التصنيفات
تاريـخ,

هجمات 20 أوت 1955

هجمات 20 أوت 1955 تعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
التحضير للهجومات تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
عندما حل صيف عام 1955، كانت الثورة الجزائرية قد خطت بثبات المرحلة الأولى في مسيرتها ضد الاحتلال الفرنسي. فعلى الصعيد الداخلي عملت جبهة التحرير الوطني على توعية الجماهير وتنظيمها ضمن هيئات مختلفة مثل تأسيس فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا في ديسمبر 1954، وإنشاء الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في جويلية 1955.
وبعد مضي عشرة أشهر على اندلاعها، فقد بدا واضحا تزايد اتساع رقعة المشاركة الجماهيرية على الرغم من استشهاد العديد من مفجري الثورة كالشهيد ديدوش مراد، قائد المنطقة الثانية، أو اعتقال بعضهم من أمثال مصطفى بن بولعيد ورابح بيطاط وغيرهم.
أما على الصعيد الخارجي، فإن القضية الجزائرية سجلت حضورها رسميا ولأول مرة في المحافل الدولية في مؤتمر باندونغ في أبريل 1955. وكان ذلك أول انتصار لديبلوماسية الثورة الجزائرية الفتية ضد فرنسا العظمى.
وفي ظل هذه الأوضاع، خططت قيادة الثورة لشن هجومات واسعة في الشمال القسنطيني، دام التحضير لها حوالي ثلاثة أشهر في سرية تامة . وقد وجّه زيغود يوسف، القائد الذي خلف ديدوش مراد على رأس المنطقة الثانية، نداء إلى كلّ الجزائريين، أعضاء المجالس الفرنسية، يدعوهم فيه للانسحاب منها والالتحاق بمسيرة الثورة.
و كانت هجومات 20 أوت في الشمال القسنطيني تهدف إلى :
إعطاء الثورة دفعا قويا من خلال نقلها إلى قلب المناطق المستعمرة في الشمال القسنطيني.
اختراق الحصار الحربي المضروب على المنطقة الأولى – الأوراس – باستهداف أهم القواعد العسكرية بالمنطقة.تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
رفع معنويات جنود جيش التحرير بتحطيم أسطورة الجيش الفرنسي الذي لا يقهر.
تحطيم ادعاءات السلطات الاستعمارية بأن ما كان يحدث هو مجرد أعمال تخريبية يرتكبها متمردون خارجون عن القانون وقطاع طرق.
تجسيد التضامن مع الشعب المغربي الشقيق حيث تزامنت الهجومات مع ذكرى نفي السلطان محمد الخامس (20 أوت ).
بداية الهجوماتتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
بدأت الهجومات في منتصف نهار 20 أوت 1955( الموافق لأول محرم 1375 هجرية) بقيادة البطل زيغود يوسف، وشملت أكثر من 26 مدينة وقرية بالشمال القسنطيني. استهدفت العمليات المسلحة كافة المنشآت و المراكز الحيوية الاستعمارية، و مراكز الشرطة والدرك في المدن؛ ومزارع المعمرين في القرى و الأرياف. وقد تمكن المجاهدون من احتلال عدة مدن وقرى في هذا اليوم المشهود مما سمح للجماهير الشعبية بالتعبير عن رفضها للاستعمار ومساندتها لجبهة وجيش التحرير الوطني .
نتائج هجومات 20 أوت 1955
1- انقسام الأحزاب و الأفراد للثورة فرحات عباس. 2- ظهور الثورة في المدن. 3- توسيع رقعة الثورة و انظمام الشعب لها. 4- إدراج الملف الجزائري في الأمم المتحدة 30/08/1955.
القمع الفرنسي علي اثر هجومات 20 أوت 1955تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
وقد ردّت السلطات الفرنسية بوحشية لا نظير لها على الهجومات الجريئة لجيش التحرير الوطني ، إذ شنت حملة توقيف وقمع واسعة استهدفت الآلاف من المدنيين الجزائريين وأحرقت المشاتي وقصفت القرى جوا وبرا. وقامت الإدارة الفرنسية بتسليح الأوربيين، فشكلوا ميليشيات فاشية وعمدوا على الانتقام من المدنيين الجزائريين العزل . وارتكبت قوات الاحتلال مجزرة كبيرة في ملعب فيليب فيل PHILLIPEVILLE سكيكدة ) أين حشرت الآلاف من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ ، وأعدمت العديد منهم . وقد ذهب ضحية الحملة الانتقامية للسلطات الاستعمارية، العسكرية والمدنية والمليشيات الفاشية ، ما يقارب الـ12000 جزائري

التصنيفات
تاريـخ,

تاريخ العرب و حضارتهم فى الاندلس / السامرائى، خليل ابراهيم.-طه، عبدالواحد ذنون،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تاريخ العرب و حضارتهم فى الاندلس السامرائى، خليل ابراهيم.-طه، عبدالواحد ذنون،

الحجم : 15.36 MB

http://www.mediafire.com/?5kr1hw33vywl7yp


التصنيفات
تاريـخ,

بين التاريخ والتأريخ

بين التاريخ والتأريخ

كتب: د.احمد محمد كنعان

02/11/1431 الموافق

09/10/2010

· إن الحقائق الخفية تفوق الحقائق المتعارف عليها .
· الفنان التشكيلي بول كلي
· لا توجد حقائق تاريخية دون تأويلات .
· كلنا نحب أن نرى الجانب المضيء من تاريخنا ولو كان ذلك على حساب الحقيقة !
· ليس هناك تاريخ بالمعنى الدقيقللكلمة ، هناك فقط سير شخصية .
الأديب الفيلسوف رالف إمرسن
التاريخ .. هو الماضي ، هو كل ما حصل قبل اللحظة التي كتبت فيها هذه الكلمات ، بل قبل اللحظة التي تقرأ فيها عزيزي القارئ هذه الكلمات ، فحتى كتابي هذا أصبح الآن جزءاً من الماضي ، جزءاً من التاريخ .. فما الذي يعنيه هذا ؟ إنه يعني أن الفاصل ما بين الحاضر وتاريخه ما هو إلا فاصل وهمي ، فما يكاد الحدث يظهر إلى الوجود حتى تطويه سجلات التاريخ بين سطورها إلى غير رجعة .
ومادام الحاضر هو حياتنا الفعلية ، ومادام يتسرب من بين أيدينا بهذه السهولة ليغدو جزءاً من الماضي .. من التاريخ .. فلا غرابة أن يهتم الإنسان بتاريخه ، ويحرص على تدوينه ليرجع إليه بين الحين والآخر ، ربما ليستعيد لحظات حياته الهاربة ويوهم نفسه بتوقف الزمن والاستمرارية والخلود !
ومما لاشك فيه أن للتاريخ وقعاً خاصاً في مشاعرنا ، فإن كلاً منا يحس بالحنين إلى الماضي ، ونتمنى من أعماقنا لو عادت بنا الحياة إلى أفياء الأيام الخوالي ، ومع تسليمنا بأن هذا الإحساس إحساس إنساني مبرر ومفهوم ، لأنه يُشبع فينا رغبة دفينة إلى الخلود ، فإننا لا يصح أن نكون ماضويين بتفكيرنا وتصرفاتنا لأن الحاضر هو الحقل الذي نستطيع التأثير فيه ، أما الماضي فإن بيننا وبينه برزخاً وحجراً محجوراً يحول بيننا وبين التأثير فيه .
وهذه الحقيقة لا تعني انفصالنا التام عن الماضي وعدم الاستفادة منه ، فليس ثمة ماضٍ خالٍ من الإضافة إلى الحاضر ، لكن المهم أن نلتقط من الماضي ما يخدم الحاضر ويعيننا على بناء مستقبل أفضل ، أما ما يمثله الماضي من إشكاليات وملابسات فنحن في غنى عنها .

الفارق بين التاريخ والتأريخ :

والحديث عن التاريخ يعيدنا إلى البدايات ، ولكن قبل هذه العودة ، وقبل أن نخوض في مسارب التاريخ ودهاليزه ومتاهاته الملتبسة ، يجدر بنا أن نميز بين مصطلحين كثيراً ما يختلط أحدهما بالآخر ، أولهما مصطلح التاريخ ( History) الذي يعني مجموعة الأحداث التي وقعت فعلاً منذ بدء الخليقة وحتى اللحظة الراهنة ، وثانيهما التأريخ ( Historiography) ويعني العملية التي يمارسها المؤرخ لتدوين تلك الأحداث ويستعين فيها بالأخبار والآثار والروايات والسجلات والمذكرات والوثائق ليستخرج منها المادة التاريخية التي يعمل على تدوينها .
التاريخ إذاً هو وقائع موضوعية وقعت فعلاً في الماضي ، أما التأريخ فهو عمل بشري يمارسه المؤرخ في الحاضر ، فيسجل تلك الوقائع تسجيلاً قد يطابق تلك الوقائع ، وقد لا يطابقها ، كما نبين بعد قليل .
ولم يردمصطلح ( التاريخ ) في القرآن الكريم ، وإنما وردت مصطلحات مقابلة له للتعبير عن أحداث الماضي ، منها ( أساطير الأولين ، قصص الأولين ، أنباء الرسل ، أنباء القرى ، القرون الأولى ، الصحف الأولى … إلخ ) ، وهي كما نرى معان تشابه معنى ( التاريخ ) في اللغات الأخرى التي تعبر عن التاريخ بألفاظ تعني القصة أو الحكاية .
ويطلق المؤرخون مصطلح ما قبل التاريخ ( Prehistoric ) على الأزمنة الغابرة التي سبقت وجود أية مدونات أو رسوم أو كتابات تؤرخ لحياة الإنسان ، ويطلقون مصطلح ما قبل الميلاد الذي يختصرونه بالحرفين ( ق.م ) وبالإنكليزية ( BC ) اختصاراً من جملة ( Before christ) للدلالة على الفترات من حياة الإنسان منذ بدأ يترك آثاراً تدل على تاريخه القديم وإلى قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام ، وارتباط هذا المصطلح بالسيد المسيح يدل على أن المؤرخين المسيحيين هم الذين وضعوا هذا المصطلح الذي شاع فيما بعد عند مختلف المؤرخين في العالم ، وهو مصطلح ينفع في التأريخ للوقائع القريبة نسبياً التي وقعت في القرون القليلة التي سبقت ميلاد السيد المسيح ، لا للعصور الغابرة التي يستخدم للدلالة عليها مصطلح ما قبل التاريخ كما أشرنا آنفاً .
وقد بدأ البشر قبل الميلاد بزمن طويل يمارسون عملية التأريخ ، وكانوا يمارسونها بصورة شفوية في البداية ، فكانوا يتناقلون أخبار آبائهم وأجدادهم وأقوامهم جيلاً بعد جيل ، إلى أن عرفوا الكتابة والقراءة ،فبدؤوا يدونون تاريخهم بصورة بدائية غير منظمة ، وقد وجدت بالفعل سجلات تاريخية مكتوبة تعود إلى ما قبل الميلاد في كل من مصر القديمة وبابل والصين ، إلا أن تلك السجلات كانت تفتقر إلى التنظيم والدقة والترابط والترتيب ، وقد بقي حال التأريخ هكذا حتى جاء المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت ( 484 ـ 425ق.م )(1) الذي يعده المؤرخون ( أبا التأريخ ) لأنه أول من دوَّن الحوادث التاريخية تدويناً منظماً ، ورجع في تأريخه إلى أقدم العصور التي وصلته أخبارها ، ودوَّنها في كتابه ( تاريخ هيرودوت ) الذي لم يتوقف فيه عند سرد الأحداث السياسية فحسب ، بل دوَّن فيه أيضاً تاريخ الأساطير والعادات والتقاليد ، ما أضفى على كتابه مسحة موسوعية تدعو للإعجاب حقاً .
أما العرب فقد اهتموا بالتأريخ اهتماماً بالغاً منذ العصر الجاهلي قبل الإسلام ، فقد اشتهروا بحفظ الأنساب ، وأخبار الأمم المعاصرة والغابرة ، وكانت لهم روايات كثيرة سارت بها الركبان ، إلا أنها لم تكن روايات موثقة ، ولم تخل من مسحة أسطورية اختلط فيها الخيال بالواقع ، حتى إذا جاء الإسلام وجدوا لزاماً عليهم تحري الدقة الشديدة في الروايات لما لها من مكانة في التشريع الإسلامي ، وبخاصة عند تدوينهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يعد المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم ، وقد بلغت عنايتهم بالروايات حداً جعلهم يؤسسون علماً جديداً لم يعرفه المؤرخون من قبل ، أطلقوا عليه وصف ( الجَرْح والتَّعْديل ) ، وهو العلم الذي ميزوا به بين الرواة الثقاة ، والرواة الضعفاء ، والرواة الوضَّاعين الذين وضعوا الكثير من الروايات الكاذبة التي لا أساس لها في الواقع ، وقيَّموا به أيضاً متن الروايات من حيث القوة والضعف .. وبهذا سبق المؤرخون المسلمون غيرهم من الأمم بتمحيص الروايات وتدقيقها ونقدها والحرص الشديد على صحتها ، وكان حياد المؤرخين المسلمين وموضوعيتهم العلمية سمتان تستحقان التقدير والإعجاب ، وقد بلغ من عناية المؤرخين المسلمين أنهم كانوا يؤرخون الوقائع بالسنة والشهر واليوم ، وهو عمل لم يسبقهم إليه أحد من المؤرخين ، حتى إن المؤرخ الشهير ( باكل ) صرَّح بأن هذا العمل الدقيق الذي أسسه المسلمون لم يحدث مثله في أوروبا إلا في عام 1597 ، أي بعد أن درج عليه المؤرخون المسلمون بقرون طويلة (2) .
وبالمقابل ، في أوروبا إبان العصور الوسطى ، نجد أن الروح الناقدة لدى المؤرخين قد كبتت كبتاً شديداً تحت سطوة أرباب الكنيسة ، لأن التعليم وقتئذ اقتصر على رجال الدين ، وحصرت عملية التأريخ بهؤلاء الرجال الذين بطبيعة تعليمهم الكنسي انحازوا إلى تعاليم الكنيسة وإلى الملوك والأشخاص الذين ناصرتهم الكنيسة ، وهذا ما نلاحظه مثلاً عند ( القديس أوغسطين )(3) ولاسيما في كتابه ( مدينة الله ) الذي نشره في عام 420م .
وبسبب هذه النزعة غير المحايدة التي وسمت كتابات مؤرخي العصور الوسطى عامة فقد ثار مؤرخو ( عصر النهضة الأوروبية )(4) على المؤلفات التاريخية التي دوِّنت في تلك الحقبة ، ووجدوا أن لا مندوحة من إعادة كتابتها لتصحيح ما انطوت عليه من مغالطات تاريخية فادحة ، وقد شرعوا بهذه المراجعة في مطلع القرن السابع عشر ، فجمعوا المصادر التاريخية القديمة ، وراحوا يفحصونها ويمحِّصون ما جاء فيها من أخبار ، مفتتحين بهذا العمل عصر التأريخ الحديث (5) .
وهكذا ، مع دخول العصور الحديثة ، أخذ علم التأريخ يقترب أكثر فأكثر من الصبغة الموضوعية ، وفي أواخر القرن الثامن عشر ظهر علمان جديدان ساندا علم التأريخ مساندة قوية ، هما علم الأحافير ( PALEONTOLOGY ) (6) ، وعلم أصول اللغات ( LINGUISTICS ) اللذان ساهما مساهمة كبيرة في نقد الروايات التاريخية ، ودراسة التاريخ دراسة أكثر موضوعية .
ومع مطلع القرن العشرين ظهرت مدارس تاريخية جديدة ، وتخصصات تاريخية عديدة ، تساندها علوم أخرى عديدة ، وبخاصة منها العلوم الإنسانية ، مثل علم البشريات (ANTHTOPOLOGY) (7) وعلم النفس (PSYCHOLOGY) وعلم الاجتماع (SOCIOLOGY) وبهذا غدت عملية التأريخ عملية معقدة تحتاج إلى فريق عمل يضم إلى جانب المؤرخين علماء آخرين متخصصين في بقية العلوم ذات الصلة .
إعادة كتابة التاريخ :
ومما يسترعي الانتباه في تاريخ المؤرخين أن أكثرهم لم يتوقف عند التأريخ لعصورهم فحسب بل اهتموا اهتماماً ملفتاً للنظر بالتأريخ لهذا الوجود من مبتداه وحتى منتهاه ، وتزخر رفوف المكتبات القديمة منها والحديثة بأعداد لا تحصى من الكتب التي انتهجت هذا المبدأ ، ولعل من أشهر هذه الكتب في التراث العالمي القديم ما تركه لنا المؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي أشرنا إليه آنفاً .
أما في تراثنا العربي فإن المدونات التاريخية لم تظهر إلا مع النهضة التي أحدثها الإسلام في حياة العرب ، لأن العرب قبل الإسلام كانوا يتداولون الأخبار شفاهة ، وتعود بواكير المدونات التاريخية الإسلامية إلى أواسط القرن الأول الهجري ، ولعل أولها كتاب ( الملوك وأخبار الماضي ) لعبيد بن شريه ( ت 70هـ) ، ثم جاء من بعده لفيف من المؤرخين الذين تركوا العديد من المدونات التاريخية القيمة ، ويعد كتاب ( البداية والنهاية ) للعلامة المؤرِّخ ( ابن كثير ) (8) أول وأشمل ما كتبه العرب حول تاريخ الوجود من مبتداه وحتى عصر الكاتب نفسه ، وقد قسم ابن كثير كتابه إلى ثلاثة أقسام ، فتناول في القسم الأول بدء الخليقة من لدن أبي البشرية آدم عليه السلام ولمعاً من تاريخ الأمم الغابرة إلى عصر الجاهلية عند العرب ، ثم نشأة النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والبعثة النبوية حتى الهجرة إلى المدينة المنورة ، وفي هذا القسم اعتمد ابن كثير في الحصول على معلوماته على ما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية ، وما دَوَّنه كبار المؤرخين الذين سبقوه ، منهم ( محمد بن عمر الواقدي )(9) الذي يعد أول المؤرخين في العصر الإسلامي ، والإمام المؤرخ المفسر ( محمد بن جرير الطبري )(10) ، والصحابي الجليل ( عبد الله بن عمر )(11) ، وغيرهم من أصحاب التأريخ والسِّيَر ، وفي القسم الثاني أرَّخ ابن كثير لعصر الخلفاء الراشدين ، فالدولة الأموية ، فالدولة العباسية وما تفرع عنها من ممالك ودويلات أيام انحطاطها وتدهورها ثم قضاء المغول عليها ، وهكذا حتى وفاة ابن كثير نفسه رحمه الله تعالى ( 774هـ / 1372م ) ، أما القسم الثالث فقد أفرده للحديث عن الآخرة ومظاهر قرب الساعة وعلاماتها ، فكأنه بهذه الإضافة إلى تاريخه أراد استكمال قراءة تاريخ الوجود حتى النهاية (!؟)
ويبدو لي أن اشتغال بعض المؤرخين في كل عصر بتدوين تاريخ الوجود ، من أوله وحتى نهايته المنتظرة ، يدلُّ دلالة واضحة على الحاجة المتجددة في كل عصر لإعادة قراءة تاريخ العالم مرة بعد مرة ، إما لتصحيح المعلومات التي لم يدوِّنها السابقون بالدقة العلمية الكافية ، وإما لإضافة ما استجد من حوادث ، وإما لأغراض أخرى علمية أو سياسية ، مبررة أو غير مبررة (!؟)
ولا غرو بأن هذه الحاجة المتجددة لإعادة كتابة التاريخ ، وهذا التعديل المتواصل في سجلات المؤرخين ، يدل دلالة واضحة على ما يعتري العمل البشري عادةً من قصور وعلل ، ويدل كذلك على أن العلم البشري مهما حقق من قفزات علمية واسعة فإنه يبقى علماً قاصراً عن تحقيق الكمال ، مصداقاً لقوله تعالى : (( وَمَا أُوتيتُم منَ العِلْمِ إلا قَليلاً )) سورة الإسراء 85 ، وربما كانت عملية التأريخ من أكثر الأنشطة البشرية عرضة لمثل هذا القصور وتلك العلل .

