التصنيفات
لغــة وأدب عربي

تطربني لغتي

بسم الله الرحمن الرحيم

……..

أنا البحر في أحشائه الدرُّ كامــنٌ فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
حافظ ابراهيم

لغة الضاد هي لغتي العربية
لُغتي بحر بلا شُطآن
أنزل بها ربي القرآن
بمكنونها الجمال و البيان
أعشق الحروف والكلمات
تُطربني العربية بكل اللهجات
اُذني تنتشي بجميل الأبيات
ربما أعجز أو تخونني التعبيرات
لكن أظل بالعربية من المفتخرات

هنا
ساحة و مساحة نطرزها بروائع العربية
واحة ننثر بها دُرر الأدب
شعر أو نثر , قديم أو حديث . خطته أناملنا أو راق لنا , غريب أو دارج , مشهور أو مغمور
عندما تتغلغل سيمفونية عزف الحروف بالروح و يعشق البوح أكون
أنا من تُطربني لُغتي
العربية
تحية لكم جميعا


و كان العرب قديماً جل أو بعض حديثهم يأتي أمثالاً وذلك لقوة فصاحتهم
– أباد اللهُُ خضراءَهُمْ: أي أذهب الله نعمتهم وخِصْبَهم
– أخبرتهم بعُجَري وبُجَري: العُجَر: العروق المتعقدة والبُجَر: أن تكون تلك العروق في البطن خاصة. مثال يضرب لمن تخبره بجميع عيوبك ثقة به
– أقا لَ عثرته: أي صفح عنه وتجاوز
– زُرْ غِبًّا تزددْ حُبًّا: يعني زر قليلاً تزدد حبا
– عنقاء مُغْرب: كناية عمن يُسمع به ولا يُرى
– في فمي ماء: كناية عمن يريد أن يتكلم بالصدق وتمنعه من ذلك رغبة أو رهبة
– يُسِرُّ حَسْواً في ارتغاءٍ: الارتغاء : شرب الرِّغوة ، أصله الرجل يُؤتَى باللبن فيُظْهر أنه يريد الرغوة خاصة ولا يريد غيرها فيشربها وهو في ذلك ينال من اللبن. يضرب مثالا لمن يريك أنه يُعِينُك وإنما يجر النَّفْعَ إلى نفسه

التصنيفات
لغــة وأدب عربي

اسئلة في علم الدلالة للتحميل

اسئلة في علم الدلالة للتحميل : هنا

مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . موفق بإذن الله … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
لغــة وأدب عربي

مكتبة اللسانيات

تعليم_الجزائر
مكتبة اللسانيات
صورة للمكتبة
تعليم_الجزائر
رابط التحميل
http://www.4shared.com/file/MJ6vADTm/__online.html

تعليم_الجزائر


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم و جزاكم عنا خيرا

في المتابعة ..


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

النهضه الادبيه العربية الحديثة

النهضه الادبيه العربية الحديثة
1/-المقـــدمـــــــــــــة:
منذ سقوط بغداد على يد التتار والادب العربي يشهد تراجعا حثيث الخطى على مدى الاحقاب المتتابعه حتى انطفئت شعلته وبهت بريقه الا من وميض باهت ينبعث من حين الى اخر من بين دجور الظلام الذي عم الحياه الادبيه بفنونها المختلفة.

واستنادا الى حركه التاريخ فقد تبدل هذا الحال فر اواخر العقد الاخير من القرن الثامن عشرإذ أفاق الادب العربي من سباته وتحرر من جموده وبفضل هذه النهضه استعاد الادب حيويته ونضارته واصبح عاملاً من عوامل تكوين الأمة ورافدا من روافد تقدمها وازدهارها
2/- عوامل النهضه الأدبية:
نواميس الكون وسننه إن لكل حدث ذي بال عوامل تسهم في ظهوره
وتساعد على تطوره واستنادا الى هذا المفهوم فان لهذه النهضه الادبيه عوامل عده
أسهمت في بزوغ فجرها
1/- اليقظة الوطنية:
إستيقضت مصر و الأمة العربية بعد الحملة الفرنسيه بقياده نابليون من سبات عميق
وفتحت عيونهم على حضارة جديدة لم يعهدوها من قبل وتبين لهم ان غازي اليوم اكثر خطرا على قيم الامة ومعتقداتها غير ان ما حدث نتيجة هذه الحملة هو كالاتي:
ـ ايقاظ الروح الوطنيه والقوميه والاعتزاز بها
ـ الاندفاع الى طلب المعرفه والاتفاده منها
ـ التمسك بهويه الامه والدفاع عنها
وهكذا بدات اولى الخطوات نحو نهضه شامله

2/- الاتصال بحضارة العصر:

وفر الاتصال بالحضاره العصريه التي كانت سائده دفعه قويه للاستمرار بالنهضه الحديثه ونموها وشمولها لعدد من جوانب الحياه وكان لجهود (محمد على باش)
الذي طرد الفرنسيين من مصر عام 1801م ثم اصبح حاكما عليها اثر كبير في الاتصال بهذه الحضاره والاستفاده من علومها ومعارفها وقد تحقق من هذا الاتصال الاتي
أ/- انتشار التعليم الحديث
عمل ( محمد على باشا ) على فتح العديد من المدارس العسكريه والمدنيه على
الطراز الاوروبي واستدعى البعثات العلميه من اروبا للتدريس فيها وايضا قام الاب بطرس في انشاء مدارس في الشام وقد اسهم خريجو هذه المدارس في حركه التحديث التي شهدتها المنطقه
ب/- البعثات العلمية
ارسل العديد من طلاب مصر والشام الى اوروبا للدراسه في شتى المجالات العليمه المدنيه والعسكريه وكان اكثرها عددا تلك التي ارسلها ( محمد على باشا ) الى ايطاليا عام 1813م والى انجلترا في عام 1831م وقد اسهم هؤلاء الطلاب بعد عودتهم في التحويلات الاجتماعيه والثقافيه
ج/- الترجمة
انشات دار الالسن في مصر برئاسه رفاعه الطهطاوي فعملت على تدريس اللغات الانجليزيه والفرنسيه والايطاليه والتركيه وكذالك فعلت مدارس ( عين طوره
في الشام فاتسعت دائره متعلمين تلك اللغات واسهموا في ترجمه بعض الكتب في القانون والادب والتاريخ والعلوم وغيرها فاستفادت اللغه العربيه من ذالك اذ تم رفدها ببعض الكلمات الجديده المعربه من المصطلحات العلميه في شتى شتى المجالات

د/- الطباعة والصحافة
عرفت مصر الطباعه منذ عهد نابليون ثم عهد محمد على باشا أين انشئت مطبعة بولاق الشهيره التي كان لها الاثر الكبير في نشر عيون التراث العربي الاسلامي
واحضر الامريكيون مطبعه الى بيروت في عام 1834م وكذالك فعل (اليسو عيون
في عام 1848م وكان من اثار تاسيس المطابع أين ظهرت الصحف والمجلات كصحيفة الوقائع في مصر عام 1822م التي عملت على نشر الوعي القومي

هـ/- الاستشراق
اسهم المستشرقون في خلق نهضة ادبية في الوطن العربي من خلال نشرهم عددا من المخطوطات والكتب القديمة بعد تحقيقها ومراجعة اصولها فقد تحققت عدد من المزايا التي اسهمت في النهضة المعاصرة منها:
1ـ انتشار التعليم وتحسين نوعيته وتعدد مشاربه
2ـ تعاظم الانفتاح على الثقافه العالميه
3ـ الاطلاع على كنوز المعرفه العلميه والرؤى الفكريه العالميه من خلال الترجمه
4ـ الاستفاده من وسائل المعرفه الحديثه كالطباعه
5ـ اسهام المستشرقين في التنبيه الى قيمه التراث وضروره حمايته
أما الادب بصوره خاصه فقد تحقق له الاتي:
1ـ اثراء اللغه بمصطلحات عليمه معربه
2ـ العنايه بالاسلوب ورقه اللفظ وسلاسته
3ـ ظهور الشعر الفصصي والتاريخي
4ـ ظهور الفن المسرحي بنوعيه الشعري والنثري
3/- احياء التراث
يعد هذا العامل اهم العوامل واشدها تاثيرا في التحولات التي واكبت
عصر النهضه

وبمراعاة هذه الإشكالية يمكن القول: إن ثمة يقظة عربية عامة قد ابتدأت، نشطة، في مصر في زمن حكم محمد علي باشا، فلقيت تجاوباً سريعاً نسبياً في بلاد الشام. وأخذت القوى الكامنة في الأمة تتيقظ بفعل مختلف البواعث التي سبق ذكرها. فتسارع إنشاء المدارس الوطنية، وتوالى صدور المجلات والصحف وتأسيس المطابع، وتزايدت ترجمات الكتب العلمية والأدبية الأجنبية إلى اللغة العربية، ونشر كثير من كتب التراث، وتألفت الجمعيات والنوادي الأدبية، وأنشئت المكتبات العامة والمسارح ومجامع اللغة العربية.. كما تزايد إنشاء الجامعات ومعاهد البحث ومؤسساته المختلفة إضافة إلى المراكز الثقافية وسائر مؤسسات «وسائل الاتصال الجماهيري» من إذاعات ومحطات بث تلفزيوني. ولا يكاد قطر عربي يخلو اليوم من وزارة للثقافة.. وكل ذلك يساعد بصورة مباشرة أو غير مباشرة في ارتقاء الإنتاج الأدبي العربي المعاصر وتعميم إيصاله إلى جماهير المثقفين والمتعلمين بمختلف السبل والوسائل المعتمدة في بقية أنحاء العالم.



