنح العائلية عبارة عن منحة تقدم للمؤمن المتزوج, ويكون له أولاد لا تزيد أعمارهم عن 17 سنة, وقد تمدد هذه المدة إلى غاية: 21 سنة في حالة مواصلة الدراسة الجامعية , ومبلغ هذه المنحة
يقدرب600 د ج على كل طفل في حالة ما إذا كان المؤمن أجره اقل من15000 د ج أما إذا كان اجر المؤمن أكثر من 15000 دج فانه تمنح له عن كل طفل 300 د ج
إذا تعدى عدد الأطفال 5 فانه ابتداء من الطفل السادس فما فوق يأخذ 300 د ج عن كل طفل. هذا بالنسبة للعمال داخل الجزائر اما المغتربين في فرنسا و وفقا للاتفاقيات الدولية فان منحة الطفل لا تتجاوز في معظم الشركات ال7500 د ج .
في السابق كانت cnas هي التي تتكفل بالمنح العائلية, وتعتبر تعويضات أما الآن فقد أصبحت الخزينة العمومية هي المكلفة بالمنح العائلية, والصندوق بمثابة الوسيط بين الخزينة العمومية والمؤمن.
هناك أيضا المنحة المدرسية: كل سنة 800 د ج على كل تلميذ.
أصناف و طبيعة المؤمنين المستفيدين من المنح العائلية:
* المجموعات المحلية
* القطاع الخاص (المؤمنين)
* المتقاعدين
* الأرامل
* العمال المتواجدين في الخارج
* الكفيل

المجموعــات المحــلية: وهي شركات ذات طابع محلي ويتجاوز عدد عمالها 50 عاملا, ويمثلون من طرف شخص واحد, وهو المرايل الذي ينوب عنهم في عملية الدفع, ويتقاضوا مستحقاتهم التي تسدد لهم بعد ذلك بواسطة صك مدفوع, مثال : البلديات , الشركات ذات الطابع الاقتصادي كمؤسسة الدهن , النسيج …. .

القطــاع الخــاص:
هو قطاع يتشكل من بعض الشركات الخاصة كالمقاولة, مكاتب المحاماة, المقاهي, المطاعم و المحلات التجارية…..,الخ
حيث يقوم المؤمن بالتقرب من هذه المصالح بنفسه وتقديم الملفات أو الوثائق الخاصة به لتقاضي مستحقاته ( منح عائلية ).

ملاحظة: تسدد مستحقات المنح العائلية باسم المؤمن الخاص.
تعويضات المتقاعـــدين:
هم الأشخاص الذين وصلت أعمارهم السن القانوني للتقاعد أو الذين توفرت فيهم شروط التقاعد ( سنوات العمل ) حيث تسدد مستحقاتهم دون قيد وفيما يخوله القانون.

ملاحظة: تسدد مستحقاتهم لأسبابهم الخاصة.
الأرامــــل :
وهي فئة خاصة تأتي بعد وفاة المؤمن , سواء كان عاملا أو متقاعدا , وشرط هذه المنحة هو الحصول على منحة الوفاة فيما يخص العاملين , وتعود فيها مستحقات المنحة للزوجة .
العمال المتواجدون بالخارج :
عقدت هذه الاتفاقيات في 01 أكتوبر 1980 بين الجزائر وفرنسا لضمان حقوق هذه الفئة وذويهم في التعويضات كالمنح العائلية ، وحسب الاتفاقية فان مبلغ المنحة يقدر ب: 300 دج للطفل الواحد.
الحالات الخاصة بقبول أو سقوط الحق في المنح العائلية:

* في حالات المرض الطويل المدى:
يحفظ الحق في الحصول على المنح العائلية للأجير في حالة مرض معين يعيقه عن العمل تطول مدته ابتداء من 6 اشهر وتكون نسبته تفوق 50 % وقد تتطور حالته إلى عجز عن العمل.
* في حالة العجز عن العمل:
في حالة العجز التام عن العمل بقرار طبي من مصالح المراقبة الطبية التابعة لهيئة الضمان الاجتماعي.
* في حالة البطالة:
( مرسوم رقم 94/11 المؤرخ في 26/06/1994), يحفظ الحق في المنح العائلية لهذه الفئة في حالات التسريح غير الإرادي لظروف اقتصادية.
* حالات التكفل بالمنح العائلية:

1- الطلاق: يسقط الحق في المنح العائلية على المؤمن في حالة الطلاق, وحضانة الأم لأبنائها بحكم قضائي صادر من المحكمة
2- في حالة التبني: يحتفظ المؤمن بالمنح العائلية في حالة التبني بتقديم عقد الحضانة أو الكفالة مسلم من مديرية النشاط الاجتماعي.
3- حالات التكفل: في حالة وفاة الأب والأم تعود كفالة الابناء الي الشخص الكفيل،والذي لا يمارس أي نشاط ( لا يعمل ) , يفوق عمره 21 سنة , ولا يتعدى 60 سنة
الابنة الكبري ( عازية) ،الاخ ،العم ، الخالة ……….الخ

طــرق التســديــد
تختلف طرق تسديد المنح للعائلية حسب طبيعة القطاع:
طبيعة القطاع كيفية التسديد

1-المجموعات المحلية ينوب عنها مراسل الشركة وتسدد مستحقاتها بجدول يتضمن قائمة المستفيدين(صك بنكي) يحمل إسم الشركة
2-الأصناف الأخرى :
-متقاعدين
-قطاع خاص
-كفلاء…إلخ تختلف فيها طرق التسديد بموجب مايتقدم به المؤمن:
1)-حوالة
2)-رقم حساب بريدي جاري
3)-رقم حساب بنكي

نبذةعن المبالغ المحددة للمنح العائلية:

أ- من 01 جانفي 1975 إلى غاية 30-04-1991 كان يقدر مبلغ المنح العائلية ب:40 دج شهريا
ب- من 01 -05 -1991مرسوم رقم 91 /156 الموافق ل 18-05 -1991
140 دج للطفل الواحد
ج-من 01-10-1994 مرسوم رقم 94/326 الموافق ل 15-10-1994
300 دج للطفل الواحد
د- من 01-0 1-1995 مرسوم رقم 95/289 الموافق ل 26- 9 0 – 1995
إن المستفبد من المنح العائلية سواء كان أجره الشهري الخاضع للإشتراك أقل من أو يساوي 15000 دج شهريا يكون تعويضه كمايلي :
1-450 دج شهريا من أول طفل إلى الخامس
2-300 دج شهريا من أول طفل إلى السادس
3-من يفوق أجره 15000 دج يعوض ب: 300 دج على الطفل الواحد
و-المرسوم رقم 97/330 المِؤرخ من 10-09-1997 والذي ينص على أن الزيادات المطبقة بعد تاريخ 30/04/1997 والناتجة عن رفع عام في الأجور ولا تحسب ضمن الأجر المرجعي المحدد ب: 15000.00المنصوص عليه في المرسومين التنفيذيين 95/289 و 96/298

د- التأمين على الوفاة:
يهـدف التأميـن علـى الـوفـاة إلـى إفـادة ذوي حقـوق المـؤمـن لـه مـن رأسمـال الـوفـاة وهـم :
– زوج المـؤمـن لـه , الأولاد المكفـولـين , الأصـول المكفـولـين .
– كمـا يمكـن أن يستفيـد ذوي حقـوق المسـاجين الـذين يقـومون بـأعمـال نـافـدة وذوي حقـوق صاحب معـاش العجـز أومعـاش التقـاعـد والتقـاعـد المسبـق أو ريـع حـادث عمـل تكـون نسبـة العجـز فيـه تسـاوي أو أقـل مـن 50٪ . مـن رأسمـال وفـاة يســاوي المبلـغ السنــوي لكـل المعـاشـات السـابقة , علـى ألا يقـل هـذا المبلـغ عـن الحـد الأدنـى .
* رأسمـال الوفـاة غيـر قابـل للتنـازل عنـه أو الحجـز عليـه .
* يحـدد مبلـغ رأسمـال الوفـاة بالنسبـة للأجـراء بـ12 مرة من قيمة المبلـغ الشهـري الأكثـر نفعـا و المتقاضـى خـلال السنـة السـابقـة لوفـاة المؤمـن لـه و المعتمــد كـأساس لحسـاب الإشتـراكات ويـدفع دفعـة واحـدة فـور وفـاة المؤمـن لـه .

4- الآليات الجديدة في قطاع الضمان الاجتماعي:
استفاد قطاع الضمان الاجتماعي في السنوات الأخيرة من أنظمة عمل حديثة سهلت على المستفيدين من خدماته مهمة دفع واسترجاع مستحقاتهم دون الوقوف لساعات طويلة في الطوابير، وتتمثل هذه الآليات في إدخال أنظمة الإعلام الآلي ، وخاصة البطاقة الالكترونية. وتعود فكرة استحداث البطاقة الإلكترونية للضمان الاجتماعي إلى أوت 2022 وكان دخول البطاقات الأولى في الخدمة في شهر أفريل 2022 ومست العملية في شطرها الأول خمسة ولايات تجريبية وهي ولاية عنابة بومرداس المدية أم البواقي قبل أن يتم تعميمها على المستوى الوطني في مرحلة ثانية لتشمل كل الولايات.
وقد عرفت خدمة بطاقة الشفاء توسعا ونجاحا كبيرين بسبب إقبال المؤمنين على الخدمة الجديدة بسبب سهولة استعمالها ومزاياها العديدة. ومن جهة أخرى، فإن العديد من الأطراف الفاعلة في العملية من أطباء مراكز استشفائية وصيادلة لقناعتهم بمدى فعالية العملية قد انضمت إلى النظام المستحدث
الغرض من استعمال بطاقة الشفاء هو عصرنة تسيير الدفع ومن شأنه تقليص الجهد العضلي والمادي، إضافة إلى أن استخدام بطاقة الشفاء يلغي العديد من الخطوات التي كان يمر بها المؤّمن سابقا كملء بطاقة الطلبات، كما أنها تسهل عمل الموظفين في مراكز الدفع إضافة إلى كون البطاقة آلية حيث أنها تستخدم آليا ويتم دفع التعويضات أو توماتيكيا وهناك تواصلا مباشرا بين الصيدلانيين ومسيري الشركات الصيدلانية وكذلك مع بنك المعلومات باعتبارهم متعاقدين مع صندوق الضمان الاجتماعي فمثلا تحول الدفتر الذي كان يمنح لأصحاب الأمراض المزمنة فيتعاملون عن طريقه مع الصيدلي إلى بطاقة آلية سهّل عمل الصيادلة بخصوص التعويضات التي يدفعها صندوق الضمان الاجتماعي نيابة عن المرضى فاستعمال بطاقة الشفاء وضع حدا لقدم دفتر الدفع من قبل الغير، إضافة إلى تخليص مراكز الدفع من تجديد شراء دفاتر أخرى للمعني في حالة تمزقه. بطاقة »شفاء« المصممة في غاية الدقة تصل مدة صلاحيتها إلى غاية 05 سنوات تحتوي على قدرة تخزين معلومات يقدر حجمها ب32 ميڤا اكتاك، مما يسمح لها بتحميل أكبر قدر من المعلومات الخاصة بالمؤّمن ومختلف الفواتير كما تستجيب المعايير الجودة العالمية.
هناك نوعين من بطاقات الشفاء منها البطاقة العائلية التي تحتوي على معلومات وبيانات المؤّمن وذوي الحقوق وتتضمن معلومات مفصلة عن كل فرد له حق الاستفادة من الخدمة ويصل عددها إلى 10 بيانات. أما بطاقة الشفاء الشخصية لذوي الحقوق فإنها تستخرج وفق شرطين إما أن يكون من يستفيد من خدمتها يعني من مرض مزمن يستوجب عليه التردد على العلاج أو أن يكون مقيم في مكان غير المكان الذي يقيم فيه صاحب البطاقة وذلك بغرض تسهيل العملية دون عناء التنقل في كل مرة يحتاج فيها البطاقة. وتسمح البطاقة الإلكترونية بتحديد هوية المؤّمن وإمضائه وذوي الحقوق، وتعمل بطاقة الشفاء على حفظ البيانات الإدارية معلومات عن نسبة حق التعويض وكذلك معلومات طبية مستعجلة ومجمل العمليات الطبية المعوضة بالإضافة إلى المعلومات التقنية الخاصة بالعملية

—————-

واقع الضمان الاجتماعي بالجزائر:

يعرف قطاع الضمان الاجتماعي بالجزائر مجموعة من الاختلالات و المشاكل خاصة منها المالية و التنظيمية التي أثرت سلبا على الوضعية الاجتماعية بالبلاد ، فرغم العدد المصرح به من طرف وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي مؤخرا، أن صناديق الحماية الاجتماعية تضمن التكفل بـ20 مليون جزائري وجزائرية في مجال التأمين الاجتماعي والتقاعد وتغطية المنح الموجهة للعمال العاجزين عن العمل، الا أن الواقع يكذب ذلك، حيث يحرم عدد كبير من العمال والمستخدمين بالتصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبالتالي حرمانهم من الاستفادة من أية حماية أو رعاية اجتماعية علاوة على أن المنخرطين منهم لايستفيدون على النحو الكامل من هذا النظام، و ان عدد العمال غير المصرح بهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي يمثل 27 بالمائة من الأجراء في الجزائر حسب إحصائيات سنة 2022، كما يلاحظ بشكل عام تهرب العديد من المشغلين في مختلف القطاعات من التصريح بالعمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ، وعدم التصريح بجميع أيام العمل للعمال وبالتالي ضياع جزء من معاشهم عند التقاعد ،وكذا عدم الانتظام في تسديد مستحقات الصندوق ، مما يجعله يعاني من مشاكل التمويل، وقد أكدت دراسة أجراها خبراء بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ،أن الصندوق يواجه منذ سنة 2022 مشكلين يهددان توازناته المالية في العمق، ويتعلق الأمر بـ:
• الارتفاع السريع ”لفاتورة تعويض الأدوية” التي ازدادت في ظرف سنة بـ10 ملايير دينار لتصل بذلك إلى 64 مليار دينار ، حيث قدرت حجم فاتورة تعويض الأدوية المقدمة من قبل الصندوق سنة 2022 بحوالي 64 مليار دينار، مسجلا زيادة بـ10 ملايير دينار مقارنة بـ2006•
• ارتفاع مصاريف صندوق التأمينات الاجتماعية بسبب زيادة حوادث العمل والأمراض المهنية التي وصلت فاتورتها إلى 5.8 ملايير دينار سنة 2022• وكان المجلس الاجتماعي والاقتصادي وصف، في تقرير له نشر مطلع 2022 ، ارتفاع حوادث العمل بـ”الخطر” الذي يهدد التوازنات المالية لصندوق التأمينات الاجتماعية•
حيث ماتزال حوادث العمل والأمراض المهنية تحصد مئات الضحايا من العمال، بالرغم من التدابير المتخذة من قبل الحكومة لمواجهة الظاهرة على غرار إعادة بعث المركز الوطني للوقاية من حوادث العمل والنظافة والأمن في أماكن العمل•
وضمن هذا السياق تم تسجيل 50097 حادث عمل عبر التراب الوطني تسبب في مقتل 757 شخص بينهم 565 حالة وفاة فورية، إثر حادث عمل في مختلف القطاعات خلال 2022•
من بين الوفيات تم تسجيل 100 حالة وفاة فورية في حوادث التنقل إلى العمل التي يغطيها القانون• وجاء قطاع البناء والأشغال العمومية ـ حسب نفس المصادر ـ في مقدمة القطاعات المعروفة بكثرة الأخطار بها، حيث سجل لوحده 273 حالة وفاة أي 35.9 بالمائة من العدد الإجمالي لحالات الوفيات المسجلة•
كما ذكر نفس التقرير أنه من بين العدد الإجمالي لحوادث العمل الـ43.375 المصرح بها، هناك أكثر من 28 ألف حادث أدى إلى توقيف عن العمل وإلى دفع أولي للتعويضات اليومية، كما تم تسجيل 7177 حادث خطير تسبب في العجز الدائم خلال 2022•
وبالموازاة مع ضياع مليون و500 ألف يوم عمل بسبب حوادث العمل المختلفة، فقد خصص الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في تكفله بهذه الحوادث ما يزيد عن 10.7 ملايير دينار في سنة 2022 ، وهو ما يعني أن الفاتورة تضاعفت في ظرف 4 سنوات فقط، حيث لم تكن تتجاوز 5.4 ملايير دينار سنة 2022•
وتدعو الوضعية الحالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى التفكير في بدائل أخرى كمصدر لتمويل صناديق الضمان الاجتماعي للحفاظ على ديمومتها، لأن اشتراكات العمال والمستخدمين لن تعطي مستقبلا هذه النفقات المتزايدة. وكذا اعادة النظر في الاليات التنظيمية التي يعمل وفقها الصندوق حاليا .

أرقام و احصائيات توضح الواقع الاجتماعي في الجزائر
في آخر الإحصائيات بلغت نسبة النمو الديمغرافي في الجزائر ما يعادل 11,63 % في الوقت الذي وصل فيه عدد السكان إلى 32 مليون نسمة.
نشر الديوان الوطني للإحصاء في نهاية جانفي 2022، أحدث الأرقام المتعلقة بالبطالة. وقال الديوان أن عدد البطالين في الجزائر هو 1240800 بطال(أرقام أكتوبر 2022) وهو ما يعني أن نسبة البطالة هي 12.3 %.
أما التشغيل في الجزائر يوضح كالأتي:
أرباب العمل والأحرار(32,1%)، الأجراء الدائمون(32.7%)، الأجراء غير الدائمين والمساعدات العائلية (35,2%). ولا تمثل الوظائف الدائمة سوى ثلث الشغل الإجمالي، وهي نسبة في تراجع مستمر. لقد كانت سنة 2022 في حدود 38,2% من مجموع الوظائف. في فئة “أرباب العمل والأحرار”، و”الوظائف المؤقتة والمساعدات العائلية” نجد عددا كبيرا من “عمال” القطاع الموازي والعمال المؤقتين، 49% منهم غير مصرح بهم لدى الضمان الاجتماعي.
عدد العمال غير المصرح بهم لدى مصالح الضمان الاجتماعي يمثل 27 بالمائة من الأجراء في الجزائر حسب إحصائيات سنة 2022،
وتشير آخر التحقيقات التي أنجزتها مفتشية العمل بوزارة العمل والضمان الاجتماعي حول عمل الأطفال بالجزائر،تشير إلى وجود أكثر من 25 ألف طفل يعمل، الغالبية منهم لا تتعدى أعمارهم عتبة الخامس عشرة سنة، أي ما يمثل نسبة 0,34 % من مجموع أطفال الجزائر الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 و14 سنة
صناديق الحماية الاجتماعية تضمن التكفل بـ20 مليون جزائري وجزائرية في مجال التأمين الاجتماعي والتقاعد وتغطية المنح الموجهة للعمال العاجزين عن العمل.
64 مليار دينار فاتورة تعويض الأدوية عام 2022
ما يزيد عن 10.7 ملايير دينار في سنة 2022 تعويضات عن حوادث العمل.


شكرا لك أخي الكريم

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا

الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (النيباد):.

الهدف الأساسي للنيباد:

هو جلب الإستثمارات للقارة الإفريقية ، و لجلب هذه الإستثمارات هناك شروط: سياسية ، أمنية ، إقتصادية.
-كذلك جعل إفريقيا خالية من النزاعات و فيها إستقرار سياسي و فيها إحترام لمبادئ القانون الدولي العام.
-الأمن لا يكفي بل يجب توفر هياكل قاعدية (الطرق، الميناء، وسائل النقل، الكهرباء، الغاز، وسائل إتصال، أنترنت، يد عاملة مؤهلة و متخصصة)
-كل هذه النقاط موجودة في وثيقة النيباد.

* مبادرة النيباد انطلقت بغرض أن تكون مبادرة أفريقية بحيث يتولي مسئولية تنفيذها وإعداد برامجها أبناء القارة السمراء فما هو تعليقكم علي ذلك وما هي أهداف هذه المبادرة والإطار الذي تتحرك فيه؟
مبادرة النيباد وهو مفهوم يجب التأكيد عليه هي ليست منظمة أو مؤسسة مستقلة بذاتها وإنما هي بشكل عام برنامج عمل للاتحاد الأفريقي يعرض لاستراتيجية أفريقيا للتعامل مع قضايا ومشاكل القارة السمراء وتحقيق التنمية الشاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لأبنائها وبالتالي فإن برنامج عمل النيباد هو بمثابة ‘الذراع التنموية’ للاتحاد الأفريقي.
ومنذ اعتماد هذا البرنامج من جانب الدول الخمس المؤسسة تحقق الكثير من التحرك والتقدم لتنفيذه وترجمته إلي برامج ومشروعات تنموية وأول أهداف هذا التحرك هو تعميق الملكية الأفريقية للبرنامج بمعني أن يكون هناك إدراك أن المبادرة أفريقية خالصة تعكس رؤية أفريقية وبالتالي فإن القارة وشعوبها في إطار من المشاركة هي المسئولة عن تنفيذ هذا البرنامج.
ولكن هذا لا يعني ألا يكون هناك تعاون مع المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية ومع شركاء التنمية من الدول المهتمة بتنفيذ هذا البرنامج ولكن في إطار مفهوم جديد يقوم علي المشاركة بين الدول الأفريقية وشركاء التنمية من الدول المتقدمة والمنظمات الدولية المعنية وهذا المفهوم يختلف عن مفهوم المانح والمتلقي لأن مفهوم المشاركة يعني أن المسئولية متبادلة وهناك محاسبة متبادلة.
ونحن كدول أفريقية ندرك مسئولياتنا ونأمل في أن تقوم الدول المتقدمة بمسئولياتها في هذا الإطار وأن تفي بتعهداتها سواء فيما يتعلق بتصحيح النظام التجاري الدولي بما يسمح بنفاذ المنتجات والصادرات الأفريقية للأسواق العالمية والوفاء بنسبة مساعدات التنمية إلي 0.7 % أو العمل علي تخفيف عبء المديونية التي تثقل كاهل الدول الأفريقية والتي تعوق تنفيذ خطط وأهداف التنمية بها.

*‏ كيف تم إنشاء الآلية الإفريقية؟ وما هي أهدافها؟
‏*‏ إفريقيا هي المسئولة عن عمليات المراجعة في إطار مفهوم المشاركة والتعاون ما بين الدول الإفريقية وبعضها بعضا بحيث ـ وهذه نقطة مهمة ـ تسعي الدول الإفريقية إلي الارتقاء وتعميق مفاهيم الديمقراطية والحكم السياسي والاقتصادي الرشيد‏,‏ والارتقاء بمستوي الإدارة‏,‏ والقضاء علي أية سلبيات علي المستوي الاقتصادي وعلي الأداء بشكل عام لتحقيق مستوي أفضل يسهم في تحقيق التنمية‏.‏
‏ كيف تتعامل النيباد مع المجالات الأخري المتمثلة في تكنولوجيا المعلومات والأمن والسلام وبناء القدرات والبيئة والبحث العلمي؟
‏*‏ بالنسبة لبناء القدرات فقد أبدي العديد من الدول والمؤسسات المانحة اهتماما عاليا بدعم البرامج الخاصة بقطاع التنمية البشرية‏,‏ الذي تتولي الجزائر مسئوليته‏,‏ في ضوء الطبيعة الجاذبة لهذا القطاع‏,‏ حيث يري شركاء التنمية حاجة ملحة لإيجاد كوادر وطنية قادرة علي نهوض الدول الإفريقية بمسئولياتها في تحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالقارة‏.‏ ويلفت مستشار وزير الخارجية إلي أن النيباد تولي اهتماما خاصا بدعم الأمن والسلام في القارة‏,‏ ووضع حد للمنازعات القائمة فيها‏,‏ باعتباره ضرورة لازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة‏,‏ ويبدي شركاء التنمية تجاوبا ملحوظا مع الجهود الإفريقية في هذا المجال‏,‏ التي يقودها الاتحاد الإفريقي‏.‏ أما في مجال تكنولوجيا المعلومات فإن اللجنة الإلكترونية لإفريقيا تقوم بالدور الرئيسي في صياغة برامج المبادرة في هذا القطاع وحشد التمويل اللازم لتنفيذها‏,‏ وتتمثل أهم المشروعات المطروحة في المدرسة الإلكترونية والكابل البحري لشرق إفريقيا‏.‏

ويؤكد أن هناك تقدما كبيرا حدث في مجالات الزراعة والبنية الأساسية وتكنولوجيا المعلومات‏.‏

1- الطريق إلي نيباد :

اقر القادة الأفارقة في مؤتمر القمة الأفريقية والذي أنعقد في لوكسا في يوليو 2001 ، وثيقة وخطة شاملة لتحقيق التنمية الاقتصادية والقضاء علي الفقر وسد الفجوة بين أفريقيا والعالم المتقدم وقد أطلق علي هذه الوثيقة اسم :
“A new African Initiative: Merger of the Millennium Partnership for African Recovery and the Omega Plan (N A I )”

وتستند هذه المبادرة علي وثيقتين منفصلتين هما :

المبادرة الأولي ، وهي تعبر عن رؤية الرئيس تابو مبيكي بحسابها جزاء من مشروعه الخاص بتحقيق النهضة الأفريقية . وقد أطلق علي هذه الوثيقة بعد تطويرها : “برنامج المشاركة الألفية لإنعاش أفريقيا” (ماب) .. The Millennium Partnership for Africa’s Recovery(MAP)” ، وقد كشف النقاب عنها لأول مرة في عرض قدمه الرئيس مبيكي أمام المنتدي الاقتصادي العالمي في دافوس (سويسرا) ، في يناير 2001 . ثم قدمت في صورتها النهائية إلي مؤتمر القمة غير العادية لمنظمة الوحدة الأفريقية في سرت (ليبيا) في مارس 2001 .

أما المبادرة الثانية ، فقد أعدها في نفس الوقت تقريباً الرئيس السنغالي عبد الله وادي ، وأطلق عليها “خطة أوميجا” OMEGA Plan)) وأظهرها لأول مرة أمام مؤتمر القمة الفرنسية / الأفريقية في ياوندي في يناير 2001 أيضاً . وقد أخذت هذه المبادرة طريقها إلي قمة سرت غير العادية حيث عرضها الرئيس وادي أمام المؤتمر.
وقد طالب القادة الأفارقة بضرورة دمج الوثيقتين في مبادرة موحدة ، تتقدم بها أفريقيا إلي شركائها الدوليين ، وتعبر عن موقف أفريقي موحد وواضح تجاه قضايا القارة الملحة .
وشكل المؤتمر لجنة لتنفيذ المبادرة من رؤساء 15 دولة أفريقية، لكي تتولي إدارة جميع الأمور المتعلقة بتنفيذ المبادرة . وفي أول اجتماعات هذه اللجنة في ابوجا (نيجيريا) في 23 أكتوبر 2001 ، تم إعلان الصيغة النهائية للمبادرة ، مع تغيير اسمها إلي “المشاركة الجديدة لتنمية أفريقيا (نيباد) New partnership for Africa De- velopment( NEPAD)

2 – برنامج العمل
تطرح النيباد برنامج عمل من أجل تحقيق التنمية المستدامة في أفريقيا في القرن الحادي والعشرين . حيث يهدف علي المدى البعيد إلي تحقيق الأهداف الآتية.
– القضاء علي الفقر ، ووضع الدول الأفريقية علي طريق النمو المطرد والتنمية المستديمة ، ووضع نهاية لتهميش افريقيا في عملية العولمة.
– تعزيز دور المرأة في جميع الأنشطة .

أما الأهداف المحددة بإطار زمني فإنها تشمل :
– تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 7 % سنوياً علي الأقل لمدة 15 سنة قادمة .
– ضمان تحقيق القارة “لأهداف التنمية العالمية ” المتفق عليها من قبل الأمم المتحدة ، والمتعلقة بتخفيف الفقر ، والتعليم والصحة والبيئة وغيرها ، ومن ذلك :
– خفض نسبة السكان الذين يعيشون في حالة فقر مدقع إلي النصف خلال الفترة من 1990 – 2022
– إلحاق جميع الأطفال في سن الدراسة بالتعليم الابتدائي مع حلول عام 2022 .
– تحقيق تقدم ملموس صوب المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من خلال القضاء علي كل مظاهر التمييز بين الجنسين في التعليم الابتدائي والثانوي وذلك بحلول عام 2022 .
– تقليل معدلات الوفيات بين الأطفال إلي ثلثي النسبة الحالية وذلك خلال الفترة من 1990 – 2022 .
أما شروط التنمية المستدامة – وهي الشروط الأساسية التي يتوقف عليها نجاح النيباد في تحقيق أهدافها – فقد طرحتها الوثيقة في شكل عدد من المبادرات التي يلتزم القادة الأفارقة فرادي ومجتمعين بالعمل علي تنفيذها ن وهي :

• مبادرة السلام والأمن .
• مبادرة الديمقراطية والحكم السياسي الرشيد .
وفيما يتعلق بالأولويات القطاعية قدمت النيباد برامج للعمل في مختلف القطاعات ذات الأولوية ، وتغطي البرامج المجالات الآتية :
(1) البنية الأساسية : وبصفة خاصة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، والطاقة ، والنقل والمياه والصرف الصحي.
(2) تنمية الموارد البشرية : وتشمل تخفيف الفقر ، والتعليم والصحة وتحويل اتجاه هجرة العقول الأفريقية .
(3) الزراعة
(4) مبادرة البيئة
(5) الثقافة
(6) العلم والتكنولوجيا
وفي كل من هذه المجالات ، حددت النيباد الأهداف الرئيسية المطلوب تحقيقها وعدداً من الإجراءات والسياسات المقترح اتخاذها لتحقيق تلك الأهداف .
تعبئة الموارد :-
تحتوي نيباد علي مبادرتين بشأن تعبئة الموارد اللازمة لوضع برامجها موضوع التنفيذ :
مبادرة تدفقات رأس المال : وقد تضمنت تقديراً للموارد المالية المطلوبة لتمويل برامج النيباد ، حيث قدرتها الوثيقة بنحو 64 مليار دولار أمريكي سنوياً (لمدة 15 سنة تقريباً) وذكرت الوثيقة أن سد هذه الفجوة يستلزم زيادة كبيرة في المدخرات المحلية ، غير أنها أكدت أن “معظم الموارد المطلوبة ينبغي أن يأتي من خارج القارة” ولذلك فإن النيباد أولت اهتماماً كبيراً للأهداف والإجراءات المتعلقة بتعبئة الموارد الخارجية ، مركزة علي ثلاثة محاور رئيسية:
(أ‌) ترتيبات جديدة يتم التفاوض بشأنها بهدف تخفيف الديون الخارجية .
(ب‌) إصلاحات واسعة (ومبتكرة) في إدارة المساعدات الإنمائية الخارجية وربطها بشروط والتزامات متبادلة بين أفريقيا والمانحين بغرض زيادة حجم المساعدات وتحسين كفاءتها .
(ت‌) تشجيع انسياب رأس المال الخاص الأجنبي ، حيث تعلق عليه نيباد أهمية كبيرة في سد فجوة الموارد .
مبادرة النفاذ إلي الأسواق : تعتبر نيباد تحسين قدرة الصادرات الأفريقية علي الوصول إلي الأسواق العالمية ، جانباً رئيساً لعملية تعبئة الموارد . وتلخص المبادرة السبيل إلي ذلك في مبدأ واحد تنويع الإنتاج . ويأتي هذا التنويع من حسن استغلال قاعدة الموارد الطبيعية لأفريقيا عن طريق إجراءات وإصلاحات في كل من قطاعات الزراعة والصناعة التحويلية والتعدين والسياحة والخدمات ز وكذلك النهوض بالقطاع الخاص فضلاً عن اتخاذ إجراءات لتشجيع الصادرات الأفريقية علي الصعيدين الأفريقي والعالمي ، وإزالة الحواجز غير الجمركية التي تواجهها في أسواق البلدان الصناعية .

3 – : الشراكة العالمية :
دعت النيباد إلي قيام “شراكة عالمية جديدة” بين أفريقيا وشركائها في التنمية ، تقوم علي أساس تقاسم المسئولية في تصحيح المظالم وأوضاع عدم المساواة التي شهدتها القرون الطويلة الماضية ، وتعبئة الجهود كافة للارتفاع بنوعية الحياة للشعوب الأفريقية في أسرع وقت ممكن . وهنا تعدد نيباد المنافع التي سوف يجنبها العالم من تلك الشراكة الجديدة مع أفريقيا ، وكيف أنها سوف تصب في النهاية في تحقيق الاستفادة الكاملة من منجزات الثورة التكنولوجية العالمية ، وتدعيم قواعد الأمن والسلم العالميين .
وبالنسبة لمضمون “الشراكة العالمية الجديدة” التي تطرحها نيباد فهو ينطوي علي جانبين :

أولها: الحفاظ علي المشاركات المتعددة القائمة حالياً بين أفريقيا وشركاء التنمية ، وترشيدها ، وتعظيم الاستفادة منها .
ثانيها: التفاوض حول علاقة جديدة مع البلدان المتقدمة والمنظمات متعددة الأطراف . وتنطوي هذه العلاقات الجديدة علي أهداف ومعايير للأداء متفق عليها بين الطرفين ، وعلي مسئوليات والتزامات متبادلة . فتحمل النيباد الدول المتقدمة والمنظمات المتعددة الأطراف بمسئوليات والتزامات في مجالات معيته ، عددت منها الوثيقة اثني عشر مجالاً وتضمها الفقرة (185) من الوثيقة . وفي مقابل هذه المسئوليات من الالتزامات ، فإن القادة الأفارقة يتعهدون من جانبهم بتنفيذ الإجراءات التي وردت في الفصل الثالث من النيباد (فقرة 49) . علي أنه يلاحظ هنا أن نيباد سكتت تماماً عن الجانب الخاص بالمشاركة بين الجنوب والجنوب .