التأريخ في العصر الحديث :

تعود بداية التأريخ في العصر الحديث إلى منتصف القرن السابع عشر ، حين بدأ تدوين وجمع مجموعات ضخمة من مصادر التاريخ ، وبدأ المؤرخون يكشفون عن المصادر القديمة ، ويفحصونها ويدققون فيها ، ومن هؤلاء الفيلسوف الإيطالي جيوفاني باتيستا فيكو ( 1668 ـ 1744 ) صاحب النظرة الكلية للتاريخ ، الذي حاول تطبيق المنهج العلمي على دراسة التاريخ ، وذهب إلى أن تطور الحضارة البشرية مرَّ بثلاث مراحل ، هي : المرحلة الدينية أو الثيوقراطية ، والمرحلة الأرستقراطية ، والمرحلة الديمقراطية ، وأن كل مرحلة كانت تحمل في طياتها عناصر انحلالها ، وقد كان لهذا الفيلسوف تأثير عميق في معظم المؤرخين الذين أتوا من بعده .
ثم جاء الفيلسوف ( مونتسكيو )(12) الذي نشر كتاب " الملكية العالمية " في عام 1734 وقسم فيه الشعوب إلى شماليةوجنوبية ، وادعى أن الفرق في المناخ هو السبب الأساسي للاختلاف بين شعوب الشمال وشعوب الجنوب ، وقد حازت نظرياته على كثير من المؤيدين في أوروبا ثم في بقية أنحاء العالم ، وجاء في نفس الفترة تقريباً الفيلسوف الفرنسي ( فولتير )(13) الذي عني عناية خاصة بالدقة في كتبه التاريخية .
أما المؤرخ الألماني ليوبولد فون رانكا ( 1795 ـ 1886 ) فقد أسس المدرسة التاريخية الحديثة ، وحاول إعادة عرض وتركيب الأحداث التاريخية كما حدثت فعلاً متجنباً وضع النتائج قبل دراسة الأحداث دراسة علمية نزيهة ، وقد تناولت كتاباته تاريخ جميع الأمم الأوروبية ، وبلغت 54 كتاباً ضخماً كل منها يقع في عدة مجلدات ، وآخرها ( تاريخ العالم ) الذي يقع في 9 مجلدات ، وقد أسس رانكا وخلفاؤه مبادئ جديدة في نقد المناهج التاريخية ، منهم الفيلسوف الألماني ( هيجل )(15) صاحب التفسير المثالي للتاريخ ، والمؤرخ الألماني تيودور ممسن (1817 ـ 1903) ، والفيلسوف الألماني ( اشبنجلر )(16) ، الذين أسسوا ما أطلق عليه ( المدرسة الألمانية ) التي جعلت كتابة التاريخ مهنة يتفرغ لها الأساتذة المؤرخون .
وفي أواخر القرن الثامن عشر بدأ علماء الحفريات وأصول اللغات يساهمون إسهامات كبيرة بتطوير الكتابات التاريخية التي بلغت أوج ازدهارها في القرن التاسع عشر ، ولاسيما مع مدونات المؤرخ الألماني كارل لامبرخت ( 1856 ـ 1915 ) الذي ذهب إلى ضرورة كتابة التاريخ وفق منهج جديد يقوم على الاتجاهات الاجتماعية والثقافية والنفسية ، من أهم مؤلفاته مجموعة من المقالات نشرت عام 1905 بعنوان ( ما هو التاريخ ؟ )
وفي أوائل القرن العشرين برز اسم المؤرخ البريطاني ( أرنولد جوزيف توينبي )(17) الذي عرض في كتابه ( دراسة في التاريخ ) وجهة نظره في نمو الحضارات وتطورها وانحلالها ، وتناول مشكلات التاريخ على أسس من تاريخ الطوائف الثقافية والخلقية أكثر من بحثه في التاريخ المجرد ، وقد حاول تفسير التاريخ على أساس ما سماه ( التحدي والاستجابة ) وأنكر جريان التاريخ على فلسفة قدرية ، وذهب إلى أن التاريخ تضبطه وتسيره قوى نفسية أكثر منها قوى مادية .. وأن ظاهرة الحضارة العليا وجدت منذ بداية التاريخ وحتى الآن ، وأنه في جميع الأحوال ساد نفس قانون توالي الحضارات ، وأصبح ينظر إلى التاريخ العالمي على أنه مؤلف من وحدات أو حضارات أو دوائر حضارية .
ومازال المؤرخون في كل جيل وفي كل عصر يضيفون ويحذفون ويعدِّلون ، مؤكدين بهذه الممارسات أن عملية التأريخ لن تصل في يوم من الأيام إلى الكمال ، وأنها عملية محفوفة بالكثير من العلل التي ستكون مدار حديثنا التالي .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهوامش :

*باحث سوري .
1- هيرودوت ( 484 ـ 425ق.م ) : مؤرخ إغريقي ، ولد في بلدة هليكرناسوس ، وحين بلغ العشرين من عمره نفي إلى جزيرة ساموس لتورطه بانقلاب فاشل ضد الأسرة الحاكمة ، ويبدو أنه لم يعد إلى بلدته بعد ذلك رغم اعتداده الشديد بانتسابه لها ، وبعد نفيه بدأ رحلاته التي وصفها في تاريخه ، وفي عام 444 ق.م انتقل إلى مستعمرة يونانية جنوب إيطاليا وبدأ بكتابة تاريخه في تسع مجلدات ، وهو مؤلفه الوحيد الذي وصلنا كاملاً .
2 – انظر : الموسوعة العربية الميسرة ، ص 480 وما بعدها .
3- القديس أوغسطين ( 354 – 430م ) : ولد في شمال أفريقيا ، وتلقى تعليمه في روما ، وتعمّد في ميلانو ، وهو من الشخصيات المؤثرة في تاريخ المسيحية الغربية ، تعتبره الكنيستان الكاثوليكيةوالأنجليكانية قديساً وواحداً من أبرز باباوات الكنيسة ، ويعتبره بعض البروتستانت وخاصة الكالفنيون أحد المنابع اللاهوتية لتعاليم الإصلاح البروتستانتي ، وتعتبره بعض الكنائس الأرثوذكسية مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قديساً ، بينما يعتبره بعضهم هرطقياً بسبب آرائه حول مسألة الفيض ( Emanation ) في خلق العالم ، مؤلفاته بما فيها ( الاعترافات ) التي تعد أول سيرة ذاتية في الغرب مازالت مقروءة في كثير من بلدان العالم .
4- عصر النهضة الأوروبية : هو الفترة ما بين القرن 14 إلى القرن 16 ميلادي ، وهي فترة انتقال أوروبا من العصور الوسطى ( Middle Ages ) إلى العصور الحديثة (Modern Ages ) ويؤرخ له بسقوط القسطنطينية في يد المسلمين وإعلانها عاصمة للخلافة الإسلامية ، ما أدى لهجرة العلماء إلى إيطاليا وهم يحملون تراث الحضارتين الرومانية واليونانية ، ولهذا بدأت بوادر النهضة في إيطاليا ومنها انتشرت إلى بقية أنحاء أوروبا ، وكان من عوامل النهضة تدعيمها بالمال الوفير من الأسر الأوروبية الثرية مثل أسرة ميديتشي في فلورنسا ، والبابوات في روما ، وكان لعصر النهضة تأثير واسع بانتعاش الفنون المختلفة ، وانتشار الأفكار الفلسفية الرائدة ، وظهور المستكشفين الرواد الذين اكتشفوا بلداناً جديدة مثل أمريكا وغيرها .
5 – الموسوعة العربية الميسرة ، مصدر سابق .
6- علم الأحافير ( Paleontology ) : هو العلم الذي يهتم بدراسة بقايا الأحياء القديمة من نبات وحيوان وبشر ، والأحافير يمكن أن تكون عظاماً أو انطباعات على الصخور للنباتات أو الحشرات أو الأصداف أو آثار الأقدام ، ويفيدنا علم الأحافير في تقصي سيرة الحياة منذ سالف الأزمان ، وينقسم إلى علم الأحافير النباتية (Palaeobotany ) وعلم الأحافير الحيوانية ( Palaeozoology )
7 – علم البشريات : علم يبحث في صفات الإنسان التي تميزه عن مختلف أفراد المملكة الحيوانية ، كما يبحث في أعراق الإنسان المختلفة وحضاراته وإنجازاته وتاريخه .
8 – عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ( ت 774هـ ) : دمشقي ، مفسر ومؤرخ وراوية للحديث ، مؤلف موسوعي ولاسيما في كتابه ( البداية والنهاية ) ، ومن مصنفاته الشهيرة أيضاً ( تفسير القرآن الكريم )
9 – محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي ( ت 207 هـ ) ولد في المدينة المنورة وتوفي ببغداد ، من أوائل المؤرخين في الإسلام ومن أشهرهم ، كان من حفاظ الحديث ، من تصانيفه ( المغازي النبوية ) و ( فتح أفريقيا ) و ( فتح العجم ) و ( فتح مصر ) و ( تفسير القرآن الكريم )
10 – محمد بن جرير الطبري ( ت 310هـ ) ولد في طبرستان وعاش في بغداد وتوفي فيها ، من مصنفاته ( أخبار الرسل والملوك ) الذي يعرف باسم تاريخ الطبري ، و ( جامع البيان في تفسير القرآن ) .
11 – عبد الله بن عمر بن الخطاب ( 10 ـ 73 هـ ) نشأ في الإسلام ، وصاحَب رسول الله ، وشهد معه معظم الغزوات ، وظل يفتي الناس سنين طويلة حتى وفاته ، وكان من المكثرين لرواية الحديث النبوي .
12- شارل مونتسكيو ( 1689 – 1755 ) فيلسوففرنسي ، تعلّم الحقوق ، وأصبح عضو برلمان عام 1714 ونشر العديد من الكتب التي تميزت بالعمق ، ونالت أفكاره الكثير من التقدير والانتشار في مختلف أنحاء العالم .
13- فرانسوا فولتير ( 1694 ـ 1778 ) : فيلسوف وأديب فرنسي ، نال شهرة واسعة بعد أن نشر مسرحيته ( أوديب ) ، لكنه أدين وسجن في الباستيل لأنه أهان أحد النبلاء ، وعندما أطلق سراحه ارتحل إلى إنكلترا حيث قضى عامين أعجب خلالهما بحرية الفكر هناك ، وكرَّس حياته للدفاع عن ضحايا الاستبداد الديني والسياسي ، وأصبح ذا نزعة دينية ، لكنها غير مرتبطة بأية ديانة ، لاعتقاده بأن المبادئ الأخلاقية التي جاءت بها المسيحية هي في جوهرها نفس المبادئ الموجودة في سائر الأديان ، ولهذا دعا للتسامح في العقائد ونبذ التعصب .
14- جورج فلهلم فريدريك هيجل ( 1770 ـ 1831 ) : فيلسوف ألماني ، مال إلى الفلسفة المثالية المطلقة ، وكان لأفكاره تأثير واسع في مختلف الفلسفات والاتجاهات الفكرية التي ظهرت بعده ، فعلى أساس هذه الفلسفة قامت الفلسفة السياسية الألمانية بعدئذ ، وعلى أساس منطقه الجدلي قام مذهب المادية الجدلية عند كارل ماركس .
15- إزفولد اشبنجلر ( 1880 ـ 1936 ) : فيلسوف ألماني ، تناول بالدراسة موضوعات كثيرة في الفلسفة والرياضة والعلوم والتاريخ والفن ، ذهب في مؤلفه الرئيسي ( تدهور الغرب ) الذي نشره عام 1918 إلى أن كل ثقافة تمر بثلاث مراحل : الشباب ، فالنضج ، فالشيخوخة المفضية إلى الموت ، ورأى أن الثقافة الغربية هي الآن في مرحلة التدهور ، وقرر أنها سوف تهزم أمام حضارة الجنس الأصفر القادمة .
16- أرنولد جوزيف توينبي ( 1889 ـ 1975 ) : مؤرخ بريطاني ، أحرز شهرة عالمية بعد نشر كتابه ( دراسة في التاريخ ) الذي أنفق في تأليفه 41 عاماً ، وذهب إلى أن التاريخ البشري شهد 21 مجتمعاً حضارياً اندثر معظمها ولم يبق منها اليوم سوى ( الحضارة الأُرثوذكسية المسيحية البيزنطية ، والأُرثوذكسية الروسية ، والإسلامية ، والهندوكية ، والصينية ، والكورية اليابانية ؛ والغربية ).


