التصنيفات
علم الاجتـماع

بحث حول المنهج المقارن


المقدمــــــة
المقصود من المنهج الطريفة التي يتبعها العقل في دراسة موضوع ما للوصول إلى قانون عام أو مذهب جامع أو هو فن ترتيب الأفكار ترتيبا دقيقا بحيث يؤدي إلى كشف حقيقة وقد تعددت منها مناهج البحث العلمي تبعا لتعدد جوانب الدراسة فمنها التاريخي الذي يفسر الوقائع التاريخية وتحدد أسبابها الحقيقية ومنها الوصفي الذي يدرس الظاهرة بجميع خصائصها وأبعادها ومنها المقارن الذي هو موضوع بحثنا فما مفهوم المقارن ؟ ما هي مراحله ؟ وما هي علاقته بالعلوم الأخرى؟
المبحث الأول
المطلب الأول: تعريف المنهج المقارن
أ/لغــــة: هي المقايسة بين ظاهرتين أو أكثر ويتم ذلك بمعرفة أوجه الشبه وأوجه الاختلاف
ب/اصطلاحا:هي عملية عقلية تتم بتحديد أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بين حادثتين اجتماعيتين أو أكثر تستطيع من خلالها الحصول على معارف أدق وأوقت نميز بها موضوع الدراسة أو الحادثة في مجال المقارنة والتصنيف يقول دور كايم:« هي الأداة المثلى للطريقة الاجتماعية» وهذه الحادثة محددة بزمانها ومكانها وتريخها يمكن أن تكون كيفية قابلة للتحليل أو كمية لتحويلها إلى كم قابل للحساب وتكمن أهميتها في تمييز موضوع البحث عن الموضوعات الأخرى وهنا تبدأ معرفتنا له
المطلب الثاني: شروط المقارنة
كما يمكننا بواسطة المقارنة الوصول إلى تحقيق دراسة أو في وأدق في ميدان المقارنة والتطبيقية لتحقيق مقارنة سليمة يجب توافر شروط الحكم هذه العملية الذهنية
– يجب أن لا ترتكز المقارنة على دراسة حادثة واحدة وإنما تستند المقارنة إلى دراسة مختلف أوجه الشبه والاختلاف بين حادثتين أو أكثر .
– أن يسلط الباحث على الحادثة موضوع الدراسة ضوءا أدق وأوفى يجمع معلومات كافية وعميقة حول الموضوع.
– أن تكون هناك أوجه شبه وأوجه اختلاف فلا يجوز مقارنة ما لا يقارن.
– تجنب المقارنات السطحية والتعرض من الجوانب أكثر عمقا لفحص وكشف طبيعة الواقع المدروس وعقد المقارنات الجادة والعميقة.
– أن تكون مقيدة بعاملي الزمان والمكان فلا بد أن تقع الحادثة الاجتماعية في زمان ومكان نستطيع مقارنتها بحادثة مشابهة وقعت في زمان ومكان آخرين .
المطلب الثالث: مراحل أنواع المقارنة
للمقارنة 4 أنواع هي:
1/ المقارنة المغايرة: وهي المقارنة بين حادثتين اجتماعيتين أو أكثر تكون أوجه الاختلاف فيها أكثر من أوجه الشبه.
2/ المقارنة الخارجية: وهي مقارنة حوادث اجتماعية مختلفة عن بعضها.
3/ المقارنة الداخلية: تدرس حادثة واحدة مثال البطالة أثناء الثورة قد يكون راجع إلى ضعف النشاط الحربي أو الهجرة السكان أو تجمعهم في السجون والمحتشدات.
4/ المقارنة الاعتيادية: وهي مقارنة بين حادثتين أو أكثر من جنس واحد تكون أوجه التشابه بينهما أكثر من أوجه الاختلاف.
مراحل المنهج المقارن
لا يختلف اثنان في كون المنهج المقارن كغيره من المناهج يمر في دراسته بمراحل تذكرها:
1/ وإثبات وجود الحادثة الاجتماعية وعلى الباحث أن يتحلى بروح العالم الفيزيائي والكيميائي بمعنى أنه يجب عليه أن يعتبر تعينا خلال البحث الحوادث الاجتماعية أشياء فيتناولها من الخارج.
2/ تصنيف مختلف السمات والخصائص و العناصر كل في إطارها لتحديد جملة من المفاهيم.
3/ ثم عليه بعد ذلك أن يكشف العلاقات الثابتة أي القوانين بين الحوادث الاجتماعية التي أقامها فيتحاشى التفسير بالعلل الغائبة ولا يعتمد ألا التفسير بالعلل الفعالة ويجب أن يبحث عن علة الحادثة الاجتماعية في الحوادث الاجتماعية السابقة فيفسر الحادثة محادثة أخرى.
4/ ولكي يتحقق من الغرض الذي يقدمه لتفسير الحادثة الاجتماعية يجب عليه أن يعمد إلى تحليل الشرح المعلومات ومعرفة أسباب الاختلاف والمادة التي يجمعها قصد للحصول إلى قانون سليم
المبحث الثاني
المطلب الأول: المنهج المقارن وعلم الاجتماع
لقد رأينا أن التاريخ يهتم بالحوادث الماضية من حيث هي حوادث خاصة ويبحث عن أسبابها في حدود معينة من الزمان والمكان أما علم الاجتماع فإنه يتجاوز الحدود المكانية والزمانية، ويطلب العلاقات العامة الثابتة بين الحوادث التي تقع في المجتمعات عبر الزمان والمكان وتتمثل هذه العلاقات العامة الثابتة (أي القوانين) في وحدة العادات والمعتقدات لدى مختلف الأمم المتباعدة في الزمان والمكان عند وحدة الشروط الاجتماعية بحيث يمكننا أن تقول أن الشروط الاجتماعية المتماثلة تحدث ظواهر اجتماعية متماثلة (أي المؤسسات والأخلاق والمعتقدات التي تظهر في فئة بشرية) يستعين العالم الاجتماعي في تحقيق الفروض بالتاريخ المقارن فيتناول المجتمعات في أمكنة وأزمنة مختلفة فيلاحظ كيف أن الظاهرة المعينة تتغير تبعا لتغير ظاهرة أخرى معينة ومن هنا فمنهج علم الاجتماع هو منهج مقارنة بالدرجة الأولى يعتمد على الإحصاء والخطوط البيانية لتأخذ شكلا رياضيا وتأخذ مثال ذلك ظاهرة الانتحار الذي درسه دور كايم للكشف عن العلاقة الثابتة بين النسبة للمنتحرين والحالة المدنية والذين ونمط العيش فتبين له أن الانتحار بين المتزوجين وهو عند المتزوجين الذين لا أولاد لهم أرفع منه عند المتزوجين وأن البروتستانين ينتحرون أكثر من الكاثوليكيين….الخ فاستخلص من هذه المعطيات الإحصائية قانونا اجتماعيا مؤداه « أن الانتحار يتناسب عكسا مع درجة الاندماج في المجتمع الديني والمجتمع العائلي والمجتمع السياسي »
المطلب الثاني: المنهج المقارن وعلم السياسة
لقد ساعد المنهج المقارن بشكل كبير في تطور علم السياسة فقد استخدمه العديد من الدول ومن أهمها اليونان من أجل المقارنة بين الأنظمة السياسية لمدنها وذلك لتبني الأنظمة المثلي فقد قام أرسطو بمقارنة 158 دستور من دساتير هذه المدن واعتمد في ذلك على مبدأ الضرورة القائم على أساس أن لكل دولة خصوصياتها.
كما نجد مونتسكيو الذي صنف الأنظمة إلى جمهورية ملكية، دستورية وإستبداية وأكد في مقارنته أن تصنيفه يقوم على أساس الممارسة الفعلية التي تتم داخل النظام فالجمهورية في نظره هي التي تسود فيها العدالة والقانون وتصان فيها الحريات الخاصة والعامة، أما ميكا فيلي ميز في مقارنته بين 3 أصناف من الدول – الدولة التي يحكمها ملك واحد
– الدولة الأرستقراطية وتحكمها أقلية النبلاء 3 الدولة الديمقراطية وهي التي ترجع فيها السيادة للشعب.
المطلب الثالث: منهج المقارن وعلم القانون
لقد عرف القانون المقارن تطورا معتبرا خلال القرن 19 بتأسيس جمعية التشريع المقارن بباريس سنة 1869 حيث تهتم دراسة القانون المقارن بمقارنة قوانين بلدان مختلفة لأجل لمعرفة أوجه الشبه و أوجه الاختلاف بين هاته القوانين كما يعمل على تفسير مختلف فروع القانون.
فقد استعمل ماكس فيبر المنهج المقارن لدراسة المبدأ الذي تقوم عملية ممارسة السلطة في المجتمع وقد قارن وميز بين 3 أنواع من السلطات.
وهي السلطة الكاريزماتية والتي يمارسها أشخاص تكون لهم قدرات ذهنية وشخصية كبيرة وخارقة يخضع لها المحكومين.
السلطة التنفيذية: وهي السلطة التي تستند في أحكامها على العادات والتقاليد والأعراف السائدة في بلد معين.
السلطة القانونية: وهي السلطة التي يستمد فيها الحاكم شرعيته من القانون وهي السلطة التي تعمل بها المجتمعات المتقدمة.
الخاتمــــــة
رغم أن المقارنة كمنهج قائم بذاته حديث النشأة ولكنها قديمة قدم الفكر الإنساني فقد استخدمها أرسطو وأفلاطون كوسيلة للحوار في المناقشة قصد قبول أو رفض القضايا والأفكار المطروحة للنقاش كما تم استخدامها في الدراسات المتعلقة بالمواضيع العامة كمقارنة بلد ببلد آخر إضافة إلى استعماله في المواضيع والقضايا الجزئية التي تحتاج إلى الدراسة والدقة.
كما أسهمت الدراسات المقارنة بالكشف على أنماط التطور واتجاهاته في العظم الاجتماعية.
قائمــة المراجـــع

* د/ قباري محمد: إسماعيل / مناهج البحث في علم الاجتماع
منشأة المعارف بالإسكندرية
* د/ محمود يعقوبي: الوجيز في الفلسفة. طبعة 1973.

منقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل كما وجدته


التصنيفات
علم الاجتـماع

دور نظام المعلومات تسيير الموارد البشرية في تحسين التسيير في المؤسسة

مقدمة عامة أ – د
الفصل الأول : مفاهيم و مبادئ اساسية لإدارة الموارد البشرية 05- 23
مقدمة الفصل الأول 05
المبحث الأول: مقدمة في إدارة الموارد البشرية 06
المطلب الأول : التطور التاريخي لإدارة الموارد البشرية 06
المطلب الثاني : مفهوم إدارة الموارد البشرية 11
المطلب الثالث: أهداف إدارة الموارد البشرية 14
المبحث الثاني : إستراتيجية الموارد البشرية 16
المطلب الأول : مفهوم إستراتيجية الموارد البشرية 16
المطلب الثاني : أهمية الموارد البشرية الإستراتيجية و أهدافها 18
المطلب الثالث : أبعاد إستراتيجية الموارد البشرية 20
خاتمة الفصل الأول 23
الفصل الثاني : نظام معلومات تسيير الموارد البشرية 24-58
مقدمة الفصل الثاني 24
المبحث الأول : مفهوم وهيكلة نظام معلومات الموارد البشرية 25
المطلب الأول : مفاهيم حول نظام معلومات الموارد البشرية 25
المطلب الثاني : هيكلة نظام معلومات الموارد البشرية 29
المبحث الثاني: إنشاء وتشغيل نظام معلومات الموارد البشرية 39
المطلب الأول: إنشاء نظام معلومات الموارد البشرية 39
المطلب الثاني : تشغيل نظام معلومات الموارد البشرية 41
المبحث الثالث: نظام معلومات البشرية و أثره على التسيير الفعال في المؤسسة 46
المطلب الأول: أهمية الموارد البشرية و مدى فعاليتها في العملية الإنتاجية 46
المطلب الثاني: استخدام نظام المعلومات في تقييم الأعمال و تحديد نظام لدفع الأجور. 49
خاتمة الفصل الثاني 58
الفصل الثالث : الجانب التطبيقي 59-75
مقدمة الفصل الثالث 59
المبحث الأول: ماهية المؤسسة 60
المطلب الأول: التعريف بالمؤسسة 60
المطلب الثاني: الهيكل التنظيمي للمؤسسة 61
المطلب الثالث: دراسة الموارد البشرية في المؤسسة 63
المبحث الثاني: دراسة حالة 64
المطلب الأول:تحليل أسئلة المقابلة 64
المطلب الثاني : تحليل الاستمارات 66
خاتمة الفصل الثالث 75
خاتمة عامة 76-77
قائمة الجداول 78
قائمة الأشكال 79
قائمة المراجع 80-81
قائمة الملاحق 82
قائمة الجداول :
الرقم العنوان الصفحة
01 أنواع التدريب 36
02 توزيع الأفراد حسب النشاط 66
03 توزيع الأفراد حسب المستوى التعليمي 66
04 توزيع الأفراد حسب الأقدمية 67
05 توزيعات الأفراد حسب المستوى التكنولوجي 67
06 توزيعات الأفراد حسب مضاعفة استعمال التكنولوجيا 68
07 توزيعات الأفراد حسب العمل التكنولوجي 68
08 توزيعات الأفراد حسب تأثير التكنولوجيا على تسيير الموارد البشرية 69
09 توزيعات الأفراد حسب نوع الإجابة (بالسلب أو الإيجاب) 69
10 توزيعات الأفراد حسب الإجابة بنعم أو لا 69
11 توزيعات الأفراد حسب الإجابة 70
12 توزيعات الأفراد حسب التكوين الإلكتروني 70
13 توزيعات الأفراد حسب حجم مكانة التكنولوجيا 70
14 توزيعات الأفراد حسب استعمالهم للتكنولوجيا 71
15 توزيعات الأفراد حسب استعمال الانترنت 71
16 توزيعات الأفراد حسب اثر نظام المعلومات 71
17 توزيعات الأفراد حول تجهيزات الاتصال و المعلوماتية 72
18 توزيعات الأفراد حسب التأثير التكنولوجي 72
19 توزيعات الأفراد حسب الدور التكنولوجي في المؤسسة 73
20 توزيعات الأفراد حول الأعطاب في أجهزة المعلوماتية 73

قائمة الأشكال:
الرقم العنوان الصفحة
01 مراءات غدارة الموارد البشرية 13
02 نشاطات و أهدف الموارد البشرية 15
03 نظام معلومات الأفراد لاتخاذ القرارات 26
04 هيكلة نظام معلومات الموارد البشرية 29
05 هيكل تنظيمي لإدارة الموارد البشرية 31
06 الهيكل الأجري 32
07 تصنيف أنواع الحوافز 35
08 يوضح الموارد كأساس لتحقيق الميزة التنافسية 47
09 التمثيل البياني للهيكل التنظيمي للمستشفى “محمد بوضياف” بالمدية 62

مقدمة عامة:
في عصر المنافسة الحادة و المتغيرات المتعاظمة و التطورات التقنية الهائلة، تكون المؤسسة في وضعية صعبة، حيث لا يكفي الأداء العادي لمواجهة التغيير و المنافسة و تطلعات الزبائن المتزايدة و من الواضح ألا تستطيع أي مؤسسة مهما كانت إمكانياتها أو قدراتها المحافظة على موقعها التنافسي بالعودة إلى نفس مستوى الأداء و الركون إلى نفس الأساليب التقليدية و هذا ما يدفعها إلى تحسين أدائها إلى درجات متعالية تتفوق بها على المنافسين و ترقى إلى المستوى العالمي، لأن أداء المؤسسة يعرف دائما على أساس تحسين القابلية التنافسية أي تحسين النتائج.
تمتلك المؤسسة العديد من الموارد التي تستخدمها لتحسين مستويات الأداء و من ثم تحقيق أهدافها لكن الموارد الأكثر أهمية و أكثر تأثير هي الموارد البشرية و التي تعتبر الثروة الأولى و الجوهرية للمؤسسة وأحد العوامل الأساسية للأداء، حيث تسمح للمؤسسة بالبقاء و الاستمرار و النمو ضمن بيئة غير مستقرة وأسواق متقلبة ومنتجات أكثر تعقيدا وجد متنوعة و بالإضافة على صعوبة إرضاء الزبون و تحقيق المستوى الأعلى من الإنتاجية والفاعلية وبذلك تعتبر هذه السياسة (تحسين الأداء) هي سياسة عامة للمؤسسة، حيث يسود الاقتناع بضرورة تفعيل الموارد البشرية من القيادات العليا إلى المستويات التنفيذية في كل مجالات النشاط، فالمورد البشري يمثل جميع العاملين في المؤسسة وعلى اختلاف مستوياتهم و مؤهلاتهم و أدوارهم.
بدون المورد البشري لا يمكن أن ينشأ أو يكون تنظيم، لذلك اهتمت المدارس الإدارية جميع العصور وحتى الوقت الحاضر بهذا المورد فقامت بتحفيزه وتنمية قدراته ورصد المعرفة الكامنة لديه، و عملت على تهيئة البيئة الداخلية والخارجية لكي يؤدي الأعمال والأنشطة الموكلة إليه بأفضل كفاءة لديه فهو الذي يقوم بترتيب وضبط واستغلال مختلف الموارد و الإمكانيات المادية والفنية و المالية والتكنولوجية التي تمتلكها المؤسسة، كما انه يعمل على توزيع الأدوار و يحدد السلطات و يفوضها و يشرف على النشاطات و المهام فهو المورد الذي بدونه لا يمكن أن تتحقق الأهداف.
و هذا ما دفع المؤسسة إلى الاهتمام أكثر بشؤون الموارد البشري كون هذا العنصر يملك طاقات و قدرات لا تمتلكها الموارد الأخرى، تتميز المؤسسة عن بعضها و تؤدي إلى تحقيق النجاح فيها و تحسين الأداء، و يتطلب تحقيق ذلك توفير إدارة تهتم باحتياجاتهم و رغباتهم و يمكن دور هذه الإدارة في تهيئة البيئة المناسبة للعمل و الاهتمام بالمورد البشري و تحفيزه لبذل أقصى مجهود لديه، و يساهم بشكل إيجابي في تحسين أداء المؤسسة و ذلك بفضل استعمال سياسات و تقنيات و برامج تعليمية مختلفة تخدم المؤسسة و الفرد، تتمتع هذه الإدارة بالمكانة و القيمة، و السلطة والخبرة الكافية للقيام بأعمالها على أحسن وجه، و هذا الرفع من فعالية تسيير الموارد البشرية.
لقد أصبحت الموارد البشرية أحد أهم العوامل التنافسية نجاعة في المؤسسة الأمر الذي أعطاها بعدا استراتيجيا في إدارتها، مما جعل وظيفة الموارد البشرية تتحول من إطارها التسيري إلى دورها الإستراتيجي لأن الدور التقليدي للمورد البشري لم يعد كافيا لتحقيق المؤسسة التمييز التنافسي و هذا ما تطلب إدارتها وفق منظور استراتيجي ما يدفع إلى حشد طاقات و أنشطة الموارد البشرية بغرض مساعدة المؤسسة لتحقيق أهدافها، حيث تتضمن عملية الإدارة الإستراتيجية للموارد البشرية تقييم المهارات المطلوبة لتشغيل المؤسسة ويفرض التحكم في جودة الموارد البشرية وتوظيف المعرفة الكامنة فيها، بسبب ارتكاز أداء المؤسسة عليها.
كما تواجه المنظمات الاقتصادية العديد من التحديات نتيجة ما يشهده عالم الأعمال من تطور سريع و عميق في مجالات عدة سواء اقتصادية، اجتماعية، سياسية تنعكس بشكل أو بآخر على هذه الأخيرة و تجعلها في صراع دائم مع محيط يتميز بمنافسة شديدة، ليس بالضرورة لتحقيق تقدمها و ازدهارها ولكن غالبا حفاظا على بقائها وكان صلب هذا التطور في مجال تكنولوجيا المعلومات و ما سايره من تغير في المفاهيم و ظهور لموارد جديدة أصبح لزاما على المنظمة التحكم فيها واستغلالها على أحسن وجه لتحقيق رقيها و على رأسها مورد المعلومات الذي يعتبر موردا استراتيجيا في عملية تسيير المنظمة، كما انه يتطلب فعالية و كفاءة في التعامل معه، لا تتحقق إلا بتوفر تكامل وتجانس بين جميع مستويات المنظمة و بين كل أنظمتها الوظيفية.
تتكون المنظمة من عدة نظم وظيفية تعمل في تناسق تام و ذلك من خلال ضمان فعالية كافة العمليات و الأنشطة والسيطرة على الكم الهائل من المعلومات الناتج عنها من جهة و تزويد المسيرين بمعلومات دقيقة في الوقت و بالشكل المناسب لاتخاذ القرارات الملائمة من جهة أخرى بهدف تحقيق الأهداف المسطرة من طرف الإدارة .
أولا: الإشكالية :
و بناءا على ما تقدم يكن التعبير عن الإشكالية بالتساؤل التالي:
ما هو دور نظام معلومات نسير الموارد البشرية في تحسين فعالية التسيير في المؤسسة؟ وعليه إشكالية البحث تتمحور حول التساؤلات الجزئية التالية:
1- ما مدى أهمية العنصر البشري في المؤسسة؟
2- ما هي مكونات نظام معلومات تسيير الموارد البشرية و ما أثره على التسيير الفعال في المؤسسة ؟
3- ما مدى فعالية تسيير الموارد البشرية العاملة في مستشفى ” محمد بوضياف” بالمدية أي ظل نظام المعلومات؟
ثانيا : فرضيات البحث :
للإجابة على التساؤلات السابقة و التي تمل إشكالية البحث قمنا بصياغة الفرضية العامة التالية :
يساهم نظام معلومات تسيير الموارد البشرية في تحسين فعالية التسيير في المؤسسة بشكل كبير و ذلك من خلال ممارسته داخل المؤسسة و تطبيقه على مختلف الوظائف و الذي يهدف بدوره إلى ترشيد العنصر البشري في المؤسسة.
يمكن أن تنطوي تحت هذه الفرضية العامة الفرضيات الجزئية التالية:
1- يعتبر العنصر البشري المحدد الأساسي الإنتاجية ضمن متغيرات أو عوامل عديدة تؤدى إلى تكامل في تحقيق زيادة واضحة في الإنتاجية.
2- يقتضي نظام معلومات تسيير الموارد البشرية إتباع أساليب وطرق علمية تتسم بالنجاح و الفعالية و في هذا الصدد يعتبر تحليل الأعمال و تخطيط القوى العاملة، و الاختيار، و التعيين و التدريب و التحفيز و تقييم الأداء إحدى أهم وظائف إدارة الموارد البشرية و التي تساهم في تحسين الإنتاجية.
3- لا تخضع وظيفة الموارد البشرية في المؤسسة إلى نظام المعلومات بشكل كبير.
ثالثا: أهمية البحث:
تستمد هذه الدراسة أهميتها من خلال النظرة المتزايدة للموارد البشرية من جهة و دور نظام المعلومات داخل المؤسسة من جهة ثانية و بصفة عامة فإن أهمية بحثنا تظهر في العناصر التالية :
1- الأهمية التي يكتسبها هذا الموضوع نظر للوضع الراهن الذي تمر به المؤسسات الجزائرية و التي تستدعي الاهتمام بالموارد البشرية كمحدد أساسي لنجاح أو فشل المؤسسات و لاسيما في ظل العولمة
2- أهمية نظام المعلومات و تأثيره على اقتصاديات المؤسسة في تحسين الربحية و تنمية القدرة التنافسية و رفع معدلات الأجور للقوى العاملة.
3- إن استهداف نظام المعلومات في المؤسسات بصفة عامة، و المؤسسات الجزائرية بصفة خاصة يمكن إحداثه بتفعيل نمط إدارة الموارد البشرية، و توجيه الأداء البشري نحو مستويات أفضل.
رابعا: محددات الدراسة:
من اجل الإحاطة بإشكالية البحث و فهم جوانبها المختلفة حددنا مجال دراستنا في مايلي:
المجال المكاني: اختصر المجال المكاني الذي اخترناه للقيام بالدراسة الميدانية على المؤسسة الإستشفائية بالمدية ” محمد بوضياف” و التي سوف نقد م لها تعريفا في الجزء التطبيقي من هذه الدراسة و تعتبر المؤسسة محل الدراسة من أهم المؤسسات على مستوى الولاية.
المجال الزماني: بغية الإحاطة بإشكالية البحث و الوصول إلى النتائج و استنتاجات علمية تثبت أو تنفي صحة الفرضيات، فضلنا اختيار الفترة الزمنية تقدر بشهرين.
خامسا: صعوبات البحث:
لقد واجهتنا صعوبات و مشاكل عديدة عند إعداد هذا البحث ، سواء تعلق بالجانب النظري أو الجانب التطبيقي. وهذه الصعوبات يمكن حصرها في مايلي:
 صعوبة الحصول على المراجع المتعلقة بجوهر الموضوع
 أغلبية المراجع التي عالجت الموضوع تعتبر قديمة نسبيا
 صعوبة الحصول على المعلومات من المؤسسة محل الدراسة
سادسا: المنهج المستخدم في البحث:
للإجابة على إشكالية هذا البحث و إثبات أو نفي صحة الفرضيات استخدمنا المنهاج الوصفي التحليلي و منهج دراسة الحالة، إذ يعتبر أن من أكثر المناهج موافقة مع هذا الموضوع في :
– الجانب النظري : اعتمدنا على المنهج الوصفي التحليلي الذي يسمح لنا بفهم مدى مساهمة إدارة الموارد البشرية في تحسين نظام المعلومات.
– الجانب التطبيقي: تم اعتماد على منهج دراسة حالة من أجل إسقاط الدراسة النظرية على واقع المؤسسة الإستشفائية متخذين مؤسسة محمد بوضياف بالمدية نموذجا لذلك.
سابعا: هيكل البحث:
للإجابة على الإشكالية محل الدراسة و التأكد من صحة الفرضيات ، قمنا بتقسيم هذا المبحث إلى ثلاث فصول، فصلين نظريين و يحتويان على:
الفصل الأول: نتعرض فيه إلى مفهوم إدارة الموارد البشرية و مراحل تطورها و أهدافها كما تطرقنا إلى إستراتيجية الموارد البشرية ( من حيث المفهوم، الأهمية، و الأهداف و الأبعاد).
الفصل الثاني: مخصص لدراسة دور نظام معلومات تسيير الموارد البشرية في المؤسسة و سوف نتطرق فيه إلى توظيف القوى العاملة، و التدريب و كيفية تحديد نظام فعال للأجور، ثم نتطرق إلى إنشاء و تشغيل نظام معلومات لموارد البشرية.
الفصل الثالث: و يظم كذلك:
مدخل تمهيدي و هو مخصص للتعريف بالمؤسسة محل الدراسة، ثم نتطرق فيه لعرض دور نظام المعلومات بالمؤسسة محل الدراسة، و محاولة تقييم مدى فعاليته في تحقيق ذلك، و قد تعرضنا فيه إلى توظيف اليد العاملة، الأجور، الحوافز، وأخيرا تقييم أداء الأفراد.

الفصل الأول :
المقدمة: الفصل الأول:
تعد إدارة الموارد البشرية من أهم الإدارات الوظيفية في المنظمة وأكثرها حساسية كونها تتعامل مع أهو وأحرج عنصر من عناصر الإنتاج أكثر موارد المنظمة عرضة للتأثر بالتغيرات البيئية الداخلية لبيئة المنظمة، والتغيرات البيئة الخارجية، البيئة العامة و الخاصة و يتفق أغلب كتاب الإدارة بشكل عام و الإدارات الوظيفية بشكل خاص، بأن المنظمة بإدارة الموارد البشرية وعن طريقها تتمكن من إحراز الكثير من المزايا التنافسية التي تمكنها من مواجهة التحديات البيئة وضمان الاستمرار و البقاء. ورب سائل يسأل، لماذا تلك الأهمية لإدارة الموارد البشرية؟ وكيف نشأت هذه الإدارة وما هو مفهومها و أهدافها؟

المبحث الأول : مقدمة في إدارة الموارد البشرية
– إن إدارة الموارد البشرية وظيفة مهمة و دعامة من الدعامات الأساسية (وظيفة الإنتاج، التوزيع، المالية) التي تقوم عليها أية مؤسسة، و تعتبر هذه الوظيفية فرعا من فروع الإدارة الشاملة التي تهتم بالعاملين و تحفيزهم و رفع روحهم المعنوية و تبقى دائما واقفة لتحقيق أهداف تخدم المؤسسة ومصالح المجتمع.
المطلب الأول : التطور التاريخي لإدارة الموارد البشرية
أهم المراحل التاريخية التي مرت بها إدارة الموارد البشرية من منتصف القرن التاسع عشر حتى وقتنا الحاضر:
المرحلة الأولى : مرحلة العبودية و نظام الرق:
عندما ساد المجتمع الإنساني القديم نظام الرق، كان تعامل المنظمات مع الإنسان والعاملين الذين تحتاجهم العمل كأي وظيفة شراء.
فنظام الرق هو بالأساس، نظام يسمح لإنسان ما أن يشتري إنسانا آخر و يبيعه و يستخدمه كما يشتري ويبيع و يستخدم أية حاجة أخرى، حصانا أو أرضا أو ماكنة أو غيرها.
لذلك، لا تحتاج المنظمة التي تعمل في مجتمع يسوده هكذا نظام إلى وظيفة مستقلة لإدارة الموارد البشرية، فاهتماماته تصحب مشابهة لاهتمامها بشراء أي شيء مادي أخر.
ففي هذه المنظمة، و تعويض، من يموت منهم يحدد، و من دون الحاجة للاهتمام بتعويضهم أو منحهم أجور أو حوافز، أو تطويرهم أو الحفاظ عليهم،… أو غير ذلك من فعاليات، كما لا تحتاج الاهتمام بحقوقهم، حيث ليس لهم حقوق تذكر.
و كلما كان الرقيق أكثر توفرا، كلما انعكس ذلك على ثمنهم، وبالتالي على الحاجة للاهتمام بحسن، استخدامهم.
و لكن، و بالنظر للاختلاف بين الإنسان و الممتلكات الأخرى، لابد و أن دخلت احتمالات تكون روابط نفسية في طبيعة العلاقة بين المالك و الرقيق، مما اقتضى، ضوابط اجتماعية للحد دون تناميها.
علما بأن نظام الرق انقرض، و لأكثر دول العالم، منذ مئات السنين، و لكن بقيت بعض أفكاره إلى فترة أخيرة، أي استمر النظر إلى الإنسان باعتباره مورد متوفر و بدون قيمة أو حقوق تذكر. كما استمر كنظام رسمي في بعض الدول كالولايات المتحدة مثلا. و لكنه كان محصورا بفئة معينة من الأفراد، هم السود الذين تم اختطافهم من إفريقيا لبيعهم في الولايات المتحدة، وكان استخدامهم كقوة عاملة في الزراعة، أما في القطاعات الاقتصادية الأخرى، فقد سادت أنظمة تحترم حرية الإنسان وحقوقه.

المرحلة الثانية : تطور الثورة الصناعية The industrial revolution
لقد تطورت الحياة الصناعية تطورا كبيرا منذ ظهور الثورة الصناعية، فقبل قيام الثورة الصناعية، كانت الصناعات منذ القرن الثامن عشر و ما قبله محصورة في نظام الطوائف المتخصصة، و كان الصناع يمارسون صناعتهم اليدوية في منازلهم مستخدمين في ذلك أدوات بسيطة و قد صاحب ظهور الثورة الصناعية عدة ظواهر أهمها:
• التوسع في استخدام الآلات و إحلالها محل العمال
• ظهور مبدأ التخصص، و تقيم العمل
• تجمع عدد كبير من العمال في مكان العمل و هو المصنع
• إنشاء المصانع الكبرى التي تستوعب الآلات الجديدة
و من جهة إدارة الموارد البشرية، كانت الثورة الصناعية بمثابة البداية لكثير من المشاكل التي تواجهها إدارة المنشآت فبالرغم من أن الثورة الصناعية أدت إلى تحقيق الزيادات الصناعية أدت إلى تحقيق زيادات هائلة في الإنتاج و تراكم السلع و رأس المال، إلا أن العامل أصبح ضحية هذا التطور، فقد كان ينظر إلى العامل باعتباره سلعة تباع و تشترى بعد أن اعتمدت الإدارة على الآلة أكثر من اعتمادها على العامل.
كما تسببه نظام المصنع الكبير في كثير من المشاكل في مجال العلاقات الإنسانية من خلال نشأة كثير من الأعمال المتكررة و الروتينية و التي لا تحتاج إلى مهارة .
المرحلة الثالثة : تطور حركية و ميكانيكية صيانة الأفراد:
في بداية الثلاثينات تغيرت كثير من العوامل السياسية و لتي أدت على ظهور تشريعات و قوانين تتعلق بالأفراد العاملين كتحديد ساعات العمل و الأجور و الاختيار والتعيين ونظام الحوافز وغيرها، كما تبلور دور الدولة في عملية توظيف الوظيفة و تحليل العمل بالإضافة إلى النقابات المهنية التي ظهرت في هذه الفترة و التي كان لها الأثر الأكبر في المفاوضات بين العاملين و أرباب العمل لزيادة الأجور و حل مشاكل العمال و تحسين ظروفهم
المرحلة الرابعة : ظهور حركة الإدارة العلمية Scientisie monogement movement
من بين التطورات الهامة التي ساهمت في ظهور أهمية إدارة الموارد البشرية انتشار حركة الإدارة العلمية بقيادة فردريك تايلور Frederick toylor و التي لقب بأب الإدارة، و قد حدثت هذه الحركة من عام 1890م تقريبا حتى بداية الحرب العالمية الأولى و قد توصل تايلور إلى ما اسماه بالأسس الأربعة للإدارة و هذه الأسس هي :
1- التطور الحقيقي في الإدارة
2- الاختيار العلمي للعاملين
3- الاهتمام بتنمية و تطوير العاملين و تعليمهم.
4- التعاون الحقيقي بين الإدارة و العاملين
و يقصد تايلور بالتطوير الحقيقي، الإدارة أن نستبدل الطريقة التجريبية أو العشوائية في الإدارة (خطأ أو صواب) و التي تعتمد على التخمين و التجربة إلى العامية التي تعتمد على المبادئ و الأسس المنطقية، وتعتمد هذه الطريقة على الملاحظة المنظمة و تقييم و جدولة أوجه النشاط المرتبطة بالوظيفة كي يتم أداؤها في الواقع العملي، ثم تبسيط و اختصار الأعمال المطلوبة اعتمادا على تحليل الحركات اللازمة لأداء العمل و المواد والمعدات المستخدمة أمام الاختيار العلمي للعاملين فيعتبره تايلور الأساسي، في نجاح إدارة الموارد البشرية و يجب أن يتم اختياره بعد تأكد في تأهيله و المناسب و توافر القدرات و المهارات اللازمة لتحمل عبئ و مسؤوليات الوظيفة.
أما عن المبدأ الثالث لإدارة و هو تعليم و تطوير العاملين ، فإن تايلور يؤكد على أن العامل لن ينتج بالطاقة المطلوبة منه، إلا بعد أم يكون لديه الاستعداد للعمل و التدريب المناسب على العمل و ذلك فإن التدريب العامل و تطوير أمر جوهري للوصول إلى المستوى، المطلوب من العمل
و يؤكد تايلور أن التعاون بين الإدارة و العاملين هو الأساس الرابع للإدارة، و يعتقد أنه بإمكان التوقيف بين رغبة العامل في زيادة أجرة و بين رغبة صاحب العمل ( الإدارة) في تخفيض تكلفة العمل، و ذلك عن طريق زيادة إنتاجية العامل، و بحيث يشارك العامل في الدخل الزائد المحقق نتيجة الارتفاع معدل إنتاجيته.
و قد قدم المساعدة لتايلور كل من فرانك جلبرت « Frank Giberth » و هنري جانت « Henry cantt » و قد اضاف جانت بعض الأفكار الجديد حول طريقة دفع الأجور، و التي تعتبر أكثر عدالة عن طريقة tylor كما ان فكرة جانت الخاصة بأعداد جداول، العمل قد حققت فوائد كثيرة عند استخدامها.
و بالرغم من أن تايلور قد أكد على معايير العمل، و تحسين طرق العمل و نظم الحوافز ،إلا أنه قوبل بهجوم و مقاومة عنيفة، و تركز الهجوم على مطالبته العمال، بأداء معدلات انتاج عالية دون أن يحصلوا على اجر مقابل ذلك بنفس، الدرجة و كذلك إهماله للعنصر الإنساني

المرحلة الخامسة : الحرب العالمية الأولى
بقد أظهرت الحرب العالمية الأولى الحاجة على استخدام طرق اختبار الموظفين قبل تعيينهم للتأكد من صلاحيتهم لشغل الوظائف، و من أمثلة هذه الاختبارات ألفا Alpha و باتا Beta وقد طبقت بنجاح على آلاف العمال قبل تعيينهم تفاديا لأسباب فشلهم بعد توظيفهم
و بتطور حركة الإدارة العلمية و تقدم علم النفس، الصناعي، بدأ بعض، المتخصصين في إدارة الموارد البشرية في الظهور في المنشآت للمساعدة في بعض الأمور مثل التوظف و الرعاية الاجتماعية والتدريب و الأمن الصناعي و الرعاية الصحية. و يمكن النظر إلى هؤلاء كطلائع أولى ساعدت على تكوين إدارة الموارد البشرية بمفهومها الحديث.
و في هذه الفترة، تزايد الاهتمام بالرعاية الاجتماعية للعمال، و أنشئت مراكز للخدمات الاجتماعية والترفيهية و التعليمية و الإسكان و يمثل إنشاء هذه المراكز بداية ظهور أقسام شؤون الموارد البشرية و لكن اقتصر عمله على هذه الجوانب السابق ذكرها و كان معظم الأفراد العاملين بأقسام إدارة الموارد البشرية من المهتمين بالنواحي الإنسانية و الاجتماعية.
و قد حدثت تطورات هامة خلال هذه الفترة أيضا حيث أنشئت أقسام موارد بشرية مستقلة، و في حوالي عام 1915 أعد أول برنامج تدريبي لمديري الموارد البشرية في إحدى الكليات الأمريكية المتخصصة، و في عام 1919 تقريبا قامت اثني عشر كلية بتقديم برامج تدريب في إدارة الموارد البشرية و بحلول عام 1920 أصبح مجال إدارة الموارد البشرية متواجدة على نحو ملائم، و أنشئت كثير من إدارات الموارد البشرية في كثير من الشركات الكبيرة و الأجهزة الحكومية.
المرحلة السادسة : ما بين الحرب العالمية الأولى و الثانية
لقد شهدت نهاية العشرينات و بداية الثلاثينات من هذا القرن تطورا في مجال العلاقات الإنسانية، فقد أجريت تجارب هارثون « Hawthorne » بالولايات المتحدة الأمريكية بقيادة لتون مايو« Elton mayo » و قد أقنعت هذه التجارب الكثيرين بأهمية رضاء العامل عن عمله و ضرورة توفير الظروف المناسبة للعمل.
المرحلة السابعة: ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى وقتنا الحاضر
لقد نمت و تطورت إدارة الموارد البشرية في السنوات الحديثة، واتسع نطاق الأعمال التي تقوم بها إدارة الموارد البشرية و أصبحت مسدولة ليس فقط عن أعمال روتينية مثل حفظ ملفات العاملين وضبط حضورهم و انصرافهم بل شملت تدريب و تنمية العاملين و وضع برامج لتعويضهم عن جهودهم وتحفيزهم وأيضا ترشيد العلاقات الإنسانية و علاقات العمل و يتضح ذلك من الوظائف التي تقوم بها إدارة الموارد البشرية في العصر الحديث.
و مازلت الاتجاهات الحديثة في إدارة الموارد البشرية تركز على العلاقات الإنسانية على نواحي، تنفيذية مثال ذلك حفظ ملفات و سجلات العاملين و متابعة النواحي المتعلقة بهم كضبط أوقات حضورهم و أن صرافهم و إجازاتهم، و انعكس ذلك على الدور الذي يقوم به مدير إدارة الموارد البشرية و كذلك الوضع التنظيمي للجهاز الذي يقوم بأداء الوظيفية في الهيكل التنظيمي العام المنشأة.
* و من ناحية أخرى يرى أصحاب وجهة النظر الحديثة، أن إدارة الموارد البشرية تعتبر إحدى الوظائف الأساسية في المنشأة و لها نفس، أهمية تلك الوظائف (الإنتاج، التسويق، التمويل) و ذلك لأهمية العنصر الإنساني، و تأثيره على الكفاية الإنتاجية للمنشأة.
و قد يكون من المفيد في هذا المقام أن تستعرض بعض، تعريفات إدارة الموارد البشرية من، وجهة نظر الكتاب المهتمين بها، و ذلك بهدف الوصول إلى مفهوم موحد و أكثر وضوحا لإدارة الموارد البشرية.
– يعرف فرنشر « French»إدارة الموارد البشرية بأنها عملية اختيار و استخدام و تنمية و تعويض الموارد البشرية العامة بالمنظمة
– كما يعرف Sikula.A إدارة الموارد البشرية بأنها استخدام القوى العاملة داخل المنشأة أو بواسطة المنشأة و يشمل ذلك عمليات تخطيط القوى العاملة بالمنشأة و الاختيار و التعيين، تقييم الأداء، التدريب والتنمية، التعويض و المرتبات، العلاقات الصناعية، تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية للعاملين وأخير بحوث الأفراد
– كما تعرف Marrin.J إدارة الموارد البشرية بأنها ذلك الجانب من الإدارة التي يهتم بالناس كأفراد أو مجموعات، و علاقاتهم داخل التنظيم ،و كذلك الطرق التي يستطيع بها الأفراد المساهمة في كفاءة التنظيم. وهي تشتمل الوظائف التالية، تحليل التنظيم تخطيط القوى العاملة، التدريب و التنمية الإدارية، العلاقات الصناعية، مكافأة و تعويض العاملين و تقديم الخدمات الاجتماعية و الصحية، ثم أخيرا المعلومات والسجالات الخاصة بالعاملين
من ناحية أخرى يعرف Glueck.w إدارة الموارد البشرية بأنها تلك الوظيفة في التنظيم التي تختص، بإمداده بالموارد البشرية اللازمة و يشمل ذلك تخطيط الاحتياجات من القوى العاملة البحث عنها ثوم تشغيلها وتدريبها و تعويضها و أخيرا الاستغناء عنها
و يذكر كل من « Miner.M » « Miner.J » أن الوظائف التنفيذية لإدارة الموارد البشرية تشمل التخطيط التنظيمي و تحليل الوظائف، تخطيط القوى العاملة، تقييم أداء العاملين الاختيار والتعيين التدريب والتنمية الإدارية، إدارة المرتبات و الأجور، الخدمات الصحية و الاجتماعية العلاقات و الاستفادة من نتائج البحوث في علم النفس و علم الاجتماع و علم الإنثرولوجيا (علم التطور التاريخي للأجناس البشرية)، و كان نتيجة ذلك تزايد استخدام اصطلاح العلوم السلوكية و تهدف هذه المجموعة من العلوم إلى دراسة العوامل المحددة للسلوك الإنساني، و يشمل ذلك طبيعة تكوينه النفسي، و الاجتماعي والحضاري و المدخل السلوكي في الإدارة يختلف عن مدخل الإدارة العلمية و مدخل العلاقات الإنسانية ذلك انه أكثر شمولا، حيث أنه يضع في اعتباره جميع الجوانب الخاصة ببيئة و ظروف العمل، و العاملين و أثر على سلوكهم و ينبغي التأكد إلا أن العلوم السلوكية ما هي إلا مجرد أداة لمعاونة الإدارة في الكشف عن دوافع السلوك الإنساني، للعاملين ، و اثر العوامل المختلفة على هذا السلوك و هي بذلك تضيف نوعا من المعرفة الجديدة التي يمكن الاستفادة منها في بعض مجالات إدارة الموارد البشرية، مثال ذلك سياسة الحوافز، و نظم الاتصالات الإدارية و أنماط القيادة والتنظيمات غير الرسمية.
و إذا نظرنا إلى إدارة الموارد البشرية في المستقبل فنجد أن هناك نمو متزايد في أهميتها لكافة المنشات نتيجة للتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية و التكنولوجية و هناك كثير من التحديات التي يجب أن تتصدى لها إدارة الموارد البشرية، و من هذه التحديات الاتجاه المتزايد نحو التوسع في استخدام الأوتوماتكية « automation » و الاعتماد على الحسابات الإلكترونية (الكمبيوتر) في إنجاز كثير من وظائف إدارة الموارد بعد أن كان الاعتماد في انجازها على الأفراد، كما تواجه إدارة الموارد البشرية كثير من الضغوط السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، و كذلك التغير المستمر في مكونات القوى، العاملة على مستوى الدولة من حيث المهن و التخصصات و الجنس.
و من أهم التطورات الحديثة المؤثرة على ممارسات وأنشطة الموارد البشرية المتغيرات العالمية وظهور التكتلات الدولية و ضرورة مراعاة تأثير ذلك الممارسات الدولية السائدة في مجال إدارة الموارد البشرية و من أهم هذه الممارسات ، مجال البحث و الاستقطاب و الاختيار و التعيين و إدارة المبيعات و إدارة المرتبات و الأجور و الحوافز و تقييم أداء العاملين ، و كذلك مراعاة تأثير ثورة الاتصالات و التكنولوجيا و المعلومات السائدة في النطاق الدولي
المطلب الثاني : مفهوم إدارة الموارد البشرية:
لمعرفة إدارة الموارد البشرية و مفهومها عند بعض المفكرين و نميز هنا بين وجهتي نظر مختلفين و هما التقليدية و الحديثة.
• يرى أصحاب النظرة التقليدية أن إدارة الموارد البشرية ما هي إلا نشاط روتيني يشمل الصناعية و الاتصالات.
و يرى « Pigros.p » & « Myres.c » أن إدارة الموارد البشرية عبارة عن القانون أو النظام الذي يحدد طرق و تنظيم معاملة الأفراد العاملين بالمنشأة بحيث يمكنهم تحقيق هواتهم و أيضا الاستخدام الأمثل لقد راتهم و إمكانياتهم لتحقيق أعلى إنتاجية.
كما يرى « Chruden.H » و شيرما « Sherman.A » أن إدارة الموارد البشرية تشتمل على عمليات أساسية ينبغي أداؤها و مجموعة من القواعد العامة يجب إتباعها، و كذلك مجموعة أدوات و أساليب يتعين استخدامها لإدارة مجموعات الأفراد في التنظيم، و المهمة الرئيسة لمدير إدارة الموارد البشرية في مساعدة المديرين في المنشأة و تزويدهم بما يحتاجون غليه من رأي و مشورة متخصصة تمكنهم من إدارة مرؤوسيهم بطريقة أكثر فعالية.
و يعرف Flippo.E إدارة الموارد البشرية بأنها تخطيط و تنظيم و توجيه و مراقبة النواحي المتعلقة بالحصول على الأفراد و تنميتهم و تعويضهم و المحافظة عليهم بغرض تحقيق أهداف المنشاة
و أخيرا يعرف « Grant.J »و« Smith.G » إدارة الموارد البشرية بأنها مسؤولية كافة المديرين في المنشأة و أيضا توظيف كما يقوم به العاملين المتخصصين في إدارة الأفراد
يتباين الكتاب في تحديدهم لمفهوم إدارة الموارد البشرية، فهناك من يستخدم تسمية الأفراد و إدارتهم في المنظمة و يعرف إدارة الأفراد بكونها”تخطيط و تنظيم و توظيف و قيادة ورقابة الأفراد العاملين في المنظمة يدرك من التعريف بان إدارة الأفراد تشتمل النشاطات الآتية :
1) التخطيط: و يتضمن وضع الأهداف و المعايير، تطوير القواعد و الإجراءات وضع الخطط وتوقع الأحداث المستقبلية.
2) التنظيم: تحديد مهمات و أعمال الأفراد العاملين و توزيعهم على الأقسام و منحهم الصلاحيات الكفيلة بإنجاز أعمالهم، علاوة على تنسيق جهودهم لتحقيق أهداف المنظمة
3) التوظيف: تحديد نوع الأفراد المراد تشغيلهم و استقطابهم و اختيارهم علاوة على وضع معايير الأداء و تحديد الأجور والمكافأت و تدريب الأفراد العاملين
4) القيادة: توجيه الأفراد العاملين باتجاه أداء أعمالهم و رفع معنوياتهم و زيادة دافعيتهم للعمل.
5) الرقابة: وضع المعايير التي تعكس، تحقيق الأهداف كمستويات المبيعات و معايير النوعية ومستويات الإنتاج ثم التأكد من أن الأداء الفعلي، يتناسب مع هذه المعايير و اتخاذ الإجراءات الصحيحة عند الضرورة.
التعريف بإدارة الموارد البشرية: يعتبر البشر مورد بالنسبة للمنظمة مثل المباني المخزون أو النقدية في الصندوق وهم بهذا المفهوم يمثلون استثمار، و لكلي تستطيع المنظمة استخدام و استغلال وتنمية هذا الاستثمار فعليها إدارته، بمعنى أنه يتطلب تخطيط و تنظيم و توجيه و تقيم، مثلما يتطلب ذلك استخدام العوامل المادية للإنتاج وفي الواقع يوجد جانب كبير من تحقيقه في تلك المقولة التي تؤكد ” أن البشر هم أهم أصل تملكه هذه المنظمة”
« Pepole are this organization’s mont important asset »
يعتبر البشر المتغير المحوري في كل المنظمات، و الذي بدونه تفقد الأصول المادية قيمتها تماما و يمكن أن تزداد الموارد البشرية في قيمتها، مثلما تزداد قيمة النقود حينما تودع في حساب توفير و يكون هدف إدارة “الموارد البشرية” بالتالي هو التفهم و الاستخدام الفعال للعلاقة بين المورد البشري و المهمة التي يقوم بها والإنتاجية
أن الموارد البشرية، كما سبق القول يجب تخطيطها و تنظيمها و قيادتها و تقييمها بمعنى أنه يجب إدارتها الإجراءات الصحيحة عند الضرورة .
استناد لما سبق، فإن إدارة الأفراد في الإدارة المسؤولية عن تحقيق النشاطات أعلاه للوصول إلى أهداف الفرد والمنظمة .
يستخلص مما سبق بأن إدارة الموارد البشرية في الإدارة المسؤولة عن تمكين المنظمة من بناء مزاياها الإستراتيجية و المحافظة عليها و تطويرها من خلال:
• تخطيط واقعي للموارد البشرية.
• توظيف ملائم للموارد البشرية
• تدريب دقيق للموارد البشرية
• متابعة مستمرة و تطوير للموارد البشرية في المنظمة لتحقيق المراءات الآتية:
شكل رقم(1): مراءات ادارة الموارد البشرية

المصدر: خالد عبد الرحيم الهتممي- مرجع سابق ص 30

يظهر من الشكل بأن إدارة الموارد البشرية و من خلال، إنجازها لمجموعة من الوظائف تستهدف تحقيق نوعين من المراءات هي:
1- المراءات الخارجية: و تتحقق عندما تتمكن المنظمة من التكيف للمتطلبات البيئية
2- المراءات الداخلية: و تتحقق من خلال ملاءمة الفرد مع الوظيفة، الوظيفة مع المنظمة الوظيفة مع الجماعات، الفرد مع الجماعة و الجماعة مع المنظمة
المطلب الثالث: أهداف إدارة الموارد البشرية
إن الهدف الأساسي لإدارة الموارد البشرية هو: تزويد المنظمة بموارد بشرية فعالة و تطوير الأفراد تطوير يلبي رغباتهم و احتياجات المنظمة و ينبثق من هذا الهدف مجموعة من الأهداف في:
1- الأهداف الاجتماعية: أي تطبيق أهداف المجتمع بتشغيل للأفراد حسب قدراتهم مع ما يسمح بالتطور والنمو طبقا لتشريعات و قوانين العمل و العمال، و خلق جو مريح لهم و حمايتهم من الأخطار
– ضمان أن يتوفر للمؤسسة موظفون أكفاء من الناحية الاقتصادية و العملية و التنافسية
– ضمان كون الموظفين يفهمون و ينفذون التزاماتهم تجاه المؤسسة.
– ضمان حقيقة أن المؤسسة تقوم بتنفيذ التزاماتها و مسؤولياتها تجاه الموظفين بصورة صحيحة و توفير ظروف عمل، ملائمة لهم كلما كان ذلك ممكنا.
2- الأهداف التنظيمية : أي تؤدي وظيفتها بشكل مترابط مع بقية الفروع في المنظمة و تقديم النصح والإرشاد فيما يتعلق بشؤون الأفراد في المنظمة
– وضع السياسات و اللوائح العادلة التي تحكم العلاقة بين العاملين و المؤسسة
– التنسيق الكامل مع الإدارات الأخرى في المؤسسة لتحقيق ما يلي:
أ- المشاركة في توضيح كافة اللوائح و التعليمات والسياسيات التي تنتهجها المؤسسة للعاملين.
ب- المساعدة في وضع الحلول المناسبة لكافة المشاكل العمالية.
ج- إبداء النصح و الإرشاد لمدراء الإدارات الأخرى، فيما يتعلق بأعمالهم و اطلاعهم أولا بأول على كافة السياسات الحكومية التي لها تأثير على نشاطات إدارتهم العمالية
د- حث مدراء الإدارات على إتباع نظم السلامة اللازمة لحماية العاملين و ممتلكاتهم
3) الأهداف الوظيفية: قيام إدارة الموارد البشرية بالوظائف الخاصة بها و المتعلقة بالأفراد العاملين في المنظمة وفقا لحاجاتها.
4) الأهداف الإنسانية: أي إشباع رغبات و حاجات الأفراد كونهم عنصرا مهما في العملية الإنتاجية.
– إتباع المعايير و الأساليب الأخلاقية في العمل، و العلاقات الاجتماعية مما يعطي المؤسسة سمعة طبية بين المؤسسات الأخرى
مما سبق يتضح أن أهداف إدارة الموارد البشرية تتمثل في جذب المرشحين و الاحتفاظ بالجيدين منهم و دفعهم للعمل و تعتبر هذه الأهداف خاصة بإدارة الموارد البشرية
للوصول إلى أهداف أعم و اشمل تتمثل بالإنتاجية و نوعية حياة العمل و الإذعان القانوني، و تحقيق الميزة التنافسية و تكييف قوة العمل، للتغيرات البيئية و هذه الأهداف كما يصورها احد الكتاب ترتبط وتتفاعل، فيما بينها لتحقيق غايات البقاء و النمو و التنافسية و الربحية و المرونة و كما يظهرها الشكل التالي :
شكل رقم (2): نشاطات و أهداف الموارد البشرية

المصدر : خالد عبد الرحيم الهتيمي مرجع سابق ص 32.