4- آليات التنفيذ :
تنفيذ الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا ، يمثل مضمون الفصل السابع والأخير من الوثيقة حيث أشار إلى بعض الأسس والمبادئ المتعلقة بالتنفيذ وذلك على النحو التالى :
إعداد مجموعة من البرامج العاجلة لكي يتم وضعها موضع التنفيذ على وجه السرعة بالتعاون مع شركاء التنمية . وهى البرامج الخاصة بالمجالات الأربع التالية : الإمراض المعدية – تكنولوجيا المعلومات والاتصالات – تخفيض الديون – سبل الوصول إلى الأسواق
اقتراح عدد من المشروعات ذات الأهمية الحيوية للتنمية التكاملية على المستوى الإقليمي وقد وضعت قائمة تفصيلية لهذه البرامج على موقع النبياد على شبكة الانترنت
إنشاء جهاز لإدارة شئون نيباد ، وفى هذا الخصوص نصت الوثيقة علي أنشاء لجنة تنفيذ من رؤساء الدول الأفريقية تتكون من رؤساء عشرة دول بواقع دولتين عن كل إقليم من الأقاليم الخمسة فى أفريقيا بالإضافة إلى الدول الخمسة المؤسسة لنيباد : ، الجزائر، جنوب أفريقيا ،نيجيريا ، السنغال ، مصر.

أجهزة الرئيسية لنيباد ، الهيكل التنظيمي :
– لجنة التنفيذ الرئاسية وهى السلطة العليا الموجهة لشئون نيباد وتضم رؤساء الدول الخمسة أصحاب المبادرة إلى جانب رؤساء 15دولة أخرى يمثلون فى مجموعهم مناطق القارة الجغرافية الخمسة ، بواقع أربع دول عن كل منطقة .
– لجنة التسيير : وتتشكل من ممثلي رؤساء الدول أعضاء لجنة التنفيذ ، وتتولي إعداد الخطط التفصيلية لبرنامج العمل والتحرك لتنفيذ المبادرة كما تقوم بالإشراف علي أعمال السكرتارية .

الآلية الإفريقية لمراجعة النظراء :
African peer Review Forum

وهي تستند في إنشائها علي بيان قمة الاتحاد الأفريقي في ديربان عام 2022 والخاص بالديمقراطية والحكم الرشيد . وتعني هذه آلية اختيار وتقويم أداء الدولة من قبل دول أخري والغاية الاسمي للآلية هي مساعدة الدولة التي تخضع لعملية المراجعة علي تحسين أدائها التنموي في عملية صنع القرارات واختيار أفضل الوسائل مع الالتزامات بالمعايير والمبادئ المتعارف عليها . وتتكون من رؤساء الدول والحكومات الأعضاء بالآلية ، وقد انضمت مصر للآلية في مارس 2022 .

السكرتارية : مقرها بيريتوريا ، وتعمل كجهاز فني لمساعدة لجنتي التنفيذ والتسيير في أداء مهامها ، ولمصر ممثل فيها يتولي متابعة قطاعي الزراعة والنفاذ للأسواق ، اللذين تختص مصر بتنسيق ملفيهما .
مع شعوب العالم

نيباد (NEPAD) – الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا
وفاء لعهد قطعناه مع حلقة مناقشات الميدان بثانويات العاصمة في عدد نوفمبر 2022 – الميدان وسيلة للتثقيف السياسي وزيادة المعرفة – ومطالبتهم بالتركيز على المشهد الأفريقي، نخصص هذه الصفحة لاستعراض رؤية النيباد الاستراتيجية. (هيئة التحرير)
اعتمدت وثيقة النيباد الإستراتيجية الإطارية في القمة 37 لمنظمة الوحدة الأفريقية المنعقدة في زامبيا في يوليو 2001، كإطار متكامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأفريقيا أوكل اعداده لقادة الجزائر وجنوب أفريقيا السنغال ومصر ونيجيريا لمعالجة التحديات الأساسية التي تواجه قارة أفريقيا من فقر وتخلف وتهميش.

*الأهداف الأساسية للبناء هي إزالة الفقر، ووضع الدول الأفريقية في مسار نمو وتطور مستقر ومستدام، وتعزيز مشاركة القارة واستفادتها من العولمة والاقتصاد العالمي، وتسريع الارتقاء بنساء القارة، ولتحقيق هذه الأهداف تستهدي النيباد بالمبادئ الآتية:

– الحكم الرشيد كمطلب أساسي للأمن والسلام والتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
– الملكة والزعامة الأفريقية مع المشاركة الواسعة لكل قطاعات المجتمع.
– اعتماد التنمية على موارد أفريقيا وشعوبها والشراكة فيما بينها.
– مسارعة التكامل الإقليمي والقاري، وبناء قدرات وميزات تنافسية للقارة.
– قيام الشراكة مع بقية دول العالم على أسس عادلة.

* أولويات النيباد هي:
1- تحقيق الشروط اللازمة للتنمية المستدامة وهي السلام والأمن، والديمقراطية وصلاح وكفاءة الحكم والاقتصاد والسياسة والتعاون والتكامل الإقليمي وبناء القدرات.
2- إصلاح السياسات وزيادة الاستثمار في قطاعات: الزراعة، التنمية البشرية وخصوصاً الصحة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا وتنمية المهارات، بناء وتحسين البنى التحتية وخصوصاً تقنية المعلومات والاتصالات والطاقة والنقل والمياه والصرف الصحي، تنويع قطاعات الانتاج والصادرات مثل التصليح الزراعي والتعدين والسياحة، زيادة وتائر التبادل التجاري بين دول القارة وفتح أسواق الدول المتقدمة، والبيئة.
3- تعبئة الموارد بزيادة الادخار والاستثمار المحليين، وتحسين إدارة الدخل والمنصرفات العامين، وزيادة حصة التجارة والتجارة العالمية، واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، وزيادة تدفق رأس المال بتخفيض الدين وزيادة مساعدات التنمية الدولية.

*استراتيجية النيباد تعمل لتحقيق النتائج الآتية في المدى القريب:
– زيادة كفاءة القارة في منع الصراعات قبل وقوعها ونشر السلام المستقر في ربوعها.
– اعتماد وتطبيق مبادئ الديمقراطية والإدارة السياسية والاقتصادية الحكيمة، وتعميق مبادئ حماية حقوق الإنسان في دول القارة.
– ابتداع وتطبيق برامج فعالة لإزالة الفقر والتنمية لاسيما التنمية البشرية وعكس نزيف الأدمغة والكفاءات.
– زيادة مستويات الادخار والاستثمار المحلي والأجنبي.
– استقطاب المزيد من مساعدات التنمية الخارجية واستعمالها بكفاءة.
– رفع قدرات تطوير السياسات والتعاون والتفاوض في المسرح الدولي لمزيد من المشاركة الفعالة في الاقتصاد العالمي خصوصاً في مجالات التجارة وفتح الأسواق.
– تسريع وتائر التكامل الإقليمى والوصول لمستويات أعلى من النمو الاقتصادي المستدام.
– إقامة شراكة حقيقية بين أفريقيا والدول المتقدمة مبينة على الاحترام المتبادل والمسؤولية.

* هيكل تطبيق النيباد:
أعلى سلطة لإنفاذ استراتيجية النيباد هي قمة رؤساء وحكومات دول الاتحاد الأفريقي وريث منظمة الوحدة الأفريقية.
ثم هناك لجنة رؤساء الدول والحكومات التنفيذية التي تتكون من 20 دولة هي 3 ممثلين لكل منطقة جغرافية في أفريقيا (5 مناطق) إضافة للخمس دول صاحبة المبادرة ويرأسها الرئيس النيجيري أوبسانقو. وهناك لجنة تسييرية مكونة من ممثلين شخصيين للقادة أعضاء اللجنة التنفيذية وأخيراً هناك سكرتارية النيباد ومقرها مدينة مدراند بجنوب أفريقيا.
وثيقة النيباد الأساسية عرضت أوضاع أفريقيا القارة ومؤشراتها التنموية والبشرية والاقتصادية، واستعرضت أسباب تخلف أفريقيا وتناولت دور الاستعمار وهجرة الكفاءات وفساد أنظمة الحكم والإدارة ومظالم العولمة وتهميش الاقتصاد العالمي الجديد للقارة، وناقشت الوثيقة أيضاً الملامح الرئيسية لعكس تلك الأوضاع والارتقاء بالقارة وبإنسانها إلى حيث مكانه الطبيعي بين الأمم وكونه منشئ حضارات عريقة ساهمت في تطور البشرية بل كون أفريقيا هي أرض ميلاد الإنسان الأول. كما تحدثت بوضوح – رغم اعتمادها آلية السوق منهاجاً – عن أن مؤشرات النمو الاقتصادي وحدها لا تكفي للقضاء على الفقر وتحقيق التنمية البشرية للإنسان الأفريقي، وما ستتبعه ذلك من الاهتمام بالآثار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والبيئة بشكل متكامل لعمليات التغيير المتوقعة.
مبادرة أفريقية
والنيباد هي اختصار لعبارة الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا وتهدف إلي إنشاء مشروع ضخم لأفريقيا بمبادرة أفريقية وبالتعاون مع شركاء آخرين في النواحي الاقتصادية وهي أساس المبادرة كذلك في الأمور السياسية مثل الحكم الرشيد ودعم مساهمة المجتمع المدني واحترام حقوق الإنسان والأقليات وهو ما جعل البعض يعتقد أن أهداف مبادرة النيباد هي أجندة غربية مفروضة علي أفريقيا إلا أن ما تعاني منه أفريقيا حالياً من صراعات وحروب واستنزاف لطاقاتها البشرية ولمواردها الطبيعية دون فائدة فرض علي القادة إعطاء أولويات لموضوعات الاستقرار والأمن وفض النزاعات باعتبار ذلك أمراً حتمياً لتحقيق التقدم والتنمية لأبناء أفريقيا.
وتعد “النيباد” منهجاً مطوراً محلياً لتناول التحديات العديدة للتنمية في أفريقيا وهو ما يمثل أمل زعماء أفريقيا وتصميمهم الجماعي لوضع بلادهم علي طريق التنمية المستدامة والتي تعتمد علي الذات. ورؤية الشراكة الجديدة من أجل تنمية أفريقيا والنيباد تدرك في المرتبة الأولي أن الدور الرئيسي يمكن أن تلعبه زيادة الإنتاجية الزراعية في الحد من الفقر في أفريقيا. وقد رحب المؤتمر الدولي للتنمية المستدامة الذي عقد في جوهانسبرج بجنوب أفريقيا عام 2000 بالنيباد وتعهد بدعمها لتنفيذ أهدافها.
تم اعتماد وثيقة النيباد الاستراتيجية في القمة ال 37 لمنظمة الوحدة الأفريقية الاتحاد الأفريقي حالياً وكان ذلك في زامبيا في شهر يوليو 2001 كإطار متكامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأفريقيا.
وضعت النيباد منذ إطلاقها عدة مباديء تستهدي بها وهي: الحكم الرشيد كمطلب أساسي للأمن والسلام والتطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي لدول القارة والزعامة الأفريقية مع المشاركة الواسعة لكل قطاعات المجتمع واعتماد التنمية علي موارد أفريقيا وشعوبها والشراكة فيما بينها ومسارعة التكامل الإقليمي وبناء قدرات وميزات تنافسية لأفريقيا وأخيراً قيام الشركة بين دول القارة مع دول العالم علي أسس عادلة.
أولويات النيباد
وتولي النيباد الأهمية الأولي لتحقيق الشروط اللازمة للتنمية المستدامة وهي السلام والأمن والديمقراطية وكفاءة الحكم والاقتصاد والسياسة والتعاون والتكامل الإقليمي وبناء القدرات.
ومن الأولويات أيضاً إصلاح السياسات وزيادة الاستثمار في قطاعات الزراعة والتنمية البشرية وخصوصاً في مجالات الصحة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا وتنمية المهارات وبناء وتحسين البني التحتية وخصوصاً تقنية المعلومات والاتصالات والطاقة والنقل والمياه والصرف الصحي وتنويع قطاعات الإنتاج والصادرات مثل التعدين والسياحة والبيئة وكذلك تعبئة الموارد بزيادة الادخار والاستثمار المحليين وتحسين إدارة الدخل والمنصرفات العاميين وزيادة حصة التجارة العالمية واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والعمل علي زيادة تدفق رأس المال بتخفيض الدين وزيادة مساعدات التنمية الدولية.
أما الأهداف التي تعمل النيباد علي تحقيقها من خلال الاستراتيجية التي تعمل بها فهي منع الصراعات في القارة قبل وقوعها ونشر السلام بين دولها واعتماد مباديء الديمقراطية والإدارة السياسية والاقتصادية الحكيمة وتحقيق وترسيخ مباديء حماية حقوق الإنسان في دول القارة وتطبيق برامج فعالة لإزالة الفقر وزيادة التنمية خاصة البشرية ووقف نزيف الكفاءات خارج القارة وزيادة نسب الادخار والاستثمار المحلي والأجنبي وإيجاد الوسائل التي تكفل استقطاب المزيد من مساعدات التنمية الخارجية وحسن استخدامها ورفع قدرات تطوير السياسات والتعاون والتفاوض مع العالم لمزيد من المشاركة الفعالة في الاقتصاد العالمي خاصة في مجالات التجارة وفتح الأسواق والإسراع بتنفيذ التكامل الإقليمي والوصول لمستويات أعلي من النمو الاقتصادي المستدام وإقامة شراكة حقيقية بين أفريقيا والدول المتقدمة أساسها الاحترام المتبادل والمسئولية.
.
2 الاستراتيجية

تنطوي الاستراتيجية التي تقوم عليها المبادرة على الهيكل التالي:
● الشروط الأساسية المسبقة للتنمية
– السلم، والأمن والديمقراطية والحكم السياسي السليم
– الإدارة السليمة للاقتصاد والشركات مع التركيز على إدارة المالية العامة
– التعاون والتكامل الإقليميان
● القطاعات ذات الأولوية
– البنية التحتية
– تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
– التنمية البشرية، مع التركيز على الصحة والتعليم وتنمية المهارات
– الزراعة
– النهوض بتنويع الإنتاج والصادرات، مع التركيز على تيسير سبل وصول الصادرات الإفريقية إلى الأسواق في البلدان الصناعية.
● تعبئة الموارد
– زيادة المدخرات وتدفقات رؤوس الأموال من خلال المزيد من تخفيف عبء الدين، وزيادة تدفقات المعونة الإنمائية الرسمية ورؤوس الأموال الخاصة، علاوة على الإدارة الأفضل للإيرادات والمصروفات العامة.
3 المواضيع الرئيسية

يناقش النص التالي بشكل عمومي بعض العناصر الآنفة، التي تؤثر فيها رسالة الاتحاد الدولي للاتصالات، ورسالة مكتب تنمية الاتصالات على وجه الخصوص، بدرجة كبيرة.

1.3 التكامل الاقتصادي

معظم البلدان الإفريقية صغيرة، من حيث عدد السكان وحصة الفرد من الدخل على حد سواء. ونتيجة لكون أسواقها محدودة، فإنها لا تقدم عوائد جذابة للمستثمرين المحتملين، بينما يتأخر التقدم الممكن تحقيقه في تنويع الإنتاج والصادرات. ويعمل ذلك على الحد من الاستثمار في البنية التحتية الضرورية التي تعتمد في جدواها العملية على وفورات الحجم.
وتبين هذه الظروف الاقتصادية الحاجة إلى قيام البلدان الإفريقية بتجميع مواردها وزيادة التعاون الإقليمي والتكامل الاقتصادي في القارة بغية تحسين قدرتها التنافسية الدولية. ولا بد من تقوية التجمعات الاقتصادية الإقليمية الخمسة: غرب إفريقيا وشمال إفريقيا ووسط إفريقيا وشرق إفريقيا والجنوب الإفريقي.
وتركز المبادرة الإفريقية على توفير السلع العامة الإقليمية الأساسية ( مثل النقل، والطاقة، والمياه، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واستئصال الأمراض، وصون البيئة، وتوفير قدرة البحث الإقليمية)، علاوة على النهوض بالتجارة والاستثمارات البينية الإفريقية. وسيتم التركيز على ترشيد الإطار المؤسسي للتكامل الاقتصادي بواسطة تحديد المشاريع المشتركة المتوافقة مع البرامج الإنمائية القطرية والإقليمية المتكاملة، وعلى تجانس السياسات والممارسات الاقتصادية والاستثمارية. وثمة حاجة إلى تنسيق السياسات القطاعية الوطنية والرصد الفعال للقرارات الإقليمية.
وستعطي المبادرة الإفريقية أولوية لبناء القدرة على تعزيز فعالية الهياكل الإقليمية القائمة وترشيد المنظمات الإقليمية القائمة. ولا بد من أن يقوم بنك التنمية الإفريقي بدور قيادي في تمويل الدراسات والبرامج والمشاريع الإقليمية.
وينبغي الاعتراف في جهود التكامل بالظروف الخاصة للبلدان الجزرية الصغيرة في إفريقيا.

2.3 الفجوات في البنية التحتية

تعتبر البنية التحتية أحد المؤشرات الرئيسية للنمو الاقتصادي، وينبغي البحث عن حلول تسمح لإفريقيا بأن ترتفع إلى مستوى البلدان المتقدمة من حيث تراكم رأس المال المادي ورأس المال البشري.
ولو كانت إفريقيا تملك نفس البنية التحتية الأساسية التي تملكها البلدان المتقدمة، لكانت في وضع مؤات جداً بحيث تركز على الإنتاج وتحسين الإنتاجية من أجل المنافسة الدولية. وتشكل الفجوة الهيكلية في البنية التحتية معوقاً جسيماً جداً للنمو الاقتصادي والحد من الفقر. فالبنية التحتية المحسنة، بما في ذلك تكلفة الخدمات وإمكانية التعويل عليها، تعود بالفائدة على إفريقيا وعلى المجتمع الدولي الذي سيستطيع أن يحصل على السلع والخدمات الإفريقية بشكل أرخص جداً.
لقد بنى المستعمرون في الكثير من البلدان الإفريقية البنية التحتية المطلوبة لتصدير المواد الخام الإفريقية واستيراد سلعهم الصناعية إلى إفريقيا.
وإذا ما كان للبنية التحتية أن تتحسن في إفريقيا، فإن التمويل الأجنبي الخاص يعتبر لازماً لاستكمال طريقتي التمويل التقليديتين، ألا وهما الائتمان والمعونة.

3.3 التنمية البشرية: الصحة والتعليم

تدور التنمية البشرية حول توسيع خيارات الناس وتمكينهم من التمتع بحياة صحية وخلاقة طويلة. ويتبنى البرنامج استراتيجيات استئصال الفقر المتعددة الاتجاهات المدعومة من قبل عدد من الوكالات الإنمائية والجهات المانحة المتعددة الأطراف. ويدعو البرنامج إلى قيام الحكومات الإفريقية ومجتمع المانحين بزيادة الاستثمار في الخدمات الصحية.
وتتمثل المشاكل الرئيسية في التعليم في إفريقيا في سوء المرافق وعدم ملاءمة الأنظمة التي تحصل الغالبية العظمى من الأفارقة على التدريب بواسطتها. وقد أظهر الأفارقة الذين أتيحت لهم الفرصة لتلقي التدريب في أماكن أخرى من العالم قدرتهم على المنافسة بنجاح.
وتؤيد الخطة القيام بتقوية النظام الجامعي في كافة أنحاء إفريقيا فوراً، بما في ذلك إنشاء جامعات متخصصة حيثما تطلبت الحاجة، والاستفادة من هيئات التدريس الإفريقية المتاحة. وتم التشديد بوجه خاص على الحاجة إلى تعزيز وجود معاهد التكنولوجيا.
والعنصر الهام الثاني في التعليم هو بناء المدارس الابتدائية في جميع القرى، والمدارس الثانوية في جميع الأقاليم.

4.3 الزراعة

تعيش غالبية الشعوب في إفريقيا في المناطق الريفية. بيد أن الأنظمة الزراعية ضعيفة بوجه عام وغير مثمرة. وحيث يقترن ذلك بالنكسات الخارجية، مثل عدم التيقن من المناخ، والتحيزات في السياسة الاقتصادية والتغيرات في الأسعار العالمية، فقد عملت هذه الأنظمة على تثبيط المعروض الزراعي والدخل في المناطق الريفية، مما أفضى إلى انتشار الفقر.
وتتطلب الحاجة الملحة لتحقيق الأمن الغذائي في البلدان الإفريقية أن تتم معالجة الأنظمة الزراعية غير الملائمة بحيث يمكن زيادة إنتاج الأغذية ورفع مستويات التغذية.
وإدخال تحسينات في الأداء الزراعي يعد شرطاً أساسياً مسبقاً للتنمية الاقتصادية في القارة. كما أن من شأن الزيادة الناجمة عن ذلك في القوة الشرائية لأهالي الريف أن تفضي إلى طلب فعلي أعلى على السلع الصناعية الإفريقية. وستشكل الديناميكيات المستحثة مصدراً هاماً للنمو الاقتصادي.
وتتوقف التحسينات الإنتاجية في الزراعة على إلغاء عدد من القيود الهيكلية التي تؤثر على القطاع. وأحد القيود الرئيسية عدم التيقن من المناخ، وهو ما يوجد عامل مخاطر في وجه الزراعة الكثيفة المستندة إلى تدفق الاستثمارات الخاصة بشكل بارز. وبالتالي، لا بد للحكومات من أن تدعم توفير الري وتعمير الأراضي القابلة للري عندما لا تبدي العناصر الخاصة استعداداً للقيام بذلك. كما أن تحسين البني التحتية الريفية الأخرى ( الطرق، وإدخال الكهرباء في الريف، إلى آخره) ضروري.
ولم تول الجهات المانحة الثنائية والمؤسسات المتعددة الأطراف سوى اهتمام قليل جداً في الآونة الأخيرة بقطاع الزراعة والمناطق الريفية التي تضم 70 في المائة من الفقراء في إفريقيا. فمثلاً، كان الائتمان المقدم للزراعة في حافظة مشاريع البنك الدولي يبلغ 39 في المائة في عام 1978، ولكنه انخفض إلى 12 في المائة في عام 1996، بل وانخفض بأكثر من ذلك ليصل إلى 7 في المائة في عام 2000. ولا بد لمجتمع المانحين بأكمله أن يعكس هذا الاتجاه السلبي.

4 تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

1.4 الوضع

أسفر سوء البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في إفريقيا، مجتمعاً مع ضعف السياسات والأطر التنظيمية ومع الموارد البشرية المحدودة، عن عدم كفاية سبل الحصول على ما هو ميسور من الهواتف والإذاعة والحواسيب والإنترنت. ولا تزال الكثافة الهاتفية الإفريقية دون خط واحد لكل 100 شخص. كما أن تكاليف الخدمة مرتفعة جدا: فيبلغ متوسط تكلفة التوصيل في إفريقيا 20 بالمائة من حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، بالمقارنة مع المتوسط العالمي الذي يبلغ 9 بالمائة، والذي يبلغ في بلدان الدخل المرتفع واحداً بالمائة. وقد عجزت إفريقيا عن اغتنام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأداة لتعزيز سبل الرزق وخلق فرص جديدة لنشاط الأعمال، وتعرضت إقامة الصلات عابرة الحدود داخل القارة ومع الأسواق العالمية للتعويق. ورغم أن الكثير من البلدان في إفريقيا بدأت في إصلاح سياسات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإن انتشار الخدمة أو نوعيتها أو تعريفتها لم تتحسن بعد.
وتتمثل الأولوية الاستراتيجية في تحسين النفاذ بالنسبة للأسر المعيشية والشركات، على أن يكون الهدف القصير الأجل مضاعفة الكثافة الهاتفية إلى خطين لكل 100 شخص بحلول عام 2022، مع إيجاد مستوى نفاذ ملائم. ولابد أيضاً من معالجة مسألة التيسر: فمن شأن توفير تكلفة أقل وتحسين إمكانية التعويل على الخدمة بالنسبة للشركات أن يخفض تكاليف الإنتاج والمعاملات في كافة أجزاء الاقتصاد وأن يعزز النمو. وتحتاج مضاعفة الكثافة الهاتفية بحلول عام 2022 إلى استثمار تقريبي يزيد على 8 مليارات من الدولارات في البنية التحتية الأساسية وحدها. ولا تملك جهات تشغيل الاتصالات في إفريقيا ( العامة والخاصة) موارد كافية.
ويتطلب اجتذاب مستثمري القطاع الخاص إلى استراتيجية شاملة ومتكاملة وحسنة التنسيق تنطوي على إصلاح للسياسات والقواعد التنظيمية، وخلق قاعدة موارد بشرية للقطاع، بما في ذلك المهارات الهندسية والبرمجية، والتركيز على التطبيقات والمحتويات التي تضيف قيمة إلى الشبكات، واستحداث آليات تمويل فعالة، بما في ذلك الشراكات ما بين القطاعين العام والخاص.

2.4 الأهداف

● مضاعفة الكثافة الهاتفية إلى خطين لكل 100 شخص بحلول عام 2022، مع إيجاد مستوى نفاذ ملائم للأسر المعيشية؛
● تخفيض تكلفة الخدمة وتحسين إمكانية التعويل عليها؛
● تحقيق الاستعداد الإلكتروني بالنسبة لجميع البلدان في إفريقيا؛
● استحداث وتحقيق مجمعة من الشباب والطلاب المتمرسين على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي يمكن لإفريقيا أن تستمد منها حاجتها من المهندسين والمبرمجين ومصممي البرمجيات المدربين على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛
● استحداث برمجيات ذات محتوى محلي تستند بوجه خاص إلى التراث الثقافي لإفريقيا.

3.4 الإجراءات

● التعاون مع الوكالات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي للاتصالات ومنظمة “توصيل إفريقيا” (Africa Connection) لوضع سياسات وتشريعات نموذجية لإصلاح الاتصالات، وبروتوكولات ومقاييس لتقدير الاستعداد الإلكتروني؛
● التعاون مع الوكالات الإقليمية لبناء القدرات التنظيمية؛
● إنشاء شبكة من المؤسسات التدريبية والبحثية لبناء قوة عاملة مرتفعة المستوى؛
● تشجيع وتسريع المشاريع القائمة لوصل المدارس ومراكز الشباب؛
● التعاون مع مؤسسات تمويل التنمية في إفريقيا والمبادرات المتعددة الأطراف (فريق المهام المعني بالفرص الرقمية لمجموعة البلدان الثمانية وفريق المهام التابع للأمم المتحدة) والجهات المانحة الثنائية، لإنشاء آليات تمويل لتخفيف حدة المخاطر التي يتعرض لها القطاع وتقليلها.

5 موجز

تدرك إفريقيا ما وقع من مظالم تاريخية طويلة الأمد والحاجة إلى تصحيحها. بيد أن الفرضية الرئيسية للشراكة الجديدة تتمثل في بذل جهود مشتركة لتحسين نوعية حياة شعوب إفريقيا بأسرع ما يمكن. وفي هذا الصدد، ثمة مسؤولية مشتركة ومنافع متبادلة فيما بين إفريقيا وشركائها.
وسيتم المحافظة على شتى الشراكات القائمة بين إفريقيا والبلدان الصناعية من ناحية، وبينها وبين المؤسسات المتعددة الأطراف من ناحية أخرى. وتشمل الشراكات المقصودة، من جملة أمور، برنامج الأمم المتحدة الجديد للتنمية في إفريقيا في التسعينات؛ وخطة عمل القاهرة الصادرة عن مؤتمر قمة إفريقيا-أوروبا؛ والشراكة الاستراتيجية مع إفريقيا التي يتصدرها البنك الدولي؛ وأوراق استراتيجية الحد من الفقر التي يتصدرها صندوق النقد الدولي؛ وبرنامج عمل طوكيو الذي تتصدره اليابان؛ وقانون نمو وفرصة إفريقيا الصادر في الولايات المتحدة الأمريكية؛ واللجنة الاقتصادية المعنية بالاتفاق العالمي مع إفريقيا. ويتمثل الهدف من ذلك في ترشيد هذه الشراكات وكفالة إدرارها لفوائد حقيقية لإفريقيا.

6 قـرار

تم إعداد مشروع قرار بشأن إشراك الاتحاد الدولي للاتصالات في مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا، ومرفق مع هذه الورقة كملحق لتقديمه إلى المؤتمر.
ثانياً مشروع قرار بشأن إشراك الاتحاد الدولي للاتصالات في مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا
إن المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات (إسطنبول، 2022)،
إذ يأخذ في اعتباره
أحكام دستور الاتحاد الدولي للاتصالات بشأن قطاع تنمية الاتصالات، على النحو الوارد في الفصل الرابع منه، ولاسيما، من جملة أمور، ما يتعلق بوظائف القطاع في بناء الوعي بتأثير الاتصالات على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودوره كعامل حافز في النهوض بتنمية خدمات وشبكات الاتصالات وتوسيعها وتشغيلها، وبخاصة في البلدان النامية، والحاجة إلى المحافظة على التعاون مع منظمات الاتصالات الإقليمية وغير الإقليمية، والارتقاء به،
وإذ يأخذ في اعتباره كذلك
أن القرار 31 لمؤتمر المندوبين المفوضين للاتحاد الدولي للاتصالات (كيوتو، 1994) بشأن البنية التحتية للاتصالات والتنمية الاجتماعية-الاقتصادية يبرز:
أ ) أن الاتصالات شرط مسبق للتنمية،
ب) تأثيرها على الزراعة، والصحة، والتعليم، والنقل، والمستوطنات البشرية إلى آخره؛
ج ) الانخفاض المستمر في الموارد الإنمائية المتاحة للبلدان النامية؛

وإذ يلاحظ،
أ ) أن المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات (فاليتا، 1998) أعاد التأكيد في إعلانه وقراراته على الالتزام بزيادة توسيع وتنمية خدمات الاتصالات في البلدان النامية وتسخير الطاقات لتطبيق الخدمات الجديدة والمبتكرة،
ب) اعتماد خطة عمل فاليتا التي تحتوي على فصول رئيسية عن تنمية البنية التحتية العالمية للمعلومات والبرنامج الخاص بأقل البلدان نمواً،
وإذ يعـي
أن مجلس الاتحاد الدولي للاتصالات قد حث المؤتمر في قراره 1184 بشأن المؤتمر العالمي لتنمية الاتصالات – 2022 على أن يركز تركيزاً خاصاً على “مشكلة سد الفجوة الرقمية”،
وإذ يحيط علماً
أ ) باعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها A/RES/56/37 باعتماد جمعية رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية في دورتها العادية السابعة والثلاثين المنعقدة في لوساكا في يوليو 2001 للشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا،
ب) والإعلان الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، بشأن دور منظومة الأمم المتحدة في دعم جهود البلدان الإفريقية لإنجاز التنمية المستدامة؛


مشكووووووووووووووووور

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

مذكرة تخرح تخصص علاقات دولية 2022

مذكرة تخرج لنيل شهادة الليسانس تخصص علاقات دولية
الموضوع:
دور الجماعات الضاغطة في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية إزاء القضية الفلسطينية (1993-2009) : اللوبي الصهيوني نموذجا
تحميل الملف 29 mai 2022 (I).rar من هنا.