التصنيفات
تاريـخ,

تاريخ الجزائر في العصر الوسيط من خلال المصادر

[CENTER]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تاريخ الجزائر في العصر الوسيط من خلال المصادر / منشورات وزارة المجاهدين

الحجم : 5.68 MB

http://www.m-moudjahidine.dz/bibliot…06/livre06.pdf


التصنيفات
تاريـخ,

الاصول التاريخية للعلاقات العربية الافريقية / قاسم جمال زكريا

السلام عليكم ورحمة الهه وبركاته

الاصول التاريخية للعلاقات العربية الافريقية / قاسم جمال زكريا

الحجم : 17.8 MB

http://www.4shared.com/get/H5PD49OC/____.html


التصنيفات
تاريـخ,

معركة برلين Battle of Berlin

معركة برلين[IMG]file:///C:UsersHpAppDataLocalTempmsohtmlclip11cli p_image001.jpg[/IMG]
العريفكنتاريايرفع العلم السوفيتي على الرايخستاغ بعد الاستيلاء عليه
عملية الهجوم على برلين (بالروسية: Берлинская наступательная операция) أو معركة برلين (بالألمانية: Schlacht um Berlin) واحدة من المعارك الأخيرة على الجبهة الأوروبية في الحرب العالمية الثانية، والتي أطلق السوفيت عليها عملية الهجوم الإستراتيجي على برلين، حيث قامت جبهتان سوفيتيان بمهاجمة برلين من الشرق والجنوب، بينما قامت جبهة ثالثة باجتياح شمال برلين.
ودارت رحى المعركة من أواخر أبريل 1945 حتى أوائل مايو، والتي كانت واحدة من أكثر المعارك دموية في التاريخ. وقام أدولف هتلر ومعه الكثير من أتباعه بالانتحار قبل نهاية المعركة. واستسلمت القوات الألمانية تحت وطأة الحصار في 2 مايو، ولكن القتال استمر في الشمال الغربي والغرب والجنوب الغربي من المدينة حتى نهاية الحرب في أوروبا في 8 مايو (9 مايو في الاتحاد السوفيتي). وقد فضلت الوحدات الألمانية المتمركزة غربًا التي قاتلت السوفيت الاستسلام للحلفاء الغربيين الذين لم يخوضوا المعركة أملاً في معاملة أفضل.
مقدمة
في 12 يناير 1945، بدأ الجيش الأحمرهجوم فيستولا – الأودر من وارسو عبر نهر ناريف. استمرت العملية ثلاثة أيام على جبهة عريضة تضمنت أربع مجموعات جيوش[10]. وفي اليوم الرابع، بدأ الجيش الأحمر بالتحرك غربًا بسرعة 30 إلى 40 كيلومتر في اليوم تقريبًا قاطعًا دول البلطيقوغدانسكوشرق بروسياوبوزنان، راسمًا خطًا يبعد 60 كيلومتر شرق برلين ومحازيًا لنهر أودر[11].
حاولت مجموعة جيوش فيستولا المتكونة حديثًا تحت قيادة رئيس وحدات النخبة النازية هاينريش هيملر[12] القيام بهجوم مضاد، ولكنها فشلت بحلول يوم 24 فبراير. فتقدم الجيش الأحمر إلى بوميرانيا، مؤمّنًا الضفة اليمنى لنهر الأودر ووصولاً إلى سيليزيا[11].
وفي الجنوب، حمى وطيس معركة بودابست، وفشلت ثلاثة محاولات ألمانية لفك الحصار عن العاصمة المجرية وسقطت في يد السوفيت في 13 فبراير. وقام الألمان بهجوم مضاد مرة أخرى، وأصر أدولف هتلر على استعادة نهر الدانوب، والتي كانت مهمة مستحيلة[13]. وفي 16 مارس، فشل الهجوم الألماني على بحيرة بلاتون واستعاد السوفيت بهجومهم المضاد الذي استمر 24 ساعة كل ما اكتسبه الألمان في 10 أيام[14]. وفي 30 مارس، دخل السوفيت النمساواستولوا على فيينا في 13 أبريل[15].
وكان من الواضح حينها أن هزيمة الرايخ الثالث لن تستغرق سوى أسابيع قليلة، حيث فقد الجيش الألماني (الفيرماخت) ما بين يونيو وسبتمبر 1944 أكثر من مليون رجل وشحّ الوقودوالذخيرة[16]. ولكن هتلر قرر البقاء في المدينة على الرغم من نصائح مستشاريه. وفي 12 أبريل، علم هتلر بخبر وفاة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت[17]، فأعطاه ذلك أملاً زائفًا بحدوث انشقاق بين الحلفاء يمكن برلين من النجاة في آخر لحظة، كما حدث من قبل خلال ما يُطلق عليه "معجزة البراندينبرغ"[18].
ولم يقدم الحلفاء الغربيون على أي تحرك لمساعدة السوفيت لدخول برلين، وكان لديهم العديد من التبريرات. الجنرال الأمريكي أيزينهاور اعتبر أن برلين ستكون في نطاق النفوذ السوفيتي بعد الحرب، لذلك لا داعي للتضحية بأرواح الجنود الأمريكيين[19]، كما أنه خاف من "النيران الصديقة" التي يمكن أن تصيب جنوده عند دخولهم المدينة. وكانت المشاركة الغربية الوحيدة الواضحة لهزيمة عاصمة النازية هي القصف الجوي الاستراتيجي خلال عام 1945 الذي قامت به القوات الجوية الأمريكيةوالقوات الجوية الملكية البريطانية، وانتهت هذه الغارات ليلة 21/20 أبريل قبل دخول السوفيت المدينة[20].
التحضير للحرب
كان للهجوم السوفيتي على وسط ألمانيا – الذي أصبح فيما بعد ألمانيا الشرقية – هدفين. أراد ستالين أن يقابل جيوش الحلفاء الغربيين في أبعد نقطة في الغرب، للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من ألمانيا، لذلك حارب على جبهة واسعة تضمنت أربع مجموعات جيوش. الهدف الثاني والأهم بالنسبة له كان السيطرة على برلين، ولذلك كان الهدفان متكاملان لأن السيطرة على أكبر مساحة من الأرض تتطلب سقوط برلين في يده. كما أن برلين تحوي الكثير من الأسرار والوثائق منها وثائق البرنامج النووي الألماني لتصنيع القنبلة الذرية.[21] وفي 6 مارس، عين هتلر الفريقهيلموت ريمان كقائد لمنطقة برلين الدفاعية مكان الفريق برونو ريتر فون هاوينسشيلد[22].
وفي 20 مارس، عُين اللواء غوتهارد هاينريكي قائدًا لمجموعة جيوش فيستولا بدلاً من قائد وحدات النخبة النازيةهاينريش هيملر. وكان هاينريكي واحدًا من أفضل المخططين الدفاعيين في الجيش الألماني. وبدأ فورًا في إعداد الخطط الدفاعية. وكان افتراضه صحيحًا بأن الهجوم السوفيتي الرئيسي سيكون على نهر الأودر وعلى طول طريق الأوتوبان الرابط بين شرق وغرب ألمانيا[23]. وقرر هاينريكي عدم الدفاع عن ضفاف نهر الأودر، وأكتفي بترك قوة مناوشة صغيرة. وبدلاً من الدفاع عن النهر، أمر المهندسين بتقوية مرتفعات سيلو المشرفة على النهر في موقع يعبره الطريق السريع[24]، وكان هذا الموقع على بعد حوالي 17 كيلومتر غرب الأودر و90 كيلومتر شرق برلين. قلّل هاينريكي من قواته في الأماكن الأخرى لتركيز الجنود على المرتفعات. وحول المهندسونالألماننهر الأودر، الذي كان حينها مليئًا بماء الربيع الذائب من جليدالشتاء، إلى مستنقع بتوجيه الماء إلى خزان مائي، وخلف النهر بنى المهندسون ثلاثة أحزمة من التحصينات الدفاعية[24]. وصل طول هذه التحصينات إلى أطراف برلين (وكانت خطوط التحصينات القريبة من برلين تسمى موقع فوتن). تكونت هذه الخطوط من خنادق مضادة للدبابات ومدافع مضادة للدبابات وشبكة كثيفة من الخنادقوالأقبية المحصنة.[24]
عناصر الفولكسشتورم يبنون جدر دفاعية، برلين، 10 مارس 1945
وفي 9 أبريل، وبعد مقاومة طويلة سقطت كونغسبيرغ – الواقعة في شرق بروسيا – أخيرًا في يد الجيش الأحمر[25]، مما أعطى ذلك فرصة للمشيرروكوسوفسكي قائد الجبهة البيلاروسية الثانية للتحرك غربًا ناحية نهر الأودر[25]. وركز المشيرغيورغي جوكوفجبهته البيلاروسية الأولى – التي كُلفت بالقتال على طول نهر الأودر من فرانكفورت في الجنوب إلى بحر البلطيق – في مساحة أمام مرتفعات سيلو[26]. وبينما كانت إعادة تجميع القوات السوفيتية تجري، تكونت ثغور بين الخطوط وتمكنت بقايا الجيش الثاني الألماني بقيادة اللواءديتريش فون ساوكين، التي تجمعت في منطقة قرب غدانسك، من الهرب إلى دلتا الفيستولا. وفي الجنوب، حول المشيركونيف معظم قوات الجبهة البيلاروسية الأولي من سيليزيا العليا إلى نهر نايسه(en)‏ إلى الشمال الغربي.[1]
كان مجموع قوات الجبهات الثلاث السوفيتية 2,5 مليون رجل (منهم 78,556 جندي من الجيش البولندي الأول)، و 6,250 دبابة و 7,500 طائرة و 41,600 قطعة مدفعية ومدافع مورتر و 3,255 عربة تحمل منصات إطلاق صواريخ كاتيوشا و 95,383 عربة.[1]
معركة النايسه – الأودر
كانت البقعة التي شهدت المعركة الرئيسية هي مرتفعات سيلو، الخط الدفاعي الرئيسي الأخير خارج برلين[24]. كانت هذه المعركة التي استغرقت أربعة أيام من 16 أبريل إلى 19 أبريل، هي آخر معركة أرضية في الحرب العالمية الثانية. اشترك في هذه المعركة من الجانب السوفيتي مليون رجل تقريبًا وأكثر من 20,000 دبابة وقطعة مدفعية لاختراق الخط الدفاعي الألماني الذي كان يحرسه حوالي 100,000 جندي و 1,200 دبابة ورشاش[27]. انتصر السوفيت المعركة بقيادة جوكوف بعدما خسروا حوالي 30,000 رجل، بينما خسر الألمان 12,000 رجل.[28]
وفي 19 أبريل، اليوم الرابع للمعركة، اخترقت الجبهة البيلاروسية الأولى آخر خط في دفاعات مرتفعات سيلو ولم يكن هناك ما يحول بينهم وبين برلين إلا شراذم متفرقة من القوات الألمانية. كانت الجبهة البيلاروسية الأولي تجتاح البلاد بعد أن استولت على "فورشت" في اليوم السابق. وقام جيش الحرس الثالث بقيادة غوردوف وجيشا دبابات الحرس الثالث والرابع بقيادة كلا من ريبالكو وليليشينكو على التوالي بالهجوم شمال شرق برلين، بينما توجهت الجيوش الباقية غربًا إلى قطاع يوجد فيه خط جبهة للجيش الأمريكي على نهرإلبه[29]. وكانت الجيوش السوفيتية بهذا التحرك تفصل بين مجموعة جيوش فيستولا في الشمال وبين مجموعة الجيوش المركزية الألمانية في الجنوب[29]. وفي نهاية هذا اليوم، انتهى وجود الجبهة الألمانية الشرقية الممتدة من شمال فرانكفورت حول مرتفعات سيلو إلى الجنوب حول فورشت، ومكنت هذه الاختراقات الجبهات السوفيتية من محاصرة الجيش التاسع الألماني في منطقة واسعة غرب فرانكفورت. وأدت محاولات الجيش التاسع الألماني للهرب للغرب إلى معركة الهالبه[27]، وكانت خسائر السوفيت فادحة بين 1 أبريل و19 أبريل، أكثر من 2.807 دبابة منها حوالي 727 في معركة سيلو[30].
حصار برلين
20 أبريل، هتلر يقابل شباب هتلر قبل المعركة[nb 5]
في يوم عيد ميلاد هتلر، 20 أبريل، بدأت مدفعية الجبهة البيلاروسية الأولى في قصف وسط برلين، ولم تتوقف حتى استسلمت المدينة، (وكان وزن متفجرات المدفعية السوفيتية أثقل من الحمولة التي قذفتها قاذفات الحلفاء الغربيين[31]) واخترقت الجبهة البيلاروسية الأولى التشكيلات الأخيرة للجناح الشمالي لمجموعة الجيوش المركزية أثناء تقدمها ناحية شرق وشمال شرق المدينة وعبروا شمال يوتربوغ(en)‏، حتى وصلوا قرب الخطوط الأمريكية الأمامية على نهر إلبه في ماغديبورغ[32]. وفي الشمال بين شتاتين وشفيدت، هاجمت الجبهة البيلاروسية الثانية الجانب الشمالي لمجموعة جيوش فيستولا التابعة حيث جيش الدبابات الثالث بقيادة هاسو فون مانتيفيل[30]. وخلال اليوم التالي، تقدم جيش دبابات الحرس السوفيتي الثاني بقيادة بوغدانوف حوالي 50 كيلومتر شمال برلين، ثم هاجم جنوب غرب فيرنيشين. ووصلت وحدات سوفيتية أخرى على حدود المدينة، وكانت خطة السوفيت هي حصار برلين تمهيدًا لحصار الجيش التاسع الألماني[33].
وانتقلت قيادة الفيلق الخامس الألماني تلقائيًا من جيش الدبابات الرابع إلى الجيش التاسع، عندما وقع في الحصار مع الجيش التاسع شمال فورشت. وكان الفيلق لا يزال يرابط على الطريق السريع الرابط ما بين برلين وكوتبوس. وعندما حقق الجانب الجنوبي لجيش الدبابات الرابع بعض النجاحات في صد هجمات الجبهة البيلاروسية الأولى، قام هتلر بإصدار أوامر أظهرت فقدانه لمهارته العسكرية، فقد أمر الجيش التاسع بالتمركز في كوتبوس، وتكوين جبهة غربية[34]، ثم عليهم مهاجمة القوات السوفيتية المتجهة شمالاً. وكانت هذه الجبهة طرف الكماشة الشمالي الذي سيطبق مع جيش الدبابات الرابع القادم من الجنوب على الجبهة الأوكرانية الأولى. كان عليهم انتظار هجوم جنوبي من جيش الدبابات الثالث، ثم الاستعداد للتحول لطرف كماشة جنوبي لتطويق الجبهة البيلاروسية الأولي التي سيتم تدميرها بواسطة مفرزة (أكبر من فيلق وأصغر من جيش) تتقدم من شمال برلين بقيادة لواء وحدات النخبة النازية فيليكس شتاينر[35]. عندما أوضح شتاينر أنه لا يملك فرق الجيش الكافية للهجوم، قام هاينريكي بالاتصال بقادة أركان هتلر وقال لهم إنهم إذا لم يسحبوا الجيش التاسع في أسرع وقت فأنه سيُحاصر بين الجبهتين البيلاروسية والأوكرانية، وأنه قد فات أوان تحركه إلى الشمال الغربي إلى برلين ويجب عليه التحرك غربًا[35]. وذهب هاينريكي إلى حد التهديد بأنه سيطلب من هتلر التنحي إذا لم يأمر بتحرك الجيش التاسع غرباً[36].
وفي 22 أبريل، كان هتلر في حالة يرثى لها من الغضب الممزوج بالدموع في اجتماع تقييم الحالة، عندما أدرك أن خطط اليوم السابق لم يكتب لها النجاح. وأعلن أنه خسر الحرب ولام لواءاته، وقرر البقاء في برلين حتى النهاية ثم الانتحار. وفي محاولة لإخراج هتلر من غضبه، اقترح اللواء ألفرد يودل سحب الجيش الثاني عشر الألماني الذي يقوده الجنرال فالتر فينك من الغرب للتوجه إلى برلين ما دام الأمريكيين لن يتقدموا أكثر من مواقعهم على نهر الألبه[35]. وتعلق هتلر بالفكرة، وفي خلال ساعات أُمر فينك بفك الاشتباك مع الأمريكيين والتحرك بجيشه إلى الشمال الشرقي إلى برلين، وأدرك أنه إذا تحرك الجيش التاسع غربًا، فسيلتحم مع الجيش الثاني عشر. وفي المساء أعطى هاينريكي الأمر بالالتحام[37].
وبعيدًا عن غرفة الخرائط وتخيلات قادة الأركان في مقر الفوهرر، كان السوفيت يكسبون المعركة فعليًا على الأرض، فقد قامت الجبهة البيلاروسية الثانية بإنشاء رأس جسر على الضفة الشرقية لنهر الأودر، وعبرت مسافة 15 كيلومتراً واشتبكت بضراوة مع جيش الدبابات الثالث، وخسر الجيش التاسع كوتبس بعدما ضُغط عليه من الشرق، وتقدمت دبابات سوفيتية كرأس حربة على نهر الهافل(en)‏ إلى شرق برلين، واخترقت دبابات أخرى الحلقة الدفاعية الداخلية لبرلين[38].
صواريخ الكاتيوشا تقصف برلين
قام أحد المراسلين الحربيين السوفيت بالتعليق على المعركة بأسلوب الصحافة الروسية الحماسي المعروف أتناء الحرب العالمية الثانية، عندما أصبحت برلين في مدى قذائف المدفعية السوفيتية[39]، قائلاً:
رأينا على جدران البيوت نداءاتغوبلزالتي كُتبت بعُجالة بطلاء أبيض: "سيدافع كل ألماني عن عاصمته. سندحر الجحافل الحمراء على أسوار مدينتنا. فقط حاولوا أن توقفوهم!"
ورصت الحواجزوالألغاموالشراك والفرق الانتحارية يمسكونقنابلهم اليدويةبأيديهم في انتظار الهجوم.
وبدأت السماء تمطر قليلاً، ورأيت بطاريات الصواريخ قرب بيسدورف تستعد لإطلاق النار.
"ما هي الأهداف؟" سألت قائد البطاريات.
أجابني "وسط برلين وجسور شبري، وشمال برلين ومحطة قطارات شتاتين"
ثم جاءت الأوامر من القيادة "اقصفوا عاصمةألمانياالفاشية."
ونظرت في الساعة فكانت 8:30 صباحًا، يوم 22 أبريل. وسقطت ستة وتسعون قذيفة مدفع على وسط برلين خلال بضع دقائق.