التصنيفات
لغــة وأدب عربي

النحو بين التيسير والتعسير

النحو بين التيسير والتعسير

د. محمد أحمد الشامي*

2022-12-26

مقدمة:

قد عَجَّمْتُ عود النحو فوجدته صلبًا، ولم يكن الأمر كما كنا نسمع من مشايخنا من أنك ترى النحو أسدًا فإذا دخلته وجدته خروفًا، وكدت أقول مع المبرد حين يأتيه شخص ليقرأ عليه كتاب سيبويه [هل ركبت البحر”> أو أقول مع القائل – [على أنني راضٍ بأن أحمل الهوى فأخلص منه لا عليّ ولا ليَّا”> غير أني عدلت عن ذلك إلى القول مع القائل “سعاد التي أضناك حب سعاد”، فعشت في كتب النحاة منذ غضاضة العمر حتى هذا اليوم الذي تجاوزت فيه الخمسين، – وهي فترة زمنية كافية لأن يكون للإنسان رؤية فيما أحسب – تعينه على فهم النحو ودروبه ومسالكه بحيث يتمكن من سلوك الطريق الذي يساعده إن شاء الله على فهم النحو وتقريب قصيه، وشغلت كثيرًا بهموم هذا النحو العربي كغيري من الحادبين، لا سيما وأن شغفي بالعربية يحدوني دومًا لتمكين الآخرين منها، من الطلاب والأصحاب سواء أكان ذلك عن طريق المدارسة أم المساءلة أم المراسلة، ولكم وددت أن أجمع ما يعنّ لي من مسائل وأطروحات في مقام واحد أستمع لرأي الآخرين فيها أناقشهم ويناقشونني أبادلهم الرأي بالرأي والمحاورة بالمحاورة، حتى تتجلى لنا الحقائق وتستبين المعالم فترتاح قليلاً من وعثاء السفر، لا سيما في عصرنا هذا الذي فقد مثل ذلك الاعرابي الذي أجاب على الأخفش حين سأله بعد حضور مجلسه الذي كان يقوم فيه بتدريس النحو – “ما نسمع أخا العرب؟” فقال الاعرابي الذي كان يستمع في تعجب تتكلمون بكلامنا في كلامنا مما ليس من كلامنا(1).

هذا وأبناء عصرنا يحملون كثيرًا من الأسئلة التي يحاولون الإجابة عنها، فمنهم من بدأ في الإجابة ومنهم من لا ندري أهي من مخطوطاته أم اختطفته المنايا وفي نفسه شيء من أسئلته، كأستاذنا المرحوم الدكتور حسن عون الذي قال: “إن السؤال الذي يفرض نفسه علينا الآن هو:

* هل هناك من سبيل لوضع النحو العربي، ولا نقول إصلاح النحو العربي لأنه ليس فاسدًا – وضْعًا جديدًا في الإطار الذي ينبغي أن يكون فيه، حتى نستطيع أن نخفف من أعباء دراسته، وإن نبعث الحياة في مسائلة، وفصوله وأبوابه وأن نخلصه مما علق به وليس منه، وأن نجعله يساير الظروف اللغوية التي نعيشها”.

إلى أن يقول: “نعم هناك سبيل لوضع النحو العربي لا بدّ أن يوائم ظروفنا وينسجم مع تطورنا الثقافي والاجتماعي. وهذا هو الذي عقدنا العزم عليه”(2).

ولكن فيما أحسب أن الأستاذ حسن عون لم يشف غليل نفسه مما ذكره، خاصة في مسألة إعراب الأفعال، إذ أذكر أنه عندما كان يناقشني في مدرج كلية الآداب بجامعة القاهرة الأم ويحضر الأستاذ الدكتور رمضان عبد التواب والأستاذ الدكتور عبد الله درويش في قولي بأن الفعل المضارع معرب إطلاقًا، قال إنه ذهب إلى أكثر من ذلك ذهب إلى إعراب الأمر والماضي، ولكم تمنيت أن أرى ذلك مكتوبًا وهو أمر لم أصل إليه حتى الآن.

أقول إن أبناء عصرنا في نفوسهم كثير من القضايا والمسائل ووجهات النظر، وهم في النهاية كما أحسبهم واصلون إلى إقناع محدد بأن الآراء من حيث صوابها وخطؤها تخدم درسنا النحوي. فتعديل الخطأ وتأكيد الصواب هو من صميم عمل الباحثين ودأبهم، وان المراحل المختلفة التي مر بها النحو العربي على مسار الزمن الطويل كفيلة بالوقفة تلو الوقفة لتبعث فيه العافية وتجدد منه الشباب، فليس ثمة اقتناع على الإطلاق باحتراق النحو، وإلا لذهب النحو وأدراج الرياح وأصبح من الذكريات الخالية من مخلفات التاريخ، كما أننا لا تقنعنا أبدًا عبرات الباكين على السالفين منه فنردد مع علقمة بن عبده الأسدي:

هل ما علمت وما استودعت مكتوم =أم حـبلهـــا إذ نـأتـــك اليـــــوم مـصـــروم

أم هــل كبيـر بكى لم يقـض عبرتـه =إثــر الأحـبــة يـــوم البـيـن مشكــــوم

لـم أدر بالبـيـن حــتى أزمعوا ظــعــنًا =كـل الجمــال قــبـيـل الصـبـح مزمــوم

1

2

3 هل ما علمت وما استودعت مكتوم أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم

أم هل كبير بكى لم يقض iiعبرته إثر الأحبة يوم البين iiمشكوم

لم أدر بالبين حتى أزمعوا iiظعنًا كل الجمال قبيل الصبح iiمزموم

ولكنا نقول:

ألاحبذا هند وأرض بها هند =وهند أتى من دونها النأي والبعد

1 ألاحبذا هند وأرض بها iiهند وهند أتى من دونها النأي والبعد

إن حقيقة النحو العربي بطريقته العربية تلك التي كانت رهينة النص وحبيسة التذوق؛ قد بعدت الآن فغدا محكومًا بالبراعة التي توسعت في العلل وكثرت فيها الإجتهادات التي ربما كان بعضها قاصرًا عن بلوغ مراده، في وضع يقنع الواقف أمامه. فوجدنا التخريج يصدر في مهارة، والتفسير يحدث ببراعة، كما وجدنا بعض أهل النحو من سلفنا يصطلحون على مسائل أطلقوا على بعضها النكات النحوية أو عويصات المسائل، مما جعل بعض المتأخرين يجنح لتضعيفها باطلاق قد عَدّه لطيفًا مثل قوله: “إنّ نكات النحو كالورد تُشَم ولا تُدْعَك”، وليت شعري هل مثل يصل عند المحدثين ذكرًا، ولما كنا هنا في مجال ذكر جهود علمائنا في النحو؛ لابد من الاشارة إلى أمر مهم نوثق فيه نحاتنا السالفين، فهم على ما رأيت لم يعرفوا بالتدليس كما هو الشأن عند بعض أصحاب الفنون. فرؤيتهم ومقولاتهم نقلاً ووصفًا هي من عندهم ومن قناعتهم، ولم تكن موضوعاتهم طائشة أو معممة ولكن هي الحقيقة التي اقتنعوا بها حسب جهدهم وكسبهم، ولم نعرف منهم من طلق النحو في بينونة صغرى أو كبرى، وتلك محمدة لأهل علم أجلاء كان الاخلاص رائدهم، والوفاء سلوكهم، حتى نهضوا بواجبهم وفق ما اقتضته ظروفهم، وحياتهم وأوضاعهم الثقافية والاجتماعية.

إن نحاتنا من سالف أيامهم قد اجتهدوا واستخدموا الأقيسة التي بدت لبعضهم كالجربانات كما قال أبو منصور بن الجيّان: “قياسات النحو تتوقف ولا تطرد كقميص له جربانات فصاحبه كل ساعة يخرج رأسه من جربانة”(3).

وأظن أن الخروج من جربانة إلى أخرى لا يمكن أن يصل بالإنسان إلى غايته الكاملة ما دامت العلوم كلها لا تدرك قيعانها في عمر المرء القصير وكما قيل: فإن العلم بحرٌ زخار لا يدرك له من قرار. وطود شامخ لا يسلك إلى قننه ولا يصار. من أراد السبيل إلى استقصائه لم يبلغ إلى ذلك وصولاً، ومن رام الوصول احصائه لم يجد إلى ذلك سبيلا. كيف وقد قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاَ}.

ورحم الله الزركشي في آخر مقولته: “فإن الصناعة طويلة والعمر قصير وماذا عسى أن يبلغ لسان التقصير…”

من أجل هذا دعونا ننظر في درسنا النحو بما يلائم روحه ويساير طبيعته، عسانا نجيب أبناء عصرنا فيه فيقدموا على أبوابه وفصوله ومسائله بما يخدم لغة القرآن العظيم.

هذا وهنا أشير إلى وجهة نظر تمثلت لي خلال دراستي للنحو وتدريسه، تلك هي أن دراسة النحو على طريقة القدماء من خلال اللغة نفسها هو ما ينبغي أن يدور فيه تعليمه ومدارسته معنىً وشكلاً، وذلك مفهوم أحسب أن التماساته لم تنعدم في يوم من الأيام، وخلال الحقب المتتالية من علماء العربية الأجلاء. ولا أظن أن نواياهم وأعمالهم كانت قاصرة في مجموعهم. وكل متناول لمسائل النحو وقضاياه الأساسية في العربية لا أظنه يغفل الاعتبار الكافي الذي يلزمه أن يحفظ لسلفنا الصالح كل اجتهادهم وإخلاصهم للعلم والتجرد له. لكنا نود الإشارة إلى حقيقة مهمة تتمثل في أن النحو العربي تشابكت فيه عدة عوامل نتج عنها ما يلي:

أ/ تذاءبت على النمو المذاهب المختلفة.

ب/ احتضن النحاة اللهجات العربية التي اعترفوا بها فقط في مجال الإصلاح النحوي الذي اتفق عليه.

ج/ كثرت الاجتهادات في التخريج المرهق.

د/ قل الحافز نحو الترغيب.

هـ/ تدخلت المعالجة الشكلية المفرطة مع الاصرار والمحافظة على القائم من مسائل النحو والمتابعة القاسية لكل ما جدّ وظهر، دون الاهتمام بعامل الزمن وتنوع الرغبات والبيئات ووحدة العلوم العربية التي أسسها جِلّة من الأوئل والسير على طريقة العربي في لغتهم بمختلف لغاتها في براح وإفساح.

عوامل العسر

أ/ تختلف الأسباب التي تدعو لنشأة ظاهرة ما. فمنها أحيانًا طبيعة الظاهرة ذاتها وما تفرضه، ومنها ما هو من صنع الإنسان نفسه، فمثلاً ما نحن بصدده من عوامل التعسير في النحو العربي؛ فإننا نجد الانبعاج والترهل الذي أصابه على يد أهله بسبب حرصهم على استقصاء كل ما يتعلق بمسائله سالكين لذلك كل السبل التي تيسرت لهم من حركة وثقافة وعلوم. مما أدى بطبيعة الحال إلى فتور التلاميذ وقصور هممهم.

