التصنيفات
تاريـخ,

لماذا يشوه تاريخ الإسلام وحده ؟!

لماذا يشوه تاريخ الإسلام وحده ؟!

كتب: د / عبد العظيم الديب

16/03/1431 الموافق
01/03/2010

لماذا تاريخ الإسلام وحده هو الذي درسناه مشوهًا ممزقًا؟
إن كنتَ في شكٍّ من هذا فاختبر نفسك، واختبر من حولك، حاول أن تذكر كلمة (التاريخ الإسلامي) وانظر إلى ما تثيره في النفوس، وارقب ما يسميه علماء النفس (تداعي المعاني) أية معانٍ ستتوارد على الخواطر!! وأية صور ستحضر في الأذهان!! وأية مشاعر ستتحرك في الوجدان!! ولقد عمَّ ذلك وطمَّ ، حتى إنه لم يسلم منه أحد إلا من رحم ربك وقليل ما هم.
الصورة المشوهة للتاريخ الإسلامي :
ذلك أنك إذا ذكرت التاريخ الإسلامي، فأسرع ما يقفز إلى الذهن:
– ما تحفظه من اتهامات لعثمان بن عفان رضي الله عنه بأنه كان يولِّي أقاربه إمارة الأقاليم، ويحكِّمهم في رقاب العباد، ويطلق يدهم في مال الأمة، ولما ثار الصحابي الجليل أبو ذرٍّ على هذه السياسة، غضب عليه عثمان، ونفاه إلى الربذة ، ثم حصار الثوار لعثمان وقتلهم له وهو يتلو في المصحف ، وما صار يُضرب به المثل من نصب معاوية لقميص عثمان الملطخ بالدماء في المسجد، واحتياله بذلك حتى لا يبايع عليًّا ـ رضي الله عنه ـ ومن أجل الملْك العضوضِ أشعل حربًا ظالمة على الخليفة الراشد عليّ بن أبي طالب، فكانت معركة (الجمل) و(صفّين).
– ثم مسرحية التحكيم الهزلية، وما تجلّى فيها من منتهى الغفلة والبلاهة، في مقابلة منتهى النصب والاحتيال ، وقُضي الأمر باستيلاء معاوية على الحكم، وتحويل الخلافة الراشدة إلى قيصرية هرقلية، أخذ فيها معاوية البيعة لابنه يزيد قهرًا تحت تهديد السلاح.
ـ وصورة يزيد بخمرياته وفسقه ولهوه، ولعبه بقروده وكلابه، وسنواته الثلاث السود التي قُتل فيها الحسين، وغزا المدينة المنورة، وأباحها لجنوده، وهدم الكعبة.
– ثم يأتي الحَجَّاج وجبروته، وظلمه، وقتله ابن الزبير، وضرْبه الكعبة بالمنجنيق.
– ويحاول عمر بن عبد العزيز تصحيح الأوضاع، فيموت مسمومًا.
– ثم تدور الدائرة على بني أمية وتسقط دولتهم بسبب ظلمهم وفسادهم، وعنصريتهم المتعصبة للعرب.
– وأما العباسيون فأوَّلهم الذي استفتح دولتهم أبو العباس السفاح، ومن أبرز ما نذكره عنهم ضَرْب الأئمة؛ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وخمريات الرشيد وسرفه وعبثه ونواسياته، ثم محنة الفقهاء وأهل الحديث في عصر المأمون، ثم سيطرة الفرس على الدولة ؛ لأنهم هم الذين صنعوها، ولعبهم بالخلفاء، حتى جاء التتار وكان ما كان، وسقطت الخلافة.
– ثم جاء عصر المماليك، جهلة يملكون سيفًا قويًّا يستخدمونه حينًا ضد العدو دفاعًا عن الإسلام، وأحيانًا ضد بعضهم البعض، ودائمًا ضد الشعب.
– ثم جاء العثمانيون، فكان الجهل والظلام، والقضاء على الحضارة والصنائع والفنون، وإذلال العنصر العربي بالعجرفة التركية التي ما برحت مضرب الأمثال.
– أما الأندلس، فقد غرق ملوكها في الترف، ودارت برءوسهم الكاس والطاس، فقاتل بعضهم بعضًا، بل تحالف بعضهم مع الصليبيين ضد إخوانهم، فكانت النهاية المأسوية التي انتهت بإبادة المسلمين وخروج الإسلام من الأندلس.
هذه معالم تاريخ الإسلام التي استقرَّت في بؤرة شعور مثقفينا عامَّة ، قد يقول قائل: وأين ما يتعلمه أبناؤنا عن انتصارات المسلمين وفتوحاتهم، وحضارتهم وأمجادهم؟! وأقول: نعم، يوجد شيء من هذا، ولكنه يعرض بصورة باهتة ممزَّقة؛ ولذلك تتوارى في حنايا الذاكرة، وتتخلى عن بؤرة الشعور، وتبقى الصورة البشعة التي عرضتها لك آنفًا هي الحاضرة في الذهن (online) كما يقولون.
وعندي على ذلك ألف دليل ودليل، ولا شك أنك سمعتَ ذلك الإعلامي الناجح وهو يقول في ثنايا حوارٍ له مع أحد ضيوفه: كل الخلفاء الراشدين قتلوا إلا واحدًا ، وزميله الذي لم يُطِق صبرًا على محاوره -هو يتحدث عن عمر بن عبد العزيز وإصلاحاته- فيقول له في لهجة ساخرة: ولذلك قتلوه.
وقبل أن أترك الكلام على هذه الصورة البشعة للتاريخ الإسلامي؛ أؤكد أنها صورة كاذبة خاطئة، تقوم على معلومات أخطرها مكذوب لا أصل له، وباقيها بين ثلاث حالات:
1- أحداث ضُخِّمت وبولغ فيها حتى أخذت أكثر من حجمها، حتى حجبت الكثير.
2- أحداث أُسِيء فهمها وتفسيرها، ولو فهمت على حقيقتها ووجهها، لكانت فخرًا لصانعيها.
3- أحداث تدخل في إطار العجز البشري عن الكمال. "كل بني آدم خطَّاء".
ونعود للسؤال: لماذا تاريخ الإسلام وحده؟ لقد درس أبناؤنا ومثقفونا، ودرسنا أيضًا تاريخ أمم الأرض قديمها وحديثها، فما تركت أية دراسة فيها هذه الصورة، لا للفراعنة، ولا للآشوريين، ولا للبابليين، ولا للفينيقيين، ولا اليونانيين، ولا الرومانيين، ولا الأوروبيين والأمريكيين ، أبدًا لا يشعر تجاه هذه العصور التاريخية، وتاريخ أهلها بما يشعر به تجاه التاريخ الإسلامي ، فإذا ذكرنا الفراعنة تجد شعورًا بالاعتزاز، بل بالفخر والمباهاة، وتقفز إلى ذهنك صورة الحضارة التي أضاءت الدنيا منذ فجر التاريخ، وبهرت العالم بما خلفته من آثار، وما أظن المشاعر نحوها تصل إلى درجة الحياد.
فإذا ذُكر تاريخ اليونان فهنا شعور الإكبار والاحترام، وعلى الفور يقفز إلى الذهن سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وما حولهم من هالات التمجيد والتعظيم ، وبالمثل تاريخ الرومان وكل أمم الأرض.
فإذا جئنا إلى تاريخ أوربا بعد عصر النهضة فسنجد الإعجاب والإكبار يصل إلى حد الانبهار والاندحار، والاستخزاء والشعور بالهوان، حتى صرنا نلهث وراءهم، ونقيس تقدمنا بالقُرب منهم، والمسافة التي نقطعها في محاولة اللحاق بهم ، وإن كنت تظن بي المبالغة فانظر حولك، واقرأ واسمع معي الأسماء الآتية: صحيفة (الأهرام)، وصحيفة (بابل)، ووكالة الأنباء (سبأ)، ومهرجان (جرش)، ومهرجان (قرطاج)، ومهرجان (بعل بك)، وفندق (فلادلفيا)، وشارع (رمسيس)، والحديث عن (دلمون)، و… و…
هذا ما يحضرني عفو الخاطر، ولو تأملت وتتبعت لرأيت الإصرار على تجلية تاريخ هذه الجاهليات والوثنيات أمرًا يُراد، حتى سمعتُ بأذني مَنْ يتحدث عن التجربة الديمقراطية في بلاده، ثم يختم كلامه: "ولِمَ لا؟ ألسنا أحفاد ملكة سبأ". هكذا على ملأ من مشاهدي إحدى الفضائيات.
وسمعت آخر يقول مباهيًا: "نحن أحفاد رماة الحدق" ورماة الحدق هؤلاء هم أهل النوبة الذين تصدّوا لجيش الفتح الإسلامي وحالوا بينه وبين فتح الجنوب، وسماهم المسلمون (رماة الحدق) لبراعتهم في الرمي، ودقة إصابتهم ، هؤلاء يباهي مثقف مسلم معاصر بأنه من أحفادهم.
أما صيحة (إحنا الفراعنة) فما أكثر ما تسمعها عند إصابتهم مرمى الخصم في كرة القدم ، وانظر حولك وتأمل ، ستجد من هذا ضروبًا وأفانين.
فلماذا تاريخ الإسلام وحده؟! إنها بضعة أسطر خاطئة مخطئة في كتاب التاريخ وراء كل هذا.


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جـــــــــــــــــــازا الله كل الخير


التصنيفات
تاريـخ,

مصادر التاريخ الإسلامي، ونقد الروايات

مصادر التاريخ الإسلامي، ونقد الروايات

بقلم الدكتور : عبد الرحمن الفريح.