وفي 23 أبريل، ضيقت الجبهتان البيلاروسية والأوكرانية الخناق على برلين، وقطعت آخر ارتباط بين الجيش التاسع والعاصمة[38]، واستمرت عناصر من الجبهة البيلاروسية الأولى في التحرك غربًا، وبدأت في الاشتباك مع الجيش الألماني الثاني عشر الذي كان متجهًا إلى برلين. وفي نفس اليوم، عين هتلر اللواء هيلموت فايدلينغ كقائد لمنطقة برلين الدفاعية مكان الفريق ريمان[40]. وبحلول 24 أبريل، أكملت عناصر من الجبهتين البيلاروسية والأوكرانية الحصار على المدينة[38]. وفي اليوم التالي 25 أبريل، بحثت وحدات سوفيتية كبيرة عن مداخل قطارات الإنفاق لاختراقها، وفي نهاية اليوم، انهارت الدفاعات الألمانية الرئيسية، ولم يكن هناك شيء يحول دون دخول السوفيت للمدينة، إلا دفاعات يمكنها فقط تأخير الدخول، لأن السوفيت كسبوا المعارك الحاسمة خارج المدينة[41].
المعركة في برلين
كانت القوات المتاحة لفايدلينغ للدفاع عن المدينة مكونة من العديد من فرق الجيش الألمانيوفرق وحدات النخبة النازية المقاتلة (فافين) (بالألمانية: Waffen-SS). كان تعداد تلك القوات حوالي 45.000 رجل،[3] وكانت هذه الفرق مدعمة بقوات الشرطة والصبيان الصغار في منظمة شباب هتلر، وجيش الشعب (بالألمانية: Volkssturm) (فولكس شتورم)[3]. وكان العديد من الرجال الكبار في الفولكس شتورم مقاتلين سابقين في الجيش وبعضهم كان من قدامي المحاربين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى، كما كان لدى قائد حي وسط المدينة، عميد وحدات النخبة النازية فيلهلم مونكه، أكثر من 2.000 رجل تحت قيادته.[3][nb 6] قسّم فايدلينغ المدينة إلى ثمانية أقسام، كل قسم يقوده عقيد أو لواء، ولكن لم يمتلك معظمهم خبرة قتالية سابقة[3]. وفي غرب المدينة كانت ترابط فرقة المشاة العشرون، وفي الشمال فرقة المظلات التاسعة[42]، إضافة إلى فرقة دبابات مونخيبورغ في الشمال الشرقي، وفي الجنوب الغربي شرق مطار تيمبلهوف فرقة المشاة الميكانيكية الحادية عشر التابعة لوحدات النخبة النازية المسماه نوردلاند (بالألمانية: Nordland)[43]، وفرقة المشاة الميكانيكية الثامنة عشر التابعة للاحتياط المرابطة في حي وسط برلين[44].
كان مصير برلين قد حُسم منذ أن ربح السوفيت المعارك الحاسمة خارج المدينة، وعلى الرغم من ذلك فقد استمر الألمان في المقاومة[41]. وفي 23 أبريل، هاجم جيش الصاعقة الخامس بقيادة نيقولاي برزارين وجيش دبابات الحرس الأول بقيادة ميخائيل كاتوكوف برلين من الجنوب الشرقي، وبعد أن صدا هجوم مضاد بواسطة فيلق الدبابات السادس والخمسين الألماني، وصلا في مساء 24 أبريل إلى السكك الحديدية لقطارات الأنفاق في الجانب الشمالي من قناة تيلتوف(en)‏. وفي نفس الوقت، أمر هتلر كل القوات الألمانية بإعادة تقوية الدفاعات الداخلية، ولكن لم يصل إلى برلين سوى وحدات من المتطوعين في وحدات النخبة النازية الفرنسية تحت قيادة العميدغوستاف كروكنبيرغ[45]. وفي يوم 25 أبريل، عُين كروكنبيرغ كقائد للقطاع الدفاعي ج، وكان قطاع ج هو أكثر قطاع يعاني من الضغط السوفيتي لدخول المدينة[46].
وفي 26 أبريل، عُين لواء المدفعية هيلموت فايدلينغ كقائد لمنطقة برلين الدفاعية[47]، وشق جيش الحرس الثامن بقيادة فاسيلي تشيكوف وجيش دبابات الحرس الأول طريقهما عبر الضواحي الجنوبية وهاجما مطار تيمبلهوف، ووصلا إلى حلقة قطارات الأنفاق الدفاعية، حيث واجها مقاومة شرسة من فرقة مينخيبورغ[45]. ولكن بحلول 27 أبريل، واجهت فرقتا المينخيبورغ والنوردلاند الضعيفتان اللتان تدافعان عن الجنوب الشرقي خمسة جيوش سوفيتية – من الشرق إلى الغرب: جيش الصاعقة الخامس وجيش الحرس الثامن وجيش دبابات الحرس الأول وجيش دبابات الحرس الثالث بقيادة بافل ريبالكو (جزء من الجبهة الأوكرانية الأولى)، لذلك تراجعت فرقتا المينخيبورغ والنوردلاند إلى وسط المدينة، حيث اتخذا مواقع دفاعية جديدة حول هيرمانبلاتز[48]. أبلغ كروكنبيرغ في الحال اللواء هانز كريبسقائد أركانالقيادة العليا للجيوش الألمانية، أنه في خلال 24 ساعة سيتوجب على فرقة النوردلاند التراجع إلى قطاع وسط المدينة[49]، وكانت القوات السوفيتية تتقدم إلى وسط المدينة على المحاور الرئيسية التالية: من الجنوب الشرقي على طول الفرانكفورتر إليه (وينتهي عند ألكسندربلاتز)؛ ومن الجنوب عبر سونين إليه وينتهي شمال بيل أليانس بلاتز، ومن الجنوب وينتهي عند بوتسدامر بلاتز ومن الشمال وينتهي قرب الرايخستاغ[50]. كانت الأماكن التي شهدت أعنف المعارك هي الرايخستاغ وجسر ملتكه وألكسندربلاتز وجسور هافل في شبانداو، وكان القتال من بيت إلى بيت وفي الشوارع، وقاتلت الوحدات الأجنبية التابعة لوحدات النخبة النازية بشراسة، لأنها كانت ذات عقيدة ومبدأ كما اعتقدوا أنهم سيقتلون لو وقعوا في الأسر[51].
السيطرة على الرايخستاغ
وفي الساعات الأولى من صباح 29 أبريل، عبر جيش الصاعقة السوفيتي الثالث جسر ملتكه، وبدأ في الانتشار في الشوارع والمباني المحيطة، وكان لغياب المدفعية أثرًا كبيرًا على سرعة تقدم الهجمات الأولى على المباني التي تضمنت مبنى وزارة الداخلية. ولم تتدخل المدفعية، حتى تم إصلاح الجسر المدمر[52]. وفي الساعة الرابعة صباحًا بمقر الفوهرر، كتب هتلر وصيته الأخيرة ثم تزوج من إيفا براون[53]، وبحلول الفجر كثف السوفيت هجماتهم من الجنوب الشرقي. وبعد قتال عنيف تمكنوا من احتلال مقر الغيستابو في شارع برينز-ألبريخت (بالألمانية: Prinz-Albrecht Straß)، والذي يُعرف حاليًا باسم نايدركيرشنير (بالألمانية: Niederkirchner straße)، ولكن السوفيت أُجبروا على التراجع من المبنى تحت ضغط الهجوم المضاد الذي قامت به وحدات النخبة النازية[54]. وفي الجنوب الغربي، بدأ جيش الحرس الثامن هجومه ناحية الشمال عبر قناة لاندفير إلى تايرغارتين[55].
وبحلول اليوم التالي، 30 أبريل، تمكن السوفيت من إعادة بناء الجسور المحطمة وبمساندة المدفعية هاجموا الرايخستاغ في الساعة السادسة صباحًا. ولم يتمكن السوفيت من دخول المبنى حتى المساء، بسبب الخنادق الألمانية حول المبنى ومساندة مدافع عيار 88 مللي الموجودة على أبراج المدفعية المضادة للطائرات في حديقة حيوان برلين التي تبعد كيلومترين عن الرايخستاغ. لم يكن مبنى الرايخستاغ مستخدمًا منذ عام 1934، عندما أمر هتلر بحرقه، وكان المبنى من الداخل بشبه كومة ركام. واستغل الألمان هذا أحسن استغلال، واعتمدوا اعتمادًا كبيرًا على الانتظار في الخنادق والحفر وبين الركام. طارد السوفيت الألمان داخل المبنى من غرفة إلى غرفة، واستغرقت هذه المطاردات يومين حتى سيطر السوفيت تمامًا على الرايخستاغ.
السيطرة على وسط المدينة
خلال الساعات الأولى من صباح 30 أبريل، أبلغ فايدلينغ هتلر شخصيًا أن المدافعين عن المدينة ستنفذ ذخيرتهم بحلول الليل، فأعطاه هتلر الأذن بمحاولة الهروب عبر خطوط الجيش الأحمر التي تحاصر برلين[56]. وفي عصر هذا اليوم، انتحر هتلر وإيفا وأُحرقت جثتيهما في مكان ليس ببعيد عن مقر الفوهرر[57]. وكان هتلر قد أوصى في وصيته الأخيرة برئاسة البلاد للواء بحريكارل دونتز في حكومة فلنسبورغ، وبالمستشاريةلغوبلز[58].
وعندما عبر السوفيت الخطوط الدفاعية وتراجع المدافعون، تركزوا في منطقة صغيرة في وسط المدينة. وكانوا حوالي 10.000 جندي ألماني، تمت مهاجمتهم من جميع الجهات، وعلى جانب آخر دكت المدفعية السوفيتية مبنى وزارة الطيران المبني من الخرسانة المسلحة، وتراجعت كتيبة دبابات التايغر الألمانية من مواقعها شرق تايرغارتين للدفاع عن وسط المدينة ضد جيش الحرس الثالث بقيادة كوتزنيتسوف (الذي كان على الرغم من اشتراكه في القتال بضراوة حول الرايخستاغ، إلا أنه كان يتقدم من شمال تايرغارتين) وضد جيش الحرس الثامن الذي كان يتقدم من جنوب تايرغارتين[59]. قسمت القوات السوفيتية المنطقة التي تشبه الهلال التي يسيطر عليها الألمان إلى نصفين، وجعلوا الهروب إلى الغرب أكثر صعوبة[60].
وفي الساعات الأولى من يوم 1 مايو، جرت محادثة بين كريبس واللواء تشيكوف قائد جيش الحرس الثامن السوفيتي[nb 7]، وأخبره بموت هتلر ورغبته في إجراء مفاوضات الاستسلام النهائي للمدينة[61]، إلا أنهما لم يتوصلا لاتفاق بسبب إصرار السوفيت على الاستسلام غير المشروط وإدعاء كريبس عدم امتلاكه صلاحية ذلك[62]. وفي عصر هذا اليوم، انتحر غوبلز وعائلته، وكان غوبلز هو العقبة الوحيدة أمام فايدلينغ لإعلان الاستسلام غير المشروط، لكنه فضل الانتظار حتى صباح اليوم التالي لإعلان الاستسلام، حتى ينفذ مخططه للهرب في الليل[63].
السقوط والاستسلام
وفي ليلة 2/1 مايو، حاول معظم الجنود الألمان عبور الخطوط السوفيتية للهرب من وسط المدينة في ثلاثة اتجاهات مختلفة، ونجح فقط الجنود الذين اتجهوا غربًا نحو حي تيرغارتين بعد أن عبروا جسر الشارلوتين (بالألمانية: Charlottenbrücke) (على نهر الهافل) للوصول إلى شبانداو[64]. وعلى الرغم من نجاحهم في الهرب والوصول إلى شبانداو، إلا أن القلة التي عبرت أولاً هي التي نجحت في الوصول لخطوط الحلفاء الغربين، بينما قتل أو أسر السوفيت معظم الهاربين[65]. وفي الصباح الباكر ليوم 2 مايو، سيطر السوفييت على مقر المستشارية، ولم يتكبد السوفييت العناء الذي تكبدوه للسيطرة على الرايخستاغ، لأن معظم الجنود هربوا أو كانوا مشغولين بالهرب[66]. واستسلم اللواء فايدلينغوقادة أركانه في الساعة السادسة صباحًا، واصطحبه السوفيت لمقابلة اللواء تشوكوف في الساعة 8:30 صباحًا، حيث وافق فايدلينغ على أن يصدر الأوامر للجنود الألمان بالاستسلام للسوفيت[67]، وقام فايدلينغ بكتابة هذا الأمر بناء على أوامر اللواءين تشوكوف وفاسيلي سوكولوفسكي[62].
وغادرت الحامية القوية المكونة من 350 رجل برج المدفعية المضادة للطائرات في حديقة برلين، وكان هناك قتال متفرق في بعض البنايات المعزولة، حيث يوجد بعض جنود وحدات النخبة النازية الذين رفضوا الاستسلام، فقام السوفيت بتحويل هذه البنايات إلى ركام[68]. وقام الجيش الأحمر بتوزيع الطعام على الألمان مدنيين وعسكريين في مطاعم تابعة للجيش الأحمر، ولكنهم قبضوا على أي شخص يرتدي أي لباس رسمي مثل رجال الإطفاء وعمال السكك الحديدية في البيوت، وأرسلوهم للشرق كسجناء حرب[69].
المعركة خارج برلين
في وقت ما في يوم 28 أبريل أو 29 أبريل، تم إعفاء اللواء غوتهارد هاينريكي قائد مجموعة جيوش فيستولا من منصبه، بسبب عصيانه لأوامر هتلر المباشرة له بالدفاع عن برلين بأي ثمن وعدم التراجع أو الاستسلام نهائيًا، وتم استبداله باللواء كورت شتودنت[70]، ولكن تم تعيين اللواء كيرت فون تيبيلسكيرخ مؤقتًا، حتى وصول اللواء شتودنت.[71] إلى الآن هناك التباس حول معرفة من منهم حل محل هاينريكي، حيث ترجح بعض المصادر سقوط شتودنت أسيرًا في أيدي البريطانيين وعدم وصوله لبرلين،[47] وبغض النظر عن من كان القائد، فقد حطمت الحالة المتدهورة التي يعاني منها الألمان في آخر أيام الحرب مسألة قيادة مجموعة جيوش فيستولا، أو تلقيها الأوامر أو إصدارها للتقارير.[72]
وفي مساء 29 أبريل، خاطب كريبس باللواء ألفرد يودل (القائد الأعلى للقوات المسلحة) بواسطة اللاسلكي قائلاً:
طلب تقرير عاجل.
أولاًعن مكان الجيش الثاني عشر بقيادةفالتر فينك.
ثانيًاالوقت المحدد للهجوم.
ثالثًاموقع الجيش التاسع.
رابعًاتحديد المكان الذي سيعبر منه الجيش التاسع بالضبط.
خامسًامكان فيلق الدبابات الحادي والأربعون الألماني بقيادة اللواءرودولف هولسته.[62]

وفي الصباح الباكر ليوم 30 أبريل، رد عليه يودل:
أولاًتعثر فينك جنوب بحيرة شفايلوف.
ثانيًالذلك، الجيش الثاني عشر غير قادر على مواصلة الهجوم علىبرلين.
ثالثًاتم محاصرة جزء من الجيش التاسع.
رابعًافيلق دبابات هولسته في موقع دفاعي.[62]