المبحث الثاني: إستراتيجية الموارد البشرية
المطلب الأول: مفهوم إستراتيجية الموارد البشرية
لقد كان للأعمال استراتيجيات منذ الأيام الأولى للتجارة، و لكن فقط من الستينات أصبح من الشائع تناول الكيفية التي يجب أن تكون عليها الإستراتيجية، فكانت هناك حاجة ملحة إلى إستراتيجية الموارد البشرية، و ذلك مع تفاعل قوى التغيير في وظيفية الموارد البشرية.
أولا : ماهية إستراتيجية الموارد البشرية
إستراتيجية الموارد البشرية هي عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بنظام الموارد البشرية و التي تعمل على تحقيق تكيف نظام الموارد البشرية مع الظروف البيئية المحيطة، و على تدعيم استراتيجيات المنظمة و تحقيق أهدافها الإستراتيجية.
أو هي مجموعة الإستراتيجية والخطط الموجهة لإدارة التغيير في نظام الموارد البشرية و التي تعمل على تدعيم إستراتيجية المنظمة وتحقيق أهدافها الإستراتيجية لمواجهة التغيرات التي تواجه المنظمة في ظل الظروف البيئة المحيطة.
و هناك فرق بين تخطيط القوى، العاملة و إستراتيجية الموارد البشرية فتخطيط القوى العاملة يركز على الوظائف التنفيذية في إدارة الموارد البشرية كتحديد الاحتياجات من القوى العاملة و تحديد الفائض، أو العجز أما إستراتيجية الموارد البشرية فهي جزء من إستراتيجية المنظمة و تتكامل و تتفاعل معها لتحقيق الأهداف الإستراتيجية
إستراتيجية الموارد البشرية اتجاه طويل الأجل، لوظيفية الموارد البشرية في المنظمة إنها تصف انسب الاختيارات لكي تدير المنظمة مواردها البشرية أخذة في الاعتبار النظم العمليات، الموارد و البيئة المتاحة،تمكن إستراتيجية الموارد البشرية المنظمة على أن تبقى كفئ و فعالة في إدارة أفرادها في ضوء بئة العمل المتغيرة إنها مدخل شامل لتغطية المسائل الجوهرية مثل إدارة التغيير (التغيرات البيئية التي تحدث داخل و خارج المنظمة)، بناء الجدار، تغيير الثقافة…الخ.
كثير من المنظمات مدركة الآن هذه الأمور و من ثم تتبنى تركيز استراتيجيا على موضوعات الموارد البشرية.
تشمل إستراتيجية الموارد البشرية التنظيمية حالة الأحداث التغيير،غرض الوظيفة،تعريف العملاء، تصميم المعايير، العلاقات، عملية التحول و المضامين التي تعني أصحاب المصلحة سوف يساعد تعريف العميل والغرض، الشامل للموارد البشرية، في النهاية – رغم الصعوبة التي تكتنف معالجتها على بناء إستراتيجية متكاملة، إن المنظمة التي تحدد بوضوح خصائص فرد المنظمة تمكن و تسهل التحول إلى جدول أعمال للموارد البشرية يقوم على متطلبات العمل
ثانيا: عناصر إستراتيجية الموارد البشرية
1- دراسة العوامل البيئية العامة المحيطة بالمنظمة و بنظام الموارد البشرية
2- وضع أهداف نظام الموارد البشرية بما يدعم الأهداف العامة للمنظمة و يعمل على تحقيقها.
3- وضع الإستراتيجية الخاصة بالموارد البشرية و التي تدعم تنفيذ الإستراتيجية العامة للمنظمة.
4- وضع الخطط الوظيفية و السياسات و البرامج الزمنية الخاصة بنظام الموارد البشرية و التي تدعم تنفيذ الإستراتجية.
5- تقييم إستراتيجية الموارد البشرية و الخطط و السياسات الخاصة بها ومستوى الخدمة ورضا المستفيدين منها

المطلب الثاني : أهمية الموارد البشرية الإستراتجية و أهدافها:
تزداد أهمية إدارة الموارد البشرية بالنسبة للإدارة بصفة عامة، كنتيجة لدورها في توفير ميزة تنافسية للمنظمة وزيادة قدرتها على المنافسة و زيادة إدراكها لمتطلبات البيئة المتقدمة و تكنولوجيا في المستقبل
أولا: أهمية الموارد البشرية للإستراتجية :
فقد وجد الإستراتيجي الشعير مايكل بورتر أن إدارة الموارد البشرية هي المغزى الرئيسي في تحقيق الميزة التنافسية في بعض الصناعات. لذلك فإن عدد كبير من المنظمات الآن ينظر إلى الموارد البشرية كمصدر لتحقيق الميزة التنافسية فقد أصبح هناك أداراك أكبر بأن التميز في المقدرات يتحقق من خلال : مهارات الأفراد المتطورة و الثقافات التنظيمية المميزة، و العمليات و الأنظمة الإدارية،و هذه النظرة الجديدة تناقض التركيز التقليدي على الموارد القابلة للنقل و التمويل مثل التجهيزات و المعدات ولتي يمكن أن يشتريها المنافسون لذلك، هناك تزايد في إدراك إمكانية تحقيق الميزة التنافسية من خلال القوى العاملة ذات الجودة العالية و التي تمكن المنظمات من المنافسة على أساس الاستجابة للسوق وجودة المنتج و الخدمة و المنتجات المتمايزة و الابتكارات التكنولوجية و هذا بدلا من الاعتماد على التكاليف المنخفضة فقط لذلك فإن المسؤوليات الأكبر و الأهمية التنافسية اليوم تكمن في إدارة للموارد البشرية الموجهة إستراتيجيا.
و إلى جانب دور الموارد البشرية في تقديم الميزة التنافسية من خلال جودة القوى العاملة فإن هناك حاجة ضرورية للسيطرة على تكاليف العمالة و التي تزيد من أهمية إدارة الموارد البشرية، فكنتيجة للضغوط الشديدة على الرقابة و السيطرة على تكلفة العمالة زاد إدراك المديرين للآثار المترتبة على الاستخدام غير الفعال للموارد البشرية. فكيفي أن ينظر المديرون إلى استخدام الأفراد في أعمال لا تستغل طاقاتهم المحتملة، أو إلى فقد الثقة،و مقاومة التغيير و العلاقة السيئة بين الإدارة و العاملين، و المشاكل المتعلقة بنقص دافعية الأفراد و ممارسات العمل المتشددة كل تلك الأمور تعد أسبابا رئيسية في انخفاض إنتاجية الأفراد.
و مما يثير الانتباه، أن العائد على الاستثمار في الموارد البشرية أكبر من العائد على الاستثمار في الآلات و المباني. و كنتيجة للفعالية المحتملة للتكاليف، فإن إدارة الموارد البشرية المتطورة يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في الإستراتيجية التنافسية للمنظمة و في تنمية مقدرات متميزة أيضا أدت المشاكل الاقتصادية إلى زيادة أهمية الدور الإستراتيجي لإدارة الموارد البشرية فالمشاكل الاقتصادية و العولمة و التكنولوجي والتغيرات الكبيرة في الخصائص الديمغرافية و الاختلافات في قيم القوى العاملة كل هذا أدى إلى خلق بيئة تتميز بعدم التأكد، وانخفاض القدرة على التنبؤ لذلك فإنه أصبح ينظر على الإدارة الإستراتيجية للموارد البشرية على أنها وسيلة لتقليل اثر عدم التأكد البيئي، لذلك أصبح مألوفا لآن اعتبار إدارة الموارد البشرية جزء متكاملا و ضروريا في تكوين و تنمية الإستراتيجية في عملية التخطيط و كنتيجة لتزايد أهمية إدارة الموارد البشرية كجزء مهم في الإستراتيجية التنافسية للمنظمة فإن المديرين العموميين أصبح لديهم دافعا أكبر الآن لضمان تحقيق تواؤم واتساق الإستراتيجية مع ممارسات وسياسات الموارد البشرية و من أولى التحديات التي تواجهها المنظمة لتحقيق هذا التواؤم هو محاولة إيجاد الإجابة على السؤال التالي:
– ما هي نوعية الأفراد التي تحتاج إليهم لقيادة المنظمة في السنوات القادمة؟
بالرغم من أنه لا توجد نتائج لدراسات تطبيقية للإجابة على هذا التساؤل، إلا أنه من المتوقع تحسن الأداء التنظيمي كنتيجة للتوافق بين الأفراد و الأهداف التنظيمية فقد أكدت بعض النتائج صحة هذه التوقعات حيث وجدت علاقة ارتباط بين الأداء العالي و الإدارة الإستراتيجية للموارد البشرية المتكاملة أيضا، ازداد إدراك قيمة إسهامات إدارة الموارد البشرية في تحقيق نجاح المنظمة على صعيد الأعمال الدولية و لكن قبل تحقيق هذه الإسهامات لابد من تنمية إستراتيجية الموارد البشرية و ربطها بإستراتجية المنظمة ككل
و تعود اهمية الاستراتيجية عند مدراء الموارد البشرية، و انشغالهم لها للأسباب التالية:
– وضع و توضيح مهمة و أهداف المؤسسة
– توجيه عمل الموارد البشرية بنشاط إلى تحصيل التوازن، بين متطلبات المحيط الداخلي للمؤسسة و متطلبات محيطها الخارجي.
– تطوير و تنفيذ القرارات العائدة لخطط وسياسات المؤسسة التي تدخل ضمن صلاحيات إدارة الموارد البشرية
ثانيا: أهداف إستراتيجية الموارد البشرية :
تهيئة القوى العاملة الوطنية و تنميتها لتقوم بإدارة وتنمية الاقتصاد الوطني خلال المدى الزمني للإستراتيجية كما تستهدف الأهداف الفرعية التالية:
1- الحد من العمالة الوافدة و ترشيد عملية استقدامها و استخدامها و قصر العمل في بعض القطاعات والمهن على العمالة الوطنية.
2- تحقيق مزيد من المواءمة بين العمليات التعليمية و التدريبية و احتياجات سوق العمل من القوى العاملة الوطنية.
3- تحقيق التكامل في مجال التخطيط للقوى العاملة و تطويرها.
4- إيجاد قواعد متكاملة لمعلومات سوق العمل تتسم بالشمولية و الحداثة .
5- تحسين ورفع مستوى إنتاجية القوى العاملة الوطنية ومواكبة التغيرات التقنية وتناقش الإستراتيجية إمكانيات تحقيق مزيد من المواءمة بين العمليات التعليمية والتدريبية واحتياجات سوق العمل من القوى العاملة الوطنية الحالية و المستقبلية من العمالة على مستوى الاقتصاد الوطني حسب الأنشطة الاقتصادية و القطاعات والمهن المختلفة و المناطق الجغرافية و التغيرات التقنية.
كما تشير الإستراتجية إلى أهمية مراجعة و تقويم نظم التعليم و التدريب القائمة حاليا و ذلك من خلال التأكد من مواكبة المواد الدراسية للتطبيقات العالمية والتقنية و تطوير أساليب ورفع مستوى المعلمين والمدرسين ووضع معايير واضحة لتقويم أداء الطلاب ومتابعة الخريجين وكذلك تراهن الإستراتيجية على أهمية وضع خطة وطنية شاملة للتدريب تغطي مختلف المجالات والمستويات مع الأخذ في الاعتبار التوازن الإقليمي والاقتصادي والمهني في توزيع المعاهد والمراكز والكليات والاستغلال الأمثل لطاقات المؤسسات التدريبية القائمة والاستفادة من التجارب والتطبيقات العالمية الرائدة في هذا الاتجاه كالتعليم التعاوني على أن تتضمن خططا مرنة للتدريب الفني تعني بإعداد المهارات والخبرات التي يزداد الطلب عليها و تهتم بالتدريب التحويلي و التدريب على رأس العمل
المطلب الثالث: أبعاد إستراتيجية إدارة الموارد البشرية
إن الاهتمام بإستراتيجية إدارة الموارد و أهدافها كان محل دارسة بالنسبة لكل دول العالم مما أدى إلى خلق أبعاد إستراتيجية هامة.
أولا: نظرة شاملة لأبعاد الإستراتيجية: وضعت العولمة المنظمات في غالبية دول العالم في بيئة اقتصادية و قانونية ذات تغير مستمر و سريع فقد أصبحت المنافسة في الأسواق على أوجها، لأنها باتت مفتوحة على مصرعيها في معظم أنحاء العالم، فلم تعد هناك قيودا على حركة دخول السلع و الخدمات لأسواق العالم لقد فرضت هذه الأوضاع ضرورة تكييف المنظمات لإستراتيجيتها و ممارساتها في كافة مجالات العمل فيها (الإنتاج، التسويق الموارد البشرية، نمط الإدارة الهيكل التنظيمي…إلخ) مع هذه التغيرات البيئة و أحد هذه المجالات الذي اجتاح إلى تغيير و تكييف هو عمل إدارة الموارد البشرية فدورها السابق تحت مسمى إدارة الأفراد الذي كان سائدا قبل الثمانينات لم يعد يتوافق مع رياح التغيير التي هبت على اقتصاديات دول العالم و منظماتها، فكان لابد من تغيير دور إدارة الأفراد بمسعى جديد هو إدارة الموارد البشرية (HRM) و بمهمة متطورة متكيفة مع الأوضاع الجديدة فظهرت بثوب و مضمون جديدين، واصح لها إستراتيجية خاصة بها كجزء من إستراتيجية المنظمة تلعب دورا بارزا في تحقيق أهدافها، فإستراتيجية هذه الإدارة تعمل على فهم البيئة الخارجية و الإلمام باتجاهات متغيراتها المؤثرة في نشاط المنظمة، كما تعمل أيضا على فهم بيئة المنظمة الداخلية و متغيراتها الأساسية رسالتها، ثقافتها التنظيمية، فلسقتها الإدارية استراتجياتها، متطلبات العمل فيها…إلخ، هذا الفهم الشامل

للبيئة الخارجية و الداخلية أصبح يمثل أساس يقوم عليه وضع إستراتيجية إدارة الموارد البشرية بشكل يمكنها من مواءمة ممارسات هده الإدارة مع متغيرات البيئة في الوقت نفسه، لقد بات معروفا أن رسالة المنظمة واستراتيجياتها المستقبلية لن تتحقق إلا من خلال إستراتيجية موارد بشرية فعالة، تلي حاجة إدارات المنظمة من الموارد البشرية الصالحة، و المؤهلة و المدربة المحفزة جيدا، من خلال برامج و سياسات تضعها إدارة الموارد البشرية لهذه الغاية.
لقد أصبحت مسؤوليته هذه الإدارة مسؤولية جسيمة، فمطلوب منها وباستمرار تكييف استراتيجياتها وممارساتها مع تغيرات البيئة التي تؤثر في إستراتيجية المنظمة، فحلول المشاكل التي كانت ناجحة في السابق، قد لا تكون كذلك في الأوضاع البيئية المستقبلية، و هذا يستدعي من إدارة الموارد البشرية ابتكار وتجديد مستمر لممارساتها تتماشى مع البيئة و إستراتيجيته المنظمة. أصبح مطلوب من إدارة الموارد البشرية في الوقت الحاضر والمستقبل أن تصمم برامج و تضع سياسات حديثة فعالة تمكنها من استقطاب أفضل الموارد البشرية التي تحتاجها المنظمة من سوق العمل، و تنتقي أنسيبها وتعلمها و تدريبها، وتنميها، وتحفزها، و تزرع لديها الولاء و الانتماء للمنظمة، و تحافظ على سلامتها و صحتها في العمل و هذا كله من اجل خلق قوة عمل فعالة قادرة على انجاز إستراتيجية المنظمة و تحقيق أهدافها فنشاط إدارة الموارد البشرية الإستراتيجي يتغلغل في جميع أنحاء المنظمة، فهي قريبة من المدرين، تمدهم لهم يد العون و المساعدة في تهيئة مرؤوسهم و جعلهم قادرين على تنفيذ المطلوب منهم بأعلى كفاءة.
ثانيا ” تحديد أبعاد الإستراتيجية: سنعمد إلى ما يلي إلى عرض موجز للبعد الإستراتيجي لمهمة و دور إدارة الموارد البشرية:
– أصبح لإدارة الموارد البشرية إستراتيجية خاصة بها وتعد جزءا من إستراتيجية المنظمة، وتعمل بشكل متكامل و متوافق و منسق معها، بشكل تلبي احتياجاتها من العنصر البشري.
– انطلاقا من النقطة السابقة، فعمل إدارة الموارد البشرية عمل استراتيجي يسعد في الاسهام في تحقيق رسالة المنظمة و أهدافها.
– أصبح لإدارة الموارد البشرية و دورها رؤية جديدة معاصرة تتماشى مع اتجاهات التغيير التي سادت العالم في مجالات الإدارة، التسويق، الإنتاج…
– تتوافق ممارسات إدارة الموارد البشرية مع القيم التي تشتمل عليها ثقافة المنظمة التنظيمية.
– هدف إدارة الموارد البشرية الإستراتيجي هو خلق قوة فعالة لديها ولاء و انتماء للمنظمة، و هذا يتطلب عمل استراتيجي على شكل برامج و سياسات في مجال الحفز الإنساني، و توفير مناخ عمل تنظيمي مناسب يمكن الموارد البشرية من العطاء و التطور فمسالة جعل مكان العمل مجيب لنفوس العاملين مسالة إستراتيجية الآن.
– يتوجب على من يعمل في مجال موارد البشرية، أن يكون مؤهلا أكاديميا في هذا المجال، أي أنه إنسان متخصص و محترف في شؤون هذه الموارد البشرية، فلم يعد يسمح بالعمل ضمن هذا المجال سوى للذين لديهم معرفة علمية و خبرة في مجال الموارد البشرية.
– النظر إلى الإنفاق على الموارد البشرية و إداراتها على أنها اتفاق رأسمالي، أي استثمار له عائد كبير.
– تحديث برنامج وسياسات الموارد البشرية باستمرار، لجعلها منسجمة مع الاتجاهات المعاصرة المتعلقة بالمورد البشري، كأحد أهم عناصر مدخلات العمل و نجاح المنظمة.
– لم تنجح إستراتيجية إدارة الموارد البشرية إلا بتعاون كافة المدرين في المنظمة، فمسؤولية إدارة العنصر البشري في العمل مسؤولية مشتركة بين جميع المدرين و خاصة الإدارة الوسطي و المباشرة، المسؤوليتان مباشرة عن وضع هذه الإستراتيجية موضع التنقية لذلك يتوجب وجود تنسيق و تعاون بين مدير إدارة الموارد البشرية و بين كافة المدرين والرؤساء داخل المنظمة.
– أن تتماشى إستراتيجية الموارد البشرية مع الاتجاه المعاصر في إدارة المنظمات الذي يسعى إلى تطبيق نهج إداري شامل، يركز على وجودة الأداء والإنتاج الشاملين لتحقيق الرضا لدى، الزبون الذي هو يسد السوق الآن و اعتبار رضاه هو أساس نجاح و بقاء المنظمة، فهذا الرضا يعني حصة سوقية اكبر و قدرة على المنافسة و قد سمي هذا النهج بإدارة الجودة الشاملة TOTAL QUALITY MANAGMENT (TQM) ، و بالطبع يقع على إدارة الموارد البشرية وإستراتيجيتها دورا و مسؤوليته في تطبيق هدا النهج ذلك لأن المسؤول الأول عن تحقيق الجودة الشاملة التي تخلق الرضا لدى، الزبائن هو العنصر البشري و إدارته، لذلك و تماشيا مع اتجاهات إدارة الجودة الشاملة، أصبح مطلوب من إدارة الموارد البشرية تطبيق مفهوم إستراتيجية الزبون الداخلي (INTERNAL.CUSTOMERS) الذي يعتبر العنصر البشري في العمل و رضاه هو أساس تحقيق الجودة الشاملة التي تولد الرضا لدى الزبون الخارجيEXTERNAL CUSTOMER و لا يكفي التخطيط لتطبيق هذا المفهوم بل المطلوب التعاون مع إدارة المنظمة و مديرها على تفعيله و ممارسته على أسس علمية صحيحة، فإدارة الجودة الشاملة أفعال و ليست أقوال
– العلاقة مع النقابة جزء من إستراتيجية إدارة، و الموارد البشرية، يجب النظر إليها على أنها جهة داعمة لجهودها، و ليست عدوا بالمفهوم التقليدي لذلك يجب التعاون معها لخدمة الطرفين المنظمة و العاملين فيها، و حل جميع المشاكل بينهما و بين المنظمة بروح التآخي.

خاتمة الفصل الأول :
من خلال دراسة هذا الفصل نستنتج أن تسيير الموارد البشرية تهدف إلى تحديد إيجابيات المنظمة من يد عاملة، و العمل على تأهيلها و تطويرها تطويرا فعالا يعود بالفائدة على المنظمة و أفرادها، و كذلك دعمهم و تحفيزهم لتحقيق الأداء المتميز و المتوافق مع الغدارة الساعية إلى تحقيق النتائج المقصودة، فالعنصر البشري ما يملكه من مهارات و قدرات و ما يتمتع به من دوافع للعمل هو العنصر السياسي في زيادة المر دودية و تحقيق الكفاءة و الفعالية. و هذا ما يتم التطرق إليه في الفصل الثاني.

الفصل الثاني :
مقدمة الفصل الثاني:
حقا نحن نعيش في عصر ثورة المعلومات وانفجار المعرفة.عصر القول إلى مجتمعات المعلومات التي تزداد اندماجا بفضل شبكات اتصالات البيانات ،و المنظومات الشبكية للكمبيوتر و البث المباشر أو الانتقائي عبر الأقمار الصناعية ،إلى غير ذلك من التحولات الجوهرية التي جعلت العالم أشبه بقرية كونية صغيرة.
و قد رافقت كل هذه التحولات التي ألغت حواجز الزمان و المكان تغيرات نوعية و جذرية في بيئة الأعمال والمنافسة ،و في السوق الكونية ،فضلا عن التعقيد المتزايد في المتغيرات التكنولوجية والاقتصادية و الاجتماعية والثقافية و الدولية التي فرضت تحديات مختلفة و مستمرة على كل منظمات الأعمال مهما اختلفت أحجامها ،ومواردها ،بغض النظر عن الموقع الريادي أو الحصة السوقية .
في ظل هذا الوضع تزداد أهمية الدور الإستراتيجي لنظم المعلومات الإدارية و ضرورتها انطلاقا من حيوية وأهمية المعلومات كمورد ثمين من موارد كل منظمة ،و من كونها أداة لا غنى عنها لامتلاك أو تحقيق الميزة التنافسية الإستراتيجية المؤكدة ،تطوير و تنمية المنظمة ،تحسين النوعية المستمرة ،الإبداع التكنولوجي ،إعادة هندسة الأعمال ،صياغة و تطبيق إستراتيجيات الأعمال ،و إدارة العمليات بكفاءة وفعالية و تعظيم الإنجاز في كل أنشطة و فعاليات
المنظمة .انطلاقا من هذا يمكن التساؤل عن ما هو أثر نظام المعلومات على تسيير الموارد البشرية ؟

المبحث الأول :مفهوم وهيكلة نظام معلومات الموارد البشرية .
من أهم التطورات الحديثة في مجال إدارة الأفراد هو الإتجاه نحو تصميم وتشغيل نظم للمعلومات تكون أساسا لرسم السياسات و إتخاذ القرارات في كل ما يتصل بشؤون الأفراد
المطلب الأول :مفاهيم عامة حول نظام معلومات الموارد البشرية :
أولا- مفهوم نظام المعلومات : هو أداة إدارية يتم من خلالها تجميع كل البيانات الداخلية و الخارجية ذات الأهمية بالنسبة للإدارة في مجال عمل معين .ثم تنسيق هذه البيانات و تصنيفها و تحليلها و تبويبها بصفة منتظمة وفقا لقواعد وأسس متفق عليها. و تتحول البيانات بذلك إلى معلومات تصلح للاستخدام بواسطة الإدارة المعنية. و يتم تخزين هذه المعلومات سواء بطرق يدوية أو باستخدام الحاسبات الإلكترونية بشكل يسمح بسهولة استرجاعها عند الحاجة إليها. كذلك يسمح النظام بسهولة تعديل المعلومات المختزنة وتجديدها أولا بأول
ويتم تصميم طرق تداول هذه المعلومات بين الإدارات و الأقسام الإدارية المختصة بحسب احتياجاتها الفعلية الأمر الذي يخفض من الوقت و الجهد و التكلفة، و في نفس الوقت يضمن سلامة و دقة القرارات التي يتم اتخاذها.
و نقطة البداية في تصميم نظم معلومات الأفراد هي بطاقة المعلومات التي تعد لكل فرد من أفراد المنشأة بحيث تحتوي على البيانات الأساسية عنه، كذلك تسجل عليها كافة التطورات التي تطرأ على الفرد سواء من الناحية الشخصية أو الوظيفية، مثل الترقية و النقل، و زيادة الأجر و الراتب، و تقارير تقييم الأداء….وغيرها.
و الشكل التالي يمثل التصور العام لنظام معلومات الأفراد الذي يستخدم بواسطة الحاسبات الإلكترونية:

الشكل رقم (3) : نظام معلومات الأفراد لاتخاذ القرارات
رقـــابة

المصدر : مصطفى نجيب شاويش : إدارة الموارد البشرية (إدارة الأفراد)، دار الشروق،1996 ص 166
ثانيا : أهمية نظام المعلومات : تكمن أهميته في
-يمكن الإدارة من مواجهة التحديات بالتخطيط و التنظيم و الرقابة و اتخاذ القرارات
– يوفر للعاملين البيانات و المعلومات المطلوبة و التي تمكنهم من : التفكير بروح المسؤولية، تفهم طبيعة وأبعاد العلاقات الوظيفية و التنظيمية، تفهم النتائج النهائية المطلوبة، تفهم مسؤولياتهم
– كيف نشأت الحاجة إلى تصميم نظم المعلومات الإدارية ؟
المشكلة الأساسية التي تواجه الإدارة: الإدارة أمامها جبال من البيانات و بحار من الأوراق التي تنشأ من البيانات و المعلومات الزائدة عن الحد، و لذلك يثور السؤال التالي: ما هي احتياجات الإدارة من المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات؟
و لا شك أن ذلك يعتبر مدخلا أساسيا إلى تصميم نظم للمعلومات الإدارية التي تمكن من إنتاج التقارير والنماذج اللازمة لممارسة المديرين لوظائفهم .
ثالثا – خصائص نظام معلومات الموارد البشرية:
– كامل الآلية يعتمد أساسا على الحاسبات الإلكترونية المربوطة في شبكات
– متاح للاستخدام المباشر On-line من كافة المسؤولين المعنيين بشؤون الموارد البشرية (كل في حدود صلاحيته)
– منتشر في كافة أرجاء المنظمة مهما تباعدت مواقعها جغرافيا.
– شامل لجميع مكونات الموارد البشرية على اختلاف نوعياتها و مستوياتها
– شامل لجميع معلومات الموارد البشرية مهما تعددت مصادر الحصول عليها، و تجميع تلك المعلومات في ملف واحد بالنسبة للفرد الواحد.
– متداخل بحيث يمكن الوصول إلى المعلومات المطلوبة عن الفرد من كافة الجهات(الإدارات أو الأقسام أو المجموعات) التي يتصل بها في عمله.
– إمكانية إشراك الأفراد أنفسهم في تغذية النظام بالمعلومات المتجددة عن أفكارهم و مقترحاتهم لتطوير العمل، وملاحظاتهم عن المنافسين في السوق و غير ذلك من المعلومات التي قد لا تتوافر الفرص لفرد لتوصيلها بفعالية إلى الإدارة- رغم أهميتها في النظم التقليدية
– شمول النظام كل ما يخص الفرد حتى و لو نشأت المعلومات الخاصة به في مواقع متعددة في المنظمة ، مثل الراتب، الحوافز المستحقة، الإجازات المستخدمة، و رصيد الإجازات المتاح، تعليمات أداء العمل، التغيير في السياسات و النظم التي تريد الإدارة إبلاغها للأفراد.
رابعا – تعريف نظام معلومات الموارد البشرية HRIS :
يمكن تعريف نظم المعلومات الخاصة بالمواد البشرية بأنها ” الإجراءات المنظمة الخاصة لجميع وتخزين و حفظ و استرجاع البيانات الصحيحة و الفعالة عن الموارد البشرية و أنشطة الأفراد و خصائصهم في أي منظمة و بما يدعم كفاءة و فاعلية إدارة الموارد البشرية في إنجاز القرارات الخاصة بالعنصر البشري”
و يتضح من التعريف السابق عدة اعتبارات أهمها:
أ- يعتمد نظام المعلومات البشرية على إجراءات محددة و منظمة و منطقية
ب- يهتم هذا النظام شأنه شأن النظم العامة للمعلومات بجمع و تخزين وحفظ و استرجاع البيانات الصادقة والدقيقة والموضوعية أي ذات الفائدة في تعظيم الأداء البشري.
ج-إن نظام المعلومات المرتبط بالموارد البشرية يهتم بجميع أنشطة العنصر البشري من اختيار و تعيين وترقية ونقل و أجور و حوافز و تخطيط للقوى العاملة و غيرها.
د- إن الهدف النهائي لهذه النظم هو تعظيم و ترشيد عملية صنع و اتخاذ القرارات في أسمى و أغلى ما تملك منظمة من المنظمات ألا و هو العنصر البشري.
هـ- و بمعرفة أن الموارد البشرية تنتشر في جميع أجزاء المنظمة، لذا يمكن القول أن العلاقة تبادلية بين نظم معلومات الموارد البشرية و نظم معلومات مختلف الأنشطة الإنتاجية و التسويقية و المالية و غيرها.
و المنظمات صغيرة الحجم مثل محلات البقالة و التجزئة و المطاعم،قد لا تحتاج إلى نظام معقد أو حتى يعتمد على الكمبيوتر في مجال معلومات الموارد البشرية، أما في المنظمات الكبيرة مثل البنوك والمستشفيات و الجامعات و المصانع فإنها تحتاج إلى نظم آلية و معقدة في مجال المعلومات الخاصة بالعنصر البشري و ذلك لكبر حجم الأفراد و تعدد المستويات الإدارية و تداخل العلاقات التنظيمية وما يترب على ذلك من تعقد نظم التوظيف و الأجور والتعويضات و المكافآت…إلخ.
و يمكن لنظام معلومات الموارد البشرية أن يدعم تخطيط القوى العاملة Manpower planning في المنظمة من خلال التبؤ بالبيانات والمعلومات الخاصة بالعرض و الطلب على العمالة سواء في المجتمع أو على مستوى المنظمة وهذا ويساعد نظام معلومات الموارد البشرية في كثير من الجوانب الأخرى مثل:
– توفير المعلومات عن فرص التوظيف العادلة.
-توفير المعلومات اللازمة لطلبات التوظيف و الاستيداع.
– ترشيد تكاليف تدريب و تحسين الموارد البشرية.
– توفير البيانات الخاصة بظروف و أحوال سوق العمل المحلي و الدولي.
– إمداد حملة الأسهم و أصحاب رأس المال بالبيانات المطلوبة.

المطلب الثاني : هيكلة نظام معلومات الموارد البشرية
يمكن توضيحها على شكل المخطط التالي:
الشكل رقم (4): هيكلة نظام معلومات الموارد البشرية

المصدر : علي السلمي، مرجع سابق ، ص 382.

أولا – الهيكل التنظيمي
نعرض فيما يلي الخطوات التي تمر بها عادة حين تصميم هيكل تنظمي لإدارة محددة
أ- تحديد الأهداف : من المفيد التمييز بين الأهداف العامة أو الإستراتيجية مثل تنمية الوظائف القيادة بالمنشاة، وبين الأهداف الوسيطة مثل تحسين الكفاءة الإنتاجية لمجموعة من الأفراد و بين الأهداف الدقيقة مثل ترشيد استخدام العلاج الطبي للموظفين.
ب-تحديد الأعمال (الأنشطة): يجب أن تتم بعض الأنشطة لكي نصل إلى هذه الأهداف في صورة نتائج إيجابية ملموسة، و بذل النشاط معناه أن شخصا أو أكثر يستخدم آلة أو موردا ما و يطبق قاعدة أو أسلوبا ما في تأدبه مهام و أعباء معنية يترتب عليها حدوث نتيجة أو حدث يكون نقطة أقرب للوصول على الهدف.

جـ- تجميع الأنشطة و تنسيقها: يتم في هذه الخطوة تجميع الأنشطة السابق تحديدها و تقسيمها إلى مجموعة متجانسة أو (متكاملة) حسب أحد أسس التقسيم المناسبة- و نتيجة هذا التجميع تكون قد توصلنا إلى حل لما يسمى بالمشكلة الأفقية في بإنشاء هيكل التنظيم 
د- تحديد المستويات التنظيمية: و تتمثل في
– مهام جديدة تماما لم يسبق القيام بها و لها تأثير يشمل المنظمة كلها أو أجزاء كبيرة منها و لا توجد قواعد مساعدة في اتخاذ قرار بشأنها.
– مهام سبق القيام بها و توجد قواعد عامة مرشدة و معتمدة في التعامل بشأنها و إلا أن طبيعية المهام ذاتها متجددة و متغيرة أو أن ظروف تنفيذها هي المتغيرة.
– مهام عادية الأهمية و ينحصر تأثيرها في محيط ضيق لا يصل إلى باقي أجزاء المنظمة، و تتسم عادة هذه المهام بالتكرار بصفة دورية أو غير دورية.
* ملحقات الهيكل التنظيمي: إن بناء الهيكل التنظيمي حسب الخطوات السابقة ليس نهاية المطاف في إقامة التنظيم الفعلي، بل هناك متطلبات تكميلية لابد من إعدادها حتى يكون الهيكل التنظيمي فعالا، و أهم هذه المتطلبات ما يلي:
– تحديد الاختصاصات.
– تحديد السلطة و المسؤولية.
– تصوير إجراءات العمل.
و فيما يلي الهيكل التنظيمي لإدارة الموارد البشرية
الشكل رقم (5):هيكل تنظيمي لإدارة الموارد البشرية ا

مصدر :علي سلمي، مرجع سابق ص 170.
ثانيا – هيكل الوظائف :
تميل أغلب الشركات إلى تجميع وظائفها العديدة في مجموعات (أو درجات)، و يتم تحديد أجر لكل درجة، و حصل كل الوظائف التابعة لدرجة معينة على نفس الأجر، بدلا من تحديد أجر مستقل لكل درجة، و تختلف الشركات فيما بينها في عدد الدرجات المناسب لها و لكنها تتراوح بين 4 و 25 درجة، و الشائع هو استخدام عدد 10 و 11 و 12 درجة و العناصر التالية تساعد في تحديد عدد الدرجات المناسب:
أ‌- حجم الشركة: الشركات الصغيرة لا تتحمل وجود هيكل وظيفي مكون من عدد كبير من الدرجات بينما تقدر الشركات الكبيرة على هذا.
ب‌- عدد الوظائف: بنفس المنطق السابق ذكره كلما كان هناك عدد كبير من الوظائف أمكن تقسيمها إلى عدد كبير من الدرجات، بينما وجود عدد قليل من الوظائف يجعل من الضروري وجود عدد قليل من الدرجات
ج- سياسة الترقية: إذا أردت الشركة ترقية العاملين من خلال الأجر كنوع من التشجيع و التحفيز وجب زيادة عدد الدرجات.
د- الفرق بين أعلى أجر و أدنى أجر: كلما كان هذا الفرق كبيرا كلما أمكن زيادة عدد الدرجات
هـ- العرف السائد في الشركة و الصناعة: كلما تعود العمال على عدد كبير من الدرجات كلما كان من الصعب تقليله.
تحديد سعر أو اجر كل درجة: إن دراسة خريطة الانتشار الخاصة بالوظائف التي يتم تقيمها تساعد على التعرف على اتجاه التقييم أو اتجاه الأجر و الذي يمكن التعبير عنه في شكل خط الاتجاه العام للأجر mage trend Line ،و يمكن استخدام هذا الخط بشكل تقريبي، أو من خلال طريقة المربعات الصغرى الإحصائية ، في تحديد العلاقة بين قيم الوظائف و بين أجورها و أيضا في تحديد عدد الدرجات و جورها.
الفرق بين الدرجات = نقط أعلى وظيفة – نقط ادني وظيفة
عدد الدرجات
ثالثا : تحديد سياسة الأجور للمنظمة و بناء الهيكل الأجري :
سياسة الأجور: تحدد سياسية الأجور القضايا الرئيسية التالية :
– مستوى أجور المنظمة بالنسبة للسائد في (السوق) سوق العمل.
– موقع عنصر الأجر من مجمل عناصر العوائد التي يحصل عليها الفرد
– الحد الأدنى للأجر و الحد الأقصى له لكل مجموعة أجرية.
هيكل الأجور :
يجب أن يعكس هيكل القيم النسبية للوظائف التي أسفر عنها التقييم، و من ثم يتناول ما يلي :
– اختيار الهيكل الأجري الحالي للوظائف.
– اختيار العدالة الداخلية: العلاقة بين قيم الوظائف و مدلات الأجور.
شكل رقم 6) : الهيكل الأجري

المصدر : على السلمي، مرجع سابق ص 210
– كلما كان شكل الانتشار أقرب للخط المستقيم ، وكلما كانت الانحرافات عن الخط قليلة، كان هذا مؤشرا لوجود عدالة داخلية.
– اختيار العدالة الخارجية : العلاقة بين خط الأجر الحالي، و خط الأجر السائد في سوق العمل
تقسيم الهيكل الأجري إلى شرائح:
1- عدد الشرائح الأجرية قليل هيكل أجري بسيط – فرص أقل للترقية
كبير هيكل موسع – فرص أكبر للترقية
2- أجر ثابت لكل وظيفة أم مدى أجري له حد أدنى وحد أعلى.

3- درجة استقلال الشرائح شرائح متداخلة يعطي فرصة للزيادة الأجرية دون أن
يرتبط هذا بالضرورة بالترقية
شرائح غير متداخلة استمرار زيادة الأجر يتطلب الترقية
معالجة انحرفات الأجور الحالية:
أ‌- الإنحرفات السالبة (أجر الوظيفة أقل من الأجر الذي أسفر عنه التقييم). أي أن الوظيفة تحصل على اقل مما يستحق مما يوجب رفع أجرها.
ب‌- الإنحرفات الموجبة (اجر الوظيفة أعلى من الأجر الذي أسفر عنه التقييم) أي أن الوظيفة تحصل على أعلى مما تستحقه .و الحل الأمثل هو تجميد الزيادات الأجرية للوظيفة كليا أو جزئيا ، بحيث يستقطع الجزء الزائد من الأجر من العلاوات المستقبلية .و بذلك يحصل الفرد على الأجر الزائد بصفة شخصية .
رابعـــا :الحوافز:
تعتبر الحوافز بمثابة المقابل للأداء المتميز .و يفترض هذا التعريف أن الأجر (أو المرتب) قادر على الوفاء بقيمة الوظيفة .و بالتبعية قادر على الوفاء بالمتطلبات الأساسية للحياة ،وطبيعة الوظيفة ،وقيمة المنصب .كما يفترض هذا التعريف أن الحوافز تركز على مكافأة العاملين عن تمييزهم في الأداء ، وأن الأداء الذي يستحق الحافز هو أداء غير عادي ، وربما وفقا لمعايير أخرى تشير إلى استحقاق العاملين إلى تعويض إضافي يزيد عن الأجر.
ولا يجب النظر إطلاقا إلى الحوافز بإعتبارها جزء مكملا للأجور والمرتبات .وللأسف قد يرى البعض في الدول النامية أنها تلعب هذا الدور ، وعليك أن تلاحظ أنه لو انقلبت إلى هذا الدور فإنها تصبح نوعا من التكافل الاجتماعي ،وتعويض عن انخفاض الأجر،و تفقد في هذا الوقت دورها الحافزي .
يحقق النظام الجيد للحوافز نتائج مفيدة من أهمها :
1-زيادة نواتج العمل في شكل كميات انتاج ،وجودة انتاج ،ومبيعات ،وأرباح .
2-تخفيض الفاقد في العمل، ومن أمثلته تخفيض التكاليف، وتخفيض كميات الخامات،وتخفيض الفاقد في الموارد البشرية ،أي موارد أخرى .
3-إشباع احتياجات العاملين ،بشتى أنواعها ،والأخص ما يمس التقدير والاحترام والشعور بالمكانة .
4-إشعار العاملين بروح العدالة داخل المنظمة .
5-جذب العاملين إلى المنظمة ،ورفع روح الولاء والإنتماء .
6-تنمية روح التعاون بين العاملين ،وتنمية روح الفريق والتضامن .
7-تحسين صورة المشروع أما م المجتمع.
و تمنح الحوافز على أساس الأداء، المجهود**،الأقدمية،*** و المهارة****
أنواع نظم الحوافز :
هناك طرقا عديدة لتصنيف هذه الحوافز هما:
– حوافز على مستوى الفرد
– حوافز على مستوى جماعة العمل.
– حوافز على مستوى المنظمة ككل.
– كما يمكن تقسيم الحوافز على الأساس التالي:
– حوافز على مستوى العمال
– حوافز على مستوى التخصيص و الإداريين
و بمزاوجة هذان التصنيفين يمكن التواصل إلى شكل رقم (3) والذي سيليه شرح الأنواع الحوافز المختلفة.

الشكل رقم (7): تصنيف أنواع الحوافز
على مستوى العامل على مستوى التخصيص و الإداريين
على مستوى الفرد 1- حوافز بالقطعة
2-حوافز بالوقت النمطي 1- العمولة
2- العلاوة
3- المكافأة
على مستوى جماعة العمل نفس الطرق
على مستوى المنظمة ككل 1-المشاركة في الأرباح
2- خطط الاقتراحات
3- ملكية الأسهم

المصدر: أحمد ماهر ، مرجع سابق، ص237 .
خامسا- التدريب :
يسعى التدريب إلى زيادة مهارات الأفراد لأداء عمل محدد، و مجموعة الأنشطة التي تسعى إلى هذا الغرض تمثل في مجموعها أنشطة التدريب – (و هو أمر) كما يمكن اعتبار التدريب على انه تأقلم مع العمل أو انه تغيير في الاتجاهات النفسية و الذهنية للفرد تجاه عمله، تمهيدا التقديم معارف و رفع مهارات الفرد في أداء العمل
خطوات التدريب:
1- تحديد الاحتياجات التدريبية: الاحتياجات – الأهداف
2- تصميم برامج التدريب : موضوعات التدريب- أساليب التدريب- مساعدات التدريب- المدربين – ميزانية التدريب.
3- تنفيذ برنامج التدريب: الجدول الزمني- مكان التدريب – المتابعة اليومية للتدريب
4- تقييم كفاءة التدريب: تقييم المتدربين – تقييم إجراءات البرنامج – تقييم نشاط التدريب ككل.

أنواع التدريب:
يمكن حصرها في الجدول التالي:
جدول رقم : (1) :أنواع التدريب
يمكن تقسيم أنواع التدريب حسب :
مرحلة التوظف نوع الوظائف المكان
1- توجيه الموظف الجديد 1- التدريب المهني و الفني 1-داخل الشركة
2- التدريب أثناء العمل 2- التدريب التخصيصي 2- خارج الشركة
3- تدريب لتجديد المعرفة و المهارة 3- التدريب الإداري أ- في شركات خاصة
4- تدريب بغرض الترقية و النقل ب- في برامج حكومية
5- التدريب للتهيئة للمعاش
المصدر: أحمد ماهر، مرجع سابق، ص 323
سادسا –القوى العاملة:
1- تخطيط القوى العاملة:
أ‌- تعريف تخطيط القوى العاملة :هو مجموعة السياسات والإجراءات المتكاملة والمتعلقة بالعمالة ،والتي تهدف إلى تحديد وتوفير الأعداد والنوعيات المطلوبة من العمالة (القوى العاملة)لأداء أعمال معينة في أوقات محددة وبتكلفة عمل مناسبة، سواء كان ذلك لمشروع قائم أو تحت الدراسة أو الإنشاء ،آخذين في الاعتبار الأهداف الإنتاجية للمشروع والعوامل المؤثرة عليها ،وبذلك تكون خطة القوى العاملة جزءا أساسيا من الخطة العامة للمنشأة .
ب‌- أهداف تخطيط القوى العاملة :
1-التعرف على الوضع القائم للقوى العاملة بصورة تفصيلية تمكن من تحديد المعالم الواقعية لقوى العمل المتاحة.
2-التعرف على مصادر القوى العاملة ودراستها وتقييمها بهدف تحديد أسلوب الاستفادة المثلى منها في تنفيذ خطة القوى العاملة من حيث العدد والنوع.
3-التعرف من واقع هذه البيانات والمعلومات المشار إليها على المشاكل التي تحد من الاستخدام الرشيد لقوة العمل الحالية والمتاحة والممكنة في الحاضر والمستقبل.
4-محاولة وضع مجموعة من الحلول العملية لكل أو معظم هذه المشاكل في الوقت الحاضر مع ضرورة مراعاة الحل التدريجي لما تبقى منها في المستقبل وضمان عدم تكرارها.
5-التنبؤ بإعداد ونوعيات القوى العاملة اللازمة لمختلف الأنشطة بالمنشأة خلال فترة زمنية مناسبة في المستقبل.
6-حديد معالم سياسات وخطط التعيين والتدريب اللازمة لضمان الوصول إلى مستوى التشغيل الاقتصادي السليم والمستقر داخل المنشأة.
ج- فوائد تخطيط القوى العاملة:
1-إتاحة الفرصة للمنشأة لتحديد أهدافها وخططها بدقة من خلال إمكانية توجيه هذه الخطط إلى ما يأتي :
أ- ما هو العمل المطلوب؟
ب- وبواسطة من سيتم إنجازه؟
ج- وبأي المعايير سيتم إنجازه؟
أو بمعنى آخر ترجمتها إلى ساعات عمل – أعداد ونوعيات عمالة.
2- إتاحة الفرصة أمام المنشأة لمراجعة وتطوير سياسات وإجراءات وتطبيقات العمالة فيما يتعلق بالاحتياجات ،والاختيار ،والتعيين ،والتدريب والتنمية ،وتنظيم العمل ،والحوافز والمكافآت في شكل بنود تكلفة توضح مدى قبولها وفاعليتها.
3- إتاحة الفرصة أمام المنشأة لمراجعة مواءمة هيكلها التنظيمي، وهيكل الوظائف فيها.
4- إتاحة الفرصة أمام المنشأة للتأكد من مدى الاستفادة من المصادر البشرية المتاحة لها ،وخاصة هؤلاء الذين يؤدون أعمالا لا تتوافق مع قدراتهم.
5- إتاحة الفرصة أمام المنشأة للحصول على ما تحتاجه من عمالة لتحقيق أهدافها في المستقبل حتى تصل إلى الاستخدام الأمثل للعمالة المتاحة مع ضمان فاعلية ورضاء العاملين.
6- التخلص أو الحد من ظاهرتي البطالة المقنعة والعجز في بعض فئات العاملين، بما يضمن تحقيق خطة الإنتاج المرجوة بأقل تكلفة ممكنة.
2- اختيار القوى العاملة*:
أ- مصادر اختيار القوى العاملة:
أ-1المصـادر الداخلية: وهذا يعني أن المنشأة تعتمد في الأساس عند تعبئة الوظائف الشاغرة فيها على العاملين فيها الذين تتوافر فيهم متطلبات الوظيفة ومؤهلات الأشخاص المطلوبة ويستخدم في هذا النوع من المصادر أسلوبان أساسيان هما:
أ- 1- الترقية من الداخل:ويقصد به ترقية أحد العاملين في المنشأة إلى الوظيفة الشاغرة والتي تكون في العادة ذات مسؤوليات أعلى من وظيفته الحالية.
أ-2- الإعلان والتنافس: وهذا يعني القيام بالإعلان داخليا ،وذلك عن طريق لوحة الإعلانات في المنشأة أو عن طريق إصدار وتوزيع تعميم بذلك على العاملين.
أ-3- كما أن البعض يضيف أسلوبا ثالثا وهو حالات إعادة تشغيل العمالة المتقاعدة أو المحالة على المعاش.
أ-2 المصادر الخارجيـة :
– طلبات الاستخدام application و قوائم الانتظارwating lists.
– الإعلان عن الوظائف الشاغرة من خلال وسائل الإعلان والإعلام المختلفة مثل المذياع ،والتلفاز ودور عرض الأفلام (السنيما) والصحف ،والمجلات… وغيرها.
– الجامعات والكليات ومراكز التدريب والمعاهد والمدارس المختلفة.
– مكاتب التوظيف أو وكالات الاستخدام العامة و الخاصة.
– نقابات العمال unions .
– توصيات العاملين في المنشأة بمن يعرفونهم من ذوي الخبرة والكفاءة.
ب- إجراءات ومراحل اختيار القوى العاملة:
هناك عدّة إجراءات ومراحل يمكن استخدامها في اختيار القوى العاملة اللازمة للمنشأة من أهمها:
1- طلب التوظيف
2- المقابلات الشخصية
3- التحري والتوصية
4- اختبارات التوظف 5- الفحص الطبي.

المبحث الثاني: إنشاء وتشغيل نظام معلومات الموارد البشرية
تحتاج الإدارة في تعاملها مع الموارد البشرية إلى أنواع عديدة من المعلومات اللازمة لتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد البشرية المتاحة.
المطـلب الأول: إنشاء نظام معلومات الموارد البشرية
لقد كانت وسائل التعامل في تلك المعلومات في السابق تتسم بالبدائية والبساطة وعدم الفاعلية ،إذا كانت تنحصر في تجميع البيانات في صحف أو سجلات ،وكذلك حفظ المستندات والأوراق التي تحتوي على بيانات هامة عن الأفراد في ملفات وأضابير تخزن في أماكن للحفظ ،ويتم التعامل فيها يدويا ) .
و لكن مع تقدم الحاسبات الآلية والشبكات الداخلية في المنظمات(لسلسة من الحاسبات المتصلة بعضها البعض مباشرة)، و تطور تكنولوجيا المعلومات المعتمدة على وسائل الاتصال الفضائية والإلكترونية، فقد أصبح من الميسور تصميم و تشغيل نظم فعالة للمعلومات في مختلف مجالات النشاط، و منها إدارة الموارد البشرية، الأمر الذي جعل الإدارة في موقف أفضل كثيرا ليس فقط من حيث وفرة المعلومات وحداثتها بل أيضا من حيث سهولة التعامل معها بالحفظ والتحديث والتداول والإستراجاع، و إمكانية استخدام معلومات من مجالات مختلفة و من أماكن متباعدة و تجميعها في نسق متكامل يحقق رؤية اشمل لقضايا الموارد البشرية، و تتيح القدرة الأعلى لاتخاذ القرارات.
و في نظام الأعمال المعاصر القائم على العالمية و التنافسية تدرك الإدارة أكثر من أي وقت مضى أهمية العنصر البشري المتميز، و من ثم حيوية توافر المعلومات الصحيحة و الحديثة و المتجددة عن كافة شؤون و أبعاد القوى البشرية المتاحة لها، حتى تستطيع التخطيط لاستثمار قدراتها بشكل فعال، و في هذا العصر التنافسي سريع التغيير، لم تعد قضايا الموارد البشرية مقصورة على الإدارة المختصة بشؤونهم فقط كما كان العهد سابقا، بل أصبح كل مدير مسؤول عن عمل له اهتمام مباشر في كفاءة وفعالية الموارد البشرية باعتباره المورد الرئيسي الذي يتحكم في نتائج الأداء والإنتاجية بأي منظمة ومن هنا أصبح من الضروري وجود نظم مرنة و فعالة وشاملة ومتداخلة ومباشرة يمكن لأي مدير أن يتعامل معها للحصول على ما يريده من معلومات
و تشمل المعلومات المطلوبة عن الموارد البشرية عادة ما يلي :
– المعلومات الشخصية عن الأفراد.
– المعلومات التي تصف الحالة التعليمية للفرد
– المعلومات التي تصف المهارات و القدرات التي يتمتع بها الفرد.
– المعلومات التي تصف التاريخ الوظفي للفرد و الأعمال التي مارسها و اكتسب فيها خبرات محددة.
– المعلومات التي تصف الأداء الفردي و تطوره و ما يعاني منه الفرد من مشكلات أو نقاط ضعف، أو ما يتميز من مميزات.
– المعلومات التي تصف اهتمامات الفرد و اتجاهاته و دوافعه للعمل.
– المعلومات التي تصف علاقات الفرد في عمله بزملائه و رؤسائه و مرؤوسيه و غيرهم من البشر الذين يتعامل معهم.
و من جماع تلك المعلومات تستطيع الإدارة اتخاذ القرارات المناسبة فيما يتصل بما يلي:
1- تخطيط استخدام الأفراد في انسب الأعمال المتفقة مع خبراتهم و تأهيلهم و قدراتهم.
2- متابعة أداء الأفراد و الحكم هل مستوى الكفاءة في العمل.
3- تحديد مدى احتياج الأفراد إلى التدريب أو أشكال التنمية المختلفة لعلاج أوجه القصور في الأداء.
4- تحديد مدى ملاءمة الفرد لوظائف أخرى سواء على نفس المستوى الوظيفي أو مستوى أعلى (تخطيط الحركة الوظيفية).
5- تقرير الرواتب و المكافآت و الحوافز و غيرها من أشكال التعويض عن الكفاءة و الفاعلية.
و عادة تمر عملية بناء نظام لمعلومات الموارد البشرية بالمراحل التالية:
1- تحليل النظم الإدارية بالمنظمة و تحديد احتياجات الإدارة من المعلومات.
2- تصميم النظام بتحديد ومصادر وسائل و دورية الحصول على المعلومات، و أساليب التعامل معها( التجميع، التحليل،التبويب، التصنيف، التداخل، التداول، الاسترجاع التحديث، الإضافة، الحذف…).
3- تحديد الاحتياجات البشرية و الآلية لتنفيذ التصميم المطلوب.
4- تنفيذ النظام و تشغيله لمرحله تجريبية، و تعديله أو تطويره حسب نتائج التجريب
5- تعميم استخدام النظام.
6- التطوير المستمر في النظام مع تغير الاحتياجات أو تطور التكنولوجيا.