ب/ عامل يعود إلى صاحب الصنعة نفسه، حينما حاول بعضهم أن يتكسب بهذا العلم ويتخذه مظهرًا اجتماعيًا يجلب له الوجاهة والتفرد في مجتمعه، فصار يدخله في مسائل لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن ثم نجد من دخل في ديار النحو طلبًا للمال ومناصرة للمذاهب، فغدا النحو مخيفًا فشاب من شاب خوفًا منه ومات من مات كمدًا ومكايدة في مجالسه، وهذا فيما أحسب من العوامل الحادة التي جعلت النحو يتحرك في دائرة حرمته كثيرًا من الافكار النيرة والوقفات الصائبة. ولننظر فيما يأتي من الأقوال كنماذج لهذه المسألة فالنحاة أحيانًا يتجاوزون لأكثر من علة كسؤال السائل عن زيد في (قام زيد) لم رفع؟ فيقال لأنه فاعل مرفوع (هذه العلة الأولى) فيقول لم رفع الفاعل؟ فيقال للفرق بين الفاعل والمفعول (هذه العلة الثانية) – فيقول فلم لم تعكس القضية بنصب الفاعل ورفع المفعول؟ فيقال لأن الفاعل قليل والمفعولات كثيرة فأعطى الأثقل الذي هو الرفع الفاعل وأعطى الأخف الذي هو النصب للمفعول لأن الفاعل واحد والمفعولات كثيرة، ليقل في كلامهم ما يستثقلون ويكثر في كلامهم ما يستخفون. فهل مثل هذا يزيدنا علمًا، أظن الاجابة سالبة إذ لو جهلنا ذلك، لم يضرنا جهله لأنه في الواقع رفع الفاعل الذي هو مطلوب الدارس. هذا ومن وجوه التفسير ذلك الحديث الذي جرى بين من ينتحل النحو وآخر ذي إلمام – في قول كثير:

وأنت التـي جببت كـل قصـيرة =إلـىّ ومـا تــدري بــذاك القــصـائر

عنيت قـصـيرات الحجــال ولم أرد =قصار الخطا شر النساء البحاتر

1

2 وأنت التي جببت كل iiقصيرة إلىّ وما تدري بذاك iiالقصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد قصار الخطا شر النساء iiالبحاتر

قال بعضهم البحاتر مبتدأ وشر النساء خبره، وقال بعضهم يجوز أن يكون شر النساء هو المبتدأ والبحاتر خبره، وكان هناك من يرى أن الشاعر لا يريد إلا أن يخبر أنّ البحاتر شر النساء وأنكر صحة غيره … وجعل يكثر من ذكر الموضوع والمحمول، ويورد الألفاظ المنطقية التي يستعملها أهل البرهان فقلت له أنت تريد أن تدخل صناعة المنطق في صناعة النحو وصناعة النحو تستعمل فيها مجازات ومساحات لا يستعملها أهل المنطق، وقد قال أهل الفلسفة يجب أن تحمل كل صناعة على القوانين المتعارفة بين أهلها، وكانوا يرون أن إدخال بعض الصناعات في بعض إنما يكمن من جهل المتكلم أو عن قصد منه للمخالطة واستراحة بالانتقال من صناعة إلى أخرى إذا ضاقت عليه طرق الكلام(4).

ومما يؤيد هذا المنحى ذا الجذور ما روى عن سبب وضع الفرَّاء للحدود واملائه:

إنّ جماعة من أصحاب الكسائي صاروا إليه وسألوه أن يُملي عليهم أبيات النحو ففعل، فلما كان المجلس الثالث قال بعضهم لبعض إن دام هذا على هذا علم النحو الصبيان. والوجه أن يُقعَد عنه فقعدوا. فغضب وقال: سألوني القعود. فلمّا قعدت تأخروا والله لأملين النحو ما اجتمع اثنان فأملى ذلك ست عشرة سنة.

وعند إنعام النظر إلى هذا النص ترى من يريد النحو لاسم لا يفقهها كل الناس حتى لا يشاع، بينما نرى إصرار الفراء على التيسير وما أظن الرجل إلا مريدًا بذلك الخروج من حزن إلى سهل حتى يستجم الدارس ويلتقط أنفاسه ويدفع عنه الملل، وما أظن أولئك الممتنعين والقاعدين إلا آمّين الحزن من المسائل، وبهذا يقطعون ظهر الدارس ويبتّون قواه الذهنية والبدنية، فيقف دون مرامه فيكون لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى. وإذا كان أساسًا الهدف من تعليم النحو عند قدمائنا الأجلاء محاولة فهم القرآن وإدراك معانيه، فما العيب في أن يفهمه الصبيان، وكان من الجميل جدًا عند المرغبين الميسرين أن تتجه هممهم للتعمق في الصوت وفي اللفظة وفي الجملة، مما اقتضاهم طرق كل باب يفضي إلى الإفصاح عن أسرار التركيب القرآني، ومن ثم نتابع النحاة في هذه القرون الممتدة يؤصلون، ويفصلون، ويشرحون ويعللون وهم في ذلك لا يغفلون لحظة عن الهدف الذي من أجله ولد علم النحو هذا.

وأحسب أن هذا الفهم والهدف هو الذي دفع أبا عبيدة معمر بن المثني (ت 308هـ) إلى تأليف كتابه في مجازالقرآن، محاولاً بما أوتي من قوة ملاحظة ومشاهدة دقيقة أن يسلك بدرس النحو سبلاً أخرى تربطه بالنصوص وتوسع من دائرته وتسهل عويصه الصناعي. فاتخذ من بعض المسائل موضوعًا للتأميل في ربطها بالنص، وكان يهدف من وراء ذلك العمل إلى الكشف عن الحقيقة العلمية الكامنة وراء النصوص. فجاء عمله طيبًا وفق جهده فتناول مسائل متعددة من تقديم وتأخير وحذف وغيرها.

وعله بهذا العمل فيما نحسب يود أن يسعى إلى طريقة حسنة تفيد في تناول مسائل النحو وقضاياه، بدل البحث عن العلل الأوائل والثواني وكلها كانت من الطرق التي تلتمس لفهم طريقة لغة العرب ونحوها بمعناه الواسع المفيد. وهذا التناول قد فتح الباب أمام نظرات جديدة للنحو تتمثل في الجهد الذي ظهر في القرن الخامس على يد العلامة الشيخ عبد القاهر الجرحاني (471 هـ).

فكان النحو عنده ليس علامات الإعراب وحدها، أو النظر إلى أواخر الكلمات وليست البلاغة في التشبيه وبراعته ومحدودية النظر، وإنما سبيل العربية المطلوب هو الإبانة والفهم ووسائل العربية كثيرة، منها التنكير والتعريف والتقديم والتأخير والفصل والوصل والتحول من الاسم إلى الفعل ومن صيغة لأخرى.

وقد كان الرجل عظيمًا حين أسند وجوه البيان والافهام إلى علم النحو، وعاب على بعض القوم زهدهم في النحو وعلى آخرين اغفالهم لمعناه الواسع الجميل. قال عن المستهينين “وأما زهدهم في النحو واحتقارهم له أو إصغارهم أمره وتهاونهم به فصنيعم في ذلك أشنع .. وأشبه بأن يكون صدًا عن كتاب الله وعن معرفة معانيه وذلك بأنهم لا يجدون بدًا من أن يعترفوا بالحاجة إليه فيه. إذا كان قد علم أن الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذي يفتِّقها، وأن الأغراض كامنة فيها. حتى يكون هو المستخرج لها.. ولا ينكر ذلك إلا من ينكر حسه وإلا من غالط في الحقائق نفسه، وإذا كان الأمر كذلك فليت شعري ما عذر منه تهاون به وزهد فيه، ولم ير أن يستسقيه من مصبه ويأخذه من معدنه ورضى لنفسه بالنقص والكمال لها معرض وأثر الغبينة وهو يجد إلى الربح سبيلاً”(5).

فعبد القاهر بمثل هذه الملاحظات يؤكد أن أمر التدريس النحوي مرتبط بفك المغلق واستخراج الأغراض الكامنة وليس هو أمر ما يلحق أواخر الكلام. هذا والذي أصاب النحو قبل فترة هذا العالم قد أبعده كثيرًا عن هذه الدوائر وصار مسائل كالألغاز عند بعضهم، وتلاعبًا بالصور والأشكال كما في قرينة الصرف كتلك الأقوال التي نعرفها من مثل: كيف تبني من كذا كذا، أو ما هو وزن كذا ثم ما وزن عزويت أو قولهم لو سميت رجلاً بكذا فكيف يكون الحكم (6) فمثل هذا وما أشبهه لا يثمر إلا كدّ الفكر وإضاعة الوقت وجلب الوهن، وعكسه نجده في ترغيب عبد القاهر الجرجاني في بعض المسائل البلاغية المختلطة بالأداء النحوي مما نحسبه صنيعًا محببًا للنفس الطموحة التي تشرئب لفهم العربية بأصلها، ولننظر في مثال واحد تناوله في الدلائل وهو “اشتعل الرأس شيبًا”(7). نحن في دراستنا النحوية نمثل به في باب التمييز المحول عن فاعل دون تلمس الوجوه الجمالية فيه. والمعاني الجمّة التي يشتمل عليها كما يتناوله البلاغيون الحرفيون يقول:

“ومن دقيق ذلك أنك ترى الناس إذا ذكروا قوله تعالى: {واشتعل الرأس شبيًا} لم يزيدوا فيه على ذكرالاستعارة، ولم ينسبوا الشرف إلا إليها ولم يروا موجبًا للمزية سواها، هكذا ترى الأمر في ظاهر كلامهم وليس الأمر على ذلك ولا هذا الشرف العظيم.. ولكن لأن يسلك بالكلام طريق ما يسند الفعل فيه إلى الشيء وهو لما هو من سببه فيرفع به ما يسند إليه ويؤتى بالذي الفعل له في المعنى منصوبًا بعده مبينًا أن ذلك الاسناد وتلك النسبة إلى ذلك الأول إنما كان من أجل هذا ولما بينه وبينه من الاتصال والملابسة كقولهم طاب زيد نفسًا وقرّ عمرو عينًا … وأعلم أن في الآية شيئًا آخر من جنس النظم وهو تعريف الرأس بالألف واللام وأفادة معنى الإضافة وهو أحد ما أوجب المزية ولو قيل “واشتعل رأس فصرح بالاضافة” لذهب بعض “الحسن” فأرفه(8).

وقال: “اعلم أنه ليس النظم إلا أن تضع الكلام الذي يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها، فينظر في الخبر إلى الوجوه التي تراها في قولك زيد منطلق، وزيد ينطلق، وينطلق زيد ومنطلق زيد والمنطلق زيد وزيد هو المنطلق وينظر إلى التعريف والتنكير، والتقديم والتأخير والحذف والتكرار والإضمار والإظهار فيضع كلا من ذلك مكانه ويستعمله على الصحة وعلى ما ينبغي له”(9).