الشمال
بدأت الجبهة البيلاروسية الثانية بقيادة روكوسوفسكي هجومها على شمال برلين، في الوقت الذي كانت الجبهة البيلاروسية الأولى والجبهة الأوكرانية الأولى تحاصر برلين وتحارب داخلها. وفي 20 أبريل، في مكان بين شتاتين وشفيدت، هاجمت الجبهة البيلاروسية الثانية جيش الدبابات الثالث الألماني في الجانب الشمالي للمنطقة التابعة لمجموعة جيوش فسيتولا[30]. وبحلول 22 أبريل، قامت الجبهة البيلاروسية الثانية بإنشاء رأس جسر على الضفة الشرقية لنهر الأودر بعمق أكثر من 15 كيلومتر، واشتبكت بضراوة مع جيش الدبابات الثالث[38]. وفي 25 أبريل، اخترقت الجبهة البيلاروسية الثانية خطوط جيش الدبابات الثالث بالقرب من رأس الجسر جنوب شتاتين، وعبرت مستنقع راندوفبروخ، وفُتح الطريق أمام الجبهة للتحرك غربًا تجاه مجموعة الجيوش الحادية والعشرون البريطانية بقيادة مونتغومري، وشمالاً تجاه ميناء شترالسوند(en)‏ على بحر البلطيق[73].
تراجع جيش الدبابات الثالث والجيش الحادي والعشرون الألماني المتمركزان شمال برلين تدريجياً غربًا تحت تأثير الضغط المتواصل من الجبهة البيلاروسية الثانية، إلى جيب عرضه 32 كيلومتر يمتد من نهر الإلبه إلى الساحل، وحوصروا بين قوات مجموعة الجيوش البريطانية الحادية والعشرون، وعلى شرقهم الجبهة البيلاروسية الثانية ومن جهة الجنوب الجيش التاسع الأمريكي الذي تحرك شرقًا حتى وصل إلى لودفيغسلوست وشفيرين[74].
الجنوب
الملازم ويليام روبيرتسون من الجيش الأمريكي والملازم أول ألكسندر سيلفاشكو من الجيش الأحمر، ومن ورائهم تظهر علامة "الشرق يقابل الغرب"، عندما تقابل الجيشان السوفيتي والأمريكي قرب تورغاو، ألمانيا.
أدت النجاحات التي حققتها الجبهة الأوكرانية الأولى خلال الأيام التسع الأولى للمعركة إلى احتلالهم مساحات واسعة جنوب وجنوب غرب برلين بحلول 25 أبريل، وتقابلت مقدمتهم مع عناصر الجبهة البيلاروسية الأولى غرب برلين، مكملين الحلقة التي تحاصر المدينة. وفي هذه الأثناء، تقابلت فرقة الحرس الثامنة والخمسون التابعة لجيش الحرس الخامس التابع للجبهة الأوكرانية الأولى مع فرقة المشاة التاسعة والستون الأمريكية التابعة للجيش الأول الأمريكي قرب تورغاو على نهر الإلبه[73]. قسمت هذه الهجمات القوات الألمانية جنوب برلين إلى ثلاثة أقسام، فحُوصر الجيش التاسع الألماني في جيب هالب، وكان الجيش الثاني عشر الألماني بقيادة فينك يحاول تنفيذ أوامر هتلر التي أصدرها في 22 أبريل بالعودة إلى برلين من الجنوب الغربي، ولكنه قابل مقاومة عنيفة من وحدات الجبهة الأوكرانية الأولى في بوتسدام. وأُجبرت مجموعة الجيوش المركزية بقيادة شورنر على الانسحاب من المعركة، على طول خطوط اتصالها ناحية تشيكوسلوفاكيا.[75]
بين يومي 24 أبريل و1 مايو، دخل الجيش التاسع الألماني معركة يائسة للخروج من جيب هالبه للحاق بالجيش الثاني عشر الألماني[76]، حيث افترض هتلر أنه لو نجح الجيش التاسع في الخروج من الجيب والاتحاد مع الجيش الثاني عشر، فإن الجيشين يمكنهم فك الحصار عن برلين[77]. لكن لا يوجد ما يدل على موافقة جنرالات الجيش الكبار مثل هاينريكي أو تيودور بوسه أو فينك على فرضية هتلر، ولكن موافقة هتلر على تحرك الجيش التاسع أعطى فرصة لعدد كبير من الجنود الألمان للهرب للغرب والاستسلام لجيش الولايات المتحدة[78].
وفي فجر 28 أبريل، قامت فرق دبابات الشباب كلاوسفيتز وشارنهورست وتيودور كورنر بالهجوم من الجنوب الغربي ناحية برلين. كانت هذه الفرق أجزاء من الفيلق العشرين الألماني بقيادة فينك ومكونة من ضباط مراكز التدريب؛ مما جعلها واحدة من أفضل وحدات الاحتياط. قامت هذه الفرق بتغطية مسافة طولها 24 كيلومتر، قبل أن تتوقف مسيرتهم على حافة بحيرة شفايلوف، جنوب غرب بوتسدام على بعد 32 كيلومتر من برلين[79]. وفي الليل، أبلغ اللواء فينك القيادة العليا للجيوش الألمانية في فويرستينبورغ أن جيشه الثاني عشر أُجبر على التراجع، وطبقًا لكلام فنك، فأنه لا يمكنه الهجوم على برلين في هذه الحالة، لأن الجيش التاسع تم محاصرته ولا يمكنه الاتحاد معه[62]. في هذه الأثناء، كانت الأحداث تأخذ منحى آخر في هالبه، حيث نجح حوالي 25.000 جندي ألماني يصاحبهم الآلاف المدنيين في الهرب والوصول إلى خطوط الجيش الثاني عشر. كانت الخسائر الناتجة عن معركة هالبه كبيرة على الجانبين، فقتل حوالي 20.000 جندي سوفيتي أثناء محاولتهم منع الألمان من الهروب، وقد دُفن الجنود السوفيت في مقبرة على طريق مارك – زوسن[32].
وبعد فشل الجيش الثاني عشر في الوصول لبرلين، أعطوا الناجين من الجيش التاسع وسائل انتقال، ثم إتجهوا نحو الألبه، حيث يوجد الجيش الأمريكي[80]. وبحلول 6 مايو، عبرت العديد من وحدات وأفراد الجيش الألماني نهر الألبه واستسلموا للجيش التاسع الأمريكي[72]. وفي نفس الوقت، كانت رؤوس كباري ومقرات الجيش الثاني عشر في حديقة شونهاوزين تحت قصف المدفعية السوفيتية المكثف وتم دفعهم للتكدس في منطقة مساحتها لا تتجاوز 16 كم2.[81]
الاستسلام

ألمانيات يغسلن أغراضهم من صنبور ماء بارد، وبجانبهم عربة مدرعة خفيفة مدمرة، 3 يوليو 1945

في ليلة 2/3 مايو، استسلم اللواء هاسو فون مانتيفيل قائد جيش الدبابات الثالث الألماني واللواء كيرت فون تيبيلسكيرخ قائد الجيش الثاني عشر الألماني للجيش الأمريكي[72]، كما استسلم الجيش الثاني الألماني تحت قيادة فون ساوكين الذي حارب شمال شرق برلين في دلتا الفيستولا إلى السوفيت يوم 9 مايو[74]. وفي صباح 7 مايو، بدأ رأس الجسر الذي أنشأه الجيش الثاني عشر على نهر الألبه بالانهيار، وعبر فينك النهر في عصر هذا اليوم واستسلم للجيش التاسع الأمريكي[81].
الخسائر
خسرت القوات السوفيتية في عملية الهجوم على برلين وما صاحبها من معارك مثل معركة مرتفعات سيلو ومعركة هالبه حوالي 81.116 جندي، طبقًا لبحث لغريغوري كريفوشييف اعتمد فيه على معلومات سرية أُفرج عنها من الأرشيف السوفيتي[7]، بينما كانت التقديرات الغربية أعلى من ذلك بكثير[6]. كما قدر عدد المرضى والجرحى خلال المعركة بـ 280.251 جندي.[7] 6.067. وكلفت العملية السوفيت حوالي 2.000 عربة مدرعة، على الرغم من ذلك فإن الرقم النهائي غير معروف. وقدرت المصادر السوفيتية خسائر الألمان بـ 458.080 قتيل و 479.298 أسير[nb 8]، ولا يُعرف حتى الآن عدد المدنيين القتلى.


شكرا لكن الموضوع طويل جدا لم أستطع اكماله

التصنيفات
تاريـخ,

وثائق تاريخ العرب الحديث نوار، عبد العزيز سليمان.

السلام عليكم ورحمة اله وبركاته

وثائق تاريخ العرب الحديث نوار، عبد العزيز سليمان.

الحجم : 4.14 MB

http://www.mediafire.com/?2wijqc38u4gkq5p


التصنيفات
تاريـخ,

ملاحظات حول التاريخ و المنهجية التاريخية

ملاحظات حول التاريخ و المنهجية التاريخية

بقلم : د. عامر سلطان – العراق

14/01/1431 الموافق
30/12/2009


لم يكن التاريخ , أو علم التاريخ – حسب ما يسميه البعض – بمعزل عن التحديات التي تواجهها الأمة الاسلامية , فمنذ ان بدأت عوامل الضعف تدب بها , خاصة بضعف السلطة وانحلال مؤسسة الخلافة الذي يعد مظهرا مهما من مظاهر الانحلال ذلك . حتى أخذت مظاهر الضعف تبرز هنا وهناك فكان للتاريخ او حركة التدوين التاريخي السمة الأكثر وضوحا من خلال طبيعة ماكتب حتى وصل الامر بهجرة الكثير من العلماء والمؤرخين بعد سقوط بغداد في 1258م .

ولم ترتبط مسالة التحديات وما يقابلها من مظاهر الضعف على تاريخ سقوط بغداد , لا بل استمرت مع استمرار الزمن وطبيعة تلك التحديات والقوى الجديدة التي كانت وراءها, حتى كانت ملامح القرنين الماضيين قد رسمتا الدور الأوربي او النهضة الأوربية تحديدا في ظهور التاريخ كعلم مستقل من خلال طبيعة المناهج التي فرضت نفسها عليه او من خلال النظريات التفسيرية التي حددت وقائعه حسب رؤاها وتصوراتها .

وأرجو أن لا يفهم من كلامنا هذا وخاصة ممن يقرأه بأننا نحاول الانغلاق على النفس من خلال مهاجمة الغير أو الرفض لأي فكر وافد , لا بل نحاول أن ننطلق من الواقع الذي نتكلم عنه ونردده دائما بأننا ننتمي لمنظومة فكرية مثل الإسلام الأساس في بناء تلك المنظومة , لا بل تميزت بقدرتها على التحاور والاتصال مع الغير من خلال ما وصل إليه علماؤنا السلف .

إذا ما حددنا عملية الوصول في حقل التاريخ فقط فإنه يمكن أن نضع الاستفهامات التي نحاول الإجابة عنها , هل يمكن لنا ان نؤسس قواعد علمية جديدة للتاريخ يكون الموروث الذي ننتمي له الأساس لها , أم هل يمكن أن يشكل الموروث نظرية تفسيرية جديدة يمكن لها أن تكون منطلقا جديدا نستطيع من خلاله التبشير أو الكلام بتفاؤل ، يلعب فيها الموروث التشكيل الأكبر في وجودها من خلال مسالة الاعتقاد , أو الانتماء الإيماني الذي ننتمي اليه , خاصة أن القرآن والسنة يعتبران أساس ذلك الاعتقاد , علما أن القرآن تميز بقدرته على الاستمرار من خلال" إرادة الحفظ " , التي وضعها الله لنفسه على كتابه , لذا فإن واحدا من مظاهر الحفظ المستمر له , والتي نفهمها ضمن فهمنا المتواضع هو قدرته على الإبداع والإبداع المستمر في كل عصر وزمان , فالعصرية التي نود التنويه عنها ممكن أن تكون في المستقبل سواء القريب منه أو البعيد .

لذا فقد تناولنا في هذا البحث المتواضع : موضوع التعريف, ومن ثم الفرق بين التأريخ والتاريخ ، كما أننا تطرقنا لما يورده المؤرخون بعدم ورود لفظة التاريخ في القرآن ، كما كان لمسألة الأسس التي استنبطاها على واقع الدراسات التي نمر بها الآن أمرا مكملا لما بدأنا به .

المقدمة :
يعد التاريخ وبحق من العلوم المهمة التي ارتبطت بالعلوم الأخرى , كما أصبح المعيار الذي يمكن من خلاله حساب الكثير من المبادئ أو الحقائق التي ترتبط بوجود الإنسان من خلال ارتباطها بالثوابت التي يؤمن بها ، والأفكار التي تشكل الأساس المعرفي للعقائد التي تقوده لأن يقبل هذا الأمر ويرفض الآخر منه , ومثلت وجودنا وانتماءنا والعنوان الذي نعتز به والهوية التي ننشدها , والحكم – بفتح الحاء والكاف – الذي نقبل به حينما تغلق أبواب الحل أمام الخلافات التي يصبح التاريخ هو المرجع الذي يمكن من خلاله أن يقبل المتخاصمون بما تقوله الوثيقة ، ويحكم به المستند التاريخي في إظهار الحقيقة التي لا تستطيع كل القوانين أن تفصل في مثل تلك النزاعات التي تكاد تكون مستعصية , ويكون التاريخ قادرا على وضع الحق في مكانه من خلال الوظيفة التي ينفرد بها ، والحقيقة التي تنتسب إليه , ولطالما مثلت العلاقة بهذا المستوى ، وكان للتاريخ هذه المكانة والمنزلة التي ارتبطت بعقائد الناس ودياناتهم …

لاشك أن القرآن والسنة النبوية قد وضعا أسس نستطيع من خلالها أن نصل إلى الطريقة التي يمكن لنا أن نؤسس المنهجية التي ننتمي اليها من خلال ما نؤمن دون أن يؤثر الإيمان على الموضوعية التي لا شك أن المنهجية ستنشدها ، إذ ربما يضع الكثير الاتهام أمام الأسس التي نطمح لوضعها والمستندة الى القرآن والسنة النبوية , لكننا نقول لهم : إن كل النظريات والمناهج التي تعتمد في كتابة التاريخ ترتبط برؤى ، ومن خلالها نلاحظ غياب الموضوعية فيما نقرأ من أحداث لو جاء تفسيرها وفق تلك الرؤى أو النظريات ، سواء مادية أم اشتراكية أم دينية أم قومية , والسبب برأينا هو ربط حركة التاريخ بنظرية أو رؤية واحدة على حساب الرؤى الأخرى ، وهذا يتناقض مع الموضوعية التي يجب على الباحثين الالتزام بها , وهي الموضوعية التي ينشدها الإسلام حينما يكون واحدا من النظريات التي تفسر أحداث التاريخ ووقائعه , وربما كانت الأسس الأربعة التي تكلمنا عنها في البداية ,علما أنها تحمل رؤية غربية في التفسير لكنها لا تخلو من أخطاء ، تكون تلك الأخطاء على حساب الموضوعية والأمانة التي نريدها وندعيها , فيما لو أردنا أن نصل إلى الحقيقة علينا الاعتبار من تلك الأسس ، وتجاوز الأخطاء التي وقع فيها غيرنا من الباحثين .

فارتباط التاريخ بالقرآن والسنة النبوية واضحا جدا من خلال الآيات الكثيرة التي أشرنا إليها في بدايات البحث ، وهناك آيات كثيرة أخرى أشارت لها المصادر ، وربما أغفلنا وأغفلت عن تناولها الكثير من المصادر التي تناولت هذا الموضوع , لكن ما نطمح إليه هو ليس فقط ذكر الآية هذه أو الآية الأخرى من أجل الاطلاع , بل هو محاولة وضع منهجية جديدة نعتمد عليها في كتابة التاريخ ، وفي تفسير أحداثه .

فمثلما تعرضنا للمصادر التي اهتمت بالتاريخ وفلسفته نقدا أو تحليلا في ذكرها لآيات من القرآن دون أن تضع لنا الأسس التي يمكن لنا الاعتماد عليها حينما نكتب التاريخ ، فما موجود في كتب الغرب وبحوثهم هي نظريات وضعت ضمن الواقع الذي نشئوا به والمتغيرات التي تعرضت إليها بيئتهم فجاءت رؤاهم متناغمة مع ذلك الواقع أو تلك البيئة , فلا غرابة أن نبحث وأن نسعى للارتباط الذي يمكن أن نبدأ به من خلال التاريخ فلا نجد علما أو معرفة تزخر به مؤسساتنا العلمية دون أن يكون التأصيل الذي وضعته لها أساسه غربي ، والقواعد التي بنتها هي غربية ؛ لذا فما نطرحه هو محاولة جديدة وأولية لا ننتظر إلا الإضافة والاستمرار في وضع البناء لهذا الأساس , وكما قلنا لا يمكن أن يتولى في مثل هذه المشاريع شخص أو مجموعة , بل ربما مؤسسات علمية كاملة ، وتحتاج إلى سنين طويلة حتى يتم تأسيس ما نطمح لما ننتمي إليه ‘ وإلى الخصوصية التي لا شك نعتز بها , فكل النظريات بدأت بأفكار بسيطة تحولت مع البحث الجاد والتمحيص المستمر إلى مشاريع تبنتها الكثير من العقول الصادقة والحريصة ، ولا شك أن الأمانة والصدق والاعتدال من أهم الصفات التي يتحلى بها المؤرخون .

ولا نريد العودة إلى الوراء , أو الكلام عن النهضة العلمية التي بدأتها أوربا والكيفية التي تعامل فيها الفلاسفة مع الأفكار التي كانت موجودة ، ومثلت الكنيسة الأساس الذي تنطلق من خلالها ، فمثل الرفض للقديم وبكل الاتجاهات , وما يهمنا هنا البحث العلمي الذي استند على قواعد جديدة لم يألفها الفكر الغربي قبل ذلك , وكانت تلك الأسس مستندة على مناهضة الفكر الديني التسلطي الذي أخضع كل شيء للتصور الذي يتبناه ، وما عداه فهو كفر وهرطقة قد تودي بصاحبها إلى الموت ؛ لذا فحينما يطلق على تلك الفترة بالمظلمة تمثل الكلمة وبحق الركود الذي أصاب الفكر بشكل عام … فشل كل مفاصل الحياة , فالاستمرار عند الأخيرة واحدة من المعاني التي تمثل عنوانا رئيسيا لها .

لكن فيما نعانيه هو ابتعادنا عن الثوابت التي بدأها السلف فوضعوا أسس الكثير من العلوم والمعارف بما فيها التاريخ ، وما حصل هو حالة الانقطاع التي أصابتنا بسسب القطيعة التي بدأها البعض في العصر الحديث ، ومن المتأثرين بالفكر الغربي ، فكان التأصيل الذي وضعوه يمثل امتدادا للفكر الوافد لا للفكر الذي ينتمون له جذريا وعقديا وتاريخيا , فالتناقض باديا في ما تم طرحه من أسباب " للأزمات" التي تعانيها الأمة ، فالبعض يعود بالسبب للتراث , لكن ليس التراث من ذلك ، خاصة أن هناك قطيعة كبيرة معه ، انطلاقا من حالة الانتماء للغرب فيما يخص العلوم التي نرتبط بها ، والمناهج التي نعتمدها , وربما جاء الاتهام متوازيا مع ما اتهم به فلاسفة التنوير للتراث الذي انتموا له .

ثم إن هناك مدحا نفتخر به للمعرفة التي توصل لها السلف في العلوم ، وخاصة التاريخ ، ومفاده أن السلف أصلوا ضمن أسس العقيدة التي آمنوا بها ، فمثلت الرافد الرئيس الذي استندوا عليه في الوصول من المعرفة لما وصلوا إليه , لذا فما يوجه من اتهام للتخلف وللصعوبات التي نعانيها ، وعدم قدرتنا على الوقوف أمام التحديات التي نواجهها لا أصل للموروث به , فباعتقادنا أننا لواردنا العلاج سيكون التواصل مع الموروث والانتماء له ليس فكريا فقط ، بل معرفيا ، والاتصال بما وصله الغير ، آخذين بنظر الاعتبار التطور الذي وصلت إليه العلوم ، والإفادة من تجارب الآخرين في هذا الباب خاصة .