المطلب الثاني: تشغيل نظام معلومات الموارد البشرية
و يتم التركيز في هذا المطلب على الناحية الاجتماعية :
أولا : نظام المعلومات الاقتصادية و نظام المعلومات الاجتماعية
دعنا تجعل فاصل تصوري بين نظام المعلومات الاقتصادية و نظام المعلومات الاجتماعية للمنظمة و من جهة، نجد المحاسبة كقاعدة أساسية للمعلومات الاقتصادية، حيث نجدها في كل المؤسسات، إذ تغذي بالمعلومات كلا من النظام (Financier)، المحاسبة التحليلية (Analytique) و تسيير الموازنات.
هذا هو نظام المعلومات الاقتصادية، الذي يعد من أوائل النظم التي استخدمتها المؤسسات في تسييرها اليومي، من جهة أخرى نجد قاعدة المعطيات “الراتب و المستخدمين (Paie- Personnel) الموجودة – على الأقل بحد أدنى – في كل المؤسسات لإعداد الراتب الشهري. هذه القاعدة تغذي نظام معلومات الاجتماعية لإنتاج الوثائق الإلزامية (كالميزانية، و التصريحات القانونية) و في حالات متزايدة الانتشار لإعداد لوائح القيادة الاجتماعية و موازنات مصاريف المستخدمين و محاسبة الموارد البشرية.
ثانيا: استخراج و معالجة المعلومات:
إن الإجراءات المستعملة في الوقت الحالي، تبقى المعلومات الاجتماعية مخفاة في كل أنحاء المؤسسة، نظرا لأن جمع هذه المعلومات و مركزتها لا يتمان باحترام الأوقات المحددة.
– ففي أماكن (postes) العمل، يمكن معرفة أوقات العمل و الحضور و أحيانا مردودية المناصب المنتجة.
– في المصالح (Services) ، يمكن التحكم في توزيع الإمكانيات، في المردودية الإجمالية، في تطور العتاد البشري و حتى في مصاريف التكوين، و مستوى المكافآت لكن هذا يرتبط بدرجة اللامركزية.
– في المستوى المركزي يمكن تتبع التدفقات (Flux) المجمعة (consolidé) من الدخول و خروج تكاليف الأجور و التكاليف الاجتماعية، الكفاءات و عمليات التكوين…إلخ.
و بالتالي، مبدئيا يمكن الحصول على أي معلومة اجتماعية مهما كانت طبيعتها بشرط أن تقبل بدفع ثمن ذلك، أما عمليا، فإن مسألة التكلف و أجل (délai) الاستخراج، هي بالتحديد التي تفرض إجراء تصفية (Filtrage) للمعلومات.
و يمكن تحليل التعاملات مع المعلومة الاجتماعية عبر وصف العمليات التالية :
1- الانطلاق من معلومات الراتب:
لا يمكن لأي مؤسسة أن تطلق على حتمية (obligation) استخدام نظام المعلومات لتحديد أجور العمال، حيث يمكن استخراج معطيات من هذا النظام: هذه المعطيات تتعلق بالعتاد البشري و توزيعهم في الهيكل، أوقات العمل، الغيابات ، تكاليف الأجور و التكاليف الاجتماعية للمستأجر الواحد، الخروج والدخول، وبالتالي يتوفر لدى المسؤول معلومة ثرية، و التي يكفي تصفيتها و تحويلها إلى السجلات الأخرى. للمسالة الوحيدة التي تطرح، تكمن في الجانب التقني: و هي كيفية استخراج (interfaçage) معلومات سجلات (fichier) الرواتب، و في هذا المجال نلاحظ أن أغلبية أنظمة الرواتب تتصور مسبقا كيفية خروج المعلومات المغذية للتسيير الاجتماعي.
2-جمع (rassembler) و تجميع (consolider) المعطيات:
بغض النظر عن الراتب، فإن المعلومة الاجتماعية تتواجد في كل مكان، لذلك يجب على النظام أن يكون قادرا على استخراج المعطيات المفيدة لتجميعها فيما بعد. في مجال المراقبة الاجتماعية، هذه الضرورة تفرض التدخل (L’intervention) في كل من المعلومات الاجتماعية و في المعلومات الاقتصادية والمالية، أبرز مثال هو ذلك الخاص بالتكوين: حيث أن مصلحة المحاسبة تملك المعطيات المالية، أما المصلحة المستخدمين فتتوفر لديها المعلومات الإدارية ، لذلك فإن ضرورة مراقبة مشاريع التكوين تؤدي إلى القيام بإعادة معالجة و تجميع المعلومات الصادرة من كلا المصلحتين.
3- تصفية المعطيات الفائضة (Surabondante) :
تنتج المنظمة يوميا ملايين المعلومات، و يحتفظ بالآلاف منها باستعمال مختلف طرق معالجة المعلومات، هدف أنظمة المراقبة هو فرز المئة معلومة التي تفيد التسيير الاجتماعي، ثم عرضها في لوائح القيادة، وضرورة الفرز و التجميع تكتسي أكثر أهمية كلما ارتفعنا في المستويات الهيراكية، حيث يمكن الاحتفاظ بثلاث مستويات للفرز المتتالي (progressif) للمعطيات:
أ-قواعد المعطيات: تمثل اختيار أولي للمعلومات المفيدة للتسيير الاجتماعي الاقتصادي(Socio- économique) باستعمال الحوامل المعلوماتية التي تسمح باستغلالها آليا. عادة ما يتعلق الأمر إما بقاعدة الراتب و المستخدمين التي تسمح بإعداد الراتب و متبعة التسيير الاجتماعي، و أحيانا بقاعدة متابعة الأوقات، حيث أن معطيات هذه القواعد تستعمل مع المعطيات المحاسبية و مراقبة التسيير.
ب-المجمعات (recueils) الإحصائية: تشكل فرز أولى للتنسيق بين قواعد المعطيات حسب المواضيع(thèmes)، مثلا قيام إدارة الموارد البشرية بتحليل مفصل للعتاد البشري حسب الجنس، الدرجة، الوظيفة أو المنصب المنتمي إليه… الخ. على أن يكون هذا التحليل في متناول المسؤولين الهيراكيين ضمن الشبكة الداخلية.
ج- لوائح القيادة الاجتماعية: تساعد على اختيار و عرض المعلومات التي تعد بمثابة مفاتيح لاتخاذ القرار، هذه اللوائح يجب إذا أن تكون سهلة القراءة وملائمة لكل مستعمل، كما ستحتوي على جزء من المعطيات في شكل أهداف مسطرة و قياس الانحرافات (écarts) غالبا ما يترك في هذا اللوائح مكان التعليق.

ثالثا : استغلال المعلومات القانونية في لوحة القيادة الاجتماعية
من المستحيل اقتراح لوحة القيادة جاهزة الاستعمال لكل الوظائف، كما أن الاحتياجات الخاصة لا يمكن معالجتها فرعيا، لذلك قبل إنتاج معلومات جديدة، يجب البحث في تلك التي أنتجت من قبل إن لم تكن موجودة التي تحتاجها، و هذا له فائدتين:
1- فائدة الاقتصاد، لأن المعلومات إنتاجها مكلف، حتى و إن كانت هذه التكلفة غير معرفة بوضوح،
2- فائدة المصداقية لأن المعلومات المكتسبة في إطار قانوني متأكد منها و المصادر القانونية هي: المحاسبة المالية، والتسيير المحاسبي و الميزانية الاجتماعية.
1- معلومات المحاسبة المالية:
المحاسبة المالية (و بالخصوص أحد مقاييسها، الراتب) يمكن أن توفر العديد من المعلومات بتكلفة تقريبا معدومة و بمصداقية قصوى، إذ يكفي فتح الحسابات الفرعية اللازمة. فيمكن مثلا الجمع في حسابات منفصلة أعباء المستخدمين حسب نوعهم (إطار إداري، و مهندس، موظف، عامل ورشة،…) أو حسب المصالح (الإدارة التمويل، التصنيع، التسويق، الخدمات، الخدمات ما بعد البيع…) أو كذلك حسب الموقع الجغرافي ( المقر، المصانع المخازن، الورشات) كما يمكن تحليل الأعباء الاجتماعية تبعا لمعايير مختلفة، كالأعضاء المستفيدين طبيعة الخطر المغطى ، تفصيل للمزايا العينية…إلخ لكن المحاسبة المالية لا تعالج سوى القيم النقدية ، لذلك تستعمل معلومات من مصادر أخرى.
2- معلومات التسيير المحاسبي:
التسيير المحاسبي، عندما يكون موجود، يمكنه كذلك توفير معلومات ثمينة لتكميل المحاسبة المالية بمؤشرات مادية، مبدئيا يقوم التسيير المحاسبي بتحليل أعباء المستخدمين فيسمح، مثلا بحساب المؤشرات التالية:
– عدد ساعات العمل / عدد الساعات المدفوعة،
– عدد الساعات المفوترة لزبائن / العدد الإجمالي للساعات المدفوعة،
– عدد الوحدات (Article) المنتجة / عدد الساعات (و هو مؤشر مردودية أو إنتاجية العمل)
التسيير المحاسبي يسمح كذلك بالجمع بين المؤشرات المادية و المؤشرات المالية لحساب التكلفة المتوسطة لساعة العمل في مصلحة معينة، مصنع أو ورشة، أو بالنسبة لطلبية أو زبون ميعن.
3- معلومات الميزانية الاجتماعية:
للتذكير، الميزانية الاجتماعية كما عرفها المشرع في قانون العمل، هي وثيقة معدة سنويا في كل المؤسسات التي تشكل على الأقل (300) عامل، إذ يتم عرض هذه الميزانية على الهيئات الممثلة للمستخدمين لتعمل على تلخيص المعطيات العددية الأساسية، الني تسمح بتقدير وضعية المؤسسة في الميدان الاجتماعي وتسجيل الإنجازات التي تمت و قياس التغيرات التي طرأت خلال السنة الجارية و في السنتين الفارطتين. والميزانية الاجتماعية لا تشبه على الإطلاق الميزانية المحاسبية، حيث تتكون من سبع فصول تشمل عدة مؤشرات إلزامية و التي تعالج على التوالي:
• العمالة: كتوزيع العتاد البشري حسب السن ، الجنس، الأقدمية، المؤهلات والجنسية، العمال الأجانب، الرحيل بعزل التسريحات الاقتصادية و استقالة البطالة، الغيابات، وتقاس بعدد أيام التغيب.
• التعويضات و الأعباء الثانوية (accessoire) : كحجم الأجور حسب طبيعة المهنة و حسب الجنس، و هيراكية المكافآت، إجمالي أعباء الأجور، المساهمات المالية (في النتيجة و في رأس المال).
• ظروف الصحة و الأمن : كحوادث العمل، الأمراض المهنية، و مصاريف التأمين.
• الظروف الأخرى للعمل: كمدة العمل، تحديد و تنظيم الساعات، مصاريف التنظيم و التحسين.
• التكوين: نسبة حجم الأجور المخصصة للتكوين المتواصل، عدد المتربصين، عدد ساعات التربص، أجازات التكوين.
• العلاقات الاجتماعية: تشمل تشكيله اللجنة (comité) المركزية للمؤسسة، عدد اجتماعاتها، تواريخ و مواضيع الاتفاقيات، وجود هياكل التشاور.
• الظروف الأخرى للحياة في المؤسسة : تتمثل في الخدمات الاجتماعية و تكلفة الخدمات التكميلية الأخرى (كالأمراض، الوفيات، الشيخوخة)
رابعا: المراجعة الاجتماعية (audit sos)
يتم إعداد هذه الوثيقة عبر مراحل، ففي بادئ الأمر يتم مراجعة التطابق ثم الفعالية وأخيرا الملائمة الإستراتيجية
مراجعة التطابق (conformité):
تسمح بالـتأكيد من أن المؤسسة- بصفة شاملة و كذلك مأخوذة مصلحة بمصلحة- تحترم القواعد الخارجية التي تفرض عليها، سواء كانت قواعد قانونية أو اتفاقية (Conventionnel)، أو كانت عبارة عن إجراءات قررت إنجازها بمحض إرادتها، و كذلك الاتفاقات التي أمضتها مع المؤسسات الأخرى، كما انه لا يمكن بناء شيء قابل للدوام (durable) إلا بمعرفة أسسه واستقرار هذه الأخيرة، فإنه لا يمكن للمؤسسة ضمان الحديث مع شركائها الاجتماعيين إلا باحترام التزاماتها مهما كان مصدرها. ثم يتم جمع المعطيات الموجودة في تقرير مراجعة التطابق مع معطيات الميزانية الاجتماعية (المعرفة مسبقا) لتكميلها عند الضرورة.
من هاتين الوثيقتين تنجم مراجعة الفعالية (efficacité): التي تقدر مدى نجاح المنظمة في بلوغ أهدافها المسطرة ضمن بعد “الموارد البشرية” مثلا: هل العتاد البشري متواجد بعدد كافي؟ هل تكوينه كافي؟ هل حضوره كافي؟ و هل درايته للنتائج المنتظرة منه كافية؟
من هذه الوثائق الثلاث تنتج الوثيقة الأخيرة و هي:
مراجعة الملائمة الإستراتيجية: أي إذ كانت المنظمة بفضل السياسات الاجتماعية التي حددتها لنفسها، قادرة على بلوغ أهدافها القصيرة و المتوسطة المدى؟
و هكذا انتقلنا من فحص الانحراف الإجرائي الموجود بين ما ينبغي أن يكون، وما هو فعلا (وهذا بمراجعة التطابق) إلى فحص الانحراف الكمي و النوعي الموجود بين النتائج المتوصل إليها والأهداف المسطرة(بمراجعة الفعالية)، للوصول على الانحراف في السياسة والإستراتجية الحاضرة والمستقبلية.

المبحث الثالث: نظام معلومات الموارد البشرية و أثره على التسيير الفعال في المؤسسة
المطلب الأول: أهمية الموارد البشرية و مدى، فعاليتها في العملية الإنتاجية
تحتل الموارد البشرية على المستويين الجزئي والكلي أهمية بالغة في الدراسات الاقتصادية فعلى، المستوى الجزئي أي في الوحدات الاقتصادية تمثل هذه الموارد محو النشاط الإنتاجي و المتغير الفاعل في تشكيل دينامكية المؤسسات، أما على المستوى القومي فهي تمثل المنطلق في تحقيق تنمية اقتصادية مستديمة و الأساس في بلوغ مستويات مضطرة من النمو الاقتصادي.
تعتبر الموارد البشرية المتمثلة في الأفراد و في جماعات العمل، أهم القوى وأعظمها أثرا في تشكيل حركية المؤسسات فهم الذين يتخذون القرارات التي تهيئ لها فرص الانطلاق و النجاح أو تسبب مشكلات ينتج عنها خسائر و احتمالات الفشل و الانهيار، فكثير ما يكون فشل المؤسسات يرجع إلى ضعف نظام العاملين و عدم كفاءة المدربين في التحليل و التخطيط و في رسم السياسات و الإستراتيجيات و على ضعف القدرات و المهارات لدى العاملين و المدراء بصفة عامة.
لقد أدركت المؤسسات اليوم أن السعي نحو تحقيق فرص النجاح و التقدم و الازدهار هو العمل على تحقيق معدلات متنامية من الإنتاجية والربحية و الحصة السوقية و كذا إلى تحقيق المزايا التنافسية و تحسين الجودة، و استيعاب التطورات التكنولوجية، و في هذا الصدد يتكون لدى هذه المؤسسات سؤال جوهري عن كيفية تحقيق هاته الأهداف و عن الدعم السياسي لتحقيق النجاح و الاستمرار في الأسواق التنافسية إننا نشير على أن الاهتمام بالموارد البشرية و محاولة تنمية وتحسين أدائها يعد الدعامة الأولى، والأخيرة التي تكمن المؤسسة في تحقيق أهدافها و الاستمرار في نشاطها
أولا – الموارد البشرية و الميزة التنافسية:
الميزة التنافسية تعني القدرة على إنتاج السلع و الخدمات بالنوعية الجيدة و بالسعر المناسب وهذا يعني تحقيق منافع للعملاء أعلى مما يحققه له المنافسون و تؤدي إلى حالة التميز و الاختلاف فيما بين المؤسسات ومنافسيها و تحقق الميزة التنافسية بإحدى الإستراتجيتين : إما من خلال تقديم منتج اقل أي إستراتيجية السيطرة على التكاليف الأقل أو باستخدام إستراتجية التميز بتقديم منتج بجودة أفضل يعتقد المستهلكون أنه يستحق أعلى مقابل التمييز و يعتمد في تحقيق الميزة التنافسية على ما يطلق عليه بالقدرات و الكفاءات المحورية و التي تحقق للمؤسسة الميزة التنافسية و يمكن تعريف الكفاءات المحورية والقدرات على أنها تركيبية أو مجموعة من المهارات الخارقة للأصول الملموسة أو الغير ملموسة، ذات الطابع الخاص التكنولوجيا فائقة المستوى والروتينيات(تصرفات المؤسسة) و التي تشكل في مجملها أساسا جيدا و قاعدة لطاقات المؤسسة على التنافس ومن ثم تحقيق ميزة تنافسية متنامية
و يتم خلق هذه القدرات والكفاءات المحورية انطلاقا من موارد المؤسسة والتي تشمل كل الأصول، الإمكانيات العمليات التنظيمية الخصائص المتعلقة بالمؤسسة المعلومات والمعرفة عن طريق تنمية وتوصيل أو تبادل المعلومات و المعارف بين أعضاء المؤسسة (رأس المال البشري) إن نقطة البدء لتحقيق الميزة التنافسية هي موارد المؤسسة (المادية، البشرية) و يتم تحويلها إلى قدرات وكفاءات محورية و التي تعد بدورها مصدرا هاما ورئيسا لتحقيق الميزة التنافسية للمؤسسة
الشكل رقم (08): يوضح الموارد كأساس لتحقيق الميزة التنافسية

المصدر: بنية عمر، مذكرة تخرج، مرجع سابق*ص85″
إن الموارد البشرية التي تملكها المؤسسة قادرة على تحقيق الميزة التنافسية ذلك أن هذه الموارد مزودة بالمعارف والمهارة والخبرات اللازمة لتطوير أساليب تفكير جديدة و أساليب إنتاج جديدة تساهم في تحقيق الميزة التنافسية المتنامية، لقد أصبحت الموارد البشرية أساس التنافسية مما يعطيها بعدا استراتيجيا في قيادة ونجاعة المؤسسات، كما أن وظيفة الموارد البشرية خرجت من إطارها التسييري إلى دورها الإستراتيجي تحت تأثير سرعة و حجم التحولات التنافسية.
لقد بدأ الاعتماد على التكنولوجيا يتراجع لسرعة تغييرها إذ أصبح التنافس و التفوق المرتكز عليها أمر صعبا وفي ظل عالم تتحرك فيه المعلومات، و الموارد و التكنولوجيا بجدية عبر الشركات و الحدود، أصبحت أصول المؤسسة قابلة للتبادل مع مثيلاتها من المؤسسات الأخرى بخلاف عنصر واحد يملك قوة الترجيح و المتمثل في الكفاءات البشرية القادرة على خلق القيمة المضافة من خلال ما تملكه من قدرات ومهارات مختلفة، لقدرات الشركات العالمية المعتمد لاستراتيجيات تنمية القدرات التنافسية أن العامل الإنتاجي الوحيد الذي يمكن أن يوفر لها الميزة التنافسية، المتواصلة هم كفاءاتها البشرية ذات المعرفة و المهارات العالية القادرة على الإبداع ومنه ذات الأهمية الإستراتيجية لتلك الموارد و الكفاءات والتي تدفع للتحول من اقتصاد المعلومات إلى اقتصاد المعرفة و العقول الذكية.
لقد أصبحت العقول الذكية المتمثلة في إجمال المعرفة والمهارات والقدرات التي تمتلكها الكفاءات البشرية المؤهلة للإبداع و التجديد و التحسين المستمر المصدر الجديد للميزة التنافسية، وفي هذا الصدد يشير “جاك ويبش” وهو احد انجح و أشهر رجال الأعمال و المدير التنفيذي لشركة “جنرال إلكترونيك” بأمريكا بقوله : (نحن كشركة جنزال إلكترونيك نحاول أن نميزها عن الشركات الأخرى و تنافسها عن طريق الارتفاع و الرقي برأس المال الفعلي و الإبداعي في القوى العاملة كلما أمكن ذلك و هذا يحتاج إلى مجهود أكبر و أكثر من عملية زيادة رأس المال النقدي الذي يسهل تحقيقه في أي سوق من أسواق العالم
ثانيا : الموارد البشرية و التكنولوجيا الإنتاجية
يرتبط تحسين الإنتاجية بالتكنولوجيا ارتباطا وثيقا حيث يعتبر التقدم التكنولوجي الأساسي في تحسين مستويات الإنتاجية و تنمية القدرات التنافسية للمؤسسات، و في هذا الصدد يرى الاقتصادي و الصناعي بورتر Porter، إن التقدم التكنولوجي هو أحد أكبر القوى المحركة للمنافسة فهو يلعب دورا هاما في التغيرات الهيكلية للقطاعات و إنشاء قطاعات جديدة و هو ايضا ممهد و معوض للسبق التنافسي للمؤسسات ذات الاستقرار الجيد و دافع بمؤسسات أخرى نحو الواجهة، غير أنه ليس كل تقدم تكنولوجي يمكن أن يؤدي إلى تحسين الإنتاجية و تنمية القدرة التنافسية للمؤسسة، فالبعض يمكن تؤدي إلى تراجع القدرة التنافسية لها، و عليه فالتكنولوجيا تكون ذات أهمية عندما تكون لها تأثيرات لا يمكن إهمالها على للسبق التنافسي للمؤسسة أو على بنية القطاع الاقتصادي و على هذا الأساس ترى أن مساهمة التكنولوجيا في تحسين الإنتاجية و تنمية القدرة التنافسية للمؤسسة يكون في حدود معينة أي يعتبر آخر فإن إدخال التكنولوجيا في تحسين الإنتاجية وتنمية القدرات التنافسية للمؤسسة يكون في حدود معينة أي يعتبر آخر فإن إدخال التكنولوجيات الحديثة مرتبط بمدى توفر الأفراد و الكفاءات البشرية القادرة على تسيير و الأخذ بهذه التكنولوجيا و توجيهها نحو تحقيق أهداف المؤسسية، بما فيها هدف تحسين الإنتاجية، و لتحقيق ذلك يفترض على إدارة المؤسسة البحث عن الأفراد ذوي الكفاءات العالمية و القادرة على تسييرها أو ينبغي عليها إعادة تأهيل القوى العاملة بالمؤسسة وتدريبها لتتلائم مع هذه التكنولوجيا، و في كلتا الحالتين يبرز دور إدارة الموارد البشرية في جعل هذه التكنولوجيا ذات جدوى و فعالية بالإضافة إلى هذا فإن هناك درجة عالية من التكامل بين نمط معين من طرق الإنتاج و بين نوع الأيادي العاملة التي تتطلبها و يعتبر آخر فإن المستوى المعين من الإنتاجية انما يتطلب نوعا من التنظيم و معدات و رأس المال ومستوى معين من الفن الإنتاجي و هذه بمجموعها تتطلب تركيبا مهنيا محددا من الأيادي العاملة، و يمكن القول بناءا على أن هناك ارتباط وثيقا بين مستوى الإنتاجية في المؤسسة أو صناعة معينة و بين نمط التركيز المهني للأيدي العاملة ويمكن صياغة ذلك باستعمال دالة الإنتاج التالية :
Y= F(K ,L1,L2,L3……….Ln
حيث يشير :
Y : على حجم الإنتاج L3, L2,L1 …. Ln ترمز اعدد المشتغلين في المهن (1،2….إلخ) بالمؤسسة مثلا إنتاجية، تسويقية إدارية …إلخ
K: فترمز إلى رأس المال و ممكن إعادة كتابة هذه الدالة كما يلي:
Y/L = F(K/L, L1/L, L2/L,L3/2……….Ln/L
حيث تمثل (L) مجموع القوى العاملة بالمؤسسة الإنتاجية ليس الاستثمارات في العناصر المادية بل هو الاستثمار في العامل البشري سواء كعامل أو موظف في المؤسسات كمسير و منظم الإنتاج باعتبار أن هذا الأخير (الإنتاج) يحتاج إلى تسييره و تنظيمه إلى خبرات و مؤهلات يفترض أن يكتسبها الإداريون سواء في متابعة العملية الإنتاجية و الوظائف الأخرى و من ناحية توفير الظروف الملائمة للموارد البشرية ككل مؤسسة، حق تقدم هذه الموارد ما لديها من طاقات و تبذل مجهود ذات كافية لرفع إنتاجية رأس المال و كذلك إنتاجية جميع عناصر الإنتاج و هو الهدف الذي تسعى إليه كل مؤسسة اقتصادية.
المطلب الثاني : استخدام نظام المعلومات في تقييم الأعمال و تحديد نظام لدفع الأجور
تلعب الأجور دورا بارزا في تحسين الإنتاجية، فهي تمثل من جهة تكلفة من تكاليف الإنتاج و لها انعكاساتها على إنتاجية و ربحية المؤسسة، و من جهة أخرى تمل أداة تحفيزية لتحسين الإنتاجية لتأثيرها على أداء الأفراد.
و لضمان سيرورة و نجاعة المؤسسة الاقتصادية، وتحسين إنتاجيتها ، فعليه ينبغي على إدارة الموارد البشرية تحديد نظام فعال للأجور، يضمن المطابقة الصارمة للتشغيل، والتكاليف منبثقة عنه الأجور مع مستويات نشاطها و التي من شانها إنتاج قيم مضاعفة تساهم في عملية تطويرها وتنميتها.
أولا : الخلفية التاريخية للأجور و أهميتها الاقتصادية و الاجتماعية:
1- مفهوم الأجر: يختلف مفهوم الأجر في النظريات الاقتصادية الرأس مالية عنه في النظريات الاقتصادية الاشتراكية و السبب في هذا الاختلاف يرجع إلى نظرتهم للعمل، ففي النظريات الاقتصادية الرأس المالية ينظر إلى العمل على انه سلعة تباع و تشتري، و لها ثمن و أن هذا الثمن هو الأجر، والذي يعرف في النظم المذكور على أنه ” الثمن الذي يحصل عليه العامل نظير المجهود الجسماني أو العقلي الذي يبذله في عملية الإنتاج”
أما في النظريات الاقتصادية الاشتراكية، فالعمل هو مجهود مشترك يبذله العمال متعاونين لهدف رفع مستوى، معيشة المجتمع الاشتراكي، و ذلك بتوفير السلع والخدمات للمجتمع، وعليه يعرف الأجر في هذا النظام بأنه “نصيب العاملين في الإنتاج من النقد (غالبا) وذلك بحسب ما يقدمونه من عمل كما و نوعا وقد عرفه “عمر وصفي عقلي” بأنه :”ذلك المبلغ النقدي الذي يدفع للموظف أو العامل لقاء عمله وجهده الذي يبذله في المؤسسة، و له وجهان: الأول يمثل التكلفة التي تتحملها المؤسسة وتحصل على مقابل لها في شكل إنتاجية الفرد، و الثاني يمثل الدخل الذي يحل عليه العنصر البشري من جهة، و المؤسسة من جهة أخرى، في عملية بيع و شراء العمل، فالفرد يقوم ببيع عمله للمؤسسة، لقاء الأجر و المؤسسة تشتريه منه لقاءه أيضا”
و تتأثر الأجور بعوامل عديدة تتعلق بالأفراد والبيئة الداخلية للمؤسسة وبعوامل خارجية تتمثل في المحيط الاقتصادي و الاجتماعي و ترتبط العوامل الداخلية بطبيعة مناصب العمل، و بطبيعة الموارد البشرية التي تشغل هذه المناصب و يتسنى تحديد ذلك انطلاقا من تحليل و تقسيم الأعمال أو الوظائف للوقوف على متطلباتها، ومن ثم المهارة و درجة التأهيل التي يجب أن يتمتع بها الفرد شاغل الوظيفة.
إضافة إلى ذلك يعتبر عامل إنتاجية الفرد، من بين أهم العوامل المجددة للأجور، و كذلك أقديمة الفرد مستوى، خبرته في العمل كما تتأثر الأجور بالجمعيات النقابية داخل المؤسسة و قوتها التفاوضية في رفع الأجور.
أما العوامل الخارجية، فتتمثل في سوق العمل و القوانين و التشريعات الحكومية و مستوى المعيشة و الهيكل الاقتصادي للبلد أو المنطقة محل، نشاط المؤسسة.
و يبرز تأثير سوق العمل على مستويات الأجور، في تفاعل قوى العرض و الطلب على القوى العاملة من قبل المنتجين، و على شدة المنافسة في الطلب عليها، حيث أن الأجور تتناسب عكسيا مع عرض القوى العاملة وطرديا مع الطلب عليها.
و في صدد التعرض، لمفهوم الأجر، نود أن نبين الفرق بين مفهوم الأجر و مفهوم الراتب
فالمصطلحان مترادفان و يستعملان للدلالة على شيء واحد تقريبا، فكلاهما تعويض، نقدي يشير إلى مجموع المبالغ النقدية التي تدفعها المؤسسة للفرد الذي يعمل لديها، لقاء المساهمة التي يقدمها لها عن طريق أدائه وسلوكه و نشاطه في العمل، إلا أنه في الحقيقة فإن المصطلحان يختلفان، فالراتب يطلق على التعويض النقدي الذي يدفع لشاغلي الأعمال الإدارية و المكتبية والذي يطلق عليهم مصطلح ” أصحاب الياقات أو البدلات البيضاء”،حيث تدفع تعويضاتهم عادة على أساس الزمن ونسميهم بالموظفين، أما الأجر فيطلق على التعويض النقدي الذي يدفع لشاغلي الأعمال المصنعية والإنتاجية والذين يطلق عليهم “أصحاب الياقات الزرقاء” وتسميتهم بالعمال، حيث تدفع تعويضاتهم عادة على أساس ذمية الإنتاج أو على، أساس الزمن أو على ، أساس الاثنين معا، فالفرق بين مصطلحين الأجر و الراتب هو فرق في الشكل و ليس في المضمون، و يكاد يحتفي هذا الفرق في كثير من المؤسسات الصناعية اليوم.
2- أهمية الأجور و دورها في تحسين الإنتاجية :
تمثل الأجور محور اهتمام و تركيز الأفراد في العمل، لأنها تمثل الجزء الأكبر من التعويضات الكلية التي يحصل عليها الفرد، حيث أن معظم المؤسسات تدفع حوافز و مزايا قليلة، تدفع على الإطلاق و بالتالي فإن الأجور تلعب دورا أساسيا و بارزا في قرار الفرد في البقاء في المؤسسة الحالية أو الانتقال منها و كذلك تؤثر الأجور التي يحصل عليها الأفراد على درجة الرضه و بالتالي على رغبتهم في العمل و اندفاعهم لتحسين مستويات أدائهم و بالتالي مستوى الإنتاجية.
كما تعتبر الأجور مصدر استرزاق، و محدد لمستوى المعيشة لهؤلاء الأفراد و من ثم تحسين قاليتهم الإنتاجية، فزيادة الأجور قد تكون ضرورية لتحقيق زيادة في مستويات الإنتاجية لدى الأفراد
و في هذا الصدد تعتبر الأجور أداة تحفيزية للأفراد لتحسين أدائهم و إنتاجيتهم، كما تساعد في جذب استقطاب القوى العاملة الماهرة و المدربة و المزودة بالمعارف العالية، و التي تشتد الحاجة إليها لرصد السياسات و الإستراتيجيات العامة للمؤسسة، و لاسيما في الأجل الطويل، فالأفراد ذوي الشهادات العليا، لا يقدمون للعمل في المؤسسات التي تقدم أجورا منخفضة، بل يتوجهون إلى المؤسسات التي تعرض أجورا تتناسب و قدراتهم و مستواهم التعليمي أما على مستوى المؤسسة فإن الأجور تعتبر مصدر تكليف، قد تصل إلى %50 من التكلفة الكلية لإنتاج ، و بالتالي لها اثر واضح على إنتاجية المؤسسة و ربحيتها و مستوى أسعارها فالزيادة في الأجور و إن لم تكن مصحوبة بزيادة مماثلة في إنتاجية العمل سوف تؤدي إلى انخفاض في أرباح المؤسسة ما لم تستطيع هذه الأخيرة تمرير الزيادة في الأجور إلى المستهلك في شكل رفع الأسعار و غالبا لا تستطيع تحقيق ذلك في سوق تنافسية، و هكذا يتضح مما سبق أن للأجور أثار إيجابية و سلبية على إنتاجية المؤسسة وأرباحها، و الإشكالية التي تطرح بالمنظمات هي في كيفية تحديد هيكل للأجور يتسم بالعدالة في الدفع في الدفع و يحقق أهداف الأفراد و المؤسسة، و يرى الاقتصاديون أن تحديد نظام عادل، لدفع الأجور لابد أن يرتبط بتقييم الأعمال و الذي يحدد الأجر المناسب لكل عمل، ووظيفة في المؤسسة، و أن الزيادات في الأجور و منح الحوافز و المكافئات لابد أن يرتبط بمستويات التحسن في إنتاجية العمل، و إلا سوف تؤدي هذه الزيادة في الأجور إلى إنخفاض أرباح المؤسسة و تحمل الخسائر.
كما يمكن للأجور أن تمارس، تأثير مباشر على مستوى الادخار، بالتالي تكوين رأس مال و من ثم معدلات النمو الاقتصادي و إمكانيات التشغيل، و فرص العمل، و ينطلق هذا التصور على افترضن أن الارتفاع في الأجور سوف يؤدي إلى زيادة الاستهلاك و الادخار حيث الفائض بعد الاستهلاك يجول على ادخار و هذا الأخير يعد مصدر للاستثمار و بالتالي زيادة في النمو الاقتصادي و تحقيق التنمية الاقتصادية ففي الفكر الاقتصادي “الكينزي” تمثل أي الأجور- مصدر إنفاق على السلع و الخدمات و بالتالي زيادة و انتعاش، الطلب الفعال الذي يحرك الإنتاج و يحقق النمو الاقتصادي، على العكس من ذلك في الفكر الكلاسيكي إذ تعتبر مصدر التكاليف، و يجب كبحها فهي تقلص، من أرباح المشروعات و بالتالي فرص التوسع في الاستثمار، و من ثم الإيرادات العامة للدولة (الضرائب) مما يضر بقضية التشغيل و التنمية الاقتصادية.
و أخيرا فإن الزيادات الكبيرة في الأجور على المستوى القومي، إن لم تكن مصحوبة بزيادة مماثلة في الإنتاجية فإنها سوق تؤدي إلى رفع أسعار السلع و التي تترجم إلى ضغوط تضخمية
3- النظريات الاقتصادية في تحديد الأجور
تختلف النظريات الاقتصادية في تحديد الأجر الذي يأخذه العامل لقاء عمله و سبق و أن أوضحنا أن هناك اختلاف النظرة نحو الأجور، في كل من النظامين الاشتراكي و الرأسمالي و لذلك سنتعرض هنا إلى بعض النظريات التي تفسر لنا كيفية تحديد الأجر من وجهة نظر الفكر الاقتصادي
3-1- نظرية أجرة الكفاف أو حد الكفاف: و قد صاغ هذه النظرية و روج لها كل من “أدم سميث” و” ريكاردو” و ترى ، أن أجر العامل يتحدد عند الحدود الدنيا من مستوى العيش، الذي يضمن بقاءه و ممارسة نشاطه و أسرته، دون زيادة أو نقصان، كما أن الارتفاع أو الانخفاض في الأجر يعتبر حالة وقتية نزول، ليعود بعدها الأجر مستواه عند حد الكفاف، تبرر هذه النظرية أن أي زيادة في الأجور العاملين سوف يتبعها زيادة في عدد السكان و التي تؤدي إلى زيادة في عرض العمل، و بالتالي التأثير على مستويات الأجور، و أن الاستمرار في ذلك يؤدي على انخفاضها لتصل إلى حد الكفاف مما يؤثر على قوة و إمكانيات العيش و البقاء مما يترتب عليه نقص في عدد السكان و القلة في عرض، ، العمل مما يؤدي مرة أخرى إلى ارتفاع الأجور على مستوى حد الكفاف.
3-2- نظرية مخصص الأجور : و قد صاغ هذه النظرية”جون ستيورات ميل” الاقتصادي الإنجليزي و تعتقد هذه النظرية أن أجر العامل يتحدد بمقدار الأرصدة التي يخصصها أصحاب رؤوس الأموال كبعض من أموالهم لتمويل قوة العمل في مشاريعهم و من هنا يتحدد مستوى الأجر المدفوع للعامل عن طريق قسمة مخصص الأجور على عدد العمال و يرجع ارتفاع الأجور حسب هذه النظرة إما لزيادة رأس المال، المخصص للأجور أو لنقص في عدد العمال
3-3 نظرية الإنتاجية الحدية: و ترى هذه النظرية أن قيمة الإنتاج الحدي أو العائد الحدي هي التي تحدد الطلب على أي عنصر من عناصر الإنتاج و على هذا فإن الطلب على أي عنصر إنتاجي هو عبارة عن طلب مشتف، أي تابع لإنتاجية ذلك العنصر، إما إنتاجية عنصر العمل تتحدد عن طريق ناتج العمل الأخير المضاف إلى العملية الإنتاجية.
و ترى هذه النظرية أن أجر العامل يتحدد عن طريق مقارنة الناتج الحدي للعمل (الإيراد الحدي) مع التكلفة الحدية المتمثلة في أجر العامل في سوق المنافسة التامة، فإذا كان الإنتاج الحدي للعمل (الإيراد الحدي) مع التكلفة الحدية المتمثلة في أجر العامل في سوق المنافسة التامة، فإذا كان الإنتاج الحدي.
و الإيراد الحدي للعمل أكبر من التكلفة الحدية (معدل الأجر) فإن المنتوج سوف يتنافسون في الطلب في العمل لزيادة إرباحهم و بالتالي سوف ترتفع الأجور حتى تتعادل، مع الإيراد الحدي فإن المنتجون يستخدمون عمال اقل، و ينخفض طلبهم على العمل مما يؤدي إلى إنخفاض الأجور ،للتعادل مع الأخير مع الإيراد الحدي للعمل
3-4 – نظرية القوة الشرائية: إن هذه النظرية لا تنظر إلى الأجور نظرة مجردة من خلال كونها تكلفة يتحملها صاحب المشروع لتغطية نفقات أحد عناصر الإنتاج بل هي قوى شرائية تحدد سوى الطلب على السلع والخدمات التي ينتجها أصحاب المؤسسات، و أن زيادة الأجور يعني زيادة القدرة الشرائية و التي تترجم إلى زيادة في الأسعار و الأرباح، و بالعكس فإن إنخفاض الأجور سوف يؤثر في الطلب على السلع و الخدمات، مما يؤدي إلى انخفاض في مستويات الأرباح للمؤسسة.
3-5- نظرية الطلب و العرض : و تعتبر هذه النظرية أن العمل سلعة يتحدد سعره (الأجر) من خلال العرض و الطلب حيث يتحدد الأجر بناء على تقاطع منحنى الطلب مع العرض كما أن زيادة الطلب على العمل أعلى من الطلب عليه و يؤدي إلى انخفاضه
3-6- فلسفة الأجور في الفكر الاشتراكي: وفقا للمفهوم الاشتراكي للعمل فإن هذا النظام لا يعتبر الأجر ثمنا لهذا العمل و إنما يعتبر جزءا من التخلي القومي الذي يتكون من عوائد عناصر هذا الإنتاج المختلفة و هي (الأجور، الفوائد، الأرباح،) و من ثم فإن تحديد مستوى الأجر إنما يتوقف على مستوى الناتج القومي والدخل القومي وعلى عدالة و توزيع هذا الدخل بين عوامل الإنتاج المختلفة و على مقدار العمل الذي يبذله العامل مساهمة منه في بناء النظام الاشتراكي و في دعم كيانه و هذا علاوة على ما تحرص عليه الدولة، و هي التي تملك عناصر الإنتاج المختلفة كما أن الأجر في هذا النظام يجب أن لا يقل على حد معين يضمن للعامل حياة كريمة معقولة و يتحدد أيضا من اثر تفاعل عنصري العرض والطلب و تحديد الأجر، كما أن الدولة في هذا النظام تقوم بتوزيع ما خصص للأجور في مبالغ على العاملين طبقا لما يبذله العامل من جهد و نوع العمل الذي ينجزه بمعنى أن العامل الذي يعمل في ظروف عمل شاقة يكون أجرها أعلى من اجر زميله الذي يعمل في ظروف عادية طبيعية
ثانيا : تقييم الأعمال كأساس في تحديد الأجور:
1- مفهوم تقييم العمل: لقد عرف معهد الإدارة البريطاني تقييم العمل على أنه “عملية تحليل و تثمين الأعمال لتحديد قيمها النسبية و استخدام هذا التثمين كأساس لموازنة هيكل الأجور
و عرفته لجنة خبراء تقييم العمل في هولندا على انه طريقة تساعد على ترتيب الأعمال ككل، ليكون هذا الترتيب كأساس لتحديد الأجور.
أما منظمة العمل الدولية عرفت تقييم العمل على انه، نظام يهدف على تحديد القيم بالنسبة للأعمال المختلفة في المؤسسة أو في القطاع الصناعي، و ذلك بالإستناد على أسس منطقية و من هذه التعاريف نميز تعريف منطقة الأعمال الدولية فبعض التعاريف تركز على ترتيب الأعمال و البعض الأخر يهتم بقيمة العمل، و التقييم يهتم أكثر بتحديد قيمة العمل أو مجموعة الأعمال، و مما يلاحظ من تعريف المعهد الإدارة البريطانية أنه أشار إلى أن التقييم يتضمن تحليل و تثمين الأعمال وفق هذا التعريف يعتبر التحليل كأنه جزء من التقييم و أنه لا يتم إلا لغرضه و لكن في الواقع إن التحليل يشكل مرحلة سابقة للتقييم و منفصلة عنه و أنه يتم تحليل الأعمال لأغراض متعددة سابقا و أن تناولها عندما تتطرقون إلى مفهومه و من بينها تقييم العمال، كما أنه لا يمكن القيام بتقييم الأعمال مهما يكن قد تم تحليلها مسبقا.
انطلاقا من التعاريف السابقة لمفهوم تقييم الأعمال، تبين لنا أنه يتمثل في تحديد أهمية كل عمل في المؤسسة قياسا بالأعمال الأخرى، ثم ترتيب هذه الأعمال بعد تقييمها في سلم يعكس قيمة و أهمية كل عمل، وتستخدم نتائج التقييم في تحديد هيكل الأجور و الرواتب
2- أهداف تقييم العمل
إن الهدف الأساسي من عملية تقييم العمل هو الحصول على التوافق الداخلي و الخارجي في دفع الرواتب والأجور، و المقصود بالتوافق الداخلي هو مبدأ انسجام الأجور المدفوعة للأعمال المختلفة في المؤسسة و يحقق هذا التوافق العدالة في الدفع حيث أنه من المنطقي أن يكون الأجر المدفوع لرئيس قسم ما أعلى من الأجر المدفوع لمرؤوسه، فلو فضل العكس يمكن القول بان هناك عدم تناسب أو توافق في الدفع، و في طبيعة الحال فإن الدفع يكون
وفقا لقيمة العمل نفسه، فهل رئيس القسم أكثر قيمة ، من عمل مرؤوسه ضمن القسم، أي أن الأعمال ذات القيمة العليا يدفع لها أكثر من العمال ذات القيمة الدنيا.
أما التوافق الخارجي فيشير إلى العلاقة المرغوب فيها بين هيكل الدفع بالمؤسسة، مع الدفع في المؤسسات المماثلة سواء في الصناعة أو على مستوى الاقتصاد عموما، فغالبا ما تسعى المؤسسات لأن يكون نظام الدفع لديها لا يقل عن نسبة الدفع في المؤسسات الأخرى.
إن التوافق الداخلي و الخارجي في الرواتب و الأجور المدفوعة يؤدي إلى تحقيق رضاء مشترك بين الإدارة والأفراد، حيث أن الإدارة تسعى إلى تحقيق العدالة في الدفع، و أن تحقق للأفراد هذه الرغبة، لذلك لابد من توافر نظام عادل لقياس و تحقيق قيمة الأعمال بالمؤسسة و هذا النظام يتطلب تحديد المستلزمات الضرورية التالية:
– توفر المعلومات الواضحة و الواقعية عن أوصاف و محددات العمل، بهدف تسهيل مهمة تحديد العوامل التي تحتويها الأعمال و قياسها.
– تحديد الأعمال التي من الممكن أخذها بنظر الاعتبار كأعمال أمامية (أساسية) في هذه العملية.
– تهيئة الأفراد العاملين في المؤسسة لهذه العملية، و تعريفهم بالأسس المعتمدة عليه( ).
3- تحديد هيكل الأجور:
لقد رأينا في العناصر السابقة كيف يتم تقييم الأعمال، و رأينا أن الهدف الأساسي من هذه العملية هو تحقيق نوع من التناسق الداخلي و الخارجي في دفع الأجور، حيث أن التناسق الداخلي يتحقق من خلال تحديد القيمة أو الأهمية النسبية للعمل بين مجموعة أعمال المؤسسة ككل، إذ أن الأعمال ذات القيمة الأعلى تأخذ أجورا أعلى، و الأعمال ذات القيمة الدنيا تأخذ أجورا منخفضة، بينما التناسق الخارجي فيتحقق بإيجاد نوع من التقارب بين الأجور التي تدفعها المؤسسة، و الأجور التي تدفعها المؤسسات الأخرى –في نفس الصناعة.
إن هذا التقييم في الأعمال إنما يظم الحقيقة تحقيق الهدف الأول، وهو العدالة الداخلية في دفع الأجور كما أنه يحدد لنا مقدار الأحر الذي يستحقه العامل، و إنما يحدد لكل عمل قيمة معبرا عنها بالنقط أو بترتيب معين أو أية صفة أخرى حسب طريقة التقييم المعتمدة ولأجل تحقيق التناسق الخارجي في دفع الأجور وتحديد المعدلات المناسبة لها، فإن تجب القيام بعمل آخر وهو تحديد هيكل الأجور أو ما يسمى تسعير الأعمال( ).
إن عملية التسعير تمثل الامتداد الطبيعي لعملية تقييم الأعمال و تهدف أساسا إلى خلق هياكل للأجور موازي لهيكل التقييم ( بالنقط، بالترتيب…..) المتولد من تقييم الأعمال بحيث نحصل على قيم محولة من نسب إلى قيمة نقدية تصبح في شكل أجور تدفع للقائمين بالأعمال، و تضمن تحقيق التناسق الخارجي.
ثالثا: أنظمة دفع الأجور
1- نظام الأجر الزمني:
حسب هذا النظام يحدد الجر على أساس وحدات من الزمن كالساعة أو اليوم أو الشهر التي يقضيها العامل في عمله مضروبة في معدل الأحر، كما أن العامل يتقاضى الأجر خلال الفترة الزمنية التي يقضيها في المؤسسة سواء أنتج أو لم ينتج، و لا يتغير هذا الأجر بتغير كمية الإنتاج و تصلح هذه الطريقة في الأحوال الآتية:
-الأعمال التي يصعب القياس الكمي لإنتاجها
-الأعمال التي يصعب تحديد العلاقة بين الإنتاج و الجهد المبذول فيه
– الأعمال التي يكون عامل الجودة فيها أهم من كمية الإنتاج
– الإنتاج الغير المتماثل
– الأعمال التي يحدث فيها أعطال يصعب تفاديها
و تعد هذه الطريقة من أقدم الطرق و أكثرها شيوعا في أغلبية المؤسسات إضافة إلى ذلك فهي تحضى بقبول أغلب أفراد القوى العاملة و ذلك للمزايا التالية:
– سهولة تطبيقها نظرا لسهولة حساب الأجر على أساسه
– ضمان دخل معين
– قلة النفقات الإدارية المتعلقة بإعداد الكشوف و سجلات الأجور
– يرحب الكثير من النقابات العمال بالعمل بهذا النظام تجنبا لنزاعات التي كثيرا ما تنشأ بسبب إتباع نظام الجر على أساس الإنتاج
و رغم كل هذه المزايا فإن هذا النظام لدفع الأجور لا يخلو من بعض العيوب أهمها:
-إن نظام الجر الزمني لا يشجع روح الابتكار و المبادرة و لا يوفر حافزا كافيا أمام أفراد القوى العاملة لتحسين إنتاجيتهم.
إن هذا النظام لا يفرق بين الفرد المنتج و غير المنتج، و بالتالي فهو لا يراعي الفروق بين الأفراد من حيث الأداء.
– فيظل هذا النظام صعب التنبؤ مقدما بتكلفة العمل كعنصر من عناصر الإنتاج، فالإنتاج قد يختلف بدرجة ملحوظة، بينما لا يختلف أجر العامل و نتيجة لذلك فإن تكلفة الوحدة من العمل قد يختلف من وقت لأخر( ).
2- نظام الأجر حسب الإنتاج:
عن هدف إدارة المؤسسة فيما يتعلق بدفع الأجور، هو تحقيق نوع من التوازن بين ما يدفعه الأفراد في شكل الأجور و محفزات، مع ما يقدمونه من مساهمات في شكل جهود أو إنتاجية و على هذا الأساس فإن تحقيق هذا التوازن يربط الأجر الذي يحصل عليه الأفراد بالإنتاج الذي يقدمونه.
إن نظام الأجر بالإنتاج يعني أن يحصل الفرد على أجر يعادل قيمة إنتاجية، و إن هذا الأجر لا يربط إطلاقا بالزمن الذي اشتغله العامل و بالتالي فإن الأجر يتحدد بضرب بعدد الوحدات المنتجة في اجر الوحدة ويرفع الجر الإجمالي بزيادة الإنتاج و ينخفض بانخفاضه و قد لايحصل العامل على أجر إذا انعدم إنتاجه، وبهدف نظام الأجر بحسب إنتاج على تحقيق هدفين اثنين:
• تحقيق التوازن بين إجمال الأجور و إجمالي الإنتاج على المستوى القومي لتلاقي الضغوط التضخمية الناشئة على ازدياد الأجور بمعدل أسرع من معدل الزيادة في الإنتاج.
• زيادة النتائج و تحسين الإنتاجية، بإيجاد الحافز لدى العمال على زيادة الجهد و تحسين الأداء.
• أن نظام الأجر بالإنتاج.
صلح تطبيق هذا النظام في الحالات التالية:
• الأعمال التي يسهل قياس إنتاجها و إنتاجية أفرادها بوحدات كمية ، كالأعمال المتعلقة بصناعة الحديد و البناء……إلخ.
• حالة الإنتاج النمطي ذي المواصفات النمطية، و تمييز بالتدفق المنظم، و لا تكون هناك أعطال كبيرة.
• في حالة وجود نظام للرقابة و الإشراف على العمال من جانب الإدارة، أو لا يتوفر الوقت الكافي من جانب الإدارة لمراقبة العمال.
• عندما يكون من السهل اختيار جودة الإنتاج، أو عندما تكون اعتبارات الجودة أقل أهمية من الكمية المنتجة.
إلى جانب كل هذه المزايا، فإن هناك مجموعة من العيوب تصاحب هذا النظام:
– إشكالية تحديد المعايير التي يتم دفع الجر على أساسها
– احتمال التضحية بالجودة في سبيل زيادة كمية الإنتاج
– إرهاق موارد المؤسسة البشرية و المادية.
– اهتمام العوامل بإنتاجية و إهماله لعوامل أخرى لها أهميتها مثل: سلوكه الوظيفي، و تعاونه مع الآخرين( ).

خاتمة الفصل الثاني:
نظم معلومات تسيير الموارد البشرية لها علاقة وطيدة بأفاق تناول مشكل المورد البشري في المنظمة، لأن نجاح هذه الأخيرة مقرون قبل كل شيء بطريقة دمج بين جزء مؤقت في الأعمال الروتينية و جزء يدوي قادر على ضمان الجودة، الليونة و الإثراء، في تسيير العلاقات بين الأفراد المنظمة.
و أمام تعقيد المشاكل التي تواجهها إدارة الموارد البشرية فيما يخص نظم المعلومات، فإن تكوين المواد البشرية يمكن أن يشكل مساعدة معتبرة لتهيئة و مواكبة اتخاذ المسؤولية في استعمال الإدارة المعلوماتية ( الأجهزة و البرمجيات) بشكل كامل من اجل تحقيق كفاءة عالية في ممارسات التسيير. و سيتجلى ذلك من خلال تطرقنا للفصل الثالث( دراسة حالة).

الفصل الثالث :
مقدمة الفصل الثالث :
-بعد تطرقنا إلى القسم النظري الذي تناول تطور إدارة الموارد البشرية وكذا نظام معلومات تسير الموارد البشرية، نجد من الضروري أن نقوم بدراسة ميدانية لتحديد مدى فعالية المورد البشري بالمؤسسة الإستشفائية (محمد بوضياف) بالمدية، و كذا دور نظام المعلومات داخل المؤسسة، و الذي سنتطرق فيه إلى تحليل استمارات استبيانيه و تحليل أسئلة المقابلة، بعدها تفسير النتائج.