بسم الله الرحمن الرحيم
من فضلكم الملف لم يتحمل معي وانا بحاجة ماسة اليه وفي اقرب الاجال بليز ساعدوني
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

السلام عليكم صديقي
نصيحة: الاحتكار شيء غير مقبول، وأنا وضعت هذه المذكرة في منتدى أخر أنا عضو فيه، وليس عيباً أن تنقله المهم أن تعم الفائدة والكل يستفيد، ولن أطلب منك كتابة " منقول" ،ولكن على الأقل انقل الموضوع بطريقة محترفة، فبخصوص الخدمة الوطنية لماذا كتبتها؟ أنا كتبتها في المنتدى الاخر ولم يكن هناك داعي لإعادتها هنا.
تحياتي صديقي

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الاشتراكية socialism


تمثل الاشتراكية socialism عند عدد من المفكرين مجموعة متكاملة من الأفكار والمناهج والوسائل السياسية والاجتماعية التي تشترك، بصرف النظر عن الاختلاف في التفاصيل، في رفض المجتمع الاستغلالي، وتؤمن إيماناً لا يتزعزع بالتقدم الحتمي للمجتمعات، مؤكدة إرادتها في إقامة مجتمع أكثر عدلاً وكفاية وفي تحقيق المساواة الفعلية بين جميع الناس وجميع الأمم.
وتستخدم كلمة الاشتراكية مجموعات سياسية متباينة تختلف فيما بينها حول أسلوب تطبيق الاشتراكية، فالاشتراكية الخيالية أو الطوباوية utopic، التي سادت أفكارها في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر رداً على ما جلبته الثورة الصناعية ونمط الإنتاج الرأسمالي من بؤس وظلم واستغلال، نادت بالقضاء على النظام الرأسمالي وبالتحول السلمي التدريجي إلى النظام الاشتراكي. وحلم الاشتراكيون الطوباويون بمستقبل يتم فيه بناء مجتمع تتعايش فيه مصالح الرأسماليين والعمال بطريق الإقناع.
أما الاشتراكية الديمقراطية التي تمثل تياراً في الحركة العمالية المعاصرة ونوعاً من الاشتراكية الإصلاحية، فتقر باتباع الطرائق السلمية والتدريجية للتحول، وتفهم الاشتراكية على أنها مقولة أخلاقية أدبية.
وأما الاشتراكية الشعبية populism وهي نوع من الاشتراكية الطوباوية البرجوازية الصغيرة التي ظهرت في روسية القيصرية، فإنها تمزج بين أفكار الديمقراطية الزراعية الفلاحية والأحلام الاشتراكية والأمل في تجنب الرأسمالية. في حين تؤكد الاشتراكية العلمية مبادئ إلغاء استغلال الإنسان للإنسان، والتطور المخطط للمجتمع من أجل تحسين الوضع المعاشي والحياتي للجماهير الشعبية بما يتفق عموماً مع تحسين وضع كل فرد في المجتمع. وتعد الاشتراكية العلمية نظرية في إثبات الحتمية والضرورة التاريخية للاشتراكية وقانونية تحولها التدريجي إلى الشيوعية.
ومن وجهة النظر الماركسية، تمثل الاشتراكية المرحلة الأولى للشيوعية، وأساسُها الاقتصادي الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، وقاعدتها السياسية الجماهير الكادحة بقيادة الطبقة العاملة.
بذور الفكر الاشتراكي
عرفت بذور الفكر الاشتراكي منذ العصور القديمة وتعد جمهورية أفلاطون المثالية المبنية أساساً على النخبة المتميّزة الموهوبة من الناس جمهورية اشتراكية أرستقراطية. كما جاءت الديانتان السماويتان المسيحية والإسلام بمجموعة مبادئ تعد من صميم الفكر الاشتراكي. كذلك عرف العالم حركات تمثل رفضاً للواقع، ومحاولة لبناء مجتمع جديد يقوم على أساس العدالة والمساواة مثل ثورات العبيد في رومة وثورات الزنج والقرامطة في العصر العباسي، وحركات الفلاحين في الوطن العربي وسواه.
عرفت العصور الوسطى عدداً من رجال الدولة ورجال الدين من حملة المبادئ الاشتراكية والإصلاحية مثل «أبي ذر الغفاري» الصحابي المشهور و«توما الإكويني» و«توماس مور» المفكر الإنكليزي الإنساني النزعة و«كامبانيلا» الذي نادى ببناء مجتمع لا يعرف الاستغلال وسلطة المال، وغيرهم.
ورداً على فعل المظالم والتفاوت الطبقي الذي ولده نشوء الرأسمالية في أوربة طرح عدد من المفكرين الأوربيين مبادئ تهدف إلى نبذ الرأسمالية وإقامة اشتراكية بديلة تستند على الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج. وقد انتقد هؤلاء تناقضات المجتمع البرجوازي وانعكاساته السلبية على الطبقات المقهورة من السكان. ويأتي في مقدمة هؤلاء المفكرين الذين وصفوا «بالاشتراكيين الطوباويين» سان سيمون، وشارل فورييه الفرنسيان، وروبرت أوين الإنكليزي. وكان هؤلاء يعتقدون أن بالإمكان إقامة مجتمع اشتراكي جديد بإقناع الطبقات الحاكمة بضرورة الاشتراكية من خلال تطوير «الطبيعة البشرية» وإقامة الجمعيات التعاونية. ومع أن الاشتراكيين الطوباويين استطاعوا التنبؤ ببعض ملامح النظام الاشتراكي المستقبلي فإنهم لم يكونوا قادرين على ربط نظرياتهم بنضال الطبقة العاملة من أجل إقامة المجتمع الاشتراكي والقضاء على أسلوب الإنتاج الرأسمالي.
والحقيقة أن أفكار الاشتراكية الطوباوية جاءت رداً على تناقضات الرأسمالية وقدمت نقداً مصيباً لها، كما حملت بعض المبادئ التي أسهمت في بناء النظرية الاشتراكية إلاّ أنها لم تستطع أن تجعل من الاشتراكية نظرية علمية تتبناها الطبقة العاملة، وتتسلح بها في صراعها مع البرجوازية واستغلالها، في حين استطاع ماركس وأنغلز[ر] تحويل الاشتراكية من مذهب طوباوي إلى علم، ووضعا الأسس العلمية للاشتراكية، واستطاعا صوغ القوانين الرئيسية لتطور الاشتراكية في ضوء النظرية المادية الديالكتية والمادية التاريخية وفسرا على أساس اقتصادي الطابع العابر أو العرضي للرأسمالية ودور الطبقة العاملة التاريخي والعالمي.
بذور الفكر الاشتراكي عند العرب: حفل التاريخ العربي منذ الجاهلية بعدد من الاتجاهات والمذاهب ذات الطابع الثوري التقدمي، وتجسد بعضها في حركات تناهض الظلم والاستعباد. فظاهرة الصعلكة في العصر الجاهلي لم تكن سوى نتيجة مباشرة للتمايز الاقتصادي والاجتماعي، وكان صعاليك العرب فئة من الفقراء الذين انسلخوا عن قبائلهم، وأشهروا السلاح في وجه الأثرياء من قومهم، وناضلوا من أجل مجتمع تسوده المساواة وعلاقات الإخاء والتضامن بين الناس، في وقت كان فيه مجتمع الجزيرة العربية يتطور باتجاه الملكية الخاصة وعلاقات الاستغلال.
وفي صدر الإسلام عاش أبو ذر الغفاري مدافعاً عن مبادئ الإسلام الحنيف في المساواة والعدالة ورفض النظام الاجتماعي الجديد الذي أوجد طبقة من الأثرياء وأتاح لهم أن يكتنزوا الذهب والفضة ويستكثروا من المال من غير حد.
وفي العصر العباسي كانت دولة القرامطة أول تجربة اشتراكية على الأرض العربية في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). والقرامطة فرقة كانت تؤلف الجناح الأكثر ثورية في الإسماعيلية[ر]، وانخرطت في صفوفها فئات مختلفة من سواد الناس ومثقفيهم. وقد سعى القرامطة للقضاء على الدولة العباسية وعلى نظامها الاجتماعي الإقطاعي. وتلخصت أهدافهم في النضال من أجل تأسيس مجتمع يقوم على قواعد المساواة والعدل والشورى، مجتمع لا طبقي تنتفي فيه الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الأساسية، وتسوده علاقات التعاون بين الجميع. كذلك ساوى القرامطة بين المرأة والرجل في الحقوق الأسرية وفي المجتمع.
ويعد ابن خلدون الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي رائداً في مجال المادية التاريخية. وقد درس ابن خلدون تاريخ المغرب العربي على ما فيه من تناقضات ووصل إلى استخلاص العلاقة بين الأحداث والقوانين التي تحدد سير التاريخ، مبيناً أن الظواهر الاجتماعية تخضع لقوانين على درجة من الثبات والدوام، وأن هذه القوانين مرتبطة أساساً بالتطور الاقتصادي.
ماركس والاشتراكية الديمقراطية: قدم المفكرون الاشتراكيون قبل ماركس الكثير من الأفكار القيّمة التي رفدت الفكر الماركسي الذي سيطر في أوربة في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. فقد جمع كارل ماركس (1818-1883) بين الفلسفة الألمانية المثالية والاقتصاد السياسي البريطاني والاشتراكية الفرنسية. وفي «البيان الشيوعي» الذي تضمّن نظرياته حول جدلية تطور المجتمعات، ميّز ماركس نظريته من الاشتراكية العلمية واشتراكية الذين سبقوه ممن اسماهم بالاشتراكيين المثاليين. وأكد ماركس أن أفكاره تستند إلى الفحص العلمي لحركة التاريخ وإلى تطور الرأسمالية ومنجزاتها في زمنه. ويقول ماركس في هذا السياق «إن التاريخ يصنعه صراع الطبقات، وإن صراع البروليتارية مع أرباب العمل الرأسماليين سيقود في النهاية إلى إقامة مجتمع اشتراكي يقرر فيه المنتجون مصيرهم المشترك والمتحرر من أي قيود اقتصادية أو اجتماعية. وعند ذاك يصل الصراع الطبقي إلى نهايته». وقد اتفق فرديناند لاسال Ferdinand Lassale مهندس الحركة العمالية في ألمانية مع ماركس على ضرورة التنظيم الطوعي الموحد للطبقة العاملة، إلا أنه خالف ماركس إذ دعا إلى أن تبادر الدولة إلى توفير الرأسمال اللازم لتأسيس التعاونيات الإنتاجية التي ستحرر العمال من التسلط الرأسمالي وكان ماركس يرى، على النقيض من لاسال، أن التماس ذلك من الدولة البرجوازية أمر خارج عن أي طرح.
وقد تأكد لماركس، الذي كان يؤيد في البداية الاشتراكية الديمقراطية، استحالة تحول الدول البرجوازية إلى أداة اشتراكية.
ومع أن زعماء الاشتراكية الديمقراطية الألمان كانوا يبدون ميلاً ظاهراً إلى التحدث حول نظريات ماركس الثورية، فقد كانوا، في واقع الأمر، ينساقون باطّراد إلى النشاط البرلماني، وكان منهم إدوارد بيرنشتاين (1850-1932) الذي أعلن أنه ليس على ألمانية أن تمر في تحولات ثورية عنيفة كي تحقق الأهداف الاشتراكية، وكان يأمل بتطوير الرأسمالية تدريجياً، وباستخدام البرلمان أداة ضغط لإجراء إصلاحات اشتراكية.
الماركسية في روسية قبل الثورة: كان ألكسندر ايفانوفيتش غيرتسن (1812-1870) يرى في الكومونات الفلاحية وليد المجتمع الاشتراكي في المستقبل ويعتقد أن الاشتراكية الروسية قد تتجاوز مرحلة الرأسمالية وتبني مجتمعاً تعاونياً قائماً على التقاليد الشعبية والفلاحية القديمة.
وخلافاً لغيرتسن كان غيورغي بليخانوف، الأب الروسي للماركسية الروسية، يرى أن الاشتراكية الروسية يجب أن تعتمد على شغيلة (بروليتارية) المصانع والمعامل، كما أن روسية لا تمثل حالة استثنائية، لأن الثورة الاشتراكية أوربية الصفة، ومكانة روسية فيها تتقرر بحركتها العمالية ذاتها.
هاجم بليخاتوف في عدد من مؤلفاته حركة الشعبيين الروس وبيّن أن ماركس أثبت الضرورة التاريخية والموضوعية للاشتراكية. كما أكد حتمية الثورة البرجوازية في روسية في إطار حركة التطور الصناعي، وقال إن الطبقة العاملة المنظمة ستدرك كيفية الاستفادة من الثورة البرجوازية، وكيفية دفع هذه الثورة إلى الأمام.
وبالمقابل أكد فلاديمير إيليتش لينين أهمية العمل العسكري للثورة. وأشار إلى ذلك في مؤلفه «ما العمل» الذي أتمه عام 1902، بقوله: إن الاشتراكية لن تتحقق إلا عندما ينجح ثوريون محترفون في تعبئة العمال والفلاحين وتقويتهم، وهي في حاجة إلى تنظيمات ثورية منضبطة لا تعرف المهادنة من أجل تعبئة الجماهير وتحريضها على العمل.
شارك أتباع لينين والماركسيون الروس الآخرون في المؤتمر الثاني لحزب العمال الديمقراطي الاشتراكي الروسي الذي انعقد في لندن عام 1903.
وفي هذا المؤتمر أعلن مارتوف وجهة نظرٍ خالف فيها لينين، فقال: «إن حزب العمال ليس تنظيماً للثوريين المحترفين وحسب، بل يتكون منهم، ومن التجمع العام للعناصر القيادية والنشيطة من البروليتارية».
وعلى الرغم من التعاون الأولي بين الاتجاهات المختلفة في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية، فقد ازدادت التناقضات الفكرية والسياسية عمقاً وانبثق عن ذلك اتجاهان أساسيان. ضم الاتجاه الأول منهما الأقلية التي عارضت لينين فسُموا «المناشفة» (الأقلية) وفيهم بليخانوف وتروتسكي، اللذان وقفا إلى جانبه في البداية، ومعهما أكثر المثقفين ولاسيما اليهود منهم. وأما الاتجاه الثاني فضم الأغلبية المؤيدة للينين التي عرفت باسم البلاشفة (الأغلبية) وأكثرهم من أبناء الطبقة العاملة.
اللينينية تطور للماركسية: تعرّف اللينينية بأنها الماركسية في عصر الامبريالية وثورة البروليتارية، عصر انهيار الكولونيالية (الاستعمار) وانتصار حركات التحرر الوطني، عصر انتقال البشرية من الرأسمالية إلى الاشتراكية وبناء المجتمع الشيوعي.
طور لينين العناصر الأساسية في الماركسية كالفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية العلمية، وهو الذي صاغ نظرية الامبريالية بوصفها أعلى مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية وآخرها، وأكد أن الإمبريالية في جوهرها رأسمالية احتكارية بل هي احتكار الدولة الرأسمالية، مبيناً السمات الأساسية لمرحلة الإمبريالية والتناقضات التي تكتنفها، توطئة لتكوّن الشروط المادية والاجتماعية والسياسية لانتصار الثورة الاشتراكية. واستنتج لينين أن قوة البروليتارية تكمن في تأثيرها في مجرى التاريخ وأنها أكبر بكثير من حجمها بالقياس إلى إجمالي عدد السكان.
كذلك طور لينين النظرية الماركسية حول الثورة الاشتراكية وفقاً لخصائص المرحلة التاريخية الراهنة، إذ أوضح ايضاحاً وافياً دور البروليتارية القيادي في الثورة، والأهمية الخاصة لتحالف الطبقة العاملة والطبقة الفلاحية الكادحة، مبيناً طبيعة العلاقة التي يجب أن تقوم بين البروليتارية والشرائح الفلاحية المختلفة في المراحل المتعاقبة لهذه الثورة.
ومن جهة أخرى استطاع أن يستكمل نظرية تطور الثورة البرجوازية الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية مؤكداً العلاقات المتلازمة بين النضال من أجل الديمقراطية والنضال من أجل الاشتراكية. وفي محاولته شرح مفعول قانون التطور غير المتوازن للرأسمالية في مرحلة الامبريالية، توصل إلى استنتاج كانت له أهمية نظرية وسياسية، وهو احتمال، بل حتمية، انتصار الثورة الاشتراكية في دولة واحدة، أو في عدد من الدول الرأسمالية، مع إمكان انتصار الثورة بالطرق السلمية في ظروف خاصة معينة.
شرح لينين خاصية المسألة القومية من منطلق نضال طبقة البروليتارية، مؤكداً مبدأ المساواة الكاملة بين الدول، وحق الشعوب المستعمرة والمقهورة في تقرير مصيرها، وحقها في الدفاع عن مبادئ الأممية في إطار الحركات العمالية وتنظيمات البروليتارية. إنه حق نضال الكادحين المشترك من كل القوميات وفي كل البلدان من أجل التحرر الوطني والاجتماعي، ومن أجل تكوين اتحاد طوعي للشعوب. وقد بين لينين جوهر القوى المحركة والفاعلة في حركات التحرر الوطني في وجه الإمبريالية عدوها المشترك. كما أوضح أنه في أحوال خاصة معينة يمكن للبلدان المتخلفة الانتقال إلى الاشتراكية متجاوزة المرحلة الرأسمالية.
طور لينين نظرية متكاملة لمرحلة التحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية محدداً قوانينها ونواظمها، مستنتجاً من تجربة «كومونة باريس» والثورات الروسية ما استطاع به تطوير نظرية ماركس وأنغلز حول ديكتاتورية البروليتارية، مبيناً الأهمية التاريخية لإقامة دولة المجالس (السوفييتات)، وهي دولة ديمقراطية من نوع جديد، لا تقاس بأي جمهورية برجوازية برلمانية. ويرى لينين أن التحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية يمكن، ويجب،أن يتم بأساليب سياسية متنوعة، على أن جوهر هذه الأساليب جميعاً إنما هو ديكتاتورية البروليتارية، مؤكداً أن عنصرها الرئيسي ليس القوة، بل العمل على شد الفئات غير البروليتارية ولاسيما الفئات الفلاحية الكادحة، حول الطبقة العاملة، والنضال لبناء الاشتراكية وأن الشرط الأساسي لتحقيق ديكتاتورية البروليتارية يتمثل في قيادة الحزب الشيوعي.
لقد وضعت أعمال لينين النظرية والسياسية أسس مرحلة لينينية جديدة من مراحل تطور الماركسية ونضال الطبقة العاملة العالمية. ولعل الإسهام الرئيسي لأعمال لينين في تطوير الماركسية يكمن في تمييزه ما هو عام عالمي في الثورة الروسية مما هو خاص بروسية، وذلك من أجل الاستفادة من تجربة الثورة الروسية في حدود خصائصها العالمية وعدم الانسياق وراء تقليدها في خصائصها الروسية البحتة.
تطور الفكر الاشتراكي في أوربة الغربية
تمثل الاشتراكية الديمقراطية في أوربة الغربية مجموعة مبادئ سياسية تدافع عن تحول المجتمع سلمياً من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وتعتمد بالأساس على اشتراكية القرن التاسع عشر وعلى أعمال ماركس وأنغلز، وتتفق مع الاشتراكية العلمية في أساسها الإيديولوجي العام.
وقد نمت الحركة الاشتراكية الديمقراطية بجهود أوغست بيبل August Bebel الذي كان يعتقد أن تحقيق الاشتراكية يجب أن يتم بالوسائل الشرعية بعيداً عن استخدام القوة. كذلك يعود الفضل في نمو الاشتراكية الديمقراطية الألمانية أيضاً إلى المفكر والمنظر الألماني ادوارد بيرنشتاين E.Bernstein الذي تحدى بعض مقولات النظريات الماركسية «الأرثوذكسية» مثل حتمية انهيار الرأسمالية، مشيراً إلى أن الرأسمالية ذاتها تتغلب على الكثير من نقاط ضعفها، كظاهرة البطالة وفائض الإنتاج ومشكلة التوزيع التعسفي للثروة. ويرى بيرنشتاين أن نجاح الاشتراكية لا يعتمد على ثورة الطبقة العاملة رداً على البؤس والقهر الذي تعانيه من تسلط الرأسمالية، ولكنه يعتمد على إزالة البؤس ذاته. كما أن الطبقة العاملة تستطيع تحقيق الاشتراكية بانتخاب ممثلين عنها يؤمنون بالاشتراكية.
انتشرت أفكار الاشتراكية الديمقراطية عقب الحرب العالمية الثانية في معظم أنحاء أوربة الغربية. وكانت تدعو إلى التخلي عن الصراع الطبقي والمبادئ الماركسية الأخرى، وإلى ضرورة مشاركة كل فئات الشعب في قيادة السلطة السياسية والاقتصادية، وتكوين مجتمع يعمل فيه جميع الناس متساوين. ومع أن الحركات الديمقراطية الاشتراكية الغربية أيدت مبدأ رقابة الدولة على الاقتصاد، فإنها رفضت أسلوب التخطيط المركزي الشامل وتبنت مدخل السوق التنافسية الحرة. بحيث يتوافر أكبر قدر ممكن من المنافسة والقدر الضروري من التخطيط.
وكان لانتشار أفكار الاشتراكية الديمقراطية في أوربة الغربية أثر بالغ في تبني الكثير من الدول الأوربية الغربية إجراءات اقتصادية واجتماعية متعددة مثل تأميم بعض أجزاء الصناعة الثقيلة والمناجم والمؤسسات المالية، واعتماد إجراءات واسعة أخرى في نطاق الرقابة الحكومية على الاقتصاد، وتحقيق إصلاحات بنيوية في حقل الضمان الاجتماعي. وفي العقود الأخيرة تحولت حركات الاشتراكية الديمقراطية الغربية إلى حركات إصلاح تنادي ببناء مجتمع الرفاه أو اقتصاد الرفاه[ر].
الاشتراكية في أمريكة
لم يكن للاشتراكية في الولايات المتحدة الأمريكية تأثير أو صوت مسموع كما كان عليه الحال في أوربة. ففي عام 1901 تأسس الحزب الاشتراكي الأمريكي، ولم يتجاوز عدد أعضائه العشرة آلاف، ثم ازدادوا إلى 150ألفاً عام 1912. وقد استندت الأفكار الاشتراكية لهذا الحزب إلى تلك التي حملها إليه بعض المهاجرين الحديثين القادمين من أوربة، إضافة إلى بعض مبادئ الاشتراكية المثالية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، وإلى قيم إلغاء العبودية في الولايات المتحدة، وأفكار بعض النقابيين والمصلحين الزراعيين، وبعض الفرق الاشتراكية المنعزلة كالحزب الاشتراكي العمالي، (وهو حزب سابق للحزب الاشتراكي الأمريكي، تألف عام 1877، ولم يصبح له تطلعات مميزة إلا ابتداء من عام 1890 عندما حاول بعض قادته إدخال أفكار ماركسية إلى الحركة العمالية التي كانت تتأثر كثيراً بالنقابية الفرنسية، إلا أنه بقي حزباً مغموراً). وقد استطاع الحزب الاشتراكي الأمريكي أن يبني قاعدة جماهيرية واسعة بجهود أحد قادته إيوجين دبس E.Debs على الرغم من ضعف الانسجام الفكري والسياسي بين أعضائه. فقد كان يضم في صفوفه عناصر من الإصلاحيين reformists والراديكاليين والماركسيين الثوريين والشعبيين populists. ولم يقدم هذا الحزب أي أفكار جديدة، بل تركز نشاطه على محاولة جعل صوته حول الاشتراكية مسموعاً في الولايات المتحدة. وقد انهار بعد الحرب العالمية الأولى.
الاشتراكية في إفريقية
ظهرت في القارة الإفريقية حديثاً صيغ متنوعة من الأفكار الاشتراكية ففي السنغال كان الرئيس ليوبولد سنغور يدافع عن الاشتراكية الإنسانية التي تستند جزئياً إلى الماركسية وفي غينية حاول الرئيس سيكوتوري مزج أفكار الماركسية اللينينية بالقيم الشعبية لإفريقية ما قبل الاستعمار، داعياً إلى أفرقة الماركسية. أما الرئيس نكروما في غانة فقد أعلن مبدأ التعقل أساساً لنظامه مؤكداً أن إجراءات التوتاليتارية (الكليانية) وحدها قادرة على ضمان الحرية. وقد سقط نظامه في عام 1966.
وفي كينية وتنزانية وعدد آخر من الدول الإفريقية كانت النخبة الحاكمة والمثقفة تترجح بين نوع أو آخر من الاشتراكية الإفريقية، في حين انصب التزامها الأساسي على عملية التحديث والتصنيع السريع.
وقد أكد كثير من الكتاب الاشتراكيين الأفارقة الحاجة إلى بناء اشتراكية تستند إلى القيم والعادات الإفريقية القديمة، وإلى مبادئ المساواة الاجتماعية والسياسية، وغير ذلك من المفاهيم والالتزامات التي كانت تسود المجتمعات القبلية الإفريقية.
ويكاد معظم المفكرين الأفارقة يجمعون على أن أكثر الأمور إلحاحاً لإفريقية، كان وما يزال، ضرورة النضال من أجل الانتقال من مجتمع الكفاف إلى اقتصاد السوق، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية، وضبط الإدارة الحكومية.
الاشتراكية في آسيا
كانت عدة حكومات آسيوية تعد نفسها حكومات اشتراكية مثل الهند وبورمة وسيلان (سابقاً) وإندونيسية وسنغافورة. إلا أن الأحزاب الاشتراكية في هذه البلدان بدأت تفقد قوتها وتأثيرها. ففي الهند حيث تتنافس عدة تنظيمات اشتراكية، كان حزب المؤتمر حزباً وطنياً يحاول أن يوحد في صفوفه عدة اتجاهات سياسية واجتماعية. وفي بورمة كان الحزب الاشتراكي البورمي عضواً في تحالف يحكم البلاد، إلا أنه غدا حزباً ملاحقاً. وفيما عدا سنغافورة فإن بقية الأحزاب الاشتراكية في جنوب شرقي آسيا لم تستطع أن تقوم بدور ذي شأن بعد الحرب العالمية الثانية.
أما في فييتنام فكان الحزب الشيوعي وما يزال الحزب الحاكم، ولاسيما بعد توحيد شطري البلاد، كما أن غالبية الحركات الثورية في منطقة الهند الصينية تستوحي مبادئها من الإيديولوجية الماركسية، وتتحدى القوى التقليدية التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية وتشتبك في صراع معها إلى جانب جمهورية الصين الشعبية الدولة الاشتراكية العظمى في آسيا منذ عام 1949.
والواقع أن الأحزاب الاشتراكية في دول جنوب شرقي آسيا لم تستطع القيام بدور فعال من أجل الاستقلال، بل عجزت عن أن تكون لنفسها جذوراً عميقة في بلدانها. وحاول قادة هذه الأحزاب من المثقفين المتأثرين بالثقافة الأوربية إدخال نماذج الاشتراكية الديمقراطية الأوربية، إلا أنهم لم يستطيعوا تحقيق نجاحات ملحوظة، واتجهت حكومات هذه الدول إلى إقامة أنظمة أوتوقراطية تعنى عناية خاصة بالتنمية الصناعية، ولم تُثبت محاولات دمج الديمقراطية البرلمانية بالتخطيط الاشتراكي وجودها إلا في الهند وسنغافورة.
وفي اليابان، أكثر الدول الآسيوية تطوراً، كانت التنظيمات الاشتراكية تملك قاعدة جماهيرية واسعة. ففي عام 1901 تألف أول حزب اشتراكي ياباني لم يلبث أن حُلَّ وتحول إلى تنظيم سري. وفي أثناء الحرب العالمية الأولى وعقبها عادت التنظيمات الاشتراكية إلى الظهور. وفي عام 1946 حصل الحزب الاشتراكي الياباني على 90 مقعداً في البرلمان، وفي عام 1947، تمكن هذا الحزب من الحصول على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، وغدا زعيمه كاتا ياما تيتسو رئيساً لحكومة إئتلافية. وفي عام 1948 انقسم الحزب الاشتراكي إلى جناحين بعد تسلم المحافظين السلطة. وكان جناحه اليساري شديد العداء للولايات المتحدة وأكثر ميلاً إلى الاتحاد السوفييتي السابق، وقد انفرد هذا الجناح باسم «الحزب الاشتراكي الياباني» أما الجناح اليميني فكان يؤيد تحقيق تنمية متدرجة، ويفضل إقامة علاقات عسكرية وسياسية بالولايات المتحدة، واستقل بذاته تحت اسم «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» وتشير الظواهر إلى حدوث تحولات في الاشتراكية اليابانية على غرار ما حدث للاشتراكية الأوربية عقب الحرب العالمية الثانية.
الحوار حول الاشتراكية في الفكر العربي الحديث
لعل من أبرز التطورات في الاقتصاد العربي نمو الأفكار ذات النزعة الاشتراكية وامتزاجها بقضايا التنمية وطموحات الوحدة على الصعيد العربي.
وقد عانى الفكر الاقتصادي والسياسي العربي طويلاً، ولاسيما في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين نوعاً من الفصام الكبير بين الاتجاه القومي الاشتراكي والاتجاه الاشتراكي اللاقومي.
وفي حقبة الستينات أخذ أنصار الفكر القومي يضمنون برامجهم الكثير من الأفكار الاشتراكية. فقد ورد في المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي [ر] التي أقرها المؤتمر القومي السادس للحزب «إن بناء الاشتراكية يجعل الوحدة الإطار البشري والاقتصادي الأكثر انسجاماً مع متطلبات شمول التجربة وجذريتها. فالبلدان الصغيرة لا تستطيع أن تصعد في طريق الاشتراكية منعزلة لأن التطور الاقتصادي (والتصنيع بوجه خاص باعتباره القاعدة المادية للاشتراكية) سيبقى دوماً مهدداً بالجمود والاختناق. لذا فإن الوحدة العربية والاشتراكية قضيتان متلازمتان على الصعيد التاريخي والاقتصادي».
وفي الاتجاه المقابل بدأ أنصار الفكر الماركسي يراجعون بعض مقولاتهم وأفكارهم حول العلاقة الجدلية بين قضايا البناء الاشتراكي وقضايا الوحدة، وضرورة النظر إلى الوحدة العربية على أنها وعاء تاريخي لازم لدفع عمليات التنمية ونجاح مهمات التحويل الاشتراكي.
إن القضية المركزية التي ظلت تشغل أذهان الاقتصاديين العرب طوال مُدة الستينات هي محاولة الإجابة عن السؤال التالي: هل الاشتراكية في الوطن العربي تطبيق للاشتراكية العلمية أو طريق عربي لها، أو أنها اشتراكية عربية ذات ملامح خاصة خالصة؟.
يعبر أحد المفكرين العرب عن موقع هذه الإشكالية في خريطة الفكر الاقتصادي العربي على النحو التالي: «إن محتوى الثورة العربية في الحقل الاجتماعي والسياسي يمثل جانباً حيوياً منها. وهذا المحتوى يتمثل في الاشتراكية العربية، لأنها تمثل مفهوم العدالة الاجتماعية بمعناها الواسع في المجتمع العربي الجديد. وطبيعي أن يتجه الفكر العربي إلى بحث الاشتراكية العربية وإلى تحديد إطارها الفكري ورسم خطوطها النظرية. وطبيعي في مرحلة مثل هذه أن يكون المجال رحباً للاجتهاد والنقل وأن تمر بأزمة فكرية قوية».
وهكذا فإن فكرة الاشتراكية العربية تعني لعدد كبير من الاشتراكيين العرب، من ذوي الاتجاه القومي، ضرورة الانطلاق من تحليل الواقع العربي مع استلهام الخبرات والتجارب الإنسانية المختلفة لرسم معالم الطريق الذي يمكن أن يسير فيه الشعب العربي نحو الاشتراكية. فالمبدأ الأساسي لهذه الفكرة يعني قبل كل شيء ضرورة وضع النضال في سبيل الاشتراكية في إطاره القومي، وربط المطالب الاشتراكية بالمطالب القومية في الوحدة والحرية. إلا أن شعار الاشتراكية العربية هذا ما لبث أن أعطاه بعضهم محتوى فكرياً وتطبيقياً خاصاً، فأخذوا يتحدثون عن نظرية اشتراكية عربية وفلسفة عربية خاصة بها، وقالوا بخصائص عربية ومزايا لا بد أن تمتاز بها الاشتراكية العربية. وهكذا نلاحظ في الكتابات المتداولة حول خصوصية الاشتراكية العربية، إصراراً على أنها، أي الاشتراكية العربية، دعوة أخلاقية أو نظرة إلى العدالة نابعة من التراث الفكري والروحي والقيم الخاصة بالمجتمع العربي.
ويؤكد رفعت المحجوب في إشارة إلى التجربة التي شهدتها مصر: «أن الاشتراكية العربية قامت لمعالجة مشكلات المجتمع العربي في مصر وفي حدود قيمه. واتفاقاً مع ذلك ذهب الميثاق إلى أن الاشتراكية العربية ليست التزاماً بنظريات جامدة لم تخرج من صميم الممارسة والتجربة الوطنية، وعلى ذلك يمكن أن نخلص إلى أن للاشتراكية العربية قيمها وفلسفتها الذاتية».
ومنذ العام 1963 بدأت تظهر أولى الكتابات النقدية للمفاهيم والمقولات الاشتراكية المتداولة، وكانت، في غالب الأحيان، ترديداً للمفاهيم السائدة في الوثائق الإيديولوجية الرسمية في مصر وسورية والعراق والجزائر. فقد تضمنت المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي التي أقرها المؤتمر القومي السادس للحزب حول «ملامح الطريق العربي إلى الاشتراكية» بعض عناصر النقد لمفهوم الاشتراكية العربية الذي غلب على كتابات حزب البعث منذ نشأته، فقد جاء في تلك المنطلقات: «وبدلاً من أن يكون المنطلق القومي للاشتراكية في الحزب سبباً لإعطاء وجهة نظر واضحة مدروسة تتلمّس خصائص الواقع العربي بكل تفاصيله وتناقضاته، والخروج بدراسات نظرية توضح الطريق العربي إلى الاشتراكية، عن طريق تحليل التكوين الاقتصادي والطبقي للمجتمعات العربية، وبدلاً من أن يكون هذا المنطلق سبباً لانفتاح علمي واع على الواقع العربي، تحوّل في عدد من كتابات الحزب إلى مجرد شعارات عامة ومسميات عاطفية حول الخصائص العربية للاشتراكية ومزاياها الأصيلة». وعلى العكس من ذلك، فقد حدث تطور مهم لدى أنصار التيار الماركسي، عندما شرعوا في التخلّي عن التزمت الفكري الذي طبع كتابات هذا التيار حول مفاهيم الاشتراكية. وقد كتب فؤاد مرسي في مقال له عن «التطبيق العربي للاشتراكية من الواقع المصري»: «إن الاشتراكية بوصفها نظاماً اجتماعياً يقضي على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان يظل جوهرها واحداً على الدوام. لكن الاشتراكية ليست وصفة جاهزة لجميع الشعوب. كما أنها ليست تقنيناً لعقائد لا تقبل التغيير عندما تتغير ظروف الإنسان، وإنما الاشتراكية في بلد معيّن ثمرة لنضال شعبه المعيّن. ولذلك لا يمكن أن يكون طريق هذا الشعب سوى طريقه الخاص، أعني طريقه القومي».
والحقيقة أن اعتراف الاقتصاديين العرب بتعدد طرائق الانتقال إلى الاشتراكية قد أفسح في المجال أمام مصالحة تاريخية بين التيارين القومي والماركسي في الفكر الاقتصادي العربي الحديث.
النظرة المستقبلية للاشتراكية
اتسمت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى اليوم بانتشار أفكار الاشتراكية الديمقراطية في معظم البلدان الأوربية وفي كثير من البلدان الآسيوية والأمريكية اللاتينية وفي كندا وأسترالية. واستطاعت بعض الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في عدد من الدول تأليف حكومات ائتلافية تسلمت السلطة في أزمنة متفاوتة.
كذلك يشهد هذا العصر تبدلات عميقة في مجموعة البلدان الاشتراكية وتخلي معظم البلدان الاشتراكية الأوربية عن الاشتراكية العلمية وتبنيها مذهب الإصلاح الاقتصادي وأفكار «الاشتراكية الديمقراطية» والانتقال إلى اقتصاد السوق.
ففي الاتحاد السوفييتي السابق أدت الممارسة البيروقراطية زمناً طويلاً إلى تباطؤ معدلات النمو وبروز عدد كبير من حالات عدم التوازن الاقتصادي، وتضاؤل مستويات التطور التقني في بعض فروع الصناعة والإنتاج.
وقد تضمن برنامج إعادة البناء (البريسترويكا) الذي طرحه غورباتشوف في الاتحاد السوفييتي عام 1985 دعوة إلى التعددية الحزبية والانتقال المبرمج إلى اقتصاد السوق، وتعايش أشكال متنوعة من ملكية وسائل الإنتاج، وإنهاء الحرب الباردة، وكان لهذه الأمور أثر بالغ في تسريع وتائر التحولات الاقتصادية والسياسية الأخيرة التي جرت في البلدان الاشتراكية الأوربية، وفي زيادة نشاط الاتجاهات التي تنادي بالإصلاح في أماكن عدة من العالم.
ومع التأييد الواسع الذي لقيته أفكار العلنية (الانفتاح) وإعادة البناء في المستويين الداخلي والعالمي، فقد عانى الاتحاد السوفييتي صراعاً حاداً بين الاتجاهات السياسية والتنموية في البلاد، بدءاً من الاتجاه الذي يحاول التمسك بأسلوب الإدارة التقليدية السابقة للبلاد، والمحافظة على أصول الماركسية اللينينية ويطلق عليه بعضهم «الاتجاه الماركسي الأصولي» ثم الاتجاه الذي يمثله غورباتشوف، والذي يركز على الانتقال التدريجي إلى اقتصاد السوق مع إقامة نظام ملائم للمراجعة والإشراف، واستمرار التعايش بين أشكال متنوعة من ملكية وسائل الإنتاج، وأخيراً الاتجاه الليبرالي الذي يدعو إلى الانتقال إلى الاقتصاد الرأسمالي بالسرعة الممكنة على غرار البلدان الرأسمالية الغربية.
وبغض النظر عن الأسلوب الذي تم في إطاره حسم الصراع الجاري في الاتحاد السوفييتي السابق وتبني روسية الاتحادية الاتجاه الليبرالي، فإن أفكار العلنية وإعادة البناء تركت بصماتها على الوضع الذي آل إليه هذا الصراع مستبعدة نهائياً العودة إلى الصورة السابقة لإدارة المجتمع والاقتصاد الوطني. وقد انتقلت عدوى الإصلاح الذي ابتدأ في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية السابق إلى البلدان الاشتراكية الأوربية الأخرى، وأثر بصورة أو بأخرى على الأنظمة الاشتراكية في بلدان آسيا وإفريقية وأمريكة اللاتينية، ولعل أبرز آثاره تقليص نفوذ الأساليب الأوتوقراطية في إدارة الاقتصاد الوطني وتخطيطه، والفسح في المجال لمزيد من الديمقراطية في الاقتصاد والسياسة.
ولعل الحدث الأكثر أهمية هو في تخلي جميع البلدان الاشتراكية الأوربية رسمياً عن المذهب الماركسي والاشتراكية العلمية وانتقالها إلى التعددية الاقتصادية والسياسية. ويلفت النظر هنا ظاهرة استمرار الأنظمة الاشتراكية التوتاليتارية في البلدان الأقل تطوراً في الوقت الذي انتهت فيه هذه الأنظمة في الدول الأكثر نمواً والأكثر تقدماً مما يطرح أمام المفكرين مستقبلاً مهمة تفسير نشأة الأنظمة الاشتراكية وطريق تطورها.
عصام خوري

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

المجتمع المدني.