هذا وعلى أية حال؛ إن وضع النحو يحتاج إلى معالجة واعية ليس فيها على قدمائنا تطاول وليس فيها على المحدثين تهاون، فزماننا قد وهنت فيه الهمم وأشأم الناس وتيمن النحو وصار مدرسو النحو مع طلابهم كالمنكح الثريا سهيلاً، فالاستعداد في النفوس حادث ليبلغ أهل العربية العربية على وجه يرضى الله ويرضيهم، ويرفع عنهم كوالح المسائل وعويصاتها، ويوجد لهم المصطلحات ومنابعها ويحبذ لهم منهج المتذوقين، والمستبصرين الذي يجمعون المتفرّقات ويربأون عن الخلافات ويحسنون جمال القول في براعة التركيب وبلاغة الفصحى، ولا أحسبنا بمبتعدين عن الصواب إن جارينا قدماءنا في روحهم الوثابة في التعامل مع عصورهم فقد وجدناهم دومًا يشيرون إلى حال العصر الذي يعيشون ويتعاملون معه بواقعية مشهودة، فيصفون قصور الهمم وكثرة الشواغل كل هذه في زمانهم فماذا يكون الحال في عصرنا الذي صارت بضاعة العلوم فيه من حيث هي مزجاة أما النحو العربي فلا بواكي له.

وأما سدّ باب الاجتهاد على النحاة في أي عصر من العصور، فلا حجة في ذلك لا سيما بعد التطور البشري في وسائل المعرفة وفي إدراكنا لنعم الله على عباده، فقد يفتح الله لعالم بعد آخر من الأبواب مالم يتطرق إليه من المتقدمين أحد. ولا أظن الأمر يحتاج إلى عرك أذن أو عراك أبدان، وإنما الفكر والرؤية والتريث بعد النظر والاستعداد. فالخلاف الذي لا يقوم على عصبية مذهبية في النحو عند أبناء عصرنا لا يثير التخوف ولا يصد عن السبيل – فهم على استعداد حميد لقبول الرأي الآخر والرأي الموافق على وجه يجلى الغموض ويستبعد الحرفية المدلجة.

النحو والمناكفات

لم يطرح النحاة التثريب على بعضهم جانبًا وإنّما كانوا يتعمدون أحيانًا إثارة المسائل في المجامع وأمام الأمراء ويعقدون المجالس لإحراج بعضهم بعضًا تارة، ولإظهار البراعة تارة أخرى، وللوصول إلى المقاييس أو التصويب تارة ثالثة. ولعل الدارس للنحو يدرك تمامًا المناظرات المختلفة والمجالس التي عقدت ودار فيها مثل هذا العمل، كالصنيع الذي نجده بين أعلام النحو العربي إذا استعرضنا النحاة البارزين من أمثال سيبويه، ابن السراج، الكسائي، الفرّاء، الأخفش، المبرد، الزجاج، ثعلب، الزجاجي، السيرافي، ابن كيسان، ابن برهان، ابن جنّي، ابن الأنباري، الزمخشري، ابن مضاء، ابن خروف، الشلوبيني، ابن عصفور وابن الحاجب، وغيرهم من أعلام النحو. لوجدنا لأكثرهم لقاءات ومحاورات وردودًا على من تعاطى هذه الصنعة من أقرانهم ومعاصريهم أو على من سبقهم يمكننا أن نجد بعضًا من ذلك في – مناظرة الكسائي واليزيدي، ومجلس أبي إسحق الزجاج وجماعته ومجلس ثعلب والمبرد ومجلس أبي عمرو بن العلاء وعيسى بن عمر ومجلس الزجاج مع رجل غريب، ومجلس ثعلب مع ابن كيسان ومجلس ابي عثمان المازني مع ابي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ولا يخفى ذلك الجمع المشهود الذي هباه يحيى البرمكي بين سيبويه والكسائي في المسألة الزنبورية.

مما هيأ الجو في مجال النحو للبعد به عن التسهيل والترغيب فنشأ جيل تعاطى النحو وبرع فيه براعة مشهودة مما جعل نفرًا منهم يتخذه مباهاة فحال هذا العمل ببين النحو للجميع وبين الناس، فظهرت المشكلات والمسائل العويصات كالأحاجي والمجالس والمناظرات في أمور نحسبها لم تعط النحو دفعات أو تطورًا أو يجني الدارسون منها ثمرة عملية تطبيقية، ويمكن تصور هذا الذي نقول إذا رأينا الفتاوي النحوية التي ربما جاءت نتيجة للتطور الذي نشأ من خلال تلك الممارات والمناظرات والمجالس والأحاجي. وسأسوق هنا أمثلة متنوعة على ذلك.

نموذج للمناكفات:

في نظري أن افتعال المسائل الصعبة أو السهلة في حد ذاته يدل على تعقيدات لا مبرر لها في مجال الدراسات النحوية والصرفية التي مجالها العطاء لا المحاجة ومما جاء في هذا المجلس أبي عثمان المازني مع يعقوب ابن السكيت (186 – 244) جاء فيه:

“أخبرنا أبو إسحق الزجاج قال أنبأنا أبو العباس عمر بن يزيد عن أبي عثمان قال:

جمعني وابن السكيت بعض المجالس فقال لي بعض من حضر: سله عن مسألة، وكان بيني وبين ابن السكيت ودٌ، فكرهت أن أتجهه بالسؤال لعلمي بضعفه في النحو – [بمعناه العام”> فلما ألح عليّ قلت ما تقول في قول الله عز وجل {فارسِلْ مَعْنَا أَخَانَا نَكْتَل}(10).

ما وزن نكتل من الفعل ولم جزمه، فقال وزنه نفعل وجزمه لأنه جواب الأمر قلت فما ماضيه ففكر وتشوّر فاستحييت له. فلما خرجنا قال لي – ويحك ما حفظت الودّ خجَّلتني بين الجماعة فقلت: – والله ما أعرف في القرآن أسهل منها قال فإن وزن نكتل نفتعل من اكتال يكتال وأصله نكتيل فقلبت الواو لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت الألف لسكونها وسكون اللام فصارت نكتل(11).

الفتاوي النحوية:

لقد تطور أمر المناكفات فاتخذ شكل فتاوي نحوية لزداد الأمر تعقيدًا ومن أمثال ذلك ما تقول السادة النحويون أحسن الله توفيقهم في قول العرب يا أيّها الرجُل هل ضمة الرجل ضمة إعراب وهل الألف واللام فيه للتعريف؟

فكان جواب المكني بأبي نزار:

الضمة ضمة بناء وليست ضمة إعراب، لأنّ ضمة الإعراب لابدّ من عامل يوجبها إذ لا عامل هنا يوجب هذه الضمة والألف واللام ليست هنا للتعريف… والصحيح أنها دخلت بدلاً من ياء، وأيّ وإن كان منادى فنداؤه لفظيٌّ، والمنادى على الحقيقة هو الرجل، وجاءت إجابة الشيخ أبي منصور موهوب ابن أحمد: “ضمة اللام ضمة إعراب ولا يجوز أن تكون ضمة بناء ومن قال ذلك فقد غفل عن الصواب وذلك أن الواقع عليه النداء أي المبني على الضم لوقوعه موقع الحرف والرجل وإن كان مقصودًا بالنداء فهو صفة أي محال أن يبنى أيضًا لأنه مرفوع رفعًا صحيحًا، ولهذا أجاز فيه أبو عثمان النصب على الموضع كما يجوز في يا زيد الظريف .. والألف واللام فيه للتعريف.

قال بن الشجري: الجواب والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب أن ضمة اللام ضمة إعراب لأن ضمة المنادى المفرد (المعرفة) لها باطراد منزلة بين المنزلتين فليست كضمة حيث لأن ضمة حيث غير مطردة وذلك لعدم اطراد العلة التي أوجبتها ولا كضمة زيد نحو خرج زيد لأن هذه حدثت بعامل لفظي (وذكر هنا كلامًا كثيرًا استغرق صفحة كاملة في التعليل والاسترسال) إلى أن يقول والألف واللام هنا لتعريف الحضرة كالتعريف في قولك جاء هذا الرجل(12).

هذا ولم تقف المناكفات وإنما أمتدت إلى الأدباء والشعراء وغيرهم فتصدى أولئك للنحاة وعلمهم فنالوا منهم على طرائق مختلفة. وهذه نماذج من ذلك فيما بينهم كأصحاب صناعة وفيما بينهم وبين الشعراء والأدباء وغيرهم.

فمما جاء في ذلك ما وراء صاحب نزهة الألباب أن أعرابيًا وقف على حلقة أبي زيد فظنه جاء يسأل عن شيء في النحو، فقال له: سل يا أعرابي حاجتك فأنشد على البديهة:

لسن للنحو جئتكم = لا ولا فيه أرغب

أنـــــــا مــــالي ولامـــرئ = أبد الدهر يضرب

خـــل زيــدًا لشـــــأنــــــه = أينما شجاه يذهب

واســـتمــع قــول عاشــق = قد شجاه التطرب

همــه الـــدهــر طــفـلــــة = فهــــو فيهــا يشــبب(13)

1

2

3

4

5 لسن للنحو iiجئتكم لا ولا فيه iiأرغب

أنا مالي iiولامرئ أبد الدهر يضرب

خل زيدًا iiلشأنه أينما شجاه iiيذهب

واستمع قول iiعاشق قد شجاه iiالتطرب

همه الدهر iiطفلة فهو فيها يشبب(13)

هذا والذي يبدو أن لهذا الاعرابي معرفة بأمثلة النحاة ومحيطهم الذي يضرب فيه زيد عمرًا وبالعنت الحادث خلال مداخلاتهم كما قال الشاعر السوداني التجاني يوسف بشير:

ولقيت من عنت الزيود مشقة = وبكيت من عمرو ومن إعرابه

1 ولقيت من عنت الزيود iiمشقة وبكيت من عمرو ومن إعرابه

وقال رؤبة بن العجاج ليونس بن حبيب(14):

حتى متى تسألني عن هذه الأباطيل وأذوقها لك؟ أما ترى الشيب قد بلغ في رأسك ولحيتك؟

وكان أبو حاتم السجستاني وهو على علم باللغة إذا التقى هو والمازني في دار عيسى بن جعفر الهاشمي تشاغل خوفًا أن يسأله المازني في النحو(15).