المبحث الأول: ماهية المؤسسة
المطلب الأول: التعريف بالمؤسسة:
المؤسسة الإستشفائية “محمد بوضياف” قديمة النشأة بناها الاستعمار الفرنسي، حيث بدأت نشاطها عام 1959م، بأطباء أجانب و جزائريين، تتكون من 13 مصلحة إضافة إلى مصلحة الاستعجالات، و تتمثل هذه المصالح في مايلي:
– مصلحة جراحة (النساء و الرجال)
– مصلحة جراحة العظام (رجال –نساء)
– مصلحة طب داخلي (رجال –نساء)
– مصلحة طب العيون
– مصلحة الأنف و الأذن و الحنجرة
– مصلحة الولادة
– مصلحة أمراض النساء
– مصلحة طب الأطفال
– مصلحة جراحة الأطفال
– مصلحة الأمراض الصدرية (رجال- نساء)
– مصلحة الكلى
– مصلحة العمليات (جناح العمليات)
– مصلحة ما بعد العمليات
و هذه المصالح مرتبطة ب 3 مصالح رئيسية تشرف عليهم:
– مصلحة المخبر
– مصلحة حقن الدم
– مصلحة الأشعة
إضافة إلى ذلك هناك (880) عامل يسهرون على خدمة المرضى و (520) سرير، كما صنفت الوزارة المستشفيات إلى (3) أصناف ” أ، ب، س” و المستشفى ” محمد بوضياف بولاية المدية يصنف ضمن “أ” إلا أن هناك فرق بين الأصناف الثلاثة:
“أ” مستشفى متخصص يفوق عدد أسرته (500) سرير مثلا مستشفى بن عكنون متخصص، في أمراض القلب، مستشفى الدويرة متخصص في أمراض العظام.
“ب” تتراوح عدد أسرته ما بين (250) و (300) سرير و هو أقل درجة من “أ” من حيث الاختصاصات، و رواتب العمال.
“س” أقل من (200) سرير و هو أقل درجة من “أ” و “ب”
و النشاط الإداري للمستشفى، يغلب عليه الطابع العلاجي أكثر منه إداري .
المطلب الثاني: الهيكل التنظيمي للمؤسسة
يتمثل الهيكل التنظيمي للمؤسسة فيمايلي:
تم تصميم الهيكل التنظيمي في سنة 1982م، و طرأت عليه تعديلات سنة 1997م و بدا العمل به في سنة 1998م ، و كان تقسيمه كالآتي:
المدير العام و له فرعين يتمثلان في مكتب التنظيم و مكتب الاتصال، لهم علاقة مباشرة بالمدير .
أولا- مكتب التنظيم: و يظم المديرية الفرعية لإدارة الوسائل و التي تنقسم بدورها إلى
1) مكتب حساب التكاليف: يقوم بعملية تقييم تكاليف المستشفى
2) مكتب تسيير الموارد البشرية: يهتم بالعنصر البشري
3) مكتب الميزانية و المحاسبة: يقوم بعملية محاسبة المصالح الأخرى على العمل.
ثانيا- مكتب الاتصال: يظم المديرية الفرعية للمصالح الاقتصادية و التي تنقسم بدورها إلى قسمين :
1) مكتب المصالح الاقتصادية
2) مكتب النشطات و صيانة الهياكل
ثالثا- المديرية الفرعية للنشطات الصحية: لها علاقة مباشرة بالمدير و تنقسم بدورها إلى :
1) مكتب الوقاية
2) مكتب تقييم النشاطات الصحية
3) مكتب الدخول
4) مكتب الاستقبال و التوجيه
و في سنة 2022 طرأت على الهيكل التنظيمي بعض التغيرات و المتمثلة في إضافة المديرية الفرعية للصيانة و التجهيزات إلا انه هذه الأخيرة لم تنصب ، فالمديرية الفرعية و المالية و الوسائل هي التي تتكفل بأعمالها، و مكتب تسير الموارد البشرية بعد أن كان تابع للمديرية الفرعية لإدارة الوسائل أصبح مديرية فرعية للموارد البشرية منفصلة.
و يمكن تجسيد الهيكل التنظيمي في الشكل التالي:

الشكل رقم(9) : التمثيل البياني للهيكل، التنظيمي للمستشفى”محمد بوضياف” بالمدية

قبل 2022

بعد 2022
>

المصدر: مديرية الوسائل المادية بالمستشفى

المطلب الثالث: دراسة الموارد البشرية في المؤسسة
العنصر البشري يعتبر أهم عناصر الإنتاج لذا يجب دراسته و الاهتمام به للوصول إلى الهدف المرجو لخدمة المصلحة العامة.
أولا: مهام الموارد البشرية في المؤسسة
تهتم بالحياة المهنية للموظف (منذ دخوله من أول يوم حتى التقاعد تقدر هذه الفترة بـ32 سنة).
و من جملة الأشياء التي تقوم بها أيضا:
– تنصيب العمال و الاحتفاظ بملفاتهم و تمر عملية التنصيب بالخطوات التالية :
1) محضر تنصيب: فيه السنة و اليوم و الشهر و اسم الموظف و صنف الوظيفة مع إمضاء المدير و الشخص المعني.
2) مقرر التعيين: يظم قرار تعيين الموظف مع إمضاء المدير العام
3) تكوين الملف الخاص، بالموظف و الاحتفاظ به في مكتب مديرية الموارد البشرية.
حيث يكون الشخص في العام الأول متربص من الدرجة “0” العام الثاني يتم الترسيم أو التثبيت الدرجة “1” و بعدها يدخل في الأقدمية
4-التكفل برتبة العميل: وتكون من حسب الدرجة و الصنف حيث أن الدرجة (1-2) حالية ومن (1-10) قديمة.
5) وضع التكفل بأجور العمال حيث يحدد أجر العامل على أساس تصنيفات و ليس المهنة في حد ذاتها، ويتكون الأجر من أجر العامل يضاف إليه اجر المهارة (حسب الدرجة).
6)تتكفل بالعطل الاستثنائية أو المرضية
7)تتكفل بوضع ملفات التقاعد .
ثانيا : طرق تقدير الاحتياجات في المؤسسة
من خلال أنشطة السنة الجارية و في 31-12 من السنة تظهر بعض النقائص، و بعض الإيجابيات.
النقائص: يتم تسجيلها من طرف المدير في أخر السنة بمعية المجلس الإداري إضافة إلى المجلس الطبي و يبعث بها إلى مدير الصحة بتزويدهم بتلك النقائص، (كسيارات الإسعاف أو الأدوية، أو الأخصائيين…الخ) ثم مديرين الصحة يأخذ كل هذه النقائص و التي تخص كل القطاعات الصحية بالولاية إلى الوزارة، ثم الوزارة تبعث إلى كل مدير بين الصحة في كل الولايات و تتم المناقشة مع كل مدير على حدى، بحظور مديرين الوزارة حول سبب النقص، مع إثبات ذلك بالأدلة لأنه في حالة عدم أدلة يتم رفض ما هو مطلوب ثم يرفع الوزير طلب إلى رئيس الحكومة لتزويده بالمبلغ المالي المخصص، لذلك.

المبحث الثاني : دراسة حالة
المطلب الأول: تحليل أسئلة المقابلة
من خلال زيارتنا الميدانية إلى مستشفى :” محمد بوضياف” بولاية المدية أجرينا حوار مع مدير مصلحة الموارد البشرية السيد: مختار بوقيريط و طرحنا عليه بعض، الأسئلة تخص، وظيفة الموارد البشرية على مستوى المؤسسة و كانت المقابلة بالشكل التالي:
* س1: ما هو النظام المتبع لدفع الأجور على مستوى المؤسسة؟
*ج1- عند التوظيف يقدم محضر التنصيب و مقرر التوظيف المباشر.
حيث أنه نسخة تبقى عند الموظف.
– نسخة تبقى في الملف (ملف العامل في الإدارة)
– نسخة تبعث إلى الوظيف العمومي.
– مصلحة الأجور تطلب من الموظف شيك يؤخذ منه الرقم البريدي
و بعد توظيف العمال و توجيهم حسب التخصصات الموجودة في المستشفى:
– شبه الطبي.
– الطب.
– الإدارة.
مع العلم أن كل تخصص يوجه له مبلغ مالي مبعوث من وزارة الصحة حيث توجه هذه المبالغ إلى خزينة المستشفى، ثم أمين الخزينة يبعث المبلغ المخصص لكل تخصص(شبه طبي،طب، الإدارة) مصحوبا بقائمة عمال هذا التخصص، إلى القابض، وهو موظف تابع لمصلحة الضرائب،حيث يقوم هذا الأخير بإجراء اقتطاعين على الأجر.
– اقتطاع الضمان الاجتماعي
– اقتطاع التقاعد
والمبلغ الباقي يكتب في الشيك و يرسل إلى مصلحة البريد و المواصلات مصحوب بقائمة العمال المعنيين، فتقوم مصلحة البريد بإدخال، قائمة العمال و المبالغ المخصصة بذلك في جهاز الكمبيوتر ثم توزع الأجور على أصحابها.
*س2- في حساب العلاوات و المكافآت هل تعتمدون على المعطيات المتعلقة بالإفراد؟
ج2- لا نعتمد على المعطيات المتعلقة بالأفراد في حساب العلاوات و المكافآت، لأن الإدارة لا تستطيع مكافأة العمال، بل هناك مكافآت قانونية تدخل ضمن الأجر تبعث من طرف الوزارة الوصية مثلا العاملين ليلا و العاملين(في العطلة الأسبوعية)، كما أن هناك مبلغ خاص، خارج الميزانية يوجه إلى مصلحة الخدمات الاجتماعية لمكافأة العمال،كخدمة تحفيزية له مثلا(بعثة تترواح بين (25-30)شخص إلى العمرة، بعثات طلابية من (1-10) أفراد إلى الخارج، زيادة مواليد مكافأة تقدر بـ 1000 دج، وفاة مكافأة تقدر بـ 10000دج، البيع بالتقسيط….إلخ.
*س 3- إذا أردتم قياس أداء أحد المستخدمين فكيف يتم ذلك ، (كيف يتم جمع المعلومات)؟.
ج3- نحن كإدارة نقيمه تقييم معنوي و مادي، من خلال التقارير التي تبعث من طرف رئيس المصلحة التابع لها تعرف سلوكات هذا الموظف:
– من خلال المعاملات
– من خلال الانضباط في العمل
– من خلال تصرفاته مع المرضى…إلخ.
قبل اتخاذ أي إجراء قانونيا يبعث له تنبيه.
س4- هل ترون من الضروري استخدام خرائط أو مخططات لحركة المعلومات في المؤسسة، و إذا كانت الإجابة بنعم هل تعتقدون أن هذا سيسهل عملية التسيير في المؤسسة؟
ج4- نعم من الضروري استخدام مخطط لحركة المعلومات داخل المؤسسة و ذلك من أجل التنظيم.
س5- هل تم اعتماد نظام المعلومات ضمن مؤسستكم إذا كانت الإجابة بنعم هل يؤدي هذا النظام دورا بارزا في تسيير مختلف الوظائف؟
ج5- على مستوى المؤسسة يستعمل نظام المعلومات و لكن لم يستغل جيدا لذلك من الأحسن عدم استعمال المعلوماتية لوحدها في المؤسسة بل، من الأحسن استعمال اليدوية و ذلك لمواجهة بعض المخاطر مثل الفيروسات صعوبة استخراج الوثائق من الكمبيوتر و ذلك لنقص خبرة العاملين…الخ.
س6- هل تلاحظون وجود فرق واضح في العمليات التسييرية بعد اعتماد مخططات لحركة المعلومات داخل المؤسسة؟
ج6- نعم هناك وجود فرق واضح في العملية التسيرية بعد اعتماد مخططات لحركة المعلومات داخل المؤسسة.
س7- إذ وجد (حدث) خلل في إحدى الوظائف الإدارية هل يساهم نظام المعلومات الذي تعتمدونه في اكتشاف مثل هذه الحالات؟
ج7- لا يساهم نظام المعلومات في اكتشاف الخلل، بل اكتشافها بالطريقة اليدوية أحسن.
س8- إذ تم اعتماد تعليمة داخلية في المؤسسة ما هي سرعة وصولها أو تنفيذها داخل المؤسسة؟
ج8- في حالة دخول المعلومة المدير العام يبعثها إلى مكتب الاتصال و مكتب الاتصال يبعثها إلى المصلحة المعنية و المصلحة المعنية تنشرها بين العمال.
من خلال المقابلة الشخصية مع مدير الموارد البشرية في المؤسسة يتضح أن لهذه المصلحة “الموارد البشرية” دور بارز على مستوى المؤسسة، كما يظهر انه على مستوى هذه المصلحة يوجد نظام معلومات لكن غير معتمد بصفة رسمية لكن بآلية تلقائية، من خلال خرائط العمل و كذا وسائل الاتصال فيما بين إدارات المؤسسة.
كما تبين أن لهذا النظام الموجود بصفة تلقائية دورا مهما من خلال الأهمية البارزة لهذا النظام إذ يساهم في تجنب الكثير من الصعوبات و المسائل المتعلقة بوظيفة الموارد البشرية في هذه المؤسسة.
المطلب الثاني : تحليل الاستمارات
عند زيارتنا إلى المستشفى، تم توزيع استمارات إستبيانية على العمال، و كانت الآراء تختلف حول الأسئلة المطروحة :
س1- ما هي الفئة الأكثر نشاطا في المؤسسة؟
الجدول رقم (2 ) : توزيع الأفراد حسب النشاط
البيان الإجابة النسبة
20-29 05 %25
30-49 10 “50
50-60 05 %25
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية بالمستشفى.
– من خلال الجدول يتضح لنا أن الفئة العاملة في المؤسسة يتراوح سنها ما بين 30-49 و هي الفئة الأكثر رشادة، و هذا يدل على حسن التسيير في الجهاز الإداري و تناسق أفكارهم و خروج بقدرات سليمة تخدم المصلحة الخاصة و العامة
س2- ما هو المستوى التعليمي للعاملين داخل المؤسسة؟
الجدول رقم (3 ) : توزيع الأفراد حسب المستوى التعليمي
المستوى التعليمي الإجابة النسبة
بكالوريا أو اقل 11 %55
جامعي أو ليسانس 04 %20
خريجي معاهد أو مدارس 05 %25
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية

من خلال الجدول أعلاه يمكن تصنيف المستوى التعليمي في هذه المؤسسة إلى ثلاثة أصناف مستوى تعليمي جيد و يتمثل في خرجي معاهدا و مدارس بنسبة %25 و مستوى تعليمي متوسط يتمثل في المستوى الجامعي أو ليسانس بنسبة %20 و مستوى تعليمي دون المتوسط و يضم بكالوريا و اقل %55 و هو المستوى الغالب في المؤسسة.
و هذا يعني وجود كفاءات و مهارات مختلفة داخل المؤسسة، مما يدل على حسن التصرف و اتخاذ القرارات السليمة في هذه الأخيرة .
س3- الأقدمية في الوظيفة
الجدول رقم (4 ) : توزيع الأفراد حسب الأقدمية
الأقدمية الإجابة النسبة
أقل من 6 سنوات 04 %20
6-20 سنوات 12 %60
أكثر من 20 سنة 04 %20
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
يبين لنا الجدول أعلاه من خلال دراستنا له، اقدمية العمال داخل المؤسسة و تقسيمهم إلى فئات، نجد أن الفئة الأولى و الثالثة أي اقل من 6 سنوات و أكثر من 20 سنة تمثل نسبة %40 موزعة بالتساوي، أما بالنسبة للفئة الثانية من 6 سنوات إلى 20 سنة فهي تمثل نسبة %60 ، هذا يدل على وجود خبرات متنوعة تختلف من فئة إلى أخرى حسب الأقدمية في العمل و منه نستنتج أن الفئة الثالثة فئة ذات أقدميه طويلة جدا و خبرة و مهارة في مجال العمل، أما بالنسبة للفئة الأولى فهي فئة جديدة ذات أقدميه متوسطة، أما بالنسبة للفئة الثانية فهي الفئة التي تمثل اكبر نسبة في الأقدمية داخل المؤسسة و هي اقل خبرة من الفئة الثالثة و أكثر خبرة من الفئة الأولى.
س4- كيف تقيم مستوى التكنولوجيا الجديد للمعلومات و الاتصال المعتمد في المؤسسة؟
الجدول رقم (5 ) : توزيعات الأفراد حسب المستوى التكنولوجي
البيان الإجابة النسبة
متطورة 04 %20
متوسطة 14 %70
سيئة 02 %10
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
من خلال الجدول يتضح لنا أن مستوى التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال المعتمد في المؤسسة متوسطة إذا تمثل نسبة %70 عن باقي المستويات هذا يدل على أن المؤسسة ما زالت بحاجة إلى الوسائل القديمة لتسيير شؤونها فهي لا تعتمد التكنولوجيا بشكل كبير.
س5- هل توافق على مضاعفة استعمال التكنولوجيا الجديد للمعلومات و الاتصال في المؤسسة؟
الجدول رقم (6 ) : توزيعات الأفراد حسب مضاعفة استعمال التكنولوجيا
البيان الإجابة النسبة
موافق 12 %60
معارض 00 %00
غير مهتم 08 %40
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
من خلال الإجابة على هذا السؤال تبين أن هناك نسبة عالية من العمال تمثل %60 موافقة على استعمال التكنولوجيا جديدة للمعلومات و الاتصال في المؤسسة في حين أن هناك نسبة %40 غير مهتمة لذلك، و لا توجد أية معارضة على استعمال التكنولوجيا.
س6: هل العمل باستعمال التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الإتصال؟
الجدول رقم (7) : توزيعات الأفراد حسب العمل بالتكنولوجيا
البيان الإجابة النسبة
جيد 05 %25
حسن 10 %50
سيئ 02 %10
لم يتغير 03 %15
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
استنادا إلى هذا الجدول هناك استعمال حسن للتكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال يقدر بنسبة %50
س7- هل تعتقد أن عملية إدخال التكنولوجيا الجدية للمعلومات و الاتصال على المؤسسة يؤثر على طريقة سير الموارد البشرية؟

الجدول رقم (8 ) : توزيعات الأفراد حسب تأثير التكنولوجيا على تسيير الموارد البشرية
البيان الإجابة النسبة
نعم 18 %90
لا 02 %10
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
بناءا على الإجابة المقدمة و فإن عملية إدخال التكنولوجيا الجديدة للعمليات و الاتصال على المؤسسة يؤثر على طريقة تسيير الموارد البشرية،إذ يرى أكثر من %90 ممن شملهم الاستبيان أن ذلك ممكن، مما يبرز الأثر الواضح لأنظمة معلومات على تسيير الموارد البشرية.
س8- إذا كانت الإجابة بنعم فهل يؤثر ذلك ؟
الجدول رقم (9 ) : توزيعات الأفراد حسب نوع الإجابة (بالسلب أو الإيجاب)
البيان الإجابة النسبة
سلبا 02 %10
إيجابيا 18 %90
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
من خلال الإجابة السابقة يتضح لنا أن عملية إدخال التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال على المؤسسة يؤثر بالإيجاب على تسيير الموارد البشرية في المؤسسة بنفس النسبة التي ترى إدخال نظام المعلومات
س9: هل تلجا مصلحة الموارد البشرية في عملية استقطابها لمهارات جديدة إلى الاتصال الإلكتروني؟
الجدول رقم (10 ) : توزيعات الأفراد حسب الإجابة بنعم أو لا
البيان الإجابة النسبة
نعم 12 %60
لا 08 %40
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
بناءا على الإجابة يتضح لنا أن مصلحة الموارد البشرية تلجأ في عملية استقطابها لمهارات جديدة إلى الاتصال الإلكتروني.

س10- هل تلجا المؤسسة في عملية التوظيف إلى سوق العمل الإلكتروني عبر شبكة الانترنت؟
الجدول رقم (11 ) :توزيعات الأفراد حسب الإجابة
البيان الإجابة النسبة
نعم 04 %20
لا 16 %80
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
من خلال هذه نسب تلجأ المؤسسة في عملية التوظيف إلى سوق العمل الإلكتروني عبر شبكة الانترنيت.
س11: هل تلجأ مصلحة الموارد البشرية في عملية تكوين الموظفين إلى التكوين الإلكتروني؟
الجدول رقم ( 12) :توزيعات الأفراد حسب التكوين الإلكتروني
البيان الإجابة النسبة
نعم 02 %10
لا 18 %90
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
من خلال الجدول : لا تلجا مصلحة الموارد البشرية في عملية تكوين الموظفين على التكوين الإلكتروني.
س12: هل استطعت باستعمال التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال أن تثبت مكانتك داخل المؤسسة بشكل؟
الجدول رقم ( 13) :توزيعات الأفراد حسب حجم مكانة التكنولوجيا
البيان الإجابة النسبة
كبير 04 %20
متوسط 10 %50
ضعيف 06 %30
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
من خلال الجدول يتضح أن استعمال التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال لم يكن لها أثر بشكل كبير داخل المؤسسة و دليل تلك النسب المبينة في الجدول و التي توضح أن نسبة العمال الذين اثبتو مكانتهم داخل المؤسسة هي نسبة متوسطة تقدر بـ %50
س13: هل أدى استخدام التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال إلى تمكين العاملين من معلومات الموارد البشرية و سهولة وصولهم إليها؟
الجدول رقم ( 14) :توزيعات الأفراد حسب استعمالهم للتكنولوجيا
البيان الإجابة النسبة
نعم 16 %80
لا 04 %20
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
نعم استخدام التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال أدى إلى تمكين العاملين من معلومات الموارد البشرية و سهولة وصولهم إليها و ذلك من خلال البيان الموضح أعلاه.
س14: هل تستعمل شبكة الانترنت للوصول إلى المعلومات التي تحتاجها داخل المؤسسة؟
الجدول رقم ( 15) :توزيعات الأفراد حسب استعمال الانترنت
البيان الإجابة النسبة
غالبا 02 %10
احيانا 14 %70
ابدا 04 %20
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
هناك نقص في استعمال الانترنت داخل المؤسسة، هذا يدل على ضعف التكنولوجيا بهذه المؤسسة و ذلك من خلال الإجابة المبينة في الجدول
س15: هل أدى إدخال نظام معلومات الموارد البشرية إلى المؤسسة إلى إعطاء شكل أحسن للمعلومات مما يسهل التعامل معها؟
الجدول رقم ( 16) :توزيعات الأفراد حسب أثر نظام المعلومات
البيان الإجابة النسبة
نعم 16 %80
لا 04 %20
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
إن إدخال نظام معلومات الموارد البشرية على المؤسسة ساهم بشكل كبير في إعطاء شكل أحسن لمعلومات مما يسهل التعامل معها وفقا لنتائج الجدول أعلاه.
س16: هل ترى أن تجهيزات الاتصال و المعلوماتية في مكتبك قد اصبحت بعد ادخال التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال؟
الجدول رقم (17) :توزيعات الأفراد حول تجهيزات الاتصال والمعلوماتية
البيان الإجابة النسبة
جيدة 00 %00
كافية 04 %20
تتطلب التحسين 08 %40
لم تتغير 08 %40
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
من خلال الإجابة الموضحة في الجدول أعلاه نرى أنه هناك اختلاف أراء العاملين حول ادخال التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال فمنهم من يرى أنها لم تتغير و تتطلب التحسين بنسبة %40 بالتساوي و منهم من يرى أنها كافية و هذا بنسبة %20.
س17: هل أدى استخدام التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال في مجال تسيير الموارد البشرية داخل المؤسسة إلى تفعيل دور هذه الوظيفة بشكل؟
الجدول رقم ( 18) :توزيعات الأفراد حسب التأثير التكنولوجي
البيان الإجابة النسبة
كبير 04 %20
متوسط 14 %70
ضعيف 02 %10
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
– نلاحظ أن استخدام التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال في مجال تسيير الموارد البشرية داخل المؤسسة أدى إلى تفعيل هذه الوظيفة بشكل متوسط بنسبة %70

س18: هل تعتقد أن استعمال التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال قد سمح بوظيفة الموارد البشرية من أن تكون أكثر إستراتيجية و بان تمثل مكانة هامة في عملية اتخاذ القرار داخل المؤسسة؟
الجدول رقم (19 ) :توزيعات الأفراد حسب دور التكنولوجيا في المؤسسة
البيان الإجابة النسبة
نعم 16 %80
لا 04 %20
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
لقد أدى استعمال التكنولوجيا الجديدة للمعلومات و الاتصال إلى السماح لوظيفة الموارد البشرية من أن تكون أكثر إستراتيجية و بأن تحتل مكانة هامة في عملية اتخاذ القرار داخل المؤسسة و ذلك من خلال إجابة العمال.
س19: هل تؤدي الأعطاب في أجهزة المعلوماتية إلى الإخلال بدور إدارة الموارد البشرية بشكل؟
الجدول رقم (20 ) :توزيعات الأفراد حول الأعطاب في أجهزة المعلوماتية
البيان الإجابة النسبة
كبير 20 %60
متوسط 06 %30
ضعيف 02 %10
المجموع 20 %100
المصدر: مصلحة الموارد البشرية
– بناءا على المعلومات المقدمة يتضح انه إذا حدث أية عطب في أجهزة المعلوماتية هذا يؤدي إلى الإخلال بدور إدارة الموارد البشرية بشكل كبير و هذا بنسبة %60
إن الاستقرار العام لمختلف أسئلة الاستبيان يوحي بشكل واضح إلى بيان الدور الهام و البارز لنظام المعلومات المتعلقة بوظيفة الموارد البشرية في هده المؤسسة.
إذا تمحورت جمل الإجابات من شملهم الاستبيان حول دعم استخدام أنظمة معلومات متناسقة لدعم أداء الموارد البشرية، من خلال مواكبة التكنولوجي الحديثة و كذا مسايرة آليات التسيير الحديث و الفعال لمختلف الوظائف داخل المؤسسة.
رغم محدودية الوسائل المستخدمة في نقل المعلومة داخل هذه المؤسسة (كما و نوعا) إلا أن الأهمية البالغة لأنظمة المعلومات و خصوصا المتعلقة منها بالموارد البشرية تبقى في تزايد ملحوظ وفقا لما يبينه مدير مصلحة الموارد البشرية في هذه المؤسسة و كذا ما يؤيده من مختلف إجابات المستخدمين على مستوى هذه المؤسسة.
مما يظهر جليا الدور المتزايد لأنظمة المعلومات المتعلقة بالموارد البشرية في تحسين آليات تسيير هذه الوظيفة و رفع أدائها، و المضي بها نحو الأحسن.

خاتمة الفصل الثالث :
برجوعنا إلى النتائج التي تحصلنا عليها من دراسة التي أجريناها على المؤسسة الإستشفائية “محمد بوضياف”، تمكنا من الخروج ببعض الملاحظات، و هي أن المؤسسة تسعى إلى تطبيق الجانب المعرفي للرفع من فعالية التسيير فيها، إلا أن الواقع أكد أنها تفتقر للمادة المعرفية في تسييرها، و يرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب، كعدم استفادة عامليها من الدورات التدريبية التي من شانها أن تحسن أداءهم و كذا قلة استعمال شبكة الانترانت التي تكون حكرا على قلة معينة فقط، و كذلك استخدام أجهزة الحاسوب، و ذلك راجع لقلة التربصات.



شكرا على الموضوع

الف شكر على الموضوع

الاقتباس غير متاح حاليا

شكراااااا على المجهودات
بارك الله فيك
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر

التصنيفات
علم الاجتـماع

الهوية

مفهو الهوية : تاريخه وإشكلات

اكتسح مفهوم الهوية في بحر بضعة عقود مجمل العلوم الإنسانية. فقد فرض هذا
المفهوم نفسه حتى غدا بمثابة كلمة سحرية، وذلك في تحليل حقائق جد متنوعة
مثل علم نفس الأفراد، وتحولات الأديان، والعلاقات بين النساء والرجال،
وموضوعات المهن، والحياة الأسرية، والهجرة، والصراعات العرقية. يشهد على
ذلك ما يكتب من افتتاحيات كثيرة عن هذا الموضوع.

لكن لكل نجاح سلبياته؛ فنجاح انتشار مفهوم ما يكون دائماً على حساب تفهمه ومن ناحية أخرى، من النادر أن نجد تعريف “الهوية”.

إذن ماذا وراء هذا الانتشار الكبير؟ ما تعليل هذا النجاح؟

لاشك أنه من أجل الإجابة على هذا السؤال من المفيد أن نسطر -ولو بالخطوط
العريضة- تاريخ تطور دلالة هذه اللفظة في العلوم الإنسانية. فمتى ظهر
مفهوم الهوية بكثافة في الفكر الغربي، وفي أية ظروف؟

إنه سؤال غريب، كما قد يخطر على البال؛ إذ يبدو أن الهوية يمكن أن تعد ضمن
هذه المفاهيم التي ليس لها تاريخ. فهي تعتبر بمثابة كلمة مجردة، يرجع
استعمالها إلى الأصول الأولى للفكر. إن الفلاسفة ما قبل سقراط، مثل
بارميندس أو هراقليطس، كانوا دائماً محتارين حول مسألة هو ذاته والآخر(1)،
وكيف يمكن التوفيق بين التغير والهوية؟ كذلك طرح السؤال. وبالنسبة
لبارميندس، وللإيليين تبعاً له، من الصعب أن نفكر في التحول، لأنه إذا لم
يكن “أ” على ما كان عليه، فهل “أ” يبقى هو “أ”؟ وعلى خلاف ذلك بالنسبة
لهراقليطس: كل شيء في حركة دائمة(2)، ونحن نعرف قولته الشهيرة: “نحن لا
نغطس مرتين في الوادي نفسه”(3).

إذن لمفهوم الهوية -كما نرى- دلالة واسعة وجدّ عامة تتجاوز بكثير قضية
الهوية الإنسانية. يدل على ذلك لغز سفينة تيزوس التي عوضت أجهزتها ومواد
بنائها شيئاً فشيئاً طوال مدة رحلاتها بين بيراس وديلوس(4): فسوفسطائيو
أثينا تساءلوا هل فعلاً يتعلق الأمر في النهاية بالسفينة نفسها؟ المشكلة
إذن تكمن في هذه السفينة التي تم تجديدها كليًّا أو في ذاك الشخص المسمى
سقراط بالنظر إلى جميع مراحل حياته، هل يمكن أن نقول: إنهما هما أنفسهما
بالرغم من التحولات التي طرأت عليهما.

لكن لاشك أن الإشكالية المعاصرة لمفهوم الهوية لا تعود في أصلها إلى
التراث الميتافيزيقي. إذ بعد أكثر من عشرين قرناً، تحددت المسألة، حيث
بدأت تقترب بما يشغل العلوم الإنسانية والاجتماعية حالياً، وذلك بفضل
الطريقة التي طرح بها الفلاسفة الإمبريقيون -وعلى رأسهم دافيد هيوم وجون
لوك-(5) مشكلة الهوية الشخصية: كيف يمكن التفكير في وحدة الأنا في الزمان؟
هل أنا الشخص نفسه الذي كنته قبل عشرين سنة؟ لقد اقترح لوك حل إشكال
الهوية الشخصية بفكرة الذاكرة: إذا كنت الشخص ذاته الذي كان قبل عشرين
سنة، فلأنني أذكر مختلف المراحل التي مر بها وعيي أو شعوري.

إن الإشكال وحله قضيتان عصيبتان، لكنهما تظلان محصورتين في إطار الفلسفة.
وفي الحقيقة، تبقى الهوية الشخصية مسألة تقنية ودقيقة من اختصاص الفلاسفة.
أما بالنسبة للرأي العادي لعموم الناس، فالجواب نعم، فأنا هو نفسه من كان
قبل سنتين، فهذا أمر بدهي. ونذكر أخيراً أنه -فيما بعد- تبنت علوم
“الإدراك البشري”(6) إشكالية لوك ودرستها بطريقة خاصة أكثر نفاذاً. وفي
جميع الأحوال، لا نجد في هذه الأعمال الفلسفية الأصل الحقيقي لتسرب مفهوم
الهوية إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية.

* إريك إريكسون: صاحب مفهوم الهوية

لقد قام عالم النفس إ. إريكسون(7) بدور مركزي في انتشار استخدام هذه
الكلمة وتوسع شعبيتها في العلوم الإنسانية. ففي سنة 1933 غادر هذا العالم
-الذي تكوّن في مدرسة التحليل النفسي- فيينا حيث تابع دروس أنا فرويد(
إلى الولايات المتحدة. وهناك اكتشف الأعمال الأنثروبولوجية للمدرسة
الثقافوية، وكان ذلك دافعاً له لتطوير أسس نظرية فرويد في مجال العلوم
الاجتماعية. وفي الواقع، كانت مدرسة “الثقافة والشخصية” -بعلمائها
الأنثربولوجيين كأبرام كاردينر أو مارغريت ميد(9)- تعكف على دراسة العلاقة
بين النماذج الثقافية لمجتمع معين وأنواع الشخصية السائدة بين الأفراد
الذين يشكلون هذا المجتمع. وفي سنوات الثلاثينات عمل إريكسون في المحميات
الهندية لقبائل السيو بداكوتا الجنوبية(10) وفي قبيلة يوروك بكاليفورنيا
الشمالية، ودرس “الاجتثاث الثقافي” لهؤلاء الهنود المعرضين لموجة الحداثة.
ثم نشر في سنة 1950 كتاب “طفولة ومجتمع”، حاول فيه تجاوز نظرية فرويد
بالتأكيد أكثر على دور التفاعلات الاجتماعية في بناء الشخصية. فاعتبر أن
الهوية الشخصية تتطور طوال وجودها عبر ثمانية مراحل تقابلها ثمانية أعمار
في دورة الحياة. و “أزمة الهوية” (وهذا التعبير الذي نقرؤه اليوم في كل
مكان… هو من صياغة إريكسون) تتطابق مع تحول يقع في مسيرة تطور الهوية:
والأزمة الأبرز هي تلك التي تحدث في المراهقة، لكن يمكن أيضاً أن تحدث في
مرحلة لاحقة من عمر الشخص حين تعرضه لصعوبات خاصة.

لكن في البداية لم يطلع على عمل إريكسون إلا المختصون في علم النفس. وفي
نهاية الخمسينات اشتهر هذا العمل بين جمهور أوسع، خصوصاً مع إعادة طبع
كتاب “طفولة ومجتمع” سنة 1963، والذي يعد حدثاً حقيقياً.

* استخدام علم الاجتماع للمفهوم

كل هذا معروف، ويكاد الجميع يتفق على أن إريكسون هو أب كلمة “الهوية”
بالمعنى المعاصر. لكن يجب أيضاً -كما بينه المؤرخ فيليب كليزون(11) في
التأريخ الدلالي الذي يقترحه للهوية- رصد مسارب أخرى لتوسع استعمال
المفهوم عن طريق استعارة مفهوم “التكنه”، خارج الإطار التحليلي النفسي
(والتكنه يعني لدى سيغموند فرويد الأسلوب الذي به يتمثل الطفل أشياء أو
شخوصاً خارجية)(12).

من جهة، ولأول مرة، ربط الكتاب الهام لعالم النفس كوردن آلبور(13): “في
حقيقة الإذاية”، المنشور سنة 1954، بين تحقيق الذاتية والعرقية. ومن جهة
أخرى، ربط مفهوم التكنه بعلم الاجتماع عبر نظرية الأدوار، وكذلك عبر نظرية
“جماعة المرجعية”. هكذا فسر نيلسون فوت، في بداية الخمسينات، التكنه
باستعارة الفرد الواحد لهوية واحدة أو لسلسلة من الهويات. وعنده أن التكنه
هي الصيرورة التي تمكن من فهم لماذا نبحث عن القيام بدور ما. أما نظرية
مجتمع المرجعية (والتي تعني الجماعة التي يحدد الفرد هويته عبرها وفي
إطارها، فيستعير قيمها ومعاييرها بدون أن يكون بالضرورة عضواً فيها) فقد
كسبت احتراماً بين المشتغلين بعلم الاجتماع، خصوصاً بتأثير روبر
ميرتون(14)، كما ساهمت في توسيع شعبية الهوية ومشتقاتها. وللعلم فقد
اكتسبت هاتان النظريتان الجديدتان أهمية استثنائية داخل حقول علم الاجتماع
وعلم النفس الاجتماعي في الخمسينات.

لكن لم يحتل مفهوم الهوية أهمية حاسمة في معجم علم الاجتماع إلا بواسطة
“التفاعلية الرمزية”؛ إذ هذه المدرسة تبحث بالضبط في الطريقة التي تشكل
عبرها التفاعلات الاجتماعية -وبناء على أنساق رمزية مشتركة- وعي الفرد
بنفسه. وهذا بحث في صميم إشكالية الهوية.

وبالرغم من ذلك لم يستعمل التفاعليون في البداية هذا اللفظ. ولهذا تفسير
قريب، ذلك أن الآباء المؤسسين لمنهج المدرسة -شارل كولي وجورج ميد-(15)
تكلما عن “الذات” Soi، وهو المصطلح الذي راج بين التفاعليين في الستينات.
ثم إن التفاعلية الرمزية انتقلت من استعمال اصطلاح الذات إلى استخدام
اصطلاح الهوية بدءاً من سنة 1963، وذلك حين نشر إيرفين جوفمان -أحد رؤوس
هذه المدرسة-: “آثار الجراح: ملاحظات على أسلوب التعاطي مع هوية
مدمرة”(16) وفي السنة ذاتها شهر بيتر برجر مفهوم الهوية وساهم في انتشار
استعماله، بكتابه: “دعوة إلى دراسة علم الاجتماع”(17)، وذلك حين خصّص له
حيّزاً هاماً في تقديمه لنظريات الأدوار والجماعة المرجعية، وكذا من خلال
المقاربة الظاهراتية التي طورها في كتابه هذا.

* الاعتراف بالأقليات

إذن فانتشار كلمة الهوية وتوسع استخدامها في علوم الاجتماع بالولايات
المتحدة كان في الستينات. ثم إن هذا الاستعمال كثر وتوسع وانتشر بسرعة
كبيرة حتى صار من المستحيل -كما قال ب. كليزون- أن نحدد المعنى الدقيق لكل
استخدام خاص لمفهوم الهوية. ثم إن الوضع السياسي بأمريكا ساهم بدوره في
ترسيخ اصطلاح الهوية، وفرضه على لغة الإعلام كما على التحليل الاجتماعي
والسياسي. ذلك أنه في نهاية الستينات برزت الأقلية الأمريكية من أصل
إفريقي، خصوصاً بظهور منظمة “الفهود السود” سنة 1966. ثم حذت أقليات أخرى
حذو حركة السود مطالبة بالاعتراف بخصوصيتها. وهذه الظرفية أنتجت “صحوة
هوية حقيقية” في سنوات السبعينات. وكما لاحظ ذلك عالم الاجتماع الأمريكي
روجر بروباكر(18)، فإن “تجربة الأمريكيين من أصل إفريقي مع قضية “الإثنية”
باعتبارها تصنيفاً يفرض نفسه، وفي الوقت نفسه باعتبارها تحديداً ذاتياً
للهوية… هذه التجربة كانت حاسمة ليس فقط لنفسها وفي داخل حدودها الخاصة،
بل أيضاً في تقديمها لنموذج الاحتجاج على أساس من الهوية، وهو النموذج
الذي استفادت منه جميع أنواع الهويات، بدءاً من تلك التي تتعلق بالجنس أو
بالاختيار الجنسي، وانتهاء بتلك التي تتأسس على “الانتماء الإثني أو
العرق”.

وقد انعكس هذا في حقل العلوم الاجتماعية على مستوى الهيكلة بتأسيس أقسام
متنوعة بالجامعة الأمريكية مثل الدراسات الأفرو-أمريكية (ويسمى هذا القسم
بـ”الدراسات السوداء”)، والدراسات النسوية، والدراسات الخاصة بطائفة
الشاذين جنسياً، والدراسات عن المكسيكيين المستقرين بالولايات
المتحدة(19)، والدراسات اليهودية. وتبدو هوية الأقلية بالنسبة لهذه الحقول
الدراسية معطى أوليًّا. كذلك قام مفكرو ما بعد الاستعمار من جانبهم،
كإدوارد سعيد وكاياتري سبيفاك، بمساءلة الهويات الهجينة والمختلطة التي
صنعها التاريخ الاستعماري.

إن عاطفة الانتماء إلى هوية ما لم تضعف في الثمانينات والتسعينات. ويذكر
تود جيتلان(20) إحصاءات جدّ معبرة: فبين سنتي 1980 و 1990 ارتفع عدد
الأمريكيين الذين يصرحون رسمياً بأن أصولهم تعود إلى الهنود الحمر بنسبة
255%، كما تضاعف عدد الذين صرحوا بأنهم أكاديون(21) عشرين مرة في الفترة
ذاتها! ومن الصعب أن نميز السبب في هذا التجوال الدائم بين حركة مطالب
الهوية واحتجاجاتها وتحليلات وسائل الإعلام ودراسات العلوم الإنسانية: إن
الخطاب الأكاديمي والإعلامي يعكس بلا شك وضعية يساهم هو نفسه في صنعها.
وعلى كل حال، فقد أصبح من غير الممكن تجاوز مفهوم الهوية، لا في الأبحاث
حول الهجرة، والمسألة القومية، والدين، ودراسات النوع(22)، ولا في الأبحاث
حول الإثنية.

وبالرغم من أن المصطلح نشأ ضمن العلوم الاجتماعية بالولايات المتحدة
وانتشر بها، فإن الأمر نفسه ينطبق على أوروبا التي أصبحت فيها الهوية
مفهوماً رئيساً. وبالطبع يعتبر تميز التاريخ الأمريكي -خصوصاً في مسألة
أهمية الأقليات التي نشأت عن موجات متعددة من الهجرة- عاملاً حاسماً في
انتشار المفهوم. لكن من المؤكد أنه توجد أيضاً أسباب سياسية صرفة كانت لها
آثار هامة على العلوم الاجتماعية، فكما يقول ر. بروباكر: “كان انتشار
مطالبات الهوية أمراً سهلاً بسبب الضعف النسبي المؤسسي لأحزاب اليسار
بالولايات المتحدة، والذي تزامن بدوره مع ضعف التحليل الاجتماعي والسياسي
القائم على اصطلاح الطبقية. ورغم أنه يمكننا جداً أن ننظر إلى الطبقة
الاجتماعية نفسها باعتبارها هوية، تبقى حقيقة أن ضعف سياسة الطبقية
بالولايات المتحدة (مقارنة بأوروبا الغربية) أمر شكّل تربة جد خصبة وحقلاً
حراً لتطور الاحتجاجات المؤسسة على الهوية”.

هذه الفكرة جذابة وتفسر لماذا بدا مفهوم الهوية فائق الأهمية بالولايات
المتحدة أولاً قبل أن يصير كذلك بأوروبا لاحقاً. إذن يمكن أن نفترض -بحق-
وجود علاقة بين تقوّي خطاب الهوية في العلوم الاجتماعية بأوروبا وبين
تراجع رؤية أكثر ماركسية للشأن الاجتماعي(23) وإذا كان التحليل بمصطلحات
الطبقية لا يزال قائماً ومستمراً، فإنه الآن مجرد معطى واحد من جملة
معطيات أخرى، ومكون ضمن مكونات الهوية. وعلى المستوى السياسي ساهم سقوط
الشيوعية في تسارع تراجع هذا التحليل، وهو السقوط الذي تصاعدت على إثره
الوطنيات الأوروبية.

* ترسخ الفردانية

لكن -بغض النظر عن هذه المؤثرات التاريخية المحددة- كيف لا نرى كذلك في
نجاح مصطلح الهوية ترجمة لاتجاه تاريخي أكثر أهمية وشمولاً: أعني تأكيد
الفردانية؟ وهذه أطروحة عدد كبير من الباحثين في خصائص الحداثة التي
نعيشها. هكذا يلاحظ عالم الاجتماع جون كلود كوفمان في “ابتكار الذات”(24)
أن “الهوية صيرورة ذاتية للحداثة ومرتبطة تاريخياً بها. لم يكن الإنسان
المندمج في مجتمع تقليدي يطرح مشاكل الهوية كما نفعل نحن اليوم. رغم أنه
عملياً كان يعيش فردانيتة”. إننا إذ نلج عصر الهويات فبالضبط لأنها لم
تبقَ بدهية، بل هي أشكال متغيرة ويلزم بناؤها وتأسيسها.

لقد بدأت عاطفة الهوية الفردانية تنتشر بالتدريج في القرن التاسع عشر،
ولاشك أن الرومانسية هي إحدى أقوى تجليات هذا الشعور. لكن هذه “الحداثة
الأولى” لم تطرح بحدة قضية الهويات التي كانت لا تزال حاضرة واضحة تفرض
نفسها من أعلى. والأمر لا يختلف بالنسبة إلى النصف الأول من القرن
العشرين. بالمقابل شهدت الستينات انقلاباً حقيقياً، فأصبح على الشخص نفسه
أن يؤسس ذاتيته، وهذا يثير مشاكل حقيقية، كما يشير لذلك عالم الاجتماع
آلان إيرنبرغ. لقد بيَّن في كتابه “التعب من الذات”(25) كم هي مضنية مسيرة
البحث عن الهوية: إن الاكتئاب هو بلا ريب العرض المرضي الأشد بروزاً لهذه
الصعوبة الجديدة في التحديد الشخصي للهوية. هكذا ظهر بسرعة الجانب السلبي
لهذه الثورة: فللحرية ثمن غالٍ. وفي الواقع يتميز الدخول فيما يسميه
أنطوني جيدن(26) بـ”الحداثة المتقدمة”(27) بدرجة متزايدة من التأمل:
فالناس يتساءلون عن كل شيء، مما يجعل سلوكهم متردداً باستمرار. وفي هذا
يوجد مفتاح الهوية بالنسبة لكوفمان الذي يقول: “يندرج الفكر السؤول ضمن
منطق الانفتاح، فهو يحطم اليقينيات، ويشكك فيما اعتبر مكسباً نهائياً. على
خلاف ذلك لا تكفُّ الهوية عن جمع الشظايا وتركيبها، فهي نسق مستقر يحفظ
المعنى ويسيّجه، ونموذجها هو الكلية”(28). إنما لا يمكن للهوية أن تؤدي
هذه الوظيفة إلا بشكل مؤقت.

* محاذير المفهوم

من جهته حاول الفيلسوف الكندي شارل تايلور في كتابه “أصول الأنا”(29) أن
يتتبع نشأة الهوية الحديثة والفردانية عبر تاريخ الفلسفة وتاريخ العقليات
وبحسبه فإن الهوية الحديثة ترتكز على ثلاثة جوانب:

1- اكتشاف أو ابتكار السريرة الداخلية
(القديس أغسطين، ومونتيني، وديكارت، ثم جون لوك. فقد كان دور هؤلاء
حاسماً، إذ بدأ الإنسان شيئاً فشيئاً يتعلم أن ينظر إلى نفسه باعتباره
“أنا” باطني).

2- تثمين الحياة العادية (ودور البروتستانتية هام هنا، لأنها تثمن الحياة
المادية عبر: العمل، وصناعة الأشياء المفيدة في الحياة، والأسرة،
والزواج…).

3- علمنة المجتمع.وكان من المفروض -عند تايلور- ألَّا تحطم الفردانية التي تميز مجتمعاتنا الحديثة الروابط التي توجد بين الناس. (مجرد أمنية صادقة؟).

إنها العودة القوية للفرد، فهذا إذن ما يعنيه مفهوم الهوية، لكن هذا يمكن
أن يشكل أيضاً مشكلة مقلقة. وهذا كلود ليفي ستراوس -في الحلقة الدراسية
التي أدارها بمعهد فرنسا، سنة 1974/1975، حول موضوع الهوية- لم يستطع
إخفاء انزعاجه من هذه الميول النرجسية التي تمنّى لها نهاية قريبة، يقول:
“إن إيماننا المستمر بـ(فكرة الهوية) ربما لم يكن إلا انعكاساً لحالة
حضارية من المفروض ألَّا تتجاوز بضعة قرون. لكن ها هي أزمة الهوية الشهيرة
-والتي كثر عنها الكلام- تكتسي معنى جديداً..”(30).

في الواقع يعكس نجاح المفهوم العودة القوية للفرد في مجال العلوم
الاجتماعية والإنسانية بالرغم من البنيات التي تحدده. فالفرد يتصدر كل
شيء. لكن من الملاحظ أن الدراسات حول الهوية كثيراً ما بيّنت أهمية
المؤسسات في بناء الهوية. وهذا لا يمنع من الإقرار بأن بعض الخطابات في
الموضوع تخطئ حين تغيب بسهولة دور الإكراهات المجتمعية. إن التناقض في
مفهوم الشخصية يكمن في أنها تعبر عن نفسها بالانتماء إلى جماعات، أي في
تشابك هويات جماعية (أنا رجل، مهنتي كتبي، ورب عائلة، ومناضل سياسي، كما
أنني أهوى الأوبرا، وأصلي إيطالي…).

ألا يجدر بالعلوم الإنسانية أن تهجر هذه المقولة “التي تتحدث إلى الناس”،
والتي يطرد استعمالها أكثر فأكثر في الحياة اليومية في كلام الواحد عن
نفسه، لصالح مفاهيم أكثر تحديداً وأقل التباساً؟ إن ج. ك. كوفمان يطرح
السؤال نفسه: تبدو الهوية في المعرفة العادية وكأنها عبارة عن ماهية
مستقلة أو معطى أولي، وهذا بالضبط ما تنكره البحوث الاجتماعية أكثر فأكثر،
والتي تؤكد جميعاً على أن الهوية هي في الحقيقة نتاج تركيب معين. ورغم ذلك
من الصعب أن نهجر مصطلحاً يعكس -في العمق- مشكلة اجتماعية، وإن كان في
نفسه غامضاً. ومن المؤشرات على هذا التحول صدور كتاب حديث بهذا العنوان:
هستريا الهوية(34). لقد بدأ المفهوم يغيظ. ولاشك أن هذا الفأل حسن بالنسبة
لحيوية العلوم الإنسانية التي ستشهد لذلك بدء مناقشات بناءة. لكن أليست
الكتابة ضد مفهوم الهوية نوعاً من الكلام عنها؟ ثم ألا يجدر بنا أن نحذر
الهستريا المضادة للهوية كما نحذر من الافتتان الذي تحدثه أحياناً..
moutia salah eddine
عضـــو جديد

عدد المساهمات: 20
تاريخ التسجيل: 27/06/2008
العمر: 28
الموقع: Cyworld – morocco’s Profile

الهوامش:
من طرف moutia salah eddine في السبت 28 يونيو 2022, 01:51

* كاتبة دائمة بمجلة “علوم إنسانية” الفرنسية (sciences humaines) وهذا المقال يوجد بعدد يوليوز 2022، رقم 151، بعنوان: Faut-il en finir avec l’identité.

** كاتب ومترجم وأستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، ظهر المهراز، المغرب.

(1) يقول المترجم: هو ذاته -أو العين أو النفس- والآخر (le même et l’autre). إن موضوع الهوية في الفلسفة غيره في علم الاجتماع. فهو -في الفن الأول- يعني الشيء في ذاته، ونترجم عن ذلك بقولنا: الشيء “ج” هو “ج”، والمقصود به ثبات كنه الشيء واستمراره. لكن يشكل على ذلك التغيرات التي تطرأ على هذا الشيء: هل تمس جوهره -أو هويته- أم لا؟ هل أبو حامد الغزالي الشاب هو نفسه الغزالي الشيخ؟ ومبدأ الهوية يشكل مع مبدأ الثالث المرفوع أساس العقلانية القديمة.

(2) المترجم: بارميندس تلميذ اكسينوفانس، التحق بأثينا، له فلسفة خاصة في الوجود: حقيقته ووحدته واستمراره. توفي سنة 450 قبل الميلاد. وهراقليطس ينتمي إلى المدرسة الإيونية، له فلسفة التناقض، توفي سنة 480 ق.م. أما الإيليون فنسبة إلى مدرسة إيليا -مستعمرة يونانية بإيطاليا- اشتهرت بفلسفة خاصة.

(3) هامش المؤلف: كتاب “النبذ”، لهراقليطس. المطابع الجامعية بفرنسا، 1986 (بالفرنسية). قلت: معنى هذه القولة أن الأشياء في تغير أبدي، فأنت إن غطست في النهر ثانية، ففي ماء آخر، ماء جديد، والماء الأول سار في مكان آخر.

(4) المترجم: تيزوس بطل من الأساطير الإغريقية، وبيراس ميناء هام، أما ديلوس فجزيرة، وكلاهما باليونان.

(5) المترجم: جون لوك فيلسوف إنجليزي انتقد ديكارت. له “رسالة في الفهم البشري”، توفي سنة 1704. وهيوم فيلسوف اسكتلندي، اشتهر بنقده للعلاقة السببية في كتابه “بحث في الفهم البشري”، توفي سنة 1776.

(6) تعليق المترجم: علوم الإدراك البشري sciences cognitifs عبارة عن حقل معرفي جديد يدرس طبيعة الإدراك وطرقه وآلياته، ويستمد مواده من علوم: النفس، والاقتصاد، والأعصاب، والمعلومات، واللسانيات، والذكاء الاصطناعي.

(7) المترجم: إريكسون أمريكي من أصل ألماني، وهو من أهم رؤوس تيار الثقافة داخل التحليل النفسي. له دراسة أخرى عن: “المراهقة والأزمة: في البحث عن الهوية”، توفي سنة 1994.

( المترجم: أنا هي ابنة فرويد مؤسس التحليل النفسي، وهي بدورها عالمة نفسانية تخصصت في التحليل النفسي للصغار. توفيت بلندن سنة 1982.

(9) المترجم: كاردينر عالم نفس، ودرس أيضاً علم السلالات البشرية، من كتبه: الفرد ومجتمعه. الحدود النفسية للمجتمع. وهو أمريكي توفي سنة 1981. أما ميد فأمريكية متخصصة في الأنتروبولوجيا، درست بعض الشعوب البدائية، توفيت سنة 1978.

(10) المترجم: شعب السيو أشد من قاوم البيض بأمريكا الشمالية. توجد منهم بقايا إلى اليوم.

(11) المؤلف: ب. كليزون: “تحديد مفهوم الهوية: تأريخ دلالي”، بمجلة التاريخ الأمريكي، عدد 4، مارس 1983 بالإنجليزية.

(12) يقول المترجم: التكنه Identification هو تحقيق الذاتية أو تحققها، أي اكتساب هوية معينة، هذا الاكتساب عند فرويد يقع بنوع من التقليد، حيث يجد الطفل نفسه في الآخر، فيتمثله لكن المقصود هنا -أعني في علم الاجتماع- هو توصل الفرد إلى اكتساب هويته عبر الجماعة بتمثل منظومتها من القيم أو بالقيام داخلها بدور محدد.

(13) المترجم: آلبور عالم نفس أمريكي، من أهم مطوري علم النفس الإكلينيكي، له: التفسير النفسي للشخصية، توفي سنة 1967.

(14) المترجم: عالم اجتماع أمريكي من الاتجاه الوظيفي، وهو تلميذ بارسون.

(15) المترجم: كولي عالم اجتماع أمريكي، تخصص في دراسة العلاقات بين الأفراد في إطار المجموعة. توفي سنة 1929. وميد فيلسوف وعالم اجتماع أمريكي، درس تطور الفكر واللغة. توفي سنة 1931 من كتبه: العقل والأنا والمجتمع.

(16) المؤلف: إ. جوفمان: “العلامة والهوية الاجتماعية”، ضمن كتابة: “الندوب: الاستعمالات الاجتماعية للعوائق”. دار نشر نصف الليل، 1996، بالفرنسية، وبالإنجليزية سنة 1963. قلت: جوفمان عالم اجتماع أمريكي توفي سنة 1982.

(17) المؤلف: ب. بيرجر: دعوة إلى دراسة علم الاجتماع. أفق إنساني. دار بانكوان، 1988. بالإنجليزية. يقول المترجم: بيرجر عالم اجتماع اشتهر بهذا الكتاب الذي أصدره مع طوماس لوكمان: البناء الاجتماعي للواقع سنة 1966.

(18) المؤلف: ر. بروباكر: “ما وراء الهوية”، بمجلة أعمال البحث في العلوم الاجتماعية، عدد 139، سبتمبر 2001. بالفرنسية.

(19) المترجم: يطلق على دراسة مجتمع الشواذ Gay’s studies، وعلى المكسيكيين المهاجرين chicano studies.

(20) المؤلف: ت. جيتلان: “أفول الأحلام البسيطة: لماذا تضررت أمريكا من ثقافة الحروب؟” نشر أووليت. 1996 بالإنجليزية.

(21) المترجم: نسبة إلى منطقة فقدها الفرنسيون لصالح بريطانيا، ولجؤوا إلى لويزيانا.

(22) المترجم: دراسات النوع genre شكل من التحليل ينظر إلى كل من الذكر والأنثى باعتبارهما بناءً اجتماعياً.

(23) المؤلف: يقدم ل. شوفيل أرقاماً بليغة عن تراجع استعمال مفهوم “الطبقة” في علم الاجتماع: “بين سنتي 1970 و1979 كانت نسبة 3% من الأطروحات -في علم الاجتماع- تذكر كلمة الطبقة، ثم 1.5% في الثمانينات، ثم 1% بين 1990 و 1995، ثلثها يتعلق بأقسام المدرسة، وهذا استعمال نادر في السابق (يقول المترجم: لفظة classe تعني الطبقة أو القسم، فهي من المشترك). وكانت سنة 1984 سنة قطيعة بامتياز. واليوم تعتبر كلمة “الطبقة” -في علم الاجتماع- قديمة، ويتخلص منها بشكل أو بآخر”. عن: قدر الأجيال. نشر المطابع الجامعية الفرنسية، 1988. طبع مرة أخرى سنة 2022. بالفرنسية.