20/01/1431 الموافق
05/01/2010

التعريف بالتأريخ والمعنى الأوليّ له:
يقوم موضوع التاريخ على الإنسان والزمان بمسائل قوامها أحوالهما المفصلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة للإنسان وفي الزمان.
وبمعنى آخر، هو دراسة العناصر الحركية في المجتمع. ومن هذه التعريفات في المراجع التاريخية الحديثة، وهي مستقاة مما أشار إليه القدماء، فإن كتب السيرة والمغازي والأنساب تدخل في عداد الكتب التاريخية.
وفكرة الوقت وتحديده هي المعنى الأوّلي للتاريخ، وقد أرّخ (أو ورّخ) المسلمون- على اختلاف في اللغة المُضرية(1)- في خلافة عمر رضي الله عنه. وورد أن أصل التاريخ الإسلامي مأخوذ من العربية الجنوبية، وأنَّ يعلى بن أُميّة الحنظلي، عامل عمر على اليمن، كتب إليه كتاباً مؤرخًا. ومع وجود آراء أخرى بخلاف هذا فقد أُيد هذا القول بكون أولئك القوم ذوي اهتمام بأمر التوقيت لعامل الاشتهار بالزراعة وعامل الشعائر الدينية، وأيضًا عامل التجارة في البر والبحر(2).
وإذا كان تدوين الدواوين ووضع الأخرجة وسن القوانين احتاج إلى تأريخ في الإسلام، فإن كلمة تأريخ تطورت من التقويم والتوقيت إلى تسجيل الحوادث على أساس الزمن، ثم حلت محل الخبر بعد أن كان يقوم مقامها بمعنى العملية التاريخية، وصارت تطلق على عملية التدوين التاريخي وحفظ الأخبار، فالعلم بحوادث التاريخ وأخبار الرجال والكتب التي تبحث في ذلك. وورد في النقوش الجنوبية "ورّخ" وجمعها "أورخم" بمعنى "الشهر القمري". وبظهور الكتب التاريخية، وأقدمها تلك الكتب التي تتعرض لسنوات الميلاد والوفاة لبعض الشخصيات، أصبح التاريخ فناً يُبحث فيه عن وقائع الزمن من حيثية التعيين والتوقيت.
كيف كان يؤرخ العرب:
وكانت حمْير وكهلان تؤرخ بالتبابعة وسيل العرم وظهور الحبشة وإزالتها وغلبة الفرس. وتؤرخ العدنانية بهلاك جُرهم بالحرم وبتفرق ولد نزار، وبمأقط(3)، وبحجة الغدر بين يربوع بن حنظلة واليمن قبل الإسلام بـ 150 عاماً، وبأيام البسوس(4)، وجبلة، والكُلاب(5).
والكُلاب بين أبناء آكل المرار بعضهم البعض والكُلاب الثاني بين تميم واليمن.
وباستعمال كتب الحوليات لكلمة "تأريخ" تطور معناه إلى ما سلف الإبانة عنه. ومن هذه الكتب تأريخ الأمم والملوك للطبري، وتأريخ سني ملوك الأرض والأنبياء لحمزة الأصبهاني.
أما البداية التدوينية فقد اهتمت بالسيرة النبوية في موضوعاتها وبالمغازي ونسب قريش وتراجم رجال الفقه والحديث. فارتباط التاريخ الوثيق بالعلوم الدينية تفصح عنة تلك الاهتمامات الأولى. وكان من رأي كثير من علماء المسلمين أن العناية بالتأريخ ضرورة لخدمة العلوم الدينية. وعُرفت الدراسات المتقدمة لحياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، بـ "المغازي" وتعني لغويًا دراسة أعماله الحربية.
وبهذا الإلماح الموجز مما ورد في البحوث العلمية عن التاريخ وأنه تحقيق عبرة تختزل لنا التجربة، وميدان تطبيق القيم على الواقع، وما يتطلبه من قدرة على الفهم والتحليل والتعليل والموازنة والمقارنة؛ فإن هذا الوعاء للفعل الحضاري، أحد موارد التكوين الثقافي، قد نظر فيه أهل الاختصاص قديما على أنه موطن الاستقراء والاستنتاج ومعرفة سنن السقوط والنهوض والتعرف على القوانين التي تنظم الحركة التاريخية للإفادة من التجارب. فعند السَّخاوي في كتابه الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ أنه غزير النفع كثير الفائدة بحيث يكون من عرفه كمن عاش الدهر كله وجرب الأمور بأسرها وباشر تلك الأحوال بنفسه، وأن حوادث التاريخ عبرة وموعظة ودرس وتجربة توقف الدارس على عثرات الماضين وأسباب انقراض الدول والحضارات وتدفع أصحاب المثل إلى الإقتداء بالشخصيات. والتاريخ لسان يخبر به الزمان عن عجائب الوقائع، بل أستاذ يقرر الحوادث ليعيها السامع.
ابن خلدون ورؤيته النقدية للتاريخ:
اقترن حديث ابن خلدون عن علم التاريخ برؤية نقدية لمغالط وأخطاء المؤرخين بعد أن ذكر فن التاريخ، وفضائله، وتحقيق مذاهبه وأنه عزيز المذاهب، وجم الفوائد، وشريف الغاية. على إن تعميمه في اقتصار المؤرخين على سرد أسماء الملوك، ووصف المعارك، وإهمال الأحوال الاجتماعية الفاعلة في سير التاريخ ليس على إطلاقه؛ إذ أن جمهرة من المؤرخين كتبوا في جوانب الحياة الدينية والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، وهذا ما يعد توجها حضاريا لم يقف عند حد السياسة والحروب، ومعرفة تاريخية في ممارسة التدوين.
وفي منهج ابن خلدون أن من الأخطاء والمآخذ أن أئمة النقل لم يعرضوا الحكايات والوقائع على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم البصر والبصيرة. وضرب مثلا في البعد عن الواقعية في سرد الحقائق التاريخية والإغراب في الخيال إلى حد تزييف الخبر وتشويهه بما يذكر في أخبار التبابعة وخروجهم من قراهم باليمن إلى بلاد المغرب وأن أفريقيش من أعاظم ملوكهم الأُوَل في عهد موسى، على حد قول المؤرخين، وأنه غزا أفريقيّة، وبه سمّيت. وأنه أثخن في البربر، وأنه هو الذي سماهم بهذا الاسم وأبقى جماعة من حمْير تنتمي إليها صنهاجة(6).
وعرض ابن خلدون للطبري وسيف بن عمر والواقدي والمسعودي، وانتقد الواقدي والمسعودي، وساق شواهد تاريخية من أخبار المسعودي ظهر فيها الاعتماد على النقل دون تحكيم العقل، كبناء الإسكندرية، وكخبر تمثال الزرازير في روما، ورّد ما ذكره المسعودي عن عدد جيش بني إسرائيل وكثرته مستشهداً بما ذكره سيف عن جيش الفرس في القادسية وان بني إسرائيل لم يصلوا في يوم من الأيام إلى حجم دولة فارس التي حشدت أكبر قوة لها في تلك المعركة، ولم يصل عدد جيشها إلى نصف ما ذكره المسعودي عن جيش بني إسرائيل.
والتاريخ عند ابن خلدون علم من علوم الفلسفة موضوعه الاجتماع الإنساني؛ فهو يقتضي تعليل الحوادث وربط بعضها ببعض مع تمييز الخبر الصادق من الخبر الكاذب مع الترجيح بين الأسباب. وهو يصف التطور في البيئة الاجتماعية بكل ما فيها من سياسة وحرب وصناعة وتجارة وعلم وفن وحركات اجتماعية عامة أو دينية أو اقتصادية أو فكرية. ويتساوى في فهمه العلماء والجهال من حيث ظاهره، لكنه في باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة وعريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق.
والكذب متطرق للخبر بطبيعته بسبب التشيعات للآراء والمذاهب، وإذا كانت النفس على حالة من الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه وإذا خامرها تشيع لرأى أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة. وكثير من الناس يقبلون الأخبار المستحيلة ولم ينقدوها بمعرفة طبائع العمران، وهو أحسن الوجوه في تمحيص الأخبار وتمييز صدقها من كذبها، وهو سابق على التمحيص بتعديل الرواة حتى يعلم أن ذلك الخبر في نفسه ممكن أو ممتنع؛ فإذا كان الخبر في نفسه مستحيلا فلا فائدة للنظر في الجرح والتعديل.
وكثيرون من سامعي أخبار الماضين لا يفطنون لما وقع من تغير الأحوال وانقلابها، وأنها لا تدوم على وتيرة واحدة، فيجرونها على أول وهلة على ما عرفوا ويقيسونها بما شهدوا؛ وهذا من الجهل بالقوانين التي تخضع لها الظواهر الطبيعية- كما سلف- وعدم مراعاة البيئة الزمنية والتطور في الأشخاص والأوقات والأمصار(7).
المصادر والمراجع:
والمصادر التاريخية هي المصنفات القديمة في هذا المجال، أما الكتب الحديثة فهي مراجع. وهناك من يرى أن كلا النوعين مراجع، وأن المصادر هي الوثائق الرسمية والأوراق البردية والوقفية والنقوش والآثار المعمارية. ويرى الدكتور السيد عبد العزيز سالم أن المصادر إما مصادر أثرية كالمتقدمة الإشارة إليها، وإما مصادر مكتوبة كالقرآن الكريم والسنة النبوية وكتب الطبقات والأنساب وكتب الجغرافية وكتب الرحلات وكتب الخراج والحسبة والخطط والكتب الأدبية والشعر العربي.
أهم المآخذ على الكتابة التاريخية المبكرة:
ومن أهم المآخذ على الكتابة العربية المبكرة للتاريخ الإسلامي هو أن بعض الروايات نحت منحى التأكيد على الحط من شأن العرب إمّا مبالغة في محاولة إبراز محاسن الحياة الإسلامية المغايرة لما قبلها في كثير من مناحيها، وإما للوقوع تحت تأثير العصبية الجنسية. فامتلأت كتب التاريخ بقبائح العصر الجاهلي، وظهر في جانب آخر في الروايات الأولى منذ عبيد بن شريَّة الجرهمي ولع بتقسيم العرب في جاهليتهم إلى عاربة ومستعربة(8) ونسبة المحامد إلى الأولى، لغةً وتاريخاً وأدباً وحضارة، فيما يشبه الردة في عصر بني أمية إلى الحياة القديمة كأثر من آثار التمايز العربي الذي عرفه ذلك العصر لدواعي سياسية اجتماعية، أو نفره من استمرارية الخلافة بعد النبوة في قريش أو في المُضرية بوجه عام.
ويأتي في سياق ابن شريَّة، وهو أول القصاصين الكتبة، كعب الأحبار المتقدم عليه، ومن بعده وهب بن منبّه، وإلى الهَمْداني، ثم نشوان الحمْيري.
وأمر ثالث اعترى عملية التدوين التاريخي المتقدم وهو احتضان كثير من الرواة وأهل التصنيف للقصص الإسرائيلي وهذا ما ألقى ظلالاً كثيفة من الأساطير على التاريخ الإسلامي بصفة عامة والسيرة النبوية بصفة خاصة. وأغلب الروايات التي يتصل سندها بكعب الأحبار أو محمد بن كعب أو النعمان السبائي تحمل طابع القصص الإسرائيلي، وفي أغلبه دسٌّ على الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعلى الإسلام.
وفي المأخذ الأول اشتدت القسوة على أمة العرب حتى ليكاد الرواة يخرجون بالعرب في جاهليتهم عن الآدمية ولا يعدونهم في بني الإنسان، وظهرت الأمة بلا وزن في الأخلاق، حقيرة منذ بدايتها، جاهلة في نشأتها، ملطخ ماضيها بالسيئات. وللدكتور إبراهيم شعوط معالجة جيدة لدفع هذا الافتراء. وفي المأخذ الأخير اعتمدت أخبار السيرة على الخوارق غير الاعتيادية وضُخّمت صورتها قبل البعثة بحشد عدد من الإسرائيليات، مع أن كثيراً من وقائع السيرة وأخبارها ليست بحاجة إلى أن تُتَكلف فيها الشروح والتفاسير والتعليقات إذ هي أوضح من ذلك. وقد تناول هذا الموضوع الدكتور عماد الدين خليل في دراسة عن السيرة مشيراً إلى أن حاجة بعض المؤرخين إلى التكلف تناقض ما في آيات القرآن مما يكفي لرسم صورة صادقة لشخصية النبي، صلى الله عليه وسلم، وفيها قرائن وإشارات ودلالات عديدة تساعد على التعرف على نشأته وسيرته.
الإسرائيليات والدراسات الحديثة:
وإذا كانت النظرة المادية تقتل في السيرة روحها وتطمس شخصيتها فإن الواقعة التاريخية تتطلب دراستها بذاتها بعيداً عن الانسياق وراء الخيال القصصي الإسرائيلي والتهويل الأسطوري. على أن قطع الصلة بالغيب يجب توقيه عند رفض الإسرائيليات وأكثر الخوارق، وحتى لا ينزلق الباحث إلى التفسير المادي للتاريخ. وفي السيرة تطبيق لمبادئ الحرب في الغزوات ومراعاة لأسباب الحيطة والحذر والاستعداد وهو ما ينأى بها عن أن تكون بمجملها من الخوارق غير الاعتيادية.
هذا وفي مقابل تهاويل القصص الإسرائيلي قديما اشتطت الكتابات الاستشراقية حديثاً بالشاذ والغريب من الروايات لإثارة الشك. قال دوزي: إن محمداً كان يشاطر بني جلدته نظرتهم القائمة على احتقار اليمنيين والزراعيين، وأنه سمع رجلاً ينشد بيتاً يشير فيه إلى أنه حمْيري وليس أسلافه من ربيعة ولا مضر فقال: إن هذا نسب يبعدك عن الله ورسوله. فلما يئس من حمل أهل جنسه من التجار والبدو على اعتناق مبادئه، ورأى أنه مهدد في حياته منذ مات عمه، اضطر لتناسي هذه النظرة فرحب بوفد عرب المدينة الذين عطفوا عليه وأكرموه بعد اضطهاد المكيين، بمعنى أنه تناسى نظرته وقبل المساعدة من أي طريق! وهكذا بنى دوزي حكماً على خبر شاذ غريب.
ومستشرق آخر يشكك في اسم النبي، صلى الله عليه وسلم، ويقول: إن اسمه ورد في أربع سور من القرآن هي: آل عمران، والأحزاب، ومحمد، والفتح، وكلها سور مدنية. ومن ثم فإن لفظة محمد لم تكن اسم علم للرسول قبل الهجرة، وإنما اتخذه بتأثير قراءاته للإنجيل واتصاله بالنصارى، بمعنى أنه التقط هذا الاسم واصطفاه لنفسه(9)!
ردة العرب والحكم المسبق:
وإذا أنكر أحد أخبار ردة العرب بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال إنها مصنوعة الحوادث، موضوعة الوقائع(10)، اختُلقت لغرض سياسي، وإنها من صنع مؤرخ الهيئة السياسية الحاكمة، سيف بن عمر، فإنه لا يمكن مناقشته في أمر الروايات التاريخية ونقدها! لأن من قال بهذا مدفوع بهوى عقدي يدعوك إلى أن تقر بردة حقيقية يراها هو وهي ردة أبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم، واغتصابهم الحق الشرعي والاستيلاء على كرسي الحكم، أما ردة الأعراب فهي من افتراءات سيف على حد زعمه.
وبمثل هذا المثال تبدو فرصة دراسة الروايات التاريخية غير متاحة لأن الحكم المسبق أو نزعة الهوى تقضى عليها تماماً. ومهما بلغ الناقد من قوة البحث والتمحيص فإنه سيدور في فلك البحوث التاريخية المحكوم عليها بالعقم. وحتى المنهج العلمي لا يشفع لمن يدعيه إذا اتخذه وسيلة للانتقاء والاختيار لتأكيد أحكام مسبقة. وفي دراسة في السيرة كان كيتاني ذا رأي وفكرة، استعان بكل خبر ضعيف لتأكيد حجته! قال الدكتور عماد الدين خليل إنه يذكرنا بكثير من المختصين الجدد في حقل التاريخ الإسلامي الذين يعملون وفق منهج خاطئ من أساسه؛ إذ هم يتبنون فكرة مسبقة ثم يجيئون إلى وقائع التاريخ فيستلون منها ما يؤيد فكرتهم ويستبعدون ما دون ذلك.
أخبار الجاهلية ومدرسة المدينة التاريخية:
وقد اعتمد التدوين التاريخي في بدايته على أخبار الجاهلية إضافة إلى الأحاديث التي رواها الصحابة والتابعون عن حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، وبدأ تأثر أخبار سيرته قبل الإسلام بما يروى عن أيام العرب، أما الأخبار الإسلامية عنه فتأثرت بنمط الحديث.
وفي مرحلة تالية تم ترتيب الأحاديث في أبواب فانفصل عنها ما يتعلق بالتاريخ تحت اسم المغازي والسيرة في أبواب ثم كتب، مع إفراد المحدثين، أو استمرارهم في إفراد، أبواب خاصة بها في مصنفاتهم، البخاري ومسلم وأحمد (11).
أما ملامح النشأة التاريخية المنتظمة فتبدو فيما يمكن أن يطلق عليه اسم المدرسة المدنية، وطبقتها الأولى أبان بن عثمان بن عفان (ت 105هـ) وعُروة بن الزبير (ت 92هـ) وشرحبيل بن سعد (123هـ) ووهب بن منبه (ت 110هـ). وهؤلاء الأربعة دعامة أولى في كتابة المغازي، وما كتبه أبان صحف عن أحاديث أفاد منها من أتى بعده.
كما نقل ابن هشام وابن سعد مما جمع عروة من أحاديث، وأخذ ابن إسحاق والواقدي ثم الطبري من أخباره التي ضمت المغازي وأخبار الردة في روايات قصيرة موجزة. ولشرحبيل أخبار عن أسماء من هاجر إلى المدينة ومن اشترك في غزوة أحد. وجمع وهب تصانيف عروة في المغازي.
ويتبع هؤلاء طبقة ثانية يمثلها عبد الله بن أبي بكر بن حزم (ت 135هـ) وعاصم بن عمرو بن قتادة (ت 120هـ) ومحمد بن شهاب الزُّهري (124هـ). وللأول تسجيل لبدء حياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأخبار الوفود ووقائع الردة وأحاديث متصلة بالمغازي. وتميز الزهري بإيضاح ملامح مدرسة التاريخ بالمدينة معتمداً على روايات عروة، وبأن كتابته تطرقت لموضوعات تتصل بظهور الأحزاب السياسية والجدل بينها حول الفتنة والخلافة.
وتُختم مدرسة المدينة التاريخية بطبقة ثالثة فيها موسى بن عقبة ومعمر بن راشد ومحمد بن إسحاق؛ وهؤلاء الثلاثة تلاميذ للزُّهري. وعن محمد ابن إسحاق (ت 152هـ) نقل زياد البكائي (183هـ) أخبار السيرة، وعن زياد هذا نقل السيرة ابن هشام (182هـ) بعد أن نقحها واختصرها ودفع منها ما شك فيه من الأخبار ومنحول الشعر.
لم يتقيد ابن إسحاق بما تقيد به ثقات المحدثين في التدوين ونحى في تاريخه منحى وهب بن منبه في تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:
مبتدأ منذ بدء الخليفة، ومبعث يختص بحياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، حتى السنة الأولى من الهجرة، ومغازي. وانفرد عن سابقيه بجمع الحوادث وترتيبها وتبويبها في مصنفه، وأخذ عليه أنه شحن تاريخه بشعر منحول انتقده عليه ابن سلام الجمحي، صاحب طبقات فحول الشعراء، وأن له أخطاء في الأنساب، إضافة إلى كثرة النقل عن أهل الكتاب، الذين يسميهم أهل العلم الأول، وأنه مالأ الخليفة المنصور في أخبار تتعلق بالعباس.