البدايات الأولى لحركة التدوين التاريخي :
لا نعني حينما نربط حركة التدوين التاريخي وبروزها بظهور الإسلام ودوره الواسع والكبير من خلال اهتمام السلف بالمسائل المتعلقة بالقرآن كتابة وتفسيرا وما رافقها من الاهتمام بالسنة باعتبارها المكملة له بحسب ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم : " ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه " , وما يعاكس هذا الكلام حينما يفهم فهما متواضعا أن لا وجود لأي أثر لتدوين التاريخ في العصر الذي سبق ظهور الإسلام , وما نود التنويه هنا لحل تلك الإشكالية إن أردنا وصفها كذلك أننا لو أردنا دراسة أية حالة علينا أن نربطها مع ظرفها الزمني وواقعها التي نشأت فيه ، وكل المتغيرات التي رافقتها , لذا فالكلام عن التدوين التاريخي قبل الإسلام ليس من الضروري أن نقارنه ، لكننا يمكن أن نقرنه بأنه مثل البدايات الأولى لمفهوم التدوين وحركة كتابة التاريخ , إذ لا مجال للمقارنة بينهما كما قلنا من حيث حجم تلك الحركة بين العصرين المشار لهما آنفا .

فالنتاج التاريخي قبل الإسلام كان متباينا بحسب الجغرافيا المنتشرة فيها والمتوزع بين ثقافات الأقوام المختلفة ، فالبعض يحاول التصنيف بين عرب الشمال وبين عرب الجنوب (1) ولكل وجهة لها خصوصيتها التي تتفرد بها ، فعرب الجنوب أو ما يسمون بعرب اليمن تميزوا بمدوناتهم من خلال نقوشهم التي اكتشفت على يد الآثاريين * , أما عرب الحجاز فلهم خصوصيتهم في هذا المجال , فقد كان لهم تراثهم الحضاري والثقافي ومن ضمنه التاريخ , لكنه لم يكن مدونا , بل مرويا إذ تزخر قصائدهم بأيامهم التي كانوا يفتخرون بها ، ويسجلون بها كل مآثر قومهم ، فالشاعر آنذاك لعب ـ عرضا ـ دور المؤرخ ليس من باب كتابة التاريخ ، بل من باب تخليد ما ينتسب إليه وما تتطلبه وظيفته كشاعر آنذاك , لذا فطريقة الشفاه في نقل الخبر أو الواقعة كان لها تأثيرها على مسامع المتلقي مع خاصية قدرة حفظها ونقلها من جيل الى جيل , رغم طابع المغالاة والخيال , فضلا عن صعوبة التحديد الدقيق لزمن القصيدة ، أو زمن الحوادث التي تتخللها القصيدة , مع ضرورة تثمين ما وصل إلينا من حوادث ، وذلك للحقيقة التي تغلفها ، والصواب الذي يتضمنها (2) .

استمر الاهتمام بالتاريخ مع ظهور الإسلام , إذ فرضت المتغيرات الجديدة نفسها عليه من خلال اهتمام المسلمين بالقرآن والحديث باعتبارهما من المصادر التي تتعلق بالإيمان والعقيدة ، وما يتوجب على المسلمين البحث في شؤون دينهم , ولا شك أن البحث في الدين يتطلب دراسة كل المسائل التي ترتبط به بحسب ما تشير القاعدة الفقهية إليه " ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " لذا فكان الاهتمام بالتاريخ جزءا مكملا لاهتمامات المسلمين الشرعية , ناهيك من أن قابلية الإسلام على احتواء الثقافات المختلفة للمسلمين سهلت عليهم بعد الدخول إليه من التعرف على الكثير من المسائل والاحتكاك بالكثير من الثقافات ، فليس ببعيد على الإسلام أن تصل إليه طرق الاهتمام بالتاريخ وطرق تدوينه من حيث التاريخ المدون والتاريخ المروي , فأصبحت مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم منطقة لقاء , لا بل استقرار لكل تلك الثقافات ، فكان لا بد من أن تمتزج جميعها في بوتقة الإسلام الواحد ، وينتج عنه توضيح أكبر لفكرة تدوين التاريخ (3).

فيكفي أن يكون الحديث من العوامل الجديدة التي أثارت المسلمين من حيث جمعها وفرزها عن القرآن وآياته , كما ساعدت مسألة الخلافة ودور الخلفاء في توسيع رقعة الإسلام ودخول الثقافات الجديدة الأخرى في الإسلام على ضرورة تدوين الكثير من الأمور المتعلقة بتنظيم الدولة الجديدة ذات الرقعة الواسعة , فليس عجبا أن نجد ملامح منطقة الجنوب في التدوين التاريخي ممتزجة مع ما تحويه منطقة الشمال من خصائص , بعد أن كانت كل منطقة بعيدة ومنفردة في خصائص تدوينها التاريخي قبل ظهور الإسلام (4).

كما تظهر لنا أسباب أخرى ساعدت في عملية تطور حركة التدوين التاريخي ، وقد ارتبطت تلك الأسباب بتوسع رقعة الدولة ، فبهجرة القبائل إلى المناطق المفتوحة شهد المجتمع الجديد تغييرات جذرية ، وتشكلت مع الأيام عناصر لطبقات اجتماعية كان محور ظهورها ووجودها مدى قربها من الإسلام ودور من تنتسب إليه في قيام الإسلام وقربه من الرسول صلى الله عليه وسلم (5) .

مثلت تلك الأسباب والعوامل إن صح أن نعتبرها عوامل في دعم حركة التدوين التاريخي , وكانت الأساس الذي انطلق فيه التدوين بعد القرن الأول للهجرة ، وخاصة في القرنين الثاني والثالث , بل أصبحت النظرة النقدية العلمية الجديدة في التدوين والمستوحاة كما قيل من تدوين حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والاهتمام الذي وصل إلى حد اعتباره علما من العلوم ، والتي وضعت لها الأسس في تقييم الحديث الصحيح من غيره ، انعكس ذلك التطور في مجال الحديث إلى مجال التاريخ وكتابة التاريخ (6) .

لذا فرغم انبثاق حركة التدوين التاريخي من قواعد علم الحديث وارتباط مسالة سلسلة الرواة في كتب التاريخ , إلا أن ما تبلور عن ذلك أن أصبح للتدوين مغزاه الخاص به بعد خروجه من ربقة علم الحديث ، وأهم ما ميز ذلك الخروج في أن التدوين تميز بدعامتين أساسيتين ، ففضلا عن الروايات التي تأخذ من الرواة كان للمشاهدة والتجواب جزء مكمل للمادة التاريخية , أما الدعامة الأخرى فقد سعى المؤرخون لتقديم بناء تاريخي متكامل تميز ببعديه الزماني والمكاني : فالأول تضمن دراسة الماضي مبتدئا إياه بدراسة الحياة الأولى للخليقة حتى حياة المؤلف , أما الثاني أي البعد المكاني فشمل دراسة مختلف الشعوب في بلاد العالم المعروفة فضلا عن دراسة المسلمين (7) .

وتوالت المصنفات التاريخية بعد ذلك العصر محاولة الخروج من إطار التاريخ العام الذي ميز القرنين السابقين ، فنظرت إليهما نظرة لا تخلو من سلبيات كون أنها اهتمت بكتابة التاريخ منذ بداية الخليقة الأول الذي لا يعتمد على أية وثيقة أو نص سوى القصص الخرافية ، أو تلك الروايات التي تعتمد على الكتاب المقدس , فكانت المصنفات الجديدة في العصر الجديد ذا اتجاه قطري محاولة اختصار الجهود في دراسة قطر من الأقطار (8) .

ونحاول هنا قبل أن نختتم هذا المبحث أن نتطرق إلى سمة جديدة تميزت بها المصنفات التاريخية التي ظهرت في القرن الخامس للهجرة بأنها اهتمت بالتاريخ الذي تميز ببعده العلمي الرياضي والفلكي في تقويم الحوادث الأرضية , والسبب الذي قادنا أن نهتم بدراسة تلك المصنفات , كون أن التاريخ أو وظيفة المؤرخ قد فهمت آنذاك بأنها لا تتجاوز أن تكون ذا مدلول سياسي , أو أنه يهتم – أي التاريخ – بأخبار السلاطين والملوك وانجازاتهم , لذا فالمتحول الجديد في اهتمام المؤرخين أنهم كسروا تلك القاعدة ، وبدأ اهتمامهم ينصب في تتبع نشاطات الإنسان الفكرية والعلمية , وقد كان أبو الريحان البيروني المتوفى 440 للهجرة أفضل من مثل هذا الاتجاه في كتابه " الآثار الباقية عن القرون الخالية " (9) ويبدو أن منهجه في التاريخ قد أثر اهتمامه الرياضي في ترجيحه للعقل بعد أن كان التاريخ موقوفا على النقل ، وهذا ما شهدته مصنفات كبار المؤرخين كأمثال الطبري والمسعودي وغيرهم من المؤرخين , والاهتمام بالعقل في دراسة الروايات يقود الباحثين لتحليلها ونقدها واستكناه عللها والربط بينها , وهذا ما فعله البيروني ليس في كتابه السالف الذكر بل في معظم كتبه الأخرى*.

كما أن التاريخ تجاوز كل تلك المصنفات بل وصل حدا جعله علما من خلال الأسس التي توصل إليه مؤرخنا الكبير ابن خلدون في مقدمة تاريخه ، والتي يعالج من خلالها أحداث التاريخ ووقائعه ، فضلا عن تأسيس الدول وسقوط الحضارات , حتى إنه يعرف التاريخ تعريفا دقيقا " إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم ، والأنبياء في سيرهم ، والملوك في دولهم وسياستهم ، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا ………… " (10)

وقد أشاد بفضله الكثير من المؤرخين في العصر الحديث من العرب ومن الأوربيين , ثم كان خاتمة ما تميزت به حركة التدوين التاريخي من خلال كتابات المؤرخين وجهودهم في هذا المجال , في أنه مثل الصرخة كونه علما مستقلا عن العلوم النقلية ، والمقصود بها علم الحديث ومدى ارتباط التاريخ بذلك العلم , كون أن المنهجية المتبعة في الاستدلال على صحة الرواية هي نفسها المتبعة في تدوين التاريخ أم أنه فرع منها , فالعناوين التي حملتها مؤلفات شمس الدين السخاوي " الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ " , ومؤلف محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي " المختصر في علم التاريخ "(11) .

يلاحظ من خلال ما تم تقديمه الكيفية التي تم بها تطور علم التاريخ عند المسلمين والمكانة التي وصل إليها لتعدد المصنفات التاريخية وتباينها ، والعوامل التي ساعدت على ذلك التطور وطبيعة هذا التباين .

كما يلاحظ دور الإسلام الواضح والكبير على تطور حركة التدوين بعد أن كانت مقتصرة على الروايات الشفوية أو الرقوم التي وصلت مكتوبة لكنها لا تتناسب مع حجم الحضارات التي كتبت عنها , وكيف أن التاريخ كان يعد فرعا من فروع علم الحديث ، فتأثروا بطريقة المحدثين في جمع الروايات ونقدها ، واهتموا بالإسناد إلى المصدر الأصلي باستخدام علم " الجرح والتعديل ".

وقد ضمنت لهم هذه الطريقة نوعا ما صحة الأخبار المتصلة بالسيرة النبوية , ويمكننا في هذا الباب أن نتناول أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي يمكن من خلالها أن نفهم كيف أننا نستطيع أن نستنتج القواعد في كتابة التاريخ من خلال تلك الأحاديث , فالمتمعن بالسنة النبوية إذا ما أردنا أن نبتدئ في تأصيل وتأسيس المنهجية التي ترتبط بها لوجب علينا التمعن بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تمثل أساس ما قامت عليه السنة النبوية , والكلام عن الحديث شامل وواسع وانطلاقا من شموليته واتساعه علينا البحث عن بعض الأحاديث التي اهتمت صراحة بالتاريخ أو تناولته ضمنا أو كان المدلول الذي أشار له الحديث ربما يمثل قاعدة نستطيع وضعها واستخدامها في تفسير التاريخ أو وضع منهجية ، لذا نحاول الوقوف عند واحد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : " يرحم الله موسى ليس المعاين كالمخبر , أخبره ربه عز وجل أن قومه فتنوا بعده , فلم يلق الألواح " *.

ويؤكد هنا على أهمية درجة الرواية ومدى قوتها في الاعتماد عليها حين الاستشهاد بها ، فنلاحظ هنا أن المعاينة أو الذي كان شاهدا على الحادثة أكثر قوة من حيث السند عن المخبر ( بفتح الخاء والباء ) , الذي يعتمد على طريقة النقل في التعرف على الحادثة , علما أن هذه المسالة قد اعتمدها سلفنا عندما تطورت مرحلة الكتابة ، وخاصة في القرن الثالث الهجري وما بعده ، إذ كان التحقق من الرواية من الأمور الأساسية التي لا يحيد عنها خاصة المؤرخون ، ناهيك من أنه أصبح تأكيدا كبيرا على مدى صدق الرواة , لذا فما نستطيع الاعتماد عليه أو الفائدة التي نرجوها في دعم موقفنا وآراءنا أن هذا الحديث مثل قاعدة أساسية في التأكيد على عدم إغفال السنة وخاصة ألحديث منها في مدى إمكانية تطبيق البعض واعتمادها في دراسة التاريخ ووضع منهجيته .

كما أن هناك أحاديث اخرى قد ترتبط بمضمون هذا الحديث من حيث قوة الرواية والسند المعتمد فيها , ففي حديثه الآخر صلى الله عليه وسلم " تسمعون ويسمع منكم , ويسمع ممن يسمع منكم " تأكيد واضح على أن الرواية سيتم اعتمادها عن طريق النقل ، فلاشك أنه ستكون هناك سلسلة من الرواة ، وهذه السلسلة هي الكفيلة بنقل الأخبار والروايات ، ويقع عليها مسؤولية صحتها , علما أننا نرى هذا الامر وتلك الصيغة مستخدمة عن كتاب الحديث ، وخاصة أصحاب الكتب الصحيحة , لكن ما نحن بحاجة إليه هو الطريقة التي تم التوصل إليها من قبل أولئك العلماء ، والكيفية التي توصلوا بها لوضع تلك القواعد في دراسة الحديث ، هل أنهم اعتمدوا في القواعد تلك الأسس المنهجية القيمة في ضوء اعتمادهم على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المشار إليها أعلاه أم على أحاديث أخرى ، استمدوا منها الأصول التي استخدموها في بحثهم في الحديث ؟

وإذا كانت الإجابة كانت بالإيجاب فهذا دليل كبير على الإمكانية المعرفية الواسعة التي تميز بها علماؤنا في القرون الأولى للهجرة , وبغض النظر عن المؤثرات الخارجية التي ساعدتهم للتوصل إلى مثل تلك القواعد ، والمقصود بالمؤثرات الخارجية هي المعارف التي وصلت إليهم من الأقوام التي دخلت للإسلام ، والتي تملك رصيدا معرفيا قاد علماءنا إلى دراسة تلك المعارف الجديدة ، وتوظيف ما يستفادون منه في دراسة الحديث مثلا , لكننا نكاد أن نجزم أن علماءنا الأول حينما توصلوا إلى تلك القواعد كانت خطوة مهمة ليس فقط في الدراسات الشرعية بل بالدراسات الأخرى التي جاءت لاحقا ، وكان التاريخ واحدا منها .

إذ اعتمد مؤرخو تلك الفترة في كتاباتهم التاريخية بنفس أسلوب رواة الحديث ، فكان سلسلة الرواة هي نفس الطريقة التي استخدمها علماء الحديث , فالحديث الأول الذي يشير إلى أهمية شاهد العيان في الحادثة أو النقل عن طريق المشاهدة العيانية يقدم في الترتيب وفق الحديث الشريف على الذي يعتمد في روايته على الخبر المنقول دون أن يعتمد في روايته على المشاهدة ، لذا فحينما نضع الأفضلية هنا وفق ما أشار إليه الحديث وحتى في منطق العقل لرأيتنا نرجح الرواية الأولى التي تعتمد على المشاهدة والعيان ، ولاشك أنها تكون أدق وأعمق أثرا من الرواية الثانية التي تعتمد على الخبر طريقا لها , دون أن ننقص من أهمية الثانية ، فالكلام هنا هو المقارنة بين الطريقتين في نقل الوقائع والأحداث .

أما الحديث الآخر الذي نحاول اعتماده في دراستنا تلك ، ويعد بحق حديثا يرتبط ارتباطا كبيرا بالتاريخ ، لا بل يرتبط بتقسيم التاريخ إلى عصور تاريخية ، خاصة أن التقسيم المعتمد اليوم هو تقسيم غربي , وقد يعتقد البعض أننا نغالي في ذكر التأثير الغربي على كتاباتنا وصنوف المعارف التي نهتم بدراستها ، لكن الواقع يقال أن التاريخ مثلا وبغض النظر عن المنهجية الغربية المستخدمة تم اعتماد أمرا آخر لا يقل أهمية عن المنهجية في الدراسة ، وهو تقسيم التاريخ إلى فترات زمنية ، ومثلت تلك الفترات أقسام الاختصاص المعتمدة لدى الباحثين ، فكان هناك أساتذة او باحثون متخصصون في التاريخ القديم , والإسلام ي , والتاريخ الحديث والتاريخ المعاصر , معتمدون في هذا التصنيف على الرؤيا الغربية التي صنفت الفترات الزمنية ، وحددت تواريخا كانت الفاصل بين هذه الفترة وتلك ، لذا أصبح هذا التصنيف هو الطاغي على واقع البحث العلمي ، ولا يمكن لأي باحث أن يحيد عنه , لا بل أصبح تصنيفا معتمدا في مؤسسات البحث العلمي ، فلا يحق للباحث في التاريخ الإسلام ي أن يتناول موضوعا في التاريخ المعاصر ، وهكذا الحال وبالعكس ..