(24) المؤلف: ج. ك. كوفمان: ابتكار الذات، نظرية في الهوية. طبع أرمون كولان، 2022. بالفرنسية. قلت: كوفمان عالم اجتماع برز في العقدين الأخيرين، وألف خصوصاً في سوسيولوجيا الأسرة.

(25) المؤلف: أ. إيرنبرغ: التعب من الذات. الاكتئاب والمجتمع. نشر أوديل جاكوب، 1998، وطبعة أخرى في 2000. بالفرنسية.

(26) المؤلف: يتحدث جيدن عن “الحداثة المتقدمة” وليس عن (ما بعد الحداثة)، لأن هذه المرحلة الجديدة لا تشكل قطيعة مع الحداثة بقدر ما تمثل شكلها الأقصى والأكثر تطرفاً. قلت: جيدن من علماء الاجتماع المعاصرين البارزين، من كتبه: تأسيس المجتمع. نتائج الحداثة. نظرية في الجغرافيا الاجتماعية.

(27) المترجم: المتقدم هنا -avancé- بمعنى الذي يوجد في مرحلة متأخرة من تطوره، لا أنه متقدم بالمعنى المضاد للتخلف.

(28) المؤلف: كوفمان، مرجع سابق.

(29) المؤلف: ش. تايلور: “أصول الأنا”، دار لوسوي، 1998. الطبعة الأولى في 1989. بالفرنسية.

(30) المؤلف: تأليف مشترك بتنسيق من ليفي ستراوس: الهوية. مطابع فرنسا، 2000. الطبعة الأولى، 1977. بالفرنسية.

(31) المؤلف: ج. ف. بايار: وهم الهوية. دار فايار، 1996. بالفرنسية.

(32) المؤلف: أ. كروسر: الهويات المستغلة، مقال بلوموند، 28 يناير 1994. بالفرنسية.

(33) المؤلف: بروباكر، مرجع سابق.

(34) المؤلف: أ.دوبان: هيستريا الهوية. دار لوشيغش ميدي، 2022، بالفرنسية


merci pour l’informationتعليم_الجزائر

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله … لك مني أجمل تحية .

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
علم الاجتـماع

البراغماتية


البراغماتية

يستخدم هذا المصطلح في السياسة، فيقال: فلان براغماتي، والحركة الفلانية حركة براغماتية، وفي أغلب الأحوال يقصد بها النفعية أو العملية…

فما هي البراغماتية!!!؟

الأصل اللغوي للمصطلح يرجع إلى الكلمة اليونانية Progma وتعني (عمل) أو (مسألة علمية)، ولقد استعار الرومان المصطلح واستخدموا عبارة Progmaticus فقصدوا بها “المتمرس” وخاصة المتمرس في المسائل القانونية.

أما من ناحية تاريخ الفكر فالمصطلح يشير إلى تلك الحركة الفلسفية التي ظهرت في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وارتبطت بأسماء الفلاسفة الأمريكيين بيرس ووليام جيمس وجون ديوي والتي تتمركز فلسفتها حول مقولة مؤداها:

لا يمكن التوصل إلى معاني الأفكار، ومن ثم لا يجب تفسيرها، إلا بالنظر إلى النتائج المترتبة عليها، كما أنه لا يمكن تحديد المعتقدات أو تبرير التمسك بها إلا بالأخذ في الاعتبار النتائج العملية المترتبة على الإيمان بهذه المعتقدات،

فالحقيقة إذن ثانوية إذا ما قورنت بالممارسة العملية، ذلك أن الحقيقة وفقاً للنظرية البراغماتية ما هي إلا الحل العملي والممكن لمشكلة ما، كما أن المبرر الوحيد للإيمان بأي شيء هو أن التمسك به والعمل وفقاً له يجعل الفرد في وضع أفضل مما لو كان إذا لم يتمسك به.

أما بصورة أوسع فالمصطلح يستخدم للإشارة إلى أي مدخل يركز بالأساس على ما يمكن عمله في الواقع لا على ما يجب عمله بالنظر إلى عالم المثاليات…..

فالبراغماتية بدلاً من أن تركز على مقدمات الأفكار فإنها تركز على النتائج المترتبة على تلك الأفكار، فهي تُوجه نحو الاهتمام بالأشياء النهائية وبالنتائج ومن ثم، هي لا تعني بالسؤال عن ماهية الشيء أو أصله بل عن نتائجه، فتوجه الفكر نحو الحركة ونحو المستقبل.

ورغم أن البعض يؤمن أن البراغماتية ما هي إلا أحد أشكال الأمبيريقية، إلا أن البراغماتية تجد جذورها في أفكار ومذاهب متعددة مثل فكرة العقل العملي لكانط، وفي تمجيد شوبنهور للإرادة، وفي فكرة داروين أن البقاء للأصلح، وفي النظرية النفعية التي تقيس الخير بالنظر إلى مدى نفعيته، وبالتأكيد في المفاهيم الأمبيريقية للفلاسفة الإنجليز، وكذا في طبيعة المجتمع الأمريكي الجديد.. فالبراغماتية تُعَد بحق رد الفعل الدفاعي للمفكرين الأمريكيين تجاه الفكر الأوروبي، خاصة الفكر الألماني المغرق في الميتافيزيقا.

ولعل هذا التنوع في الأصول الفكرية لمذهب البراغماتية هو الذي جعل وضع تعريف شامل جامع لمفهوم البراغماتية مهمة صعبة للغاية، وليس أدل على ذلك من أن آرثر لوفجوي قد نجح في عام 1908 في تجميع ثلاثة عشر معنى مختلفاً للبراغماتية بل ودلل على أن بعضها يضاد البعض الآخر.

وهذا التعدد في التعريفات وكذلك تنوعها يرجع إلى أن البراغماتية كفلسفة وجدت أنصاراً وتطبيقات لها في ميادين متنوعة للمعرفة منها العلوم الطبيعية والقانون والأدب والاجتماع والسياسة و كل ميدان يطبقها ويفسرها من منطلق خبراته الخاصة، ولقد اعترف يابيني في كتاب قدم به المذهب إلى الفلاسفة الإيطاليين بأن البراغماتية لا يمكن تعريفها وأن أي فرد يحاول حصرها في عبارات قليلة بغرض تعريفها يكون مرتكباً لأفظع الأشياء غير البراغماتية. ولقد حاول ثاير في كتاب يستعرض التطور التاريخي للمذهب رسم الخطوط العريضة لأهداف ومكونات البراغماتية فقرر أنها:

قاعدة إجرائية لتفسير معاني بعض المفاهيم الفلسفية والعلمية.

نظرية في المعرفة والخبرة والواقع تؤمن بأن:

أ – الفكر والمعرفة نماذج مطردة التطور اجتماعياً وبيولوجياً وأن ذلك يتم عن طريق التوافق والتأقلم.

ب- الحقيقة متغيرة والفكر ما هو إلا مرشد لكيفية تحقيق المصالح والوصول إلى الأهداف.

جـ- المعرفة بكل أنواعها ما هي إلا عملية سلوكية تقييمة للأوضاع المستقبلية وأن التفكير يهدف عن طريق التجربة إلى تنظيم وتخطيط والتحكم في الخبرات المستقبلية.

توجه فلسفي واسع تجاه إدراكنا لماهية الخبرة وأهميتها للمعرفة.

ولكن حتى هذا التعريف العام جداً تم نقده على أساس أنها لا يبرز بدرجة كافية النظريات المتعارضة المتعلقة بالوسائل وبالواقع وبطبيعة المعرفة والتي يتبناها البراغماتيون ذوو الخلفيات الثقافية المتنوعة، والمنتمون إلى مدارس مختلفة في حقول فكر متعددة. ولكن إذا كان هذا التنوع يؤدي إلى صعوبة وضع تعريف شامل جامع لمذهب البراغماتية إلا أنه لا يعني انعدام وجود مجموعة متجانسة ومتماسكة من الأفكار التي يتميز بها المذهب.

فبمراجعة المشكلات التي حاول المفكرون المنتمون لهذا المذهب مواجهتها وبالرجوع إلى الأفكار الأساسية التي رفضوها نستطيع أن نحدد المفاهيم الأساسية والمشتركة التي تتميز بها البراغماتية على تنوع تطبيقاتها، وأهم هذه المفاهيم هو الاعتراض على الفصل المطلق بين الفكر من جانب والحركة من جانب آخر، وبين العلم البحت والعلم التطبيقي، وبين الحدس والتجربة.

وكذلك عدم الإيمان بوجود أشياء خارقة للطبيعة تتحكم في مقدرات العالم وكذا رفض المعايير المطلقة والأزلية للمعتقدات والقيم وإحلال معايير أكبر مرونة وأكثر محدودية محلها.

ولقد كان للبراغماتية بأفكارها المميزة أثر كبير في تطور الفكر السياسي في الولايات المتحدة بصفة خاصة.

فالمفكرون السياسيون المتأثرون بالبراغماتية يرفضون على سبيل المثال الفصل بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة ويؤمنون بالمذهب الفردي ويرفضون التسلطية والشمولية وكلها معتقدات تتسق مع تمجيد البراغماتية لإرادة الإنسان ولحريته والنابعة من قدرته على التحكم في مصيره دون ما تدخل من قوى أخرى، كما أن اهتمام البراغماتية بالنتائج وبمدى اتساقها مع مصلحة الفاعل أدى إلى تبني المفكرين السياسيين البراغماتيين للنظرية النفعية.

خـاتـمـــة:

المعروف لدينا أن الفلسفة السائدة في المجتمع الأمريكي هي البراغماتية، وأن السياسة الأمريكية سياسة براغماتية، وهذا يعطي هذه الفلسفة مكانة عالية، لأن المجتمع الأمريكي يقود العالم كله اليوم ـ شاء أم أبى ـ بقوته العسكرية، وبقوته الاقتصادية، وبقوته السياسية…

وقد وصل المجتمع الأمريكي هذه المكانة من القوة لأنه لاتهمه ـ النظريات والمثل ـ التي تخـدر الشعوب في العالم الثالث، وإنما يهمه النتائج العملية، والسلوك الناتج عن هذه الفلسفة… وهكذا في الظاهر اليوم أن أمريكا أقوى أمة في العالم….

ولكن هناك فلاسفة ومفكرون يرون أن أمريكا على حافة الانهيار ـ أخلاقياً واجتماعياً، واقتصادياً، وقد بشـر سيد قطب – يرحمه الله – بانهيار أمريكا قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، ثم يفلس العالم من النظم والفلسفات التي تفسر الحياة وتضع لها شريعة يرضى عنها الناس، ويتطلع البشر كلهم عندئذ إلى الإسـلام

وهذه خلاصة كتابه – يرحمه الله – [المستقبل لهذا الدين]…

… وقد أفلس الاتحاد السوفياتي، وانهارت الماركسية، ونحن الذين عشنا شبابنا طلاباً في الجامعة أيام هيمنة الماركسية على الفكر العالمي… ندرك أن هيمنة أمريكا ـ مادياً ـ ليست أقوى من هيمنة الماركسية ـ فكرياً ـ على العالم، وقد انهارت الماركسية ـ غير مأسوف عليها ـ وسف تنهار براغماتية أمريكا أيضا..

ويشارك سيد قطب مفكرون آخرون، يعتقدون أن قوة أمريكا المادية لا تتناسب مع قوتها الروحية والأخلاقية… وهذا الاضطراب والاختلال في التوازن سيقضي على الحضارة الأمريكية آجلاً أم عاجلاً… ونرى ذلك واضحاً من ممارسات الأمريكيين في (أبو غريب) وفي أفغانستان، وفي القضية الفلسطينية، حتى أنها تعلن على الملأ بلغة أو بإشارة أن الدم الفلسطيني لا قيمة له حتى لو كان دم الأطفال الأبرياء، الذين تقتلهم الصواريخ الصهيونية وهم في نـزهـة على الشاطئ…. أما العمليات الاستشهادية التي ينفذها الشباب المسلم دفاعاً عن وطنه ودينه وعرضه ودمـه، فهذه عمليات إرهابية تجمع قادة العالم كلهم إلى (شرم الشيخ) كي تحارب هذه العمليات (الإرهابية) كما تقول أمريكا… هذا الخواء، والتناقض… والكيل بمكيالين… سوف ينتبـه لـه الأمريكيون أنفسهم… وسوف يحطمون عندئذ أسطورة الحضارة الأمريكية (البراغماتية)…

والعالم بحاجة إلى أمـة تقوده إلى الخير، وتـدلـه عليه، تشهد عليه، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وهذه بالتأكيد ليست هي الأمة الأمريكية، وليست هي الفلسفة البراغماتية…


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
علم الاجتـماع

نظرية x وy لدوجلاس ماك عريغور :

بواسطة الاستاد : لطفي دنبري
نظرية X وY لدوجلاس ماك عريغور :
ركز دوجلاس ماكجروجر على أهمية فهم العلاقة بين الدافعية وفلسفة الطبيعة البشرية، وقد بنى نظريته على أن معظم المديرين يميلون إلى وضع الافتراضات عن العاملين معهم، واختيار الأسلوب المناسب لدفعهم من خلالها، وبناءً على هذه الافتراضات فقد قسم ماكجروجر العاملين إلى مجموعتين أطلق عليهم الرمزين (x,y) “حتى لا يحكم على المضمون إذا كان جيدا أو رديئا أو متششددا أو متساهلا، و إنما لأنهما يمثلان موقفين مختلفين وحدد لكل منهما الملامح الرئيسية نعرضها كالآتي
نظريــة X :
1. الإنسان كسول بطبيعته و لا يحب العمل .
2. خامل و لا يريد المسؤولية في العمل.
3. يفضل الفرد دائما أن يجد شخصا يقوده و يوجهه و يشرح له ماذا يعمل.
4. العقاب أو التهديد بالعقاب من الوسائل الأساسية لدفع الانسان على العمل ، أي أن الانسان إنما يعمل خوفا من العقاب و ليس حبا في العمل.
5. لابد من الرقابة الشديدة و الدقيقة على الإنسان لكي يعمل حيث لا يؤتمن الفرد على شئ هام دون الرقابة.
6. أن الأجر و المزايا المادية الأخرى هي أهم حوافز العمل.
هذه الفلسفة x ” هي امتداد لفلسفة العصا و الجزرة التي قامت عليها النظرية التقليدية في الإدارة حيث أن الإدارة هي التي تملك التحكم في مختلف العمليات من توظيف و أجور و تدريب و مكافآت… و هي جميعها لا تخرج عن كونها الجزرة التي يسعى العامل للحصول عليها مقابل أدائه لعمله ، في حين أن التراخي في الأداء يحول هذه العمليات إلى عصـا تستخدمها الإدارة للضغط على الأفراد.”
و هذه النظرة الظالمة لسلوك الإنسان كانت هي الشائعة في الإدارة التقليدية إلى أن أثبتت العلوم الاجتماعية بطلانها كنتيجة لتجاربها الكثيرة حول سلوك الفرد و الجماعات.

نظريــة Y : تخالف هذه النظرية أولا تلك الاقتراحات في السلوك البشري و التي وردت في نظرة x و التي وتصف المورد البشري بصفات ظالمة ليست من طبيعته تللك النظرية التي تنكرت للجانب الإنساني في الإنتاج و تناست دوافع العاملين نحو العمل و التي تشكل أساس السلوك الانساني.
إن هذه النظرية إلى جانب إيمانها بدوافع العمل و حاجات العمال ، فإنها تحاول تقديم افتراضات أخرى تفسر بعض مظاهر السلوك الإنساني و هي
1. إن الجهد الجسمي و العقلي الذي يبدله العامل في العمل هو شيء طبيعي كاللعب و الراحة . ‘ن العمل ( معتمدا على ظروف يمكن مراقبتها) يمكن أن يكون مصدر رضا و لذلك سوف يتم إنجازه و بشكل تطوعي، كما يمكن أن يكون مصدر عقوبة و بذلك يتم تجنبه إذا كان ذلك ممكنا.
2. إن الرقابة الخارجية و التهديد بالعقاب ليسا الوسيلة الوحيدة التي تدفع العاملين لبذل الجهد من أجل تحقيق الأهداف التنظيمية ، إذ أن العامل سوف يقوم بممارسة الرقابة الذاتية و التوجيه الشخصي من أجل انجاز الأهداف التي التزم به.
3. إن العنصر البشري ( و تحت ظروف عادية) يعرف كيف يبحث عن المسؤولية و ليس فقط قبولها.
4. في ظروف الحياة الصناعية الحديثة فإن الطاقات الكامنة للعنصر البشري قد تمت الاستفادة منها بشكل جزئي.
5. يعمل الإنسان ملا في الحصول على المكافأة لا خوفا من العقاب. إن أهم مكافأة للفرد على سبيل المثال هي الرضا الشخصي و إشباع حاجة تحقيق الذات و الذين قد يحققهما في عمله الذي يقوم به.
هذه هي اقتراحات نظرية Y التي ترتكز على القيادة الإدارية من خلال الدافعية بالأهداف و من خلال السماح للمرؤوسين لتحقيق الرضا الشخصي م دامت تساهم و تؤدي إلى تحقيق أهداف التنظيم
التطبيق العملي لنظرية (x,y)يمكن للمديرين والموظفين أن يستفيدوا من مبادئ x,y في دفع العاملين من خلال تحليلهم لشخصية هؤلاء العاملين وتحيد العاملين الذين تنطبق عليهم أفكار النظرية (x) والآخرين الذين تنطبق عليهم أفكار النظرية (y).
– فعلى سبيل المثال:
يعتمد المدير على الحافز المادي بشكله الإيجابي والسلبي (المنح والمنع) في تحفيز العاملين الذين تنطبق عليهم النظرية (x).
أما الذين تنطبق عليهم أفكار النظرية (y) فيتم الاعتماد على الحافز المعنوي في تحفيزهم من خلال تشجيعهم على المشاركة والإنجاز وتحقيق الذات.
مع العلم أنه لا يمكن الجمع بين هاذين المدخلين لأن كل واحد منها يعتمد فلسفة مناقضة للآخر تماما، الأول (x) متشائمة متشددة و الثاني (Y) مرنة و متفائلـة.
المراجع :
1. علي غربي : إدارة الموارد البشرية ، منشرات جامعة منتوري قسطينة ،2003
2. مصطفي نجيب شاويس : إدارة الأفراد ، الأردن




التصنيفات
علم الاجتـماع

هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إلقاء السلام

[frame="4 10"]

كان صلى الله عليه وسلم إذا سلَّم عليه رجل يرد السلام ثم يقول: لبيك – أي إجابة لك – وكان سلامه كاملاً، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ولمَّا جاءه اليهود، وهم سبب كل المشاكل في الوجود، فما فيه أمريكا، وما فيه أهل الغرب الآن سببه تغلب اليهود عليهم وسيطرتهم على مؤسساتهم، فهم معدن الشر في الأرض كلها

فكانوا يأتون الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولوا: راعناً يا محمد أي أنت أرعن، فظن المؤمنون أنهم يقولون: راعنا أي انظر إلينا، فكانوا يقولون مثلهم، فقال لهم الله في القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا} البقرة104
لا تكونوا مثل هؤلاء القوم أهل الدهاء وأهل المكر وأهل الكيد

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: {دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ، فقال: عليكم، فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَهْلا يَا عَائِشَةُ، عَلَيكِ بالرِفْق وإِيَاكِي والفُحْش، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أولم تسمعي ما قلت، أنا رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في}{1}

وكان صلى الله عليه وسلم يُسلم على الصبيان، ويُسلم على النساء، وهناك جملة من الأحاديث في تسليمه على الصبيان، وتسليمه على النساء، منها ما رُوى عن أنس رضي الله عنه: {أنه مر على صبيان فسلَّم عليهم ثُمَّ حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ}{2}

وعن أسماء بنت يزيد قالت: {مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا}{3}
وعنها قالت: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا وَعُصْبَةٌ مِنَ النِّسَاءِ قُعُودٌ فَأَلْوَى بِيَدِهِ – أشار – بِالتَّسْلِيمِ}{4}

وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يشير بيده لمن يبعد عنه ولا يبلغه صوته، حتى نعرف أن كل ذلك وارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم أحياناً يترك رد السلام للعتاب، ونحن نعرف قصة الثلاثة الذين خُلِّفوا عندما أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم التوجه إلى بلاد الشام لغزو الروم، وكان ذلك في وقت الحر الشديد، ووقت جني محصول التمر، وتخلف ثلاثة من أصحابه الصادقين، وأشهرهم كعب بن مالك الشاعر، وتخلف آخرون من المنافقين، وبعدما رجع جاءوا يعتذرون، فكذب المنافقون وتركهم صلى الله عليه وسلم ولم يعبأ بهم

أما الثلاثة الصادقين فكان يقول أحدهم: يا رسول الله لم أكن في حال أفضل مما كنت فيه في هذه الآنات، في أطيب عيش وأرغد مال وأحسن حال، فيقول صلى الله عليه وسلم: أما هؤلاء فقد صدقوا الله فأمرهم إلى الله، ثم قال لأصحابه: لا تكلموهم ولا تسلموا عليهم ولا تردوا عليهم السلام ولا تخدمهم نساءهم حتى يأتيهم أمر الله.

لماذا فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى يظهر فيهم الحال الذي قال فيه الله: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ} التوبة118

لكنهم لو استمروا معهم على ما كانوا معهم عليه فلن يحسوا بذنبهم، ولن يندموا على ما فعلوا، وهذا السر في أن الحَبيب أمر أصحابه أن يتركوهم حتى يرجعوا إلى الصواب، لذلك أنا أهجر أخي إذا وقع في المعصية ليشعر أنه أذنب فيرجع إلى الله، ويتوب ليتوب عليه مولاه عز وجل.

والدليل على صدق هؤلاء القوم أن كعب بن مالك كان يسير يوماً في السوق فنادى عليه رجل وقال: أنا معي لك رسالة من ملك الروم، فأخذها فوجد فيها: بلغني أن نبيك قلاك، فتعال إلىَّ تجد المال الوفير، وكذا وكذا، فقال: هذا أيضاً من البلاء الذي أنا فيه، أيصل البلاء أن يطمع فيَّ ملك الروم؟ انظر إلى الصدق.

فأمر النبي أصحابه ألا يُلقوا عليهم السلام، وكان بينهم اثنين من كبار السن فاعتكفوا في بيوتهم، وكان أحدهما لا يستطيع أن يخدم نفسه فأستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تخدمه زوجته، فوافق بشرط ألا يقربها، وكان أقواهم كعب بن مالك، وهو الذي كان يتعرض للناس ويلقي السلام ولا يسمع الرد، يقول: كنت آتِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا؟{5} مع أن شرط رد السلام أن يسمع الرد لكن هذا تأديب وتهذيب من الحَبيب صلى الله عليه وسلم.

كذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا رأى أمراً من شخص ولم يعجبه لم يرد عليه السلام ، فعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: {أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْبَحْرَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، وَكَانَ فِي يَدِهِ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ حَرِيرٌ، فَانْصَرَفَ الرَّجُلُ مَحْزُونًا، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ جُبَّتَكَ وَخَاتَمَكَ، فَأَلْقِهِمَا، فَأَلْقَاهُمَا، ثُمَّ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَيْتُكَ آنِفًا فَأَعْرَضْتَ عَنِّي؟ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ فِي يَدِكَ جَمْرَةٌ مِنْ نَارٍ}{6}

وكان صلى الله عليه وسلم من شدة لطفه وأدبه إذا دخل على نائم وهناك مستيقظ يُلقي السلام على المستيقظ بحيث لا يُسمع النائم، أي بصوت خافت، وكان صلى الله عليه وسلم إذا بُلِّغ السلام عن أحد يقول فيما رواه الإمام أحمد وأبو داود أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {إِنَّ أَبي يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " عَلَيْكَ وَعَلَى أَبيكَ السَّلامُ}

هذا كان هَدْى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السلام، وأنتم تعلمون أن السلام اختاره له ولنا الله: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} الأحزاب44

أما غير ذلك فبعد تقديم سلام الله، لا ينبغي لأحد أن يبدأ بصباح الخير، أو مساء الخير، أو أهلا وسهلاً، أو مرحباً إلا بعد سلام الله، لأن الله قال فيمن قال ذلك من المنافقين: {وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} المجادلة8

نبدأ أولاً بالسلام ثم قل ما شئت بعد ذلك من التحيات، وهذا الأمر يكون في المواجهة أو في الهاتف أو في أي أمر من الأمور، وأحكام السلام موجودة في الكتب الشرعية لمن أراد أن يستزيد فيها.

وكان من آدابه صلى الله عليه وسلم إذا التقى بمسلم صافحه، ويقول فيها صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا لَقِيَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُمَا ذُنُوبُهُمَا، كَمَا تَتَحَاتُّ الْوَرَقُ مِنَ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ، وَإِلا غُفِرَ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمَا مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ}{7}

وقد ورد أن رجلاً من عنزة قال لأبي ذر رضي الله عنه حَيْثُ سُيِّرَ مِنْ الشَّامِ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أبو ذر: إِذًا أُخْبِرُكَ بِهِ إِلا أَنْ يَكُونَ سِرًّا، قُلْتُ: إِنَّهُ لَيْسَ بِسِرٍّ،: {هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَافِحُكُمْ إِذَا لَقِيتُمُوهُ؟ قَالَ: مَا لَقِيتُهُ قَطُّ إِلا صَافَحَنِي، وَبَعَثَ إِلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ وَلَمْ أَكُنْ فِي أَهْلِي، فَلَمَّا جِئْتُ، أُخْبِرْتُ أَنَّهُ أَرْسَلَ لِي، فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ، فَالْتَزَمَنِي –اعتنقني- فَكَانَتْ تِلْكَ أَجْوَدَ وَأَجْوَدَ"}{8}

أما من يأتي من سفر فكان يعانقه صلى الله عليه وسلم، وأحياناً يعانقه ويُقبِّله، جاء سيدنا جعفر بن أبي طالب من بلاد الحبشة، وكان وقت مجيئه تصادف مع فتح خيبر، فقام النبي صلى الله عليه وسلم مسرعاً واحتضنه وقبَّله وقال صلى الله عليه وسلم: {وَاللَّهِ مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أَفْرَحُ بِفَتْحِ خَيْبَرَ، أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ}{9}

جعل مجيء جعفر يساوي فتح خيبر، فانظر إلى وقع هذه الكلمة في القلب، حُسن الكلام هو سر هَدْي الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.

وكان صلى الله عليه وسلم حتى مع ابنته السيدة فاطمة إذا أتته في منزله يقوم ويحتضنها ويُقبلها ويُجلسها بجواره، وإذا ذهب إليها يزورها تقوم إليه وتحتضنه وتُقبله وتُجلسه بجوارها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: {كَانَتْ فاطمة إِذَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَامَ إِلَيْهَا، فَقَبَّلَهَا، وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا، قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا، فَقَبَّلَتْهُ، وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا}{10}

الإحترام حتى مع الإبنة أو الأباء ليُعلِّمنا أن دين الإسلام هو دين الأدب التام مع الخاص والعام، هكذا كان الحبيب المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام.

{1} الصحيحين البخاري ومسلم {2} صحيح مسلم وسنن الترمذي {3} سنن أبي داود وابن ماجة {4} سنن الترمذي {5} الصحيحين البخاري ومسلم {6} معجم الطبراني {7} المعجم الكبير للطبراني والبيهقي عن سلمان {8} سنن أبي داود ومسند أحمد {9} الحاكم في المستدرك والمطالب العالية لابن حجر عن جابر بن عبد الله {10} الحاكم في المستدرك والبيهقي

[/frame]


التصنيفات
علم الاجتـماع

بحث حول الملاحظة والتحليل

مقدمة
في عملية البحث الاجتماعي يقوم الباحث بعدة مراحل وتقنيات ليصل الى هدفه منها تقنيتي الملاحظة والتحليل على الرغم من سهولة العنوان إلا أنه صعب ،وذلك لندرة المراجع .
والإشكال المطروح هو:ماذا يقصد بتقنيتي الملاحظة والتحليل ، ما مزاياهما ومجالاتهما وما الفائدة من البحث العلمي ؟

المبحث الأول: الملاحظة
المطلب الأول:
أ/ تعريفها: يقول الدكتور محمد طلعت عيسى ،الملاحظة أداة آلية لجمع المعلومات وهي النواة التي يعتمد عليها للوصول إلى المعرفة العلمية والملاحظة في أبسط صورها هي النظر إلى الأشياء وإدراك الحالة التي هي عليها .
ويعرفها كارز جود: الأداة التي من خلالها نستطيع التحقق من سلوك الأفراد الظاهري عندما يعبرون عن أنفسهم في مختلف مواقف الحياة اليومية ، فهي المشاهدة الحسية والعقلية لوقائع محددة طبيعية بهدف الحصول على معلومات تفيد في أغراض البحث العلمي.
ب/ أهميتها:
– تساعد في فهم وأدراك البيئة الطبيعية والاجتماعية المحيطة.
تستخدم كوسيلة أساسية لجمع البيانات في البحوث الطبيعية والاجتماعية.
– تعتبر الأصل في الاكتشافات العلمية المبكرة والمعاصرة في اكتشاف نيوتن- قانون الجاذبية-ومن خلال الملاحظة.
– تعتبر خطوة أساسية في خطوات المنهج العلمي.وتعتبر الخطوة الجوهرية من خطوات المنهج التجريبي وتعتبر خطوة أساسية في العلوم الاجتماعية.
المطلب الثاني: خصائصها:
1- تعد الملاحظة وسيلة أساسية من وسائل جمع البيانات والمعلومات في البحوث الطبيعية والاجتماعية.
2- الملاحظة تشمل كل أفراد المجتمع في حياتهم اليومية والعلمية.
هي عملية تجمع بين الإدراك الحسي والإدراك العقلي،أي أننا نعمل بحواسنا ونشغل العقل في عملية الملاحظة من خلال التحليل والتفسير.
الملاحظة العلمية الدقيقة هي ملاحظة مقصودة ومنظمة ومخططة أي ليست عشوائية ولكن هذا لايقلل من أهمية الملاحظة العشوائية التي تأتي بمحض الصدفة من اكتشاف حقائق علمية .
إن الملاحظة لاتقتصر على التركيز بالوقائع الآنية ولكنها تفيد على ملاحظة الوقائع الماضية بطريقة غير مباشرة ويركز هذا النوع على الآثار الطبقية والوثائق كالحضارة الفرعونية.
الملاحظة العلمية الدقيقة تحتاج إلى باحثين متخصصين على موضوعات الملاحظة واستعمال الأدوات الفنية.
المطلب الثالث: مجالات استخدام الملاحظة:
مجالاتها متنوعة وهي:
أ / مجالات البحوث الطبيعية: تستخدم بشكل فعال في كافة البحوث التجريبية كعلم الفلك ،الجيولوجيا…
ب / مجالات البحوث الاجتماعية:
ب -1/ التفاعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية: هي دراسة أنماط التفاعل في الحياة الأسرية كما يستخدم علماء
الاثنوجرافيا وعلماء الانثربولوجيا الملاحظة في دراسة المجتمعات المحلية.
ب- 2/ الدراسات السيسولوجية المقارنة:هي من الدراسات الهامة في مجال البحث السوسيولوجي زمن أمثلته الدراسات تجري على السجون والمنظمات الصناعية.
ب- 3/ الجماعات غير الرسمية: تستخدم الملاحظة فيه بنجاح واستخدمت في دراسة جماعات العمل في المجال الصناعي.كدراسة ألتون مايو وزملاؤه على مصنع هاوثورن وتوصلوا من خلالها إلى وجود بناء غير رسمي داخل الجماعات وله تأثير على العملية الانتاجية.
ب- 4/ الدراسات الاستكشافية :تستخدم بشكل فعال في المراحل التمهيدية للبحوث الاجتماعية بهدف الاستطلاع على بعض الجوانب الظاهرة الاجتماعية.
ب- 5/ الدراسات السيكولوجية: هو من المجالات الخصبة التي تستخدم فيها الملاحظة كملاحق سلوك الأطفال أثناء اللعب وتستخدم في علم النفس التجريبي.

المطلب الثالث: أنواعها:
هناك أكثر من معيار لتصنيف الملاحظة وفي ضوء كل معيار تتولد لدينا أنواع وأنماط وهي ليست مستغلة بل متداخلة ومترابطة ويكون الاختلاف فيها في الشكل أو في التسمية دون الجوهر.
ومن المعايير التي استند عليها الباحثون في تصنيفهم للملاحظة معيار القصد المسبق الذي يصنف الملاحظة إلى عرضية ومقصودة ومعيار يدخلا لفصل في عملياتها يصنفه الى فجة وعلمية ومعيار درجة الضبط يصنفها إلى ملاحظة بسيطة ومنظمة وغيرها من المعايير التي تتولد منها أشكال مختلفة للملاحظة وبصفة عامة يمكننا القول أن الملاحظة تنقسم إلى قسمين:
1/ الملاحظة العابرة(العضوية): هي تلقائية التي يقوم بها الفرد العادي في حياته اليومية من دون غاية علمية ويتضح هذا النوع لدى الشعوب البدائية حيث اعتمدت عليها الأشياء والبيئة المحيطية.
2/ الملاحظة العلمية:هي مقصودة وهادفة وتعد من أهم أدوات البحث في كافة العلوم يستعين فيها الباحث بحواسه وعقله وبعض الأدوات العلمية الدقيقة وهي امتداد للملاحظة العضوية ويمكننا تصنيف الملاحظة العلمية إلى بسيطة بالمشاركة وبسيطة بدون مشاركة .
3/ الملاحظة البسيطة: هي ملاحظة الظواهر كما تحدث تلقائيا في ظروف طبيعية دون إخضاعها لعمليات الضبط والتقنين وتفيد في دراسات جماعات صغيرة وأنماط العلاقات الاجتماعية بين أفراد في بيئة معينة و تجري في أسلوبين:
3- أ/ الملاحظة بدون مشاركة :هي الملاحظة التي لا تتضمن أكثر من النظر أو الاستماع في موقف اجتماعي معين دون المشاركة الفعلية ويمكن أن تكون خلف ستار أو حاجز زجاجي تحفظ المشاركين في سلوكهم وتعقدهم طنبع التلقائية وهناك مواقف لا يصلح فيها إستخدام هذا النوع كملاحظة بعض الصور الخاصة ببعض السلوك.
3- ب/ الملاحظة بالمشاركة :استخدمت بنجاح في الدراسات الأنتربولوجية ويتضمن هذا النوع إشتراك الباحث في حياة الناس الذين يقومون بملاحظاتهم وتتفاوت درجات المشاركة في عامة – هذا مايفعله الأنتربولوجيون- إلى جزئية فقد تندمج الملاحظة في حياة الجماعة التي يلاحظها .
ومن بين العلماء الذين استعانوا بأسلوب الملاحظة بالمشاركة * كودييل*عالم أنتربولوجي في دراسة للعلاقات الانسانية داخل إحدى المستشفيات للأمراض العقلية، يوم إن عاش مع المرضى والأطباء لمدة شهرين ،دون علمهم بذلك هناك بعض القواعد العامة لاستخدام الملاحظة بالمشاركة وهي:
1* التعرف على الخصائص الاجتماعية العامة لجماعية موضوع الملاحظة وواقع البيانات المنشورة المتاحة.
2* التعرف على القادة الرسميين وغير الرسميين وإذا أراد الباحث أن تكون مشاركته صريحة فعليه الاستعانة بالإجنانين لتقديمه لمجتع البحث.
3*شرح ما سيقوم للإجنانيين وهم يقومون بتوصيل ذلك بمجتمع البحث.
4* مشاركة أعضاء المجتمع وإهتماماتهم العامة.
5* ينغي على الباحث عدم توجيه اسئلة حساسة إلى أفراد البحث إلا بعد توطيد الشخصية معهم .
6* البعد عن إبداء الرأي عن بعض الموضوعات الحساسة التي قد تثير غضب المبحوثين .
4/ الملاحظة المنظمة: تتسم بالدقة والضبط ومخططة بشكل مسبق وتستخدم في البحوث الشخصية او التجريبية ويستخدم فيها الباحث بعض الأدوات التي تعينه على دقة الملاحظة مثل استخدام دليل الملاحظة او بعض الالات كالميكرو سكوب أو آلة التصوير والهدف منها جمع البيانات الدقيقة عند الظاهرة التي هي موضوع البحث لاختبار صحة البحث(زمان،مكان) وقد تستخدم الملاحظة بأسلوب المشاركة أو بدون المشاركة وأيا كان الأسلوب فهي تستعين ببعض الوسائل التي تعينه على دقة الملاحظة من أهمها:
4-أ/الصور الفوتوغرافية: تفيد هذه العملية في الوقوف على جوانب المواقف الاجتماعية كما يظهر في صورته الواقعية كما أنها تجنب الملاحظة الخطأ كما تفيد في الكشف عن جوانب التفسير التي تحدث في جوانب كثيرة من حياة الأفراد والجماعات .
4-ب/المذكرات التفصيلية : يدون فيها الباحث موقف الملاحظة وإبعاده المختلفة.
4- ج/ الخرائط: تفيد توضح العلاقة بين البيئة الاجتماعية وبين التنظيمات الاجتماعية وتعطي معلومات للباحث التي تساعده على دقة الملاحظة .
4-د/ استمارة البحث او دليل الملاحظة :تساعد الباحث على تدوين البيانات المتصلة بموضوع الملاحظة دون غيرها .
4- و/ المقاييس السوسيوهيترية:هي احد الأساليب الهامة التي تعين الملاحظ على فهم أبعاد الموقف الاجتماعي الذي يريد ملاحظته.
كما تتطلب الملاحظة في البحث الاجتماعي على توافر مجموعة من الشروط للحصول على ملا حظة جيدة
1* يجب أن يقف الملاحظ على كل جوانب وابعاد الظاهرة وموضوع الملاحظة والعوامل المؤثرة فيها .
2*على الملاحظ تحديد وحدات ملاحظته ومعرفة انسب المواقف التي تظهر فيها هذه الأحداث .
3*ينبغي ان يكون الملاحظ متمتع بحواس سليمة تمكنه من الملاحظة بدقة .
4* يجب ان يتحرر الباحث من أفكار لديه سابقة عن موضوع الملاحظة أي لاتسيطر عليه افكار معينة مسبقة قد تخالف ما هو موجود في الواقع.
5*الاستعانة بالآلات الأجهزة الحديثة التي تمكنه من تحقيق ملاحظة دقيقة .
6*تحديد مشكلة البحث من حيث الحجم والأبعاد والأهمية والأهداف فه
7*تحديد إطار الملاحظة :أي تحديد وحدة الملاحظة (فرد،جماعة،مجتمع..)وتحديد زمن الملاحظة ومكانها والجوانب
التي يراد ملاحظتها .
8*اختيار الملاحظين وتدريسهم:هو المسؤول الأول عن نتائج الملاحظة سلبااو ايجابا ولهذا يجب اختيار الملاحظ ينباهمية كبيرة،وهناك بعض الخطوات ينبغي أن يسير عليها برنامج تدريب الملاحظين أهمها:
-تعرف الملاحظين بالمشكلة.
-تدريب الملاحظين على كيفية تسجيل الملاحظة.
-التدريب النظري والمبدئي على عملية الملاحظة وتسجيلها.
9*تسجيل الملاحظة وفيها طريقتان: الأولى التسجيل الزمني للحوادث وترتيبها من زمن وقوعها،والثانية تنظيم المادة الملحوظة في موضوعات أو فئات معينة.
10*تفريغ الملاحظة بعد التسجيل:يقوم الملاحظ بتفريغ الملاحظة وفقا للفئات أو البنود المتفق عليها من قبل،ولكي يسهل عليه بعد القيام بعملية التحليل الكمي.
11*تحليل بيانات الملاحظة وتفسيرها.
12*استخلاص نتائج الملاحظة والتوصيات هي من أهم خطوات الملاحظة،يقوم الباحث باستخلاص النتائج التي تؤكد صدق الفروض او عدم صدقها.
13*كتابة تقرير الملاحظة:هي الخطوة النهائية في اجراء الملاحظة.
/ قيام اكثر من باحث بملاحظة موقف ما ،مستخدمين نفس الأسلوب والأدوات.
/ يقوم الملاحظ بإعادة ملاحظته لموضوع الملاحظة بنفس الأسلوب الذي استخدمه في المرة الأولى وإيجاد معامل صدق.

المطلب الرابع :مزايا وعيوب الملاحظة:
**مزايا الملاحظة :
1* الملاحظة هي الاداة الوحيدة التي يمكن من خلالها دراسة سلوك افراد الجماعة بشكل تلقائي تحريف.
2*تفيد في التعرف على بعض جوانب الحياة الاجتماعية بشكل فعال كالعاداة الاجتماعية وغيرها من الموضوعات التي يفضل استخدام الملاحظة في دراستها دون غيرها من ادوات البحث الاجتماعي.
3*تفيد في الحصول على بعض المعلومات والبيانات حول موضوع الدراسة.
** عيوب الملاحظة:
1/لا يمكن استخدام الملاحظة في دراسة اشياء قد حدثت في الماضي بشكل مباشر.
2/صعوبة التببؤ بها سوف يحدث في المستقبل من انماط مختلفة من السلوك.
3/هناك بعض انماط السلوك الاجتماعي التي يصعب او يتعذر معها استخدام الملاحظة كما هو فيما يختص بالسلوك الجنسي داخل نطاق الاسرة .
4/يفرض البيانات التي يتحصل عليها الباحث من خلال استخلاصه لبعض الالات التي ينتج عنها عيوب في هذه الالات واهتمامها على دقة الملاحظة.
المبحث الثاني: تقنية التحليل:
المطلب الأول:
1/ تعريفه: التحليل من الاساليب المقبولة في البحث العلمي وحظي باهتمام في بداية القرن 20 م ،يعرفه‘بيركسون‘ بانه الأسلوب الذي يهدف الى الوصف الموضوعي المنظم الكمي للمحتوى الظاهر للاتصال، والاتصال عنده يعني كل الأفكار والمعاني التي يمكن التعبير عنها ونقلها الى الآخرين بطريقة مباشرة وغير مباشرة(رمزية) هدفه المباشر انتقال المعلومات من شخص الى اخر او الى جماعة ،ويعتمد تحليل المضمون على بيانات هي الألفاظ والرموز التي يتألف منها مادته الاساسية ، الخطابات والرسائل والكتب والمحادثات…
يختلف تحليل المضمون عن أساليب التحليل الأخرى التي تعتمد على التحليل الكمي الذي يفيد في فكرة محددة مثل العدالة والمساواة… ،اذا كان العمل موضوع التحليل يمثل قطاع عرضي من الحياة الاجتماعية مثل الرواية ، يصعب اعتماد تحليل الكمي لتعدد المتغيرات وتداخل الأفكار، ولجأ الباحثين الى استخدام التحليل الكيفي خاصة في الاعمال الأدبية من أمثلة الدراسات:
1*علم الاجتماع من خلال الأدب :
اعتمد فيها ‘لويسكوزور‘اسلوب التحليل الكيفي، واكد على اهمية استعانة علم الاجتماع بالأدب كأحد مصادر المعرفة الاساسية.
2*الماركسية والادب:اعتمد فيها برتسال التحليل الكيفي ووضح فيه دور الأدب كأحد وسائل الضبط في المجتمع.
3*دراسة ‘ميتشلزيران‘عن رواية كشكل أدبي وكمؤسسة اجتماعية ووضع ارتباط المظاهرة الأدبية بالظواهر الاجتماعية.
4*دراسة ‘صورج لوكاش عن تولد ونمو الواقعية ووضع في نموالاتجاه الرافعي الادب.
5*دراسة ‘البرشيف‘ عن العلاقة بين الادب والمجتمع فيها ان الادب انعكاس للحياة الاجتماعية.
6* دراسة ‘ديانا ليورنسون‘ و‘ الان سيونجود‘ عن علم اجتماع يعتبرتحليل المضمون سواء كان كيفيا اوكميا ،وسيلة اساسية لدراسة عملية الاتصال.
المطلب الثاني: خصائص الاساسية لتحليل المضمون:
1- يستخدم في وصف محتوى مادة الاتصال سواء كانت مكتوبة او مسموعة اومرئية.
2- يدرس محتوي مادة الاتصال.
3- مراعاة الباحث الموضوعية التامة في تحليل مادة الاتصال.
4- تحليل مادة في الاتصال بطريقة منظمة وفقا لمعايير منظمة.
5- التأكد من أن المعاني المشتقة من مادة الإتصال تتفق مع ما يتصل للكاتب والمتحدث.
المطلب الثالث:مجالات تحليل المضمون:
بدأت المجالات الأولى في مجالات الصحافة والأدب وفي العقد الثالث من القرن مع ظهور‘ سيترم سوروكين‘ استخدم تحليل المضمون في دراسته الشهيرة حول ديناميات الاجتماعية والثفافية .
كما لاننسى ‘هارولد لازويل‘ و‘برنارد بيرلسون‘ وجهودهما في توضيح معالمة ويمكن حصر مجالاته على النحو التالي:
1*مجالات الإتصال والإعلام: أهم المجالات تحدد ماهية الإتصال.
هناك دراسات أستخد مت الاسلوب تحليل المضمون في قياس اثار وسائل الاعلام من احداث الدراسات، دراسة البعد القومي في قناة الجزيرة، التحليل الكيفي للاجابةعلى عدة تساؤلات ،هل قناة الجزيرة من خلال هذه البرامج تشكل مدرسة جديدة في الطرح القومي العربي الوجدي؟
هل تتبع الاسلوب الديمقراطي في الطرح من خلال مقدمة البرنامج أي هناك مساواة في طرح القضية سلبا او ايجابا وغيرها من الاسئلة.
أما عينة الدراسة فحددها الباحث من 12/03/1999 الى 04/05/1999 .
مجال التغير الاجتماعي :هي المجالات الخصبة لتحليل المضمون .
مجال الدراسات النفسية:من الاعمال المبكرة في استخدام التحاليل المضمونة في الدراسات النفسية- دراسة لازويل-
مجال الدراسات العلاجية: استخدام التحليل المضمون في كثير من الدراساتالعلاجية ( الخدمة، الاجتماعية ،او الطب النفسي)
مجال الثقافة والمجتمع: استخدم التحليل في دراسة القيم الاجتماعية والثقافية.
سوسيولوجية الأدب : يعتبر من الميادين الخصبة في التحليل و هناك دراسات مثل دراسة لويس كون و حلل العديد من الأعمال الأدبية فحلل 90 رواية و قصة قصيرة و صنف المعرفة وفقا للميادين الاساسية لعلم الاجتماع مثل الثقافة جزر السعادة .
الضبط الاجتماعي مثل عالم العمال المهاجرين .
التنشئة الاجتماعية مثل الأب الفاتسيستس إلى أن يصل إلى الانومي في رواية الإنسان المعياري . تحليل المضمون يفيد في التعرف على المغزى الحقيقي للأعمال الأدبية و مدى ارتباطها بالواقع او تعبيرها عنه و من ثمة دعامة أساسية في ميدان سوسيولوجيا الأدب .
المطلب الرابع: أسسه
له ثلاثة فروع أساسية يستند إليها استخدام تحليل المضمون :
*هدف الكاتب او المتحدث و معرفة تأثير محتوى مادة الاتصال على أفكار الناس
* مدى التقاء السامع و الكاتب هل هي بالفعل الأفكار و المعاني .
* الوصف الكمي و الكيفي لمحتوى مادة الاتصال .

أسسه تسمد من فكرة أن الأدب انعكاس الحياة الاجتماعية .

المطلب الخامس: فئاته
يمكن تحديدها بفئتين أساسيتين تتفرغ منهما عناصر أساسية :
أ/ فئات ماذا كتب أو قيل : تتفرع إلى عناصر أهمها :
1- فئة موضوع الاتصال : مواد الاتصال بعد حرب أكتوبر 1973 تدور حول تحرير الأرض المحتلة و أهداف أخرى ، فهذه الفئة تبحث عن موضوعات تدور حولها مادة الاتصال .
2- فئة اتجاه محتوى الاتصال :حول أراء المتلقين لمادة الاتصال ومدى استجابتهم لهذه المادة .
3- فئة المعايير التي تطبق على محتوى الاتصال : أي المعايير التي يتم من خلالها تحليل مادة الاتصال .
4- فئة القيم : تحديد القيم من خلال أهداف و الحاجات مثل القيم الاجتماعية كحب الأسرة .
5- فئة إشباع الحاجات التي قد تكون فردية او جماعية و قد يكون الإشباع سلبيا أو ايجابيا .
6- فئة السمات : فرد ،جماعة ، مجتمع محلي ، نظام …
7- فئة الفاعل و التركيز عليه داخل الجماعة التي ينتمي إليها .
8- فئة المرجع او المصدر فالمرجع مثل شخص او جماعة …
9- فئة المكان الذي تصدر عنه مادة الاتصال :من اهم الفئات .
10- فئة المخاطبين مثل فئة الشباب و السيدات…
ب/ فئات كيف كتب او قيل : إشكالها عديدة أهمها :
1-فئة شكل او نموذج الاتصال : قد يكون موضوع الاتصال رواية مثلا .
2- فئة الإطار الذي يتخذه الموضوع : أي مدى التعبير عن الواقع الملموس من عدمه .
3- فئة شدة التعبير : أي الدرجة الانفعالية لموضوع الاتصال .
4- فئة الأداة : الوسيلة التي يستخدمها الباحث في مادته الاتصالية .
*وحداته : هناك العديد من وحدات التحليل المضمون اهمها :
1- وحدات التحليل المبدئي :
ا/ وحدات التسجيل و وحدة السياق : كأن تكون الوحدة كلمة او جملة …
ب/ وحدات التصنيف و وحدة العدد : يتم تصنيف مادة الاتصال الى وحدات متجانسة ليسهل تحليلها .
2- وحدات التحليل النهائي .
الخاتمة:
خلاصة القول أن عملية البحث السوسيولوجي عملية متكاملة ومترابطة ،تتلاحم مع مختلف خطواتها دون انفصال أو انعزال،فبقوم الباحث بالملاحظة والتحليل اللذان يتيحان الفرصة لتسجيل السلوك الملاحظ في المجتمع ومعرفة كل ما يدور من حوله،وتسجيل نتائجه مما يقلل احتمالات الخطأ .
والتحليل أسلوب متميز في البحث الاجتماعي ،يعتمد على التحليل الكمي والكيفي في وصف وتحليل وتفسير مادة الاتصال.





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …اخواني مرحبا بكم وسهلا
انا عضو جديد هل من مرحب

اخواني كيف استطيع تحميل موضوع الملاحظة والتحليل

التصنيفات
علم الاجتـماع

الفينومينولوجيا


الفينومينولوجيا والبحث فى الإنسان

د. مجدى عرفة
الموجـز
تنطلق هذه الدراسة من حقيقة – أو افتراض – أن علم النفس – كجزء من العلوم الإنسانية وأساس لها – يمر بأزمة تتعلق بمناهجه وأسسه المعرفية.
على هذا الأساس تحاول هذه الدراسة أن تستكشف الأسس المعرفية والمنهجية التى تتقدم بها فلسفة حديثة نسبيا هى الفلسفة الفينومينولوجية ومحاولات تطبيقها والاحتمالات التى تمثلها كحل لأزمة علم النفس والطب النفسى.
والدراسة فى قسمين:
1- القسم الأول – وهو موضوع هذا العدد – يقدم عرضا للمفاهيم الأساسية والخطوات المنهجية التى تتحدد من خلالها الملامح الرئيسية للفينومينولوجيا كنسق معرفى أو كعلم أولى يضع الأسس الثابتة التى يمكن أن يقوم عليها البحث والمعرفة فى كافة العلوم.
2- أما القسم الثانى – ويأتى فى العدد القادم – فيقدم عرضا لتطبيقات الأسس المعرفية والمنهيجة للفينومينولوجيا فى دراسة الإنسان فى علم النفس والطب النفسى وخاصة فى مجال السيكوباثولوجى حيث حقق المنهج الفينومينولوجى نجاحا بارزا.
مقدمة:
القضية بشكل مباشر وصريح هى أن هناك “أزمة فى علوم الإنسان”، وأنا أعنى هنا بالذات – التزاما بالتخصص – علوم النفس الإنسانية فى سوائها (وهو تخصص علم النفس) وفى مرضها (وهو تخصص الطب النفسى) وهما علمان لا ينفصلان رغم التمييز بينهما.
وأبرز مظاهر هذه الأزمة هو التناقض الكبير بين التطورات والنجاحات العملاقة للعلوم الطبيعية بكل نتائجها التكنولوجية التى تسابق الزمن بمعدلات تكاد تلاحق سرعة الخيال، وبين القصور الواضح فى العلوم التى تتعلق بالإنسان وعلى رأسها علم النفس.
وهذه الأزمة لا يمكن أن تخفى على أى ملاحظ يتابع بدرجة معقولة من الصدق وعدم التحيز تطور علم النفس منذ أن انفصل عن الفلسفة مع بدايات هذا القرن واستعار لنفسه كأساس غلاب مفاهيم العلوم الطبيعية ومنهجها التجريبى مأخوذا بدقة هذا المنهج ووضوحه ونجاحه الفائق فى مجاله إلى الدرجة التى ساد بها “الاعتقاد” فيه – لدى كل العلوم – بوصفه المنهج “العلمى” الوحيد والشامل، أقول لن يخفى على مثل هذا الملاحظ قصور منجزات هذا العلم إذا ما قورنت بمنجزات العلوم الطبيعية بتطبيقها لمنهجها فى مجالها.
إن الإحساس يتصاعد ويتضح لدى علماء النفس أنفسهم بضحالة وتناثر حصيلة علم النفس بعد التزامه الطويل بهذه المفاهيم والمناهج المستعارة فى صورة إحصاءات وقياسات ونتائج كمية لا حصر لها ولا رابط يجمعها بشكل فعال يقدر على تفسير الظواهر النفسية بكل تعقيداتها ومواجهة مشاكلها الملحة.
إن أى تصور موضوعى لا يمكن أن ينكر درجة النجاح التى حققها النموذج السابق ونتائجه العملية العديدة والواضحة، ولكن النظرة المتمعنتة تستطيع أن تدرك أن مثل هذه النتائج تقع فى المنطقة التى يقترب فيها المجال النفسى من المجال الفيزيائى، وأن حصيلتها لا تكفى لتعويض القصور الكبير وتبديد الحيرة والغموض وعلامات الاستفهام التى لازالت تسود مجال علم النفس. إن الأمر هنا يحتاج إلى وقفة مراجعة شاملة وجذرية تعود بنا إلى الأساس الأولى للعلم، فإن حجم القصور لا يعوضه إصلاحات فى المنهج أو النسق القائم وإنما يحتاج الأمر العودة إلى التساؤلات المبدئية عن كيف تتحقق لنا المعرفة بحقائق هذا المجال وما طبيعة هذه المعرفة وحدودها وإمكانياتها؟.. هل يمكن أن يكون هناك مدخل أو منهج جديد مختلف ومناسب أكثر؟ إنها ببساطة عودة إلى فلسفة العلم، إلى نظرية المعرفة وإلى الفلسفة.
وإذا كان المنهج العلمى التقليدى الذى ثبت – أو نقول – بقصوره [1] فى مجال علم النفس يستند إلى أسس معرفية تشملها مذاهب وإتجاهات فلسفية مثل الوضعية والطبيعية فإن هناك إتجاها فلسفيا يحاول تقديم أسس معرفية أخرى يعتبرها أكثر شمولاً وكفاءة بالنسبة لكل العلوم بما فيها العلوم الإنسانية.. هذا الاتجاه هو الفلسفة الفينومينولوجية.
وموضوع هذه الدراسة هو استكشاف هذه الفلسفة ومحاولات تطبيقها كأساس معرفى أو منهج فى علم النفس والطب النفسى والاحتمالات التى تمثلها كحل لأزمة هذا العلم.
والدراسة تنقسم إلى قسمين أحاول فى الأول منهما أن أقدم عرضا لمفاهيم وأسس الفلسفة الفينومينولوجية وأعتبره ضرورة لا غنى عنها لفهم الموضوع كما أعتبر ما قد يبدو استفاضة فيه ضرورة أخرى لتحقيق أكبر قدر ممكن من الوضوح، وهو وضوح عانيت أنا شخصيا حتى استطعت الوصول إلى درجة منه تصورتها معقولة، وهنا أجدنى مدفوعا إلى استئذان أصحاب التخصص فى هذا الجهد الذى اقتحمت به مجالهم، وأعتذر مسبقا عن أى قصور فيه، فهو اجتهاد يحمل احتمالات الصوات والخطأ ولا بديل عن مثله من أجل عبور الحواجز المصطنعة بين العلم والفلسفة من أجل إثراء كليهما.
أما القسم الثانى – ويأتى فى العدد القادم – فسأحاول فيه عرض الدور الذى يتقدم به المنهج الفينومينولوجى لدراسة الإنسان فى علم النفس وتطبيقه العملى فى مجال السيكوباثولوجى بشكل خاص والذى يعد أبرز وأنجح إسهامات هذا المنهج.