وهذه المرتبة من العلم في هذا النحو امتاز بها المازني لأنه كان علمًا في الأعراب وإن كان من بين اولئك العلماء من برع في الجميع كالرياشي الذي يفزع إليه أهل البصرة إذا اختلفوا في شيء وقالوا فيه ما قال الرياشي انقيادًا لفضله وروايته.

هذا ومن بين ما تناول النحاة في بعض شعره فغضب منهم عمار الكلبي وسجل ذلك في أبيات قال فيها:

مـاذا لــقـيت مـــن المســـتعربين ومـــن = قـياس نحـوهم هـذا الذي ابتدعـوا

إن قـلـت قــافية بكرًا يكون بهـا = بيت خلاف الذي قاسوه أو ذرعوا

قــالوا لحـنـت وهــذا لـيـــس مـنتـصبــًا = وذاك خـفـض وهــذا لـيـــس يرتـفـع

وحـرضـوا بــين عـبـد الله مـــن حمـــق = وبـين زيــد فطــال الضــرب والوجع

كم بــين قــوم قد احتالوا لمنطقهم = وبين قـوم عـلى اعـرابـهم طـبعــوا(16)

1

2

3

4

5 ماذا لقيت من المستعربين iiومن قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا

إن قلت قافية بكرًا يكون iiبها بيت خلاف الذي قاسوه أو iiذرعوا

قالوا لحنت وهذا ليس iiمنتصبًا وذاك خفض وهذا ليس iiيرتفع

وحرضوا بين عبد الله من iiحمق وبين زيد فطال الضرب iiوالوجع

كم بين قوم قد احتالوا iiلمنطقهم وبين قوم على اعرابهم طبعوا(16)

ومما جاء في هجاء النحاة قول يريد بن الحكم الثقفي:

اذا اجتمعوا على ألف وواو = وياء هاج بينهم جدال

1 اذا اجتمعوا على ألف وواو وياء هاج بينهم iiجدال

وقال عبد الله الحضرمي للفرزدق بعد أن أنشد قوله:

وغض زمان يا بن مروان لم يدع = من المال إلا مسحتًا أو مجلف

1 وغض زمان يا بن مروان لم يدع من المال إلا مسحتًا أو iiمجلف

لم رفعت مجلف قال الفرزدق:

بما يسوؤك وينوءك لنا أن نقول وعليكم أن تتأولوا. ثم هجاه بعد ذلك حين عرف الرجل بما سعى في تخطئته والتقليل من شأنه إذا ظهر جانب الصواب فقال:

فلو كان عبد الله مولى هجوته = لوكن عبد الله مولى مواليا(17)

1 فلو كان عبد الله مولى iiهجوته لوكن عبد الله مولى مواليا(17)

وجاء في الخصائص. قال أبو عبيدة معمر بن المثني للمازني ما أكذب النحويين! وهذا يعني استنكاره لبعض المسائل النحوية والرجل يريد فهمًا آخر لا يعني رفضه للنحو من حيث هو وقال ما أكذب النحويين: يقولون إن هاء التأنيث لا تدخل على ألف التأنيث وهم يقولون علقاة فقيل لأبي عثمان المازني لِمَ لَمْ تفسر له؟ فقال لم أفسر له لأنه كان أغلظ من أن يفهم مثل هذا، يريد الفرق بين ألف الإلحاق وهي هنا للإلحاق وبين ألف التأنيث(18).

بدع نحوية وصرفية

لقد أدخل المتكلمون بالعربية بدعًا كثيرة عليها. حدث ذلك في صيغها الصرفية وتراكيبها النحوية وضوابطها اللغوية وكان ذلك يحدث في عصور مختلفة، وأخطر تلك البدع فيما أحسب تجاهل الفصحى ومحاولة استبدالها بالعامية وعدم التعامل معها حتى في حجرات الدراسة وقاعات المؤتمرات، ومن أفدحها أن يكون أستاذ اللغة العربية نفسه من المتحدثين بالعامية لمن يقوم بتدريسهم العربية أو يلتزم السكون كما هو الشائع في كل المفردات والعبارات جريًا على المقولة المعروفة (سكن تسلم) بينما يعلم أولو الألباب أن العربية لغة حركة دائبة وتتمثل حيويتها في تلك الحركة.

كذلك تتسع الفداحة حيث يقدمون دروسهم باللهجة الدارجة، بل يزداد المرء تعجبًا حين يقف على كثير من الرسائل الجامعية المعدة بالعربية في مختلف الجامعات العربية فإذا به يجد الأخطاء النحوية والصرفية والإملائية تأخذ طريقها وسط الطالب والمشرف، لكن أكبر من كل ذلك حين يحضر المرء مناقشة رسالة علمية في مدرج مفتوح فيسمع كثيرًا مما ينغص، وبرغم ذلك يتجاوز الناس هذا التساهل ويخرجون بتقديرات يتعجب منها الحضور قبل الفاحص المتلمس. ومادروا أن الأخطاء الصرفية والنحوية واللغوية مما يجب الوقوف عنده ومحاسبة من يرتكبه باعتباره بدعة صارفه عن الحق وتستاهل ردّ الرسائل ومؤاخذة الفاحصين مهما كانت مواقعهم في الجامعات والمعاهد العليا من أهل اللغة وأهل قرباها – بل لقد وصل الأمر في هذا المجال إلى أن تعقد مؤتمرات للغة العربية ويكون الحديث فيها بالعامية، ويدار النقاش بها – بل نجد التهاون في العربية حتى في المحافل الدولية، حيث يتكلم أحد المسئولين العرب بها فلا حرمة لقاعدة ولا طريقة.

بل نجد الافتراء والاستهوان. هذا وفيما يلي الوقوف على بعض النماذج لهذه البدع من ذلك: علاقة بالكسر يقولونها للعلاقات المعنوية بينما هي علاقة بفتح العين وليس كسرها لأن الكسر للحسيات وليس للمعنويات ومن ذلك ابدال ال أم متابعة للنادر فيقولون جئت أم بارح – بدل البارح ويقول فناء المدرسة بفتح الفاء في كلمة (فناء) والصواب كسرها لأن الفناء بالفتح الموت – ويقولون في الإذاعات وغيرها وصلنا الخبر الآتي. بدل وصل الينا لأنّ وصلنا تعني أعطانا صلة من الصلات المتكرم بها.

ومن ذلك أيضًا الوقوف بالتنوين على الاسم المنون مثلاً يقولون: جلس علىُّ “مُنفردًا” بتنوين منفرد عند الوقوف بدل “منفردا” بغير تنوين حيث يكون الوقف على الألف. كما نجد بعض المتكلمين لا يفرقون بين الكلمات التي على صورة المبني للمجهول من غيرها وهم على مستويات ثقافية مشهودة فيقول: استهتر فلان بفتح التاء الأولى والثانية بدل ضم التاء الأولى وكسر الثانية. ويقولون عني بفتح العين بدل عني بضمها وكسر النون. كما نجد البدع فاشية في حروف المضارعة في الفعل الرباعي مثل أريد، وأحب، ويشبه فبدل ضم الهمزة والياء الحادثة في أول الفعل لأنها أفعال رباعية نجدهم يفتحونها ويزيدون كذلك حرف أنّ المصدرية متصلاً بضمير في الجملة التي تتكون من هب مثلاً:

هبني أني قلت هذا بدل هبني قلت هذا. قال الشاعر:

هبوني أمرًا منكم أضل بعيره =له ذمة أنّ الذمام كبير(19)

1 هبوني أمرًا منكم أضل بعيره له ذمة أنّ الذمام iiكبير(19)

كما ظهرت البدع في خلط الأفعال المتعدية بنفسها وتلك التي تتعدّى بحروف الجر أو العكس. فنجد مثل التراكيب كان عليّ يسير ليلاً بقرب القرية وقد نبحت عليه الكلاب .. وفي الحقيقة هذا الفعل يتعدى بنفسه تقول نبحته الكلاب. ومثله قولهم أنعشه الجو وأطربه جدًا والحقيقة هي نعشه الجو يتعدى بذاته بدل الهمزة: كما تتضح هذه البدع في عدم التفريق بين صيغة اسم الفاعل وصيغة اسم المفعول في شهرة عجيبة يقول أحدهم قرأت المعوذتين بتشديد الواو وفتحها بصيغة اسم المفعول بينما الذي يطلق على هاتين السورتين. قل أعوذ برب الناس، وقل أعوذ برب الفلق “المعوذتين” بتشديد الواو وكسرها بصيغة اسم الفاعل. ومن ذلك أيضًا وصلهم بين لولا وضمير المخاطب فيقولون:

لولاك والوارد مكانها لولا أنت بضمير الرفع المنفصل قال القرآن الكريم {لَولاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤمِنِين} ومن إدخال أل على بعض وكل، في شيوع غير محدد. وكذلك ادخالهاعلى كافة وهذه تضاف دومًا إلى غيرها مثلاً – حدثني كافة الناس ولي الكافة.

ومن البدع الصرفية أيضًا التي يمكن للإنسان أن يحدث عنها بدون حرج لأنها بدأت منذ أن سمع أول لحن في البادية حين قال ذلك العربي “هذه عصاتي بدل عصاي”(20).

إذ يقول عرب اليوم عجوزة أو العجوزة – بدل عجوز وامرأة عجوز/ كرجل عروس وامرأة عروس.

ومما جاء في عين الكلمة من حيث “الضم والفتح والكسر” قولهم عَجِز بكسر الجيم والصواب فتحها قال الله تعالى: {يَا وَيلَتَا أَعَجَزتُ أَنْ أَكُونَ مِثلَ هَذَا الغُرَاب}(21).

ويقولون رغم بكسر الغين المعجمة والصحيح رغم بفتحها، ومما هو مشتهر “نعيٌّ” بإسكان العين وتخفيف الياء. والصواب نه نعيُّ بكسر وتشديد الياء، ويقولون مشْورة بسكون الشين والصواب ضمها مشُورة هذا ولم يخل فاء الكلمة من البدع أيضًا يقولون: وقود بضم الواو والصواب فتحها قال تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَة}(22).