ويرتبط في هذا الأمر مسائل كثيرة ، وكل ذلك يرتبط بمسالة التخصص في طبيعة الدراسة التي اعتمدها الباحث وفق التصنيف الذي أشرنا له , ويمثل واحدة من العلامات البارزة لما وصل إليه الفكر الأوربي من تطور في مجال الدراسات وخاصة التاريخية منها ، وأصبحت هذه المنهجية هي المعتمدة لدينا نحن الذين نمتلك كل الإمكانات المعرفية التي تؤهلنا أن نضع لأنفسنا وفق الرصيد الذي وضعه لنا علماء القرون الأولى للهجرة ..

لكننا قد أشرنا للقطيعة التي حلت بنا في مباحث سابقة , وانعكست على واقع الدراسات التي قمنا بها ، لهذا كان الاعتماد على الغير كعلاج لهذا المأزق الذي مررنا به ، فأصبح العلاج هو المأزق الجديد الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه من تدني في واقع البحث العلمي , وكان موضوع تقسيم فترات التاريخ واحدا من الأمور التي شكلت لنا انتماء هجينا ، إذا صحت هذه العبارة في هذا المقام ، وحددتنا في ما نريد البحث فيه وفق الأفق المحدد الذي وضعته ، علما أن هناك حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم يقول فيه "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن يكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله ان تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة "(12) , ويشير الحديث بشكل صريح إلى أن هناك تقسيما وضع للزمن يمكن اعتماده في تقسيم فترات التاريخ لكن ليس وفق التقسيم الأوربي ، إذ يضع التاريخ بحسب الحديث الشريف وفق معيار النظام الحاكم وطبيعة السلطة القائمة ، فيؤكد أن عصره عصر نبوة وما بعده خلافة على نهج النبوة ، ومن ثم ملك عضوض ، ثم جبروت ثم خلافة راشدة ..

وما يهمنا هنا في هذا الحديث هو المعيار الذي تم وضعه في تقسيم الفترات التاريخية إذ مثل طبيعة النظام الحاكم ، وليس على أساس هذا إسلامي أو غير إسلامي .

كما لا نريد التطرق إلى التنبؤ الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم في بقية الحديث ، وهذا ما مّن عليه رب العزة على رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم , ونلاحظ أن الحاضر الذي تكلم عنه وهي الفترة المعاشة والمتمثلة بالنبوة وما بعدها الذي يدخل في علم الغيب قد اعتمد تصنيف فترات التاريخ وفق طبيعة الأنظمة الحاكمة ، وماهية السلط الموجودة , وانطلاقا من هذا الحديث الشريف يمكننا أن نستدل في تقسيمنا للتاريخ بفتراته على ضوء طبيعة الأنظمة الحاكمة ، والتي أشار اليها الحديث باعتبارها هي محور حركة التاريخ ، فالأ فراد أو المجتمع لا شك أنهم يدورون حول السلطة الموجودة ، سواء أكان الفرد او الجماعة مؤيد و مؤيدة لتلك السلطة أو معارض ومعارضة لها , ولا يفهم من كلامنا أن الجماعة حينما تدور حول السلطة أنها تدور بتبعية لات ظهر شخصية الفرد أو الجماعة بقدر ما تمثل واقعا فرض على الوجود أن السلطات تمثل محور حركة التاريخ وبطبيعتها ، سواء كانت راشدة ام سلطة ملكية أو حكم " دكتاتور " أي جبروت حسب ما وصفها الحديث الشريف , وكل واحدة من تلك السلطات لها خصوصيتها ، وان لتلك الخصوصية انعكاسها على حياة الفرد والجماعة ، ومن هنا كان لزاما أن نقتدي بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن نضع هذا التقسيم تصنيفا وتحقيبا لفترات التاريخ بدل أن نعتمد لتقسيم التاريخ وفق العصور الموجودة والمتبعة في دراساتنا , وللذي يود التأكد من صحة ما نطرحه من رؤى عليه أن يضع مقارنة فيما تطرحه الفكرتان الخاصتان بتقسيم التاريخ الأولى الغربية التي ترى أن التاريخ ينقسم بين " قديم وإسلامي وحديث ومعاصر" وبين الرؤيا الثانية التي طرحناها والمعتمدة على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من بين ما تضعه كل واحدة من إيجابيات وسلبيات ، وهذا ما نستطيع أن نقدمه من دليل لدعم موقفنا , وحتى لا يكون الشك الوازع الذي ننطلق منه وبه ، ويكون الصورة القاتمة التي ترسم لنا من الغير , لكننا في مثل هذا الموقف لا نستطيع إلا أن نضع مثل تلك الافتراضات مثلا ، إن التقسيم الأوربي يفرض علينا فكرة أن الحديث والمعاصر يأتي ما بعد العصر الإسلام ي , ناهيك عن مسائل أخرى ربما نحفز بها مخيلة القارئ في وضع نقاط الإيجاب والسلب بين هذه وتلك .

القرآن الكريم … ولفظة التاريخ :
يرتبط موضوع التاريخ وموقف القرآن من التاريخ أو بمعنى آخر الصورة التي بدت للتاريخ في القرآن بالموضوع الذي سبقه كون ان المصادر المهتمة به تحاول أن تربط التاريخ ابتداء كمصطلح ثم كعلم تنطلق به من بداياته الأولى(13) , ولاشك أنها تنطلق من القرآن , لكنها لا تجد الإجابة من خلال الاستفهامات التي تبرز, أو يبرزها الآخرون لهم ممن يشكك أو تقع في قلبه الريبة , أو من كان أحسن حالا, لكنه لا يتفق مع هذا وذاك , إلا أنه يستعيض بما جاء به القرآن من مصطلحات مرادفة للفظة التاريخ .. لذا فالموضوع قد أثير حوله اللغط الكبير والشك , وربما لزم البعض الصمت أمام الأسئلة التي تثار حوله ألا وهي .. لماذا لم يشر القرآن إلى لفظة التاريخ بشكل صريح وواضح ؟ , خاصة أن الكثير من المصادر تشير إلى المساحة الواسعة التي يشغلها القرآن في تناول موضوع التاريخ ضمنا لا صراحة هذا من جهة , أما من جهة أخرى فهي رغبتنا في أن نتناول هذا الموضوع في هذا الباب علما أننا تناولنا موضوع تعريف التاريخ في الباب السابق للذي قبله ، وربما يثير البعض استفهاما حول ذلك الأمر , لا بل من حق الاستفهامات أن تبرز هنا , لأن من المفروض أن يكون سبب عدم ذكر القرآن للتاريخ في باب التعريف لا في هذا الباب , لكننا ارتأينا أن نفصل هذا الامر هنا قبل أن نتناول الأسس التي وضعتها السنة النبوية في تفسير التاريخ ، ولكي نكون موضوعيين ودقيقين كون القرآن لم يشر إلى موضوع التعريف لذا لا نجد علاقة لهذا الموضوع بموضوع التعريف .

كما أن وجوده يتناسب في هذا الباب لأننا نحاول أن نشير إلى الأسس التي وضعها لنا الإسلام في مجال التاريخ كتابة وتفسيرا .

فيما يخص موضوع القرآن وعدم وجود لفظة التاريخ فيه يقف البعض يا للأسف وقفة شك , بل هي أقرب للاتهام الضمني … أن القرآن لم يشر إلى لفظة التاريخ ، وتجاهل أمرها رغم أهمية التاريخ في القرآن , من منطلق أن ما يذكره القرآن عن الأمم السابقة يمثل تاريخا لتلك الأمم , لكنني لا أجد أن القرآن قد تجاهل أو لم يشر أو تغافل " حاشا لله " في ذلك للفظة التاريخ ، بل كان دقيقا في عدم ذكره , كون أن أي عنوان وكما ذكرناه آنفا يأتي بعد سرد مضمون ما يراد الكلام عنه ، ثم يأتي عنوانه ليكون بعد ذلك تعريفا له , فلو قلنا : إن فلانا رجلا صادقا فمن الطبيعي أن الصدق مثل فيه علامة بارزة ميزته عن خصاله الأخرى التي يحملها , وجاءت هذه الصفة أي صفة الصدق لتاريخه الطويل في سلوك طريق الصدق حتى أصبح يعرف بتلك الصفة , وانطلاقا من هذا المثل البسيط نستطيع أن نتعرف على لفظة التاريخ فيه في آيات كثيرة , وقد تناولتها المصادر المهتمة في هذا الباب خاصة كتاب " التفسير الإسلامي للتاريخ "(14) , فالقرآن ومن خلال آياته يشير الى الأحداث الماضية بصفتها تاريخا حدث في زمن ما ، لكنه أحيانا وفي نفس الآية يتناول العبرة من تلك الأحداث والوقائع ، بل ومدلولها ، وهنا ينتقل إلى موضوع فلسفة التاريخ .

لذا لا يستقر القرآن في موضع واحد أو تعريف واحد بل ينتقل فيه حسب رؤية القرآن للتاريخ بأنه علم قابل للتطور , ومن خلال آياته , فانتقل من قصة وربما يأتي الاستنكار من بعض الدراسات التي تميزت بالرؤية السطحية ان القصة تختلف اختلافا كبيرا عن الحادثة التاريخية دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التدقيق في طبيعة اللفظة وموقعها والمكانة التي جاءت بها , فحينما تشير الآية الكريمة " لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب …. " الاية 111 من سورة يوسف , يورد هنا لفظة القصة بالحادثة التاريخية ، وأن الأحداث التاريخية والوقائع ماهي إلا قصص , لكنها لا تعني بالقصص بمعناه الحالي ، وأنها واحدة من الفنون الأدبية التي تتميز بإضفاء المسحة الخيالية عليها ..

فالتاريخ بأحداثه لا يكون طموح المهتمين به إلا البحث عن صدق الواقعة وحقيقتها ، أما القصة الأدبية فطموح المهتمين بها هو إضفاء الخيال عليها , لكن ما ورد في الآية القرآنية هنا وفي آيات كثيرة تعني ماهية الحادثة التاريخية , فلا شك أن هناك فرقا بين المعنى اللفظي والاصطلاحي .

كما ورد التاريخ فيه كعلم مستقل حينما يعبر عنه من خلال ذكره الأحداث الماضية والوقائع من خلال آيات القرآن ………… ناهيك من أن مضمون فلسفة التاريخ يبرز في الكثير من الآيات القرآنية , ففي الآية 62 من سورة الأحزاب تعبر خير تعبير عن مفهوم فلسفة التاريخ " سنة الله في الذين خلوا من قبل ……. " .

كما تشير آيات أخرى إلى مدلول الحادثة والواقعة أكثر مما تهتم بالدخول في التفاصيل…… . لذا فنلاحظ الانتقال هنا في فحوى التاريخ ومفهومه بأكثر من موقع ومفهوم حتى يصل وكما اشرنا الى مفهوم فلسفة التاريخ وكل هذه النقلات , لاشك أن الله تعالى قد أخذ بنظر الاعتبار في علمه وحكمته الأطوار التي سينتقل إليها هذا العلم والتغييرات التي ستطرأ عليه ؛ لذا فقد ترك لنا أمر التعريف حسب الوضع الذي يتكون فيه ذلك العلم , فالقرآن قد أشار الى إلزمن وعلاقة الزمن بالتاريخ ، ففي سورة النازعات الآية (43) , يورد الله جلا وعلا لفظة الساعة , ثم تكون الإجابة عنها في نهاية السورة الآية (46) " كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها "..

وهنا يربط الحدث بالزمن ، كما يشير إلى مدلول الحادثة التاريخية والعبرة التي يجنيها الإنسان من خلالها .. فالآية (137) من سورة الصافات التي تشير إلى هذا المعنى في إظهار مدلول الحادثة " وإنكم لتمرون عليهم مصبحين " , ثم تؤكد الآية الأخرى على ضرورة أخذ العبرة والعظة من شواهد من كان من قبلهم .

كما يشير القرآن في مواضع أخرى إلى ضرورة فهم تاريخ السلف لجعله معيارا لهم , ففي الآية (168) , من نفس السورة " لو أن عندنا ذكرا من الأولين " " لكنا عباد الله المخلصين " , وهنا إشارة واضحة لعدم اهتمام البعض ، أو لعدم وصول تاريخ من كان من قبلهم لهم , ولو كانوا قرءوه او سمعوا به لا تبعوا الإخلاص استنادا لفهم حياة الذين من قبلهم .

كما أشار القرآن في آيات أخرى إلى المؤرخين كذلك وكتاب التاريخ , ومن الطبيعي أن القرآن لا يشير إليهم صراحة , وفقا لعدم ذكر لفظة التاريخ صراحة كذلك .. فلفظة المؤرخ ارتبطت بلفظة التأريخ , ولطالما جاءت لفظة التاريخ بعدة معاني ضمنية جاءت لفظة " كاتب التاريخ " بنفس العدد من المعاني الضمنية أيضا , ففي الاية (112) والآية (113) , من سورة المؤمنون " قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين " , والتساؤل هنا يأتي لأهل النار في بقائهم على الأرض ، فهنا ربط الزمن بالحوادث وليس كل الزمن هو تاريخ ، بل الزمن الذي يرتبط بالأحداث المهمة , وتأتي الإجابة على لسانهم لأنهم بشر وهم المعنيون ، ولأنهم هم الذين أقاموا في هذه الأرض فيكون جوابهم " قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فسال العادين "

فيعتقدون أن بقاءهم على الأرض التي عاشوا فيها ما عاشوا يمثل يوم أو بعض اليوم ، ثم ينقلون الإجابة لأهل الاختصاص الذين تعايشوا معهم في الدنيا وهم " العادين " , الذين يعدون السنين ، ويتولون مسؤولية تلك المهمة ، وليست كل السنين بل التي ترتبط بها الأحداث العظيمة والمهمة ، وهذا ينطبق مع استدلالنا حول موضوع تعريف التاريخ والتقسيم الذي سار عليه المؤرخون بين لفظة "تاريخ " بالهمزة المخففة , و " تأريخ " بالهمزة المشددة , وأن المؤرخين هنا حملوا اسم " العادين " والذي يحمل أكثر من معنى في التاريخ وكتابته .

وعليه فلفظة التاريخ لم ترد في القرآن لضرورة هذا الأمر ، إذ ترك لنا القرآن تلك المساحة الواسعة في تقدير اللفظة للفترة التي تكتمل فيه شروطها ، بل انتقل القرآن مع تعدد معاني التاريخ وتكامل مضمونه فبقي المدخل والمعنى الرئيس لمضمونه واقعا علينا تقديره وطرحه وفقا للمعنى المراد منه ، سواء أكان يطلق عليه يوما حينما بدا الاهتمام بالتاريخ في القرن الأول والقرون اللاحقة .. بالقصة أو ظهوره بلفظته المستقلة وكعناوين لكتب حملت اسم .. التاريخ , ومن ثم انتقاله في العصر الحديث إلى علم مستقل بذاته وسمي .. بعلم التاريخ , بعد أن وضعت له الشروط اللازمة لاعتباره علما من العلوم المعرفية .. حتى ظهور بعد ذلك الفلسفة التي اهتمت بمدلول الحدث والنظرة إلى التاريخ ووقائعه نظرة شاملة لاستخلاص النتائج العامة منها , دون محاولتها لإذابة تفصيلات الحدث .

إذ ربما تمثل بعض التفاصيل القاعدة التي يمكن أن يستند عليها فلاسفة التاريخ في الوصول إلى تأكيد القواعد التي وضعوها لتقييم أطول فترة زمنية شغلتها الحادثة .

فالزمن ليس مشروطا فيه أن يقتصر على الحادثة و الواقعة التاريخية بل يتجاوز إلى فترة أخرى تظهر فيها نتيجة ما تحاول فلسفة التاريخ إثباته والاستدلال عليه .

التعريف والإشكالية حول التعريف :
يعد التعريف من المسائل التي لا يمكن الاستغناء عنها في مجال البحث العلمي , خاصة إذا كان ذلك البحث يرتبط بالعلوم الإنسان ية ، كون أن التعريف يعد المدخل للمسائل المراد بحثها , وبغض النظر عن الاختلاف الموجود في البحوث المهتمة بالتاريخ حول تعريفه أو بمعنى أدق – ماهية التاريخ – كونه مفردة مستقلة أو حتى لو أنها جاءت ضمن سياق العلوم والحقول المعرفية الموجودة حاليا , والتي تحمل مصطلح " علم التاريخ " نجدها ترتبط بأصل لا يتجاوز البحث في الوقائع والأحداث الماضية ودراستها ضمن الموضوعية التي ينشدها القائمون على ذلك العلم , (15) أو أنها تقترب من ذلك المعنى ولا تحيد عنه , " بأنه سجل لحياة المجتمعات الإنسانية وللتغيرات التي اجتازتها تلك المجتمعات "(16).

فالملاحظ أن البحث عن الحقيقة أو تفسيرها أو جمعها كلها تدخل رغم تباينها ضمن قائمة التعريف , رغم إننا يجب أن نتعامل بدقة نصل بها حد الحذر فيما يخص الفترات الزمنية المرتبطة بالتعريف والمهتمة بتعريف الكلمات ، نراها تؤكد بأن التاريخ كلمة ترادف في معناها الزمن أو الإعلام بالوقت * .