أولا: الفسلفة الفينومينولوجية [2]
ظهرت هذه الحركة الفلسفية فى بدايات القرن الحالى، ومثل العديد من الحركات الفكرية البازغة فقد كان لها إرهاصات وملامح متناثرة فى أعماق عدد من المفكرين إلا أن تأسيسها والصياغة الشاملة لنسقها تمت على يد الفيلسوف الألمانى أدموند هوسرل Edmond Husserl (1859 – 1938) الذى يعتبر البعض أن أهميته فى القرن العشرين قد لا تقل عن أهمية فلاسفة مثل “هيجل” فى القرن التاسع عشر أو “كانت” فى القرن الثامن عشر أو “ديكارت” فى القرن السابع عشر.
وقد بدأت الفينومينولوجيا بموقف ناقد من فلسفات وعلوم العصر ومناهجها وأسسها وأنساقها المعرفية، وكان أبرز هذه الانتقادات هو ما وجهته إلى المذهب الطبيعى Naturalism [3] الذى ساد بسيادة المنهج التجريبى ونجاحه الفائق فى مجال العلوم الطبيعية، فهذا المذهب كما تراه الفينومينولوجيا يدعى لنفسه الصفة العلمية الوحيدة الممكنة، ويقصر صفة “حقيقى” فحسب على ما هو طبيعى أو فيزيائى Physicl، و”كعلم” لما هو واقعى Factual فإنه يرفض الاعتراف بحقيقة ما هو مثالى (تصورى أو ذهنى) Ideal أو يقوم بعملية تطبيع له بتحويله إلى حقيقة فيزيائية.
والخطأ الأساسى لهذا المذهب فى نظر الفينومينولوجيا هو إجراؤه لعملية التطبيع هذه على الذات الإنسانية بوعيها وبأفكارها، بينما ترى الفينومينولوجيا أن الظاهرة الإنسانية ليست مجرد قطاع فى الطبيعة الفيزيائية، والذات الإنسانية ليست مجرد “موضوع” تتكفل بتفسيره قوانين الأشياء وروابطها العلمية.
وتعتبر الفينومينولوجيا أن نوع الموضوعية التى يفترضها هذا المذهب مسبقا والتى لا يستطيع بدونها إدعاء العلمية هى اعتقاد مثالى وهى بذلك نقيض واضح للمبادئ الطبيعية نفسها.
من هذه الخلفية الناقدة سعت الفنيومينولوجيا نحو بداية جديدة متحررة من كل ما هو مسبق من نظريات أو افتراضات أو مفاهيم، إلى إنشاء علم أولى أو علم بدايات يضع الركائز الثابتة التى يمكن أن تقوم عليها المعرفة وأية صياغات لها فى شكل مفاهيم أو فروض أو نظريات فى كافة العلوم الفلسفية منها أو الطبيعية أو الإنسانية، إلى وضع فلسفة شاملة تكون بمثابة معيار لفحص منهجى لكافة العلوم.
ومن هنا فقد حاولت صياغة منهج معرفى أساسه العودة إلى الأشياء نفسها، إلى البحث المباشر فى الظواهر كما “يخبرها” الوعى بتحرر كامل من أى مفاهيم أو نظريات مفسرة مسبقة، وسعت إلى أن يكون لهذا المنهج شروط الوثوق والتحقق بالدرجة التى تجعل من نسقها علما صارما.
وبالنسبة لهوسرل فإن العلم الفلسفى الصارم الذى ينشده هو علم منظوم Systematic ولكنه ليس نسقا بالمعنى المذهبى System، ويصعب على هذا الأساس تصنيف الفينومينولوجيا كمذهب، فهى أقرب إلى المنهج ذى الطابع التساؤلى الجذرى، هى فلسفة غير مكتملة، طابعها البحث المستمر..، متفتحة ومرنة.
وهناك من يمكن أن يقول بأنه من طبيعة الفلسفة أو ماهيتها ألا تكون علمية، ولكن هوسرل يرفض قبول مثل هذا الاستنتاج، ويقول بأن احتمال العلم الصارم فى أى مجال يتطلب احتمالا بعلم فلسفى صارم، لأن مثل هذا العلم الفلسفى فحسب هو الذى يمكن أن يضمن الطابع العلمى الصادق لأى عام متخصص.
ننتقل الآن إلى عرض النسق الذى تقدمه الفلسفة الفينومينولوجيا والأسلوب الذى سأتبعه فى ذلك – سعيا إلى الوضوح الممكن – هو عرض المفاهيم الأساسية التى تتضمنها كرؤوس موضوعات تتحدد من خلالها، ومن مجموعها، الملامح الرئيسية للفينومينولوجيا، ومنها أنتقل إلى عرض لخطوات المنهج الفينوميولوجى، ثم يختتم هذا القسم بنظرة عامة تشتمل على بعض الملامح والملاحظات الإضافية.