على أن كتابه يعد مع ذلك مادة أساسية لسيرة ابن هشام، وعنده وعند الواقدي من بعده بدأت مرحلة جديدة متميزة في التدوين التاريخي العربي.
والواقدي واسع العلم بالمغازي والسير والتاريخ، ولعله يتفوق على ابن إسحاق بدقة في المادة والأسلوب وبالربط بين المادة التاريخية وإطارها البلداني، غير أن ابن إسحاق يبزّه في الموضوعات الجاهلية.
وإذا كان القرآن الكريم هو المصدر الأول لدراسة التاريخ يليه الحديث، وكانت بداية التأليف وثيقة الصلة بهذين المصدرين، فإن الحركة التاريخية التي نشأت في المدينة قد اعتمدت على الرواية الشفوية كرواة الحديث. والخبر التاريخي عمدته السماع من الموثوق بهم من الحفاظ، وهذه هي طريقة الإسناد، وكل جيل يستمد من الذي قبله. والأسانيد مبالغة عند الباحثين تاريخياً، ومنهم من يراها مبالغة محمودة. ورواة الخبر على التتابع أو السند عنصر الخبر الأول، وعنصره الثاني النص أو المتن الذي يرى ابن خلدون أن ينصب عليه النقد.
عبيد بن شريه الجرهمي وأخبار العربية الجنوبية:
ومع أن وهب بن منبه يدرج في طبقة من طبقات مدرسة المدينة التاريخية عند الباحثين، واعتمد عليه كثير من القدماء أشهرهم ابن إسحاق، فإن هناك من يدرجه في سلسلة عبيد بن شريَّة كتصنيف موضوعي لاهتمامات إخبارية بعينها. وكتابه التيجان يعالج موضوعات ابن شريَّة الثلاث: بداية عمران العالم، والعربية البائدة، وملوك اليمن من لدن يعرب بن قحطان، مع زيادة في الإسرائيليات وأخبار الجزيرة.
والإسرائيليات روايات شعبية في أغلبها، وكان ابن شريَّة يحدث بها في عهد معاوية بمثل حديث كعب الأحبار عنها وعن العربية الجنوبية بقصص أسطوري وشعر منحول على لسان عاد وثمود أصبح من المصادر الأولية للباحثين في التاريخ اليمني. قال الزركلي: إن كرنكو، المستشرق الألماني، كتب له إنه لم يكن في يوم من الأيام هناك شخص اسمه عبيد بن شريَّة، بمعنى أنه هو وأقاصيصه المتأثرة بالإسرائيليات من اختراع القصاصين على حد رأيه.
على أن ما نسب إليه بداية لا تنكر، ذات اتجاه نحو الحياة الجاهلية القديمة وتمجيدها مع اختراعات كثيرة نمت بمرور الزمن وبجهد من أتى بعده، أما التيجان فقد نقله الهَمْداني، صاحب الإكليل، والهَمْداني (ت 334هـ) عالم في اللغة والرياضيات والشعر والأنساب، أفاد البلدانيون، كالبكري وياقوت، من كتابه صفة جزيرة العرب. وتضمن الجزء الثاني من إكليله أحاديث عن آثار اليمن وكنوزها وملوكها، مع إشارة إلى بعض ملاحيات عرب الجنوب ومضر في عهد بني أمية، أما الجزء الأول فاحتوى على قصيدة لنشوان الحمْيري قدم فيها الإكليل بعد أن نقحه.
لم يسلم الإكليل من حشد من الأخبار الأسطورية، وتميزت روح صاحبه بالمباهاة والمفاخرة في نسب اليمن وسلطانها قبل الإسلام. وألمح بعض الباحثين إلى أن يكون ذلك من رد الفعل على مجد النزارية في الإسلام وقريش على وجه الخصوص(12).
ويعد ابن الكلبي من مصادر الهَمْداني في هذه السلسلة التي قد تحسب في تصنيف التاريخ المحلي، أو ذلك الذي ينزع إلى إبراز الهيمنة القديمة للأذواء والأقيال والتبابعة، ودعم ذلك بالمبالغات الإخبارية في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية وظواهر اللغة بالرغم من أن التكتل الكبير للعربية الجنوبية ربما لم يعرف إلا في الإسلام(12).
ولابن الكلبي اهتمام بالأحلاف الجاهلية والمآثر والبيوتات والألقاب والأصنام والأيام والمثالب والبلدانيات. ومع إيغاله في القصص الخيالي وما اتهم به من الكذب والوضع فإن استفادة المصادر منه على اختلاف مشاربها كبيرة جداً، إلا أن الاحتراس من رواياته ينصب على أخباره عن صدر الإسلام، وبخاصة عن الفتنة، لما اشتهر به وأبوه من قبله من نزعة ملِّيّة متطرفة، ولذا قال ابن تيميه: إن ابن الكلبي وأبا مخنف من أهل الوضع والإلحاد، وعنهما نُقل الطعن في الصحابة.
مدرسة العراق التاريخية والإخباريون القدماء :
وإذا كانت قد برزت مرحلة جديدة عند ابن إسحاق والواقدي في التدوين التاريخي فإن مدرسة العراق التاريخية قد تلت المدرسة الأولى في المدينة، وعرف الإخباريون الأوائل في الكوفة والبصرة، كأبي مخنف لوط بن يحيى (ت 147هـ) وهو إخباري من أهل الكوفة واضح النزعة العقدية وله تأليف عن مقتل الحسين، وآخذ الثأر ويقصد به المختار صاحب الكيسانية الخشبية، وتآليف في الردة والفتوح والجمل وصفين ومقتل حجر بن عدي، وكعوانة بن الحكم وهو إخباري كوفي (ت 147هـ) كان على دراية بأخبار الفتوح مع علم بالشعر والأنساب، وقيل أن موقفه كان حيادياً بين الأمويين والعلويين، وتتلمذ على يديه الهيثم بن عدي وهو إخباري مثله لم تهمله المصادر مع ما قيل من ولعه بالمعايب والتأليف بالمثالب. وتتلمذ على يدي عوانة المدائني (ت 225هـ) وهو إخباري أيضا اقترب من أسلوب المحدثين في نقد الروايات.
ومن إخباريي الكوفة محمد بن السائب الكلبي (ت 146هـ) اختص بدراسة الأنساب، وورث عنه ابنه هشام ابن الكلبي (204هـ) المتقدم ذكره هذا الاهتمام. وظهر من أهل هذا العلم الزبير بن بكار وأبو اليقظان النسابة.
وعرف من بين الإخباريين في الكوفة سيف بن عمر (180هـ) وهو عراقي معتدل، كما يقول محب الدين الخطيب، وقد أخذ عن شيوخ الكوفة كما أفاد من الروايات المدينة، وله كتاب عن الفتوح والردة ومسير على وعائشة حققه الدكتور قاسم السامرائي وظهر بطبعته الثانية حديثا.
المؤرخون :
ويأتي بعد الإخباريين الأوائل المؤرخون، وقد اهتم الطبري منهم بالإسناد وتسلسل الرواة شأن الإخباريين. ثم تحررت الكتابة التاريخية من هذه الطريقة إلى الكتابة المرسلة، وظهر هذا واضحاً جليا عند اليعقوبي (ت 284هـ) والمسعودي (346هـ) اللذين اكتفيا بالإشارة إلى المصادر مع دراسة نقدية في بعض الأحيان كما فعل المسعودي في مروج الذهب.
طريقة التأليف وصور المادة التأريخية:
على أن التحرر من الإسناد قد رافقه وأتى بعده تطور في الطريقة والأسلوب في فن الكتابة التاريخية. وحتى منهج الكتابة الذي كان يعتمد على ذكر الأخبار حسب السنين، وهو ما يعرف بالحوليات، اتجه إلى التأكيد على أهمية القيمة الخبرية للحادثة ومراعاة تتابع عناصرها لاستيعاب الموضوع بعدم تجزئة الواقعة. وكان الطبري في مقدمة أصحاب الحوليات. أما ابن الأثير، وهو ممن أفاد منه، فقد حاول التخلص من ربط الحوادث بالسنيين، وإن كان قد سار عليه بأن عنون للموضوعات وتخلص من الإسناد محافظة على وحدة الحادثة الواحدة.
وفي هذا المنهج أيضا طريقة أخرى وهي التأليف حسب الموضوعات، وعلى هذا النويري (732هـ). والتاريخ حسب الموضوعات إمّا تاريخ للأسر الحاكمة والدول والعهود كما فعل الدينوري في الأخبار الطوال، أو تاريخ حسب الطبقات مثل تصنيف ابن سعد وأبي يعلى.
والمادة التاريخية تتنوع صورها بين تاريخ عالمي عام كالطبري واليعقوبي وآخرين كمسكوية وابن العبري والثعالبي، وبين تاريخ محلي وطني كتأريخ السلامي عن ولاة خراسان وتأريخ طيفور عن بغداد وابن حيان عن الأندلس وابن العديم عن حلب.
علاقة الحديث بالتأريخ:
وفي علاقة الحديث بالتأريخ يلاحظ أن على رواية الحديث تبنى الأحكام وتقام الحدود، فهي تتصل مباشرة بأصل من أصول التشريع وهو السنة النبوية. ولذلك فإن ثقات المحدثين وضعوا رواة الحديث في موازين دقيقة بقدر الإمكان وعرفوا كل راوٍ: تاريخه وسيرته، ووضعوا من أجل هذا قواعد للجرح والتعديل.
وبحث المحدثون كيحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وابن أبي حاتم الحنظلي في الرواة وهل تلاقى الراوي والمروى عنه، وبينوا مقدار درجة كل راوٍ من الثقة. وليس الأمر في التاريخ كشأن الحديث، وموضوعاتهما مختلفة. وكما نظر ابن خلدون في النقد التاريخي وأن التمحيص يجب أن ينصب على نص الحادثة فإن المتكلمين بالغوا في محاولة إخضاع الحديث لحكم العقل وعرضه بالعلل الكلامية.