تطالعنا كتب التاريخ .. أو كتب فلسفة التاريخ بجملة من التعاريف بعضها , وحسب ما تدعيه أنها تعاريف قديمة استخدمها السلف في فهم التاريخ ، والبعض الآخر منها حديث انطلقوا في تعريفه استنادا للتغيير الذي حصل بعد عصر النهضة الأوربية واهتمام الأوربيين بالتاريخ نقدا وتفسيرا ومنهجية , لكونه اعتبر علما مستقلا بذاته مرتبطا بالعلوم الأخرى , ثم بدأنا بالخوض فيه مبتدئين من حيث انتهى الأوربيون بوضع المنهجية العلمية له ، خاصة مع بدايات القرن الماضي , لكن ما حصل من تغيير هو تأثر ذلك العلم بالحركات والرؤى التي ظهرت ، وخاصة القومية منها والمادية والاشتراكية ؛ لذا أدلى الباحثون بوجهات النظر التي عكسوها استنادا لما اعتقدوه ، فبدأت التعاريف تتباين حسب التباين في الرؤى التي نظرت إلى التاريخ , وأصبح من ضمن الثوابت التي لا يمكن العدول عنها في معالجة أي موضوع دون أن نضع له تعريفا خاصا به حتى وصل الأمر إلى عدم الاهتمام بمضمون التعريف أو التوقف عنده لوضع الأسس التي يستطيع الباحثون من خلالها البدء بالمواضيع المراد بحثها , لكن لم يمثل لهم أكثر من خطوة تجميلية لبحوثهم , علما أن تعريف التاريخ قد خضع ليس فقط للمعاني المختلفة التي تضمنته بل شكل مفهوم الكلمة اللفظي نقطة أخرى بحاجة لأن نتوقف عندها , إذا ما أردنا أن نخرج بنتيجة لا نقول جديدة بل تتناغم مع الأصل العام له .

والأمر المهم الذي يستدعينا للتوقف عنده هو الفرق الذي يظهره الباحثون في الفصل بين كلمة " تأريخ " ( بالهمزة المشددة ) , وكلمة " تاريخ " ( بالهمزة المخففة )(17) , وحسب ما يورد البعض في بحوثهم وكتاباتهم والتي لاشك أنها اعتمدت على مصادر أخرى دون تمحيص تلك المصادر , ولم يقتصر ذلك على الدراسات المعاصرة ، بل نراها في كتابات ما يسمى بالجيل الأول من المؤرخين المعاصرين كذلك , ناهيك من أنها تدرس في الكليات والمؤسسات الأكاديمية الرصينة , والفرق هو وكما تعلمناه أن الأولى التي تأتي بالتشديد المقصود منها – أحداث التاريخ ووقائعه – أما الأخرى المخففة فالمقصود منها هو – الزمن الماضي – , ولا شئ أكثر من الزمن .

وقبل الخوض في هذا الموضوع علينا أن نعرف التاريخ بغض النظر عن تشديده وتخفيفه , أنه يعتبر سجلا لأحداث الماضي ووقائعه , ولطالما تعود معنى الكلمة للأحداث أو الوقائع ، فيعني أنها حدثت في زمن ما باعتبار أن واحدة من أبعاد التاريخ هو الزمان ومن ثم المكان , وقد تكلمنا عنهما آنفا, وتناولنا أولوية كل منهما في سياق الأحداث , ولطالما يعتبر الزمن مكونا أساسيا في الحادثة التاريخية فلماذا الفصل الحاصل بين الكلمتين أولا , وماذا يعني أن كل واحدة منهما تعني شيئا يختلف حسب ما يرون عن الأخر ، علما أن معظم الأقوام والشعوب ولفترات ليست بالبعيدة استخدمت الوقائع المهمة لحساب السنين .

فهذا القرآن يوضح لنا حادثة مهمة ومعروفة لدى الكثير منا بغزو الكعبة من قبل جيش أبرهة ، بل سميت واحدة من السور القرآنية باسمه " سورة الفيل " , كما تورد لنا كتب السيرة أن هذه الحادثة (18), والتي أصبحت نقطة زمنية مهمة حتى جاءت ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم حسب ما يرد المؤرخون, بعد عام الفيل ، ولم يقال في سنة كذا وكذا , ثم لو نرجع إلى موضوع آخر يرتبط في حل تلك الإشكالية أن تسجيل أحداث التاريخ لا يعني تسجيل كل شيء , بل يقتصر التاريخ عادة على توثيق الأحداث المهمة والفاصلة ، ولو أن التاريخ يحوي كل شيء لكان لزاما عليه بسرد حياة الشخص الواحد بدقائقها منذ ولادته حتى مماته ، ولو كان الأمر كذلك لما كان تاريخا , بل أصبح علما سرديا لا يمكن الواحد منا الخوض فيه ، إذا ما علمنا أن من يكتب في التاريخ لا يخلد رواية سيرة شخصية واحدة , وحتى لو كانت واحدة فلاشك أن لتلك الشخصية علاقاتها بالمجتمع المحيط بها , ولأن التاريخ يقتصر على الأحداث المهمة , ولأهمية الأخيرة في حساب السنين اهتم العرب خاصة على حساب سنينهم وربطها بالأحداث المهمة التي حصلت في كل سنة ، وكانت العلامة البارزة لها , حتى كان هذا الحساب قد استمروا به لفترة متأخرة , وقد سمعت أنا من والدي أن سنة " الجراد " مثلا أو سنة " المجاعة " من الأحداث المهمة التي حدثت في تاريخ العراق المعاصر , وكانت الفاصل في حساب الأحداث الشخصية التي ترتبط بحياة الناس , ولا يستطيعون تذكر الأحداث هذه حينما يأتي ذكر الزمن المراد البحث فيه لسبب ما .

كما أشار القرآن الكريم إلى ذكر يوم القيامة بأسماء عدة وواحدة من تلك الأسماء هي " الساعة " والكل يعرف أنها واحدة من الحلقات الرئيسة التي يحسب بها الزمن , فكيف اقترن هذا اليوم العظيم بل وهذا الوقت من ذلك اليوم بهذا الحدث الذي يعتبر تتويجا لما قام به الإنسان في حياته , ومن هذه المسالة نستطيع الاستدلال بشيئين نعتمد فيهما لتعزيز الرأي الذي نريد الوصول إليه , وهو لا فرق بين هاتين الكلمتين فكلاهما يشيران إلى معنى واحد الغرض منه هو….. ذكر أحداث التاريخ في فترة زمنية محددة .

الشيء الأول أن التاريخ وكما قلنا يوثق المهم من الأحداث ، ولا يوجد أعظم أهمية من يوم القيامة واللحظة التي يراجع الإنسان ما قدمه لنفسه من أفعال وأعمال , وهذا الأمر يدعم رأينا القائل بان التاريخ هو تسجيل للأحداث والوقائع المهمة .

أما النقطة الأخرى أن تسمية ذلك الحدث ب" الساعة " شيء آخر نستدل به على أن الأحداث المهمة تقرن بحسابات الزمن , ولأن الأمر مستقبلي فقد حددت له علامات مثلت الشيء الذي يستطيع الإنسان الاستدلال من خلاله بذلك اليوم ؛ علما أنه يمثل مراجعة لما قام به الإنسان من أعمال وأفعال في الماضي , لذا فالتاريخ هنا سجل لأحداث الماضي التي حدثت في زمن ما , فلولا الأحداث المهمة لما كان للزمن من اعتبار, ودون الخوض في مسائل فلسفية في هذا المكان , فالزمن مسالة افتراضية افترضها ووضعها الإنسان لتنظيم أعماله وأفعاله ، وارتبط بعد ذلك بوجوده حتى اللحظة التي يراجع فيها ما قدمها لنفسه الا وهي " الساعة " .

لذا فمسالة تقسيم الكلمة لدى بعض الباحثين بين " تأريخ " و " تاريخ " , والمصدر الذي استقوها منه " نحن والتاريخ " , للمفكر " قسطنطين زريق(19), وأصبحت من الثوابت التي لا يستغني عنها معظم الباحثين في بحوثهم ودراساتهم والفرق الذي أظهروه في معنى كل واحد منهما نجده فيه لا يمثل أكثر من لبس لأننا قد ذكرنا في هذا الباب رغم أهمية التعريف باعتباره المدخل لما يراد دراسته إلا إننا أصبحنا ننظر إليه ليس أكثر من خطوة لا نكلف النفس عناء البحث فيها ، فالمصادر المتنوعة توفر لنا ما نصبو إليه ودون كلفة البحث والتقصي والدراسة .

فكان ما كان وأصبح ما يطرح الثابت والقاعدة التي لا مراء فيها ولا جدل من بعدها .

الهوامش :
1ـ يميز معظم المؤرخين حينما يأتي الكلام عن التدوين التاريخي قبل الإسلام بين التاريخ المدون الذي تمثل به عرب الجنوب وبين التاريخ المروي الذي تمثل به عرب الشمال وللاطلاع حول الموضوع ينظر : سهيل زكار " التاريخ عند العرب والبحث عن مدرسة عربية لتحليل التاريخ " مجلة قضايا عربية , السنة العاشرة , العدد (2) بيروت -1983 , ص ص6 – 7 .
* لم تكن المدونات التي اكتشفت تتناسب مع حجم الحضارة التي تميزت بها تلك المنطقة فما جاء فيها لا يعدو أن يكون إشارات عن الملوك الذين حكموا اليمن .
2-ولم تكن أيام العرب هي المفخرة التي اهتم بها شعراء ما قبل الإسلام بل كان لموضوع الأنساب والاهتمام بها من الأمور التي عززت مسالة التدوين , بل تعدى اهتمام الإنسان العربي بنسبه وانتمائه لقبيلته الى الاهتمام بأنساب الخيول لمعرفة الأصيل منها , للاطلاع ينظر : عبد العزيز الدوري , بحث في نشأة التاريخ عند العرب , ( بيروت – 1960) , ص 18.
3-واحدا من أهم خصائص الإسلام في مجال حركة التدوين التاريخي هو التقاء خصائص التدوين التاريخي المختلفة الطباع والمتباينة المناطق في نقطة التقاء العقيدة الإسلامية الواحدة والجامعة فأنتجت كتابات ذا توجه جديد وقد تميز جديده باشتراك التباين من تلك الخصائص في نهج جديد تميز به عدد من المؤرخين فنذكر منهم على سبيل المثال " ابن إسحاق " , اذ جمع أساليب المحدثين والقصاص , وكان ابعد أفقا وأوسع تفكيرا من سابقيه ومعاصريه , وقد جمع في رواياته الكثير من القصص التي يرجع أصلها الى إخباريي اليمن , ولا ننسى رواياته الخاصة عن المغازي وتأثره بشيوخه في المدينة للاطلاع ينظر : نور الدين حاطوم وآخرون , المدخل إلى التاريخ ( دمشق – 1965) ,ص 209 ؛ زكار , المصدر السابق , ص 6.
4-المصدر نفسه .
5- المصدر السابق , ص 12.
6-شحادة الناطور وآخرون , مدخل الى تاريخ الحضارة , ط2,( الأردن – 1991) , ص 7 ؛ الدوري , المصدر السابق , ص 19.
7-أو ما يسمى بالبعدين الأفقي والعمودي , وتميز معظم مؤرخي تلك الفترة بهذا الأسلوب , بل إن تلك الطريقة ميزت ذلك العصر فلا قدرة لباحث من ذلك العصر أن يتخلى عنها , وللاستزادة حول هذا الموضوع والطريقة المتبعة في التدوين ينظر: الطبري في" كتابه تاريخ الرسل والملوك" , واليعقوبي في كتابه " تاريخ اليعقوبي" والمسعودي في كتابه " مروج الذهب .
8-أقدم المصنفات التي اهتمت بتاريخ الأقطار هو كتاب " تاريخ مصر وفتوح المغرب " لعبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم ت 257هج , وكتاب " الإكليل " للهمداني ت334 , للاطلاع ينظر : هاشم الملاح وآخرون , دراسات في فلسفة التاريخ , ( الموصل – 1988 ) , ص 50 .
9-علي أحمد الشحات , أبو الريحان البيروني – حياته ومؤلفاته , (القاهرة – 1968 ) , ص بدايات الكتاب وكذلك الصفحات 324, 330 -331 .
· وقف البيروني في العديد من القضايا مثل قضية هوية ذي القرنين , كما بحث في موضوع التاريخ الهجري للاطلاع ينظر : الشحات , المصدر نفسه , ص 330 ؛ وللاستزادة ينظر : سيد رضوان علي ," البيروني ومنهجه في البحث التاريخي " ,مجلة المؤرخ العربي , العدد الرابع عشر , بغداد – 1980 , ص 310 – 311.
10- للاطلاع ينظر : ابن خلدون , مقدمة ابن خلدون , دار إحياء التراث العربي , ط 3 , ( بيروت – د –ت ) , ص 9.
11- عبد الجبار ناجي , " فلسفة التاريخ أهي فلسفة ام تاريخ " , مجلة دراسات فلسفية , العدد (2) , بغداد – 2000, ص 13.
· أخرجه ابن أبي حاتم .
12- رواه الإمام احمد وإسناده صحيح في مسنده , رقم الحديث 18319.
13- فاضل حسين , " مفهوم التاريخ " , وهي في الأصل محاضرات ألقاها في كلية التربية – جامعة بغداد , ملحق مجلة الأستاذ , مجل 15 , بغداد – 1969 , ص 33 -35؛ احمد صدقي الدجاني , الدراسة التاريخية والمستقبلية في التراث العربي الإسلامي , ( القاهرة – 1990 ) , ص 4 .
14- عماد الدين خليل , التفسير الإسلامي للتاريخ , دار الكتاب الإسلامي ,( إيران – د – ت ) , ص 97 – 168 .
15-عبد العزيز سالم , التاريخ والمؤرخون العرب ,( بيروت – 1981) , ص19؛ شحادة الناطور وآخرون , مدخل الى تاريخ الحضارة , دار الكندي , ط2 ( عمان – 1991 ) , ص 3 – 4 .
16-أ . ل راوس , التاريخ أثره وفائدته , ترجمة : مجد الدين حنفي ناصف , ( القاهرة – 1968) , ص56.
* تعرف المصادر اللغوية أو معاجم اللغة عموما حينما تتطرق إلى التاريخ بأنه كلمة ترادف في معناها الزمن , باعتبار أن تلك المصادر تنتمي لفترة زمنية ماضية لم يكن التاريخ في حينها يعرف بأنه علم مستقل بذاته يرتبط بالوقائع أو الأحداث التاريخية , وهذه ملاحظة يجب أخذها بنظر الاعتبار . فلذا يجب التنويه هنا أننا يجب أن لا نتخذ هذه المصادر أساسا في هذا المجال فقط لأنها تناقش التاريخ ضمن الفترة التي ألفت بها تلك المصادر , وتلك قاعدة ربما نستثني منها المؤرخ ابن خلدون (ت 808 هـ 1405م ) عند تناوله للتاريخ فيحاول تعريفه " فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية , إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم . والأنبياء في سيرهم . والملوك في دولهم وسياستهم . حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا ………… ", للاطلاع ينظر : ابن خلدون , مقدمة ابن خلدون , دار إحياء التراث العربي , ط3, ( بيروت – د –ت ) ,ص9؛ محمد بن أبي بكر الرازي , مختار الصحاح ,دار الرسالة ( الكويت – 1983 ) , ص 13 ؛ وللاستزادة حول تعريف الكلمة ينظر , ابن منظور , لسان العرب , , الجزء الثالث , تصحيح , أمين محمد عبد الوهاب ومحمد صادق ألعبيدي , دار إحياء التراث العربي , ط 3 ( بيروت _ 1999 ) , ص 113 – 114 .
17- عبد الحكيم الكعبي ," التاريخ وما وراء التاريخ " , مجلة العربي , العدد 562, الكويت – 2022, ص 23.
18- لمراجعة كتب السيرة حول هذه الحادثة وهي كثيرة ينظر : ابن الأثير ، أبو الحسن علي بن أبي الحكم الشيباني ، الكامل في التاريخ ، الجزء الاول، تحقيق علي شيري ، ط 1 ، دار إحياء التراث العربي ، (بيروت – 1989) ؛ وللاستزادة ينظر : الطبري ، محمد أبو الفضل ، تاريخ الرسل والملوك ، تحقيق : محمد أبو الفضل ، الجزء الاول ، ط 4 ، دار المعارف ، (القاهرة – 1970) .
19- قسطنطين زريق , نحن والتاريخ ,(بيروت – 1981) , ص14؛ لويس جوتشلك , كيف نفهم التاريخ , ترجمة : نسيب وهبة الخازن ( بيروت – 1964 ) , ص 8 -9 .


التصنيفات
تاريـخ,

منهج كتابة التاريخ الاسلامي و تدريسه / محمد بن صامل السلمي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


منهج كتابة التاريخ الاسلامي و تدريسه / محمد بن صامل السلمي

الحجم : 8.4 MB

http://www.4shared.com/get/VD6Lcbkp/_____.html


التصنيفات
تاريـخ,

الإمبراطورية العثمانية وعلاقاتها الدولية في ثلاثينات وأربعينات القرن التاسع عشر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الإمبراطورية العثمانية وعلاقاتها الدولية في ثلاثينات وأربعينات القرن التاسع عشر / المؤلف : نينل الكسندروفنا دولينا – ترجمة : أنور محمد إبراهيم

الحجم : 5.5 MB

http://www.4shared.com/get/n3FU1bvC/___________.html