مفهوم المجتمع المدني..نشأة وتطور المجتمع المدنى : مكوناته وإطاره التنظيمى
عبد الغفار شكر
مع انهيار نظم الحكم الشمولية فى أواخر الثمانينات فى شرق أوروبا وبعض دول العالم الثالث وتزايد الاتجاه نحو الديمقراطية برزت الدعوة إلى المجتمع المدنى كمصطلح جديد علينا فى الوطن العربى لم يكن متداولاً من قبل فى خطابنا العام أو يحظى باهتمام الباحثين. وكعادة المثقفين العرب فقد تلقفوا المصطلح الوافد بالدراسة والتحليل وصدرت العديد من الدراسات حوله كما عقدت ندوات علمية وخصصت بعض الدوريات أعدادًا كاملة لتناوله من مختلف جوانبه. واختلف الموقف من المجتمع المدنى فهناك من يتحمس له ويرى فيه الحل لكثير من مشاكلنا، وهناك من يتحفظ عليه بل ويناصبه العداء خاصة وأن الدعوة للمجتمع المدنى جاءت أساساً من هيئات أجنبية قدمت مساعدات مالية لبعض مراكز البحث لدعم الفكرة ونشرها على نطاق واسع. كما يأتى التحفظ من بعض الباحثين الذين يرون أنه لا يمكن استعارة هذا النموذج الذى تبلور ونضج فى أوروبا فى سياق مختلف تماماً وزرعه فى الوطن العربى الذى له تاريخه الخاص وتراثه المختلف.
إلا أن المؤيدين لفكرة المجتمع المدنى ينطلقون من أن التطور الديمقراطى للمجتمعات العربية وتحديثها يتطلب قيام تنظيمات غير حكومية تمارس نشاطاً يكمل دور الدولة ويساعد على اشاعة قيم المبادرة والجماعية والاعتماد على النفس مما يهيىء فرصاً أفضل لتجاوز هذه المجتمعات مرحلة الاعتماد على الدولة فى كل شىء، وكذلك تصفية أوضاع اجتماعية بالية موروثة من العصور الوسطى. ولأن العديد من المجتمعات العربية تشهد بالفعل جهوداً حثيثة للتوسع فى تكوين هذه التنظيمات والمؤسسات وسيكون لها آثارها القريبة والبعيدة فإنه من الخطأ أن نتجاهل هذه الظاهرة أو أن ننعزل عنها بل يتعين علينا أن نبحث عن الموقف السليم الذى نتخذه منها مما يتطلب أن نتابع أولا نشأة المجتمع المدنى تاريخياً وكيف تبلور وأهم الوظائف التى يقوم بها حتى نكون قادرين على حسم موقفنا منه والتعرف على مدى الحاجة إليه فى الوطن العربى والدور الذى يمكن أن ينهض به فى المرحلة الحالية من تطور المجتمعات العربية.

ما هو المجتمع المدنى ولماذا؟
نشأ مفهوم المجتمع المدنى لأول مرة فى الفكر اليونانى الاغريقى حيث أشار اليه أرسطو باعتباره “مجموعة سياسية تخضع للقوانين” أى أنه لم يكن يميز بين الدولة والمجتمع المدنى، فالدولة فى التفكير السياسى الأوروبى القديم يقصد بها مجتمع مدنى يمثل تجمعا سياسيا أعضاؤه هم المواطنون الذين يعترفون بقوانين الدولة ويتصرفون وفقا لها.
تطور المفهوم بعد ذلك فى القرن الثامن عشر مع تبلور علاقات الإنتاج الراسمالية حيث بدأ التمييز بين الدولة والمجتمع المدنى.. فطرحت قضية تمركز السلطة السياسية وأن الحركة الجمعياتية هى النسق الأحق للدفاع ضد مخاطر الاستبداد السياسى.
وفى نهاية القرن الثامن عشر تأكد فى الفكر السياسى الغربى ضرورة تقليص هيمنة الدولة لصالح المجتمع المدنى الذى يجب أن يدير بنفسه أموره الذاتية وأن لا يترك للحكومة إلا القليل.
وفى القرن التاسع عشر حدث التحول الثانى فى مفهوم المجتمع المدنى حيث اعتبر كارل ماركس أن المجتمع المدنى هو ساحة الصراع الطبقى.
وفى القرن العشرين طرح جرامشى مسألة المجتمع المدنى فى اطار مفهوم جديد فكرته المركزية هى أن المجتمع المدنى ليس ساحة للتنافس الاقتصادى بل ساحة للتنافس الايديولوجى منطلقا من التمييز بين السيطرة السياسية والهيمنة الأيديولوجية.
فمع نضج العلاقات الرأسمالية فى أوروبا فى القرنين السابع عشر والثامن عشر وانقسام المجتمع إلى طبقات ذات مصالح متفاوتة أو متعارضة واحتدام الصراع الطبقى، كان لابد للرأسمالية (أى الطبقة السائدة) من بلورة آليات فعالة لإدارة هذا الصراع واحتوائه بما يضمن تحقيق مصالحها واستقرار المجتمع. ونجحت الرأسمالية الأوروبية بالفعل فى أن تحقق هذا الهدف من خلال آليتين: آلية السيطرة المباشرة بواسطة جهاز الدولة، وآلية الهيمنة الأيديولوجية والثقافية من خلال منظمات اجتماعية غير حكومية يمارس فيها الأفراد نشاطاً تطوعياً لحل مشاكلهم الفئوية والاجتماعية وتحسين أوضاعهم الثقافية والاقتصادية والمعيشية.. الخ.
وتأتى أهمية الآلية الثانية من أنها تؤكد استجابة مختلف الفئات الاجتماعية بقيم النظام الرأسمالى وقبولها لها وممارستها نشاطها للدفاع عن مصالحها فى اطارها، وبذلك تتأكد قدرة الطبقة السائدة (الرأسمالية) على إدارة الصراع فى المجتمع بما يدعم أسس النظام الرأسمالى وأيديولوجيته. ونتيجة لهذا التطور فنحن أمام ثلاثة مفاهيم مختلفة ولكنها فى نفس الوقت متكاملة: المجتمع، المجتمع السياسى، المجتمع المدنى. أما المجتمع فهو الإطار الأشمال الذى يحتوى البشر وينظم العلاقة بينهم فى إطار اقتصادى اجتماعى محدد ويتطور من خلال علاقة فئاته ببعضها وصراعاتها. فى حين أن المجتمع السياسى هو مجتمع الدولة الذى يتكون من الدولة وأجهزتها والتنظيمات والأحزاب السياسية التى تسعى للسيطرة عليها أو الضغط عليها. والمجتمع المدنى هو الأفراد والهيئات غير الرسمية بصفتها عناصر فاعلة فى معظم المجالات التربوية والاقتصادية والعائلية والصحية والثقافية والخيرية وغيرها. ويتكون المجتمع المدنى من الهيئات التى تسمى فى علم الاجتماع بالمؤسسات الثانوية مثل الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والمهنية وشركات الأعمال والغرف التجارية والصناعية وما شابهها من المؤسسات التطوعية. والمقصود بالدعوة للمجتمع المدنى هو تمكين هذه المؤسسات الأهلية من تحمل مسئولية أكبر فى إدارة شئون المجتمع كى يصبح مداراً ذاتياً إلى حد بعيد. وهكذا يستبعد من المفهوم المؤسسات الاجتماعية الأولية كالأسرة والقبيلة والعشيرة والطائفة الإثنية أو المذهبية أو الدينية. كما يستبعد منه المؤسسات السياسية والحكومية، ويبقى بذلك فى نطاق المجتمع المدنى المؤسسات والمنظمات غير الحكومية التى يقوم نشاطها على العمل التطوعى. ومن المهم الا نستنتج من هذا التعريف أن التعارض مطلق بين المجتمع المدنى والمجتمع الرسمى أو الدولة، فلا يمكن قيام مجتمع مدنى قوى فى ظل دولة ضعيفة بل هما مكونان متكاملاً يميز بينهما توزيع الأدوار وليس الانفصال الكامل. كذلك فإن استبعاد الأحزاب السياسية من تعريف المجتمع المدنى لا يعنى أنها خارج الموضوع تماماً فالحقيقة أن الأحزاب باعتبارها طليعة لقوى اجتماعية تعبر عن مصالحها وتسعى للوصول إلى سلطة الدولة تهتم كثيراً بمؤسسات المجتمع المدنى وتسعى للتجنيد من صفوفها، وبالتالى فإننا نلاحظ وجود مساحة مشتركة بين المجتمع المدنى والمجتمع السياسى تشغلها حركة الأحزاب السياسية. وتؤكد هذه الحقيقة أنه بالرغم من أن المجتمع المدنى هو نتاج للتطور الرأسمالى إلا أنه ليس شأناً رأسمالياً بحتا بل يمكن أن تحقق من خلاله مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية مصالحها مثل النقابات العمالية واتحادات صغار المنتجين والمستهلكين.
أخطأ البعض في الوطن العربي عندما اتخذوا موقفا سلبيا من الدعوة إلى تقوية المجتمع المدني لأنهم تصوروا أنه يقتصر فقط على تلك المنظمات غير الحكومية التي تأسست حديثا في سياق العولمة، ونشطت في بداية تأسيسها وفق أجندة خارجية حددت موضوعاتها مؤسسات التمويل الدولية الرأسمالية ومنظمات غير حكومية في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وغاب عن هؤلاء أن المجتمع المدني يضم العديد من المنظمات الشعبية والجماهيرية، وأنه قائم في المجتمعات العربية منذ أكثر من مائة سنة مع تأسيس الجمعيات الأهلية في القرن التاسع عشر والنقابات العمالية والمهنية في بداية القرن العشرين وكذلك الجمعيات التعاونية إلى آخر هذه المنظمات التي تدخل في إطار تعريف المجتمع المدني.
والمجتمع المدني هو من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى. وهى علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع، والتعاقد والتراضى والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسئوليات، ومحاسبة الدولة في كافة الأوقات التي يستدعى فيها الأمر محاسبتها، ومن جهة إجرائية، فإن هذا النسيج من العلاقات يستدعي، لكي يكون ذا جدوي، أن يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة تشكل في مجموعها القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها مشروعية الدولة من جهة، ووسيلة محاسبتها إذا استدعى الأمر ذلك من جهة أخرى(1)
والمجتمع المدني هو مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة المباشر، فهو يتميز بالاستقلالية والتنظيم التلقائي وروح المبادرة الفردية والجماعية، والعمل التطوعي، والحماسة من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة، ورغم أنه يعلى من شأن الفرد إلا أنه ليس مجتمع الفردية بل على العكس مجتمع التضامن عبر شبكة واسعة من المؤسسات (2)
تزداد أهمية المجتمع المدني ونضج مؤسساته لما يقوم به من دور في تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصائرهم ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من إفقارهم، وما يقوم به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات، ثقافة الإعلاء من شأن المواطن، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي وجذبهم إلى ساحة الفعل التاريخي والمساهمة بفعالية في تحقيق التحولات الكبرى للمجتمعات حتى لا تترك حكرا على النخب الحاكمة.(3). وفى هذا الإطار يرى المفكر والمناضل الإيطالي انطونيو جرامشى أن المجتمع المدني ساحة للصراع داخل المؤسسات السياسية والنقابية والفكرية للمجتمع الرأسمالي، تمارس من خلاله الطبقة البورجوازية هيمنتها الثقافية أو تصعد من خلاله بشائر الهيمنة المضادة للطبقة العاملة(4). أي هو مفهوم صراعي وليس شأنا رأسماليا بحتا حيث يتعين على الطبقة العاملة والطبقات الكادحة أن تواجه الأيديولوجية الرأسمالية والثقافية السائدة بثقافة مضادة، مما يعزز استقلالية مؤسسات المجتمع المدني ودورها في حماية الإنسان العادي من سطوة الدولة، وقدرته على ممارسة التضامن الجماعي في مواجهتها ، مما يمكنه من الضغط عليها والتأثير علي السياسيات العامة للدولة. أن المجتمع المدني عند جرامشى والمجتمع المدني بهذا المفهوم هو أحد أركان الديمقراطية ويلعب دورا هاما في بنائها ودعم تطورها، ويمكن أن نتعرف مبدئيا على العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية من خلال متابعتنا لكافة الجوانب المتعلقة به من حيث تعريف المجتمع المدني ومكوناته ووظائفه ، كما يمكن أن نتعرف عليه تفصيليا من خلال دراستنا للجوانب المشتركة بينهما.

تعريف المجتمع المدني :
استقر الرأي من خلال الدراسات الأكاديمية والميدانية والمتابعة التاريخية لنشأته وتطوره أن المجتمع المدني هو “مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، أي بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختيار في عضويتها”هذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح أفرادها أو لتقديم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضى والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف.
وللمجتمع المدني بهذا المفهوم أربعة مقومات أساسية هي :
– الفعل الإرادي الحر أو التطوعي
– التواجد في شكل منظمات.
– قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين
– عدم السعي للوصول إلى السلطة.
مكونات المجتمع المدني :
يدخل في دائرة مؤسسات المجتمع المدني طبقا لهذا التعريف أي كيان مجتمعي منظم يقوم على العضوية المنتظمة تبعا للغرض العام أو المهنة أو العمل التطوعي، ولا تستند فيه العضوية غلى عوامل الوراثة وروابط الدم والولاءات الأولية مثل الأسرة والعشيرة والطائفة والقبيلة، وبالتالي فإن أهم مكونات المجتمع المدني هي :
– النقابات المهنية
– النقابات العمالية
– الحركات الاجتماعية .
– الجمعيات التعاونية
– الجمعيات الأهلية
– نوادي هيئات التدريس بالجامعات
– النوادي الرياضية والاجتماعية
– مراكز الشباب والاتحادات الطلابية
– الغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال
– المنظمات غير الحكومية الدفاعية والتنموية كمراكز حقوق الإنسان والمرأة والتنمية والبيئة.
– الصحافة الحرة وأجهزة الإعلام والنشر
– مراكز البحوث والدراسات والجمعيات الثقافية.
وهناك من يضيف إلى هذه المنظمات هيئات تقليدية كالطرق الصوفية والأوقاف التي كانت بمثابة أساس المجتمع المدني في المجتمعات العربية منذ مئات السنين قبل ظهور المنظمات الحديث.

تطور المجتمع المدنى فى ظل العولمة :
لاشك في أن العولمة الرأسمالية هي أهم الظواهر العالمية المعاصرة وأهمها تأثيراً في حياة الشعوب ومستقبلها .ومن أبرز مظاهر العولمة إعادة هيكلة الرأسمالية المعاصرة بإدماج اقتصاديات مختلف بلدان العالم في الاقتصاد الرأسمالي بالشروط التي وضعتها رأسمالية المراكز المتقدمة على أساس إعلاء شأن السوق وآلياته وفرض حرية انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات والسلع والخدمات دون قيود أو عقبات تطبيقا لأفكار الليبرالية الجديدة التي تشكل العنصر الأيديولوجي المسيطر والمركزي في عملية إعادة الهيكلة هذه التي تجرى على امتداد العالم، وقد عانت دول الجنوب ومن ضمنها الأقطار العربية من مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة تطبيق السياسات التي أو أوصت بها المؤسسات الرأسمالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهى السياسات المعروفة بالتكيف الهيكلي.
ولتخفيف حدة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي حرصت قوى العولمة على توظيف المجتمع المدني ليكون بديلا للدولة الوطنية التي تنسحب من أدوارها التقليدية ومسئولياتها في دعم الفئات الفقيرة وتوزيع الدخل لصالح الطبقات العاملة والكادحة والفئات الضعيفة، وتهدف قوى العولمة من دعمها للمجتمع المدني أن يقوم بدور البديل للدولة في مجال دعم الفئات الفقيرة وتستخدم كملطف لحدة المشاكل الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي مثل الفقر والبطالة والتهميش فيكون إطاراً يعبئ شرائح وقوى اجتماعية تتحمل عبء مواجهة هذه المشاكل وسيكون ذلك بالقطع على حساب دوره في دعم التطور الديمقراطي للبلاد.
تؤكد التقارير السنوية للبنك الدولي هذه النظرة حيث يشير في تقرير 1995 إلى المجتمع المدني كظاهرة اقتصادية باعتباره القوة المحركة بالنسبة لنشاطات ونمو القطاع الخاص، من هنا تأتى أهميته لأهداف التكيف الهيكلي فيما يتعلق بتقلص دور الدولة، وخصخصة الخيرات العامة والسلع الاجتماعية، ونمو القطاع الخاص الذي تعرض للتقهقر في مراحل سابقة، ويؤكد البنك الدولي أنه من المأمول مع الانفتاح السياسي أن تحدث نقله من مرحلة التسامح مع القطاع الخاص إلى مرحلة التحمس له، بوصفه محرك النمو والمحدد الرئيسي لمستقبل البلاد، ويشير البنك في تقرير 1998 أن القطاع المستقل عن الدولة أو غير الحكومي والذي يضم أنواعا مختلفة من المنظمات غير الحكومية عليه دور حاسم في التصدي للمظاهر التي تحول دون تطور القطاع الخاص. وينظر البنك؛ الدولي إلى المجتمع المدني لما يستطيع أن يقوم به من مساعدة في تعبئة الموارد بالطرق التي تعجز الدولة عن القيام بها وباعتباره “دولة الظل” التي تقوم بوظائف تقليدية للدولة مثل إنشاء وإدارة المدارس ومراكز الرعاية الصحية ومشروعات الأشغال العامة كشق الطرق والترع(5)، بل إن تعريف البنك للمنظمات الأهلية يؤكد إصراره على دورها كملطف لحدة المشاكل وليس باعتبارها الوسيط بين المجتمع والدولة أو باعتبارها إطارا مناسباً للمساهمة في التحول الديمقراطي للمجتمع أو لإمكانية قيامها بدور تغييري تنموي شامل، يتضح ذلك من تعريف البنك الدولي لها بأنها مؤسسات وجماعات متنوعة الاهتمامات مستقلة كليا أو جزئيًا عن الحكومات، وتتسم بالعمل الإنساني والتعاون وليس لديها أهداف تجارية ويساعد على تحقيق أهداف المؤسسات الرأسمالية الدولية في توظيف مؤسسات المجتمع المدني لخدمة سياساتها بناء منظمات غير حكومية عابرة للقوميات ترتبط بشبكات عالمية تساهم في تمويل أنشطة المنظمات الأهلية وغير الحكومية الوطنية وفق اجندة الرأسمالية العالمية بدلا من أن تكون أولوياتها طبقا لاحتياجات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد أدت العولمة إلي إدخال تغييرات على خريطة المجتمع المدني بالعديد من الأقطار العربية، حيث نلاحظ أن أساس هذه الخريطة في المجتمعات العربية حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين كان منظمات شعبية تعبر عن مصالح فئات اجتماعية معينة كالنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية والمنظمات النسائية والشبابية، أو منظمات غير حكومية دفاعية، أو جمعيات أهلية خيرية وثقافية واجتماعية تقدم لأعضائها خدمات متنوعة كما تقدم خدماتها للفئات الضعيفة في المجتمع، أو أندية رياضية وثقافية واجتماعية تشبع احتياجات أعضائها لأنشطة متطورة في هذه المجالات، وكذلك الجمعيات التعاونية. لكن العولمة جاءت معها بقضايا جديدة ومشاكل جديدة مثل حماية البيئة من التلوث، والفقر، والهجرة واللاجئين وضحايا العنف والسكان الأصليين والمخدرات والإرهاب وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفولة وحقوق الأقليات الدينية والعرقية، ولأن منطق العولمة يستبعد قيام الدولة بدور أساسي في مواجهة هذه المشكلات فإنها شجعت على قيام منظمات غير حكومية للتعامل معها، كما أن نشطاء المجتمع المدني سارعوا في كثير من الأقطار لتكوين منظمات غير حكومية لمواجهة هذه المشكلات والتخفيف من حدتها. وسواء كان المشجع على قيام هذه المنظمات الجديدة هو العامل الخارجي أو الأوضاع الداخلية إلا أن النتيجة واحدة هي قيام مئات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الجديدة التي تنشط حول أهداف مفتتة وقضايا جزئية دون ارتباط بالأسباب المشتركة لهذه المشاكل الجزئية، ودون وضوح حول إمكانية التنسيق والتعاون بينها لمواجهة هذه الأسباب التي تعود بالأساس إلى العولمة الرأسمالية وسياساتها. وهذا التغيير في خريطة المجتمع المدني يهدد مؤسسات المجتمع المدني بالتحول عن دورها الأساسي كجزء من المجتمع الديمقراطي إلى ملطف ومخفف لحدة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الناجمة عن سياسات العولمة وتأثيراتها على مجتمعاتنا وهى تكرس في نفس الوقت الحكم الاستبدادي.
يطرح هذا التطور في بنية المجتمع المدني في دول الجنوب والأقطار العربية قضية الحركات الاجتماعية كمكون أساسي من مكونات المجتمع المدني، وكعنصر هام من عناصر التطور الديمقراطي وتحولات المستقبل الاجتماعية. ووجه الأهمية هنا في طرح قضية الحركات الاجتماعية أننا مع هذا التغيير في بنية المجتمع المدني أمام حركات اجتماعية جديدة تختلف عن الحركات الاجتماعية التقليدية سواء من حيث الأهداف أو الأدوار، فالحركات التقليدية كالحركة العمالية والحركة الفلاحية والحركة الطلابية والحركة النسائية كانت جزءًا من الصراع الطبقي في المجتمع هدفها حماية مصالح فئات اجتماعية واسعة أو طبقات اجتماعية في مواجهة الاستغلال والقهر الذي تمارسه فئات أخرى، ورغم أنها لم تكن تمارس نشاطا حزبيا مباشرا، إلا أنها أدت في بعض الأحيان إلى تأسيس أحزاب سياسية لهذه الفئات الاجتماعية، وقد نجحت هذه الحركات الاجتماعية القديمة أن توحد نضالها حول أهداف عامة تجمع كل المنتمين إلى تلك الفئة الاجتماعية كالمرأة مثلا أو العمال، وقد لعبت دورًا هاما في تعديل موازين القوى الطبقية في المجتمع في كثير من الأقطار في فترات مختلفة، ولكننا نلاحظ أن نفوذ هذه الحركات وتأثيرها يضعف باستمرار نتيجة لنجاح السلطة في استعابها واحتواء حركتها، أو لتغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغياب طرح فكرى مناسب لهذه التطورات ، أو لانصراف أعضائها عن نشاطها، وفى نفس الوقت تنشأ حركات اجتماعية جديدة حول قضايا وأهداف جزئية في مجالات حقوق الإنسان والبيئة والعاطلين والأمومة والطفولة والأقليات .. الخ. حيث نلاحظ قيام تنظيمات متعددة لا صلة بينها داخل المجال الواحد للتعامل مع جانب واحد فقط من القضية، كما هو الحال مثلا في مجال حقوق الإنسان حيث توجد تنظيمات منفصلة للمساعدة القانونية وتنظيمات أخرى لنشر ثقافة حقوق الإنسان، وتنظيمات ثالثة لرصد الانتهاكات .. الخ.
وهكذا فإننا نجد أنفسنا أمام انفجار في الحركات الاجتماعية والتنظيمات الجديدة التي تنشأ حول أهداف محدودة للغاية دون أن يربط بينها رابط مشترك لتنسيق الجهود، أو إدراك واضح للارتباط الضروري بينها مما يهدد المجتمع المدني بالانحراف عن دوره الحقيقي في دعم التطور الديمقراطي نتيجة لغياب الرؤية المشتركة والتنسيق المشترك بين هذه المنظمات والحركات الاجتماعية واكتفائها بالنشاط حول الهدف الخاص بكل منها.
ونحن لا نستطيع أن نتجاهل هنا أن أحد أسباب التسارع في تأسيس هذه الحركات هو تزايد وعى الناس بأن الدولة ومؤسساتها وكذلك الأحزاب السياسية عاجزة عن مواجهة الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن ظاهرة العولمة وما ترتب عليها من مشاكل اجتماعية، وتترك الناس تحت رحمة هذه الأوضاع. واستجابة من الناس لهذه الأوضاع فإنهم ينشئون حركاتهم الاجتماعية الخاصة، أو ينضمون إلى حركات اجتماعية قائمة، أو منظمات دفاعية تقوم على أسس دينية أو عرقية أو قومية أو جنسية أو بيئية أو سلامية أو محلية أو على أساس أي قضية منفردة، وتقوم معظم هذه الحركات بالتعبئة والتنظيم باستقلال عن الدولة ومؤسساتها والأحزاب السياسية لأنها لا تراها قادرة على مواجهة هذه القضايا أو المشاكل بفاعلية.
من هذا العرض للمجتمع المدني ومقوماته الأساسية ومكوناته ومالحق به من تطورات نتيجة للأوضاع العالمية المستجدة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية يمكن القول أننا أمام نوعين من المجتمع المدنى إن صح التعبير في الأقطار العربية :
– مجتمع مدني شعبي
– مجتمع مدني نخبوى
تكتفي القوى الرأسمالية والفئات الحاكمة بوجود مؤسسات للمجتمع المدني في إطار نخبوى تقوم بدورها في تلطيف حدة المشاكل الناجمة عن سياسات التكيف الهيكلي والتحول إلى اقتصاد السوق والاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي وفق الشروط التي تضعها المراكز الرأسمالية المتقدمة، وينحصر دور هذه المنظمات من وجهة نظر الفئات الحاكمة والقوى الرأسمالية في تقديم الرعاية للفقراء والمحتاجين، وإشباع حاجات خدمية لفئات اجتماعية معينة، بما لا يؤدى إلى تغيير الأوضاع بل يعيد إنتاج الأوضاع القائمة بما فيها من فقر وبطالة وتهميش وافتقاد العدالة وفى هذه الحالة فإن مؤسسات المجتمع المدني النخبوية لن تزعج الفئات الحاكمة ولن تلعب دوراً في تغيير الأوضاع القائمة من خلال المساهمة الفعالة بدور ديمقراطي في المجتمع. وعلى العكس، من هذا فإن القوى الديمقراطية والتقدمية يجب أن تدفع في اتجاه اكتساب مؤسسات المجتمع المدني طابعا شعبيًا يساعدها على القيام بدور تعبوي تغييري تحتاجه مجتمعاتنا تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من خلاله من المساهمة في عملية التحول الاجتماعي والسياسي للمجتمع. والمشاركة بشكل جماعي (كمؤسسات) في صياغة السياسات العامة والضغط من أجل تعديلها بما يحقق مصالح الأغلبية ويكفل مشاركتها السياسية تدعيما للديمقراطية (6) .
يتطلب دعم الطابع الشعبي للمجتمع المدني الاهتمام أكثر بالمنظمات الشعبية ذات الجذور العميقة فى المجتمع التي تهملها حاليًا المنظمات غير الحكومية المنشأة حديثًا وتشمل المنظمات الشعبية تحديدا النقابات المهنية والعمالية ، والمنظمات الفلاحية، والتعاونيات، واتحادات الطلاب، ومنظمات الحرفيين والمنظمات المهنية وتنظيمات الخدمة الاجتماعية، ويوفر هذا التنسيق استفادة المنظمات غير الحكومية وسائر مكونات المجتمع المدني من التراث الطويل والخبرات الواسعة للحركة النقابية في مجالات التعبئة وحشد القوى، ولديها الوسائل والكوادر المدربة على ذلك، ولها خبرات هامة في المجال المطلبى، وتتوفر لدى المنظمات الأخرى التعاونية والاجتماعية والطلابية والفلاحية خبرات متنوعة وإمكانيات بشرية تطوعية يمكن أن تستفيد منها المنظمات الأخرى حديثة النشأة لاكتساب القدرة على التأثير والاستناد إلى قاعدة اجتماعية واسعة وامتلاك خبرات جديدة في مختلف المجالات ، وسوف يساعدها ذلك على تجاوز وضعها الحالي كمنظمات منعزلة عن بعضها تعمل في إطار أهداف جزئية بحيث تتجه إلى إقامة تحالفات مع المنظمات الأخرى العاملة في نفس المجال مثل حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والتنمية .. الخ، وتجاوز وضعها النخبوى إلى آفاق جماهيرية وشعبية أوسع تساعدها على تفعيل نشاطها واكتساب المقومات الضرورية لتحولها إلى حركات اجتماعية لها عمق شعبي كاف.
بهذا التوجه يمكن أن يقوم المجتمع المدني بدوره المأمول في بناء الديمقراطية. التي يلتقي معها في إطار نسق مشترك من القيم.

الهوامش

(1) د. حامد خليل ، الوطن العربي والمجتمع المدني، كراسات استراتيجية ، مجلة فصلية تصدر عن مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية بجامعة دمشق.
العدد الأول – السنة الأولى – خريف 2000. ص 12.
(2) د. الحبيب الجنحانى، المجتمع المدني بين النظرية والممارسة، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، دولة الكويت، العدد الثالث، المجلد السابع والعشرون، يناير / مارس ،1999 ص 36.
(3) د. أحمد ثابت، الديمقراطية المصرية على مشارف القرن القادم، كتاب المحروسة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر القاهرة، الطبعة الأولى، يناير 1999- ص 20.
(4) د. مصطفى كامل السيد، مفهوم المجتمع المدني ومصر، ورقة مقدمة إلى مؤتمر مستقبل التطور الديمقراطي في مصر، جماعة تنمية الديمقراطية 2-3 نوفمبر ،1997 القاهرة. ص 3.
(5) أجوسا واى أوساجاى ، التكيف الهيكلي والمجتمع المدني والتماسك الوطني في أفريقيا، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة المجلد الثالث . ص 19-52.
(6) شهيدة الباز، دور المنظمات الأهلية العربية في تنمية المجتمعات المحلية، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة، المجلد الثالث أكتوبر ،2000 ص 19.
(7) إبراهيم السوري، ورقة مقدمة إلى حلقة الحوار حول قضايا بناء القدرات للمنظمات غير الحكومية، اللجنة الاقتصادية الاجتماعية للأمم المتحدة غرب آسيا، القاهرة 19/ 21 سبتمبر 2000.
(8) د. كمال المنوفي، التعليم كيف يكون رافدا لتعزيز التطور الديمقراطي، الأهرام 7 أكتوبر 2001.

دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الأول

مقـدمـة
حول ضرورة الديمقراطية

تواجه الأمة العربية العديد من التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية، تتنوع وتتعدد هذه التحديات والمخاطر لتشمل كافة مجالات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. كما تتسع ساحة المواجهة لتشمل الوطن العربي بأكمله وتتجاوزه إلى آفاق إقليمية وعالمية، فهناك تحديات التنمية والتحديث والتحول الديمقراطي وإشاعة العقلانية، بالإضافة إلى مخاطر الوجود الصهيونية التوسعي، والهيمنة الأمريكية، والتهميش المتزايد للأقطار العربية في ظل العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية المعاصرة التي فرضتها العولمة الرأسمالية تحقيقا لمصالح الدول الرأسمالية الكبرى، ورغم أن طبيعة هذه التحديات والمخاطر تتطلب أوسع تعبئة ممكنة للشعوب العربية باعتبارها الطرف الأساسي في المواجهة، وضرورة قيامها بدور فعال في صياغة سياسات المواجهة، وتحديد أولوياتها، إلا أن نظم الحكم القائمة حرصت على الانفراد بإدارة هذه المواجهة وحرمت شعوبها من القيام بدور فعال رغم أن هذه الشعوب هي التي تتحمل أعباء المواجهة وقدمت بالفعل تضحيات كبيرة في مواجهة هذه المخاطر والتحديات.
دفعت الشعوب العربية ثمنا باهظا وتحملت الأعباء المترتبة علي انفراد الحكام بمواجهة هذه المخاطر والتحديات، فقدمت آلاف الشهداء في حروبها ضد إسرائيل، وتحملت معاناة الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها الولايات المتحدة الأمريكية، كما تحملت المعاناة الاقتصادية والتقشف الذي وصل إلي حد الحرمان من أبسط ضروريات الحياة، علاوة علي البطالة والفقر وتهميش فئات واسعة من السكان، فضلا عن القمع السياسي والقهر الطبقي والتضليل الفكري والإعلامي. ولم يكن هناك مبرر معقول لأن تتحمل الشعوب العربية هذه المعاناة وتقدم هذه التضحيات بينما هي محرومة من المشاركة السياسية ومستبعدة من القيام بدورها الطبيعي في اتخاذ القرار وصياغة سياسات المواجهة وتحديد أهدافها وأولوياتها، خاصة بعد أن أثبتت التجربة والممارسة لمدة تزيد عن نصف قرن فشل هذه النظم في خوض معارك التنمية والتحديث والعقلانية والصراع العربي الصهيوني والهيمنة الأجنبية بكفاءة لإيثارها مصالحها الخاصة علي المصالح العامة للمجتمع في هذه المواجهة، واستبعادها القوي الشعبية خوفا من أن تتجاوزها هذه القوي في اللحظات الحرجة من الصراع أو أن يهدد اتساع نطاق المواجهة أو تصاعد المعارك المصالح الضيقة للفئات الحاكمة. التقت حول هذا المنهج كثير من نظم الحكم العربية: ملكية وجمهورية، رجعية وتقدمية، ثورية وتقليدية، لأنها بصرف النظر عن المسميات مارست الحكم من خلال سلطة أبوية أو تسلطية أو ديمقراطية انتقائية مقيدة، أي أن الاستبداد السياسي الذي عانت منه الشعوب العربية وما تزال تعاني الآن هو الجذر الأساسي لفشل العرب حكاما ومحكومين في خوض معارك الاستقلال والتنمية والتحديث والعقلانية والديمقراطية ومواجهة الخطر الصهيوني والهيمنة الأمريكية بكفاءة. ونتيجة لهذا كله فقد أجمع المفكرون والمثقفون العرب يساندهم في هذا قوي سياسية متعددة علي أن الديمقراطية هي المخرج الأساسي للشعوب العربية من مأزقها الحالي وما تعانيه من مشاكل وأزمات. فلا يمكن بدون الديمقراطية الحديث عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أو التطلع إلي تحديث حقيقي للمجتمع، أو توفير العدالة الاجتماعية، او تعميق المشاركة الشعبية، أو الحد من مخاطر الوجود الصهيوني والهيمنة الأمريكية. كما لا يمكن بدون بروز الشعوب كطرف أساسي في المواجهة ومشاركتها الفعلية في صياغة السياسات العامة وتحديد أهدافها وأولوياتها أن تحقق نجاحا يذكر في مواجهة المخاطر والتحديات التي تهدد الأمة العربية حاليا.
أن الدرس الأساسي المستفاد من خبرة النصف الثاني للقرن العشرين هو أنه رغم الجهود المضنية والتضحيات الكبيرة والمعاناة الشديدة فإن آمال العرب تحطمت أكثر من مرة علي صخرة الاستبداد والحكم الفردي والعسكري والقبلي والعشائري.
ان الانتقال في الوطن العربي من الاستبداد إلي الديمقراطية يتطلب أولا وفي الأساس تحرير الإنسان العربي وإطلاق طاقاته ليصبح القوة الأساسية في المواجهة، ولا يمكن الحديث عن تحرير الإنسان العربي طالما بقيت رواسب الاستبداد قائمة في المجتمعات العربية علي شكل نظم حكم سلطوية وثقافة غير ديمقراطية، وما لم يشمل التحول الديمقراطي كافة مجالات المجتمع فإنه لا مجال للحديث عن تحرير الإنسان العربي، لأن الديمقراطية هي في جوهرها طريقة في الحياة وأسلوب لتسيير المجتمع وإدارة صراعاته بوسائل سلمية، وهي بهذا المفهوم تتطلب سيادة قيم معينة ومؤسسات وآليات تضع الديمقراطية بهذا المفهوم موضع التطبيق، فلا يمكن بناء الديمقراطية في أي مجتمع بدون إشاعة ثقافة ديمقراطية تعمق القيم الموجهة لسلوك المواطنين في هذا الاتجاه. كما لا يمكن استكمال التحول إلي الديمقراطية بدون بناء المؤسسات التي تمارس من خلالها هذه الطريقة في الحياة، أو بدون توافر الآليات التي يتم من خلالها وضع هذه القيم الديمقراطية موضع التطبيق وشمولها المجتمع كله.(1)
للقيم الديمقراطية إذن دور محوري في انضاج عملية الانتقال إلي الديمقراطية وتوفير شروطها الأساسية. ويتطلب ذلك إنجاز ثلاثة مهام أساسية هي:
-إشاعة الثقافة المدنية الديمقراطية في المجتمع.
-الاهتمام بتربية المواطنين لتمثل هذه الثقافة وقيمها في حياتهم اليومية وفي علاقتهم بالآخرين.
-تدريب المواطنين عمليا علي الممارسة الديمقراطية، واكتسابهم خبرة هذه الممارسة من خلال النشاط اليومي الذي يقومون به في مختلف مجالات الحياة. وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني الإطار الأمثل للقيام بهذه المهام لأنها تقوم أيضا علي القيم الديمقراطية، ولأنها تجتذب إلي عضويتها دائرة واسعة من المواطنين الذين يسعون إلي الاستفادة من خدماتها أو ممارسة نشاط جماعي للدفاع عن مصالحهم، أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة. فكيف تقوم مؤسسات المجتمع المدني. بهذا الدور، وما هي علاقة المجتمع المدني بالديمقراطية، وما هو دورها المحدد في بناء الديمقراطية؟
هذا ما نعرضه بدرجة أكبر من التفصيل في هذه الدراسة عن “دور المجتمع في بناء الديمقراطية”. نأمل أن نساهم من خلالها في توفير الوضوح الفكري المطلوب للسير قد ما علي طريق التحول الديمقراطي في مجتمعاتنا العربية.

الفصل الأول
مفهوم الديمقراطية ومقوماتها الأساسية

للديمقراطية تاريخ طويل في الوطن العربي، يرجع في بعض الأقطار العربية إلي القرن التاسع عشر، وفي معظمها للنصف الأول من القرن العشرين، حيث ارتبط النضال من أجل الديمقراطية بالنضال من أجل الاستقلال الوطني، ومع موجة الاستقلال الأولي في عشرينيات هذا القرن ورغم استمرار قوات الاحتلال قامت نظم حكم عربية علي أساس مفاهيم الديمقراطية الليبرالية من تعددية حزبية وسلطات تشريعية منتخبة في ظل دساتير تعترف بالحقوق الأساسية للمواطنين، ولكنها كانت في أغلب الأحيان ديمقراطية شكلية تنعم بها الفئات الحاكمة وبعض قطاعات الطبقة الوسطي، ولهذا فإنها لم تصمد طويلا أمام موجات المد الثوري مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين وما صاحبه من انقلابات عسكرية، وقيام نظم حكم شمولية أعطت الأولوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتأكيد الاستقلال الوطني علي حساب الحريات السياسية والتعددية الحزبية والانتخابات البرلمانية. ومع إخفاق هذه النظم في تحقيق التنمية والمحافظة علي استقلالية الإرادة الوطنية في مواجهة الرأسمالية العالمية، والذي رافقه تدهور ملحوظ في مستوي معيشة المواطنين، وتراجع القدرة علي إشباع حاجاتهم الأساسية في الربع الأخير من القرن العشرين ارتفعت من جديد الأصوات المطالبة بالديمقراطية، بعد أن تأكد للجميع أنه لا يمكن المقايضة علي حريات الشعوب وحقوقها السياسية ومشاركتها في صياغة السياسات العامة مقابل وعد لا تتوفر له أي ضمانات بحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية. وقد أثبتت التجربة العملية بالفعل طوال خمسين سنة أن ما تحقق من مكاسب وإنجازات اقتصادية واجتماعية سرعان ما تم التراجع عنه دون مقاومة تذكر بسبب غياب التنظيمات السياسية والنقابية الفعالة للطبقات العاملة والكادحة والوسطي.
عاد الحديث والاهتمام بالديمقراطية في الوطن العري في أواخر القرن العشرين في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية مغايرة أساسها والعامل المؤثر فيها هو ظاهرة العولمة التي أثرت كثيرا في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الوطن العربي، واخترقت كل مناحي الحياة وأدخلت معظم الأقطار العربية في أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية طاحنة، ولم يعد النضال من أجل الديمقراطية في الوطن العربي قضية داخلية، بل هناك العديد من المؤثرات الخارجية التي تتحكم فيه وتحدد توجهاته.
نتيجة لهذه التطورات الداخلية والخارجية شهدت كثير من الأقطار العربية تطورات ملموسة نحو التعددية الحزبية والحياة البرلمانية، ولكن نظم الحكم في هذه الأقطار لا يمكن وصفها رغم هذه التطورات بأنها نظم ديمقراطية، فهي ما تزال تندرج تحت ما يمكن أن نسميه بالتعددية السياسية المقيدة التي لا تزيد في حقيقتها عن “قبول النظام السياسي مبدأ التعددية السياسية في شكل أحزاب سياسية ولكن في أطر قيود وضوابط معنية تحد من إمكانية تداول السلطة وممارسة هذه الأحزاب لوظائفها المتعارف عليها في النظم الديمقراطية التعددية”. (2)
أن نظم التعددية السياسية المقيدة الموجودة في معظم الأقطار العربية هي في حقيقتها استمرار للنظم الشمولية نشأت الحاجة إليها لإنقاذ هذه النظم التي تآكلت شرعيتها ولتخفيف الصراع الطبقي والسياسي في مجتمعات تعمقت أزمتها نتيجة لسياسات الحكم التي تطبقها هذه النظم. وهي بعيدة عن الديمقراطية الحقيقية وما زالت تندرج في إطار الاستبداد لأنها لم تحقق مبدأ سيادة القانون وإعلاء إرادة الشعب. أنها ديمقراطية انقاذية لنظم الحكم هدفها استمرار الأمر الواقع بإجراءات جديدة، وهي من ثم تتسم بخصائص ثلاث:
الأولي: التحول إلي التعددية يتم من أعلي بقرار من قمة السلطة التنفيذية.
الثانية: هذا التحول يتم بصورة تدريجية وفق إرادة السلطة التنفيذية وليس من خلال النضال السياسي والجماهيري. ويلاحظ أن هذه النظم لم تتسع فيها الحقوق والحريات السياسية منذ قيامها ولأكثر من عشرين سنة، بل علي العكس أدت أزمة نظم الحكم إلي سلب بعض الحقوق والحريات والانتقاص من مكاسب ديمقراطية تحققت من قبل لضمان استمرار الحكم.
الثالثة: هيمنة السلطة التنفيذية علي العملية كلها وخاصة رئيس الدولة الذي يملك في الواقع صلاحيات وسلطات واسعة تجعل هذه النظم أقرب إلي الحكم الفردي منها لأي نظام آخر.(3)
وإذا كان من الصعب أن نصف هذه النظم بأنها ديمقراطية، فماذا نقصد بالديمقراطية؟ وما هي أهم مقوماتها؟ وما علاقة ذلك بعملية الانتقال في الوطن العربي إلي الديمقراطية؟
مفهوم الديمقراطية:
الديمقراطية بمعناها الواسع هي مشاركة الشعب في اتخاذ القرار، ومراقبة تنفيذه، والمحاسبة علي نتائجه. وقد تصورت بعض القوي السياسية في الوطن العربي أن الديمقراطية يمكن أن تتحقق بمجرد السماح بقيام أحزاب متعددة وإجراء انتخابات دورية لتشكيل البرلمان وإصدار صحف حزبية، وتصورت أيضا نتيجة لهذا الفهم الخاطئ أن التحول إلي الديمقراطية يمكن أن يتم في فترة وجيزة، وغابت عنها الرؤية السلمية التي تساعدها علي السير بنجاح نحو هذا الهدف وتوفير ما يتطلبه من شروط وإجراءات. ومن ناحية أخري فقد اختلفت النظرة إلي الديمقراطية باختلاف المواقع الطبقية والإيديولوجية وتعددت مسمياتها بين ديمقراطية اشتراكية وديمقراطية شعبية وديمقراطية اجتماعية وديمقراطية تحالف قوي الشعب العامل.. الخ، ورغم الأهداف والغايات النبيلة التي كانت تكمن خلف هذه المسميات إلا أن تطبيقاتها دارت أساسا في ظل أوضاع شمولية أو سلطوية وعجزت عن توفير الشروط الضرورية للمشاركة الشعبية وتمكن الشعوب من اختيار حكامها والقيام بدور أساسي في صياغة السياسات العامة وفرض رقابتها علي السلطة التنفيذية ومحاسبتها طبقا للنتائج المتحققة. وقد توفر الحد الأدنى من الشروط اللازمة لقيام الديمقراطية بالفعل في المجتمعات الرأسمالية المتطورة ومجتمعات أخري كالهند عندما تعاملت مع الديمقراطية وفق مفهوم إجرائي يعتبرها “صيغة لإدارة الصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية، من خلال قواعد وأسس متفق عليها سلفا بين جميع الأطراف، تضمن تداول السلطة بين الجميع من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة”، فالمجتمع ليس مجرد كم من الأفراد، بل هو طبقات يترتب علي وجودها علاقات ومنافسات وصراعات، وإذا لم ينجح المجتمع في تنظيم هذه الصراعات بوسائل سلمية فإنه يتعرض لمخاطر العنف الذي قد يصل إلي حد الحرب الأهلية، من هنا فإن الديمقراطية كإطار لتنظيم الصراع الطبقي سلميا هي “مسألة نسبية وعملية تاريخية متدرجة، تبدأ عندما يتمكن المجتمع المعني من السيطرة علي مصادر العنف وإدارة أوجه الاختلاف سلميا تعبيرا عن إجماع القوي الفاعلة علي ضمان الحد الأدنى من المشاركة السياسية الفعالة لجميع المواطنين دون استثناء”.(4) ومع استقرار الممارسة الديمقراطية تتطور وتنضج هذه العملية التاريخية، وقد احتاجت أوروبا إلي أربعة قرون لإنجاز عملية الانتقال إلي الديمقراطية بهذا المفهوم.
تنجح الديمقراطية في تنظيم الصراع الطبقي سلميا بقدر ما توفر للمجتمع نظاما للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ينظم العلاقات بين أفراد وطبقات المجتمع من ناحية، وتنظيم العلاقات بين الدولة والمجتمع من ناحية أخري، والعلاقات بين مؤسسات الدولة نفسها (تنفيذية، تشريعية، قضائية) من ناحية ثالثة. وغنى عن الذكر أن هذا التنظيم للعلاقات فى المجتمع وبين مؤسسات الدولة يفضي في النهاية إلي الآلية الرئيسية لتحقيق سلمية الصراع وأعني بها تداول السلطة السياسية سلميا بين مختلف الطبقات من خلال الانتخابات العامة الدورية .
المقومات الأساسية للديمقراطية البورجوازية:
تبلورت من خلال الممارسة مجموعة المقومات الأساسية التي لا يمكن بدون توافرها تحقيق الديمقراطية ومنها:
– إقرار مبدأ سيادة القانون، ودولة المؤسسات، واستقلال السلطة القضائية.
– الاعتراف بمجموعة الحريات العامة وحقوق الإنسان كأساس لمجتمع مدني وإعلام حر بما يكفل حرية تكوين الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وحرية الرأى والاعتقاد والاجتماع.. الخ.
– الاعتماد علي مبدأ الانتخاب العام لعناصر السلطة التشريعية والتنفيذية كأساس لتداول السلطة من خلال انتخابات دورية حرة تجسد نتائجها بصدق إرادة الناخبين.
– الاعتراف بالتعددية السياسية والحزبية بكل ما يترتب عليها من نتائج.
نقد الديمقراطية البورجوازية:
ومن المهم هنا ونحن نتحدث عن الديمقراطية البورجوازية أن يكون واضحا لنا أنه إذا كانت الديمقراطية في أوروبا قد قامت وتقوم بدور في تنظيم العلاقات وإدارة الصراع في المجتمع الرأسمالي سلميا، فليس هناك ما يبرر اعتبارها جزءاً من العلاقات الرأسمالية نفسها، بل بالعكس فالعلاقات الرأسمالية تقوم في جوهرها علي التسلط والاحتكار والاستغلال بينما تهدف الديمقراطية إلي الحد من ذلك إلي أدني درجة ممكنة بما تقيمه من أجهزة للمراقبة وما تقدمه من إمكانات للمقاومة وتغيير موازين القوي. (5) وما طرحته الرأسمالية هو الليبرالية السياسية وليس الديمقراطية البورجوازية التي نعرفها الآن، وكانت الليبرالية السياسية في حقيقتها مجموعة من الأفكار والقيم تدور حول الفرد وحريته نشأت تاريخيا كتعبير عن واقع اجتماعي هو تبلور السوق الرأسمالي. لم تكن الحرية آنذاك مطروحة للجميع ولم تكن المشاركة السياسية من حق الجميع، بل كانت مرتبطة بالملكية، أي أن الليبرالية السياسية كانت هي المقابل السياسي للرأسمالية في الاقتصاد وكانت نشأة الليبرالية هذه منفصلة عن الديمقراطية ثم تم استيعابها فيها تدريجيا. فقد ولدت الليبرالية أولا ثم تمقرطت بعد ذلك عبر توسيع الحقوق والحريات التي ناضلت من أجلها الجماهير لتشمل جميع المواطنين. حيث أفرز السوق الرأسمالي ضغوطا دفعت نحو الديمقراطية وفرضتها. وقد جاء ذلك التحول عندما أدركت الطبقة العاملة أن حرمانها من التصويت أو قيامها بدورها السياسي لا يمكنها من التأثير في القرار السياسي فناضلت من أجل حقها في التصويت وحقها في التنظيم السياسي المستقل وتشكيل أحزاب تعبر عن مصالحها وكان إقرار حق الاقتراع العام هو نقطة التحول الحاسمة من عصر الدولة الليبرالية إلي عصر الدولة الديمقراطية الليبرالية (6)
ونحن نلاحظ أن الأنظمة الرأسمالية الغربية قد ركزت علي مفهوم الحرية في تحديد الديمقراطية وممارساتها. كما ركزت علي مفاهيم الاقتصاد والحر وتقوية القطاع الخاص والمبادرة الشخصية وحقوق الإنسان، وربطت بين مفهومي الديمقراطية والرأسمالية وتصوير الأمر وكأن الأولى نتيجة للثانية، وأهملت بذلك مفهوم العدالة الاجتماعية وخاصة ما يتعلق بمحاربة الفقر والتخفيف من الفروقات الطبقية والفئوية والعنصرية والجنسية بين الرجل والمرأة وتأييد تكافؤ الفرص، فالطبقات والجماعات الفقيرة المغلوبة علي أمرها لا تستطيع أن تمارس حريتها في غياب العدالة الاجتماعية وبذلك لم تستكمل الديمقراطية البورجوازية شروط ممارسة الحرية نفسها. والتحدي الحقيقي الآن أمام القوي الاشتراكية في الوطن العربي هو بلورة وتطبيق مفهوم للديمقراطية يستفيد مما أنجزته الديمقراطية البورجوازية وتراثها ويضيف إليها، يمكن من ممارسة الحرية بالفعل لكافة المواطنين بدون تمييز. وفي هذا الصدد يؤكد المفكر العربي د. سمير أمين أن الديمقراطية التي تطمح إليها شعوب العالم الثالث يجب أن تجمع بين التأكيد علي البعد الاجتماعي الاصلاحي واحترام استقلالية المبادرة الشعبية. كما يمكن النظر إلي الديمقراطية الاشتراكية باعتبارها نفي للديمقراطية البورجوازية، ولكنه نفي بالمعني الجدلي، حيث تلغي العناصر الرجعية في الديمقراطية البورجوازية التي تحرم أوسع الجماهير من المشاركة في صنع القرارات، وتتلاعب مراكز الضغط الرأسمالية والبيروقراطية وأجهزة الإعلام بإرادة الجماهير …الخ. ولكنها (أي الديمقراطية الاشتراكية) تحتفظ بالعناصر الإيجابية في الديمقراطية البورجوازية وتدمجها في تركيب أعلي بصورة كيفية أوفر حرية يتلاءم مع محتواها الطبقي الجديد. وذلك من خلال الجمع بين الأشكال التمثيلية والأشكال المباشرة للديمقراطية، التي توفر مشاركة شاملة لجماهير الطبقة العاملة والفلاحين ومختلف الفئات الكادحة الأخرى في صنع القرارات التي توجه مختلف نواحي الحياة في المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا..الخ.
وهي تضع بذلك أساسا أرسخ وأعمق لحرية الصحافة والتعددية الحزبية وحرية التنظيم النقابي، وتكوين مختلف أشكال الجمعيات والاتحادات، وتكفل حق الإضراب والتظاهر والحريات والحقوق السياسية والمدينة بالترابط مع كفالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية باعتبار كل ذلك شروطا ضرورية لعملية تحرير العمل وممارسة الديمقراطية المباشرة والتمثيلية، وإطلاق مبادرات أوسع جماهير الطبقة العاملة والطبقات الشعبية في المشاركة في صنع القرارات، وحل التناقضات التي تثور فيما بينهم بصورة ديمقراطية” (7)
من المهم أن ينعكس هذا الفهم الذي طرحناه هنا لمسألة الديمقراطية علي عملية الانتقال إلي الديمقراطية في الوطن العربي وأن تتشكل منذ البداية رؤية واضحة لهذه العملية وطبيعتها ومتطلباتها وأولوياتها والمراحل التي ستمر بها والمدى الزمني المحتمل لها.
حول الانتقال إلي الديمقراطية:
القضية الأساسية في عملية الانتقال إلي الديمقراطية في الوطن العربي هي أنها عملية تاريخية بدأت منذ سنوات طويلة وستتم عبر فترة زمنية طويلة نسبيا، وستتم تدريجيا وربما تنتكس في بعض مراحلها نتيجة للصراع حول السلطة وإصرار قوي معنية علي إيقاف التحول الديمقراطي، وهي لكي تنجح يجب أن تشمل المجتمع كله لأن الديمقراطية بالمفهوم الذي طرحناه هي طريقة في الحياة وأسلوب لتسيير المجتمع يتضمن قيما وآليات ومؤسسات، فلا يمكن الحديث عن الانتقال إلي الديمقراطية بدون تعميق القيم الموجهة لسلوك المواطنين في هذا الاتجاه، أو بدون توافر الآليات التي يتم من خلالها تأكيد القيم الديمقراطية ووظائف الممارسة الديمقراطية، أو بناء المؤسسات التي تمارس من خلالها.
من هنا فإن القوي الاجتماعية والسياسية صاحبة المصلحة في استكمال عملية الانتقال إلي الديمقراطية مطالبة بأن تعطي اهتماما أكبر لبعض المسائل الضرورية التي تكتسب أهمية أكثر من غيرها مثل:
– تبني مفهوم سليم للديمقراطية يتجاوز الديمقراطية البورجوازية دون أن يلغي إنجازاتها.
– تحديد المقومات الأساسية للديمقراطية طبقا للمفهوم الجديد الذي يتجاوز الديمقراطية البورجوازية.
– التنشئة الديمقراطية لإشاعة الثقافة المدنية الديمقراطية في المجتمع.
– دعم استقلالية المبادرة الشعبية بالتوسع في تنظيم الجماهير وإقامة مؤسسات المجتمع المدني.
– السير علي طريق التنمية الوطنية المتمحورة علي الذات للحد من العلاقات الاقتصادية اللامتكافئة مع المراكز الرأسمالية وتحقيق قدر مناسب من العدالة الاجتماعية تمكن القوي الشعبية من ممارسة دورها في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع.
وفيما يلي نعرض بعض الأفكار والتوجهات حول هذه المسائل الخمسة.
أولا: المفهوم السليم للديمقراطية:
ينطلق هذا المفهوم مما أوضحناه من قبل أن الديمقراطية بمعناها الواسع هي مشاركة الشعب في اتخاذ القرار السياسي، ومراقبة تنفيذه، والمحاسبة علي نتائجه. وأنها بالمفهوم الاجرائي “صيغة لإدارة الصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية، من خلال قواعد وأسس متفق عليها سلفا بين جميع الأطراف، تضمن تداول السلطة بين الجميع من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة. وإن الديمقراطية البورجوازية أرست القواعد والأسس التي تكفل ممارسة الديمقراطية في حدها الأولي ولكنها لا تكفي لإتاحة الفرصة أمام كل الطبقات للمساواة السياسية لعدم توافر العدالة الاجتماعية وغياب تكافؤ الفرص للطبقات العاملة والكادحة والجماعات المهمشة والفقيرة المغلوبة علي أمرها، مما لا يوفر قوة سياسية متكافئة لجميع الطبقات. ومن ثم فإن التحدي الحقيقي الآن في الوطن العربي هو بلورة وتطبيق مفهوم سليم للديمقراطية يستفيد مما أنجزته الديمقراطية البورجوازية وتراثها ويضيف إليها ما يمكن من ممارسة الحرية لكافة المواطنين دون تمييز. يمكن وصف هذا المفهوم بديمقراطية المشاركة التي تتيح لأوسع الجماهير مشاركة سياسية حقيقية وهي خطوة علي الطريق نحو بلورة مفهوم جديد للديمقراطية الاشتراكية يواكب قيم العصر ويقدم الاشتراكية للشعوب بشكل مختلف عما كان قائما من قبل في ظل النظم الشمولية أي يقدمها في صورة اشتراكية تقوم علي إرادة الشعوب وتمتعها بحرياتها الأساسية ويتحقق ذلك من خلال التأكيد علي ما يلي:
– لا تتحقق الديمقراطية السياسية ما لم يتوفر للمواطنين حد أدني من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ذلك أن الحقوق السياسية المتساوية لا تكفي وحدها لتمتع الأفراد والطبقات بقوي سياسية متساوية.
– أهمية تجاوز البرلمانية التمثيلية إلي صور من الديمقراطية المباشرة لتوسيع نطاق المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب.
– فتح الباب واسعا أمام استقلالية المبادرة الشعبية وبصفة خاصة من خلال المنظمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني.
– لا يمكن السير بنجاح علي طريق التطور الديمقراطي بدون النجاح في تحقيق ثورة ثقافية ترسخ في المجتمع القيم التي تخدم التطور الديمقراطي في وبصفة خاصة قيم التسامح والحوار والتعاون واحترام الآخر والتنافس والصراع السلمي. (8)
– إذا كانت الطبقة الرأسمالية هي الحامل الاجتماعي للديمقراطية في المراكز الرأسمالية المتقدمة نظرا لظروف أوروبا وأمريكا في القرنين التاسع عشر والعشرين، فهناك شكوك كثيرة حول إمكانية واستعداد الرأسماليين العرب ورجال الأعمال للقيام بهذا الدور لأسباب كثيرة. والأرجح أن الحامل الاجتماعي للديمقراطية في الوطن العربي سيكون تحالفا وطنيا شعبيا من العمال والفلاحين والفئات الوسطي يلعب فيه المثقفون التقدميون دورا أساسيا وسيكون هناك مكان في هذا التحالف لقطاع من الرأسمالية المحلية التي ترتبط مصالحها باستقلال الاقتصاد.
ثانيا: المقومات الأساسية لديمقراطية المشاركة:
تأتي أهمية هذه المقومات لما توفره من وضوح فكري وسياسي حول الديمقراطية باعتبارها طريقا طويلا يبدأ بتوافر شروط معنية تتطور وتتسع من خلال الممارسة، وباعتبارها نظاما للحياة يشمل مختلف جوانب المجتمع، وباعتبارها إطار أساسيا لنضال القوي الشعبية له مضمون اقتصادي واجتماعي يوفر لكافة المواطنين القدرة الاقتصادية إلي تكفل لهم قدرا من القوة السياسية في الصراع السياسي، وأن تكون هذه المقومات أساس العمل الفكري والنضال السياسي من أجل الانتقال إلي الديمقراطية مثل:
– احترام التعددية السياسية والنقابية والثقافية، وتوافر الحقوق والحريات المدنية والسياسية الأساسية، وإقرار مبدأ سيادة القانون ودولة المؤسسات وتداول السلطة من خلال انتخابات برلمانية دورية حرة ونزيهة.
– توافر حد أدني من الدخل يضمن المستويات الغذائية والصحية والتعليمية والسكنية اللائقة بحياة كريمة من خلال الالتزام بإشباع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
– حكم محلي ديمقراطي حقيقي يقوم علي انتخاب المجالس المحلية ورؤسائها وإعطاء المحليات علي كافة المستويات (قري- مدن- محافظات) صلاحيات فعلية في اتخاذ القرار والتنفيذ وتدبير موارد مالية محلية.
– مشاركة العمال في إدارة الوحدات الإنتاجية لضمان انتظام العملية الإنتاجية وتعميق التفاهم بين العمال والإدارة حول الشروط الواجب توافرها لاستقرار العمل.
– مشاركة المستفيدين في إدارة وحدات الخدمات بحيث ينتخب المنتفعون من خدمات الوحدة الصحية أو المستشفي أو المدرسة.. الخ. مجلسا يشارك في تطوير وتحسين الخدمة. وكذلك في المرافق العامة.
– إطلاق الحرية كاملة للقطاع الأهلي وسائر مؤسسات المجتمع المدني طبقا لما أقرته الدساتير من مبادئ عامة وإنهاء الوصاية الحكومية عليها.
– حرية وتعدد وسائل الإعلام فمن حق المواطن أن يعرف حقائق الأمور وأن يتابع اختلاف الآراء باعتبار حرية تدفق المعلومات من مصادر مختلفة شرط أساسي لكي يشارك المواطنون فعلا في صنع القرارات والاختيار بين البدائل المطروحة عليهم.
– ثقافة ديمقراطية تقوم علي قيم الحوار واحترام الرأي والرأي الأخر والتسامح… الخ.
– تبني مفهوم جديد للتنمية يقوم علي التنمية للشعب بالشعب وتوفير ضرورات الحياة للمواطنين والتوزيع العادل لعائد التنمية وبذلك تجمع التنمية بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية.
ثالثا: التنشئة الديمقراطية وإشاعة الثقافة الديمقراطية في المجتمع:
تقوم الديمقراطية كأسلوب حياة في المجتمع وتنظيم العلاقات فيه بما يضمن حل صراعاته سلميا علي مجموعة من المعايير تترجم إلي قيم ومعتقدات وسلوك تشكل ثقافة الإنسان ونظرته إلي هذه القضية ومواقفه العملية فيها. وهذا يعني أن الفرد الذي يتمسك بقيم الديمقراطية سيدفعه ذلك إلي أن يلتزم في سلوكه بالخصائص التالية:
– المشاركة الاجتماعية والمساواة في هذه المشاركة.
– الاجتهاد في فهم مشاعر الآخرين واهتماماتهم.
– أن يتقبل الآخرين علي أنهم متساوون معه.
– تجنب العنف في الصراع وحله بوسائل سلمية في إطار الحوار، وتقبل الصراع الذي قد يكون محتوما في بعض الأحيان.
تلعب التنشئة الاجتماعية دورا هاما في اكتساب الفرد (وخاصة الطفل) الحساسية للمثيرات الاجتماعية مثل ضغوط والتزامات حياة الجماعة ويتعلم كيف يتعامل معها، وكيف يتصرف مثل الآخرين الذين هم في جماعته الثقافية، وفي إطار هذه التنشئة الاجتماعية تتم التنشئة الديمقراطية التي يتم بمقتضاها تلقين الفرد مجموعة القيم والمعايير المستقرة في ضمير المجتمع بما يضمن بقاءها واستمرارها، وهكذا سيكون السلوك السياسي امتداداً للسلوك الاجتماعي” (9)
وفي هذا الإطار فإن التنشئة الديمقراطية تشمل كل قطاعات المجتمع ابتداء من الأسرة إلي المدرسة إلي النادي إلي جماعة العمل في المصنع والمزرعة ووحدة الخدمات، فهي تبدأ منذ الصغر وتستمر مع الإنسان في كل مراحل حياته، حيث يتعين أن نغرس في وجدان الأطفال والشباب مجموعة القيم والسلوكيات الديمقراطية لتكون أساس تصرفاتهم مع الأهل والأصدقاء والزملاء، فما لم تكن هذه القيم والسلوكيات أساس التعامل وأساس العلاقات في المجتمع فإنه من المشكوك فيه أن يشهد هذا المجتمع ديمقراطية سياسية، بل يصبح العمل السياسي والنشاط الحزبي والانتخابات العامة ظواهر معزولة عن السياق العام لحركة المجتمع، ومقطوعة من جذورها وبيئتها، وبالتالي فإنها تصبح مجرد شكليات أو طقوس تمارس دون جدوي. أن التنشئة الديمقراطية مطالبة باعطاء اهتمام خاص لقيم الحوار والنقد الذاتي والعمل الجماعي بروح الفريق والأمانة والصدق، والتسامح المتبادل والشفافية، والمثابرة وهذه مسئولية المجتمع كله، الآباء والأمهات داخل الأسرة، المعلمون في المدرسة والجامعة، قيادات العمل في مؤسسات الإنتاج والخدمات، وهي أيضا مسئولية الاحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية في حياتها الداخلية وفي علاقتها بجماهيرها. وهي أيضا مسئولية الحكم الذي يتحمل مسئولية توفير المناخ وتهيئة الشروط لتحقيق ذلك في مختلف المجالات والمؤسسات. وسنعود إلي هذا الموضوع عند معالجتنا لدور المجتمع المدني في بناء الديمقراطية في الفصل الثالث من هذه الدراسة.
رابعا: دعم استقلالية المبادرة الشعبية بالتوسع في تنظيم الجماهير وإقامة مؤسسات المجتمع المدني:
تؤكد التجربة في كثير من الأقطار أن تنظيم الجماهير هو الحلقة الرئيسية في النضال الديمقراطي، فالجماهير المنظمة هي القوة الأساسية التي تستطيع أن توفر الشروط الضرورية في المجتمع لاقرار الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين وتضمن حماية هذه الحقوق من أي عدوان عليها أو محاولة الانتكاس بها، وبقدر النجاح في تعبئة الجماهير في هذا القطر أو ذاك بقدر النجاح في انتزاع المزيد من المكاسب الديمقراطية. من هنا فاننا لا نبتعد عن الحقيقة كثيرا إذا ذكرنا أن بناء حركة جماهيرية منظمة ومستقلة للطبقات والقوي الاجتماعية الكادحة والمنتجة هو الحلقة الرئيسية والواجب الملح في الفترة الحالية من تطور المجتمعات العربية، أننا في حاجة ماسة إلي بناء شبكة واسعة من المنظمات الجماهيرية والجمعيات الاجتماعية والثقافية في مختلف قطاعات المجتمع بحيث تتكامل جهودها من أجل دعم نفوذ الجماهير ومشاركتها السياسية، والقضية الأساسية في تنظيم الجماهير هي جذبها إلي مجال العمل العام انطلاقا من وعيها الملموس بمدي الارتباط بين مشاكلها المعيشية والأوضاع العامة للمجتمع وإداراكها لمسئوليتها في المساهمة في نشاط جماعي لحل هذه المشاكل. وهنا تبرز أهمية المجتمع المدني باعتباره مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك يقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف. وسوف نعالج هذا الموضوع بقدر أكبر من التفصيل في الفصل الثالث من هذه الدراسة.
خامسا: تحقيق نتائج فعلية في عملية التنمية الوطنية المتمحورة علي الذات:
هناك علاقة قوية بين الديمقراطية والتنمية. ويري الدكتور سمير أمين أن غياب الديمقراطية في أطراف النظام الرأسمالي العالمي ومن ضمنها الوطن العربي أو هشاشة هذه الديمقراطية ليست من آثار الفترات التاريخية السابقة، بل هي نتيجة للاستقطاب الناتج عن التوسع الاقتصادي الرأسمالي العالمي الذي يؤدي بدوره إلي استقطاب اجتماعي له تجليات متعددة علي رأسها التفاوت الكبير في نمو المداخيل وسوء التوزيع، والبطالة الكثيفة، وظاهرة تهميش فئات واسعة من المجتمع، وهذه التجليات تلعب دورا كبيرا في أضعاف التطور الديمقراطي في هذه المجتمعات، وأن خضوع نظم الحكم في هذه الأقطار لمتطلبات التوسع الرأسمالي والأخذ بسياسات التكيف الهيكلي هو الذي يشكل الخلفية العامة التي ترسم عليها من حين لآخر الانفجارات الاجتماعية التي تطرح مسألة الديمقراطية علي بساط البحث، بمعني آخر فإن التنمية الاقتصادية الاجتماعية تحدد بدرجة كبيرة مدي إمكانية النجاح في تحقيق الديمقراطية أو أعاقتها، وأنه ما لم تعتمد سياسة تنموية وطنية متمحورة علي الذات أي تتحدد أولوياتها وتتخذ قراراتها انطلاقا من المصلحة الوطنية والأوضاع الداخلية وليس تنفيذا لسياسات تحددها المؤسسات الرأسمالية العالمية فإن السير بنجاح علي طريق الديمقراطية أمر مشكوك فيه. ويري سمير أمين أنه عندما تنشأ نظم تعترف بمبدأ الانتخابات والتعددية الحزبية وبدرجة معينة من حرية التعبير ولكنها تمتنع عن مواجهة المشاكل الاجتماعية ولا تواجه علاقات التبعية بجدية فإنها لن تكون سوي تعبير عن أزمة النظام الاستبدادي في أطراف النظام الرأسمالي العالمي. وأن هذه النظم أمام أحد خيارين، فإما أن يقبل النظام بالخضوع لمتطلبات التكيف العالمي، وعندها عليه التخلي عن أي محاولة لإصلاح اجتماعي عام وبالتالي فإن الديمقراطية ستدخل في أزمة ولو بعد حين، وإما أن تسيطر القوي الشعبية علي الديمقراطية وتفرض بواسطتها هذه الإصلاحات. عندها سيدخل النظام في صراع مع الرأسمالية العالمية السائدة، وعليه بالتالي الانتقال من المشروع الوطني البورجوازي إلي المشروع الوطني الشعبي (10)
وبعد.. كانت هذه أفكارا وتوجهات حول مفهوم الديمقراطية ومقوماتها الأساسية وطبيعة عملية الانتقال إلي الديمقراطية في الوطن العربي التي لا يمكن إنجازها بدون دور للحركة الجماهيرية المنظمة، خاصة بعد أن تبين بوضوح استحاله بناء الديمقراطية من أعلي بإرادة الفئات الحاكمة، وأنه لا مفر من بناء الديمقراطية من أسفل بإرادة الحركة الجماهيرية المنظمة ولا يمكن اتمام هذه العملية بدون استقرار قيم الديمقراطية في وجدان المواطنين وإشاعة ثقافة مدنية ديمقراطية في المجتمع، ويطرح هذا كله قضية المجتمع المدني ودوره في بناء الديمقراطية. فماذا نقصد بالمجتمع المدني؟ وما هي مؤسساته؟ وما هي القيم التي ينبني عليها وما علاقته بالديمقراطية؟ هذا ما نعالجه في الفصل التالي.