والإخباريون ضعفاء في مجملهم عند المحدثين منذ محمد ابن إسحاق، وللمحدثين شروطهم في المجال المشار إليه، وقواعدهم في مجال النقد الحديثي لازمة لدقته، ومع قرب الإمام الشافعي منهم فقد انتقده بعضهم كابن معين وابن عبد الحكم في طريقة الرواية.
على أن المحدثين أنفسهم زكوا كثيراً من الإخباريين في مجال التاريخ ونقلوا من أخبارهم. وما يظهر من اتباع منهج المحدثين في النقل عن الإخباريين لم يلتزم به من يدعي اتباعه، وإنما أراده للتأكيد على جزئية خاصة وليس منهجاً عاماً. وإذا خدم غرضه بهذا المنهج اعرض عما سواه، ومن يشنع على سيف بن عمر، على سبيل المثال، لا يطلب في أبي مخنف وابن الكلبي جرحاً ولا تعديلاً ولا يسأل عن رواة ولا إسناد.
تحدث باحث عن شبث بن ربعي فحمل عليه بشدة ولم يكلف نفسه عناء النظر في طرق الرواية وصاحبها. وشبث معدّل عند المحدثين. وخبر هذا الباحث عن شبث عن طريق ابن الكلبي، وبهذا تفضح الازدواجية في التطبيق كثيراً من أساليب من يطلبون الجرح والتعديل في سيف وحسب.
سيف بن عمر أحد الإخباريين الأوائل:
وسيف اعتَمَد عليه، كما يقول محقق كتابه، الدكتور السامرائي، كثيرٌ من المؤلفين سواء كانوا من المؤرخين أو أصحاب المعاجم. بل وحتى أصحاب كتب الحديث، كالذهبي وابن حجر وابن عساكر والطبري، وهو عند الذهبي وابن حجر عمدة في التاريخ وإخباري عارف. واعتمد الطبري على روايته في الفتنه مستشنعاً رواية الواقدي، وكذا فضلها ابن كثير وهو من أصحاب الأثر، وترحم على سيف صاحبها.
وسيف من رجال الترمذي، وفضلاً عن رواية الترمذي عنه ورواية ابن حزم عنه أيضا فإن كثيراً من المحدثين رووا أحاديث تتشابه مع أحاديث سيف في النص وتختلف معها في الإسناد، وردت هذه عند البخاري ومسلم والدارمي وأحمد بن حنبل وابن ماجة والنسائى، وضرب الدكتور السامرائى لهذا أمثله كثيرة. وصحح الدارقطني اسم زهرة بن حوّية السعدي قاتل الجالينوس في القادسية نقلاً عن سيف وقال: إن قول سيف أصح. وقد ورد في بعض المصادر جوية بالجيم المعجمة.
وقال السامرائى، بعد أن أشار إلى عدد من المصادر والمراجع عن سيف منها بحث لأحمد عادل كمال بعنوان "سيف بن عمر الراوية الأشهر للفتوحات الإسلامية"، أن ابن قانع وابن شاهين وابن ماكولا وابن عبد البر وابن حجر صححوا مراراً وتكراراً أسماء أصحاب الفتوح اعتمادا على مرويات سيف، وأن جل الأحاديث النبوية التي وردت عند سيف موجودة بأسانيد مختلفة وطرق متشعبة في كتب الحديث المختلفة، وأن على الباحث الجاد أن يستقصي دون هوى يعمي أو رأي مذهبي يغوي.
سبب الحملة على سيف:
ومما تشير إليه بعض الدراسات أن سبب الحملة على سيف من بعض المتأخرين هو حديث سيف عن السبئية. وقد يكون هذا حقاً لو كان سيف لم يُسبق إلى الإعلان عنها. والذي سبقه هو أبو مخنف الذي أفصح فيما نقل عنه البلاذري عن أن ابن سبأ هو عبد الله بن وهب الهَمْداني الذي كان يناقش عليا في أصعب أيام حياته عن رأيه في أبي بكر وعمر وأن عليا كتب كتاباً بقيت منه نسخة عند هذا الهَمْداني فحرفها.
وإلى هذه الرواية أشار طه حسين ونايف معروف وسليمان العودة وجميل المصري نقلاً عن البلاذري، ومصدرها الأول هو أبو مخنف وهو متقدم على سيف.
وأشار أبو مخنف قبل سيف، فيما نقل عنه الطبري، إلى السبئية تاريخاً ومعتقداً؛ فقال عن الكيسانية أنها السبئية، وذكر قول شبث عنها وتشنيع المغيرة بن شعبة عليها في ثورة حجر منسوبة إلى رائدها وعقلها المدبر الذي عرّف أبو مخنف باسمه واسم أبيه وكنيته ومعتقده. وفيما عدا خبر أبي مخنف عن السبئية وسدنة كرسيها أيام المختار فإن المصادر التي أشارت إليها منذ أيام الفتنة على اختلاف مشاربها المذهبية أشهر من أن تذكر.
ومن الدارسات الحديثة قام الدكتور يوسف العش بإعداد بحوث في محاضرات وكتب عن الفتنة؛ ففحص الروايات الواردة عنها فحصاً علمياً دقيقاً خرج منه بأن سيفاً أتى بقصة الفتنة من مصدر حيادي مطلع فجاءت قصة منسجمة مع الروايات الموثوقة فدخلت في عدادها مفسرة موضحة مفصلة مقبولة، وأنها رواية تاريخية بما للكلمة من معنى. واستبعد العش روايتي أبي مخنف والواقدي بعد بحث ودراسة ونظر في سبع روايات أخرى من الأخبار المقطعة.
وأشار إلى نتيجة العش، وأفاد منها، وربما أضاف إليها آخرون من الباحثين، كنايف معروف الذي قارن بين الهَمْداني رأس النحلة السبئية وابن وهب الراسبي الزعيم الأول للخوارج، وكأحمد عرموش والعودة وخالد الغيث. ونشر السامرائى عنه وعن سيف بحثاً باللغة الإنجليزية، وستصدر دار أمية دراسة متكاملة في ضوء المصادر التاريخية وكتب الفرق والملل والأهواء والنحل خاصة بسيف الذي هو عند المتحاملين عليه خارقة عظمى من الخوارق العجيبة، ركبوا عليه مجموعة من الأهواء والميول المتناقضة التي من المحال أن تستقيم في شخص رجل واحد.
وعمد أشد المتحاملين عليه فجعل بني أُسيِّد قومه كلهم مختلقين مع آخرين، وصدّر بأسمائهم كتاباً عن الاختلاق والانتحال. وصدر بعده كتاب عن الشعراء الإسلاميين للدكتورين القيسي وحاتم الضامن افتتحاه ببني أُسيِّد الذي يزعم المتحامل وهو الكشميري العسكري أن لا وجود لهم.
وورد في كتاب الفتنة لسيف، جمع أحمد عرموش "أنه كان للفتنة ووقعة الجمل أعمق الأثر، بدأ الخلاف سياسياً وانتهى مذهبياً فانقسمت الأمة إلى فئات بأسها بينها شديد تتبادل الطعون حتى التكفير… وأدى التعصب إلى ندرة الروايات الصحيحة لتاريخ تلك الحقبة… وهذا الكتاب، كتاب سيف، من أقدم الكتب التي تناولت هذه الموضوعات ومؤلفه أكثر مؤرخي تلك الحوادث حياداً وموضوعية."
الهوامش :
1) تميم تقول: ورّخ، وقيس تقول أرّخ.
2) السيد عبد العزيز سالم، التأريخ والمؤرخون العرب.
3) مأقط يوم لبني أسد على كندة اليمانية قتلوا فيه حَجْرا والد امرئ القيس الشاعر.
4) البسوس بنت منقد السعدية خالة جساس قاتل كليب، وإليها تنسب وقائع الحرب بين ابني وائل: بكر وتغلب.
5) جبلة في عالية نجد بين تميم وذبيان من جهة وبني عامر وعبس من جهة أخرى.
6) وفي مقابل هذا النقد التاريخي من ابن خلدون لأخبار اليمن فإنَّ ابن سلاّم الجمحي في كتابه طبقات فحول الشعراء أهمل جميع ما ينسب إلى اليمن من الشعر على اعتبار أنه من المصنوع المنحول.
7) عمر فروُخ، تاريخ العلوم عند العرب.
8) تقسيم العرب إلى عاربة ومستعربة فرية مبتدعة، وقد بينت هذا في موضوع "فَدَك وأمكنة أخرى"، المنشور في هذه المجلة في عددها الثالث.
9) عماد الدين خليل، دراسة في السيرة النبوية.
10) يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن قبائل العرب لم ترتد بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، وإنَّما الذي ارتد هم الصحابة!
11) أحمد أمين، ضحى الإسلام.
12) سالم محل، المنظور التاريخي.
13) إحسان النص، العصبية القبلية.
أهم المراجع الحديثة(1)
د. إبراهيم شعوط، أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ.
د. إحسان النص، العصبية القبلية وأثرها في الشعر الأموي.
أحمد أمين، ضحى الإسلام.
أحمد عرموش، مقدمة كتاب "الفتنة ووقعة الجمل" لسيف بن عمر.
د. خالد الغيث، مرويات سيف بن عمر.
د. سالم محل، المنظور الحضاري.
د. سعد زغلول عبد الحميد، في تاريخ العرب قبل الإسلام.
د. سليمان العودة، عبد الله بن سبأ.
د. السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العربية.
د. طه حسين، الفتنة الكبرى.
د. عبد العزيز الدوري، التاريخ والمؤرخون العرب.
د. عماد الدين خليل، دراسة في السيرة النبوية.
د. عمر فروخ، تاريخ العلوم عند العرب.
د. قاسم السامرائي، مقدمة كتاب الفتوح والردة ومسير علي وعائشة لسيف بن عمر.
د. نايف معروف، الخوارج.
د. نوري القيسي وحاتم الضامن، شعراء إسلاميون.
د. يوسف العش، الدولة الأموية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أثبتنا هنا أسماء أهم المراجع الحديثة، أماّ المصادر القديمة فقد وردت الإشارة إليها في صلب الموضوع.
http://www.adabihail.gov.sa/maga.php?verid=5&secid=189