ويقولون نفاية بكسر النون والصواب نُفاية الشيء رداءته. ويقولون “قتله” بفتح القاف وسكون التاء والصواب كسرها، ومن البدع حذف الهمزة من الفعل (أضج) فيقولون القوم ضجوا ومنها كذلك “أسيته” فيقولون: واسيته في مثل (استخفيت) من فلان، اختفيت بدون سبب وهلم جرا. وقد أشار بن الجوزي رحمه الله لمثل هذه البدع في زمانه، ولكننا اليوم نراها قد اتخذت شكلاً بعيدًا إذ عمت الأسماء والأفعال صحيحها ومعتلها إلى درجة الطغيان، ولا أرى مخرجًا منها إلا بالتمكين للعربية الفصحى في كل أنواع المعرفة والوسائل السمعية والبصرية ورفع قدرها في المؤسسات الرسمية والاعتماد بها في الأجهزة الإعلامية ومن المؤسف مثلاً أن تذكر للمسئول الأول في الأجهزة الإعلامية أخطاء محددة من أناس محددين فلا يزيد إلا ضحكًا. فأنت تسمع الثلاثة (الأول) بتشديد الواو/ وفي كلمة الأول بضم الهمزة وتخفيف الواو وتسمع “قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم” تسمع قراءة “يخزيهم” بفتح الياء وكسر الخاء وسكون الزاي والكلمة بضم الياء وسكون الخاء وكسر الزاي من الفعل أخْزَى وليس وخز وغيرها مما لا حاجة لنا لذكره. وتسمع صورة الحجر بفتح الحاء المهملة والجيم. بدل كسر الحاء وسكون الجيم، وسمعنا مكررًا لا تسافر المرأة إلا ومعها مُحْرم بضم الميم وسكون الحاء وكسر الراء، والصواب فتح الميم وسكون الحاء وفتح الراء، وسمعنا ولا تجعلوا الله عرضة لإيمانكم بكسر الهمزة في كلمة أيمان بفتحها وهناك فرق بين الحلف والتصديق بالقلب والآية بفتح الهمزة إذ المراد الحلف وغير ذلك مما يرد يوميًا.

استشراف المستقبل النحوي

حين نتحدث عن هذا الاستشراف للمفهوم النحوي والأداء اللغوي للعربية، يجب أن نضع في اعتبارنا دور اللغة الخطير في المفهوم الحضاري للأمة، ومقدرة الأجيال القادمة ومعرفتها بتراثها وأصالتها، واستحضار ذلك في كل مراحل النشاط وصياغته وتمثله كتابة وقراءة والمحافظة المستمرة على ما ورثنا من السلف، مع التركيز دائمًا على النقاء والبقاء لهذا الموروث اللغوي الحضاري، ما كتب فيه وما قيل عنه وما قيل عنه وما يحمله من قيم ونشاط وما دار فيه من مواقف ومناقشات، بما يحسن بنا أن نفهم في المراحل العالية – القضايا والمسائل التي دار فيها النقاش أو المجالس التي عقدت والمؤلفات وأغراضها ودوافعها وما حققته من نتائج، كما يفهم الدارس ما حدث من استدراكات ودوافعها وما ألف من حواش وما أسقط كذلك وما استجد من تقريرات، ويتعرف الدارس أيضًا على بعض المؤلفات وأسمائها ودلالة تلك المسميات والنظر في الواقع الذي تشتمل عليه تلك الكتب ومعرفة أسماء علماء العربية الذين ألفوا والذي لم تعرف لهم مؤلفات أو لم يصل إلينا منها ما يعرف من مؤلفات. مقرونًا كل ذلك بالواقع الاجتماعي والثقافي لتلك الأجيال وتلك العصور، مقارنًا ذلك بما استجد من آراء وما حدث من تطور ويتم كل ذلك في دراسة وصفية كوسيلة لرصد المتغيرات التي تحدث للنحو بخاصة واللغة بعامة. في نفوس الدارسين والمتلقين وما يصدر من كتب وصحف تتعلق بهذا الأمر. وهنا يحضرنا كثير مما تناوله بعض السلف في الدرس النحوي الذي راعوا فيه الواقع الاجتماعي والثقافي إذ نجد المؤلفات المنظومة وذلك في حد ذاته هدف كما نجد الشروح المطولة والشروح المختصرة ومسمياتها ونجد الاستدراكات والتتبع والكتب التي رامت الغايات التعليمية كصنيع الأبناء [ابن مالك وابن هشام وابن عصفور”>.

وسنستعين في هذا الموضع بمقدمات بعض المؤلفات في هذا العلم الجليل الأمر الذي يجعلنا عادّين الذين قاموا بها من الساعين لتسهيل النحو وتذليل كل صعوباته، هذا وسأختار ثلاثة مقدمات على حسب التسلسل التاريخي – وثلاثة نصوص لكل منهم ليتبين لنا تنفيذ منهجهم الذي اختطوه في المقدمات مع الواقع الطبيعي للغة والدرس النحوي مما نعتبره نماذج طيبة. وإن كنا لا نغفل بعض الرجال الذين كانت لهم جهود في الدرس النحوي ظهرت في مسميات كثيرة منها المختصرات والإيضاحات والصغار والاستدراكات والمقنع والمغني كما نجد أسماء تدلنا على المتابعة مثل كتب اللحن – وتقويم اللسان إلى غير ذلك مما سعوا فيه، وأتوا بما عندهم من جهد يشكرون عليه مدى التاريخ النحوي واللغوي.

هذا وليس من فضول القول إن ذكرت أن هؤلاء الأبناء جاءوا بعد زمن نضج فيه النحو وظهرت كل معالمه وتطوراته وبانت للعيان والمسامع والقلوب ثمراته الحلوة والمرة. ولنبدأ بابن مالك.

ابن مالك (ت 672هـ)

يعد ابن مالك من المرغبين في النحو الذين سعوا في جهود مكثفة لتقديمه للناس والدارسين، فدأب يقرب الفهم ويوضح الغامض وكانت محاولات تأليفه كلها تدور في هذا الجانب، فهو يسعى من وراء تلك المؤلفات والمنظومات والشروح أن يخدم العربية ويسهلها لأبنائها، ولم أر من النحاة على الإطلاق من اجتهد اجتهاده وسعى سعيه في حماس دافق وطي للزمان حتى يقدم ما قدمه، ولقد ذكر د. محمد كامل بركات محقق التسهيل أنه من الميسرين في الشكل والموضوع يقول (التيسير هذا من ناحية الشكل والمنهج العام في التأليف، أما من ناحية الموضوع فالسمة الغالبة على بن مالك في النحو توخي السهولة والتيسير في كل ما ذهب إليه من آراء واتجاهات. حتى أنه ليصرح في كثير من المناسبات بأنه اختار هذا المذهب لأنه المذهب الأسهل أو لبعده عن التكليف والتعقيد. واسم التسهيل أوضح دليل على اتجاه ابن مالك العام في التحويل ان اكثاره من النظم انما هو لتيسير الحفظ والضبط على الدارسين)(23).

ويظهر لنا هذا الأثر حقًا في متابعتنا للمصطلحات التي استخدمها بن مالك فعلى سبيل المثال:

عبارة (نائب الفاعل) وعند الجمهرة المفعول الذي لم يسم فاعله وتظهر لنا دِقته إذا تبين لنا أنه ينوب عن الفاعل الظرف والجار والمجرور.

والبدل المطابق – بدل عبارة بدل كل من كل – المعرف بأداة التعريف – بدل المعرف بأل –

– لغة يتعاقبون فيكم – بدل أكلوني البراغيث، وغير هذا وثبوت مثل هذه الأشياء تظهر لنا الأدلة التي تقول أنه كان حقًا من الميسرين الساعين لتقريب النحو ومصطلحاته.

هذا ولننظر إليه في التسهيل

قال في المقدمة باسطًا منهجه:

(هذا كتاب في النحو جعلته بعون الله مستوفيًا لأصوله، مستوليًا على أبوابه وفصوله، فسميته لذلك تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد فهو جدير بأن يلبي دعوته الألبّاء، ويجتنب منابذته النجباء، ويعترف العارفون برشد المعرَى بتحصيله، وتأتلف قلوبهم على تقديمه وتفصيله. فليثق متأمله ببلوغ أمله، وليتلق بالقبول ما يرد من قبله…)

وإذا كانت العلوم منحًا إلهية، ومواهب اختصاصية فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين أعاذنا الله من حسد يسد باب الإنصاف ويصد عن جميع الأوصاف وألهمنا شكرًا يقتضي توالي الآلاء ويقتضي بانقضاء اللأواء وها أنا شارع فيما انتدبت إليه مستعينًا بالله عليه ختم الله لي ولقارئيه بالحسنى. وختم لي ولهم الحظ الأوفى في المقر الأسنى بمنه وكرمه.

وها هو نموذج للتسهيل يمثل لغة سهلة وقواعد ميسرة نجده واضحًا في باب “حبذا”

قال: أصل “حب” من “حبذا” حَبُب أي صار حبيبًا فأدغم كغيره وألزم منع التصرف، وايلاءً “ذا” فاعلاً في إفراد وتذكير وغيرها. وليس هذا التركيب مزيلاً فعليه “حب” فتكون مع “ذا” مبتدأ خلافًا للمبرد وابن السراج ومن وافقهما، ولا أسميّه “ذا” فيكون مع “حب” فعلاً فاعله المخصوص، خلافًا لقوم وتدخل عليهما “لا” فتحصل موافقة “بئس” معنى، ويذكر بعدهما المخصوص بمعناهما مبتدأ مخبرًا عنه بهما أو خبر مبتدأ لا يظهر، ولا تعمل فيه النواسخ ولا يقدم، وقد يكون قبله أو بعده تمييز مطابق أو حال عامله “حب” وربما استغنى به أو بدليل آخر عن المخصوص. وقد تفرد حب فيجوز نقل ضمة عينها إلى فائها، وكذا كل فعل حلقي الفاء مراد به مدع أو تعجب وقد يجر فاعل “حب” بباء زائدة تشبهًا بفاعل أفعل تعجبًا.

ابن هشام (ت 761 هـ)

من العلماء الأفذاذ الذين عركوا النحو وعايشوه وجدانًا وعقلاً ومارسوه في كل منعطفاته، شيخ العربية المشرقي الذي ترامى ذكره في أرجاء كثيرة من عالم العربية ونطاقها، فالرجل قد حاول بلطافته وأدبه أن يلطف النحو ويؤدبه ويحلي جيده بالسهولة واللغة والنصوص وخير دليل على ذلك كتابه شذور الذهب الذي يقول في مقدمته:

(وبعد فهذا كتاب شرحت فيه مختصري المسمى بـ “شذور الذهب في معرفة كلام العرب” تممت به شواهده وجمعت به شوارده، ومكنت من اقتناص أوابده. قصدت فيه إلى إيضاح العبارة لا إلى إخفاء الإشارة وعمدت فيه إلى لف المباني والأقسام لا إلى نشر القواعد والأحكام. والتزمت فيه أنّي كلما مررت ببيت من شواهد الأصل ذكرت إعرابه وكلما أتيت على لفظ مستغرب أردفته بما يزيل استغرابه وكلما انهيت مسألة ختمتها بآية تتعلق بها من أي التنزيل واتبعتها بما تحتاج إليه من إعراب وتفسير وتأويل، وقصدي تدريب الطالب وتعريفه السلوك إلى أمثال هذه المطالب)(24).