(1) المفاهيم الأساسية
1- الظاهرة:
الظاهرة Phenomenon هى موضوع الفينومينولوجيا، ومنه يشتق اسمها، والتعبير عموما يعنى أى موضوع Object (شئ أو حقيقة أو واقعة) قابل للإدراك والملاحظة.
وفى الفلسفة يستخدم التعبير بشكل عام للإشارة إلى موضوعات الأحاسيس (السمع أو الرؤية … الخ) فى مقابل ما يفهم بالعقل، أو ما يستوعب فوريا بواسطة الحواس قبل القيام بأى حكم، إلا أن الكلمة لم تصبح أبدا اصطلاحا فنيا محددا بهذا المعنى حيث يفضل الكثير من الفلاسفة تعبيرات مثل “معطيات الحس” Sense Data. وفى أحيان أخرى يصطبغ التعبير فى الفلسفات المختلفة وفقا للنسق المذهبى لكل منها، ففى فلسفة “كانت” على سبيل المثال يستعمل لفظ الظاهرة للإشارة إلى “المظاهر العقلية الواعية” أو الأشياء كما تبدو لنا وذلك فى مقابل الأشياء فى ذاتها Noumena، وهى مالا يمكن ملاحظته أو معرفته أو الوعى به بشكل مباشر.
وبالنسبة لنسق الفينومينولوجيا فإن للظاهرة مفهوم محدد حيث تفهم بوصفها “الموضوع المعروف فى الوعى وبواسطته [4] “
ولفظ “المعروف” هنا له معنى واسع يشمل كل كيفيات الوعى مثل الحدس والإدراك والتخيل والتذكر والحكم.. الخ، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن الحدس يأخذ وضعا متميزا فى الفلسفة الفينومينولوجية كما سنرى.
والموضوع المعروف يمكن أن يكون شيئا أو واقعة أو حالة من حالات الأمور، وهذا يعنى نطاقا واسعا غير محدود بالخبرات الحسية المجردة، فالفينومينولوجيا تسمح – وعلى قدم المساواة – بمعطيات غير حسية مثل العلاقات والقيم طالما أنها تقدم نفسها بشكل حسدسى، وتعتبرها موضوعات قابلة للفحص المعرفى والدراسة العلمية.
والمعرفة‏ ‏فى ‏الوعى ‏وبواسطته‏ ‏شرط‏ ‏أساسى ‏من‏ ‏شروط‏ ‏الظاهرة‏ ‏كما‏ ‏تفهمها‏ ‏الفينومينولوجيا‏, ‏فهى ‏تعتبر‏ ‏نفسها‏ ‏غير‏ ‏معنية‏ ‏بأى ‏وجود‏ ‏أو‏ ‏موجودات‏ ‏افتراضية‏ ‏أو‏ ‏مخمنة‏ ‏أو‏ ‏مستدل‏ ‏عليها‏ ‏بوصفها‏ ‏خارج‏ ‏نطاق‏ ‏الوعى, ‏ولايجب‏ ‏أن‏ ‏يفهم‏ ‏هذا‏ ‏بوصفه‏ ‏نظرة‏ ‏ضيقة‏ ‏لأن‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏تعتبر‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏الحقائق‏ – ‏بما‏ ‏فيها‏ ‏حقائق‏ ‏نهائية‏ ‏تعتبرها‏ ‏فلسفات‏ ‏أخرى ‏غير‏ ‏قابلة‏ ‏للمعرفة‏ – ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تتكشف‏ ‏فى ‏الوعى ‏بدرجة‏ ‏كافية‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏المنهج‏ ‏الفينومينولوجى.‏
‏2 – ‏الوعى .. ‏أفعال‏ ‏الوعى .. ‏التكوين‏ .. ‏والقصدية‏ ‏أو‏ ‏الاحالة‏.‏
تفهم‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏الوعى ‏بوصفه‏ ‏الموضع‏ ‏الذى ‏يتم‏ ‏فيه‏ ‏كل‏ ‏أنواع‏ ‏تكوين‏ ‏وإنشاء‏ ‏المعانى ‏وهو‏ ‏بهذا‏ ‏المفهوم‏ ‏ليس‏ ‏مجرد‏ ‏جزء‏ ‏من‏ ‏الوجود‏ ‏أو‏ ‏موجود‏ ‏من‏ ‏الموجودات‏ .. ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏الحقيقة‏ ‏المبدئية‏ ‏أو‏ ‏المبدأ‏ ‏الذى ‏يكتسب‏ ‏بفضله‏ ‏أى ‏موجود‏ ‏
أو‏ ‏موضوع‏ ‏كل‏ ‏ماله‏ ‏من‏ ‏معنى ‏أو‏ ‏قيمة‏ ‏بالقياس‏ ‏إلينا‏, ‏هو‏ ‏مركز‏ ‏كل‏ ‏وجود‏ ‏فكل‏ ‏وجود‏ ‏حقيقى ‏هو‏ ‏وجود‏ ‏فى ‏الوعى‏.‏
لهذا‏ ‏الوعى ‏افعال acts (‏مثل‏ ‏الإدراك‏ ‏بأنواعه‏, ‏والتفكير‏, ‏والتخيل‏, ‏والذاكرة‏, ‏والحدس‏, ‏والرغبة‏… ‏الخ‏), ‏ومفهوم‏ “‏فعل‏” ‏الوعى ‏هنا‏ ‏لايقصد‏ ‏به‏ ‏مجرد‏ ‏الفعل‏ ‏كما‏ ‏هو‏ ‏بمعناه‏ ‏الحركى action ‏وإنما‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏علاقه‏ ‏تكوينية‏ ‏مع‏ ‏الموضوعات‏ ‏والاحداث‏.‏
وهذا‏ ‏يأتى ‏بنا‏ ‏إلى ‏مفهوم‏ ‏التكوين‏ constitution ‏ويقصد‏ ‏به‏ ‏فى ‏الفينومينولوجيا‏ ‏العملية‏ ‏التى ‏تقوم‏ ‏بها‏ ‏أفعال‏ ‏الوعى ‏والتى ‏بواسطتها‏ ‏يصبح‏ ‏الموضوع‏ ‏جزءا‏ ‏من‏ ‏الخبرة‏ ‏الواعية‏ ‏للفرد‏, ‏فالموضوع‏ ‏يتكون‏ ‏فى ‏الوعى ‏بواسطة‏ ‏أفعاله‏, ‏ولكن‏ ‏بما‏ ‏أن‏ ‏الموضوع‏ ‏موجود‏ ‏خارج‏ ‏الذات‏ ‏فإن‏ ‏فكرة‏ ‏التكوين‏ ‏لايجب‏ ‏أن‏ ‏تفسر‏ ‏بمعنى ‏مثالى [5] ‏كما‏ ‏أنها‏ ‏لاتعنى ‏خلق‏ ‏أو‏ ‏اصطناع‏ ‏الموضوع‏ ‏أو‏ ‏الشيء‏ ‏بواسطة‏ ‏الذات‏, ‏وإنما‏ ‏تعنى ‏ببساطه‏: ‏التكوين‏ ‏الدعائمى ‏لمعنى ‏الموضوع‏, ‏فهناك‏ ‏معنى ‏فقط‏ ‏بالنسبة‏ ‏للوعى ‏الذى ‏يكونه‏ ‏بواسطة‏ ‏أفعاله‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏هذا‏ ‏الإطار‏ ‏فإن‏ ‏الوعى ‏يكتسب‏ ‏معنى ‏العامل‏ ‏النشط‏.., ‏ولا‏ ‏يكون‏ ‏مجرد‏ ‏تلقى ‏سلبى.‏
ولعل‏ ‏أهم‏ ‏المفاهيم‏ ‏التى ‏تستند‏ ‏إليها‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏مفهوم‏ ‏القصدية‏ Intentionality ‏أو‏ ‏الطابع‏ ‏القصدى ‏للوعى ‏الذى ‏أخذه‏ ‏هوسرل‏ ‏عن‏ ‏أستاذه‏ “‏فرانز‏ ‏برنتانو‏” Franz Brentano ‏والذى ‏يعد‏ ‏مفتاح‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏لفهم‏ ‏العلاقة‏ ‏بين‏ ‏الوعى ‏والوجود‏ ‏بموضوعاته‏ ‏أو‏ ‏موجوداته‏.‏
والمقصود‏ ‏بهذا‏ ‏المفهوم‏ ‏هو‏ ‏أنه‏ ‏من‏ ‏شأن‏ ‏كل‏ ‏وعى ‏أن‏ ‏يتجه‏ ‏نحو‏ ‏موضوع‏ ‏أو‏ ‏يستهدف‏ ‏شيئا‏, ‏فالإدراك‏ ‏الحسى ‏هو‏ ‏إدراك‏ ‏لموضوع‏ ‏ما‏.. ‏والرغبة‏ ‏هى ‏رغبة‏ ‏فى ‏شيء‏ ‏ما‏.. ‏والحكم‏ ‏هو‏ ‏حكم‏ ‏على ‏حالة‏ ‏قائمة‏ ‏من‏ ‏حالات‏ ‏الأشياء‏.‏
ومن المهم أن نوضح هناأن التعبير قد يكون مضللا بعض الشئ للقارئ غير الدارس للفلسفة حيث أن القصد Intention يبدو للوهلة الأولى متضمنا فى معناه نوعا من الفعل الإرادى ولكنه يستخدم فى الفينومينولوجيا استخداما اصطلاحيا بمعنى أقرب إلى “الإحالة” reference ، الإحالة إلى شئ أو الإحالة إلى موضوع . .، أى أن الوعى يوجد أو يصبح وعيا بالإحالة إلى شئ أو موضوع ، وأفعال الوعى لا تصبح واعية حتى تندمج بموضوعات، فليس هناك إدراك دون شئ يدرك وليست هناك إرادة دون شئ يراد . . إلخ.
من ناحية أخرى فإن وجود موضوع ما هو وجود فى الوعى أو العقل الواعى ولا يمكن تصور موضوع دون ذات تعيه وتعطيه معنى . . أى أن الموضوع موجود بالأحالة إلى الوعى، بذلك فإن القصدية هى “علاقة إحالة متبادلة بين الوعى أو أفعال الوعى وموضوعات الوجود الخارجى” . . وهذه العلاقة هى ما يعطى الوعى صفاته الأساسية.
عن هذه العلاقة القصدية كتب هوسرل يقول 6 “فى كل كل الخبرات النفسية الصافية (فى إدراك شئ فى الحكم بشأن شئ . . فى التمتع بشئ . . فى الأمل فى شئ) . .
فإن فهناك فى صلب المسألة وجود يتم التوجه نحوه towards –directed – being إن الخبرات قصدية، وهذا الوجود المتوجه نحوه ليس متصلا بالخبرة فى شكل مجرد إضافة فقط، أو بشكل مؤقت وعرضى، كما لو أن الخبرات يمكن أن تصبح ما هى عليه دون العلاقة القصدية”، أى أن علاقة وعى الذات بالموضوعات ليست مجرد علاقة إضافة تضاف فيها موضوعات مستقلة إلى وعى منفصل عنها وإنما هى علاقة عضوية لايكون للوعى فيها وجود ردون موضوعه. ولا يكون للموضع فيها وجود دون الوعى الذى يعطيه معناه، هى علاقة “معية” تربط الذات بالأشياء أو الموضوعات مباشرة دون أن يكون هناك موضع للفصل بين “الذات الواعية أو العارفة” و”الموضوع المعروف” من هنا فإن مفهوم العلاقة القصدية يصل بنا إلى نتيجة هامة حيث يحقق توحيدا بين ما هو “ذاتى” وما هو “موضوعى”. . ويستغنى من البداية عن هذه الثنائية التقليدية.
وإذا كان مفهوم الإحالة القصدية إلى الموضوعات يشير ضمنيا إلى أن هذه الموضوعات توجد مستقلة عن الوعى فإنه بمجرد أن يستوعب الفرد الظواهر سيكولوجيا فإنها تصبح باطنة immanent فى الوعى وذاتيه.
والفينومينولوجيا بهذا تختلف عن الفلسفات التجريبية التى تقتصر على تقرير وجود موضوعات مستقلة عن الذات أو الوعى دون أن تحاول اعتبار دور الوعى فى فهم هذه الموضوعات أو تكوين معانيها.
الفينومينولوجيا إذن فى سعيها إلى هدفها وهو تحقيق معرفة حقيقة وعلملية بالوجور قد توصلت إلى وضع هذه المفاهيم الأساسية التى تحدد العلاقة بين الوعى والوجود ومنها يمكننا أن ندرك أو الوجود متاح لنا فقط كمصاحب لأفعال واعية قصدية، والمفتاح إلى المعرفة بالوجود فى ماهيته هو تحليل أفعال الوعى القصدية هذه :
1- بتركيباتها الذاتية كأفعال للوعى Noesis وهو ما يتطلب وصف الاتجاهات الذاتية للخبرة.
2- وتركيباتها الموضوعية كأفعال قاصدة موضوعات Noema 7 أى العناصر الموضوعية المتوجه نحوها فى الخبرة (والمقابلة للتركيبات الذاتية) وهى ليست سوى ماهيات ثابتة ومرتبطة فيما بينها بمقتضى بعض العلاقات الضرورية الأولية.
بتوضيح‏ ‏أكثر‏ ‏لهذه‏ ‏المجموعة‏ ‏من‏ ‏المفاهيم‏ – ‏كما‏ ‏فهمتها‏ – ‏يمكن‏ ‏القول‏ ‏أن‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏تعتبر‏ ‏أن‏ ‏تحقيق‏ ‏المعرفة‏ ‏بالظواهر‏ ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏يعتمد‏ ‏فى ‏المقام‏ ‏الأول‏ ‏على ‏فحص‏ “‏الخبرة‏ ‏الذاتية‏” ‏ليس‏ ‏بوصفها‏ “‏نوع‏” ‏من‏ ‏المعرفة‏ ‏وإنما‏ ‏لاعتقادها‏ ‏الأولى ‏بأنها‏ ‏المعرفة‏ ‏الوحيدة‏ ‏الممكنة‏, ‏فالظواهر‏ (‏بكل‏ ‏أنواعها‏) ‏ليست‏ ‏أشياء‏ ‏نعرفها‏ ‏كما‏ ‏هى ‏هناك‏ ‏فى ‏الخارج‏, ‏وإنما‏ ‏هى ‏أشياء‏ ‏تبطن‏ ‏فى ‏الذات‏ ‏بمجرد‏ ‏الوعى ‏بها‏ ‏حيث‏ ‏تصبح‏ ‏تمثيلات‏ representations ‏داخلية‏, ‏والتقاطها‏ ‏فى ‏الوعى ‏يصاحبه‏ ‏عملية‏ ‏إعطائها‏ ‏معنى‏, ‏فالوعى ‏بها‏ ‏ليس‏ ‏عملية‏ ‏استقبال‏ ‏سلبى ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏يتوجه‏ ‏نحوها‏ (‏ليس‏ ‏بالضرورة‏ ‏إراديا‏) ‏ويضفى ‏عليها‏ (‏أو‏ ‏يكون‏) ‏معناها‏ ‏الذى ‏يرتبط‏ ‏بتمثيلاتها‏ ‏فى ‏وحدة‏ ‏عضوية‏ ‏واحدة‏, ‏وليس‏ ‏فى ‏صورة‏ ‏إضافة‏ ‏شىء‏ ‏إلى ‏شىء‏.‏
والمعرفة‏ ‏بالظاهرة‏ ‏الملتقطة‏ ‏من‏ ‏الواقع‏ ‏الخارجى ‏تتم‏ ‏على ‏هذا‏ ‏الأساس‏ ‏بفحص‏ ‏الخبرة‏ ‏التى ‏تمت‏ ‏فيها‏ ‏المعرفة‏ (‏أى ‏فعل‏ ‏الوعى ‏الذى ‏تمت‏ ‏به‏ ‏هذه‏ ‏المعرفة‏) ‏وذلك‏, ‏يتضمن‏ ‏تحليلها‏ ‏إلى ‏تركيباتها‏ ‏الذاتية‏ ‏النابعة‏ ‏من‏ ‏الذات‏ ‏أو‏ ‏الوعى ‏والمتوجهة‏ ‏نحو‏ ‏الظاهرة‏ ‏بالمعنى ‏الذى ‏تضفيه‏ ‏عليها‏ ‏وتركيباتها‏ ‏الموضوعية‏ ‏التى ‏هى ‏تمثيلات‏ ‏الظاهرة‏ ‏أو‏ ‏الموضوع‏.‏
‏3 – ‏الماهية‏.. ‏والحدس‏.‏
هناك‏ ‏الوعى‏.. ‏وهناك‏ ‏أفعال‏ ‏الوعى.. ‏وهناك‏ ‏توجه‏ ‏قصدى ‏تكوينى ‏لهذه‏ ‏الافعال‏ ‏نحو‏ ‏الموجودات‏ ‏أو‏ ‏الموضوعات‏, ‏أو‏ ‏علاقة‏ ‏إحالة‏ ‏متبادلة‏ ‏بين‏ ‏الوعى ‏وهذه‏ ‏الموضوعات‏ ‏بدونها‏ ‏لايكون‏ ‏أيهما‏ ‏فى ‏حيز‏ ‏الوجود‏, ‏والآن‏.. “‏ماهى‏” ‏هذه‏ ‏الموضوعات‏ ‏التى ‏يقصدها‏ ‏الوعى ‏وتتكون‏ ‏فيه؟‏. ‏إن‏ ‏المعرفة‏ ‏بحقائق‏ ‏ومعان‏ ‏ثابتة‏ ‏لاتتغير‏ ‏بتغير‏ ‏الظروف‏ ‏أو‏ ‏الأفراد‏, ‏وهذا‏ ‏ممكن‏ ‏فحسب‏ ‏بمعرفة‏ “‏ماهية‏” ‏هذه‏ ‏الموضوعات‏ ‏أو‏ ‏الظواهر‏.‏
‏”‏فالماهية‏” essence ‏فى ‏أشمل‏ ‏تعريف‏ ‏لها‏ ‏هى “‏تركيبات‏ ‏الظاهرات‏ ‏الجوهرية‏ ‏الثابتة‏ ‏وغير‏ ‏القابلة‏ ‏للتغير‏”, ‏هى ‏العنصر‏ ‏الثابت‏ ‏الذى ‏يظل‏ ‏باقيا‏ ‏فى ‏وجه‏ ‏الكثرة‏ ‏اللامتناهية‏ ‏من‏ ‏الخبرات‏ ‏الفردية‏, ‏هى “‏معني‏” ‏أو‏ “‏دلالة‏” ‏أو‏ “‏صورة‏ Eedos” ‏الشىء‏ ‏التى ‏تظل‏ ‏قائمة‏ ‏فى ‏الذهن‏ ‏بملامح‏ ‏ثابتة‏ ‏مهما‏ ‏تنوعت‏ ‏الخبرات‏ ‏المتعلقة‏ ‏بها‏.‏
ويمكننا‏ ‏تصور‏ ‏أصل‏ ‏مفهوم‏ “‏الماهية‏” ‏وأهميتة‏ ‏فى ‏الفينومينولوجيا‏ ‏إذا‏ ‏أخذنا‏ ‏فى ‏الاعتبار‏ ‏الأصول‏ ‏الرياضية‏ ‏لأفكار‏ ‏هوسرل‏ 8, ‏فقد‏ ‏كان‏ ‏هوسرل‏ ‏مأخوذا‏ ‏بالنموذج‏ ‏الرياضى ‏للعلم‏ ‏بدقته‏ ‏وصرامته‏ ‏واتفاق‏ ‏العقول‏ ‏فيه‏ ‏بشكل‏ ‏قاطع‏, ‏وكان‏ ‏واعيا‏ ‏بأن‏ ‏من‏ ‏أهم‏ ‏عناصر‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الدقة‏ ‏والاتفاق‏ ‏هو‏ ‏الماهيات‏ ‏الرياضية‏ ‏كأسس‏ ‏أولية‏ ‏كما‏ ‏كان‏ ‏واعيا‏ ‏بالوظيفة‏ ‏التكوينية‏ ‏التى ‏يقوم‏ ‏بها‏ ‏العقل‏ ‏فيما‏ ‏يتعلق‏ ‏بهذه‏ ‏الماهيات‏ ‏الرياضية‏ ‏التى ‏يعمل‏ ‏بها‏.‏
هذه‏ ‏الماهيات‏ ‏الرياضية‏ ‏ليست‏ ‏موجودة‏ ‏فى ‏عالم‏ ‏الأشياء‏ ‏ولا‏ ‏مجردة‏ ‏منه‏ ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فهى ‏معطاة‏ ‏بشكل‏ ‏يقينى ‏معصوم‏ ‏من‏ ‏الخطأ‏, ‏هى ‏ليست‏ ‏معطاة‏ ‏عطاء‏ ‏أى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الوجود‏ ‏المحسوس‏ ‏أو‏ ‏الحسى ‏وإنما‏ ‏هى ‏معطاة‏ ‏ذهنيا‏, ‏بتعبير‏ ‏آخر‏ ‏هى ‏موضوعية‏ ‏بشكل‏ ‏مثالى (‏تصورى ‏أو‏ ‏ذهني‏) ‏ومرئية‏ ‏بواسطة‏ ‏العقل‏ ‏يوصفها‏ ‏بالضرورة‏ ‏كما‏ ‏هى ‏بالضبط‏.‏
وقواعد‏ ‏وجود‏ ‏هذه‏ ‏الماهيات‏ ‏وعلاقاتها‏ ‏هى ‏قواعد‏ ‏قبلية‏ ‏أولية‏ apriori( 9) ‏ولا‏ ‏تعتمد‏ ‏بأى ‏حال‏ ‏على ‏الخبرة‏ ‏أو‏ ‏التجربة‏ ‏بالمعنى ‏الضيق‏… ‏لأنها‏ ‏قواعد‏ ‏كامنة‏ ‏فى ‏الذاتية‏ ‏التى ‏منها‏ ‏تنبع‏ ‏كل‏ ‏القصدية‏ ‏والتكوين‏.‏
‏ ‏وكأنما‏ ‏أراد‏ ‏هوسرل‏ ‏بسعيه‏ ‏إلى ‏اكتشاف‏ ‏الماهيات‏ ‏كأساس‏ ‏معرفى ‏من‏ ‏أسس‏ ‏علمه‏ ‏الفلسفى ‏الفينومينولوجى (‏وبالتالى ‏للعلوم‏ ‏النوعية‏ ‏المختلفة‏ ‏التى ‏تنبنى ‏على ‏الأسس‏ ‏المعرفية‏ ‏للفينومينولوجى ‏كعلم‏ ‏أولي‏) ‏أن‏ ‏يقيم‏ ‏العلم‏ ‏على ‏أسس‏ ‏يقينية‏ ‏وصادقة‏ ‏بدرجة‏ ‏مماثلة‏ ‏أو‏ ‏مشابهة‏ ‏للنموذج‏ ‏الرياضى ( 10).‏
إن‏ ‏ماهية‏ ‏الأشياء‏ ‏فى ‏نظر‏ ‏هوسرل‏ ‏هى ‏حقيقة‏ ‏المعرفة‏ ‏عنها‏. ‏وفى ‏البحث‏ ‏فى ‏ظاهرة‏ (‏سواء‏ ‏كانت‏ ‏شيئا‏.. ‏أو‏ ‏حالة‏ ‏من‏ ‏حالات‏ ‏الأمور‏ ‏أو‏ ‏عملية‏ ‏أو‏ ‏واقع‏ ‏إجتماعى ‏أو‏ ‏ثقافة‏… ‏الخ‏) ‏فإن‏ ‏الباحث‏ ‏لايجب‏ ‏أن‏ ‏يقنع‏ ‏بمعرفة‏ ‏صادقة‏ ‏عمليا‏ ‏فحسب‏ ‏بالمعنى ‏الذى ‏تمثلة‏ ‏العلوم‏ ‏الوضعية‏ ‏فى ‏تركيزها‏ ‏على ‏ارساء‏ ‏قوانين‏ ‏تمكن‏ ‏العالم‏ ‏من‏ ‏التنبؤ‏ ‏بما‏ ‏ستفعله‏ ‏الأشياء‏ ‏فى ‏ظروف‏ ‏معينة‏ ‏دون‏ ‏اهتمام‏ “‏بما‏ ‏هي‏” ‏الأشياء‏, ‏وإنما‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يخترق‏ ‏إلى ‏الصدق‏ ‏الأعمق‏ ‏الراسخ‏ ‏فى ‏ماهية‏ ‏الموضوع‏ ‏تحت‏ ‏البحث‏, ‏وهذه‏ ‏الماهية‏ ‏هى ‏التفسير‏ ‏النهائى ‏للطريقة‏ ‏التى ‏تسلك‏ ‏بها‏ ‏الأشياء‏ ‏لأنها‏ ‏هى ‏ماهى ‏عليه‏.‏
فالفينومينولوجيا‏ ‏إذن‏ ‏لاترضى ‏بأقل‏ ‏من‏ ‏معرفة‏ ‏بالماهيات‏ ‏بوصفها‏ ‏الأساس‏ ‏الحقيقى ‏الذى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ينبنى ‏عليه‏ ‏أى ‏علم‏ ‏فى ‏مجاله‏.. ‏وهى ‏لاتعتبر‏ ‏هذا‏ ‏ممكنا‏ ‏فحسب‏ ‏وإنما‏ ‏تعتبره‏ ‏الأساس‏ ‏الوحيد‏ ‏لمعرفة‏ ‏يقينية‏ ‏حقيقية( 11).‏
والآن‏.. ‏كيف‏ ‏يمكن‏ ‏التوصل‏ ‏الى ‏معرفة‏ ‏بالماهيات؟
السبيل‏ ‏إلى ‏ذلك‏ ‏كما‏ ‏تحدده‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏هو‏ ‏الحدس‏ Intution ‏فمثلما‏ ‏تلتقط‏ ‏الحقائق‏ ‏الطبيعية‏ ‏فى ‏الادراك‏.. ‏تلتقط‏ ‏الماهيات‏ ‏فى ‏الحدس‏.. ‏وهكذا‏ ‏يمكن‏ ‏التقاطها‏ ‏على ‏الإطلاق‏.‏
فالحدس‏ ‏هنا‏ ‏كما‏ ‏تراه‏ ‏الفينومينولوجيا‏.. ‏هو‏ ‏حضور‏ ‏أو‏ ‏تجسد‏ ‏الماهية‏ ‏بالنسبة‏ ‏للوعى ‏بكل‏ ‏ما‏ ‏يعنيه‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏ضرورة‏ ‏وصدق‏ ‏شامل‏, ‏إنه‏ “‏حدس‏ ‏ذهني‏”, ‏وهو‏ ‏بذلك‏ ‏حدس‏ ‏متميز‏:‏
‏- ‏فهو‏ ‏شيء‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏الرؤية‏ ‏البسيطة‏ ‏التى ‏تحتويها‏ ‏أفعال‏ ‏الوعى ‏الأخرى ‏مثل‏ ‏الادراك‏ ‏أو‏ ‏التخيل‏.‏
‏- ‏وهو‏ ‏يعنى ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مجرد‏ ‏الاتصال‏ ‏التجريبى ‏بموضوع‏, ‏ولكنه‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏ليس‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏الاختراق‏ ‏الصوفى ‏إلى ‏عالم‏ ‏من‏ ‏الماهيات‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏تناول‏ ‏التفكير‏ ‏العقلانى.‏
‏- ‏وعلى ‏عكس‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏قالوا‏ ‏بالحدس‏ ‏قبل‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏وأعطوه‏ ‏طابعا‏ ‏مباشرا‏ ‏آنيا‏ ( 12). ‏فإن‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏لاتعتبر‏ ‏حدس‏ ‏الماهيات‏ ‏نقطة‏ ‏بدء‏ ‏تبدأ‏ ‏منها‏ ‏عملية‏ ‏التعقيل‏, ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏نقطة‏ ‏وصول‏ ‏ينتهى ‏إليها‏ ‏الباحث‏ ‏بعد‏ ‏بحث‏ ‏شاق‏, ‏إن‏ ‏المنهج‏ ‏الفينومينولوجى ‏لايبدأ‏ ‏بالحدس‏.. ‏وإنما‏ ‏يقود‏ ‏المنهج‏ ‏كله‏ ‏إليه‏.‏
إن‏ ‏هذا‏ ‏الحدس‏ – ‏الماهيات‏ ‏أو‏ ‏التركيبات‏ ‏الجوهرية‏ ‏للظواهر‏ – ‏هو‏ ‏ببساطة‏ ‏عملية‏ ‏يتم‏ ‏فيها‏ ‏استبعاد‏ ‏الصفات‏ ‏العرضية‏ ‏للموضوع‏ ‏من‏ ‏أجل‏ ‏الكشف‏ ‏عن‏ ‏الصفات‏ ‏الثابتة‏ ‏التى ‏يؤدى ‏محوها‏ ‏إلى ‏اختفاء‏ ‏الموضوع‏ ‏نفسه‏, ‏وهذا‏ ‏لا‏ ‏يتحقق‏ ‏من‏ ‏تجربة‏ ‏واحدة‏.. ‏وإنما‏ ‏من‏ ‏تجارب‏ ‏متعددة‏ ‏يكون‏ ‏الفرد‏ ‏فيها‏ ‏تنويعات‏ ‏عديدة‏ ‏من‏ ‏المعطى.. ‏وبينما‏ ‏يحافظ‏ ‏على ‏التعدد‏ ‏يركز‏ ‏الانتباه‏ ‏على ‏مايبقى ‏ثابتا‏ ‏رغم‏ ‏كل‏ ‏التغييرات‏.. ‏والذى ‏يؤدى ‏محوه‏ ‏إلى ‏القضاء‏ ‏على ‏الموضوع‏ ‏نفسه‏, ‏أى ‏أن‏ ‏الماهية‏ ‏هى ‏الشيء‏ ‏المتماثل‏ ‏الذى ‏يحتفظ‏ ‏بنفسه‏ ‏بشكل‏ ‏دائم‏ ‏خلال‏ ‏عملية‏ ‏التغيير‏ ‏والتنويع‏, ‏لذا‏ ‏أسماها‏ ‏هوسرل‏ ‏بالثابت‏ invariant , ‏ويمكن‏ ‏الوصول‏ ‏إلى ‏بصيرة‏ ‏بها‏ ‏على ‏أساس‏ ‏من‏ ‏الدراسة‏ ‏الدقيقة‏ ‏لأمثلة‏ ‏عينية‏ ‏تمدنا‏ ‏بها‏ ‏الخبرة‏ ‏أو‏ ‏التخيل‏, ‏وبتنويعات‏ ‏منظمة‏ ‏لهذه‏ ‏الأمثلة‏ ‏فى ‏الخيال‏. ‏من‏ ‏خلال‏ ‏هذا‏ ‏التصور‏ ‏فإن‏ ‏هوسرل‏ ‏يقرر‏ ‏أن‏ ‏الماهيات‏ ‏هى “‏حقائق‏” ‏عينية‏” ‏تظل‏ ‏قائمة‏ ‏وتعبر‏ ‏عن‏ ‏وقائع‏ ‏مستقلة‏ ‏أو‏ ‏مضامين‏ ‏حقيقية‏ ‏قائمة‏ ‏بذاتها‏, ‏بينما‏ ‏الصفات‏ ‏العرضية‏ ‏التى ‏تلحق‏ ‏بالموضوعات‏ ‏إنما‏ ‏هى “‏تجريدات‏” ‏أو‏ ‏مضامين‏ ‏ناقصة‏, ‏وليست‏ ‏ثابتة‏ ‏أو‏ ‏أساسية‏ ‏أو‏ ‏جوهرية‏, ‏فالماهية‏ ‏ليست‏ ‏حقيقة‏ ‏مجردة‏ ‏وإنما‏ ‏حقيقة‏ ‏عينية‏ ( 13) .concrete ‏مفهوم‏ “‏الماهية‏” ‏إذن‏ ‏هو‏ ‏مفهوم‏ ‏ذو‏ ‏أهمية‏ ‏مركزية‏ ‏فى ‏الفلسفة‏ ‏الفينومينولوجية‏ ‏ويصل‏ ‏فى ‏أهميته‏ ‏إلى ‏حد‏ ‏أن‏ ‏البعض‏ ‏يعرف‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏كلها‏ ‏بوصفها‏ “‏منهج‏ ‏حدسى ‏للحصول‏ ‏على ‏بصيرة‏ ‏فى ‏التركيبات‏ ‏الماهوية‏” ( 14) ‏أو‏ ‏بوصفها‏ “‏علم‏ ‏الماهيات‏”.‏
وهى ‏بهذا‏ ‏تصبح‏ ‏علما‏ ‏أوليا‏ ‏لكل‏ ‏العلوم‏ ‏أو‏ ” ‏علما‏ ‏للعلم‏” ‏لأنها‏ ‏تبحث‏ ‏فيما‏ ‏تعتبره‏ ‏العلوم‏ ‏الأخرى ‏ببساطة‏ ‏مسلمات‏ (‏أو‏ ‏تتجاهله‏) ‏ألا‏ ‏وهو‏ ‏ماهية‏ ‏موضوعاتها‏.‏
ومفهوم‏ ‏الماهية‏ ‏فى ‏الفينومينولوجيا‏ ‏مرتبط‏ ‏بمفاهيمها‏ ‏عن‏ ‏الوعى ‏وأفعاله‏ ‏وقصديته‏, ‏فالتقاط‏ ‏الماهية‏ ‏ليس‏ ‏شيئا‏ ‏يحدث‏ ‏هناك‏ ‏فى ‏الخارج‏, ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏شيء‏ ‏يحدث‏ ‏فى ‏أفعال‏ ‏الوعى ‏القصدية‏ ‏نفسها‏.‏
فأفعال‏ ‏الوعى ‏كما‏ ‏سبق‏ ‏القول‏ ‏تتكون‏ ‏من‏ ‏شقين‏: ‏تركيبات‏ ‏ذاتية‏ ‏كأفعال‏ ‏للوعى ‏أو‏ ‏الذات‏ Noesis ‏وتركيبات‏ ‏موضوعية‏ ‏كأفعال‏ ‏قاصدة‏ ‏موضوعات‏ Noema , ‏وهذه‏ ‏الموضوعات‏ ‏ليست‏ ‏سوى ‏ماهيات‏ ‏ثابتة‏ ‏والمعرفة‏ ‏الحقيقية‏ ‏بها‏ ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏تكون‏ ‏معرفة‏ ‏ماهوية‏, ‏وهذه‏ ‏المعرفه‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تتم‏ ‏بتحليل‏ ‏أفعال‏ ‏الوعى ‏القصدية‏ ‏حيث‏ ‏تكمن‏ ‏ماهيات‏ ‏الموضوعات‏ ‏التى ‏تم‏ ‏التقاطها‏ ‏وأصبحت‏ ‏باطنة‏ ‏فى ‏الوعى.‏
وهذا‏ ‏التصور‏ ‏بالضرورة‏ ‏يعطى ‏الماهيات‏ ‏طابعا‏ ‏مثاليا‏ (‏تصوريا‏ ‏أو‏ ‏ذهنيا‏) ‏لابديل‏ ‏عنه‏.‏
‏4‏ـ البينة‏ Evidence ‏
تعتبر‏ ‏البينة‏ ‏أو‏ ‏البداهة‏ ‏مفهوما‏ ‏أساسيا‏ ‏فى ‏الفينومينولوجيا‏, ‏فالمعرفة‏ ‏فى ‏نظرها‏ ‏لاتصبح‏ ‏حقيقية‏ ‏أو‏ ‏لا‏ ‏يتحقق‏ ‏لها‏ ‏الصدق‏ ‏الموضوعى ‏إلا‏ ‏بالقدر‏ ‏الذى ‏يصبح‏ ‏به‏ ‏موضوعها‏ ‏معطى ‏بشكل‏ ‏قاطع‏ ‏أو‏ ‏بينا‏ ‏بما‏ ‏لايدع‏ ‏مجالا‏ ‏للشك‏, ‏فنظريتها‏ ‏فى ‏البينة‏ ‏هى ‏الوسيلة‏ ‏إلى ‏التيقن‏ ‏من‏ ‏المعرفة‏ ‏بالموضوعات‏ ‏والتحقق‏ ‏من‏ ‏الصدق‏ ‏الموضوعات‏ ‏والتحقق‏ ‏من‏ ‏الصدق‏ ‏الموضوعى.‏
فى ‏هذا‏ ‏المفهوم‏ – ‏مفهوم‏ ‏البينة‏ – ‏تجتمع‏ ‏مفاهيم‏ ‏القصدية‏ ‏مع‏ ‏حدس‏ ‏الماهيات‏ ‏لصياغة‏ ‏تصور‏ ‏كامل‏ ‏للعملية‏ ‏المعرفية‏ ‏الصادقة‏ ‏أو‏ ‏اليقينية‏.‏
البينة‏ ‏فى ‏الفينومنولوجيا‏ – ‏ببساطة‏ – ‏هى ‏التحقق‏ (‏أو‏ ‏الإكفاء‏) ‏الحدسى intutive fulfillment ‏ لقصد‏ ‏المعنى ‏الذى ‏هو‏ ‏بنفسه‏ ‏صورى ‏خاوى ‏أو‏ ‏فارغ‏.‏
فالوعى ‏بقصديته‏ ‏يتوجه‏ ‏أو‏ ‏يحال‏ ‏إلى ‏الموضوع‏ ‏ويضفى ‏عليه‏ (‏أو‏ ‏يتكون‏ ‏للموضوع‏ ‏فيه‏) ‏معنى ‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏المعنى ‏يظل‏ ‏يظل‏ ‏صوريا‏ ‏خاويا‏ ‏مالم‏ ‏بمتلىء‏ ‏بحدس‏ ‏حى (‏خبرة‏ ‏حية‏) ‏بحقيقة‏ ‏الموضوع‏ ‏أو‏ ‏ماهيته‏.‏
ولنأخذ‏ ‏مثلا‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏فى ‏عملية‏ ‏الاتصال‏ ‏اللغوى, ‏فاللغة‏ ‏تقوم‏ ‏بوظيفتها‏ ‏فى ‏الاتصال‏ ‏لأن‏ ‏المعنى ‏المعطى ‏لها‏ ‏من‏ ‏جانب‏ ‏الفرد‏ ‏الذى ‏يستعملها‏ ‏هو‏ ‏المعنى ‏الذى ‏يلتقطه‏ ‏الفرد‏ ‏الذى ‏يفهمها‏, ‏وإعطاء‏ ‏معنى ‏لتعبير‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏فعل‏ ‏قصدى ‏من‏ ‏جانب‏ ‏من‏ ‏يستخدم‏ ‏التعبير‏, ‏والتقاط‏ ‏معنى ‏التعبير‏ ‏هو‏ ‏فعل‏ ‏قصدى ‏من‏ ‏جانب‏ ‏من‏ ‏يستخدم‏ ‏التعبير‏, ‏والتقاط‏ ‏معنى ‏التعبير‏ ‏هو‏ ‏فعل‏ ‏قصدى ‏من‏ ‏جانب‏ ‏من‏ ‏يفهمه‏… ‏أى ‏أن‏ “‏قصد‏” ‏المعنى ‏هو‏ ‏الذى ‏يعطى ‏معنى ‏للتعبير‏, ‏ولكن‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏الأمر‏ ‏اكثر‏ ‏من‏ ‏قصد‏ ‏للمعنى ‏فإن‏ ‏العلاقة‏ ‏الواعية‏ ‏بالنسبة‏ ‏لكلا‏ ‏الطرفين‏ ‏فى ‏عملية‏ ‏الاتصال‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏وهما‏, ‏والذى ‏ينقذها‏ ‏من‏ ‏الوهم‏ ‏هو‏ ‏التحقق‏ ‏أو‏ ‏الإكفاء‏ ‏الذى ‏يقوم‏ ‏به‏ ‏الحدس‏ ‏حيث‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏الموضوع‏ ‏أو‏ ‏حالة‏ ‏الأمور‏ ‏المعبر‏ ‏عنها‏ “‏مجرد‏ ‏مقصودة‏” ‏وإنما‏ ‏تصبح‏ “‏خبرة‏ ‏حية‏”.. ‏متجسدة‏ ‏أو‏ ‏موجودة‏ ‏فى ‏نفسها‏ ‏بالنسبة‏ ‏للوعى ‏الذى ‏يقصدها‏.‏
وعندما‏ ‏يكون‏ ‏الموضوع‏ ‏المقصود‏ ‏والموضوع‏ ‏أو‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏معطى ‏يكون‏ ‏بينا‏ ‏فقد‏ ‏تحققت‏ ‏قصديته‏ ‏أو‏ ‏أكفيت‏.‏
فالبينة‏ ‏إذن‏ ‏هى “‏الخبرة‏ ‏الحية‏” ‏للاتفاق‏ ‏بين‏ ‏المضمون‏ ‏المعطى ‏بواسطة‏ ‏النفس‏ ‏والمعنى ‏الحقيقى ‏للتعبير‏.. ‏بين‏ ‏القاصد‏ ‏والشيء‏ ‏الموجود‏ ‏بنفسه‏ ‏الذى ‏يقصده‏, “‏وفكرة‏” ‏هذا‏ ‏الاتفاق‏ ‏هى ‏الحقيقة‏.‏
إن‏ ‏الحقيقة‏ ‏الخاصة‏ ‏بأى ‏شىء‏ ‏هى ‏فى ‏أصلها‏ ‏خبرة‏ ‏حية‏ ‏بحقيقة‏ ‏هذا‏ ‏الشىء‏, ‏هى ‏الوضوح‏ ‏البين‏ ‏بذاته‏ – ‏بشكل‏ ‏لايقبل‏ ‏التعارض‏ ‏أو‏ ‏التفرق‏ – ‏الذى ‏تتميز‏ ‏به‏ ‏لحظة‏ ‏الوعى ‏التى ‏يتقدم‏ ‏فيها‏ ‏الشىء‏ ‏نفسه‏ ‏متجسدا‏ ‏إلى ‏الوعى ‏حيث‏ ‏يكون‏ ‏الإدراك‏ ‏الحدسى ‏مفعما‏ ‏أو‏ ‏مليئا‏ ‏بالخبرة‏.‏
‏1 – ‏على ‏العكس‏ ‏من‏ ‏تصور‏ ‏فلاسفة‏ ‏آخرين‏ (‏مثل‏ ‏ديكارت‏) ‏والقائل‏ ‏بأن‏ ‏البينة‏ ‏أو‏ ‏البداهة‏ ‏تدرك‏ ‏فى ‏لحظة‏ ‏آنية‏ ‏سريعة‏.. ‏فإن‏ ‏الفينومنولوجيا‏ ‏تعتبر‏ ‏أن‏ ‏البيئة‏ ‏قد‏ ‏لا‏ ‏يكتمل‏ ‏تكوينها‏ ‏إلا‏ ‏بطريقة‏ ‏تدريجية‏, ‏فهى ‏قد‏ ‏لا‏ ‏تصل‏ ‏إلا‏ ‏إلى ‏نظره‏ ‏جزئية‏ ‏تلم‏ ‏فيها‏ ‏بجانب‏ ‏واحد‏ ‏من‏ ‏الموضوع‏, ‏وتكون‏ ‏عملية‏ ‏الاكتشاف‏ ‏الكلى ‏تدريجية‏.‏
وإيضاح‏ ‏الماهية‏ ‏على ‏هذا‏ ‏الأساس‏ ‏يصبح‏ ‏ثمرة‏ ‏لعملية‏ ‏بطيئة‏.. ‏يتم‏ ‏فيها‏ ‏تصحيح‏ ‏ونقد‏ ‏البينات‏ ‏أو‏ ‏البداهات‏ ‏الأولية‏ ‏والتحقق‏ ‏منها‏, ‏ومثل‏ ‏هذا‏ ‏التحقق‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يسمح‏ ‏لنا‏ ‏عندئذ‏ ‏بالانتقال‏ ‏إلى ‏بينات‏ ‏أو‏ ‏بداهات‏ ‏أكمل‏ ‏وأوفى.‏
‏2 – ‏ليس‏ ‏للبينة‏ ‏نمط‏ ‏واحد‏, ‏فباختلاف‏ ‏أفعال‏ ‏الوعى ‏فإن‏ ‏عملية‏ ‏القصدية‏ ‏تحتمل‏ ‏أشكالا‏ ‏وأنماطا‏ ‏مختلفة‏ ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏يقابلها‏ ‏أشكال‏ ‏وأنماط‏ ‏مختلفة‏ ‏من‏ ‏البينة‏ ‏أو‏ ‏البداهة‏ (‏بداهة‏ ‏المعرفة‏ ‏الحسية‏ ‏غير‏ ‏بداهة‏ ‏الموجودات‏ ‏وعلاقاتها‏ ‏فى ‏العلوم‏ ‏الرياضية‏ ‏غير‏ ‏البداهة‏ ‏التى ‏ينطوى ‏عليها‏ ‏قانون‏ ‏فيزيائى…. ‏الخ‏).‏
البينة‏ ‏فى ‏الفينومينولوجيا‏ ‏إذن‏ ‏هى ‏معيار‏ ‏للحقيقة‏ ‏أو‏ ‏الصدق‏ ‏الموضوعى ‏للمعرفة‏ ‏بالموجودات‏ ‏أو‏ ‏الموضوعات‏, ‏هى ‏معيار‏ “‏لما‏ ‏هو‏ ‏حقيقي‏”.‏
‏”‏وما‏ ‏هو‏ ‏حقيقي‏” ‏هو‏ ‏الهدف‏ ‏الأساسى ‏لسعى ‏الفينومينولوجيا‏, ‏فهذه‏ ‏الفلسفة‏ ‏فى ‏سعيها‏ ‏نحو‏ ‏تحقيق‏ ‏معرفة‏ ‏علمية‏ ‏لا‏ ‏تستهدف‏ “‏الحقيقة‏” ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏تستهدف‏ “‏ما‏ ‏هو‏ ‏حقيقي‏” ‏وهى ‏ليست‏ ‏علم‏ “‏ماهية‏ ‏الوجود‏”, ‏فهى ‏تسعى ‏الى ‏ضمان‏ ‏المعرفة‏ ‏بما‏ ‏هو‏ ‏موجود‏.., ‏وبأنه‏ ‏حقيقى. ‏على ‏هذا‏ ‏الأساس‏ ‏فإن‏ ‏البينة‏ ‏تصبح‏ ‏مفهوما‏ ‏محوريا‏ ‏فى ‏الفينومينولوجيا‏ ‏بل‏ ‏هى ‏غاية‏ ‏سعيها‏.. ‏لأن‏ “‏ما‏ ‏هو‏ ‏حقيقي‏” ‏هو‏ “‏ما‏ ‏هو‏ ‏بين‏”.‏
‏5 – ‏المجالات‏ ‏العلموجودية‏ Regional ontologies ‏
العالم‏ ‏كما‏ ‏يراه‏ ‏هوسرل‏ ‏يخضع‏ ‏لتركيب‏ ‏علموجودى ‏مرتب‏ ontologically ordered ‏بمعنى ‏أن‏ ‏الموضوعات‏ ‏فى ‏العلوم‏ ‏المختلفة‏ ‏تختلف‏ ‏فى ‏طبيعتها‏ ‏وهذا‏ ‏يتطلب‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏لكل‏ ‏علم‏ ‏معاييره‏ ‏الخاصة‏ ‏فى ‏تعريفه‏ ‏للحقيقة‏ ‏التى ‏تخص‏ ‏موضوعه‏ ‏وتحدد‏ ‏نطاقه‏ ‏أو‏ ‏مجاله‏, ‏وهو‏ ‏يصف‏ ‏على ‏هذا‏ ‏الأساس‏ ‏ما‏ ‏يسميه‏ ‏بالمجالات‏ ‏العلموجودية‏ ‏أو‏ ‏نطاقات‏ ‏الوجود‏ realms of being ‏على ‏سبيل‏ ‏المثال‏ ‏تلك‏ ‏التى ‏تختص‏ ‏بمجال‏ ‏الطبيعة‏, ‏المجال‏ ‏النفسى, ‏مجال‏ ‏الروح‏… ‏الخ‏ , ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏ميز‏ ‏بين‏ ‏مجالات‏ ‏علموجودية‏ ‏صورية‏ – formal ‏مثل‏ ‏مجال‏ ‏المنطق‏ – ‏وأخرى ‏مادية‏ material ‏مثل‏ ‏مجال‏ ‏الطبيعة‏.‏
ولكل‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏المجالات‏ “‏ماهيته‏ ‏المجالية‏” regional essence ‏وهى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏القبلية‏ apriori ‏أو‏ ‏الافتراضات‏ ‏القبلية‏ ‏العاملة‏ ‏فى ‏كل‏ ‏مجال‏ (‏أو‏ ‏علم‏) ‏على ‏حدة‏ ‏وتتناسب‏ ‏مع‏ ‏مضمون‏ ‏المجال‏ ‏العلموجودى ‏لهذا‏ ‏العلم‏, ‏ولا‏ ‏يمكن‏ ‏نقل‏ ‏هذه‏ ‏الافتراضات‏ ‏بين‏ ‏مجال‏ ‏وآخر‏ ‏أو‏ ‏بين‏ ‏علم‏ ‏وآخر‏ ‏بشكل‏ ‏عشوائى, ‏وإنما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏مبررا‏ ‏فحسب‏ ‏وفقا‏ ‏لمناسبة‏ ‏الموضوع‏ ‏فى ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏أو‏ ‏البيولوجيا‏ (‏أى ‏الموضوعات‏ ‏على ‏المستوى ‏الفيزيائى ‏لظواهرها‏ ‏وليس‏ ‏موضوعات‏ ‏العلم‏ ‏ككل‏).‏
‏6 – ‏الذاتية‏ .. ‏الموضوعية‏ .. ‏والمثل‏ ‏الاعلى ‏للعلم‏ :‏
منذ‏ ‏البداية‏.. ‏ومن‏ ‏خلال‏ ‏مفهوم‏ ‏القصدية‏ ‏وضعت‏ ‏الفينولوجيا‏ ‏حدا‏ ‏للمفهوم‏ ‏الثنائى ‏عن‏ ‏ذاتية‏ ‏المعرفة‏ ‏فى ‏مقابل‏ ‏موضوعيتها‏ ‏ولم‏ ‏يعد‏ ‏هناك‏ ‏مجال‏ ‏للفصل‏ ‏بين‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏ذاتى ‏وما‏ ‏هو‏ ‏موضوعى, ‏فوعى ‏الذات‏, ‏أى ‏أن‏ ‏وجود‏ ‏الموضوع‏ ‏هو‏ ‏وجود‏ ‏فى ‏الوعى ‏أو‏ ‏أفعال‏ ‏الوعى.. ‏ولا‏ ‏يمكن‏ ‏تصور‏ ‏موضوع‏ ‏دون‏ ‏ذات‏ ‏تعيه‏ ‏وتكون‏ ‏معناه‏ ‏فى ‏أفعال‏ ‏الوعى.. ‏ولا‏ ‏يمكن‏ ‏تصور‏ ‏موضوع‏ ‏دون‏ ‏ذات‏ ‏تعيه‏ ‏وتكون‏ ‏معناه‏ ‏فى ‏أفعال‏ ‏وعيها‏, ‏فوعى ‏الذات‏ ‏والموضوع‏ ‏يندمجان‏ ‏فى ‏وحدة‏ ‏عضوية‏ ‏لا‏ ‏ينفصل‏ ‏وجود‏ ‏أحدهما‏ ‏فيها‏ ‏عن‏ ‏الآخر‏.‏
وإذا‏ ‏كان‏ ‏مفهوم‏ ‏القصدية‏ ‏يعنى ‏ضمنيا‏ ‏أن‏ ‏الموضوعات‏ ‏توجد‏ ‏مستقلة‏ ‏عن‏ ‏الوعى ‏فإنه‏ ‏بوقوع‏ ‏فعل‏ ‏الوعى ‏أو‏ ‏بمجرد‏ ‏أن‏ ‏يستوعب‏ ‏الفرد‏ ‏الظواهر‏ ‏سيكولوجيا‏ ‏فإنها‏ ‏تصبح‏ ‏باطنة‏ immanent ‏فى ‏الوعى ‏وذاتية‏.‏
والمعرفة‏ ‏الموضوعية‏ (‏أى ‏المعرفة‏ ‏الصادقة‏ ‏بحقيقة‏ ‏الموضوع‏ ‏أو‏ ‏الظاهرة‏) ‏بذلك‏ ‏لاتصبح‏ ‏شيئا‏ ‏يحدث‏ ‏هناك‏ ‏فى ‏الخارج‏ ‏وإنما‏ ‏هى ‏تتم‏ ‏يفحص‏ ‏الخبرة‏ ‏الذاتية‏ ‏أو‏ ‏فعل‏ ‏الوعى ‏حيث‏ ‏تبطن‏ ‏الموضوعات‏ (‏بوصفها‏ ‏جانب‏ ‏التركيبات‏ ‏الموضوعية‏ Noema ‏من‏ ‏الفعل‏), ‏أى ‏أن‏ ‏الموضوعية‏ ‏تصبح‏ ‏باطنة‏ ‏فى ‏ذاتية‏ ‏الوعى, ‏ولاتصبح‏ ‏القضية‏ ‏هنا‏ ‏هل‏ ‏هى ‏معرفة‏ ‏ذاتية‏ ‏أو‏ ‏موضوعية‏ ‏وإنما‏ ‏إلى ‏أى ‏مدى ‏هى ‏معرفة‏ ‏ذاتية‏ ‏نقية‏ ( 15), ‏معرفة‏ ‏يكتمل‏ ‏فيها‏ ‏فعل‏ ‏الوعى ‏وتلتقط‏ ‏فيها‏ ‏الخبرة‏ ‏بشكل‏ ‏كامل‏ ‏بحيث‏ ‏تتبدى ‏الأشياء‏ “‏كما‏ ‏هي‏” ‏دون‏ ‏شوائب‏ ‏عرضية‏, ‏معرفة‏ ‏تتحقق‏ ‏فيها‏ ‏البينة‏.‏
إن‏ ‏هذا‏ ‏التصور‏ ‏للموضوعية‏ ‏بوصفها‏ ‏باطنة‏ ‏فى ‏الذاتية‏, ‏فى ‏الذات‏ ‏المفكرة‏ ‏أو‏ ‏المتعقلة‏ ‏يعنى ‏أن‏ ‏الموضوعية‏ ‏لابد‏ ‏ولا‏ ‏يمكن‏ ‏لها‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏مثالية‏ ideal (‏تصورية‏ ‏أو‏ ‏ذهنية‏) ‏متجردة‏ ‏من‏ ‏الوجود‏ ‏الواقعى ‏للموضوعات‏ ‏فى ‏العالم‏.‏
وقد‏ ‏قاد‏ ‏هذا‏ ‏التصور‏ ‏للموضوعية‏ ‏هوسرل‏ ‏إلى ‏صياغة‏ ‏تصور‏ ‏متكامل‏ ‏للمثل‏ ‏الأعلى ‏العلمى ‏أو‏ ‏العلم‏ ‏المثالي‏; ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏تطمح‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏تكونه‏.‏
وفقا‏ ‏لهذا‏ ‏المثل‏ ‏الأعلى ‏العلمى ‏أو‏ ‏العلم‏ ‏المثالى ‏فإنه‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏لأى ‏معرفة‏ ‏أن‏ ‏تعتبر‏ ‏فلسفية‏ ‏بشكل‏ ‏علمى ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏مبررة‏ ‏بشكل‏ ‏كامل‏ (‏أى ‏تم‏ ‏التحقق‏ ‏القاطع‏ ‏من‏ ‏الصدق‏) ‏ممكن‏ ‏فحسب‏ ‏فى ‏باطن‏ ‏الوعى, ‏فهناك‏ ‏فقط‏ ‏يوجد‏ ‏اتصال‏ ‏بين‏ ‏الوعى ‏والموضوعية‏. ‏هناك‏ ‏ثلاثة‏ ‏عوامل‏ ‏رئيسية‏ – ‏يمكن‏ ‏تتبعها‏ ‏فى ‏أفكار‏ ‏هوسرل‏ – ‏وتساعد‏ ‏على ‏تحديد‏ ‏طريق‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏المعرفة‏, ‏وبالتالى ‏المثل‏ ‏الأعلى ‏للعلم‏ (16):‏
‏1 – ‏معرفه‏ ‏يتحدد‏ ‏صدقها‏ ‏الموضوعى ‏بواسطة‏ ‏فحص‏ ‏فعل‏ ‏المعرفة‏ ‏القصدى ‏نفسه‏: ‏إن‏ ‏المعرفة‏ ‏الصادقة‏ ‏موضوعيا‏ ‏فى ‏الفينومينولوجيا‏ ‏لا‏ ‏تتحقق‏ ‏بتقرير‏ ‏حقيقة‏ ‏أو‏ ‏زيف‏: ‏موضوعها‏ ‏أو‏ ‏مايحكم‏ ‏عليه‏ ‏وإنما‏ ‏بصدق‏ ‏أو‏ ‏عدم‏ ‏صدق‏ ‏فعل‏ ‏المعرفة‏ ‏نفسه‏, ‏بتعبير‏ ‏آخر‏ ‏فإن‏ ‏المعرفة‏ ‏الصادقة‏ ‏موضوعيا‏ ‏لاتتم‏ ‏هناك‏ ‏فى ‏الخارج‏ ‏وإنما‏ ‏تتم‏ ‏بالحكم‏ ‏على ‏فعل‏ ‏الوعى ‏أو‏ ‏عملية‏ ‏الإحالة‏, ‏والسؤال‏ ‏الذى ‏يجب‏ ‏توجيهه‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ “‏ماذا‏ ‏أخبر؟‏” ‏وإنما‏ “‏ماهى ‏خبرتي؟‏”, ‏إذا‏ ‏التقطت‏ ‏الخبرات‏ ‏بشكل‏ ‏كامل‏ ‏فإن‏ ‏موضوعها‏ (‏جانب‏ ‏التركيبات‏ ‏الموضوعية‏ Noema ‏من‏ ‏فعل‏ ‏الوعي‏) ‏يكون‏ ‏ملتقطا‏ ‏بشكل‏ ‏كامل‏ ‏أى ‏يصبح‏ ‏معروفا‏.‏
ولاتدخل‏ ‏أى ‏عناصر‏ ‏من‏ ‏خارج‏ ‏العقل‏ ‏فى ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏التحقق‏ ‏من‏ ‏الصدق‏.. ‏فإن‏ ‏العقل‏ ‏نفسه‏ ‏يكشف‏ ‏عن‏ ‏صدقه‏ ‏أو‏ ‏عدم‏ ‏صدقه‏, ‏وذلك‏ ‏على ‏أساس‏ ‏الشروط‏ ‏والقواعد‏ ‏القبلية‏ ‏للتفكير‏ ‏الصادق‏.‏
والحكم‏ ‏على ‏فعل‏ ‏المعرفة‏ ‏يشمل‏ ‏ضمنيا‏ ‏الحكم‏ ‏على ‏التركيبات‏ ‏الذاتية‏ Noesis ‏من‏ ‏الفعل‏ ‏وهذا‏ ‏يعنى ‏أن‏ ‏الملاحظ‏ ‏أو‏ ‏الذات‏ ‏العارفة‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏توضع‏ ‏فى ‏الاعتبار‏ ‏فى ‏الحكم‏ ‏على ‏الصدق‏ ‏الموضوعى ‏للمعرفة‏.‏
وصفة‏ ‏الصدق‏ ‏الموضوعى objective validity ‏إذا‏ ‏أضيفت‏ ‏إلى ‏الفعل‏ ‏المعرفى ‏فإن‏ ‏لهذا‏ ‏دلالة‏ ‏كبيرة‏, ‏فمثل‏ ‏هذا‏ ‏الفعل‏ ‏لا‏ ‏يقصد‏ ‏موضوعه‏ ‏كما‏ ‏هو‏ ‏فى ‏حقيقته‏ ‏فحسب‏, ‏وإنما‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏ينقص‏ ‏شيء‏ ‏من‏ ‏اكتمال‏ ‏هذا‏ ‏الفعل‏ ‏فإن‏ ‏اكتماله‏ ‏يتطلب‏ ‏أن‏ ‏أى ‏فعل‏ ‏من‏ ‏نفس‏ ‏النوع‏ ‏ويقصد‏ ‏نفس‏ ‏الموضوع‏ ‏سوف‏ ‏يتفق‏ ‏بالضرورة‏ ‏معه‏.‏
‏2 – ‏الضرورة‏ ‏المستمرة‏ ‏للبداية‏ ‏من‏ ‏جديد‏ ‏أو‏ ‏العودة‏ ‏للبدايات‏ ‏فى ‏اكتساب‏ ‏المعرفة‏ ‏العلمية‏:‏
من‏ ‏خلال‏ ‏التصورات‏ ‏السابقة‏ ‏يمكننا‏ ‏القول‏ ‏بأن‏ ‏هوسرل‏ ‏يقدم‏ ‏منهجا‏ ‏لاختزال‏ ‏كل‏ ‏الموضوعية‏ ‏إلى ‏ذاتية‏ ‏ويعتبر‏ ‏أن‏ ‏ذلك‏ ‏هو‏ ‏الضمان‏ ‏الحقيقى ‏للموضوعية‏.‏
وهو‏ ‏بذلك‏ ‏يعتبر‏ ‏أن‏ ‏الفلسفة‏ ‏الفينومينولوجية‏ ‏هى ‏الفلسفة‏ ‏الذاتية‏ ‏بشكل‏ ‏جذرى ‏حيث‏ ‏نجحت‏ ‏فى ‏إغلاق‏ ‏الهوة‏ ‏بين‏ ‏الذاتية‏ ‏والموضوعية‏.‏
وعلى ‏هذا‏ ‏الأساس‏ ‏فإنه‏ ‏يشعر‏ ‏بالحاجة‏ ‏إلى ‏العودة‏ ‏باستمرار‏ ‏إلى ‏دعامتها‏ ‏الذاتية‏ ‏فالاختزال‏ ‏إلى ‏الذاتية‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏القيام‏ ‏به‏ ‏مرة‏ ‏واحدة‏ ‏وكفى, ‏وهذا‏ ‏يعنى ‏شيئين‏: ‏
‏1 – ‏أن‏ ‏كل‏ ‏فيلسوف‏ ‏أو‏ ‏عالم‏ ‏فينومينولوجى ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏يبدأ‏ ‏من‏ ‏البداية‏, ‏ويحقق‏ ‏تأملا‏ ‏جذريا‏ ‏فى ‏ذاتيته‏ ‏الخاصة‏, ‏تأملا‏ ‏يتم‏ ‏فيه‏ ‏إعادة‏ ‏فحص‏ ‏لأفعال‏ ‏الوعى. (‏يقصديتها‏ ‏وتكوينها‏ ‏للمعنى.. ‏الخ‏), ‏أى ‏أن‏ ‏يمر‏ ‏بخبرة‏ ‏المعرفة‏ ‏من‏ ‏بداياتها‏ ‏ويحقق‏ ‏إعادة‏ ‏التكوين‏ ‏الدعامى ‏لمعانى ‏الموجودات‏ ‏والوجود‏, ‏ولا‏ ‏يغنى ‏عن‏ ‏هذا‏ ‏الجهد‏ ‏ما‏ ‏وصل‏ ‏إليه‏ ‏فيه‏ ‏سابقوه‏ ‏بما‏ ‏فيهم‏ ‏هوسرل‏ – ‏مؤسس‏ ‏المنهج‏ – ‏بكل‏ ‏الجهود‏ ‏التى ‏قام‏ ‏بها‏ ‏لإرساء‏ ‏دعائمه‏ ‏وتوصيلها‏ ‏للآخرين‏, ‏فالمشكلة‏ ‏هنا‏ ‏هى ‏مشكلة‏ ‏أى ‏فيلسوف‏ “‏حدسي‏” ‏فى ‏محاولته‏ ‏لتوصيل‏ ‏حدسه‏, ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يقدم‏ ‏حدسه‏ ‏جاهزا‏ ‏لمن‏ ‏بعده‏… ‏وإنما‏ ‏يستطيع‏ ‏تمهيد‏ ‏الأرض‏ ‏لحدس‏ ‏شخصى ‏من‏ ‏جانب‏ ‏من‏ ‏يتبعه‏.‏
‏2 – ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏الاخترال‏ ‏إلى ‏الذاتية‏ ‏لايكفى ‏أن‏ ‏يحدث‏ ‏مرة‏ ‏واحدة‏ ‏فحسب‏ ‏وإنما‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يتكرر‏ ‏المرة‏ ‏تلو‏ ‏المرة‏, ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏العقل‏ ‏البشرى ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏يضطر‏ ‏باستمرار‏ ‏إلى ‏العودة‏ ‏إلى ‏هذا‏ ‏الاختزال‏ ‏فإنه‏ ‏مهدد‏ ‏باتباع‏ ‏انحرافه‏ ‏الطبيعى, ‏والعودة‏ ‏أدراجة‏ ‏إلى “‏الموضوعانية‏ objectivism” (17
‏3 – ‏العلم‏ ‏بوصفه‏ ‏تراكما‏ ‏لحقائق‏ ‏راسخة‏ ‏يمكن‏ ‏تحقيقها‏ ‏فحسب‏ ‏بالجهد‏ ‏المشترك‏ ‏لمجموع‏ ‏الباحثين‏:‏
مايسعى ‏إليه‏ ‏هوسرل‏ ‏هو‏ “‏معرفة‏ ‏علمية‏” ‏وليس‏ ‏مجرد‏ “‏آراء‏ ‏صحيحة‏”, ‏إن‏ ‏مضمون‏ ‏ما‏ ‏يعرفه‏ ‏إنسان‏ ‏وما‏ ‏يعتقده‏ ‏آخر‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏نفس‏ ‏الشيء‏ ‏ولكن‏ ‏الفرق‏ ‏هو‏ ‏فى ‏المبررات‏ ‏لتأكيد‏ ‏كل‏ ‏منهما‏.‏
إن‏ ‏جدة‏ ‏الحلول‏ ‏التى ‏تقدمها‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏للمشكلات‏ ‏المختلفة‏ (‏المنطقية‏, ‏والميتافيزيقية‏ ‏والأخلاقية‏ ‏والاجتماعية‏.. ‏الخ‏) ‏لاتعنى ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الحلول‏ ‏مختلفة‏ ‏بالضرورة‏ ‏عن‏ ‏تلك‏ ‏التى ‏سبق‏ ‏التوصل‏ ‏إليها‏ ‏فى ‏أوقات‏ ‏أو‏ ‏عصور‏ ‏سابقة‏, ‏ولكنها‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏تعنى ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الحلول‏ ‏قد‏ ‏تم‏ ‏التحقق‏ ‏من‏ ‏صدقها‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏لم‏ ‏تتم‏ ‏من‏ ‏قبل‏.‏
إن‏ ‏العلم‏ ‏كما‏ ‏يراه‏ ‏هوسرل‏ ‏هو‏ ‏تراكم‏ ‏لتأكيدات‏ ‏تم‏ ‏التحقق‏ ‏منها‏ ‏بشكل‏ ‏كامل‏, ‏وهو‏ ‏مايجب‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏عليه‏ ‏العلم‏ ‏الفلسفى ‏الشامل‏ ‏الذى ‏تسعى ‏الفينومينولوجيا‏ ‏أن‏ ‏تكونه‏, ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏العلم‏ ‏يتطلب‏ ‏وحدة‏ ‏للمنهج‏ ‏بالمعنى ‏الذى ‏يجعله‏ ‏منظوما‏ systematic ‏ولكنه‏ ‏يتكون‏ ‏من‏ ‏معارف‏ ‏أو‏ ‏علوم‏ ‏عديدة‏ ‏لكل‏ ‏هذا‏ ‏لايعنى ‏أن‏ ‏الحقائق‏ ‏التى ‏تكتشفها‏ ‏عليها‏ ‏من‏ ‏بعضها‏ ‏البعض‏, ‏من‏ ‏هذا‏ ‏التصور‏ ‏فإن‏ ‏العدد‏ ‏الضخم‏ ‏من‏ ‏الحقائق‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ينشغل‏ ‏بها‏ ‏العلم‏ (‏سواء‏ ‏العلم‏ ‏الفلسفى ‏الشامل‏ ‏أو‏ ‏أى ‏علم‏) ‏تتجاوز‏ ‏القدرة‏ ‏الطبيعية‏ ‏لأى ‏إنسان‏ ‏فرد‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏جيل‏ ‏كامل‏, ‏والأمر‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏مساهمة‏ ‏عدد‏ ‏ضخم‏ ‏من‏ ‏الباحثين‏ ‏يحركهم‏ ‏نفس‏ ‏الهدف‏ ‏ويستخدمون‏ ‏نفس‏ ‏المنهج‏ ‏الفينومينولوجى.‏
مثل‏ ‏هذا‏ ‏الجهد‏ ‏المشترك‏ ‏لمجموع‏ ‏الباحثين‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يصنع‏ ‏جسدا‏ ‏من‏ ‏المعرفة‏ ‏يوحده‏ ‏المنهج‏(18) ‏وينمو‏ ‏باضطراد‏ ‏لتحقيق‏ ‏مهمة‏ ‏العلم‏ ‏التى ‏يرى ‏هوسرل‏ ‏أنها‏ ‏لانهائية‏.‏
‏7 – ‏التطور‏ ‏او‏ ‏التحول‏ ‏الى ‏المثالية‏ (19) ‏المتعالية‏ (20) Transcendental idealism ‏حتى ‏هذه‏ ‏النقطة‏ ‏فإن‏ ‏المفاهيم‏ ‏التى ‏عرضت‏ ‏للفينومينولوجيا‏ ‏تصيغ‏ ‏تصوار‏ ‏لها‏ ‏بوصفها‏ ‏منهجا‏ ‏فى ‏وصف‏ ‏الظواهر‏ ‏للوصول‏ ‏الى ‏معرفة‏ ‏حقيقية‏ ‏بها‏. ‏بما‏ ‏هى ‏عليه‏, ‏أو‏ ‏بوصفها‏ ‏تأملا‏ ‏منهجيا‏ ‏فى ‏الوعى ‏بوصفه‏ ‏ما‏ ‏يكشف‏ ‏الوجود‏, ‏هى ‏بذلك‏ ‏نسق‏ ‏يمكن‏ ‏تسميته‏ “‏بعلم‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏المتعالية‏”:‏
‏- ‏فهى ‏فينومينولوجيا‏ ‏لأنها‏ ‏تختص‏ ‏بالظواهر‏, ‏بوصفها‏ ‏المعطيات‏ ‏الوحيدة‏ ‏التى ‏فى ‏متناول‏ ‏الوعى.‏
‏- ‏وهى ‏علم‏.. ‏لأنها‏ ‏تصر‏ ‏على ‏تحقيق‏ ‏معرفة‏ ‏ثابتة‏ ‏ومؤكدة‏ ‏بالموضوعات‏, ‏معرفة‏ ‏بماهياتها‏ ‏بشكل‏ ‏قاطع‏ ‏وبين‏ ‏مستبعدة‏ ‏بذلك‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏عرضى ‏وغير‏ ‏ثابت‏.‏
‏- ‏هى ‏متعالية‏ ‏لأنها‏ ‏تعتبر‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏المعرفة‏ ‏بحقيقة‏ ‏الأشياء‏.. ‏يمكن‏ ‏اكتشافها‏ ‏داخل‏ ‏نطاق‏ ‏العقل‏ ‏أو‏ ‏الوعى.. ‏بالتأمل‏ ‏فى ‏الأفعال‏ ‏الذاتية‏ ‏بمصاحباتها‏ ‏لموضوعية‏ ‏الحتمية‏.‏
كان‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تقف‏ ‏الأمور‏ ‏عند‏ ‏هذا‏ ‏الحد‏ – ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏قنع‏ ‏به‏ ‏العديد‏ ‏من‏ ‏متبعى ‏الفينومينولوجيا‏ – ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏هوسرل‏ ‏تطور‏ ‏بأفكاره‏ ‏إلى ‏أبعاد‏ ‏جديدة‏ ‏صاغ‏ ‏فيها‏ ‏نظريته‏ ‏عن‏ “‏الذاتية‏ ‏المتعالية‏” ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏اعتبره‏ ‏تطورا‏ ‏طبيعيا‏ ‏لنظريته‏ ‏ككل‏ ‏وعمل‏ ‏على ‏توضيحه‏ ‏حتى ‏أواخر‏ ‏أيامه‏, ‏بينما‏ ‏رأى ‏فيه‏ ‏آخرون‏ – ‏بما‏ ‏فيهم‏ ‏بعض‏ ‏تابعيه‏ – ‏تحولا‏ ‏إلى “‏مثالية‏ ‏متعالية‏” ‏أو‏ ‏مغالاة‏ ‏فى ‏اتجاه‏ ‏المثالية‏ ‏والتعالى.‏
انتهى ‏هوسرل‏ ‏فى ‏تطوره‏ ‏الأخير‏ ‏هذا‏ ‏إلى ‏القول‏ ‏بوجود‏ ‏ذات‏ ‏متعالية‏ Transcendental subjectivity ‏أو‏ ‏ذاتية‏ ‏متعالية‏Transcendental ego ‏هى ‏بمثابة‏ “‏وعى ‏خالص‏” pure consciousness ‏بالنسبة‏ ‏له‏ ‏كل‏ ‏الوجود‏ ‏يعتبر‏ ‏موضوعا‏, ‏وهو‏ ‏أرضية‏ ‏تأسيس‏ ‏وتكوين‏ ‏كل‏ ‏المعانى, ‏وإذا‏ ‏راجعنا‏ ‏المفاهيم‏ ‏الأولى ‏للقصدية‏ ‏أو‏ ‏الإحالة‏ ‏المتبادلة‏ ‏بين‏ ‏الوعى ‏والوجود‏ ‏بما‏ ‏يتضمنه‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏وحدة‏ ‏يتوقف‏ ‏فيها‏ ‏وجود‏ ‏الوعى ‏على ‏الموجودات‏ ‏ووجود‏ ‏الموجودات‏ ‏على ‏الوعى ‏الذى ‏يقصدها‏ ‏ويتكون‏ ‏فيه‏ ‏معناها‏, ‏إذا‏ ‏راجعنا‏ ‏هذه‏ ‏المفاهيم‏ ‏فاننا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نرى ‏التطور‏ ‏أو‏ ‏التحول‏ ‏فى ‏القول‏ ‏بوجود‏ ‏وعى ‏خالص‏ ‏مستقل‏ ‏فى ‏وجوده‏ ‏عن‏ ‏عالم‏ ‏الحياة‏ ‏الواقعية‏ ‏أو‏ ‏عالم‏ ‏الأشياء‏.. ‏ولايتوقف‏ ‏عليه‏, ‏بينما‏ ‏وجود‏ ‏عالم‏ ‏الأشياء‏ ‏يفتقر‏ ‏إلى ‏الاستقلال‏ ‏الذاتى ‏ويتوقف‏ ‏على ‏هذا‏ ‏الوعى ‏الذى ‏تتكون‏ ‏فيه‏ ‏كل‏ ‏المعانى, ‏فالعالم‏ ‏بذلك‏ ‏هو‏ ‏نسيج‏ ‏من‏ ‏الظواهر‏ ‏التى ‏تستمد‏ ‏معناها‏ ‏من‏ ‏الذات‏ ‏المتعالية‏ ‏على ‏اعتبار‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الذات‏ ‏هى ‏واهبه‏ ‏المعانى ‏والدلالات‏, ‏وواقعية‏ ‏العالم‏ ‏لا‏ ‏تنفصل‏ ‏عن‏ ‏هذه‏ ‏الذاتية‏ ‏المتعالية‏ ‏التى ‏يتكون‏ ‏فى ‏نطاقها‏ ‏كل‏ ‏صورة‏ ‏من‏ ‏صور‏ ‏المعنى ‏أو‏ ‏الواقعية‏.‏
ويفرق‏ ‏هوسرل‏ ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏الذات‏ ‏والذات‏ ‏أو‏ ‏الذاتية‏ ‏التى ‏تبحثها‏ ‏العلوم‏ ‏الموضوعية‏ ‏أى ‏التى ‏تندرج‏ ‏تحت‏ ‏علم‏ ‏الموضوعات‏ ‏والتى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تسمى ‏بالذات‏ ‏الموضوعية‏ ‏أو‏ ‏الذات‏ ‏التجريبية‏, ‏بينما‏ ‏الذات‏ ‏المتعالية‏ ‏هى ‏ذاتية‏ ‏خالصة‏ ‏تمتاز‏ ‏بطابع‏ ‏عقلى ‏كلى ‏يستوعب‏ ‏شتى ‏التغيرات‏ ‏الممكنة‏ ‏التى ‏تطرأ‏ ‏على ‏الذات‏ ‏التجريبية‏, ‏وفى ‏هذا‏ ‏الشأن‏ ‏يقول‏ ‏هوسرل‏ “‏أننا‏ ‏لو‏ ‏تصورنا‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏على ‏صورة‏ ‏علم‏ ‏حدسى ‏ماهوى ‏فإن‏ ‏مهمة‏ ‏التحليلات‏ ‏الفينومينولوجية‏ ‏عتدئذ‏ ‏لن‏ ‏تكون‏ ‏إلا‏ ‏الكشف‏ ‏عن‏ ‏بناء‏ ‏الماهية‏ ‏الكلية‏ Eidos ‏للذات‏ ‏المتعالية‏, ‏وهى ‏تلك‏ ‏الماهية‏ ‏التى ‏تستوعب‏ ‏شتى ‏التغيرات‏ ‏الممكنة‏ ‏للذات‏ ‏التجريبية‏” (21), ‏وهذا‏ ‏يعنى ‏أن‏ ‏اكتمال‏ ‏العلم‏ ‏الشامل‏ ‏الذى ‏تسعى ‏الفينومينولوجيا‏ ‏أن‏ ‏تكونه‏ ‏مرتبط‏ ‏فى ‏تحقيقه‏ ‏لغايته‏ ‏بالوصول‏ ‏إلى ‏الذاتية‏ ‏المتعالية‏.. ‏مصدر‏ ‏الموضوعية‏ ‏الحقيقية‏ ‏أو‏ ‏مصدر‏ ‏العطاء‏ ‏القاطع‏ ‏المبين‏, ‏ومنيع‏ ‏المعرفة‏ ‏الحقيقية‏ ‏بكل‏ ‏الموضوعات‏ ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏الذات‏ ‏التجريبية‏ ‏نفسها‏, ‏إن‏ ‏الفلسفة‏ ‏تكون‏ ‏علمية‏ ‏بشكل‏ ‏صارم‏ ‏بالمعنى ‏الذى ‏يفهمه‏ ‏هوسرل‏ ‏عندما‏ ‏تكون‏ ‏كل‏ ‏موضوعيتها‏ ‏التى ‏هى ‏بالتعريف‏ “‏الوجود‏ ‏المطلق‏” ‏قد‏ ‏أمكن‏ ‏استخراجها‏ ‏من‏ ‏المصدر‏ ‏الوحيد‏ ‏للعطاء‏ ‏القاطع‏ ‏البين‏ ‏وهو‏ ‏الذاتية‏ ‏المتعالية‏.‏
بالوصول‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏الذات‏ ‏المتعالية‏ – ‏أرضية‏ ‏تكوين‏ ‏كل‏ ‏المعانى – ‏فإن‏ ‏الإنسان‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يحصل‏ ‏على ‏البصيرة‏ ‏التى ‏تجعل‏ ‏رؤيته‏ ‏شفافة‏ ‏فى ‏لانهائيتها‏ ‏وتجعله‏ ‏يفهم‏ ‏كيف‏ ‏يترسب‏ ‏المعنى ‏فوق‏ ‏المعنى ‏مثل‏ ‏الطبقات‏ ‏فى ‏عملية‏ ‏ترسيب‏ (22).‏
هذه‏ ‏الذات‏ ‏المتعالية‏ ‏كما‏ ‏يراها‏ ‏هوسرل‏ ‏لها‏ ‏منشأها‏ ‏الخاص‏, ‏فهى ‏لا‏ ‏تأتى ‏إلى ‏العالم‏ ‏مجهزة‏ ‏تماما‏ ‏وإنما‏ ‏هى ‏تنمو‏ ‏مع‏ ‏الخبرة‏ ‏كما‏ ‏تنمو‏ ‏الخبرة‏ ‏معها‏, ‏ويسمى ‏هوسرل‏ ‏هذا‏ ‏النمو‏ ‏للذات‏ “‏بالتكون‏ ‏الذاتي‏” subjective constitution ‏وهذا‏ ‏شيء‏ ‏مختلف‏ ‏بصورة‏ ‏جذرية‏ ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏مرتبطا‏ ‏بالتكوين‏ ‏القصدى ‏للموضوعات‏ ‏فى ‏الوعي‏: ‏فكلما‏ ‏كانت‏ ‏هناك‏ ‏معرفة‏ ‏صادقة‏ ‏موضوعيا‏ ‏فإن‏ ‏الموضوع‏ ‏المعروف‏ ‏يتكون‏ ‏فى ‏الوعى, ‏والتحقق‏ ‏النهائى ‏من‏ ‏صدق‏ ‏هذه‏ ‏المعرفة‏ ‏يكمن‏ ‏فى ‏التأمل‏ ‏فى ‏المصدر‏ ‏الذاتى ‏للتكوين‏ ‏الموضوعى, ‏ولكن‏ ‏الذات‏ ‏ويصبح‏ ‏التكوين‏ ‏المتصاعد‏ ‏للموضوعية‏ ‏تكوينا‏ ‏متصاعدا‏ ‏للذاتية‏, ‏والتقدم‏ ‏فى ‏المعرفة‏ ‏بذلك‏ ‏يتضمن‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مجرد‏ ‏تراكم‏ ‏المعارف‏ ‏الصادقة‏ ‏موضوعيا‏, ‏إنه‏ ‏يعنى ‏نمو‏ ‏ذات‏ ‏أفضل‏ ‏إستعدادا‏ ‏بشكل‏ ‏متعاظم‏ ‏لكى ‏تعرف‏ ‏ولكى ‏تكون‏ ‏مصدر‏ ‏التحقق‏ ‏من‏ ‏المعرفة‏ ‏التى ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏تكتسبها‏.‏
ويتعرض‏ ‏هوسرل‏ ‏فى ‏تصورة‏ ‏للذات‏ ‏المتعالية‏ ‏لمشكلة‏ ‏حيوية‏ ‏وهى ‏مشكلة‏ ‏العلاقة‏ ‏بين‏ ‏الذوات‏ (‏الأفراد‏) ‏أو‏ ‏العلاقة‏ ‏البينذاتية‏ intersubjectivity: ‏إن‏ ‏ذاتا‏ ‏متعالية‏ ‏تقف‏ ‏فى ‏عزلة‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏مصدرا‏ ‏لمعرفة‏ ‏ماهوية‏ ‏صادقة‏ ‏وتتبينها‏ ‏بوصفها‏ ‏قابلة‏ ‏للتعميم‏ ‏بشكل‏ ‏ضرورى, ‏ولكنها‏ ‏لو‏ ‏بقيت‏ ‏معزولة‏ ‏فإنها‏ ‏لا‏ ‏تملك‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏تخشى ‏العشوائية‏ ‏فى ‏التقاطها‏ ‏للموضوعية‏.‏
إن‏ ‏المعرفة‏ ‏الصادقة‏ ‏موضوعيا‏ ‏هى ‏التى ‏يمكن‏ ‏تبينها‏ ‏بوصفها‏ ‏ملزمة‏.. ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏للذات‏ ‏التى ‏تملك‏ ‏المعرفة‏ ‏وإنما‏ ‏لكل‏ ‏ذات‏ ‏محتملة‏ ‏تفكر‏ ‏بالصورة‏ ‏المناسبة‏, ‏والحديث‏ ‏عن‏ ‏ذوات‏ ‏أخرى ‏محتملة‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏حديث‏ ‏عن‏ ‏ذوات‏ ‏متعالية‏ ‏أفعالها‏ ‏القصدية‏ ‏هى ‏المكونة‏ ‏للموضوعية‏, ‏واتفاق‏ ‏هذه‏ ‏الذوات‏ ‏فى ‏المعرفة‏ ‏الصادقة‏ ‏موضوعيا‏ ‏يعنى ‏أن‏ ‏عالمهم‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏وأن‏ ‏يكون‏ ‏متكونا‏ ‏بصورة‏ ‏مشتركة‏ commonly constituted ‏حيث‏ ‏صدق‏ ‏التكوين‏ – ‏وليس‏ ‏العالم‏ ‏المعطى ‏مسبقا‏ – ‏هو‏ ‏المسئول‏ ‏عن‏ ‏اشتراكهم‏ ‏معا‏, ‏من‏ ‏هنا‏ – ‏كما‏ ‏يرى ‏هو‏ ‏سرل‏ – ‏تنشأ‏ ‏المشكلة‏ ‏الصعبة‏ ‏للبينذاتية‏ ‏أو‏ ‏التكوين‏ ‏البينذاتى ‏للمعرفة‏ ‏أى ‏تحقق‏ ‏معرفة‏ ‏ينبع‏ ‏صدقها‏ ‏الموضوعى ‏من‏ ‏المصدر‏ ‏الوحيد‏ ‏الممكن‏ ‏وهو‏ ‏الذات‏ ‏المتعالية‏ ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏تعم‏ ‏بدرجة‏ ‏كافية‏ ‏بين‏ ‏العديد‏ ‏من‏ ‏الذوات‏ ‏المتعالية‏ ‏أيضا‏ ‏وهو‏ ‏مايعنى ‏تقدما‏ ‏فى ‏العلم‏ ‏ككل‏ ‏وفى ‏المعرفة‏ ‏البشرية‏ ‏ككل‏ (23).‏
وهوسرل‏ ‏يختتم‏ ‏فلسفته‏ ‏كلها‏ ‏بتصوره‏ ‏بأن‏ ‏مجموع‏ ‏الذوات‏ ‏المتعالية‏ ‏يكون‏ ‏فى ‏النهاية‏ “‏ذاتا‏ ‏أعلي‏” ‏أو‏ ‏روحا‏ ‏شبيهة‏ ‏بما‏ ‏يسميه‏ ‏هيجل‏ “‏بالمطلق‏” (24).‏
أثارت‏ ‏هذه‏ ‏التطورات‏ ‏فى ‏نظرية‏ ‏هوسرل‏ ‏الانتقادات‏ ‏ورأى ‏البعض‏ – ‏بما‏ ‏فيهم‏ ‏بعض‏ ‏تابعيه‏ – ‏أنها‏ ‏تعد‏ ‏انحرافا‏ ‏عن‏ ‏بدايته‏ ‏فى ‏الوصف‏ ‏الفينومينولوجى ‏للخبرة‏ ‏سعيا‏ ‏وراء‏ ‏الكشف‏ ‏عن‏ ‏ماهيات‏ ‏موضوعية‏ ‏لها‏ ‏أصلها‏ ‏فى ‏واقع‏ ‏له‏ ‏استقلاله‏ ‏عن‏ ‏الوعى ‏ورفضوا‏ ‏ما‏ ‏اعتبروه‏ ‏مغالاة‏ ‏فى ‏صبغ‏ ‏المثالية‏ ‏على ‏هذه‏ ‏الماهيات‏ ‏ومغالاة‏ ‏فى ‏تعالى ‏المعرفة‏.‏
‏ ‏بها‏ ‏على ‏التجربة‏ ‏المباشرة‏, ‏بينما‏ ‏رأى ‏آخرون‏ ‏أنها‏ ‏تطور‏ ‏مترابط‏ ‏ومتسق‏ ‏مع‏ ‏نفسه‏ ‏للخطوات‏ ‏الأولى ‏للفينومينولوجيا‏ ‏وأن‏ ‏فلسفة‏ ‏هوسرل‏ ‏ليست‏ ‏بأى ‏حال‏ ‏مثالية‏ ‏ميتافيزيقية‏ ‏صرفة‏ ‏وإنما‏ ‏هى ‏كما‏ ‏أصر‏ ‏هوسرل‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏محايدة‏ ‏ميتافيزيقيا‏ ‏بمعنى ‏أنها‏ ‏لا‏ ‏تؤكد‏ ‏ولا‏ ‏تنفى ‏ما‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏للأشياء‏ ‏وجود‏ ‏فى ‏نفسها‏ ‏واقعى ‏ومستقل‏ ‏أوهى ‏موجودة‏ ‏بالنسبة‏ ‏للانسان‏ ‏وفى ‏وعيه‏ ‏فحسب‏, ‏فهى “‏تعلق‏” ‏هذه‏ ‏القضية‏ ‏وتضعها‏ ‏بين‏ ‏قوسين‏ (25) ‏ولاتعتبرها‏ ‏مبحثها‏ ‏وإنما‏ ‏هى ‏معنية‏ ‏بالوجود‏ ‏فى ‏الوعى ‏بوصفه‏ ‏الوجود‏ ‏المتاح‏ ‏وتسعى ‏إلى ‏علم‏ ‏بحقيقة‏ ‏الموجودات‏ ‏وليس‏ ‏بحقيقة‏ ‏الوجود‏, ‏بما‏ ‏هى ‏الأشياء‏ ‏وليس‏ ‏بما‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏موجودة‏.‏
وقد‏ ‏أدت‏ ‏هذه‏ ‏التطورات‏ ‏إلى ‏انشقاق‏ ‏الحركة‏ ‏الفينومينولوجية‏.. ‏وتكونت‏ ‏مدارس‏ ‏رفضت‏ ‏الخوض‏ ‏فى ‏النسق‏ ‏الجديد‏ ‏من‏ ‏المشكلات‏ ‏وقصرت‏ ‏نفسها‏ ‏على ‏الفينومينولوجيا‏ ‏فى ‏نطاق‏ ‏وصف‏ ‏الظواهر‏ ‏وكشف‏ ‏الماهيات‏.‏
‏(‏ب‏) ‏المنهج‏ ‏الفينومينولوجي
المنهج‏ ‏الفينومينولوجى ‏ليس‏ ‏منهجا‏ ‏استدلاليا‏ deductive ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏منهجا‏ ‏استقرائيا‏ inductive ‏أو‏ ‏تجريبيا‏ experimental, ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يسعى ‏إلى ‏تتبع‏ ‏الجزئيات‏ ‏للوصول‏ ‏منها‏ ‏إلى ‏أحكام‏ ‏كلية‏ ‏أو‏ ‏قوانين‏ ‏تحدد‏ ‏العلاقات‏, ‏هو‏ ‏لا‏ ‏يسعى ‏إلى ‏تفسير‏ ‏الأشياء‏ ‏أو‏ ‏اكتشاف‏ ‏علاقاتها‏ ‏السببية‏, ‏وإنما‏ ‏يسعى ‏إلى ‏الكشف‏ ‏عن‏ ‏حقيقة‏ “‏الأشياء‏ ‏نفسها‏”. ‏إن‏ ‏المنهج‏ ‏الفينومينولوجى ‏يتركز‏ ‏فى ‏الدراسة‏ ‏الوصفية‏ ‏للظواهر‏ ‏سعيا‏ ‏وراء‏ ‏معرفة‏ ‏إن‏ ‏الفينومينولوجيا‏ – ‏كما‏ ‏كتب‏ ‏هوسرل‏ – “‏هى ‏وصف‏ ‏خالص‏ ‏لمجال‏ ‏محايد‏ ‏هو‏ ‏مجال‏ ‏الواقع‏ ‏المعاش‏ ‏أو‏ ‏الخبرة‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏هى ‏كذلك‏, ‏وللماهيات‏ ‏التى ‏تتمثل‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المجال‏” (26), ‏إى ‏أنها‏:‏
‏1 – ‏دراسة‏ ‏وصفية‏ ‏للظواهر‏ (‏الأشياء‏ ‏أو‏ ‏الوقائع‏ ‏أو‏ ‏حالات‏ ‏الأمور‏) ‏فى ‏الخبرة‏ ‏المباشرة‏ ‏الواعية‏.‏
‏2 – ‏والهدف‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏هو‏ ‏الوصول‏ ‏إلى ‏معرفة‏ ‏واضحة‏ ‏بالتركيبات‏ ‏الجوهرية‏ ‏الثابتة‏ ‏غير‏ ‏القابلة‏ ‏للتغير‏ ‏للظواهر‏.. ‏أى ‏ماهياتها‏, ‏وذلك‏ ‏بوصفها‏ ‏الحقائق‏ ‏الأساسية‏ ‏المبدئية‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يبنى ‏عليها‏ ‏أى ‏علم‏ ‏فى ‏أى ‏مجال‏.‏
وهذه‏ ‏المهمة‏ ‏فى ‏نظر‏ ‏هوسرل‏ ‏تتطلب‏ ‏شيئين‏ ‏مبدئيين‏:‏
‏1 -‏التخلص‏ ‏من‏ ‏أى ‏مفاهيم‏ ‏أو‏ ‏افتراضات‏ ‏أو‏ ‏أنساق‏ ‏نظرية‏ ‏مسبقة‏ ‏تحاول‏ ‏التفسير‏ ‏أو‏ ‏تبين‏ ‏العلاقات‏ ‏والأسباب‏, ‏فمهمة‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏فى ‏الكشف‏ ‏عن‏ ‏حقيقة‏ ‏الظواهر‏ ‏وماهيتها‏ ‏هى ‏مهمة‏ ‏مبدئية‏, ‏ولابد‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏سابقة‏ ‏على ‏أى ‏محاولات‏ ‏لوضع‏ ‏صياغات‏ ‏نظرية‏ ‏مفسرة‏ ‏أو‏ ‏متعقبة‏ ‏للعلاقات‏ ‏والأسباب‏, ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏المحاولات‏ ‏هى ‏خطوة‏ ‏تالية‏ ‏للفينومينولوجيا‏ ‏وخارجة‏ ‏عن‏ ‏نطاقها‏ ‏ولا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تتم‏ ‏بالمعنى ‏الذى ‏يضمن‏ ‏صدقها‏ ‏واتجاها‏ ‏الصحيح‏ ‏سوى ‏بعد‏ ‏اتمام‏ ‏المهمة‏ ‏الفينومينولوجية‏ ‏فى ‏إرساء‏ ‏الحقائق‏ ‏الثابتة‏, ‏أو‏ ‏الماهيات‏ ‏المتضمنة‏ ‏فى ‏الظواهر‏ ‏محل‏ ‏البحث‏.‏
‏2 – ‏والمدى ‏الذى ‏يصل‏ ‏إليه‏ ‏التخلص‏ ‏من‏ ‏الافتراضات‏ ‏المسبقة‏ ‏يمتد‏ ‏إلى ‏أبعاد‏ ‏جذرية‏ ‏حيث‏ ‏يتضمن‏ ‏عملية‏ ‏يعطيها‏ ‏هوسرل‏ ‏أهمية‏ ‏خاصة‏ ‏ويتم‏ ‏فيها‏ ‏تنحية‏ ‏أو‏ ‏تعليق‏ ‏قضية‏ ‏الاعتقاد‏ ‏بالوجود‏ ‏الواقعى ‏للعالم‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ما‏ ‏يسمى “‏بالتقويس‏ Bracketing (‏أو‏ ‏الايبوكية‏ Epoche ) (27)‏ والمقصود‏ ‏بهذه‏ ‏العملية‏ ‏ببساطة‏ ‏هو‏ ‏أن‏ “‏وجود‏” ‏العالم‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يوضع‏ ‏بين‏ ‏قوسين‏ ‏أو‏ ‏يعلق‏, ‏أى ‏أن‏ ‏القطع‏ ‏بأن‏ ‏العالم‏ ‏بموجوداته‏ ‏موجود‏ ‏واقعيا‏ ‏ومستقل‏ ‏عن‏ ‏وعى ‏الانسان‏ ‏به‏ (‏الموقف‏ ‏الواقعى ‏أو‏ ‏الطبيعي‏) ‏أو‏ ‏أنه‏ ‏غير‏ ‏مستقل‏ ‏عن‏ ‏الوعى ‏ولايعدو‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏تمثلات‏ ‏فى ‏عقولنا‏ (‏الموقف‏ ‏المثالي‏), ‏هذا‏ ‏القطع‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يعلق‏ ‏وينحى ‏جانبا‏ ‏حتى ‏تتمكن‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏من‏ ‏التفرغ‏ ‏لمهمتها‏ ‏الأساسية‏ ‏وهى ‏الكشف‏ ‏عن‏ ‏حقيقة‏ ‏الموجودات‏ ‏كما‏ ‏تقدم‏ ‏نفسها‏ ‏فى ‏الوعى, ‏فمبحث‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏هو‏ ‏حقيقة‏ “‏الموجودات‏” ‏وليس‏ ‏حقيقة‏ “‏الوجود‏” ‏وهى ‏لذلك‏ ‏تنحى ‏هذه‏ ‏القضية‏ ‏جانبا‏ ‏بواسطة‏ ‏هذا‏ ‏التوقف‏ ‏عن‏ ‏الحكم‏.‏
وهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الاختزال‏ (‏حيث‏ ‏يختزل‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يتعلق‏ ‏بهذه‏ ‏القضية‏ ‏فى ‏بحثنا‏ ‏للعالم‏) ‏لايعنى ‏إنكار‏ ‏وجود‏ ‏العالم‏ ‏الطبيعى ‏أو‏ ‏الواقعى ‏ولا‏ ‏حتى ‏الشك‏ ‏فى ‏وجوده‏ ‏وإنما‏ ‏يعنى ‏فقط‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏الطبيعى ‏قد‏ ‏نحى ‏بشكل‏ ‏مؤقت‏ ‏لأنه‏ ‏ليس‏ – ‏كما‏ ‏هو‏ – ‏جزءا‏ ‏متأصلا‏ ‏من‏ ‏المعرفة‏ ‏التحليلية‏, ‏إن‏ ‏واقعية‏ ‏العالم‏ ‏الطبيعى ‏والذات‏ ‏التى ‏تنتمى ‏إليه‏ (‏التجريبية‏) ‏ليست‏ ‏محل‏ ‏تساؤل‏, ‏ومن‏ ‏الممكن‏ ‏دائما‏ ‏الانتقال‏ ‏من‏ ‏وجهة‏ ‏النظر‏ ‏المثالية‏ ‏إلى ‏وجهة‏ ‏النظر‏ ‏الطبيعية‏ ‏وبالعكس‏, ‏أو‏ ‏كما‏ ‏كتب‏ ‏هوسرل‏ ‏نفسه‏ “‏كل‏ ‏تحديد‏ ‏ماهوى (‏أو‏ ‏أيديتيكى eidetic) ‏على ‏جانب‏ ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏تقابله‏ ‏ملامح‏ ‏موازية‏ ‏من‏ ‏تحديد‏ ‏تجريى emperical ‏على ‏الجانب‏ ‏الآخر‏”, ‏والفينومينولوجيون‏ ‏يقدمون‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الدفاع‏ ‏ضد‏ ‏اتهام‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏بأنها‏ ‏عودة‏ ‏إلى ‏المثالية‏ ‏الصرفة‏ (28).‏
بعد‏ ‏هذه‏ ‏الخطوة‏ ‏المبدئية‏ ‏تتعاقب‏ ‏ثلاث‏ ‏خطوات‏ ‏اختزالية‏ ‏يتلخص‏ ‏فيها‏ ‏المنهج‏ ‏الفينومنيولوجي‏:‏
‏1 – ‏الخطوة‏ ‏الاولى ‏هى ‏الاختزال‏ ‏الفينومينولوجى Phenomenological reduction ‏
ومن‏ ‏خلاله‏ ‏يتم‏ ‏تحويل‏ ‏كل‏ ‏ماهو‏ ‏معطى ‏إلى ‏ظاهرة‏.. ‏بمعنى ‏الشيء‏ ‏المعروف‏ ‏فى ‏الوعى ‏وبواسطته‏, ‏وهذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏المعرفة‏ ‏يجب‏ ‏أن‏ ‏يؤخذ‏ ‏بمعنى ‏واسع‏ ‏يشمل‏ ‏كل‏ ‏كيفيات‏ ‏الوعى ‏مثل‏ ‏الحدس‏, ‏التذكر‏, ‏التخيل‏, ‏الحكم‏.. ‏الخ‏, ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏من‏ ‏بين‏ ‏هذه‏ ‏الكيفيات‏ ‏فإن‏ ‏هوسرل‏ ‏يعطى ‏وضعا‏ ‏متميزا‏ ‏للحدس‏ ‏فى ‏التقاط‏ ‏الظواهر‏ ‏وذلك‏ ‏لأسباب‏ ‏محددة‏: – ‏
‏(‏ا‏) ‏لأن‏ ‏الحدس‏ ‏هو‏ ‏الفعل‏ ‏الذى ‏يلتقط‏ ‏فيه‏ ‏الشخص‏ ‏الموضوع‏ ‏فوريا‏ ‏فى ‏وجوده‏ ‏المتجسد‏.‏
‏(‏ب‏) ‏ولأنه‏ ‏فعل‏ ‏معطى ‏بطريقة‏ ‏أولية‏.. ‏يتلوها‏ ‏أو‏ ‏ينبنى ‏عليها‏ ‏كل‏ ‏شيء‏ ‏آخر‏.‏
هذا‏ ‏الاختزال‏ – ‏أو‏ ‏المعرفة‏ ‏بالظواهر‏ ‏فى ‏الوعى – ‏هو‏ ‏شيء‏ ‏أساسى ‏فى ‏الفينومينولوجيا‏ ‏فهى ‏تعتبر‏ ‏نفسها‏ ‏علمية‏ ‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏هى ‏متمركزة‏ ‏فى ‏الظاهرة‏ ‏الملتقطة‏ ‏فى ‏الوعى, ‏ولابد‏ ‏من‏ ‏ترجمة‏ ‏العالم‏ ‏الخارج‏ ‏عن‏ ‏الوعى ‏ترجمة‏ ‏تحيله‏ ‏إلى ‏عالم‏ ‏فينومينولوجى.. ‏أى ‏عالم‏ ‏الوعى. ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏الإختزال‏ ‏يعنى ‏عكس‏ ‏اتجاه‏ ‏نظر‏ ‏الإنسان‏ ‏من‏ ‏توجه‏ ‏مباشر‏ ‏نحو‏ ‏الموضوعات‏ ‏إلى ‏توجه‏ ‏نحو‏ ‏الوعى ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏يتيح‏ ‏للفينومينولوجيا‏ ‏دراسة‏ ‏الظاهرة‏ ‏أو‏ ‏الموضوع‏ ‏فى ‏فعل‏ ‏الوعى ‏القصدى, ‏والتقاط‏ ‏ماهيتها‏.‏
إن‏ ‏هذا‏ ‏الاختزال‏ ‏بذلك‏ ‏هو‏ ‏الشرط‏ ‏الأول‏ ‏للمعرفة‏ ‏الموضوعية‏, ‏فاالموضوعية‏ ‏لاتخضع‏ ‏للبحث‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏تمثلت‏ ‏تمثلا‏ ‏ما‏ ‏فى ‏ظاهرة‏ ‏وأصبحت‏ ‏بذلك‏ ‏ملتقطة‏ ‏فى ‏الوعى.‏
‏2 – ‏الخطوة‏ ‏الثانية‏ ‏هى ‏الاختزال‏ ‏الايديتيكى (‏الماهوي‏) Eidetic Reduction ‏عندما‏ ‏يتم‏ ‏تمثيل‏ ‏الظواهر‏ ‏داخل‏ ‏الوعى ‏لاتلتقط‏ ‏عادة‏ ‏بصورة‏ ‏نقية‏ ‏وإنما‏ ‏يشوبها‏ ‏إضافات‏ ‏وصفات‏ ‏عرضية‏ ‏أو‏ ‏مصادفة‏ contingent ‏لا‏ ‏تجعلها‏ ‏واضحة‏ ‏كتركيبات‏ ‏جوهرية‏ ‏أو‏ ‏مضمون‏ ‏يشكل‏ ‏وحدة‏ ‏متفردة‏, ‏والتأمل‏ ‏المبنى ‏على ‏الحدس‏ ‏هو‏ ‏الوسيلة‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏بواسطتها‏ – ‏بالتدريج‏ ‏وبعد‏ ‏جهد‏ – ‏تمييز‏ ‏هذه‏ ‏التركيبات‏ ‏الجوهرية‏ ‏أو‏ ‏ماهية‏ ‏الظاهرة‏ ‏واستبعاد‏ ‏الصفات‏ ‏العرضية‏, ‏وهذه‏ ‏الخطوة‏ ‏الثانية‏ ‏من‏ ‏المنهج‏ ‏الفينومينولوجى.. ‏خطوة‏ ‏الاختزال‏ ‏الماهوى ‏أورد‏ ‏الظواهر‏ ‏إلى ‏ماهياتها‏.‏
والحدس‏ ‏المستخدم‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الخطوة‏ – ‏حدس‏ ‏الماهيات‏ – ‏هو‏ ‏نوع‏ ‏متميز‏ ‏من‏ ‏الحدس‏ ‏فهو‏ ‏ليس‏ ‏عملية‏ ‏آنية‏ ‏أو‏ ‏فورية‏ ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏عملية‏ ‏دراسة‏ ‏متأملة‏ ‏دقيقة‏ ‏لأمثلة‏ ‏عينية‏ ‏للظاهرة‏ ‏تمدنا‏ ‏بها‏ ‏التجربة‏ ‏أو‏ ‏التخيل‏, ‏وبإجراء‏ ‏تنويعات‏ ‏منظمة‏ ‏لهذه‏ ‏الأمثلة‏ ‏فى ‏الذهن‏ ‏مع‏ ‏تركيز‏ ‏الانتباه‏ ‏على ‏مايبقى ‏ثابتا‏ ‏رغم‏ ‏التعدد‏ ‏والتنويعات‏, ‏والذى ‏يؤدى ‏محوه‏ ‏إلى ‏القضاء‏ ‏على ‏الموضوع‏ ‏نفسه‏ ‏يمكن‏ ‏فى ‏النهاية‏ ‏التقاط‏ ‏ماهية‏ ‏الظاهرة‏ ‏أو‏ ‏الموضوع‏ ‏بوصفها‏ ‏هذا‏ ‏الثابت‏ ‏الجوهرى ‏أو‏ ‏المضمون‏ ‏المتفرد‏.‏
بهذه‏ ‏الخطوة‏ ‏إذن‏ ‏يتم‏ ‏اختزال‏ ‏أو‏ ‏رد‏ ‏الأشياء‏ ‏إلى ‏ماهياتها‏ ‏أو‏ ‏حقائقها‏ ‏الثابتة‏ ‏التى ‏لا‏ ‏تشوبها‏ ‏أى ‏عناصر‏ ‏عرضية‏, ‏وثبات‏ ‏الحقائق‏ ‏هنا‏ ‏يعنى ‏الصدق‏ ‏الموضوعى ‏بمعنى ‏أنه‏ ‏إذا‏ ‏اكتملت‏ ‏هذه‏ ‏الخطوة‏ ‏كما‏ ‏يجب‏ ‏وتمت‏ ‏بها‏ ‏المعرفة‏ ‏البينة‏ (29) ‏فإن‏ ‏الماهيات‏ ‏الملتقطة‏ ‏لا‏ ‏تتغير‏ ‏بتغير‏ ‏الظروف‏ ‏أو‏ ‏الأفراد‏.‏
إن‏ ‏الماهيات‏ ‏التى ‏نصل‏ ‏إليها‏ ‏بهذه‏ ‏الخطوة‏ ‏هى ‏هدف‏ ‏الدراسة‏ ‏الوصفية‏ ‏للفينومينولوجيا‏, ‏وهى ‏اللبنات‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏بها‏ ‏بناء‏ ‏معرفة‏ ‏موثوق‏ ‏بها‏ ‏بشكل‏ ‏مطلق‏ ‏فى ‏أى ‏علم‏ ‏وفى ‏أى ‏مجال‏.‏
‏3 – ‏الخطوة‏ ‏الثالثة‏ ‏هى ‏ألاختزال‏ ‏المتعالى Transcendental Reduction ‏
وفيه‏ ‏يتم‏ ‏استحضار‏ ‏الذات‏ ‏المتعالية‏ ‏أو‏ ‏الوعى ‏المتعالى (‏أرضية‏ ‏أو‏ ‏مصدر‏ ‏تكوين‏ ‏كل‏ ‏المعاني‏), ‏وبالارتداد‏ ‏إلى ‏منجزات‏ ‏هذا‏ ‏الوعى ‏الخالص‏.. ‏برد‏ ‏المعرفة‏ ‏المتكونة‏ ‏فى ‏الخطوات‏ ‏السابقة‏ ‏إليه‏, ‏يتم‏ ‏التحقق‏ ‏من‏ ‏صدقها‏ ‏الموضوعى .. ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏يكمن‏ ‏مصدر‏ ‏الموضوعية‏ ‏الحقيقية‏ ‏أو‏ ‏مصدر‏ ‏العطاء‏ ‏القاطع‏ ‏البين‏ ‏ومنبع‏ ‏المعرفة‏ ‏الحقيقية‏ ‏بكل‏ ‏الموضوعات‏ ‏بما‏ ‏فيها‏ ‏الذات‏ ‏التجريبية‏ ‏نفسها‏, ‏وعن‏ ‏هذه‏ ‏العملية‏ ‏يقول‏ ‏هوسرل‏:‏
‏”‏إنها‏ ‏التساؤل‏ ‏المرتد‏ ‏إلى ‏المنبع‏ ‏النهائى ‏لكل‏ ‏انجازات‏ ‏المعرفة‏, ‏للتأمل‏ ‏الذى ‏يتأمل‏ ‏العارف‏ ‏فيه‏ ‏نفسه‏ ‏وحياته‏ ‏العارفة‏, ‏والذى ‏تتكون‏ ‏فيه‏ ‏كل‏ ‏البنيات‏ ‏العلمية‏ ‏الصادقة‏ ‏بشكل‏ ‏غائى teleological ‏ويتم‏ ‏الاحتفاظ‏ ‏بها‏ ‏كمتحصلات‏ ‏دائمة‏, ‏وتصبح‏ ‏فى ‏متناوله‏ ‏بشكل‏ ‏حر‏” (30).‏
وأهم‏ ‏حدث‏ ‏يقع‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الوعى ‏هو‏ “‏التكون‏ ‏الذاتي‏” ‏حيث‏ ‏تنمو‏ ‏الذات‏ ‏بالخبرة‏ ‏المضافة‏ ‏كما‏ ‏تنمو‏ ‏الخبرة‏ ‏بنموها‏ ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏أشرنا‏ ‏إليه‏ ‏من‏ ‏قبل‏.‏
إن‏ ‏ممارسة‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏بالنسبة‏ ‏لهوسرل‏ ‏كانت‏ ‏معادلة‏ ‏للعودة‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏الذات‏ ‏المتعالية‏, ‏وكل‏ ‏التحليلات‏ ‏الفينومينولوجية‏ ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏تقود‏ ‏فى ‏النهاية‏ ‏إليها‏.‏
الخطوط‏ ‏العامة‏ ‏تمهيدا‏ ‏للتطبيقات‏ ‏الخاصة‏:‏
هناك‏ ‏عدة‏ ‏ملاحظات‏ ‏لها‏ ‏أهميتها‏ ‏فى ‏استكمال‏ ‏النظرة‏ ‏إلى ‏هذا‏ ‏المنهج‏ ‏الفينومينولوجى‏:‏
‏1 – ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏المنهج‏ ‏بكل‏ ‏خطواته‏ ‏يعتمد‏ ‏على “‏الخبرة‏ ‏الذاتية‏” ‏والمشاركة‏ ‏بها‏, ‏فالمعرفة‏ ‏بالظواهر‏ (‏التقاطها‏ ‏كظواهر‏ ‏فى ‏خطوة‏ ‏الاختزال‏ ‏الفينومينولوجى.. ‏والحدس‏ ‏بماهيتها‏ ‏فى ‏خطوة‏ ‏الختزال‏ ‏الماهوى.. ‏والوصول‏ ‏إلى ‏المعانى ‏النهائية‏ ‏أو‏ ‏المطلقة‏ ‏فى ‏الاختزال‏ ‏المتعالي‏).. ‏كلها‏ ‏خطوات‏ ‏لاتتم‏ ‏هناك‏ ‏فى ‏الخارج‏ ‏وإنما‏ ‏تتم‏ ‏داخل‏ ‏نطاق‏ ‏الذات‏ ‏أو‏ ‏الوعى.. ‏بفحص‏ ‏فعل‏ ‏المعرفة‏ ‏أو‏ ‏فعل‏ ‏الوعى ‏بجوانبه‏ ‏الذاتية‏ (‏النويما‏ Noema) ‏والموضوعية‏ (‏النويسيس‏ Noesis) ‏ معا‏.‏
وتصر‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏على ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التأمل‏ ‏أو‏ ‏فحص‏ ‏الخبرة‏ ‏الذاتية‏ ‏شيء‏ ‏مختلف‏ ‏تماما‏ ‏عن‏ ‏الاستبطان‏ introspection, ‏وتقدم‏ ‏منذ‏ ‏بداياتها‏ ‏نقدا‏ ‏شديدا‏ ‏لأسلوب‏ ‏الاستبطان‏:‏
‏- ‏يرى ‏برنتانو‏ 31 ‏أن‏ ‏الاستبطان‏ ‏بالمعنى ‏الذى ‏يتضمنه‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏الخبرة‏ ‏المعاشة‏ ‏التى ‏تحياها‏ ‏الذات‏ ‏هى ‏فى ‏حد‏ ‏ذاتها‏ ‏معرفة‏ ‏واعية‏ ‏ويمكن‏ ‏أن‏ ‏تتم‏ ‏بشكل‏ ‏منظوم‏ systematic ‏هو‏ ‏عملية‏ ‏مستحيلة‏, ‏لأنه‏ ‏يتطلب‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏الخبرة‏ ‏أو‏ ‏التجربة‏ ‏حاضرة‏ ‏للفرد‏.. ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏متاحة‏ ‏له‏ ‏تحليليا‏ ‏كملاحظ‏, ‏بتعبير‏ ‏آخر‏ ‏فإن‏ ‏الادراك‏ ‏الداخلى internal perception ‏لايمكن‏ ‏أن‏ ‏يصبح‏ ‏ملاحظة‏ ‏داخلية‏ internal observation ‏أو‏ ‏يستحيل‏ ‏الجمع‏ ‏بينهما‏. ‏والتأمل‏ ‏الممكن‏ ‏كما‏ ‏تراه‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏يتم‏ ‏على ‏أساس‏ ‏عملية‏ ‏استبقاء‏ ‏أو‏ ‏اختزان‏ retention ‏تحاول‏ ‏فيها‏ ‏الاحتفاظ‏ ‏بالظاهرة‏ ‏المعاشة‏ ‏من‏ ‏الانحراف‏ ‏فى ‏تيار‏ ‏الوعى, ‏أى ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التأمل‏ ‏هو‏ ‏عملية‏ “‏استعادة‏ ‏وصفية‏” ‏للظاهرة‏ ‏المعاشة‏ ‏بحيث‏ ‏تصبح‏ ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏بمثابة‏ “‏موضوع‏” ‏ماثل‏ ‏فى ‏الوعى ‏الحالى ‏للباحث‏, ‏وهوسرل‏ (32) ‏يرى ‏إمكانية‏ ‏استبقاء‏ ‏الظاهرة‏ ‏المعاشة‏ ‏بهويتها‏ identity ‏أو‏ ‏بلحمها‏ ‏ودمها‏ ‏وإن‏ ‏كانت‏ ‏تتخذ‏ ‏طابعا‏ ‏آخر‏ ‏إذ‏ ‏يصبح‏ ‏وجودها‏ ‏هو‏ ‏وجود‏ ‏الشيء‏ ‏الذى ‏انقضى ‏فى ‏زمانه‏.‏
‏- ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى ‏فإن‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏ترى ‏أن‏ ‏معنى ‏أى ‏مضمون‏ ‏شعورى ‏لايمكن‏ ‏أن‏ ‏ينكشف‏ ‏للذات‏ ‏بطريقة‏ ‏مباشرة‏ – ‏كما‏ ‏يفترض‏ ‏الاستبطان‏ – ‏وإنما‏ ‏يحتاج‏ ‏الأمر‏ ‏إلى ‏دراسة‏ ‏دقيقة‏ ‏وجهد‏ ‏شاق‏, ‏ومعرفة‏ ‏النفس‏ ‏بالنفس‏ – ‏كما‏ ‏لاحظ‏ ‏ميرلوبونتى (33) – ‏إنما‏ ‏هى ‏معرفة‏ ‏غير‏ ‏مباشرة‏, ‏فهى ‏بمثابة‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏البناء‏ ‏أو‏ ‏التركيب‏, ‏والإنسان‏ ‏فى ‏حاجة‏ ‏دائما‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏يفض‏ ‏رموز‏ ‏سلوكه‏ ‏كما‏ ‏يفض‏ ‏رموز‏ ‏سلوك‏ ‏الآخرين‏.‏
‏- ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏ثالثة‏ ‏فإن‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏ترفض‏ ‏الطابع‏ ‏التحليلى ‏العنصرى elementaristic ‏أو‏ ‏التفسيرات‏ ‏العنصرية‏ ‏أو‏ ‏التجزيئية‏ ‏للوعى ‏التى ‏يتبعها‏ ‏الأسلوب‏ ‏الاستبطانى ‏عادة‏.‏
وتهتم‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏أيضا‏ ‏بالتفرقة‏ ‏بين‏ ‏هذا‏ ‏التأمل‏ ‏الذى ‏تدعو‏ ‏إليه‏ ‏والتأمل‏ ‏الفلسفى ‏التقليدى, ‏فالتأمل‏ ‏الفلسفى ‏التقليلدى ‏يحاول‏ ‏إرجاع‏ ‏الخبرة‏ ‏المعاشة‏ ‏إلى ‏شروط‏ ‏قبلية‏ ‏أو‏ ‏أولية‏ apriori ‏أى ‏يحاول‏ ‏تأويلها‏ ‏وتقصى ‏عللها‏, ‏بينما‏ ‏يهدف‏ ‏التأمل‏ ‏الفينومينولوجى ‏إلى ‏معرفة‏ ‏بالشيء‏ ‏ذاته‏ ‏فى ‏مضمونه‏ ‏السابق‏ ‏على ‏أى ‏تحليلات‏ ‏علية‏ ‏أو‏ ‏افتراضات‏ ‏نظرية‏.‏
‏2 – ‏إن‏ ‏مهمة‏ ‏المنهج‏ ‏الفينومينولوجى ‏بصورته‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏مهمة‏ ‏مبدئية‏ ‏أو‏ ‏أولية‏ ‏يتحقق‏ ‏من‏ ‏خلالها‏ ‏معرفة‏ ‏جلية‏ ‏عقلانية‏ rational ‏ويقينية‏ ‏بالظواهر‏ ‏بوصفها‏ ‏دعائم‏ ‏كافة‏ ‏العلوم‏ ‏الطبيعية‏ ‏أو‏ ‏الإنسانية‏ ‏كل‏ ‏فى ‏مجاله‏, ‏والفينومينولوجيا‏ ‏بذلك‏ ‏لاترفض‏ ‏ولا‏ ‏تستبعد‏ ‏أى ‏مداخل‏ ‏أخرى ‏للبحث‏ ‏العلمى ‏مثل‏ ‏التحقق‏ ‏التجريبى ‏ووضع‏ ‏الفروض‏ ‏والتفسيرات‏ ‏العلية‏ ‏وصياغة‏ ‏النظريات‏, ‏ولكنها‏ ‏تعتبرها‏ ‏خطوات‏ ‏تالية‏ ‏لهذه‏ ‏المهمة‏ ‏المبدئية‏. ‏
واكتمال‏ ‏هذه‏ ‏المهمة‏ ‏هو‏ ‏الضمان‏ ‏الأساسى ‏لصدق‏ ‏وسلامة‏ ‏اتجاه‏ ‏الخطوات‏ ‏التالية‏ ‏فى ‏كل‏ ‏علم‏ ‏على ‏حدة‏ ‏حيث‏ ‏تساعد‏ ‏على ‏تحديد‏ ‏مجال‏ ‏العلم‏, ‏ونوع‏ ‏الفروض‏ ‏وكيفية‏ ‏اختبارها‏, ‏ونوع‏ ‏التجريب‏ ‏وأهدافه‏ ‏وحدوده‏, ‏وفى ‏النهاية‏ ‏التفسيرات‏ ‏والنظريات‏ ‏الممكنة‏. ‏
‏3 – ‏إن‏ ‏هذا‏ ‏المنهج‏ ‏يعبر‏ ‏عن‏ ‏احترام‏ ‏شديد‏ ‏للإنسان‏ ‏أو‏ ‏العقل‏ ‏الانسانى ‏بوصفه‏ ‏الأداة‏ ‏الأولى ‏والأخيرة‏ ‏والتى ‏لابديل‏ ‏عنها‏ ‏للبحث‏ ‏والمعرفة‏, ‏وذلك‏ ‏رغم‏ ‏كل‏ ‏الوسائل‏ ‏العلمية‏ ‏الدقيقة‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تساعد‏ ‏على ‏الملاحظة‏ ‏والتجريب‏ ‏والتى ‏لايجب‏ ‏أن‏ ‏نفسى ‏أنها‏ ‏من‏ ‏نتاج‏ ‏نفس‏ ‏العقل‏, ‏وأن‏ ‏المعرفة‏ ‏الحقيقية‏ ‏لاتتم‏ ‏بافتراض‏ ‏أو‏ ‏الاعتقاد‏ ‏فى ‏وجود‏ ‏موضوعية‏ ‏لا‏ ‏وجود‏ ‏لها‏ ‏وإنما‏ ‏تتم‏ ‏بالوصول‏ – ‏بالجهد‏ ‏والعناء‏ – ‏إلى ‏الذاتية‏ ‏النقية‏ ‏القادرة‏ ‏على ‏استشفاف‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏المعرفة‏ ‏الحقيقية‏.‏
نظرة‏ ‏خاصة‏:‏
كان‏ ‏للفينومينولوجيا‏ ‏تأثير‏ ‏ملحوظ‏ ‏فى ‏عديد‏ ‏من‏ ‏العلوم‏, ‏والقائمة‏ ‏متنوعة‏ ‏وتشمل‏ ‏علوما‏ ‏مثل‏ ‏الرياضة‏ ‏والبيولوجيا‏ ‏وعلم‏ ‏الاجتماع‏ ‏والتاريخ‏ ‏ودراسة‏ ‏الأديان‏, ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏أكبر‏ ‏تأثير‏ ‏انها‏ ‏كان‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏حيث‏ ‏نما‏ ‏اتجاه‏ ‏متميز‏ ‏تحت‏ ‏اسم‏ “‏علم‏ ‏النفس‏ ‏الفينومينولوجي‏”, ‏كما‏ ‏أن‏ ‏أبرز‏ ‏مساهماتها‏ ‏التطبيقية‏ ‏قد‏ ‏تمت‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏السيكوباثولوجى ‏حيث‏ ‏قام‏ ‏ياسبرز‏ jaspers ‏بتطبيق‏ ‏المنهج‏ ‏الفينومينولوجى ‏فى ‏دراسة‏ ‏الظواهر‏ ‏المرضية‏ ‏النفسية‏ (‏على ‏أساس‏ ‏فحص‏ ‏الخبرات‏ ‏الذاتية‏ ‏للمرضى ‏النفسيين‏) ‏وتبعه‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏آخرون‏ ‏وأمكن‏ ‏بذلك‏ ‏وضع‏ ‏أسس‏ ‏علمية‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏الطب‏ ‏النفسى ‏يصعب‏ ‏التشكيك‏ ‏فى ‏قيمتها‏ ‏الكبيرة‏ ‏كدعامات‏ ‏لهذا‏ ‏العلم‏.‏
ولا‏ ‏أريد‏ ‏أسبق‏ ‏الأمور‏ – ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏دور‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏فى ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏والطب‏ ‏النفسى ‏هو‏ ‏موضوع‏ ‏القسم‏ ‏الثانى ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الدراسة‏ – ‏ولكنى ‏أود‏ ‏أن‏ ‏أوضح‏ ‏هنا‏ ‏أن‏ ‏هناك‏ ‏علاقة‏ ‏خاصة‏ ‏ووثيقة‏ ‏بين‏ ‏الفلسفة‏ ‏الفينومينولوجية‏ ‏وعلم‏ ‏النفس‏ ‏حيث‏ ‏تقع‏ ‏مفاهيمها‏ ‏الأساسية‏ ‏المتعلقة‏ ‏بالوعى ‏وأفعاله‏ ‏والوظيفة‏ ‏المعرفية‏ Cognitive Function ‏للإنسان‏ ‏بوجه‏ ‏عام‏ ‏داخل‏ ‏نطاق‏ ‏الدراسة‏ ‏العلمية‏ ‏لعلم‏ ‏النفس‏, ‏والمتتبع‏ ‏لتطورات‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المجال‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يتبين‏ ‏أن‏ ‏المفاهيم‏ ‏والتصورات‏ ‏الفينومينولوجية‏ ‏الأساسية‏ ‏ليست‏ ‏محض‏ ‏تأملات‏ ‏مجردة‏ ‏وإنما‏ ‏يمكن‏ ‏ربطها‏ ‏بنتائج‏ ‏محققة‏ ‏علميا‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المجال‏, ‏وقد‏ ‏تمت‏ ‏على ‏يد‏ ‏مدارس‏ ‏مختلفة‏ ‏فى ‏علم‏ ‏النفس‏, ‏وهناك‏ ‏أمثلة‏ ‏محددة‏ ‏يمكن‏ – ‏فى ‏تصورى – ‏أن‏ ‏توضح‏ ‏هذه‏ ‏الحقيقة‏:‏
‏1 – ‏إن‏ ‏التصور‏ ‏الفينومينولوجى ‏عن‏ ‏المعرفة‏ ‏بالموضوعات‏ ‏أو‏ ‏الموجودات‏ ‏بوصفها‏ ‏معرفة‏ ‏بهذه‏ ‏الموضوعات‏ ‏كما‏ ‏تتمثل‏ ‏فى ‏باطن‏ ‏الوعى, ‏وليس‏ ‏كأشياء‏ ‏أو‏ ‏حقائق‏ ‏خارجية‏ ‏ليس‏ ‏غريبا‏ ‏على ‏نتائج‏ ‏الدراسة‏ ‏العلمية‏ ‏للوظيفة‏ ‏المعرفية‏ ‏لدى ‏الانسان‏ ‏كما‏ ‏يقدمها‏ ‏أريتى Arieti (34), ‏فهذه‏ ‏المعرفة‏ ‏كما‏ ‏يصفها‏ ‏أريتى ‏تتم‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏تمثيلات‏ ‏داخلية‏ inner representations ‏وتبدأ‏ ‏هذه‏ ‏التمثيلات‏ ‏بنوع‏ ‏بدائى ‏غير‏ ‏متميز‏ undifferentiated ‏من‏ ‏الخبرة‏ ‏ثم‏ ‏بالتدريج‏ ‏ومع‏ ‏نمو‏ ‏وتطور‏ ‏الفرد‏ ontogeny (‏الذى ‏هو‏ ‏بشكل‏ ‏ما‏ ‏إعادة‏ ‏لتطور‏ ‏النوع‏ phylogeny) ‏يحكمها‏ ‏منطق‏ ‏بدائى ‏ويكون‏ ‏التقاط‏ ‏العالم‏ ‏الخارجى ‏فى ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏محرفا‏ ‏ومبهما‏ ‏وغير‏ ‏مطابق‏ ‏للواقع‏, ‏ثم‏ ‏تتطور‏ ‏هذه‏ ‏التمثيلات‏ ‏لتصل‏ ‏إلى ‏يمكن‏ ‏التعبير‏ ‏عنها‏ ‏والتواصل‏ ‏بها‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏اللغة‏, ‏ويكون‏ ‏التقاط‏ ‏العالم‏ ‏الخارجى ‏فى ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏أوضح‏ ‏وأقرب‏ ‏إلى ‏الواقع‏ ‏ولكنه‏ ‏ليس‏ ‏نهائيا‏ ‏فى ‏معظم‏ ‏الأحيان‏ ‏حيث‏ ‏أن‏ ‏التمثيلات‏ ‏التى ‏تشكلها‏ ‏هذه‏ ‏المفاهيم‏ ‏تخضع‏ ‏لعملية‏ ‏نمو‏ ‏وتوضيح‏ ‏مستمر‏ ‏تستبعد‏ ‏فيها‏ ‏بعض‏ ‏الخصائص‏ ‏أو‏ ‏الصفات‏ ‏من‏ ‏المفهوم‏, ‏وتضاف‏ ‏خصائص‏ ‏جديدة‏ ‏بصورة‏ ‏تقرب‏ ‏المفهوم‏ ‏شيئا‏ ‏فشيئا‏ ‏من‏ ‏حقيقة‏ ‏الواقع‏ ‏الخارجى, ‏وهذا‏ ‏التصور‏ ‏العلمى ‏يعنى ‏شيئين‏:‏
‏(‏ا‏) ‏أن‏ ‏المعرفة‏ ‏بالعالم‏ ‏تتم‏ ‏عن‏ ‏طريق‏ ‏تمثيلات‏ ‏داخلية‏ ‏وليس‏ ‏هناك‏ ‏فى ‏الخارج‏ ‏أو‏ ‏كما‏ ‏عبر‏ ‏أريتى ‏نفسه‏: “‏إن‏ ‏الإنسان‏ ‏لايستجيب‏ ‏إلى ‏أشياء‏ things ‏أو‏ ‏حقائق‏ facts‏وإنما‏ ‏إلى ‏مفاهيم‏ cincepts”. (‏ب‏) ‏إن‏ ‏هذه‏ ‏المعرفة‏ ‏لاتتم‏ ‏بشكل‏ ‏نهائى ‏وإنما‏ ‏تخضع‏ ‏لعملية‏ ‏توضيح‏ ‏وتنقية‏ ‏مستمرة‏ ‏تقترب‏ ‏بها‏ ‏التمثيلات‏ ‏الداخلية‏ ‏بالتدريج‏ ‏من‏ ‏الواقع‏ ‏أو‏ ‏الحقائق‏ ‏كما‏ ‏هى. ‏
وكلا‏ ‏التصورين‏ ‏قريبان‏ ‏بدرجة‏ ‏ملحوظة‏ ‏من‏ ‏المفاهيم‏ ‏المعرفية‏ ‏للفينومينولوجيا‏ ‏والمنهج‏ ‏الفينومينولوجى.‏
‏2 – ‏إن‏ ‏مفاهيم‏ ‏بعض‏ ‏الاتجاهات‏ ‏فى ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏عن‏ ‏العالم‏ ‏الخاص‏ ‏الذى ‏يبنيه‏ ‏كل‏ ‏فرد‏ ‏لنفسه‏ ‏ويضفى ‏فيه‏ ‏على ‏الموضوعات‏ ‏معانيه‏ ‏الخاصة‏ ‏بحيث‏ ‏تصبح‏ ‏ما‏ ‏يسمى “‏بالموضوعات‏ ‏الذاتية‏” self objects ‏ولايصل‏ ‏إلى ‏خبرة‏ ‏واضحة‏ ‏بالموضوعات‏ ‏كما‏ ‏هى ‏أو‏ “‏الموضوعات‏ ‏الحقيقية‏” real objets ‏إلا‏ ‏باكتمال‏ ‏نضجه‏ ‏النفسى, ‏هذه‏ ‏المفاهيم‏ ‏لاتبدو‏ ‏غريبة‏ ‏على ‏مفهوم‏ ‏التكوين‏ constitution ‏الفينومينولوجى ‏أى ‏التكوين‏ ‏الدعائمى ‏لمعانى ‏الموضوعات‏ ‏فى ‏الوعى, ‏والذى ‏يكتمل‏ ‏ليصبح‏ ‏تكوينا‏ ‏لمعانى ‏نهائية‏ ‏فى ‏الذاتية‏ ‏المتعالية‏.‏
‏3 – ‏بل‏ ‏إن‏ ‏المفاهيم‏ ‏المتعلقة‏ ‏بالذات‏ ‏أو‏ ‏الذاتية‏ ‏المتعالية‏ ‏والتى ‏تعرضت‏ ‏لانتقادات‏ ‏شديدة‏ ‏بوصفها‏ ‏مغالاة‏ ‏فى ‏المثالية‏ ‏والتعالى ‏أصبح‏ ‏لها‏ ‏أساس‏ ‏من‏ ‏الدراسات‏ ‏العلمية‏ ‏فى ‏علم‏ ‏النفس‏:‏
‏- ‏فمن‏ ‏خلال‏ ‏دراسات‏ ‏على ‏أشخاص‏ ‏وصل‏ ‏معظمهم‏ ‏إلى ‏درجات‏ ‏مرتفعة‏ ‏من‏ ‏النمو‏ ‏الانسائئ‏ (‏علماء‏ ‏وفنانين‏ ‏وقيادات‏ ‏سياسية‏ ‏وإدارية‏… ‏الخ‏) ‏وصف‏ ‏ماسلو‏ Maslo ‏وغيره‏ ‏من‏ ‏الباحثين‏ ‏ماسمى ‏بخبرات‏ ‏القمة‏ peak experiences ‏عبر‏ ‏عنها‏ ‏أصحابها‏ ‏بوصفها‏ ‏حالات‏ ‏من‏ ‏الوعى states of consciousness ‏تتجاوز‏ ‏حالة‏ ‏الوعى ‏العادية‏ ‏ويتم‏ ‏فيها‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الخبرة‏ ‏المعرفية‏ ‏وإدراك‏ ‏المعانى ‏لايبدو‏ ‏غريبا‏ ‏عما‏ ‏يصفه‏ ‏هوسرل‏ ‏عن‏ ‏الذات‏ ‏المتعالية‏ ‏أو‏ ‏الوعى ‏الخالص‏.