التصنيفات
تاريـخ,

فى أصول التاريخ العثمانى / أحمد عبد الرحيم مصطفى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


فى أصول التاريخ العثمانى / أحمد عبد الرحيم مصطفى

الحجم : 12.31 MB

http://www.mediafire.com/?f1i7fi1sssvf8wz


التصنيفات
تاريـخ,

دراسات في الحضارة / د. لويس عوض

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


دراسات في الحضارة / د. لويس عوض

الحجم : 5.9 MB

http://www.4shared.com/get/yMsOsh5Y/____–__.html


التصنيفات
تاريـخ,

موسوعة أعلام المغرب 10 أجزاء كاملة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موسوعة أعلام المغرب..الجزءان الاول والثانى

الحجم :18.6 MB

http://www.4shared.com/get/5JPFpJfZ/____.html

موسوعة أعلام المغرب..الجزءان الثالث والرابع

الحجم : 21.9 MB

http://www.4shared.com/get/luDxXFJ7/____.html

موسوعة أعلام المغرب..الجزءان الخامس والسادس

الحجم : 17 MB

http://www.4shared.com/get/8IF7cC8_/____.html

موسوعة أعلام المغرب..الجزءان السابع والثامن

الحجم : 17.5 MB

http://www.4shared.com/get/igu62i8m/____.html

موسوعة أعلام المغرب..الجزءان التاسع والعاشر

الحجم : 15 MB

http://www.4shared.com/get/RNQ6u1Bu/____.html


التصنيفات
تاريـخ,

تاريخ اوروبا الحديث 1453-1848 المقرحى، ميلاد أ.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تاريخ اوروبا الحديث 1453-1848 المقرحى، ميلاد أ

الحجم : 13.36 MB

http://www.mediafire.com/?bp6xa5vyiasp9h5


هايل ياشباب شكرآ جزيل

التصنيفات
تاريـخ,

أزمة التـاريـخ الإسلامي سببها الاستشراق

أزمة التـاريـخ الإسلامي سببها الاستشراق



عبد العظيم الديب .. أستاذ الفقه والأصول بجامعة قطر


20/01/1431 الموافق
05/01/2010


ـ أخطر آثار تشويه التاريخ هو القضاء علي النموذج العلمي الناجح لتطبـيق الإسلام .

ـ تاريخنا مغيب منذ ما يسمي "بعصر النهضة" .. ومشكلته أنه يُكتب في إطار فكرة مسبقةـ

الأزمات التي تحيط بالأمة الإسلامية في العراق وفلسطين وأفغانستان وغيرها كثير ، حالت دون اضطلاع المسلمين بدورهم الحضاري الذي كلفهم إياه ربهم في كتابه "كنتمً خّيًرّ أمَّةُ أخًرجّتً للنَّاس" ( آل عمران: 110) ، وشواهد التاريخ تقول : إن الاحتكام للعقيدة والشريعة الإسلامية كان أساس نهضة الأمة وريادتها ، ولكن حقائق كثيرة تعرضت للتشويه ، وثوابت أصيلة نالها الطعن ، وتجنى عليها الأبناء قبل الأعداء.. فماذا نحن فاعلون ؟ للإجابة عن هذا السؤال نستضيف من خلال الحوار التالي: الدكتور عبدالعظيم محمود الديب, أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة جامعة قطر, وأبرز المهتمين بتاريخ الأمة الإسلامية ، حيث حقق جميع أعمال إمام الحرمين الجويني في نحو 21 مجلدا, علاوة علي كتاباته التاريخية والفقهية التي تحرر الكثير من المغالطات والشبهات التي تثار حول الفكر الإسلامي.. فكتب (المستشرقون والتاريخ الإسلامي – المستشرقون والتراث – جنوب السودان وصناعة التآمر ضد ديار الإسلام – لغة القرآن ماذا يراد بها – التبعية الثقافية – الغزالي وأصول الفقه – العقل عند الأصوليين – علم اختلاف الفقهاء – القوميات.. ما وراءها – الحوار والتعددية في الفكر الإسلامي – جمع السنة وتصنيفها بواسطة الحاسب الآلي – الكمبيوتر حافظ عصرنا…)

وإلى تفاصيل الحوار:

في البداية ما رأيك في المطروح من الكتابة التاريخية الآن؟

أستطيع أن أقول : إن صورة التاريخ الإسلامي في أذهان الأمة الإسلامية عامتها ومثقفيها وعلمائها ودعاتها (ولا استثني إلا من رحم ربك) صورة مشوهة بمعني أنها ممزقة, وعبارة عن نتف ومزق, لا تكوّن صورة كاملة ذات معالم وملامح ناطقة ، بل هي مزق متنافرة تعطي إحساسا بالنفور من التاريخ , بل لا نبالغ إذا قلنا : إنها تكوّن عاطفة كراهية لدى الكثيرين.تعليم_الجزائر

ودلائل ذلك كثيرة عندي وتحت يدي, فكثير من العلماء والدعاة والمثقفين تصدر منهم عبارات وجمل تلقي باللوم والتقريع علي تاريخنا وتحمله مسئولية ما نحن فيه من انحدار وضياع وانبطاح.

تشويه التاريخ :

فمثلا حينما يكتب أحد الأدباء مسرحية عن جميلة بوحريد المجاهدة الجزائرية يجعلها ، وهي تئن من تعذيب الفرنسيين لها في السجن تصرخ: " يا إلهي من كربلاء لم يحدث مثل هذا..", وحينما يكتب أستاذ جليل لا أتهمه في علم ولا دين ولا خلق كتابا عن مناهج الفكر في الإسلام ويقول في مقدمته " وفي الأمويين جاهلية جهلاء, وضلالة عمياء.. " إلخ ما قال.

ويكتب كاتب إسلامي عن معركة جوهر دوداييف المناضل الشيشاني مع يلتسين وما أصاب مدينة جروزني فيقول: " رأيت الجحيم ومظاهر القيامة في جروزني.. وقد تقمص يلتسين قميص يزيد بن معاوية بامتياز " وعندي مئات الأمثلة والنماذج من هذه.

فهذه الأمثلة تشهد بورودها على ألسنة المثقفين والعلماء والإسلاميين بأنهم يكادون – حيث لا يشعرون – يبررون هذه الجرائم التي نعيشها ، فإذا كان هذا قد حدث في فجر تاريخنا في القرن الأول خير القرون ، فما بالكم تشكون وتستنكرون أن يحصل لكم هذا الآن ؟

ومن مظاهر التشويه أيضا أنك لا تجد داعية إسلاميًا يحاضر أو يخطب يستدعي من التاريخ أو يستظهر إلا بعهد عمر ، وكأن الأمة المسلمة انقرضت بعد عهد عمر بن الخطاب ، وتبدلت خلقا آخر ، إلا القليل يعود إلي عهد عمر بن عبد العزيز.

كيف بدأ تشويه التاريخ الإسلامي ؟ ومتي ؟

– في الحقيقة أن استدعاء التاريخ دائما ظاهرة صحية لأن النماذج الواقعية أكثر تأثيرا من النظريات والوصايا والعظات , ولكن غُيب عنا تاريخنا منذ زمن ما سمي بعصر النهضة , فأعتقد أنه لم يكن يوجد درس خاص في مناهج التعليم قبل ما يسمي عصر النهضة , ولم يكن يوجد ما يسمي درس التاريخ , فكان هناك التفسير وعلوم القرآن والحديث وعلوم الحديث والفقه والأصول والأدب والشعر واللغة والنحو وعلوم البلاغة, بل وعلم اختراق الآفاق (الجغرافيا) وعلم الهيئة (الفلك) وعلم طبقات الأرض (الجيولوجيا) والكيمياء.. إلخ. أما التاريخ فكان يُقرأ في كتب الإخباريين ، وكانت أول محاولة لوضع فلسفة التاريخ وكتابته هي مقدمة ابن خلدون في القرن التاسع الهجري , لكن منذ بدء تأسيس المدارس علي النمط الغربي ، وبدأت دروس خاصة بالتاريخ وضعت مناهج نسقت وبوبت بعناية بحيث تعطي نفورا ، وتعطي صورة ممزقة للتاريخ الإسلامي ، ثم ساعد على ذلك أيضا وسائل أخرى من وسائل التثقيف ، مثل المقال والمسرحية والتمثيليات ووسائل الإعلام كلها.

