ممكن وأنت جالس مع أخيك الصغير أو إبنك أو صديقك ويسألك .. من هم أصحاب الكهف وما قصتهم .. فالأمر بسيط .. ويسعدنى أن أقدم لكم قصة أهل الكهف فى صورة مبسطة ومختصرة بإذن الله تعالى ..
ونقول بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ..
إن سورة الكهف بالقرآن الكريم من السور المكية ، وعدد آياتها (110) آيات ، والكهف هو الغار في الجبل .
وقد تضمنت هذه السورة قصصا أربعة ، وهي ( 1 ) قصة أصحاب الكهف ، ( 2 ) قصة صاحب الجنتين ، ( 3 ) قصة موسى والخضر ، ( 4 ) قصة ذي القرنين .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضلها أنه ( مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ ) رواه مسلم (809) .
وعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِىِّ قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ فَقَالَ : ( إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ ) رواه أبو داود (رقم/4321) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وورد في فضل قراءتها يوم الجمعة أيضا أحاديث أُخر كثيرة لا يتسع المقال لسردها خاصة وأننى تقدمت بالقول بأن نقدم القصى مختصرة ..
وخلاصة قصة أصحاب الكهف أنها قصة شبان ( فتية ) فروا من قومهم خشية الفتنة في دينهم . قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في شأنهم :
" قال كثير من المفسرين والمؤرخين وغيرهم : كانوا في زمن ملك يقال له دقيانوس ، وكانوا من أبناء الأكابر ، واتفق اجتماعهم في يوم عيد لقومهم ، فرأوا ما يتعاطاه قومهم من السجود للأصنام والتعظيم للأوثان ، فنظروا بعين البصيرة ، وكشف الله عن قلوبهم حجاب الغفلة ، وألهمهم رشدهم ، فعلموا أن قومهم ليسوا على شيء ، فخرجوا عن دينهم ، وانتموا إلى عبادة الله وحده لا شريك له " انتهى.
" البداية والنهاية " (2/135)
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
" وهم فتية وفقهم الله ، وألهمهم الإيمان ، وعرفوا ربهم ، وأنكروا ما عليه قومهم من عبادة الأوثان ، وقاموا بين أظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم ، خائفين من سطوة قومهم ، فقالوا :
{ رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } أي : إن دعونا غيره .
{ شَطَطًا } أي : زورا وبهتانا وظلما .
{ هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } الكهف /14 و 15.
فلما اتفقوا على هذا الأمر ، وعرفوا أنهم لا يمكنهم إظهار ذلك لقومهم ، سألوا الله أن يسهل أمرهم فقالوا : { رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } الكهف /10 .
فأووا إلى غار يسره الله غاية التيسير، واسع الفجوة ، بابه نحو الشمال لا تدخله الشمس ، لا في طلوعها ولا في غروبها ، فناموا في كهفهم بحفظ الله ورعايته ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا ، وقد ضرب الله عليهم نطاقا من الرعب على قربهم من مدينة قومهم ، ثم إنه في الغار تولى حفظهم بقوله : { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ } الكهف /18؛ وذلك لئلا تُبلي الأرضُ أجسادهم ، ثم أيقظهم بعد هذه المدة الطويلة : { لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ } ، وليقفوا في آخر الأمر على الحقيقة :
{ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ } [الكهف : 19] إلى آخر القصة .
ففيها آيات بينات وفوائد متعددة :
ومنها : أن قصة أصحاب الكهف وإن كانت عجيبة ، فليست من أعجب آيات الله ؛ فإن لله آيات عجيبة وقصصا فيها عبرة للمعتبرين .
ومنها : أن من أوى إلى الله أواه الله ، ولطف به ، وجعله سببا لهداية الضالين ; فإن الله لطف بهم في هذه النومة الطويلة ، إبقاء على إيمانهم وأبدانهم من فتنة قومهم وقتلهم ، وجعل هذه النومة من آياته التي يستدل بها على كمال قدرة الله ، وتنوع إحسانه ، وليعلم العباد أن وعد الله حق .
ومنها : الحث على تحصيل العلوم النافعة والمباحثة فيها ؛ لأن الله بعثهم لأجل ذلك ، وببحثهم ، ثم بعلم الناس بحالهم ، حصل البرهان والعلم بأن وعد الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها .
ومنها : الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يرده إلى عالمه ، وأن يقف عند ما يعرف .
ومنها : صحة الوكالة في البيع والشراء ، وصحة الشركة في ذلك ، لقولهم : { فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ } .
ومنها : جواز أكل الطيبات ، والتخير من الأطعمة ما يلائم الإنسان ويوافقه ، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه ، لقوله : { فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ } .
ومنها : الحث [ على ] التحرز والاستخفاء ، والبعد عن مواقع الفتن في الدين ، واستعمال الكتمان الذي يدرأ عن الإنسان الشر .
ومنها : بيان رغبة هؤلاء الفتية في الدين ، وفرارهم من كل فتنة في دينهم ، وتركهم لأوطانهم وعوائدهم في الله .
ومنها : ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد الداعية لبغضه وتركه ، وأن هذه الطريقة طريقة المؤمنين .
ومنها : أن قوله : { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا } الكهف /21 ، فيه دليل على أن هؤلاء القوم الذين بعثوا في زمانهم أناس أهل تدين ؛ لأنهم عظموهم هذا التعظيم حتى عزموا على اتخاذ مسجد على كهفهم ، وهذا إن كان ممنوعا – وخصوصا في شريعتنا – فالمقصود بيان أن ذلك الخوف العظيم من أهل الكهف وقت إيمانهم ودخولهم في الغار أبدلهم الله به بعد ذلك أمنا وتعظيما من الخلق ، وهذه عوائد الله فيمن تحمل المشاق من أجله أن يجعل له العاقبة الحميدة .
ومنها : أن كثرة البحث وطوله في المسائل التي لا أهمية لها لا ينبغي الانهماك به ، لقوله :
{ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا } الكهف /22 .
ومنها : أن سؤال من لا علم له في القضية المسئول فيها ، أو لا يوثق به : منهي عنه ، لقوله :
{ وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا } الكهف/22. " انتهى.
تيسير اللطيف المنان ، لابن سعدي (421-424) .
ويمكن مراجعة قصتهم مطولة في كتاب " البداية والنهاية " (2/133-139) للحافظ ابن كثير رحمه الله .
والله أعلم.