هوامش الفصل الأول

(1) عبد الغفار شكر، الجمعيات الأهلية الإسلامية وعلاقتها بالديمقراطية، ورقة غير منشورة مقدمة إلى ندوة المنظمات غير الحكومية والحكم الجيد في الوطن العربي، معهد دراسات التنمية ومركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام. مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والتوثيق (سيداج) القاهرة 1999.
(2) أيمان محمد حسن، وظائف الأحزاب السياسية في نظم التعددية المقيدة، كتاب الأهالي رقم ،54 القاهرة، أكتوبر 1995 ص82.
(3) المرجع السابق، ص 45 -50.
(4) على خليفة الكواوي، مفهوم الديمقراطية المعاصرة، مجلة المستقبل العربي، بيروت، العدد ،168 فبراير 1993. ص 25.
(5) محمد عابد الجابري، إشكالية الديمقراطية والمجتمع المدني في الوطن العربي، مجلة المستقبل، العدد ،167 يناير ،1993 بيروت ص 14.
(6) إيمان محمد حسن، مرجع سابق، ص ،38 39.
(7) صلاح العمروسى، حدود البرلمانية في ظل نظام استبدادي، كتاب اليسار العربي وقضايا المستقبل إصدار مركز البحوث العربية بالقاهرة، مكتبة مدبولى القاهرة، 1998. ص229.
(8) عبد الغفار شكر، الديمقراطية والطريق العربي إلى الاشتراكية كتاب اليسار العربي وقضايا المستقبل، المرجع السابق ص 197- 198.
(9) د. مصطفى تركي، السلوك الديمقراطي، مجلة عالم الفكر، المجلد الثاني والعشرون، أكتوبر. نوفمبر ديسمبر، وزارة الإعلام، دولة الكويت. ص 118- 119.
(10) د. سمير أمين، البديل الوطني الشعبي الديمقراطي، مجلة المستقبل العربي، العدد يونيو ،1993 بيروت ص 106-107.
* يتضمن هذا الفصل اقتباسات مطولة من مقال للمؤلف نشرته مجلة النهج بعنوان “من الاستبداد إلي الديمقراطية في الوطن العربي” العدد 44 السنة 11 صيف/ خريف 1996.

دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية – الجزء الثانى
الفصل الثاني
المجتمع المدني والقيم الديمقراطية

أخطأ البعض في الوطن العربي عندما اتخذوا موقفا سلبيا من الدعوة إلى تقوية المجتمع المدني لأنهم تصوروا أنه يقتصر فقط على تلك المنظمات غير الحكومية التي تأسست حديثا في سياق العولمة، ونشطت في بداية تأسيسها وفق أجندة خارجية حددت موضوعاتها مؤسسات التمويل الدولية الرأسمالية ومنظمات غير حكومية في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وغاب عن هؤلاء أن المجتمع المدني يضم العديد من المنظمات الشعبية والجماهيرية، وأنه قائم في المجتمعات العربية منذ أكثر من مائة سنة مع تأسيس الجمعيات الأهلية في القرن التاسع عشر والنقابات العمالية والمهنية في بداية القرن العشرين وكذلك الجمعيات التعاونية إلى آخر هذه المنظمات التي تدخل في إطار تعريف المجتمع المدني.
والمجتمع المدني هو من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى. وهى علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع، والتعاقد والتراضى والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسئوليات، ومحاسبة الدولة في كافة الأوقات التي يستدعى فيها الأمر محاسبتها، ومن جهة إجرائية، فإن هذا النسيج من العلاقات يستدعي، لكي يكون ذا جدوي، أن يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة تشكل في مجموعها القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها مشروعية الدولة من جهة، ووسيلة محاسبتها إذا استدعى الأمر ذلك من جهة أخرى(1)
والمجتمع المدني هو مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة المباشر، فهو يتميز بالاستقلالية والتنظيم التلقائي وروح المبادرة الفردية والجماعية، والعمل التطوعي، والحماسة من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة، ورغم أنه يعلى من شأن الفرد إلا أنه ليس مجتمع الفردية بل على العكس مجتمع التضامن عبر شبكة واسعة من المؤسسات (2)
تزداد أهمية المجتمع المدني ونضج مؤسساته لما يقوم به من دور في تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصائرهم ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من إفقارهم، وما يقوم به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات، ثقافة الإعلاء من شأن المواطن، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي وجذبهم إلى ساحة الفعل التاريخي والمساهمة بفعالية في تحقيق التحولات الكبرى للمجتمعات حتى لا تترك حكرا على النخب الحاكمة.(3). وفى هذا الإطار يرى المفكر والمناضل الإيطالي انطونيو جرامشى أن المجتمع المدني ساحة للصراع داخل المؤسسات السياسية والنقابية والفكرية للمجتمع الرأسمالي، تمارس من خلاله الطبقة البورجوازية هيمنتها الثقافية أو تصعد من خلاله بشائر الهيمنة المضادة للطبقة العاملة(4). أي أن المجتمع المدني عند جرامشى هو مفهوم صراعي وليس شأنا رأسماليا بحتا حيث يتعين على الطبقة العاملة والطبقات الكادحة أن تواجه الأيديولوجية الرأسمالية والثقافية السائدة بثقافة مضادة، مما يعزز استقلالية مؤسسات المجتمع المدني ودورها في حماية الإنسان العادي من سطوة الدولة، وقدرته على ممارسة التضامن الجماعي في مواجهتها ، مما يمكنه من الضغط عليها والتأثير علي السياسيات العامة للدولة. والمجتمع المدني بهذا المفهوم هو أحد أركان الديمقراطية ويلعب دورا هاما في بنائها ودعم تطورها، ويمكن أن نتعرف مبدئيا على العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية من خلاتل متابعتنا لكافة الجوانب المتعلقة به من حيث تعريف المجتمع المدني ومكوناته ووظائفه ، كما يمكن أن نتعرف عليه تفصيليا من خلال دراستنا للجوانب المشتركة بينهما.
تعريف المجتمع المدني :
استقر الرأي من خلال الدراسات الأكاديمية والميدانية والمتابعة التاريخية لنشأته وتطوره أن المجتمع المدني هو “مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، أي بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختيار في عضويتها” هذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح أفرادها أو لتقديم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضى والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف.
وللمجتمع المدني بهذا المفهوم أربعة مقومات أساسية هي :
– الفعل الإرادي الحر أو التطوعي
– التواجد في شكل منظمات.
– قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين
– عدم السعي للوصول إلى السلطة.
مكونات المجتمع المدني :
يدخل في دائرة مؤسسات المجتمع المدني طبقا لهذا التعريف أي كيان مجتمعي منظم يقوم على العضوية المنتظمة تبعا للغرض العام أو المهنة أو العمل التطوعي، ولا تستند فيه العضوية غلى عوامل الوراثة وروابط الدم والولاءات الأولية مثل الأسرة والعشيرة والطائفة والقبيلة، وبالتالي فإن أهم مكونات المجتمع المدني هي :
– النقابات المهنية
– النقابات العمالية
– الحركات الاجتماعية .
– الجمعيات التعاونية
– الجمعيات الأهلية
– نوادي هيئات التدريس بالجامعات
– النوادي الرياضية والاجتماعية
– مراكز الشباب والاتحادات الطلابية
– الغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال
– المنظمات غير الحكومية الدفاعية والتنموية كمراكز حقوق الإنسان والمرأة والتنمية والبيئة.
– الصحافة الحرة وأجهزة الإعلام والنشر
– مراكز البحوث والدراسات والجمعيات الثقافية.
وهناك من يضيف إلى هذه المنظمات هيئات تقليدية كالطرق الصوفية والأوقاف التي كانت بمثابة أساس المجتمع المدني في المجتمعات العربية منذ مئات السنين قبل ظهور المنظمات الحديث.
الاختراق الخارجي للمجتمع المدني :
لاشك في أن العولمة الرأسمالية هي أهم الظواهر العالمية المعاصرة وأهمها تأثيراً في حياة الشعوب ومستقبلها .ومن أبرز مظاهر العولمة إعادة هيكلة الرأسمالية المعاصرة بإدماج اقتصاديات مختلف بلدان العالم في الاقتصاد الرأسمالي بالشروط التي وضعتها رأسمالية المراكز المتقدمة على أساس إعلاء شأن السوق وآلياته وفرض حرية انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات والسلع والخدمات دون قيود أو عقبات تطبيقا لأفكار الليبرالية الجديدة التي تشكل العنصر الأيديولوجي المسيطر والمركزي في عملية إعادة الهيكلة هذه التي تجرى على امتداد العالم، وقد عانت دول الجنوب ومن ضمنها الأقطار العربية من مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة تطبيق السياسات التي أو أوصت بها المؤسسات الرأسمالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهى السياسات المعروفة بالتكيف الهيكلي.
ولتخفيف حدة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي حرصت قوى العولمة على توظيف المجتمع المدني ليكون بديلا للدولة الوطنية التي تنسحب من أدوارها التقليدية ومسئولياتها في دعم الفئات الفقيرة وتوزيع الدخل لصالح الطبقات العاملة والكادحة والفئات الضعيفة، وتهدف قوى العولمة من دعمها للمجتمع المدني أن يقوم بدور البديل للدولة في مجال دعم الفئات الفقيرة وتستخدم كملطف لحدة المشاكل الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي مثل الفقر والبطالة والتهميش فيكون إطاراً يعبئ شرائح وقوى اجتماعية تتحمل عبء مواجهة هذه المشاكل وسيكون ذلك بالقطع على حساب دوره في دعم التطور الديمقراطي للبلاد.
تؤكد التقارير السنوية للبنك الدولي هذه النظرة حيث يشير في تقرير 1995 إلى المجتمع المدني كظاهرة اقتصادية باعتباره القوة المحركة بالنسبة لنشاطات ونمو القطاع الخاص، من هنا تأتى أهميته لأهداف التكيف الهيكلي فيما يتعلق بتقلص دور الدولة، وخصخصة الخيرات العامة والسلع الاجتماعية، ونمو القطاع الخاص الذي تعرض للتقهقر في مراحل سابقة، ويؤكد البنك الدولي أنه من المأمول مع الانفتاح السياسي أن تحدث نقله من مرحلة التسامح مع القطاع الخاص إلى مرحلة التحمس له، بوصفه محرك النمو والمحدد الرئيسي لمستقبل البلاد، ويشير البنك في تقرير 1998 أن القطاع المستقل عن الدولة أو غير الحكومي والذي يضم أنواعا مختلفة من المنظمات غير الحكومية عليه دور حاسم في التصدي للمظاهر التي تحول دون تطور القطاع الخاص. وينظر البنك؛ الدولي إلى المجتمع المدني لما يستطيع أن يقوم به من مساعدة في تعبئة الموارد بالطرق التي تعجز الدولة عن القيام بها وباعتباره “دولة الظل” التي تقوم بوظائف تقليدية للدولة مثل إنشاء وإدارة المدارس ومراكز الرعاية الصحية ومشروعات الأشغال العامة كشق الطرق والترع(5)، بل إن تعريف البنك للمنظمات الأهلية يؤكد إصراره على دورها كملطف لحدة المشاكل وليس باعتبارها الوسيط بين المجتمع والدولة أو باعتبارها إطارا مناسباً للمساهمة في التحول الديمقراطي للمجتمع أو لإمكانية قيامها بدور تغييري تنموي شامل، يتضح ذلك من تعريف البنك الدولي لها بأنها مؤسسات وجماعات متنوعة الاهتمامات مستقلة كليا أو جزئيًا عن الحكومات، وتتسم بالعمل الإنساني والتعاون وليس لديها أهداف تجارية ويساعد على تحقيق أهداف المؤسسات الرأسمالية الدولية في توظيف مؤسسات المجتمع المدني لخدمة سياساتها بناء منظمات غير حكومية عابرة للقوميات ترتبط بشبكات عالمية تساهم في تمويل أنشطة المنظمات الأهلية وغير الحكومية الوطنية وفق اجندة الرأسمالية العالمية بدلا من أن تكون أولوياتها طبقا لاحتياجات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد أدى الاختراق الأجنبي إلي إدخال تغييرات على خريطة المجتمع المدني بالعديد من الأقطار العربية، حيث نلاحظ أن أساس هذه الخريطة في المجتمعات العربية حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين كان منظمات شعبية تعبر عن مصالح فئات اجتماعية معينة كالنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية والمنظمات النسائية والشبابية، أو منظمات غير حكومية دفاعية، أو جمعيات أهلية خيرية وثقافية واجتماعية تقدم لأعضائها خدمات متنوعة كما تقدم خدماتها للفئات الضعيفة في المجتمع، أو أندية رياضية وثقافية واجتماعية تشبع احتياجات أعضائها لأنشطة متطورة في هذه المجالات، وكذلك الجمعيات التعاونية. لكن العولمة جاءت معها بقضايا جديدة ومشاكل جديدة مثل حماية البيئة من التلوث، والفقر، والهجرة واللاجئين وضحايا العنف والسكان الأصليين والمخدرات والإرهاب وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفولة وحقوق الأقليات الدينية والعرقية، ولأن منطق العولمة يستبعد قيام الدولة بدور أساسي في مواجهة هذه المشكلات فإنها شجعت على قيام منظمات غير حكومية للتعامل معها، كما أن نشطاء المجتمع المدني سارعوا في كثير من الأقطار لتكوين منظمات غير حكومية لمواجهة هذه المشكلات والتخفيف من حدتها. وسواء كان المشجع على قيام هذه المنظمات الجديدة هو العامل الخارجي أو الأوضاع الداخلية إلا أن النتيجة واحدة هي قيام مئات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الجديدة التي تنشط حول أهداف مفتتة وقضايا جزئية دون ارتباط بالأسباب المشتركة لهذه المشاكل الجزئية، ودون وضوح حول إمكانية التنسيق والتعاون بينها لمواجهة هذه الأسباب التي تعود بالأساس إلى العولمة الرأسمالية وسياساتها. وهذا التغيير في خريطة المجتمع المدني يهدد مؤسسات المجتمع المدني بالتحول عن دورها الأساسي كجزء من المجتمع الديمقراطي إلى ملطف ومخفف لحدة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الناجمة عن سياسات العولمة وتأثيراتها على مجتمعاتنا وهى تكرس في نفس الوقت الحكم الاستبدادي.
يطرح هذا التطور في بنية المجتمع المدني في دول الجنوب والأقطار العربية قضية الحركات الاجتماعية كمكون أساسي من مكونات المجتمع المدني، وكعنصر هام من عناصر التطور الديمقراطي وتحولات المستقبل الاجتماعية. ووجه الأهمية هنا في طرح قضية الحركات الاجتماعية أننا مع هذا التغيير في بنية المجتمع المدني أمام حركات اجتماعية جديدة تختلف عن الحركات الاجتماعية التقليدية سواء من حيث الأهداف أو الأدوار، فالحركات التقليدية كالحركة العمالية والحركة الفلاحية والحركة الطلابية والحركة النسائية كانت جزءًا من الصراع الطبقي في المجتمع هدفها حماية مصالح فئات اجتماعية واسعة أو طبقات اجتماعية في مواجهة الاستغلال والقهر الذي تمارسه فئات أخرى، ورغم أنها لم تكن تمارس نشاطا حزبيا مباشرا، إلا أنها أدت في بعض الأحيان إلى تأسيس أحزاب سياسية لهذه الفئات الاجتماعية، وقد نجحت هذه الحركات الاجتماعية القديمة أن توحد نضالها حول أهداف عامة تجمع كل المنتمين إلى تلك الفئة الاجتماعية كالمرأة مثلا أو العمال، وقد لعبت دورًا هاما في تعديل موازين القوى الطبقية في المجتمع في كثير من الأقطار في فترات مختلفة، ولكننا نلاحظ أن نفوذ هذه الحركات وتأثيرها يضعف باستمرار نتيجة لنجاح السلطة في استعابها واحتواء حركتها، أو لتغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغياب طرح فكرى مناسب لهذه التطورات ، أو لانصراف أعضائها عن نشاطها، وفى نفس الوقت تنشأ حركات اجتماعية جديدة حول قضايا وأهداف جزئية في مجالات حقوق الإنسان والبيئة والعاطلين والأمومة والطفولة والأقليات .. الخ. حيث نلاحظ قيام تنظيمات متعددة لا صلة بينها داخل المجال الواحد للتعامل مع جانب واحد فقط من القضية، كما هو الحال مثلا في مجال حقوق الإنسان حيث توجد تنظيمات منفصلة للمساعدة القانونية وتنظيمات أخرى لنشر ثقافة حقوق الإنسان، وتنظيمات ثالثة لرصد الانتهاكات .. الخ،
وهكذا فإننا نجد أنفسنا أمام انفجار في الحركات الاجتماعية والتنظيمات الجديدة التي تنشأ حول أهداف محدودة للغاية دون أن يربط بينها رابط مشترك لتنسيق الجهود، أو إدراك واضح للارتباط الضروري بينها مما يهدد المجتمع المدني بالانحراف عن دوره الحقيقي في دعم التطور الديمقراطي نتيجة لغياب الرؤية المشتركة والتنسيق المشترك بين هذه المنظمات والحركات الاجتماعية واكتفائها بالنشاط حول الهدف الخاص بكل منها.
ونحن لا نستطيع أن نتجاهل هنا أن أحد أسباب التسارع في تأسيس هذه الحركات هو تزايد وعى الناس بأن الدولة ومؤسساتها وكذلك الأحزاب السياسية عاجزة عن مواجهة الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن ظاهرة العولمة وما ترتب عليها من مشاكل اجتماعية، وتترك الناس تحت رحمة هذه الأوضاع. واستجابة من الناس لهذه الأوضاع فإنهم ينشئون حركاتهم الاجتماعية الخاصة، أو ينضمون إلى حركات اجتماعية قائمة، أو منظمات دفاعية تقوم على أسس دينية أو عرقية أو قومية أو جنسية أو بيئية أو سلامية أو محلية أو على أساس أي قضية منفردة، وتقوم معظم هذه الحركات بالتعبئة والتنظيم باستقلال عن الدولة ومؤسساتها والأحزاب السياسية لأنها لا تراها قادرة على مواجهة هذه القضايا أو المشاكل بفاعلية.
من هذا العرض للمجتمع المدني ومقوماته الأساسية ومكوناته ومالحق به من تطورات نتيجة للأوضاع العالمية المستجدة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية يمكن القول أننا أمام نوعين من المجتمع المدنى إن صح التعبير في الأقطار العربية :
– مجتمع مدني شعبي
– مجتمع مدني نخبوى
تكتفي القوى الرأسمالية والفئات الحاكمة بوجود مؤسسات للمجتمع المدني في إطار نخبوى تقوم بدورها في تلطيف حدة المشاكل الناجمة عن سياسات التكيف الهيكلي والتحول إلى اقتصاد السوق والاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي وفق الشروط التي تضعها المراكز الرأسمالية المتقدمة، وينحصر دور هذه المنظمات من وجهة نظر الفئات الحاكمة والقوى الرأسمالية في تقديم الرعاية للفقراء والمحتاجين، وإشباع حاجات خدمية لفئات اجتماعية معينة، بما لا يؤدى إلى تغيير الأوضاع بل يعيد إنتاج الأوضاع القائمة بما فيها من فقر وبطالة وتهميش وافتقاد العدالة وفى هذه الحالة فإن مؤسسات المجتمع المدني النخبوية لن تزعج الفئات الحاكمة ولن تلعب دوراً في تغيير الأوضاع القائمة من خلال المساهمة الفعالة بدور ديمقراطي في المجتمع. وعلى العكس، من هذا فإن القوى الديمقراطية والتقدمية يجب أن تدفع في اتجاه اكتساب مؤسسات المجتمع المدني طابعا شعبيًا يساعدها على القيام بدور تعبوي تغييري تحتاجه مجتمعاتنا تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من خلاله من المساهمة في عملية التحول الاجتماعي والسياسي للمجتمع. والمشاركة بشكل جماعي (كمؤسسات) في صياغة السياسات العامة والضغط من أجل تعديلها بما يحقق مصالح الأغلبية ويكفل مشاركتها السياسية تدعيما للديمقراطية (6) .
يتطلب دعم الطابع الشعبي للمجتمع المدني الاهتمام أكثر بالمنظمات الشعبية ذات الجذور العميقة فى المجتمع التي تهملها حاليًا المنظمات غير الحكومية المنشأة حديثًا وتشمل المنظمات الشعبية تحديدا النقابات المهنية والعمالية ، والمنظمات الفلاحية، والتعاونيات، واتحادات الطلاب، ومنظمات الحرفيين والمنظمات المهنية وتنظيمات الخدمة الاجتماعية، ويوفر هذا التنسيق استفادة المنظمات غير الحكومية وسائر مكونات المجتمع المدني من التراث الطويل والخبرات الواسعة للحركة النقابية في مجالات التعبئة وحشد القوى، ولديها الوسائل والكوادر المدربة على ذلك، ولها خبرات هامة في المجال المطلبى، وتتوفر لدى المنظمات الأخرى التعاونية والاجتماعية والطلابية والفلاحية خبرات متنوعة وإمكانيات بشرية تطوعية يمكن أن تستفيد منها المنظمات الأخرى حديثة النشأة لاكتساب القدرة على التأثير والاستناد إلى قاعدة اجتماعية واسعة وامتلاك خبرات جديدة في مختلف المجالات ، وسوف يساعدها ذلك على تجاوز وضعها الحالي كمنظمات منعزلة عن بعضها تعمل في إطار أهداف جزئية بحيث تتجه إلى إقامة تحالفات مع المنظمات الأخرى العاملة في نفس المجال مثل حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والتنمية .. الخ، وتجاوز وضعها النخبوى إلى آفاق جماهيرية وشعبية أوسع تساعدها على تفعيل نشاطها واكتساب المقومات الضرورية لتحولها إلى حركات اجتماعية لها عمق شعبي كاف.
بهذا التوجه يمكن أن يقوم المجتمع المدني بدوره المأمول في بناء الديمقراطية. التي يلتقي معها في إطار نسق مشترك من القيم.

القيم المشتركة للديمقراطية والمجتمع المدني :
يلتزم المجتمع المدني في وجوده ونشاطه بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السلمنية للتنوع والاختلاف، وما يتطلبه ذلك من قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين وهى نفس القيم والمعايير التي تقوم عليها الديمقراطية كصيغة لادارة الصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية وباعتبارها أيضًا أسلوب حياة يشمل كافة مجالات المجتمع. في هذا الإطار تبرز »قيم التسامح، والروح الجمعية، والتقدير المرتفع للذات من منظور الأهلية للفعل الاجتماعي والسياسي، الإيمان بكرامة الإنسان، الوفاء بالوعود، الشفافية والمثابرة، ولتأسيس الديمقراطية كنظام حكم وطريقة حياة لا يكفى أن تكون هذه القيم أساس تحرك الإنسان في المجتمع وموقفه من الذات ومن الآخر بل ينبغي أيضًا تنمية المهارات الذهنية ومهارات المشاركة التي تمكنه من التفكير والتعرف على نحو يوازن بين حقوقه الفردية وبين الصالح العام، هذه المهارات تمكن المواطن من تحديد ووصف وشرح المعلومات والأفكار ذات العلاقة بالقضايا العامة. فضلاً عن إبداع بدائل حل المشكلات الناجمة عنها، والمفاضلة بينها، أما مهارات المشاركة فتمكن المواطن من التأثير في قرارات السياسة العامة ومساءلة ممثليه في المجالس والهيئات المنتخبة.(18)
وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني الإطار الأمثل والمدرسة الأولية للتمكين لهذه القيم والمهارات عند المواطنين الذين ينضمون إلى عضويتها وينشطون في إطارها ولما كانت هذه القيم هي جوهر الثقافة الديمقراطية، والمهارات هي أساس الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية في المجتمع فإن إسهام مؤسسات المجتمع المدني في ترسيخها لدى المواطن ولدي المجتمع يمثل جانبا هاما من دوره في بناء الديمقراطية على النحو الذي سنوضحه تفصيلا في الفصل التالي.

هوامش الفصل الثاني

(1) د. حامد خليل ، الوطن العربي والمجتمع المدني، كراسات استراتيجية ، مجلة فصلية تصدر عن مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية بجامعة دمشق.
العدد الأول – السنة الأولى – خريف 2000. ص 12.
(2) د. الحبيب الجنحانى، المجتمع المدني بين النظرية والممارسة، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، دولة الكويت، العدد الثالث، المجلد السابع والعشرون، يناير / مارس ،1999 ص 36.
(3) د. أحمد ثابت، الديمقراطية المصرية على مشارف القرن القادم، كتاب المحروسة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر القاهرة، الطبعة الأولى، يناير 1999- ص 20.
(4) د. مصطفى كامل السيد، مفهوم المجتمع المدني ومصر، ورقة مقدمة إلى مؤتمر مستقبل التطور الديمقراطي في مصر، جماعة تنمية الديمقراطية 2-3 نوفمبر ،1997 القاهرة. ص 3.
(5) أجوسا واى أوساجاى ، التكيف الهيكلي والمجتمع المدني والتماسك الوطني في أفريقيا، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة المجلد الثالث . ص 19-52.
(6) شهيدة الباز، دور المنظمات الأهلية العربية في تنمية المجتمعات المحلية، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة، المجلد الثالث أكتوبر ،2000 ص 19.
(7) إبراهيم السوري، ورقة مقدمة إلى حلقة الحوار حول قضايا بناء القدرات للمنظمات غير الحكومية، اللجنة الاقتصادية الاجتماعية للأمم المتحدة غرب آسيا، القاهرة 19/ 21 سبتمبر 2000.
(8) د. كمال المنوفي، التعليم كيف يكون رافدا لتعزيز التطور الديمقراطي، الأهرام 7 أكتوبر 2001.

دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية- الجزء الثالث
هناك صلة قوية بين المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى، فالديمقراطية كما أوضحنا من قبل هى مجموعة من قواعد الحكم ومؤسساته التى تنظم من خلالها الإدارة السلمية للصراع فى المجتمع بين الجماعات المتنافسة أو المصالح المتضاربة، وهذا هو نفس الأساس المعيارى للمجتمع المدنى حيث نلاحظ أن مؤسسات المجتمع المدنى من أهم قنوات المشاركة الشعبية، ورغم أنها لا تمارس نشاطا سياسيا مباشرًا وأنها لا تسعى للوصول إلى السلطة السياسية إلا أن أعضاءها أكثر قطاعات المجتمع استعدادا للانخراط فى الأنشطة الديمقراطية السياسية، وبالإضافة لهذا فإن الادارة السلمية للصراع والمنافسة هى جوهر مفهوم المجتمع المدنى كما استخدمه منظور العقد الاجتماعى وهيجل وماركس ودى توكفيل وجرامشى. وكل ما فعله مستخدمو المفهوم من المحدثين هو تنقيته أو توسيع نطاق مظاهره فى المجتمعات المعاصرة المعقدة. ويلاحظ الدارسون والمراقبون أن تعثر التحول الديمقراطى فى الوطن العربى يرجع إلى غياب أو توقف نمو المجتمع المدنى. وما يستتبعه من تعزيز القيم الديمقراطية وازدهار ثقافة مدنية ديمقراطية توجه سلوك المواطنين فى المجتمع وتهيئتهم للمشاركة فى الصراع السياسى وفق هذه القيم ويمر الوطن العربى حاليًا بعمليتى بناء المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى فى نفس الوقت. والصلة بين العمليتين قوية، بل أنهما أقرب إلى أن تكونا عملية واحدة من حيث الجوهر، ففى الوقت الذى تنمو فيه التكوينات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة وتتبلور، فإنها تخلق معها تنظيمات مجتمعها المدنى التى تسعى بدورها إلى توسيع دعائم المشاركة فى الحكم(1)
وهكذا فإن الدور الهام للمجتمع المدنى فى تعزيز التطور الديمقراطى وتوفير الشروط الضرورية لتعميق الممارسة الديمقراطية وتأكيد قيمها الأساسية ينبع من طبيعة المجتمع المدنى وما تقوم به منظماته من دور ووظائف فى المجتمع لتصبح بذلك بمثابة البنية التحتية للديمقراطية كنظام للحياة وأسلوب لتسيير المجتمع وهى من ثم أفضل إطار للقيام بدورها كمدارس للتنشئة الديمقراطية والتدريب العملى على الممارسة الديمقراطية.
ولا يمكن تحقيق الديمقراطية السياسية فى أى مجتمع مالم تصير منظمات المجتمع المدنى ديمقراطية بالفعل باعتبارها البنية التحتية للديمقراطية فى المجتمع بما تضمه من نقابات وتعاونيات وجمعيات أهلية وروابط ومنظمات نسائية وشبابية.. الخ. حيث توفر هذه المؤسسات فى حياتها الداخلية فرصة كبيرة لتربية ملايين المواطنين ديمقراطيا ، وتدريبهم عمليا لاكتساب الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية فى المجتمع الأكبر بما تتيحه لعضويتها من مجالات واسعة للممارسة والتربية الديمقراطية من خلال :
– المشاركة التطوعية فى العمل العام.
– ممارسة نشاط جماعى فى إطار حقوق وواجبات محددة للعضوية
– التعبير عن الرأى والاستماع إلى الرأى الأخر والمشاركة فى اتخاذ القرار.
– المشاركة فى الانتخابات لاختيار قيادات المؤسسة أو الجمعية وقبول نتائج الانتخابات سواء كانت موافقة لرأى العضو من عدمه.
– المشاركة فى تحديد أهداف النشاط وأولوياته والرقابة على الأداء وتقييمه(2).
عندما ينشط المواطن فى جمعيته الأهلية أو منظمته النقابية أو أى مؤسسة أخرى من مؤسسات المجتمع المدنى وفق هذه الأسس والقيم فإنه يتدرب عمليا علي أهم مقومات الديمقراطية ويصبح مهيأ للانخراط فى النشاط العام بالمجتمع فى إطار ديمقراطى، وعندما يكتسب المواطن خبرة الممارسة وفق هذه الأسس أو القيم فإنه يصبح طرفا فاعلا ومشاركا فى الممارسة الديمقراطية فى المجتمع كله.
يتحقق له ذلك عندما يشارك فى العمل العام متطوعا، وعندما يمارس نشاطا جماعيا فى إطار حقوق وواجبات محددة، وعندما يشترك فى المناقشات داخل هيئات المنظمة أو يمارس حقوقه فى التصويت والترشيح لعضوية هذه الهيئات ويلعب دورًا فى متابعة النشاط وتقييمه ويراقب أداء الهيئات القيادية بالمؤسسة.
وعندما تتوفر لأوسع دائرة من المواطنين امكانية المشاركة الفعالة من خلال منظمات المجتمع المدنى، وعندما تتوفر لهذه المنظمات حياة داخلية ديمقراطية تمكن الأعضاء من القيام بهذه الأدوار فى نشاط هذه المنظمات وحياتها الداخلية، هنا تنشأ امكانية حقيقية لقيام مجتمع مدنى شعبى وديمقراطى يكون بمثابة البنية التحتية لنظام ديمقراطى فاعل فى المجتمع كله. وبذلك تصبح الديمقراطية بناءًا من أسفل يشمل الشعب كله تربية وتريبا وممارسة فى مختلف ميادين الحياة اليومية، ويصبح الشعب عندها طرف أساسيا فى معادلة الحكم، وتكون الديمقراطية السياسية محصلة هذا كله، وبذلك يتأكد مفهوم الديمقراطية كنظام للحياة وأسلوب لتيسير المجتمع، ويتأكد أيضًا أن الديمقراطية لا يمكن أن تأتى كمنحة من الحكام ولكن الشعب ينتزعها كحقوق وآليات ومؤسسات عندما يكون قادرا على ممارستها، وعندما تنضج حركته فى إطار قيمها، وتتوفر له القدرة من خلال عمل جماعى منظم لتعميمها فى سائر مجالات الحياة اليومية وفى مؤسسات الحكم أيضًا، وفى علاقة الدولة بالمواطنين ومؤسسات الدولة ببعضها وعلاقات المواطنين ببعضهم وذلك بعد أن أعيتنا الحبل فى أن يتم بناء الديمقراطية من أعلى بواسطة الحكام الذين طالما توجه إليهم الخطاب السياسى للمعارضة والقوى الديمقراطية أن يتخذوا الأجراءات ويصدروا التشريعات اللازمة لتحقيق التطور الديمقراطى ولكن دون جدوى.
يقوم المجتمع المدنى بدوره فى بناء الديمقراطية على مستويين أولهما دور ثقافى وتعبوي يتحقق من خلال نهوض مؤسسات المجتمع المدنى بوظائفها الأساسية فى المجتمع، وثانيهما دور تربوى يتحقق من خلال الممارسة الديمقراطية والتدريب العملى على الأسس الديمقراطية فى الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدنى . وفيما يلى نعرض بقدر أكبر من التفصيل لهذين الدورين من خلال استعراض وظائف المجتمع المدنى وتأثيرها على المجتمع فيما يتصل ببناء الديمقراطية، والحياة الداخلية الديمقراطية لمؤسسات المجتمع المدنى ودورها فى اكساب الاعضاء الخبرة اللازمة لممارسة الديمقراطية فى المجتمع.
وظائف المجتمع المدنى وعلاقتها بالديمقراطية :
المجتمع المدنى من وجهة نظر الطبقات الحاكمة هو وسيلتها لاستكمال سيطرتها على المجتمع من خلال آلية الهيمنة الايديولوجية الثقافية حيث لا تسعفها آلية القمع باستخدام أجهزة الدولة فى ضمان السيطرة الكاملة على المجتمع . ولكن المجتمع المدنى من وجهة نظر الطبقات المحكومة هو ساحة للصراع تستطيع من خلاله أن ترسى أساسا هيمنة مضادة تمكنها من توسيع نطاق تأثيرها فى المجتمع، والدفع فى اتجاه توسيع الهامش المتاح لها للحركة والتأثير وبلورة آليات ديمقراطية تسمح بتسوية المنازعات سلميًا وتعمق عملية التطور الديمقراطى للمجتمع، وقد تبلورت فى هذا الاطار خمس وظائف أساسية تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى لتحقيق هذا الدور هى :
1 – وظيفة تجميع المصالح :
حيث يتم من خلال مؤسسات المجتمع المدنى بلورة مواقف جماعية من القضايا والتحديات التى تواجه اعضاءها، وتمكنهم من التحرك جماعيا لحل مشاكلهم وضمان مصالحهم على أساس هذه المواقف الجماعية، وتمارس هذه الوظيفة بشكل أساسى من خلال النقابات العمالية والمهنية والغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال وسائر المنظمات الدفاعية. من خلال هذه الوظيفة يتعلم الأعضاء كيفية بحث مشاكلهم ودراسة الأوضاع القائمة فى المجتمع وتحديد كيفية الحفاظ على مصالحهم فى مواجهة مصالح فئات أخرى وصياغة مطالب محددة قد تكون جزئية فى بعض الأحيان أو تتضمنها برامج متكاملة، وتكشف هذه البرامج المطلبية للأعضاء عن وحدة مصالحهم وأهمية التضامن بينهم. لحمياتها ولتنفيذ البرامج المطلبية التى تعبر عنها. ومن خلال تحركهم لتنفيذها يكتشفون أهمية التضامن فيها بينهم وأهمية التحرك الجماعى، كما يكتسبون قدرة متزايدة على التفاوض حولها مع الأطراف الأخرى. وهذه كلها خبرات ضرورية لممارسة الديمقراطية على مستوى المجتمع كله. يستوى فى ذلك خبرة صياغة الأهداف والمطالب أو البرامج، وخبرة التحرك الجماعى، وخبرة التفاوض والوصول إلى حلول وسط . وبهذا فإن وظيفة تجميع المصالح التى تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى لا تقتصر نتائجها على العمل المباشر لهذه المؤسسات بل تمتد إلى المجتمع فتوفر لاعضائه هذه الخبرات الهامة للممارسة الديمقراطية السياسية.
2 – وظيفة حسم وحل الصراعات :
حيث يتم من خلال مؤسسات المجتمع المدنى حل معظم النزاعات الداخلية بين أعضائها بوسائل ودية دون اللجوء إلى الدولة وأجهزتها البيروقراطية، وبذلك فإن مؤسسات المجتمع المدنى تجنب أعضاءها المشقة وتوفر عليهم الجهد والوقت ، وتجنبهم كثيرا من المشاكل التى تترتب على العجز عن حل ما ينشأ بينهم من منازعات، وتسهم بذلك فى توطيد وتقوية أسس التضامن الجماعى فيما بينهم، وإذا كانت الديمقراطية بالمفهوم الأجرائى الذى عرضناه من قبل هى صيغة لإدارة الصراع فى المجتمع بوسال سلمية فإن حل المنازعات بين الأعضاء بوسائل ودية داخل مؤسسات المجتمع المدنى هو أساس ممارسة الصراع سلميا على مستوى المجتمع بين الطبقات والقوى الاجتماعية والسياسية، وعندما ينجح الأعضاء فى حل منازعاتهم بالطرق الودية داخل مؤسساتهم المدنية فإنهم يكتسبون الثقافة والخبرة اللازمة لممارسة الصراع الطبقى والسياسى فى المجتمع بوسائل سلمية. تشمل هذه الخبرة والثقافة الاعتراف بالآخر وبحقوقه ومصالحه والحوار معه والوصول إلى حلول وسط من خلال التفاوض، وهكذا تلعب وظيفة حسم وحل الصراعات وديا داخل مؤسسات المجتمع المدنى دورا هامًا فى تهيئة المجتمع لممارسة الديمقراطية السياسية وجوهرها إدارة الصراع والمنافسة بوسائل سلمية.
3 – زيادة الثروة وتحسين الأوضاع :
بمعنى القدرة على توفير الفرص لممارسة نشاط يؤدى إلىزيادة الدخل من خلال هذه المؤسسات نفسها مثل المشروعات التى تنفذها الجمعيات التعاونية الانتاجية والنشاط الذى تقوم به الجمعيات التعاونية الاستهلاكية والمشروعات الصغيرة والمدرة للدخل التى تقوم بها الجمعيات الأهلية ومشروعات التدريب المهنى الذى تقوم به النقابات المهنية والعمالية لزيادة مهارات أعضائها مما يمكنهم من تحسين شروط عملهم وزيادة دخولهم ، وقد أثبتت الدراسات الميدانية أن تمتع المواطنين بأوضاع اقتصادية جيدة وقدرتهم على تأمين مستوى دخل مناسب لأسرهم يساعدهم على ممارسة النشاط السياسى والاهتمام بالقضايا العامة للمجتمع. وعلى العكس من ذلك فإن سوء الأحوال الاقتصادية يشغل الناس فى البحث عن لقمة العيش فلا يتوفر لهم الوقت الكافي للمشاركة السياسية مما يعطل التطور الديمقراطى للمجتمع نظرا لانصراف الناس عن الاهتمام بقضايا المجتمع العامة والمشاركة فى حلها.
4 – افراز القيادات الجديدة :
يتطور المجتمع وتنضج حركته بقدر ما يتوفر له من قيادات مؤهلة للسير به إلى الأمام باستمرار. ولكى يواصل المجتمع تقدمه فإنه فى حاجة دائمة لاعداد قيادات جديدة من الاجيال المتتالية.
ونحن نقصد بالقائد ذلك الانسان الذى يتمتع بنفوذ حقيقى على جماعة محددة من الناس تثق فيه وتسعى إليه كلما واجهتها مشكلة، تتلمس منه الحل لهذه المشكلة أو تعرف منه على الأقل كيفية مواجهتها، وتستجيب لنصائحة وتتحرك فى الاتجاه الذى يحدده لها وتسير معه واثقة من قدرته على قيادتها نحو ما يحقق مصالحها، وثقة الجماهير فى قائدها لا تأتى من فراغ ولكنها تتحقق عبر التجربة والممارسة، وتتم عبر فترة زمنية مناسبة تختبر خلالها قدرته على فهم مشاكلها والتفاعل معها وسلامة رؤيته لكيفية حل هذه المشاكل. من هنا فإن الصفات الأساسية التى يجب أن تتوفر فى القائد لكى يكون جديرا حقا بالقيادة هى : الحركية والمعرفة العلمية والشعبية. ولا يختلف هذا كثيرا عن قولنا أن القيادة موهبة وعلم وفن. فالخط الطبيعى لتطور القائد هو أنه من خلال حركته وسط جماعة محددة من الناس ونشاطه معهم يكتسب المعرفة بأحوالهم وظروفهم ويطور هذه المعارف باستمرار، وعلى قدر تفاعله مع هذه الجماعة وخدمته لها وبخاصة فى حل مشاكلها فإنه يكتسب شعبية بين أفرادها فيلجأون إليه كلما دعت الحاجة إلى ذلك. ومن خلال هذه المسئولية فإنه يطور معرفته بأحوالهم ويزداد الماما بأوضاعهم فتزداد قدرته على التنبة مبكرا إلى مشاكلهم قبل أن تستفحل ويكون أول من يطرح عليهم هذه المشاكل وكيف يمكن مواجهتها فتزداد شعبيته ويزداد نفوذه وتأثيره لدى دوائر أوسع من هذه الجماهير، ويتحول من قائد نوعى أو محلى يعمل فى قطاع جماهيرى أو جغرافى محدد إلى قائد سياسى ينشط على مستوى المجتمع كله، وبذلك تزداد ثروة المجتمع من القيادات.
وتكوين القيادات الجديدة بهذا المفهوم يبدأ داخل مؤسسات المجتمع المدنى فى النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية والتعاونيات والمنظمات الشبابية والنسائية.. إلخ. حيث تعتبر مؤسسات المجتمع المدنى فى الحقيقة المخزن الذى لا ينضب للقيادات الجديدة، ومصدرًا متجددًا لإمداد المجتمع بها فهى تجتذب المواطنين إلى عضويتها، وتمكنهم من اكتشاف قدراتهم من خلال النشاط الجماعى، وتوفر لهم سبل الممارسة القيادية من خلال المسئوليات التى توكلها لهم، وتقدم لهم الخبرة الضرورية لممارسة هذه المسئولية، وتؤكد الدراسات الميدانية أن العناصر النشطة فى مؤسسات المجتمع المدنى والتى تتولى فيها مسئوليات قيادية هى القاعدة الأساسية التى يخرج منها قيادات المجتمع المحلية والقومية ابتداء من أعضاء المجالس الشعبية المحلية إلى القيادات البرلمانية فى المجالس التشريعية إلى قيادات الأحزاب السياسية على كل المستويات، وبذلك تساهم مؤسسات المجتمع المدنى فى دفع التطور الديمقراطى بالمجتمع وانضاجه من خلال ممارستها لوظيفة افراز القيادات (3)
5 – اشاعة ثقافة مدنية ديمقراطية :
من أهم الوظائف التى تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى إشاعة ثقافة مدنية ترسي فى المجتمع احترام قيم النزوع للعمل الطوعى، والعمل الجماعى، وقبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخر، وإدارة الخلاف بوسائل سلمية فى ضوء قيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس والصراع السلمى، مع الالتزام بالمحاسبة العامة والشفافية، وما يترتب على هذا كله من تأكيد قيم المبادرة الذاتية وثقافة بناء المؤسسات، وهذه القيم هى فى مجملها قيم الديمقراطية. من هنا فإن اشاعة الثقافة المدنية التى تمكن لهذه القيم فى المجتمع هى خطوة هامة على طريق التطور الديمقراطى للمجتمع حيث يستحيل بناء مجتمع مدنى دون توافر صيغة سلمية لإدارة الاختلاف والتنافس والصراع طبقا لقواعد متفق عليها بين جميع الأطراف، ويستحيل بناء مجتمع مدنى دون الاعتراف بالحقوق الأساسية للانسان خاصة حرية الاعتقاد والرأى والتعبير والتجمع والتنظيم ومن ثم فإن دور المجتمع المدنى فى إشاعة الثقافة المدنية بهذا المفهوم هو تطوير ودعم للتحول الديمقراطى فى نفس الوقت، ويتأكد دور المجتمع المدنى أيضًا فى نشر هذه الثقافة من خلال الحياة الداخلية لمؤسساته التى ترعى وتنشئ الأعضاء على هذه القيم وتدربهم عليها عمليا من خلال الممارسة اليومية.
الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدنى والتدريب على الممارسة الديمقراطية :
تعتبر مؤسسات المجتمع المدنى الاطار الأمثل لتربية المواطنين لتمثل القيم الديقمراطية فى حياتهم اليومية وتدريبهم عمليًا على الممارسة الديمقراطية واكسابهم خبرة هذه الممارسة من خلال النشاط اليومي لهذه المؤسسات خاصة وأن هذه المؤسسات تضم فى عضويتها عشرات الملايين من المواطنين الذين اجتذبتهم إلى عضويتها لما تقوم به من دور فى الدفاع عن مصالحهم، أو تقديم خدمات لهم، أو تحسين أحوالهم المعيشية. وتلعب مؤسسات المجتمع المدنى دورها التربوى والتدريب على العملية الديمقراطية من خلال العلاقات الداخلية لكل مؤسسة والتى تنظمها لائحة داخلية أو نظام أساسى يحدد حقوق وواجبات الأعضاء، وأسس إدارتها من خلال مجلس إدارة منتخب وجمعية عمومية تضم كل الأعضاء وتعتبر أعلى سلطة فى المؤسسة تنتخب مجلس الإدارة وتراقب أداءه وتحاسبه على ما يحققه من نتائج. وما تتضمنه هذه العملية من مشاركة فى النشاط والتعبير عن الرأى والاستماع إلى الرأى الآخر، والتصويت على القرارات، والترشيح فى الانتخابات، وانتخاب أعضاء مجلس الإدارة، وهى جمعيا أمور ضرورية لأى ممارسة ديمقراطية. وكلما أصبحت مؤسسات المجتمع المدنى أكثر ديمقراطية فى حياتها الداخلية فإنها تكون أقدر على المساهمة فى التطور الديمقراطى للمجتمع كله، وأكثر قدرة على اكساب اعضائها الثقافة الديمقراطية، وتدريبهم عمليا من خلال النشاط اليومى على خبرة الممارسة الديمقراطية.
هناك معايير محددة يمكن من خلالها قياس مدى ديمقراطية مؤسسات المجتمع المدنى وقدرتها على المساهمة فى بناء الديمقراطية على نطاق المجتمع كله، فى مقدمة هذه المعايير :
1 – مدى النمو فى العضوية الفاعلة والنشطة :
تتحدد ديمقراطية أى مؤسسة أو منظمة بعوامل متعددة يأتى على رأسها مدى اتساع العضوية النشطة والفاعلة فيها ونموها فترة بعد أخرى، كما تقاس ديمقراطية المنظمة بمدى مشاركة الأعضاء فى نشاطها ابتداء من تخطيط النشاط إلى التنفيذ ومراقبة الأداء وتقييمه، وانتخاب قيادة المؤسسة (مجلس الإدارة). وكلما نجحت مؤسسات المجتمع المدنى فى اجتذاب أكبر عدد ممكن من المواطنين إلى عضويتها ، وكلما نجحت فى اجتذابهم للمشاركة النشطة فى برامجها وفى حياتها الداخلية فإنها تساهم بذلك فى تهيئة المجتمع للممارسة الديمقراطية حيث ستزداد قاعدة المواطنين المؤهلين المتحمسين للديمقراطية الذين اكتسبوا بالفعل من خلال عضويتهم للمنظمات الشعبية والمدنية قيما ديمقراطية وخبرات عملية فى ممارسة المفاهيم الديمقراطية والعمل وفق الآليات الديمقراطية. وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للمجتمعات العربية التى لا تسودها ثقافة مدنية ديمقراطية ومازالت الثقافة الأبوية تؤثر فى حركة شعوبها ، كما أنها مازالت حديثة العهد بالمؤسسات الديمقراطية والآليات الديمقراطية وكلما زاد عدد المواطنين المسلحين بالثقافة الديمقراطية والممارسة الديمقراطية داخل مؤسساتهم المدنية كلما انعكس ذلك ايجابيا على المجتمع كله.
2 – مستوى المشاركة فى حضور الجمعية العمومية :
من المعروف أن الجمعية العمومية فى أى مؤسسة مدنية كالنقابات والجمعيات والتعاونيات هى أعلى سلطة بهذه الجمعية وهى تضم جميع أعضاء المؤسسة وتجتمع دوريا مرة كل سنة على الأقل. وإذا كان النمو فى عضوية المؤسسة يعتبر مؤشرا على قدرة المنظمة على اجتذاب نشطاء جدد وتهيئتهم للممارسة الديمقراطية، فإن مستوى مشاركة هؤلاء الأعضاء فى اجتماعات الجمعية العمومية يشير إلى مستوى فاعليتهم، لأنهم يساهمون من خلال ذلك فى تحديد برامج عملها وأولويات نشاطها، ويتعلمون من خلال اجتماعات الجمعية العمومية كيفية مناقشة القضايا العامة، وكيفية إدارة الحوار مع الأخرين والاستماع إلى آرائهم وتحديد القضايا موضع الاتفاق، وصياغة القرارات على أساس هذه القضايا المشتركة، وهى جميعا خبرات ضرورية للممارسة الديمقراطية. كما يتاح للاعضاء من خلال حضور اجتماعات الجمعية العمومية مراقبة الأداء ومحاسبة مجلس الادارة على نشاطه، وما حققه من انجازات ويساهمون بذلك فى إعلاء شأن قيم الشفافية والمحاسبة فى الحياة الداخلية للمؤسسة أو المنظمة وهى قيم أساسية فى الممارسة الديمقراطية فى المجتمع كله ويساعدهم ذلك على العمل وفق هذه القيم فى الحياة العامة للمجتمع وخاصة فى الحياة السياسية.
ويمارس الأعضاء أيضًا من خلال حضور اجتماعات الجمعية العمومية الترشيح لعضوية مجلس الادارة وانتخاب اعضاء المجلس الجديد وبذلك يكتسبون خبرة إدارة العملية الانتخابية وفق آليات ديمقراطية سواء فى الترشيح أو التصويت أو الدعاية أو فرز الأصوات وإعلان النتائج، وهى صورة مصغرة مما يحدث فى الانتخابات البرلمانية أو انتخابات المجالس الشعبية المحلية. وعندما يحرص المواطنون على أن تتم عملية الانتخابات داخل مؤسساتهم المدنية وفق الآليات الديمقراطية فإنهم سوف يحرصون بعد ذلك على توافرها فى العملية الانتخابية للسلطة التشريعية والمجالس المحلية. وتكون هذه خطوة أخرى نحو دفع التطور الديمقراطي للمجتمع كله.
3 – معدلات التغيير فى عضوية مجالس الادارة :
تقاس ديمقراطية أى مؤسسة أيضاً بمعدلات التغيير فى هيئاتها القيادية لإتاحة الفرصة لتداول القيادة أمام أكبر عدد ممكن من أعضائها للتدريب على القيادة واكتساب خبراتها . ومن ثم يتأهل هؤلاء الأعضاء للمشاركة فى العمل العام خارج مؤسستهم أو منظمتهم ويتزودون بالخبرة اللازمة للقيام بدور قيادى. وبذلك تساهم مؤسسات المجتمع المدنى فى تزويد مجالات المجتمع المختلفة بالقيادات الجديدة مما يعزز التطور الديمقراطى للمجتمع بصفة عامة حيث يتوفر للمجتمع اعداد متزايد باستمرار من الموطنين المسلحين بخبرات قيادية والذين مارسوا بالفعل عملية القيادة على نطاق محدود يتطلعون إلى القيام بدور أكبر فى المجتمع فينشطون فى الاحزاب السياسية ويصعدون إلى مواقع قيادية أعلى فيها كما يتقدمون لعضوية المجالس التشريعية والمحلية وبذلك تزداد ثروة المجتمع من القيادات ذات الخبرة، وينعكس ذلك على الحياة السياسية للبلاد وعلى المنافسة السياسية التى يمكن أن تتم وفق قيم وآليات ديمقراطية إذا نجحت مؤسسات المجتمع المدنى فى تحقيق التداول داخلها فى هيئاتها القيادية المنتخبة ووفرت بذلك أعدادا متزايدة من القيادات تتحرك للنشاط فى مجالات سياسية مباشرة وتساهم فى تعزيز الديمقراطية السياسية فى المجتمع كمحصلة ونتيجة لتعزيز الممارسة الديمقراطية فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالمجتمع.
4 – آلية اصدار القرارات :
من المهم لتعزيز الطابع الديمقراطى لأى منظمة أن يتم توزيع السلطة داخلها وأن تصدر القرارات من هيئاتها القيادية باسلوب ديمقراطى وألا تكون المؤسسة أو المنظمة صورة مصغرة مما يجرى فى المجتمع من احتكار فئة محدودة للسلطة أو انفراد فرد واحد بها، ونحن نلاحظ أن نمط القيادة الأبوية هو النمط السائد فى مجتمعاتنا العربية حيث ينفرد بالقيادة شخص واحد هو الأب فى الاسرة والناظر فى المدرسة والمدير فى وحدة العمل والرئيس على نطاق المجتمع كله. وما لم يتغير هذا النمط فى القيادة فإنه لا أمل فى تطور المجتمع ديمقراطيا، ومن هنا أهمية بلورة نمط قيادى مختلف هو النمط الديمقراطى داخل مؤسسات المجتمع المدنى من خلال اصدار القرارات فيها طبقا لما يحدده نظامها الأساسى أى من السلطة المختصة سواء كانت مجلس الادارة أو الجمعية العمومية. وأن تطرح أولا كافة الآراء حول القضية المطلوب استصدار قرار بشأنها ويتم الاستماع إلى اصحابها، ويجرى النقاش بحرية قبل صدور القرار ، وأن تطرح الآراء المختلفة للتصويت ويحترم رأى الأغلبية. ومن جهة أخرى يجب توزيع المسئولية داخل الهيئة القيادية وداخل المؤسسة كلها فلا ينفرد بالتنفيذ شخص واحد ولا ينفرد بإدارة العمل اليومى شخص واحد بل يقوم كل عضو قيادى بتحمل جانب من مسئولية التنفيذ، وبذلك يكتسب أكبر عدد منهم خبرات لها قيمتها فى تكوين شخصيته القيادية تساعده على مزيد من النضج للممارسة القيادية وتعزيز القيم والآليات الديمقراطية، فتصبح بذلك الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدنى مثالا ايجابيا ينعكس على مجالات المجتمع الأخرى.
5 – حجم العمل التطوعى فى نشاط وإدارة المؤسسة :
يعتبر العمل التطوعى بمؤسسات المجتمع المدنى أساس العضوية الفاعلة وشرطًا ضروريًا للمارسة الديمقراطية داخلها، ويتوقف عليه حجم مشاركة الأعضاء فى نشلطها والرقابة على أدائها ومدى مشاركتها فى تحديد أهداف النشاط وأولوياته والمشاركة فى الإدارة. فإذا زاد حجم العاملين بأجر عن المتطوعين فإن ذلك يعكس انحرافًا كبيرًا عن الأسس التى قامت عليها مؤسسات المجتمع المدنى وهو العمل التطوعى، ويحولها إلى مؤسسات خدمية يؤدى الخدمة فيها مجموعة من الموظفين والعاملين بأجر مما يبعدها عن رسالتها الحقيقية فى المجتمع، وما يتصل بصفة خاصة بتهيئة الفرصة للمواطنين للقيام ينشاط جماعى تطوعى يكتشفون من خلاله كيف يساهمون فى حل مشاكلهم واشباع حاجاتهم الأساسية وممارسة الأنشطة المفيدة لهم، ويكتسبون فى نفس الوقت ثقافة وخبرة الممارسة الديمقراطية التى تقوم فى أساسها على العمل التطوعى سواء فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أو فى المجال السياسى.
6 – مشاركة المرأة فى نشاط وإدارة المؤسسة :
للموقف من المرأة أثره فى التطور الديمقراطى للمجتمع، مما يتطلب أتاحة الفرصة كاملة أمام المرأة للمشاركة فى مختلف مجالات العمل الوطنى وما يتصل منها بصفة خاصة بمؤسسات المجتمع المدنى التى تعبئ الجهود الشعبية من أجل أوسع مشاركة فعالة فى مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وضمان اسهام الناس فى حل مشاكلهم بأنفسهم مما يعزز ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على تحمل مسئوليات عامة من خلال المشاركة الشعبية السياسية. ويحول دون مشاركة المرأة فى هذه المجالات نظرة تقليدية محافظة تقوم على التمييز بين الرجل والمرأة ولا توافق على منحها فرصة متساوية للمشاركة فى العمل العام وهو ما يتعارض مع الديمقراطية ويحول فى نفس الوقت دون تعبئة كل طاقات المجتمع لمواجهة مشاكله المتعددة. من هنا فإن الاهتمام يتوسيع مشاركة المرأة داخل مؤسسات المجتمع المدنى وزيادة مشاركتها فى قيادة هذه المؤسسات يساهم بلاشك فى تعزيز التطور الديمقراطى للمجتمع حيث ستمكنها هذه المشاركة من اكتساب الخبرات اللازمة للقيام بدور قيادى فى مجالات أخرى ومن بينها المجال السياسى.
هكذا يمكن القول أن مؤسسات المجتمع المدنى تقوم بدور هام فى تهيئة المجتمع لممارسة ديمقراطية حقيقية سواء من خلال وظائفها التقليدية أو من خلال حياتها الديمقراطية، ويكون للمجتمع المدنى دور حقيقى فى بناء الديمقراطية فى مجتمعاتنا عندما تتاح له الفرصة كاملة للقيام بهذه الوظائف أو بتعزيز الطابع الديمقراطى للحياة الداخلية لمؤسساته.