وهذا نموذج من منهجه:

في شرحه لبانت سعاد يقول: في مقدمته لها:

والذي دعاني إلى هذا التأليف غرضان سنيان:

أحدهما التعرض لبركات من قيلت فيه صلى الله عليه وسلم.

الثاني: اسعاف طالب علم العربية بفوائد جليلة أوردها وقواعد عديدة أسردها(25).

قال: ولا تمسك بالعهد الذي زعمت، إلا كما يمسك الماء الغرابيل قوله: “ولا تمسك” عطف على فما تدوم وتمسك أما بضم التاء وكسر السين المشددة مضارع “مسك” بالتشديد وأما بفتحها مضارع “تمسك” والأصل تتمسك فحذفت احدى التاءين يقال مسك بالشيء وتمسك به وأمسك واستمسك بمعني واحد وقرئ (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) بضم التاء وفتح الميم بضم التاء وسكون الميم وقرئ في غير السبع بضمها.

وقال تعالى: {فقد استمسك} قيل وفي التشديد معنى التكثير وهذا وهم، وانما بغير التشديد التكثير إذا لم يكن الفعل موضوعًا عليه كما في حدث وخير ولم يكن لإفادة تعديه القاصر إلى المفعول كما في فرحته ولا التعدي لواحد إلى التعدي لاثنين، كعلمته الحساب ومثال ذلك قتلت وكسرت وحولت وطوفت.

وقوله: زعمت اما بمعني تكلفت ومصدره الزعم بالفتح والزعامة والتقدير: الذي زعمت به. كما قال تعال {وأنا به زعيم}

بن عصفور (ت969هـ)

ألف هذا الرجل كتبًا مختلفة في النحو والتصريف حاول من خلالها تبسيط الدرس النحوي وتهوين أمره على الدارسين وقد دعاه ذلك لتناول من سبقوه في آرائهم وكتبهم، وكان هناك من يتعصب لأولئك فقابلوا آراءه بالاستهجان والاستنكار وحاولوا الرد عليه وهذا أمر وارد في كل عصر لكن المهم عندنا هي تلك الآراء والمشاعر التي أبداها الرجل نحو مادة النحو ودرسها، وخير مثال له نجده في كتابه المقرب – يقول في منهجه عندما قدم له:

(فلما كان علم العربية من أجلّ العلوم قدرًا وأعظمها خطرًا إذ به تقوم للإنسان ديانته فتتم صلاته وتصح قراءته وكانت أكثر الموضوعات فيه لا تبرد غليلاً … ولا تحصل لطالبه مأمولاً. وأنها بين مطولة قد أسرف فيها غاية الإسراف ومختصرة قد أجحف فيها غاية الإجحاف … أثار من النجح معقود بنواصي آرائه … أبو زكريا … إلى وضع تأليف منزه عن الإطناب الممل والاختصار المخل، محتو على كلياته مشتمل على فصوله وغاياته، عارٍ عن إيراد الخلاف والدليل مجرد أكثره عن ذكر التوجيه والتعليل يشرف الناظر فيه على جملة العلم في أقرب زمان ويحيط بمسائله في أقرب أوان)(26)

ولننظر الآن كيف تناول ابن عصفور المنادى بصورة قيّمة سهلة تفي بالغرض وتقرّب فعْلاً ألقاصي من هذا الباب الأسلوبي.

باب النداء

(1) حروف النداء: (يا)، (أيا)، (هيا)، (وا)، (أي)، والهمزة، ممدودتين ومقصورتين.

(2) اختصاصـاتهـا: فـ (وا)، منها للمندوب وما جرى مجراه خاصة.

و(يا): تستعمل في جميع ضروب المناديات من: مندوب، ومتعجب منه، ومستغاث به، وغير ذلك، قريبًا كان أو بعيدًا، وسائرها لا يستعمل إلا في النِّداء الخالص.

فأما الهمزة، منها فللقريب خاصة، وسائرها للبعيد مسافة أو حكمًا كالنائم، وقد تكون للقريب.

(3) أصول المنادى: والاسم المنادى غير المندوب، والمستغاث به، والمتعجب منه، أمّا أن يكون مفردًا أو مضافًا، فإن كان مضافًا كان منصوبًا بإضمار فعلٍ لا يجوز إظهاره.

وإن كان مفردًا، فإما أن يكون مطولاً أو غير مطول، فإن كان مطولاً، وأعني به ما كان عاملاً في غيره، لم يجز فيه أيضًا إلا النصب، نحو قولك: “يا ضاربًا زيدًا”. وإن كان غير مطول: فإما أن يكون معرفة أو نكرة، فإن كان معرفة بُني على الضم، ويكون في موضع نصب بإضمار فعل أيضًا.

وإن كان نكرة، فإما أن تكون مُقْبلاً عليها، أو غير مقبل عليها، فإن كان مقبلاً عليها، فهي أيضًا مبنية على الضم، كالعلم، وإن كانت غير مقبل عليها، كانت منصوبة بإضمار فعل.

(4) الأسماء والنداء: والأسماء كلها يجوز نداؤها إلا المضمرات، والأسماء المعرَّفة بالألف واللام، والأسماء غير المتصرفة، والأسماء اللازمة للصدر.

وقد يُنادى المضمر المخاطب في نادر الكلام، أو ضرورة شعر، وتكون صيعته صيغة المنصوب، نحو ما حكى من قول بعضهم:

“يا اِيّاكَ قد كفيتُك”(27)

وقد تكون كصيغة (28) المرفوع، نحو قوله(29):

يا أبجـرُ ابـنَ أبجـرٍ يـا أنْتا =أنت الذي طلقت عام جعتا

1 يا أبجرُ ابنَ أبجرٍ يا iiأنْتا أنت الذي طلقت عام جعتا

فإن أردت كلامًا فيه الألف واللام، توصلت إلى ذلك بأي، أو اسم إشارة، نحو قولك:

“يا أيها الرجل، ويا هذا الرجل”، أو بهما معًًا وذلك قليلُ، نحو قوله:

ألا أيهذا النابح السيد أنني =على نأيها مستبسل من ورائها

1 ألا أيهذا النابح السيد iiأنني على نأيها مستبسل من ورائها

ولا ينادي منها بغير وصلةٍ، إلا اسم الله تعالى، لكثرة الاستعمال مع معاقبتهما لهمزة من (الإله)، أو في ضرورة، نحو قوله(30):

فيا الغُلامانِ اللَّذانِ فرَّا =إيّاكُما أنْ تكسباني شرَّا

1 فيا الغُلامانِ اللَّذانِ iiفرَّا إيّاكُما أنْ تكسباني شرَّا

(5) حذف حرف النداء:

ويجوز حذف حرف النداء، وإبقاءُ المنادَى، نحو قوله تعالى: {يوسف أعرض عن هذا}(31).

إلا أن يكون المنادى اسم إشارة، أو نكرة، مقبلاً عليها، أو غير مقبل، وقد يحذف من النكرة المقبل عليها في ضرورة، نحو قوله(32):

جَاري لا تستنكري عذري

1 جَاري لا تستنكري عذري

أو في شاذّ من الكلام، نحو قولهم: “افْتدِ مخْنوق” و”أطْرِق كرا” و”ثوبي حجَرَ”.

ولا يحذف مع اسم الإشارة أصلاً، ولذلك لحنّ المتنبئ في قوله(33):

هذي برزْتِ لنا فهِجتِ رسيسا =ثم انصرفت وما شفيت نَسيسا

1 هذي برزْتِ لنا فهِجتِ iiرسيسا ثم انصرفت وما شفيت نَسيسا

ولم يترك الرجل من منهجه الذي اختطه شيئًا إلا طبقهُ. ونظرة واحدة لهذا الباب في كتب النحو تجعل المرء على اقتناع كامل بأن الرجل كان حريصًا على التطبيق فلم يوجز بإخلال ولم يطنب في إسراف. ورغم ذلك كان هناك من يناكفه وينتقده وربما يمكننا ضم نقدهم هذا إلى الأنواع السابقة التي ترفض السهل الميسر وقد تمثل هذا في تلك العاصفة القوية التي أثارها بعض النحاة من المغاربة في الأندلس وغيرهم من النحاة المشرقيين لا لأمر خطير وإنما للتيسير والتقريب الذي قام به عالم جليل من علماء العربية هو ابن عصفور رحمه الله.

فقد تناوله فريق منهم بالنقد والتجريح والتشنيع – حتى إن بعضهم حاول أن يرد ما فيه من براعة وجودة إلى فضل غير ابن عصفور من النحاة – ومن الذين انتقدوه ابراهيم بن أحمد بن محمد الجزري الأنصاري الخزرجي – أحد علماء الأندلس ومن آثاره .. المنهج المعرب في الرد على المقرّب – وابن الحاج أحد علماء العربية في الأندلس الذي قال: “إذا مِتّ بِفعل ابن عصفور في كتاب سيبويه ما شاء. وقد رد على ابن عصفور في كتاب سماه الإيرادات على المقرب .. وحازم القرطبي وله شدّ الزناد على جحفله الحمار(34).

هذا ومؤلفات ابن عصفور في نظري من النماذج الطيبة الميسرة التي تعمق الفكرة وتريح النفس ولا تكلفها شططًا الشيء الذي يساعدنا في ترسم السبيل التي نعالج بها بعض قضايا النحو المعاصرة.