الاستشراق :

من خلال قراءة كتب التاريخ , نلمح العديد من آثار كتابات المستشرقين الذين مثلوا المرجع الأساس لكثير من مفكرينا وكتابنا.. فماذا عن دور الاستشراق في هذه المسألة ؟

– المشكلة الحقيقية في كتابة التاريخ أنه يُكتب في إطار فكرة , ويثار علي أنه أحداث تنتهي إلي غاية , وفي البداية كان التاريخ يكتب علي أنه حوليات أو خطط.. أي أن المعيار الذي يمسك وقائع التاريخ لم يكن متعلقا بالفكرة نفسها , وإنما بذكر الأخبار والأحداث دون تحليل أو تفسير مثلما فعل الطبري , وكتاب الطبقات, وكان التاريخ مجرد تدوين للأحداث وتنشيط للذاكرة…

وعندما جئنا نكتب تاريخنا الحديث كان يمكن أن يتحول التاريخ إلي غائي, ولكننا استُعمرنا فكريا وحدث أمران: سيطرة النظر العلماني علي التاريخ الحديث, وسيطرة الاستشراق علي التاريخ الإسلامي.

فالاستشراق حكم علي التاريخ عند كتابته بروحين, بوصفه موضوعيا وليس علمانيا, فالمستشرق يحكم عقله, وعقله إما عقل نصراني لا يفهم الإسلام, ومن ثم يفصل بين الدين والدنيا, ولا يستطيع أن يوصل بين الاثنين ليفهم الظاهرة الإسلامية في واقعها المعيش ، كما أن العقل العلماني يحكم علي الدين بوصفه بيئة للتخلف, فمن ثم الدين الإسلامي – في نظره متخلف لا يعتد به, وبهاتين النظرتين لا نستطيع إيجاد صيغة منضبطة للتاريخ ، هكذا صيغت الثقافة العربية والإسلامية المعاصرة.

ومن هنا وجدنا مثلا كل من قرأ وكتب وجلس علي مقعد الدرس يعرف ويحفظ عن ظهر قلب موقعة الجمل وصفين والتحكيم وكربلاء ومقتل الحسين, علي حين لو سألت خريجا في كلية الآداب قسم التاريخ عن معركة (ملاذ كرد) أو عن (جلال الدين منكبرتي) أشك أن تجده يعرف حتي الاسم وهذه من ضمن المعارك الكبري في تاريخ الإسلام, وبالمثل لو سألت حتي المتخصصين في التاريخ الإسلامي عن عدد الغزوات التي حاول الغرب فيها الوصول إلي مكة والمدينة والهجوم علي الحرمين الشريفين لا تجد خبرا ، فمن الذي وضع هذه الصفحة في بؤرة الشعور ، وطوى تلك الصفحة ؟!.

وما هي أهم انعكاسات تشويه تاريخنا علي واقعنا المعاصر ؟

إن أخطر الآثار لهذا التشويه هو القضاء علي النموذج العلمي الناجح لتطبيق الإسلام, فمعلوم أن المبادئ لا تظهر صلاحيتها وتثبت جدواها إلا بالتطبيق العملي, فكم من فلسفات ومشاريع حينما تُقرأ تجدها مُعجبة رائعة, لكن عند التطبيق تفشل فشلا ذريعا مثل الماركسية مثلا ، فحينما تشوه صورة التاريخ الإسلامي فمعناها عجز الإسلام عن النجاح في التطبيق ، وعدم قدرة المنهج الإسلامي والشريعة الإسلامية علي النهوض بالأمم وصياغتها.

وهذا هو الحادث في ثقافتنا الآن, فتجد الدعاة حينما يسألون كيف ستكون الدولة الإسلامية وإلام تدعوننا ؟ ويواجهون بالصور الشوهاء من التاريخ الإسلامي, تجد الدعاة لا يجدون جوابا, بل يقولون "ندعوكم إلي ما في كتاب الله, وإلي ما صح من سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم, فالتاريخ لا يحكم علي الإسلام, وتصرفات المسلمين لا تحكم علي الإسلام, بل الإسلام هو الذي يحكم علينا".

فيجيب المعاندون قائلين: «إذا فشل وعجز الجيل الأول من الصحابة والتابعين عن تطبيق الإسلام فهل تنجحون أنتم ؟!».

وهذه هي حجج فرج فودة وسعيد العشماوي ورفعت السعيد, وغيرهم من العلمانيين ، ويظل الإسلام مشروعًا نظريًا غير مطبق, ولذلك حينما يدعو الرأسماليون إلي مناهجهم يقدمون أمريكا نموذجا, وحينما يدعو الليبراليون والعلمانيون إلي مناهجهم يقدمون أوروبا نموذجا, وكان الشيوعيون يقدمون الاتحاد السوفيتي نموذجا, أما الإسلاميون فيقال لهم:

إلى أي إسلام تدعون: إلي إسلام عثمان بن عفان الذي أعطي الضوء الأخضر لبني أمية فنهبوا مال الأمة وركبوا رقاب العباد, أم إلى إسلام الأمويين الذين هُدمت الكعبة في عهدهم واستبيحت المدينة وقتل الحسين, أم إلى إسلام العباسيين ومسرور السياف ومباذل هارون الرشيد وأبي نواس (بالرغم من أن أبو نواس لم يلتق بهارون الرشيد نهائيا), أم إلى إسلام الأتراك واستبدادهم وجهلهم, أم إلى إسلام المماليك وفظائعهم, أم إلى إسلام النميري, أم إلي إسلام الخميني ؟!.

ومن مظاهر هذا التشويه أيضا أننا أصبحنا نتحدث عن التقدم والتطور والتنمية وليس أمامنا إلا النموذج الغربي ، وأقصي ما يمكن للإسلاميين أنهم يريدونه لابسًا عمامة الإسلام, أما التقدم والتطور والتنمية بناءً علي واقعنا وفلسفتنا وبما لدينا انبعاثا من واقعنا وماضينا ، فهذا غير وارد حيث تحول صورة التاريخ الشوهاء دونه.

فلولا المشاعر والعواطف السيئة نحو التاريخ الإسلامي لاستطعنا أن نطور نظم تعليمنا ومؤسساتنا الفكرية والثقافية والعلمية والسياسية والإدارية من داخل ثقافتنا وبناءً على واقعنا.

وكيف يقرأ جيلنا الحالي التاريخ الإسلامي ؟

أولا يجب أن نعلم أن الذاكرة التاريخية للأمة هي التي تحميها من الانهيار ، وأمة بدون تاريخ مثل شخص فقد الذاكرة تماما, ونحن للأسف ذاكرتنا التاريخية مشوهة, ولذلك لا نحسن استدعاء التاريخ ، ولا نحسن الاستفادة منه في حماية الحاضر ، وتحقيق الأمل في المستقبل, فالتاريخ في حقيقته هو علم الحاضر والمستقبل.

ونحن متهمون بأننا أمسيون نحاول أن نلجأ إلي التاريخ مع إننا في الواقع نهمل التاريخ, ولم نستطع حتي هذه اللحظة أن نخضع دورتنا الحضارية لدراسة علمية كاملة تتحفظ أولا على أهواء المؤرخين, ثم تحقق الحدث وتسلكه في سياقه التاريخي ، وتستخلص منه العبرة والعظة.

نحن لم نفعل هذا للآن ، وهذا هو أحد الشروط الغائبة لنهضتنا.

في قراءتنا للتاريخ ينبغي أن نعلم أن التاريخ هو صورة للعهود والحقب الماضية, وهذه الصورة تكون صادقة كلما كانت واضحة القسمات بينة السمات, ونستطيع أن نشبه هذا بالصورة الفوتوغرافية التي تقدم لجوازات السفر والبطاقة الشخصية, فهذه الصورة تكون صادقة حينما تقدم الملامح على حقيقتها بشكلها وبحجمها الطبيعي, وليس (الكاريكاتيري) وهذه الصورة هي التي تستخدم وتدل علي صاحبها وحقيقته والتحقق من هويته غالبا ، وهناك صورة أخرى تستخرجها أجهزة المخابرات للجواسيس وأعداء الأمة, فتدقق في الملامح والأنف والجبهة والشعر ، محاولة البحث عن آثار تغيير وتزييف الشخصيات ، وهناك صورة ثالثة تصور الأحشاء من الداخل حينما يحتاجها الطبيب.

فهكذا التاريخ نصور الحقب التاريخية صورة طبيعية تبين أبرز الملامح بحجمها الطبيعي ، ويكتفي بها عامة المثقفين والباحثين , أما الصورة الأخرى التي تصل إلي الدقائق والخبايا والزوايا والأحشاء , فهذه لا يحتاجها ولا يقرؤها إلا المختصون الذين يفلسفون التاريخ ، ويستخرجون منه العظات والعبرة.

وهكذا يجب أن نقرأ التاريخ , أما أن نأخذ في التدقيق في بحث الخبايا والزوايا بحجة الموضوعية ، وحجة أخذ العظة ، ونجعل ذلك صورة للعامة ، فهذا مخالف لطبيعة الأشياء, فليس كل قارئ للتاريخ فيلسوفا تاريخيا.