هوامش الفصل الثالث

(1) د. سعد الدين ابراهيم، المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى فى الوطن العربى، مركز ابن خلدون، القاهرة، التقرير السنوى 1993. ص 13.
(2) د. أمانى قنديل، إلى أى حد يمكن الحديث عن مجتمع مدنى متطور فى مصر؟، ورقة مقدمة إلى مؤتمر مستقبل التطور الديمقراطى فى مصر، جماعة تنمية الديمقراطية 2-3 نوفمبر ،1997 القاهرة. ص 3.
(3) عبد الغفار شكر، المجتمع المدنى العربى، جريدة البيان، الامارات العربية المتحدة، 16 ابريل 1994.
ودور العمل الجماهيرى فى اكتشاف قيادات جديدة، محاضرة غير منشورة، أمانة التثقيف، حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، القاهرة.
دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الرابع والأخير
مشكلات الواقع وآفاق المستقبل
لا تستطيع مؤسسات المجتمع المدنى أن تقوم بدورها المأمول بفاعلية فى بناء الديمقراطية فى المجتمعات العربية، فهذه المجتمعات تعانى من بقايا الاستبداد وتمركز السلطة فى يد فئات محدودة، كما تعانى من ضعف شديد فى المشاركة الشعبية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد انعكست هذه الأوضاع على موسسات المجتمع المدنى سلبيا حيث توجد العديد من القيود التى تحول دون تطور مؤسسات المجتمع المدنى وتحولها بالفعل إلى مؤسسات ديمقراطية قادرة على الاسهام فى البناء الديمقراطى بالمجتمع، وتتحمل القوى الديمقراطية مسئولية العمل على تقوية المجتمع المدنى وتحريره من القيود التى تحد من حركته وتأثيره والسير فى نفس الوقت على طريق التطور الديمقراطي، وأى نجاح تحرزه القوى الديمقراطية فى إحدى المهتمين سوف يؤثر ايجابيا فى الأخرى وسيساعد بالتالى علي مضاعفة الآثار المترتبة على النتائج المتحققة. ومن الخطأ أن تركز القوى الديمقراطية على إحدى المهمتين فقط متصورة أن إنجازها سوف يساعد على معالجة المهمة الأخرى، فلا يمكن بناء الديمقراطية فى أى مجتمع تغيب عنه مؤسسات مدنية فعالة، ولا يمكن كذلك تقوية المجتمع المدنى فى مجتمع تغيب عنه الحريات والحقوق الأساسية والمؤسسات والآليات اللازمة للممارسة الديمقراطية، وبالتالى لن تتحقق نتائج ملموسة باعطاء الأولوية لاحدى المهتمين بل يتعين السير نحو تحقيقهما معا. ولكى تتمكن القوى الديمقراطية من صياغة استراتيجية نضالية تهدف إلى تحقيق مزيد من التطور الديمقراطية وتقوية المجتمع المدنى فى آن واحد، فإنه يتعين علينا أولاً أن نتعرف على الأوضاع الحالية لمؤسسات المجتمع المدنى وكيف أثرت عليها الأوضاع السلطوية وحاصرتها ومن ثم نطرح كيفية معالجة هذه الأوضاع التي تجسد مشكلات الواقع الراهن في معظم المجتمعات العربية من خلال الاستراتيجية المقترحة للانتقال إلي آفاق مستقبلية تنضج في إطارها عملية البناء الديمقراطي وتقوية المجتمع المدني
أولاً: تأثير السلطوية على المجتمع المدنى
يمر المجتمع المدنى فى الوطن العربى بمرحلة انتقالية بالغة الصعوبة والتعقيد، تتشابك فيها الأبعاد العالمية والدولية، والمتغيرات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتيارات الفكرية والثقافية. وقد اتسع نطاق المجتمع المدنى المنظم من 20 ألف مؤسسة فى منتصف الستينات إلى 70 الف فى أواخر الثمانينيات، ومع ذلك فهى تعانى فى مجملها العديد من القيود والعوامل المحبطة الناجمة عن تعثر التحول الديمقراطى فى الوطن العربى. وتتفاوت أوضاع هذه المؤسسات من قطر لأخر باختلاف النظم السياسية رغم أنها تلتقى جميعا فى تركيز السلطة فى يد فرد أو نخبة محدودة تهيمن من خلالها السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى وعلى المجتمع. ففى مجموعة الأقطار التى تشهد تعددية سياسية وحزبية مقيدة أو توجها نحو الديمقراطية مثل لبنان والمغرب ومصر والأردن واليمن والجزائر وتونس هناك اتجاه لنمو الجمعيات الأهلية والمنظمات الاجتماعية الأخرى أكثر من النظم السياسية الأخرى المحافظة. وبالتالى تتنوع المنظمات وتنشط فى مجالات لا نجدها فى الأقطار الأخرى، وأوضح مثال لذلك منظمات حقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن المرأة والمنظمات التنويرية. أما فى أقطار الخليج العربى فإننا نلاحظ انخفاض حجم الجمعيات، وتكاد تختفى جمعيات حقوق الإنسان وكذلك المنظمات الدفاعية، ويتجه جزء كبير من الجمعيات إلى العمل الخيرى الذى يرتبط بالوازع الدينى كما هو الحال فى السعودية والكويت والبحرين والامارات. وفى دول أخرى حيث تسود نظم ذات طبيعة شعبوية تسلطية أو شمولية، فإن الدولة لا تسمح بتأسيس منظمات أهلية تعكس مبادرات المواطنين، لكنها تؤسس لجانا شعبية تكون امتداد للدولة كما هو الحال فى ليبيا، أو تؤسس اتحادات نوعية تهمين عليها الدولة كما هى حالة العراق (1) . وأيا كانت درجة الاختلاف فى وضع مؤسسات المجتمع المدنى من قطر لأخر فإن معظمها يعانى من التوتر فى العلاقة مع الأجهزة الإدارية لأكثر من سبب:
1-أعطت القوانين صلاحيات كاملة للحكومة من خلال الوزارات المختصة كالشئون الاجتماعية أو العمل أو الشباب أو الداخلية فى الإشراف على الجمعيات والمنظمات الأخرى. وقد تحولت هذه الصلاحيات فى التطبيق الفعلى إلى نوع من الإشراف والرقابة البيروقراطية التى انتقصت من استقلالية هذه المنظمات، كما تحولت فى بعض الأحيان إلى رقابة أمنية أثرت سلباً عليها.
2-فى بعض الأقطار العربية تتعدد مستويات الأشراف والرقابة من قبل الحكومة على المنظمات، مما يخلق مشاكل عديدة تعوق تنفيذ المشروعات التى تتبناها هذه المنظمات.
3-السلطات التى منحها القانون للحكومة فى بعض الأقطار العربية (مصر، سوريا، الامارات، الجزائر) لحل المنظمات الأهلية أو دمجها فى أخرى، تصبح أيضاً مصدراً للتوتر وعدم الثقة بين الطرفين، أو قد تتحول إلى سلطة للتهديد فى يد الدولة فى بعض الاحيان.
4-أصبحت عملية توزيع المخصصات المالية على الجمعيات الأهلية مصدراً آخر للتوتر بينها وبين الحكومة، وقد ارتبط ذلك بتدفق المعونات الاجنبية التى يجب أن تحظى بموافقة الحكومة، وفى حالات أخرى يتم توزيعها من خلال الحكومة مما يخلق حساسية بينها وبين القطاع الأهلى.
5-تختلف درجات التعاون أو التوتر بين الحكومات والجمعيات الأهلية باختلاف الأقطار العربية وباختلاف مجالات النشاط، فالتعاون يزداد بين الحكومة والمنظمات التى تسهم فى مساندة الدولة من خلال سد الفجوات أو ثغرات الأداء الحكومى، أو من خلال اضطلاع البعض منها بدور فى تنفيذ الخطة القومية بينما ترتفع حدة التوتر بين الحكومة والمنظمات إذا أدركت الأولى أن نشاط بعض هذه المنظمات يتضمن تهديداً أو تحديا لها. من أمثلة ذلك العلاقة بين بعض الحكومات العربية ومنظمات حقوق الإنسان. كذلك فإن التوتر بين الطرفين قد يجد مصدره فى الأشخاص القائمين على بعض هذه المنظمات حيث تبرز قيادتها كعناصر معارضة للحكم. ومن ثم فإننا نلحظ اتجاه بعض المنظمات نحو اختيار شخصيات على علاقة طيبة مع الحكومة، ليكونوا واجهة طيبة لهذه المنظمات ولضمان رضا الحكومة عما تقوم بـه من نشاط (2).
وقد استخدمت الحكومات أكثر من آلية لضمان سيطرتها على مؤسسات المجتمع المدنى.
أولاً: آلية التشريع:
استخدمت النظم السلطوية آلية التشريع للهيمنة على مؤسسات المجتمع المدنى واخضاعها للسيطرة الحكومية مما يحد من نموها وقيامها بالدور المطلوب منها واسهامها فى دعم التطور الديمقراطى للمجتمع وأجريت تعديلات على القوانين القائمة عندما تبين أنها لا تكفى لاحكام السيطرة على مؤسسات المجتمع المدنى من جمعيات أهلية ونقابات مهنية وعمالية واتحادات طلابية. ومنظمات حقوقية ودفاعية. وكان لهذا الإطار التشريعى الذى يفرض قيوداً عديدة على إنشاء ونشاط هذه المنظمات أكبر الأثر فى الحد من قدراتها وامكانيات نموها. وفيما يلى نعرض لنماذج من هذه القيود وما ترتب عليها من آثار سلبية:-
1-بالنسبة للتسجيل والاشهار:
تشترط كل الدول العربية ما عدا لبنان والمغرب موافقة السلطات الحكومية قبل بدء النشاط، وتوضع شروط مبهمة وغامضة لقيامها مثل عدم مخالفة النظام العام واثارة الفتنة وتستخدم هذه الشروط لرفض قيام الجمعيات التى لا تطمئن إليها الحكومة. ويعتبر قرار الرفض نهائياً لا يجوز التظلم منه أمام جهة قضائية فى بعض الأقطار العربية. ونرى نفس القواعد بالنسبة للنقابات العمالية والمهنية حيث لا يجوز إنشاء أكثر من نقابة لكل مهنة او أكثر من لجنة نقابية فى نفس الموقع.
2-سلطة حل الجمعيات:
يعتبر حل الجمعيات بواسطة السلطة الإدارية لا يقل خطورة وربما كان أكثر من رفض تأسيسها خاصة إذا أعطيت الجهات الإدارية حق حل الجمعيات فى غير المخالفات الخطيرة وبدون حق الاستئناف إلى القضاء. وفيما عدا لبنان والمغرب فإن معظم التشريعات العربية تعطى للسلطة الإدارية حق حل الجمعيات لأسباب متنوعة يمكن أن تصدر بشأنها عقوبات أقل مثل الانذار أو لفت النظر وليس حل الجمعية.
3-العلاقة بين السلطة الحكومية والمنظمات الأهلية
يتجاوز دور السلطات الحكومية بالنسبة للجمعيات حدود الرقابة والتوجيه بما يضمن سلامة الأداء وانتظام الأمور المالية وسلامة التصرفات المالية إلى حد الهيمنة والسيطرة الإدارية على الجمعيات، حيث تنص بعض القوانين على حق السلطة الإدارية فى إدماج الجمعيات وتعديل أغراضها واستبعاد بعض المرشحين لمجالس الإدارة وحق الاعتراض على القرارات، وتحديد الهياكل التنظيمية بشكل تفصيلى من خلال لائحة نموذجية تضعها الجهة الإدارية وتلتزم بها مجالس إدارة الجمعيات وللسلطات الحكومية حق الإطلاع على السجلات والغاء أنشطة معينة.
4-الموارد المالية:
تلتزم الجمعيات بمسك الدفاتر التى تحددها الجهة الإدارية وعدم الحصول على تبرعات ألا بعد موافقة الجهة الإدارية وضرورة تحديد مصادر التمويل، ويستخدم التمويل الأجنبى ذريعة لمحاربة الجمعيات واتخاذ إجراءات ضدها.
5-فرض عقوبات مغلظة على أعضاء مجالس الإدارة المخالفين يصل إلى عقوبة السجن مما يؤدى إلى أحجام المواطنين عن المشاركة فى العمل التطوعى خوفاً من التعرض لهذه العقوبات (3) .
ومن الجدير بالذكر أن النقابات العمالية والمهنية والجمعيات التعاونية والاتحادات الطلابية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدنى تخضع لنفس القيود تقريباً فى علاقتها مع السلطات الحكومية.
ورغم أن الدساتير فى معظم الأقطار العربية تؤكد حق المواطنين فى إنشاء الجمعيات والنقابات ألا أن التشريعات المطبقة تسلب المواطنين هذا الحق وتحرمهم من ممارسته بحرية. وكنموذج لهذا الوضع فإن قانون النقابات العمالية فى مصر يعطى للجهة الإدارية وهى وزارة العمل سلطات واسعة بالنسبة للنقابات مثل الحق فى الاعتراض على تكوين النقابة وطلب حل مجلس الإدارة المنتخب ومنح وزير العمل سلطة تحديد شروط العضوية فى مجلس الإدارة وقواعد تمثيل أعضاء اللجان النقابية فى النقابات العامة. وحق تحديد مواعيد الانتخابات وإجراءات الترشيح والانتخاب لمجالس الإدارة، وإصدار اللائحة النموذجية واعتماد اللائحة المالية ومراقبة مالية النقابات. وما تزال هذه الوصاية الإدارية قائمة رغم صدور حكم المحكمة الدستورية فى 15/4/1995 الذى ينص على “حق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها ووسائل تحقيقها وطرق تمويلها، والمواد والقواعد التى تنظم بها شئونها، ولا يجوز بوجه خاص ارهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق أو تمتعها بالشخصية الاعتبارية على قبولها الحد منها ولا أن يكون تأسيسها بأذن من الجهة الإدارية، ولا أن تتدخل هذه الجهة الإدارية فى عملها بما يعوق إدارتها لشئونها ولا أن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقابا لها، ولا أن تحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أفضل لتأكيد مصالح أعضائها والنضال من أجلها”.
ويؤكد موقف الحكومات من مؤسسات المجتمع المدنى أنها ما تزال تدير تفاعلات المجتمع بمنطق الحزب الواحد أو المسيطر وبآليات الاحتكار للقوة السياسية ولصناعة القرار، بل إن حصار المجتمع الأهلى يدل على رغبة هذه السلطة فى عدم السماح للتطورات والمبادرات المستقلة للجماهير بالإفلات من قبضة نظام الحكم (4) .
ثانياً: احتكار الإعلام والحد من حرية الصحافة:
يعتبر الإعلام الحر والمستقل جزءاً من المجتمع المدنى بما يوفره للمواطنين من معارف تساعد على غرس قيم الثقافة المدنية وتطورها مساهما بذلك فى تكوين رأى عام متفهم لضرورات تطوير مؤسسات يمارس المواطنون من خلالها دوراً إيجابياً فى الدفاع عن مصالحهم وتحسين أحوالهم، وممارسة التضامن الجماعى بما يقوى قدرتهم فى مواجهة إمكانيات الدولة الهائلة، كما يساعد الإعلام الحر والمستقل على تأكيد قيم الحوار والتسامح والتراضى على حلول وسط من خلال وسائل التنافس السلمية. ونحن نلاحظ أن هذا الدور الإعلامى مفتقد فى كثير من الأقطار العربية حيث تحرص الحكومات على إحكام سيطرتها على أجهزة الإعلام الجماهيرى كالتليفزيون والاذاعة واحتكارها بحيث لا تعبر ألا عن رأى الدولة، وتعمل هذه الحكومات أيضاً على الحد من حرية الصحافة. ولهذا فإن جزءاً هاماً من تحرك مؤسسات المجتمع المدنى والقوى الديمقراطية يجب أن يوجه إلى تحرير الإعلام من السيطرة الحكومية، واتاحة الفرصة لكل اتجاهات الرأى أن تعبر عن نفسها، وأن تتحول أجهزة الإعلام إلى منابر للحوار الحر ومصادر للمعلومات المتحررة من أى قيد، وإثراء معارف المواطنين بما يمكنهم من التجاوب مع متطلبات المشاركة الإيجابية، والتفاعل بشكل سليم مع التعددية الثقافية والدينية والسياسية التى هى احدى السمات الأساسية فى المجتمع العربى، ولتحقيق ذلك يكتسب تحرير الاذاعة والتليفزيون من سيطرة الحكومة أهمية خاصة، وتعديل القوانين المنظمة لها لتصبح جهازاً إعلاميا مستقلا تمثل فيها التيارات الفكرية والسياسية وتحصل من خلالها الأحزاب السياسية على فرص متكافئة لمخاطبة الشعب. والغاء الرقابة الحكومية على الإذاعة والتليفزيون عدا ما يتعلق بالآداب العامة. وتعديل قوانين الصحافة والمطبوعات والنشر لفتح الباب أمام حرية إصدار الصحف، وتعديل المواد والنصوص القانونية التى تفرض عقوبات قاسية على قضايا الرأى والنشر(5) .
ثالثاً: الحد من الحريات والحقوق الأساسية:
لا يمكن ان ينمو المجتمع المدنى وتنضج مؤسساته فى ظل مناخ غير ديمقراطى، وهناك ارتباط قوى بين تطور المجتمع المدنى والانتقال إلى الديمقراطية فى أى مجتمع من المجتمعات. وقد ربط الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بين الحق فى تكوين الجمعيات والحق فى المشاركة الشعبية وتوافر الحقوق والحريات الأساسية فى المجتمع، وحيث تتكامل هذه الجوانب الثلاثة باعتبارها شروطاً ضرورية للتطور الديمقراطى للمجتمع. ويلعب التضييق على الحريات والحقوق الأساسية دوراً محبطاً بالنسبة لإمكانيات تطور مؤسسات المجتمع المدنى وتشكل القيود المفروضة فى معظم الأقطار العربية على حرية التنظيم بما فى ذلك حق تشكيل الجمعيات وتأسيس النقابات عاملاً سلبياً يحول دون إسهام المواطنين فى العمل العام، كما يلعب دوراً مماثلاً القيود المفروضة على حرية الرأى وحق التعبير وما يتعرض له المواطن من انتهاك لحقوقه المدنية. ومن المهم أن تنتهى كافة القيود المفروضة على ممارسة الإنسان العربى لحقوقه وحرياته الأساسية لتمكينه من المشاركة فى القضايا العامة للمجتمع والمساهمة الإيجابية فى تكوين مؤسسات اجتماعية وشعبية متحررة من أى قيود حكومية.
الآثار السلبية للتضييق على مؤسسات المجتمع المدنى:
سوف نكتفى هنا بمعالجة الآثار السلبية لموقف النظم السلطوية من مؤسسات المجتمع المدنى على دور هذه المؤسسات فى دعم التطور الديمقراطى للمجتمع بشكل عام بما تقوم به من دور فى تربية أعضائها وفق قيم ديمقراطية وتدريبهم من خلال الممارسة ومن خلال الحياة الداخلية للجمعية على السلوك الديمقراطى واكسابهم الخبرة التى تمكنهم من المساهمة فى تعزيز التطور الديمقراطى بالمجتمع خارج مؤسساتهم. وقد أدت القيود التى أشرنا إليها فى علاقة الأجهزة الإدارية بمؤسسات المجتمع المدنى وبالنسبة لحق تأسيس الجمعيات وتمتع المواطنين بحرياتهم الأساسية واحتكار الإعلام للفئات الحاكمة، أدى هذا كله إلى آثار سلبية اضعفت الطابع الديمقراطى والدور الديمقراطى لمؤسسات المجتمع المدنى. ويمكن التعرف على هذه الحقيقة من خلال رصد واقع هذه المؤسسات فى المجالات الآتية:
1-مدى النمو فى العضوية الفاعلة والنشطة بالجمعية:
تتحدد ديمقراطية أى مؤسسة اجتماعية بعوامل متعددة يأتى على رأسها مدى مشاركة الأعضاء فى نشاطها ابتداءً من تخطيط النشاط إلى التنفيذ والتقييم ومراقبة الأداء وانتخاب القيادات، كما تتحدد ديمقراطية المؤسسة بمدى اتساع العضوية الفاعلة والنشطة ونموها فترة بعد أخرى. ولكننا نلاحظ أن عضوية كثير من الجمعيات الأهلية والمؤسسات القائمة على العضوية الاختيارية تتآكل عاما بعد الآخر ولا يوجد زيادة فى العضوية إلا بالنسبة للمؤسسات التى تشترط للاستفادة من خدماتها أن يكون المستفيد عضواً بها.
2-مستوى المشاركة فى حضور الجمعية العمومية للمنظمة:
وإذا كان النمو فى العضوية يعتبر مؤشراً على قدرة المنظمة على اجتذاب نشطاء جدد، فإن مستوى مشاركة العضوية وحضورها الجمعية العمومية للمنظمة (وهى أعلى سلطة فى المنظمة بحكم القانون) يشير إلى مستوى فاعلية الأعضاء ومشاركتهم فى صنع توجهاتها، وتحديد أولويات أنشطتها، والرقابة على أعمالها، وانتخاب قياداتها. وتؤكد الدراسات الميدانية عزوف الأعضاء عن حضور اجتماعات الجمعيات العمومية التى تنعقد بأقل نصاب قانونى بعد تأجيلها أكثر من مرة، وغالباً ما يقتصر الحضور على أعضاء مجلس الإدارة والعناصر المرتبطة بها والعاملين بأجر فى المنظمة. وبالتالى فإن اجتماعات الجمعية العمومية التى تعتبر أهم مؤسسات المشاركة داخل المنظمة هى اجتماعات شكلية لا تعكس مشاركة حقيقية وفاعلة للأعضاء، وتنفرد قلة محدودة العدد بإدارة المنظمة، مما يضعف الطابع الديمقراطى للمنظمة.
3-معدلات التغيير فى عضوية مجالس الإدارة:
تقاس ديمقراطية أى مؤسسة أيضاً بمعدلات التغيير فى عضوية هيئاتها القيادية لاتاحة الفرصة لتداول القيادة أمام أكبر عدد ممكن من أعضائها للتدريب على القيادة واكتساب خبراتها. ومن ثم يتأهل هؤلاء الأعضاء للمشاركة فى العمل العام خارج المنظمة ويتزودون بالخبرة اللازمة للقيام بدور قيادى. وبذلك تساهم مؤسسات المجتمع المدنى فى تزويد مختلف مجالات المجتمع بالقيادات الجديدة مما يعزز التطور الديمقراطى للمجتمع بصفة عامة. وتشير نتائج الدراسات الميدانية فى أكثر من قطر عربى إلى محدودية الدور الذى تقوم به هذه المؤسسات فى هذا الصدد، حيث يلاحظ جمود النخبة داخل المؤسسة واستمرارها فى القيادة لسنوات طويلة وارتفاع متوسط اعمارها مما لا يتيح للأجيال الجديدة فرصة حقيقية لتولى القيادة واكتساب خبراتها، وتتقاعس بذلك عن أداء أحد أدوارها الأساسية وهو تزويد المجتمع بالقيادات الجديدة.
4-آلية إصدار القرارات:
تنفرد النخبة المحدودة فى قيادة المنظمة باصدار القرارات المحددة لسياساتها وأولوياتها، ولا تتوفر بالتالى فرصة واسعة للمشاركة فى صنع سياسات المنظمة وتوجهاتها، حيث ينفرد مجلس الإدارة بالسلطة الفعلية فى إصدار معظم القرارات. ويشرف رئيس المجلس على العمل اليومى ويصدر القرارات المطلوبة لتسييره. وهكذا تصبح مؤسسات المجتمع المدنى صورة مما يجرى على مستوى السلطة العليا فى المجتمع من تركز القرار فى يد قلة محدودة أو فرد واحد، ولا يتوفر لها امكانية حقيقية لتجسيد نمط ديمقراطى فى القيادة ينعكس بعد ذلك على دوائر أوسع من مؤسسات المجتمع المدنى.
هكذا فإنه فى ظل السلطوية والسيطرة الحكومية على مؤسسات المجتمع المدنى لا تستطيع هذه المؤسسات أن تقوم بدور فعال فى التمكين للتطور الديمقراطى للمجتمع. وما يزال هناك فجوة كبيرة بين الدور المنوط بها وما تقوم به فعلاً. ومن المهم اختراق هذا الوضع بعمل نضالى طويل المدى يستهدف تحرير الإنسان العربى وتمكينه من السيطرة على مصيره انطلاقا من قدرته على بناء منظمات شعبية مستقلة يمارس من خلالها عملا جماعياً يؤهله للقيام بدور أكبر فى المجتمع، ويساهم أيضاً من خلال تطور هذه المنظمات فى دفع التطور الديمقراطى للمجتمع. وهناك بالفعل جهود مستمرة ومعارك متصلة بين مؤسسات المجتمع المدنى والقوى الديمقراطية وبين بقايا الاستبداد والأنظمة السلطوية سوف يحسمها فى النهاية قدرة هذه القوى والمؤسسات على ترسيخ ثقافة مدنية ديمقراطية فى المجتمع وتوفير أكبر قدر من الحريات والحقوق الأساسية وتطوير أشكال مناسبة للعمل الجماعى وإفراز قيادات جديدة تواصل حركة التطور الديمقراطى استناداً إلى مجتمع مدنى قوى ومستقل.
ثانياً: برنامج الإصلاح الديمقراطي: ويتضمن بشكل خاص:
1- اقرار مبدأ سيادة القانون ودولة المؤسسات.
2- احترام التعددية السياسية والنقابية والثقافية.
3- دعم استقلالية المبادرة الشعبية وإنهاء كافة القيود التي تحول دون تواجد مجتمع مدني قوي يتكون من منظمات مستقلة لمختلف فئات المجتمع: تنظيمات سياسية ونقابية واجتماعية وثقافية.
4- احترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
5- اشاعة ثقافة ديمقراطية تقوم علي قيم الحوار واحترام الرأي الآخر ورأي الأغلبية والتسامح والشفافية.
6- قيام إعلام ديمقراطي حر يكفل حرية تدفق المعلومات في المجتمع وتداول الآراء من مصادر متعددة دون قيود.
7- التوسع في أشكال المشاركة الشعبية المباشرة.
ثالثا: تقوية مؤسسات المجتمع المدني:
في إطار هذا البرنامج الديمقراطي للمجتمع كله يصبح من الممكن تطوير أوضاع منظمات المجتمع المدني لتكون أكثر فعالية ولتصبح بالفعل مؤسسات ديمقراطية قادرة علي الإسهام في التطور الديمقراطي للمجتمع كله وذلك من خلال:
1- تعديل التشريعات المنظمة للعمل الأهلي والمدني بحيث توفر استقلالية حقيقية في ممارسة النشاط.
2- تطوير التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني وإنشاء أجهزة فنية مشتركة لها وتنسيقها حملات إعلامية مشتركة لطرح قضاياها ومشاكلها علي الرأي العام بحيث يصبح مساندا لقيامها بدور حقيقي في التنمية والتطور الديمقراطي.
3- توفير المناخ المناسب لقيامها بنشاط فعال من خلال التمكين للقيم الثقافية المساعدة علي التحول الديمقراطي وانعكاسها في سلوك المواطنين كقيم التسامح والحوار والاعتراف بالآخر والإدارة السلمية للاختلافات والتنوع.
4- تطوير العلاقة مع الدولة: حيث أثبتت التجربة حرص الحكومات علي وضع مؤسسات المجتمع المدني تحت وصايتها، وتمارس معها سياسة مزدوجة، فهي تتخوف من المبادرات الأهلية المنظمة خاصة تلك التي تحمل رؤية شاملة وتتخذ موقفا متحفظا من المنظمات الدفاعية كمنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المرأة، ولكنها تتسامح مع المنظمات التي تنشأ في إطار اتفاقيات مع الدول المانحة للمساعدات لمواجهة المشاكل الناجمة عن التحول إلي اقتصاد السوق وسوف تبقي المواجهة بين الدولة والمجتمع المدني طالما بقيت سياسة الدولة تجاهها علي هذا الحال. ولذلك فمن المهم تطوير هذه العلاقة بحيث لا يفهم أن تقوية مؤسسات المجتمع المدني واستقلالها سيكون علي حساب أضعاف الدولة، لأننا في حاجة في ظروف العولمة إلي دولة قوية، قادرة، عادلة، تطبق الديمقراطية وتعطي المجتمع المدني فرصة النمو والازدهار. وفي هذا لإطار تعالج قضايا عديدة منها تطوير التشريعات القائمة وإلغاء القيود المفروضة علي مؤسسات المجتمع المدني لضمان استقلاليتها وديمقراطيتها الداخلية، والتأكيد علي أن العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني علاقة جدلية، تقوم علي التأثير المتبادل والمتطور، تبعا لتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهي علاقة تتراوح بين التكامل والصراع تبعا لمجال نشاط المؤسسة والتأكيد علي التكامل بين الدولة والمجتمع المدني فلكل منهما دوره الخاص. ويتطلب التعاون بين الطرفين لتحقيق هذا التكامل تحديد الأطر والآليات التي تكفل صياغة العلاقة بينها علي أسس موضوعية ومؤسسية مما ينعكس إيجابيا علي المجتمع.
5- تعميق الطابع المؤسسي للمجتمع المدني: يتطلب تقوية منظمات المجتمع المدني وتحولها إلي مؤسسات حقيقية تتوفر لها المقومات الأساسية التي لا يمكن بدونها أن تمارس نشاطها كمؤسسة مثل توفير البيئة الحقوقية التي تحدد وضعها القانوني في المجتمع وتكسبها الشرعية والاعتراف وتجديد شكلها القانوني ومجال تحركها، ووجود نظام أساسي يتضمن شروط العضوية، وتوزيع المهام وكيفية اتخاذ القرار وشروط تنفيذه وكذلك تحقيق الديمقراطية الداخلية. ومن المقومات الأساسية لتعميق الطابع المؤسسي تحديد أهداف المنظمة متضمنة إستراتيجياتها وبرامجها. ويتطلب تعميق الطابع المؤسسي لهذه المنظمات استنادا إلي الحقائق السابقة العمل الجاد من أجل تحسين البيئة الحقوقية بحيث تتوفر لها الشرعية وتدخل في إطار القوانين المرعية، والحرص علي تعميق الديمقراطية الداخلية لهذه المنظمات وتأكيد مبدأ الشفافية بالنسبة لبرامج النشاط والتمويل. وتنظيم برامج مستمرة لبناء الكادر البشري وما يتضمنه ذلك من بناء قدرات فردية وجماعية وتحديد اختصاصات الجميع وتزويدهم باستمرار بالمعارف والمهارات الضرورية. واستكمال البناء التنظيمي المتصل بالجهاز الإداري، وخلق الوظائف المناسبة في علاقة عمل سليمة بين العمل التطوعي والعمل المأجور. والحرص علي توافر الخبرة بالنسبة لإعداد الخطط وترجمة الأهداف إلي برامج عمل، وتقييم الإنجازات وضمان استدامة النشاط استنادا إلي الأنشطة المنفذة، وتطوير القدرة في الحصول علي تمويل مناسب لضمان استمرار النشاط واتساع نطاقه.
6- تطوير القدرات البشرية: وتشمل هذه العملية تدريب القيادات القائمة وتطوير قدراتها، واكتشاف قيادات جديدة، وتأهيلها لتحمل مسئوليات التخطيط والمتابعة والتقييم، وتوفير المهارات والخبرات الضرورية لها لممارسة مسئولياتها في كافة مجالات النشاط، ويدخل في ذلك تقديم مساعدات فنية لمؤسسات المجتمع المدني حول كيفية إعداد التقارير وإنشاء برنامج وطني لتدريب القيادات الوسيطة، والعمل علي إدخال مقررات دراسية عن العمل الأهلي بمؤسسات التعليم العالي وقيام هذه المؤسسات بدراسات وأبحاث حول المجتمع المدني ويشمل تطوير القدرات البشرية أيضا التدريب علي التكنولوجيا الجديدة وكيفية استعمال الكمبيوتر والفاكس والانترنيت، وذلك لبناء نوع من الارتباط مع المؤسسات الإقليمية والدولية ومراكز المعلومات بحيث تصبح مؤسسات المجتمع المدني جزءاً من شبكة من العلاقات والمصالح المشتركة علي مستوي القطر ومستوي الوطن العربي كله.
7- التمويل: تعتبر مشكله التمويل من أهم العوامل التي تعرقل عمل مؤسسات المجتمع المدني وتحد من نشاطها، وتلعب المساعدات المادية دوراً محوريا في تحديد اتجاهات عمل هذه المنظمات، ويرتبط التمويل بشروط عديدة تضع هذه المؤسسات تحت وصاية المانحين، مما يتطلب معالجة واعية لمشكلة التمويل حفاظا علي استقلالية مؤسسات المجتمع المدني وعدم الانحراف بنشاطها عن الدور الذي يجب أن تلعبه في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع ويتطلب ذلك العمل علي تخصيص موارد مالية من مصادر وطنية، وتوزيع الموارد المالية في جدول زمني محدد، وإنشاء صندوق قومي لدعم العمل الأهلي والمدني من موارد حكومية ومن القطاع الخاص والمؤسسات الدولية بحيث يكون متحرراً من أي شروط علي المجتمع المدني. وهناك حاجة ماسة إلي تطوير مهارات تدبير الموارد المالية وبصفة خاصة من خلال الأنشطة التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني.
8- توافر المعلومات: يتطلب بناء قدرات مؤسسات المجتمع المدني وتقويتها توافر معلومات كافية لديها عن مجالات نشاطها وعن أوضاع المجتمع في نطاق مسئولياتها، ويتطلب ذلك إنشاء بنك للمعلومات علي المستوي القومي، وإنشاء قاعدة بيانات لكل منظمة والتنسيق بين المنظمات في تبادل المعلومات، والاستفادة من شبكة الانترنيت في الحصول أولا بأول علي أي معلومات أو بيانات تحتاجها لممارسة نشاطها وتنفيذ برامجها.
9- التنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني: من المهم لتقوية مؤسسات المجتمع المدني وتعزيز نشاطها أن تبرز في المجتمع كطرف أساسي تتكامل أنشطته من خلال التنسيق بين هذه المؤسسات بحيث يزيد تأثيرها في المجتمع. ويشمل هذا التنسيق تطوير عملية إنشاء شبكات من المنظمات التي تعمل في مجالات مشتركة أو تنشط في نطاق جغرافي واحد، لدعم جهودها في هذه المجالات. ووضع آليات وأطر تكفل التبادل المنتظم للمعلومات والخبرات، وعقد اجتماعات دورية لبحث المشاكل المشتركة، والتنسيق في مواجهة الأطراف الأخرى لتقوية الوضع التفاوضي لها. ومن المهم أن يشمل التنسيق أيضا المنظمات ذات الجذور العميقة في المجتمع مثل النقابات والتعاونيات واتحادات الطلاب والحركات الاجتماعية للاستفادة من خبراتها الطويلة في مجالات العمل الشعبي. وأن يتم التنسيق أيضا علي مستوي الوطن العربي كله وتبادل الخبرات بين مختلف المؤسسات في الأقطار العربية وما يتصل منها بصفة خاصة بالتطور الديمقراطي وتعبئة الحركة الجماهيرية لتحقيق مزيد من التطور الديمقراطي.
هوامش الفصل الرابع

(1) د. أماني قنديل، المجتمع المدني في العالم العربي، منظمة التحالف العالمي لمشاركة المواطن، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1994. صــ68،69.
(2) د. أماني قنديل، المرجع السابق. صــ82.
(3) د. أمين مكي مدني تشريعات وقوانين المنظمات الأهلية العربية، ورقة مقدمه إلي المؤتمر الثاني للمنظمات الأهلية العربية، القاهرة 17-19 مايو 1997.
(4) د. أحمد ثابت، الديمقراطية المصرية علي مشارف القرن القادم، كتاب المحروسة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر، القاهرة، الطبعة الأولي، يناير 1999 صــ98.
(5) حسين عبد الرازق، الديمقراطية، كتاب مصر وقضايا المستقبل، سلسلة كتاب الأهالي، العدد رقم60، سبتمبر 1997. جريدة الأهالي صــ52.
======
*- المواطن