‏- ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى ‏فإن‏ ‏اريك‏ ‏برن‏ Eric Bern ‏صاحب‏ ‏اتجاه‏ ” ‏التحليل‏ ‏التفاعلاتى Transactionl analysis – ‏والذى ‏يرى ‏النفس‏ ‏الإنسانية‏ ‏بوصفها‏ ‏عدة‏ ‏ذوات‏ ‏أو‏ ‏حالات‏ ‏ذات‏ ‏متعددة‏ multiple ego states ‏تؤثر‏ ‏علاقاتها‏ ‏المتبادلة‏ ‏والمعقدة‏ ‏وتداخلات‏ ‏حدودها‏ ‏على ‏الوظائف‏ ‏المعرفية‏ ‏والانفعالية‏ ‏والسلوكية‏ ‏للانسان‏ ‏الفرد‏ – ‏يصف‏ ‏حالة‏ ‏للذات‏ ‏هى ‏حالة‏ “‏الراشد‏ ‏المتكامل‏” integrated adult ‏لها‏ ‏من‏ ‏الخصائص‏ ‏مالا‏ ‏يبدو‏ ‏غريبا‏ ‏عن‏ ‏صورة‏ ‏الذات‏ ‏المتعالية‏ ‏كما‏ ‏يصفها‏ ‏هوسرل‏.‏
خلاصة‏ ‏القول‏, ‏فإن‏ ‏ما‏ ‏أسعى ‏إلى ‏إيضاحه‏ ‏ببساطة‏ ‏وبشكل‏ ‏مباشر‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏الفينومينولوجيا‏ ‏ليست‏ ‏مجرد‏ ‏بالمعنى ‏العقيم‏ ‏وغير‏ ‏العملى.. ‏وإنما‏ ‏فيها‏ ‏من‏ ‏الحقيقة‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏استكشافه‏ ‏بالتحقق‏ ‏العلمى ‏المناسب‏, ‏وأنها‏ ‏وثيقة‏ ‏الصلة‏ ‏فى ‏مفاهيمها‏ ‏بعلم‏ ‏النفس‏ ‏وما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكشفه‏ ‏عن‏ ‏الانسان‏, ‏وكلها‏ ‏أشياء‏ ‏تجعلنا‏ ‏ننظر‏ ‏بجدية‏ ‏إلى ‏ماتقوله‏ ‏عن‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏وما‏ ‏تمثله‏ ‏بمنهجها‏ ‏من‏ ‏احتمالات‏ ‏فى ‏نموه‏ ‏وتطوره‏, ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏سنحاول‏ ‏استكشافه‏ ‏فى ‏القسم‏ ‏الثانى ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الدراسة‏ ‏فى ‏العدد‏ ‏القادم‏.‏
المراجع‏ ‏العربية
زكريا‏ ‏إبراهيم‏ (1968) : “‏دراسات‏ ‏فى ‏الفلسفة‏ ‏المعاصرة‏”
‏القاهرة‏ – ‏مكتبة‏ ‏مصر‏ (‏الفجالة(
عبد‏ ‏الفتاح‏ ‏الديدى (1966) : “‏الاتجاهات‏ ‏المعاصرة‏ ‏فى ‏الفلسفة‏”
‏القاهرة‏ – ‏الدار‏ ‏القومية‏ ‏للطباعة‏ ‏والنشر‏.‏
وولف‏ ‏ا‏. (1966) : “‏فلسفة‏ ‏المحدثين‏ ‏والمعاصرين‏”‏ترجمة‏ ‏د‏. ‏أبو‏ ‏العلا‏ ‏العفيفى
‏القاهرة‏ – ‏لجنة‏ ‏التأليف‏ ‏والترجمة‏ ‏والنشر
‏.‏يوسف‏ ‏كرم‏ (1969) : ” ‏تاريخ‏ ‏الفلسفة‏ ‏الحديثة‏
‏القاهرة‏ – ‏دار‏ ‏المعارف‏.‏
المراجع‏ ‏الأجنبية
‏Arieti, S. (1976). “The Intr apsychic Self”‏
‏New york:Basic Books, Inc., puvlishers‏
‏Encyclopaedia Britanica (1977)‏
‏15 th edition, vol. 14, Ps 10 – 15 (Phenomenology). Chicago/ London/…. – Helen Hem-ingway Benton Publishers.‏
‏Husserl,E. (1965) “phenomenology and the Crisis of philosophy”.‏
‏Translated with an introduction by Quentin ‏
‏Laure. New york: Harper Torchbools.‏
‏Thine”s, G. (1977) “phenomenology and the scuence of Behauiour”.‏

  1. ‏London: George Allen & Unwin.‏


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
علم الاجتـماع

النظرية الاجتماعية التقليدية

النظرية الاجتماعية التقليدية
الوضعيـــــــــــة 1 –
سان سيمون S. Simon
( 1825 – 1760 )
المقاربة الوضعية هي منهجية تحليله تقوم على استبعاد لأنماط الفكر والتحليل اللاهوتي ( الديني ) والميتافيزيقي ( التجريدي = الطبيعة ) من أي تحليل مقترحة بديلا عنهما الإنسان الذي بات يتمتع بقيمة مركزية في الكون ، بهذا المضمون سنكون على إطلالة لمعادلة جديدة تحكم سير الحياة الاجتماعية برمتها على النحو التالي :

الظاهرة الظاهرة الظاهرة

مرجع لاهوتي مرجع ميتافيزيقي مرجع إنساني / الوضعية
الدين الطبيعة = التجريد العقل

هذه المعادلة التي ستمثل لدى أوجست كونت المراحل التي مرت به الإنسانية ومصدر قانون الحالات الثلاث تبين لنا أن الإنسان لم يكن موضع ترحيب في المرحلتين السابقتين , إذ أن الإنسان عجز عن أن يجد له موقع أو مكانة فيما مضى لذا فقد استبعد من أي تحليل للظواهر مفسحا المجال أمام القوى الدينية أو قو ى الطبيعة . وبما انه لم يكن للإنسان أية قيمة فلم تكن أيضا للمجتمع آية قيمة, ولهذا تطورت الوضعية العلمية التي تناولت ظواهر طبيعية بينما لم تتطور ذات الوضعية حينما كانت تتناول ظواهر متعلقة بالإنسان والمجتمع , وسنرى كيف وضع أوجست كونت حدا لهذه الازدواجية في التفكير والتي يسميها الفوضى العقلية التي تسببت في ثلاث ثورات برجوازية وقعت في أعقاب الثورة الفرنسية 1789 حتى سنة 1848 ، ولكن قبل الوصول إلى أوجست كونت علينا العودة الي جذور الوضعية لدى أستاذ كونت وهو المفكر سان سيمون .
عاش سان سيمون في نظام إقطاعي سليلا لأسرة أرستقراطية ، ويحمل لقبا اجتماعيا هو الكونت وكان ضابطا برتبة ملازم أول لما كانت فرنسا تخوض حربا ضد الإنجليز في شمال القارة الأمريكية ، وقد نضج فكره حلال الثورة الفرنسية التي كانت بمثابة ثورة على النظام الاجتماعي والاقتصادي في أوروبا عامة وفرنسا خاصة وثورة على النظام المعرفي التقليدي السائد في فرنسا وثورة على النظام السياسي الملكي .
بداية المقاربة الوضعية :
بدأت المقاربة الوضعية في مرحلة الفكر الموسوعي الذي عرفه في القرن 18 واتخذت عند سان سيمون طابعا تطبيقيا عمليا وليس نظريا مثلما كان سائدا في المرحلة التجريدية أي العلم النظري المجرد ، ففي القرن 18 طور الفكر الموسوعي آليات تحليل جديدة تقوم على الترابط بين المعرفة والواقع الإنساني لذا سيمثل هذا الفكر مرجعية سان سيمون . فمن أين البداية إن لم تكن من المقاربة الوضعية للدين ؟
أ‌. تعريف سان سيمون للدين :
في كتابة الشهير ( المسيحية الجديدة ) يعرف الدين بأنه :
” جملة تطبيقات العلم العام التي يمكن بواسطتها أن يحكم الرجال المستنيرون غيرهم من الجهلة ” .
بهذا المضمون فان الديانة عند سان سيمون هي أداة مدنية للحكم المستنير لغير المستنيرين . وبما أن الدين يلعب دورا في التربية لذا فان التربية هي العنصر الذي يساعد على توطيد المشاعر الديمقراطية وتحقيق القيم الأساسية .
مفهومي ” السياسة ” و ” الديمقراطية = الحرية “
• السياسة هي علم الإنتاج .
• الحرية هي نبذ الميز العرقي والثقافي والسياسي .
فما الذي يحدث عندما يلتقي المفهومان ؟ سنلاحظ تغييرا في مفهوم الأمة. وإذا أعطينا هذين المفهومين مدلولا وضعيا وتصورا موضوعيا ( أي محاكمة المفهومين وتحليلهما علميا وليس دينيا ولا تجريديا ). فالذي سيحدث أن أمة جديدة ستنبثق .هذه الأمة متحررة من الميز الديني والانغلاق مثلما ستكون متحررة من تبعات الإقطاعية . ومثل هذه الأمة الجديدة يسميها سان سيمون بـ ” الأمة العاملة ” .
استنتاج أولى :
من الملاحظ أن تغير القاعدة المعرفية تسبب في تغير النتائج . فلو نظرنا إلى المفهومين في المراحل السابقة على الوضعية فلا يمكن الحديث عن أمة عاملة بالمعنى السان سيموني لان السياسة كانت حكرا على طبقة معينة ولان المجتمع ليس حرا ولا يتمتع بأية عدالة , ومثل هذه السياسة والعبودية كانتا تجدان لهما شرعية ذات طابع ديني أو طبيعي . بيد أن الوضعية بوصفها استعمال للعقل ورفع من مكانة الإنسان قدمت السياسة كأداة حيوية في تنشيط الحياة الاجتماعية والاقتصادية ونقلت الأمة من طور الخمول والكسل إلي طور العقل والإنتاج ووضعت الجميع على قدم المساواة وأصبح الإنسان سيد نفسه حرا من ا ي تمييز عرقي أو ثقافي أو سياسي .
هكذا فالانتقال من المرحلة الإقطاعية اللاهوتية إلى المرحلة الصناعية العلمية هو انتقال من ساحة العلم النظري إلي ساحة العلم التطبيقي العملي . فالوضعية تأبى الاعتراف بفواصل مابين النظري والعملي إذ ثمة ترابط بين المعرفة والواقع ألإنساني .
المواطنة والعدالة الاجتماعية :
يربط سان سيمون بين مفهوم المواطنة الذي جلبه معه من أمريكا حيث كان يقاتل الجيش الإنجليزي في بلد تعج فيه الثورات الأهلية الكبرى والعارمة وبين العدالة الاجتماعية بل انه ينحاز إلى مفهوم المواطنة معلنا في كتابه ( المسيحية الجديدة ) تخليه عن لقبه الكونت :
[ لم يعد ثمة أسياد .نحن جميعا متساوون .وأعلمكم بهذه المناسبة أنني أتخلى عن صفتي الكونت التي اعتبرها وضعية جدا أمام صفتي كمواطن ..]
تبع هذا الإعلان حسما لتردد سان سيمون في تأييده للثورة الفرنسية في البداية ثم نال لقب المواطن الصالح مرتين متتاليتين مما يعني انه بات رمزا للتحرر والمساواة والتجديد . هذه النقلة في حياة سان سيمون – المواطن الصالح – ليست نقلة سياسية فحسب بل نقلة اجتماعية وفي هذا الأساس نقلة فكرية ومعرفية في ذات الوقت . كما أن هذه النقلة أيضا جهد سان سيمون في ترجمتها من خلال عمله الدؤوب من اجل تغير مضمون المسيحية من الداخل وإكسابها مضمونا جديدا علميا يقوم على مبدأ الحرية والمساواة . هكذا يبدو الدين هو العلم العام كما يصرح سان سيمون .
عودة إلى مفهوم الدين :
إذن الدين ليس حالة ثابتة بقدر ما هو حالة تطورية ولما يتساءل عن الدين وماهية الأديان نراه في كتاب ( المسيحية الجديدة ) يقول بتطورية الأديان وعدم بقائها على حالها .
[ الأديان مثلها مثل بقية المؤسسات تتمتع بطفولة وفترة قوة ونشاط وأيضا مرحلة انهيار وحين تكون في مرحله انهيار فأنها تكون ضارة ,أما في مرحلة الطفولة فهي غير كافية ..]
ب‌. قراءة في المقاربة الوضعية للأديان عند سان سيمون :
السؤال : لماذا ينظر الكثير إلى سان سيمون على انه من مؤسسي علم الاجتماع الديني؟
لانه في واقع الأمر ساهم ولو بشكل محدود في تأسيس هذا العلم . ومن حيث الجوهر لان سان سيمون قدم الأديان بوصفها ظواهر اجتماعية وإنسانية من الممكن تحلياها تحليلا علميا كبقية الظواهر الأخرى . بل أن سان سيمون قاربها كما فعل ابن خلدون في نظريته حول تداول الحضارات التي تنشأ ثم تقوى ثم تنهار, وهكذا بدا له الدين . إذن الوضعية تخلصت من كل الثوابت المقدسة .
ت‌. ما هو الدور الذي تلعبه الفلسفة الوضعية ؟
يلاحظ أن الوضعية الجديدة كما مارسها سان سيمون لا تهدف فقط إلى تغيير شروط إنتاج المعرفة بل الى تغيير النظام السياسي والمؤسساتي والاقتصادي . بمعنى أن الوضعية تمثل نقلة جذرية في النظام السياسي والاجتماعي القائم . وما لم تحدث هذه النقلة فمن المستحيل أن نتحدث عن أمة عاملة .
إذن ثمة تغييرات تجعل من المجتمع عنصرا إيجابيا .
والسؤال هو: ما هي مستويات التغيير الجديد بحسب المقاربة الوضعية ؟
أولا : تحقيق العدالة في مضمونها السياسي والاجتماعي واستبعاد الدين من الحياة الاجتماعية
ثمة مبدأ يحكم تحقيق العدالة المنشودة ذو بعد شخصي وعلمي لدى سان سيمون . هذا المبدأ هو وجوب جبر الهوة الفاصلة بين النظري والتطبيقي للوصول إلى علاقة تكاملية بين المستويين ، ودون ذلك سيظل هناك ازدواجية تحافظ على استمرارية الهوة الفاصلة لذا لابد من إنجاز منظومة ابستيمولوجية ومعرفية جديدة تقوم على التكامل بين البعدين النظري والتطبيقي ولعل أوضح مثال هو ما طبقه سان سيمون على نفسه تعلق في دعوته إلى تحقيق العدالة تخليه عن لقب الكونت وإعلائه لشأن المواطنة ( لم يعد بيننا أسياد…).
هذه المقاربة الوضعية الباحثة عن العدالة السياسية والاجتماعية ستسعى عمليا إلى :
• هدم العناصر السياسية والمؤسسية المكونة للنظام السياسي والاجتماعي القديم والتي من بينها التميزات الطبقية والاجتماعية والمسيحية في شكلها التقليدي
• لذا فان سان سيمون سيرسي دعائم تعامل معرفي جديد مع الظاهرة الدينية بمختلف تنظيماتها ومؤسساتها ، تعامل يقوم على اعتبار الظاهرة الدينية ظاهرة اجتماعية إنسانية من خلال إخراجها من دائرتها المقدسة والنظر إليها باعتبارها ظاهرة إنسا نية ، هذا المبدأ المعرفي الجديد تجاه الظاهرة الدينية سنجده حاضرا وقائما في كتابات الكثير من العلماء مثل غاستون لبلوس G.lebles و هنري و دوركايم و مارسيل موس , هذه الأسماء بالإضافة إلى ماكس فيبر سيكونون أهم المتخصصين في علم الاجتماع الديني مستنيرين بأطروحات سان سيمون ومفهومه للدين ومنهج التعامل معه .
ولكن لماذا يجهد سان سيمون لاستبعاد الدين من الحياة الاجتماعية ويشدد على تشجيع التعامل الجماعي بين أفراد المجتمع ؟ ثم لماذا تنقل سان سيمون بين الكنائس مبشرا بالمسيحية الجديدة ؟
مجتمع سان سيمون
إن مجتمع سان سيمون هو مجتمع صناعي علمي , ومثل هذا المجتمع يبحث عن دماء جديدة لضخها في عروقه كما انه يحتاج إلى وحدة معرفية ومعيارية وبالتالي لابد من القضاء على مخلفات النظام القديم بكل منظوماته وتشكيلاته ومعتقداته وتصوراته وبناه وأنماط تفكيره وتحليله إذا ما أردنا تحقيق العدالة والتقدم فكيف العمل ؟ وما العلاقة بين الدين والمجتمع الجديد ؟
يحرص سان سيمون على تجاوز الدين اعتقادا منه انه العقبة التي تشجع الفراغ . ولأنه ثمة تناقض بين الفراغ والعمل الجماعي المنتج لذا ينبغي أن نغير مضمون الدين بان نكسبه مضمونا جديدا يتمثل في نظام بشري جديد. ولان الإنتاج الجماعي أو الخلق الجماعي تحديدا يقوم على الإنتاج البشري ، لذا ينبغي فك التناقضات التي يعاني منها مجتمع ما بعد الثورة – أي المجتمع الصناعي – إذ يلاحظ سان سيمون أن المجتمع ما زال في حالة صراع قائم على:
• معرفة لاهوتية ومعرفة علمية .
• سلطة إقطاعية وسلطة صناعية .
إذن ثمة تحالف بين المعرفة اللاهوتية والسلطة الإقطاعية ضد المعرفة العلمية والسلطة الصناعية ولفك هذا التناقض أو التحالف ينبغي استبعاد الدين للسماح بمرور العمل الجماعي المنتج وقتل الفراغ .
ثانيا: تشجيع العمل والإنتاج
إن التغيير الجديد التي تريد إرساءه المقاربة الوضعية يقوم أساسا على العمل والإنتاج كيف ذلك؟
بانتشار الأفكار الوضعية بفعل انتشار الصناعة .
إذ يعتقد سان سيمون أن انتشار الأفكار الوضعية ستساعد وستشجع على انتشار الصناعة التي هي الشرط الأساسي والوحيد لقيام مجتمع وضعي ومعرفة وضعية ، فالصناعة بطبيعتها تخلق مجتمعا وضعيا وتصورات وضعية في نفس الوقت استنادا إلى مبدأ يعتبر أنا لمعرفة العملية تعني المعرفة العلمية . إذن الصناعة هي مبدأ مركزي في كل النظريات المعرفية ،هذا المبدأ نجده لدى الفكر الاشتراكي الطوباوي الذي يشمل ويعبر عنه سان سيمون و قودوين و بودون .إذ أن الفكر الاشتراكي الذي يعد سان سيمون عميده بني على مركزية مبدأ الصناعة . بمعنى أن الصناعة تشجع بطبيعتها على خلق القيم الوضعية المستقلة عن الفكر الديني والكنسي في نفس الوقت . كما نجد مركزية مبدأ الصناعة عند دوركايم من خلال كتابيه ” تقسيم العمل الاجتماعي “و” الانتحار ” وكذا مع ماكس فيبر في كتابه ” الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية “.
قيمة الصناعة ومكانتها :
إذن الصناعة في الفكر السياسي والاجتماعي الغربي عامة والفرنسي خاصة هي شرط كل التحولات النوعية والفكرية والاجتماعية .
مثال 1 :
العقلانية كما عبر عنها ماكس فيبر هي قيمة بيروقراطية وصناعية قبل كل شيء فالمجتمع الذي لا يملك بيروقراطية و أبنية صناعية لا يمكن ولا يحق له أن يدعي العقلانية.
مثال 2 :
يقيم سان سيمون مقاربة بين الإنتاج والكسل وأمة كسولة وأمة عاملة ويتساءل في إطار المقاربة الوضعية : هل يمكن أن يحصل تعايش بين الأمتين ؟ لذا يطالب سان سيمون بالحزم مع الأمة الغير منتجة بضرورة إزاحتها ولتحل محلها الأمة المنتجة ولكن ما هي أداة التغيير ؟
وفي المجتمع الإقطاعي يعود سان سيمون ليؤكد على استعمال أدوات المعرفة الوضعية والعمل على القضاء على الهوة الفاصلة بين البعد النظري والبعد التطبيقي للوصول الى وحدة المعرفة , هذا هو جوهر المقاربة الوضعية . لذا نجد سان سيمون يصر على استبدال المضمون القديم للمسيحية بمضمون جديد يعمل على تطويرها من الداخل ، هذا المضمون الجديد يتمثل في كتابه ” النظام الصناعي ” من خلال :
• التأكيد على سعيه إلى تكوين مجتمع حر .
• التأكيد على نشر المبادئ والقيم التي ستكون أرضية النظام الجديد .
• التأكيد على إن النظام الاجتماعي يستند على ثلاث فئات :
أ‌. الفنانون لأنهم يفهمون قيم التغير ويشكلون أداة تشجيع للمجتمع حتى يغير أوضاعه القائمة .
ب‌. العلماء الذين يقترحون تصورات وبدائل ووسائل عامة يمكن استعمالها لتحسين حال الأغلبية.
ت‌. الصناعيون الذين يشجعون المجتمع على القبول بالمؤسسات الجديدة .
أما منطق الترتيب أعلاه فهو التقاء الإلهام مع التفكير ومع الإبداع والمهم في هذا التصنيف أن الصناعيين يتربعون على قمة المجتمع الصناعي وفي أعلى مراتب النظام الاجتماعي الجديد . ولنقرأ أهميه المقولة التالية لـ سان سيمون :
[ لو حدثت في ليلة صماء فاجعة مفاجئة ذهبت بأكثر الشخصيات الكبرى من الأسرة المالكة والوزراء وكبار القضاة…وسواهم ممن هم في هذه الطبقة , فان الشعب الفرنسي سيبكيهم حتما لأنه شعب حساس , ولكن هذه الفاجعة لا تبدل شيئا مهما أو تغير تغييرا ذا اثر في أعماق الشعب , أما لو ذهبت هذه الفاجعة برؤوس العلماء والصناعيين وأرباب المصارف والبنوك … فان خسارة المجتمع فيهم كبيرة جدا لان مثل هؤلاء لا يمكن تعويضهم بسهولة !!] ( راجع : تاريخ السوسيولوجيا / غاستون بول ) .
استنتاجات
أ.) في مجتمع العدالة والمساواة ، هو المجتمع الحر الذي يقوم على حركة جمعانية أي مجموعة من المواقف لم يعد الفرد فيه خاضعا
• هذا المجتمع أُخرج الفرد من مرحلة الفكرة ليصبح مواطنا . وهذه نقلة سياسية واجتماعية .
• أشرك الفرد مع الآخرين ( المجتمع ) في عمل جماعي واحد وإبداع واحد وخلق واحد .
هذا يعني أن الوضعية بالمضمون السان سيموني تعبر عن مردودية الفرد وليس فقط تغيرا في الأوضاع الاجتماعية والسياسية . كما يعني أن سان سيمون يراهن على دور المجموعة على التغير ، هذه المجموعة التي تبنى على ثلاث مستويات وهي :
• الإنتاج
• التقنية
• الصناعة
ب.) العناصر الأساسية التي اعتمدتها المقاربة الوضعية مع سان سيمون هي :
1. تحييد الدين والفكر اللاهوتي عن كل مشاركة في الحياة العملية .
2. وضع أسس مشروع علمي وفكري ومعرفي يقوم على مبدأين أساسين هما:
ـ مبدأ العلمية ؛ فلا تعامل بعد الآن مع الظواهر والأشياء إلا من منظور علمي .
ـ مبدأ العلمنة وفيه تحييد وإقصاء صريح للدين .
هذه هي آليات التحليل العلمية التي ضمنها سان سيمون للمقاربة الوضعية وهي الآليات التي سنجدها مستعملة في النص الكونتي بطريقة أو بأخرى . هذه أيضا هي الأرضية المعرفية والعلمية التي سينطلق منها أوجست كونت ليجعل من المقاربة الوضعية أكثر قربا من الواقع والتحليل . ومبدئيا فالمقاربة الوضعية ستجمع بين مستويين رئيسيين :
1. المستوى النظري : عبر قراءة العلوم وتنظيمها وتثبيتها وهو ما قام به سان سيمون
2. المستوى التطبيقي : وهو تطبيق عناصر المقاربة الوضعية في تحليل واقع المجتمع
ومن هذه الأرضية المعرفية سينطلق أوجست كونت في ترتيب بيت العلوم.