التاريخ الغربي انتقائي :

ومن يقرأ التاريخ الأوروبي يجد به من الخزايا والرزايا والفظائع ما لو وقع نقطة منه في بحر تاريخنا لنجسته وكدرته ولونته بالسواد, ولكن الغرب استطاع أن يستخرج من هذا التاريخ صورة ذات ملامح ناصعة قدمها لأبنائه, فلم يوجد في تاريخنا مثلا ما حدث في تاريخ إنجلترا حينما غُير مذهب الدولة ورجال الكنيسة ثلاث مرات في نحو عشر سنوات من أجل نزوات الملك هنري الرابع الذي غير دين الأمة من أجل أن يفوز بامرأة, وفي هذه الفترة سالت الدماء ، وأُزهقت الأرواح ، ونُهبت الكنائس ، وقُتل الكرادلة ، ومع ذلك يجد الشاب الإنجليزي والمثقف الإنجليزي في تاريخه ما يفخر به, وقس على ذلك تاريخ الغرب كله.

ولقراءة التاريخ بعين الحاضر والمستقبل علينا أولا أن نعرف كيف نتعامل مع المصادر, فلا نستسلم لكل ما هو مكتوب, فالكثير مما هو مكتوب لا يثبت صدقه عند التمحيص والتدقيق (وأنا هنا لا أعيب الذين دونوا التاريخ, بل إن هذا يحسب لهم لا عليهم ؛ لأنهم دونوا كل ما سمعوه ، وأسندوا لنا الأخبار التي دونوها ، وحمّلونا نحن مسئولية النظر في السند) ومن هنا كان القول المأثور «من أسند لك فقد حمّلك» أي ترك لك واجب التمحيص والتدقيق.

وقد جاء تشبيه هذه المدونات التاريخية علي لسان العلامة محب الدين الخطيب – رحمه الله – تشبيها رائعا ، حيث صورها بأنها تشبه تحقيقات الشرطة التي تدون كل ما تسمع عن الحادث ، وكل ما يأتيها به رجالها ومخبروها, أما التدقيق والحكم فهو بيد القضاء أو النيابة ، فهذا معني قولنا : ألا نستسلم لكل ما هو مكتوب ومسطور في المدونات التاريخية.

وأن ندرك أن هذه المدونات التاريخية, في جملتها تشبه صفحات الحوادث والجرائم في الصفحات المعاصرة, فهذه الصفحات تصور جانبا من المجتمع, أو تصور الجانب المريض من المجتمع ، دون الجوانب الحضارية من بناء وثروة وعمران وعلوم.

وأن التاريخ الإسلامي لا يوجد في ما يسمي كتب التاريخ كالطبري والبداية والنهاية والكامل وغيرها, وإنما يوجد أيضا في كتب الطبقات مثل طبقات الفقهاء علي المذاهب المختلفة ، وطبقات المفسرين ، وطبقات الحفاظ ، وطبقات القراء ، وطبقات الأطباء ، وطبقات الحكماء, وبالجملة الكتب التي تورخ لعلماء المجتمع ومؤسساته الحضارية المختلفة, فهذه مادة خصبة للتاريخ الإسلامي يغفل عنها كثير من الذين يبحثون عن التاريخ ، فلا يقعون إلا على سجلات الحوادث والجرائم.

وعلينا أيضا أن نحسن تفسير الحدث وقراءته ونضعه في سياقه التاريخي ، فهناك حوادث وقعت حقيقة ، ولكنها تفسر تفسيرا خاطئا ، على سبيل المثال: فتح الأتراك مصر والشام في عهد السلطان سليم فهذه حقيقة تاريخية, ولكن الخلاف في تفسيرها ، فقد علمونا أن هذا كان استعمارا تركيا ، واستبدادا عثمانيا لنهب ثروات مصر, مع إن التفسير الحقيقي الصادق هو أن السلطان سليم جاء إلى الشام ثم مصر حينما انهزم السلطان قنصوة الغوري أمام البرتغاليين في معركة كالكوت على السواحل الإسلامية بالهند, وحينما دخل فاسكو ديجاما بجنوده من باب المندب ، ووصل إلى جدة محاولا هدم الكعبة والقبة الخضراء في المدينة ، فوجد السلطان سليم أن من العبث أن يقاتل الأوروبيين في الشمال ويتركهم يلتفون حول البلاد الإسلامية ويدخلونها من وراء ظهره.. هذه هي القراءة الصحيحة للحدث.

وحدث آخر تتضح فيه القراءة الخاطئة والقراءة الصحيحة تماما" ذلك ما درسونا إياه باسم الكشوف الجغرافية, فهذه في الواقع لم تكن حركة كشوف علمية ، وإنما اسمها الحقيقي عند أصحابها الغربيين «الالتفاف حول الشواطئ الإسلامية ، وتطويق العالم الإسلامي» كما سماها توينبي المؤرخ الإنجليزي نفسه, أما نحن فاستخفوا بعقولنا ، وضحكوا علينا وسموها الكشوف الجغرافية.

وعلينا عند كتابة التاريخ أو عرض التاريخ أن نلاحظ المستوى العمري والعقلي الذي ندرس له التاريخ ، فهناك مستوي ينبغي الاقتصار فيه علي الملامح العامة الرئيسية, ثم هناك مستوي بعد ذلك يدخل في شيء من التفصيل, ثم هناك مستوى أكثر تفصيلا إلى أن نصل إلى فيلسوف التاريخ الذي يبحث عن العلل والأسباب ، وليستخلص القوانين والنظريات, فهذا توضع أمامه الصورة كاملة بكل دقائقها.

العدوان على التاريخ بسلاح الموضوعية :

وهل هذه ملامح المنهج الذي تدعو إليه في كتابة أو عرض التاريخ ؟

– الحقيقة أنني أشكو إلي الله هؤلاء الذين أسميهم أدعياء الموضوعية, فهؤلاء باسم الموضوعية يعيدون في أخطاء وعثرات في التاريخ الإسلامي ، وهي موجودة ـ ولا شك ـ فليس رجال التاريخ الإسلامي معصومين, ولكن باسم هذه الموضوعية نجد هؤلاء يعمون عن كل شيء إلا الأخطاء والعثرات, بل لا يدققون فيما يروون ويحكون ، فكثيرا ما يذكرون الأباطيل علي أنها حقيقة ، وإذا ناقشتهم يقال لك: ولماذا نخفي الأخطاء ونكون كالنعام ؟ نحن نريد (الموضوعية)..!! ومثالا لذلك, نفي أبي ذر إلي الربذة , فقد أحصيت نحو مائتي كتاب عن أبي ذر وكلها تتحدث عن نفيه ، وتدور حول عظمة أبي ذر كأنها لا تستطيع أن تثبت عظمة أبي ذر إلا إذا جعلت الآخرين غلاظا قساة ظلمة ينفون هذا الزاهد العظيم , مع إن واقعة النفي هذه لم تحدث ، وهي محض كذب واختلاق, وعندي دليل قاطع وهو حديث رواه البخاري عن أبي ذر نفسه, حينما سئل عن واقعة النفي فقد نفاها أشد النفي ، ولكن مازال هؤلاء (الموضوعيون) يرددونها.

ومن هنا أقول: لا يمكن أن نخفي الحقائق إطلاقا, فنحن نعلم أننا لا نكتب تاريخا لملائكة, وإنما نكتب تاريخا لبشر, وكل بني آدم خطاءون, فأبدًا لا أدعو إلي إخفاء الحقيقة, ولكن علينا أن نلتزم بضابطين: أن نتأكد أنها حقيقة بالأسلوب والمنهج العلمي. وأن نضعها في سياقها ولا نقطعها عما قبلها وما بعدها ، ونذكرها مجردة عن أسبابها ودوافعها وما يحيط بها ، ثم ينبغي أيضا أن ننظر إلى المستوى العمري والعقلي الذي يقدم الموضوع.

ما تقييمكم للجوانب الفكرية للتيار الإسلامي المعاصر في ضوء خبرتكم التاريخية ؟

ينبغي على جميع العاملين في الحقل الإسلامي أن يتأكدوا أن الخطوط متوازية وليست متقاطعة, فالجماعة التي تعني بالعمل الاجتماعي الخيري جهدها مقبول معروف غير منكور, والجماعة التي تعني بالعمل السياسي الإسلامي ، أو تعنى بكل ذلك تصب في نفس المجال ، وجهدها مشكور مقدور ، وعلى كل العاملين في الحقل الإسلامي أن يفسح بعضهم لبعض ، ولا يعوق بعضهم عمل بعض ، ولا ينتقص بعضهم عمل بعض ، فالحقل الإسلامي يسع كل العاملين, بل إنني أدعو الإسلاميين جميعا إلي التعاون الكامل مع كل التيارات المخلصة العاملة للأمة من قوميين, بل وعلمانيين ما داموا لا يسعون إلى إقصاء الآخر واستئصاله, وليعلم الجميع أنهم كلهم في خندق واحد, فليقبل الإسلاميون من بعضهم بعضا, ومن القوميين ومن العلمانيين ما دامت الوجهة كلها نحو إنقاذ الوطن والأمة.



التصنيفات
تاريـخ,

التاريخ الأوروبي الحديث من عصر النهضة إلى الحرب العالمية الأولى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التاريخ الأوروبي الحديث من عصر النهضة إلى الحرب العالمية الأولى / عبد العزيز نوار – محمود محمد جمال الدين

الحجم : 16.5 MB

http://www.4shared.com/get/qogyngHI/_________.html


التصنيفات
تاريـخ,

معجم المصطلحات والألفاظ التاريخية / مصطفى عبد الكريم الخطيب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


معجم المصطلحات والألفاظ التاريخية مصطفى عبد الكريم الخطيب

الحجم : 9.45 MB

http://static.scribd.com/docs/l0p61z1uvcht5.pdf


التصنيفات
تاريـخ,

موسوعة 1000 مدينة اسلامية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موسوعة 1000 مدينة اسلامية

الحجم : 10.66 MB

http://www.4shared.com/get/Fx9PsXcu/_1000__.html