استشراف المستقبل في آراء معاصرة

لست أول من بث رأيًا في مسألة التيسير هذه وإن اختلفت المسميات من تيسير وتسهيل وتفقيه الخ… ولكن طبيعة التناول قد اختلفت تمامًا من حيث الوضع التاريخي والاستقراء العملي والاستبيان الذي يساعد على إكمال الصورة وإصدار الأحكام في شأنها وقد ذكرت أن الذين مارسوا تدريس النحو هم أقدر الناس على الإحساس بمشاكله، وبما يعانيه طلاب العربية في شأنه سواء أكان ذلك في مدرجات الجامعات أو الفصول الدراسية، في التعليم العام أو العالي وسنقدم النماذج على ذلك بدءًا بالشيخ إبراهيم مصطفى الذي يقول:

“هذا بحث من النحو عكفت عليه سبع سنين وأقدمه إليك في صفحاته أطمع أن أغير منهج البحث النحوي للغة العربية، وأن أرفع عن المتعلمين إصر هذا النحو وأبدلهم منه أصولاً سهلة يسيرة تقربهم من العربية وتهديهم إلى حظ من الفقه بأساليبها، ولقد بذل في تهوين النحو جهود مجيدة واصطنعت أصول التعليم اصطناعًا بارعًا ليكون قريبًا واضحًا، على أنه لم يتجه إلى القواعد نفسها وإلى طريقة وضعها فيسأل “ألا يمكن أن تكون تلك الصعوبة من ناحية وضع النحو وتدوين قواعده وأن يكون الدواء في تبديل منهج البحث النحوي للغة العربية.

هذا السؤال هو الذي بدا لي وهو الذي شغلني جوابه طويلاً.

وتناول ذات الأغراض أيضًا د. شوقي ضيف والدكتور مازن المبارك في تقديمه للإيضاح في علل النحو. حيث يقول دكتور شوقي ضيف في (ص 5):

“ولعلي لا أبعد إذا قلت إن واجبًا على من يحاولون تيسير نحونا أن يحيوا نصوصه لقديمة حتى يضطلعوا بما يريدون من هذا التيسير عن علم وبصيرة”(35).

ويقول د. مازن المبارك:

“وحسب صاحبه أنه كان من الرواد الأوائل الذين فقهوا وتعمقوا أسرار قواعدها ثم حاولوا التبسيط والتيسير ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً”.

ويقول عن إغراض الزجاجي في الإيضاح:

“فمن هذه الأغراض مثلاً أن يسعى لتقريب النحو من الفهم وتيسير الوقوف على أسراره وقد عني الزجاجي بالمبتدئين واهتم بهم وألّف لهم. وكذلك هو في الإيضاح يهتم بهم ويجعل تقريب النحو لهم من أغراضه ولو أدّى به ذلك لتغيير ألفاظ النحاة قال:

“والاحتجاجات على ثلاثة أضرب منها ما كان مسطرًا في كتب البصريين والكوفيين بألفاظ مستغلقة صعبة فعبرت عنها بألفاظ قريبة من فهم الناظرين في هذا الكتاب فهذبتها وسهلت مراتبها والوقوف عليها.

ويقول دكتور حماسة:

“إنه إذا أريد للنحو أن يكون له دور واضح في حياتنا المعاصرة سوى التخطئة والتصويب … أن يسلك أحد سبيلين:

أولاهما: أن يتجه النحو إلى العربية المعاصرة في نصوصها الفصيحة فيجمع تراكيبها ويصف أنماطها ويقدم وصفًا دقيقًا لها…

والأخرى: أن يعمد النحويون المعارون إلى النصوص العربية قديمها وحديثها كما فعل الأسلاف العظماء مع القرآن الكريم والشعر ودواوينه ومختاراته فيحاولون أن يكشفوا دور النحو في بنائها ويبينوا ما تقوم بها المعطيات النحوية في تركيبها وترابط أجزائها واستواء هيئتها وما تقدمه في إنتاج دلالاتها وقيمة هذا الدور في تحديد الدلالة وبذلك يرتبط النحو في الأذهان – وخاصة أذهان الناشئة بجانب عملي نافع مفيد من جانب وبالدلالة من جانب آخر(36).

أما فيما يقوله مدرسو العربية في التعليم العام فتقول إحدى أستاذات اللغة العربية في تقرير لها:

“في السنة الثالثة بمدرسة البلك الثانوية للبنات – القسم العلمي، حيث ضم الفصل قرابة السبعين دارسة وبعدما قدمت لهن إحدانا من تعريف لما حضرنا من أجله وملأت قرابة الخمس عشرة طالبة الاستبيان طلبنا من البعض القراءة الجهرية لبعض النصوص التي بكتبهن وقد لاحظت أن معظم القارئات لم يبنّ ويفصحن بين السين والثاء، والظاء تحول مخرجها فصار خلف الأسنان أو من اللثة بدلاً من بين الأسنان وقد نحت القاف نحو الغين في نطقها. وإن ظهرت جودة قراءة البعض لنصوص قرآنية أما الشرح والتفسير فكانت غالبية الكلمات ساكنة وحتى التي تود أن تقرأ بالشكل لا تستطيع قراءة سطرين كاملين أو جملتين كاملتين مجردتين عن الأخطاء النحوية. كما لاحظت عدم التمييز بين أل الشمسية وأل القمرية.

أما عن الإنشاء فقد جاءت بأسلوب أشبه بالعامية منها للفصحى مثل! قال الزُرّاع: نتوجه صباح اليوم الثاني إلى المحافظة”.

وعن بعض الأسئلة التي طرحت إليهن للإجابة عليها أجابت بعض الطالبات:

1/ ما مدى أهمية دراسة اللغة العربية بوصفك طالبة بالقسم العلمي؟

* قالت إحدى الطالبات إن اللغة العربية سوف لن تفيدها بشيء لأنها تتحدث العامية وهي لغتها الأم، وليس هناك كبير فرق بين ما نتحدثه في العامية وبين ما ندرسة في المدرسة سوى بعض الدروس النحوية المعقدة التي ذكرتها وزميلاتها في استبيانهن. وقالت أخرى: مؤكدة حديثها “بإذن الله” سوف لن تزيد على ما تلقت من علوم العربية ودراستها أكثر من عامها هذا، وقد هاجمتنا بسؤالها عن أهمية حفظ المعلقة بالنسبة لهن وما هي الفائدة من هذا الأسلوب القديم لفظًا ومعنىً وشحن عقولهن به.

2/ كيف يمكن لَكُنَّ حفظ التراث العربي وكتابته وصيانته؟

فردت إحداهن إننا نستطيع أن نكتبه بما تعلمنا فقط وسوف لن نحتاج إلى مزيد.

3/ وسألتهن عن مدى تأثرهن بوصفهن طالبات بالقسم العلمي عن المادة إذا ما قدمت إليهن بأسلوب جميل مصوغ باللغة الفصحى وعن نتاج ما قدم إليهن بأي طريقة؟

فأجابت إحداهن لا يهمنا إلا الحقيقة العلمية ونتيجة التجربة فقط ونسجلها كما يحلو لنا وبأي طريقة شئنا.

4/ أعربي: يا عبادي لا تقنطوا من رحمة الله.

بعد ضجة شديدة ورفض للإعراب حاولت إحداهن ولم توفق ولم تقدم أي طالبة أخرى لخوض هذه التجربة.

5/ الشعر العربي القديم والحديث ماذا تعرفين عنه ووجهة نظرك؟

لم تكن من بين الطالبات من تهتم بالشعر العربي ولم تكن هناك أديبة.

هذا بعض ما سجلته أستاذة اللغة العربية في بعض المدارس الثانوية وكان ذلك من قبل أربعة عشر عامًا.

هذا ومن قبيل الاستكمال لهذه الصورة المعيشة أود أن أقول إنه من الأمور التي أدخلت السرور على نفسي وأنا أعالج هذا الموضوع إنّي وجدت بحمد الله استطلاعًا نموذجيًا كذلك لبعض طالبات المدارس الثانوية وكان ذلك في عام 1979م واستخدمت في مكان النحو كلمة قواعد عند تسجيل الأسئلة إليهن لأنهن كن لا يفهمن النحو بالاصطلاح المعروف عند توجيه الأسئلة إليهن دون طلب ذكر الاسم تشجيعًا للصدق في الإجابة ورفعًا للحرج كما كنا نهدف من خلال هذا العمل والإيضاح أن نربط النحو بالمجتمع وبالواقع المعاش حتى يتضح العمل الذي يتوجب على أهل العربية القيام به لتكتمل الصورة مع صنيع علمائنا في الوقت الحاضر ممن سعوا في هذا المنحى، وممن قاموا بمحاولة تجديدات وما حدث لعملهم من تطور أو إقبار مما يدخل كله في المنهج الذي سلكناه في استخدام المنهج الوصفي كوسيلة لرصد المتغيرات كلها حتى هذه الساعة في الفهم واللغة وفي المجتمعات، وكل ذلك كان الغرض من ورائه تحقيق الغاية العلمية الخالصة أو يمكن القول بأنها غاية علمية ممزوجة بالتلعم.

أما الأسئلة التي وضعت فكانت كما يلي:

1- ما نوع الدروس التي تركت في نفسك أثرًا عند دراستك للُّغة العربية منذ المرحلة الابتدائية؟

2- ما الأبواب التي دُرِّست لك في القواعد وكانت لك مزعجة؟

3- إذا كانت هناك صعوبة أو سهولة على ما ذكرت فهل كان ذلك في نظرك يرجع إلى الأستاذ أم إلى الكتاب؟

4- هل تفضلين أن تدرس لك القواعد مباشرة عن طريق الأمثلة التي توضح القاعدة أم عن طريق النصوص؟

5- لو طلبت منك أن ألقي عليك درسًا في القواعد فما الباب الذي تفضلين أن يُدرّس لك؟

6- ما هو إحساسك حين تستمعين إلى شخص يتحدث باللغة العربية الفصحى؟

# وقد تفاوتت الإجابة على هذه الأسئلة لكن هذه إجابة خمس طالبات كما ذكرت دون تعديل فيها ليتحدث الواقع عن نفسه:

هذه إجابة الطالبات

الطالبة الأولى:

1- الإنشاء لو أنها كانت تعطى أسبوعيًا إلا أننا نكتب كل عام أقل من خمسة موضوعات. الأدب أحبه منظومًا ولا أحبه نثرًا.

2- الاعلال – التصغير.

3- كان باب الاعلال صعبًا علىّ لأنني لم أحضر أول حصة دُرِّست فيه فتعسر عليّ فهمه.

4- أحب أن تدرس مباشرة.

5- أحبها من البداية.

الطالبة الثانية:

1- أحب دراسة الأدب وقد تركت أثرًا عميقًا في نفسي، وبصراحة كنت لا أحب دراسة القواعد ولا زلت ربما لا أفهمها. وعندما أقرؤها يصيبني صداع وأبتلع بعده حبة أسربين.

2- في الابتدائية والثانوي العام كنت لا أجد صعوبة في دروس القواعد والإعراب خاصة ولكن عندما وصلت المرحلة الثانوية العليا وجدت نفسي قد نسيت الدروس وأصبحت القواعد شيئًا غير مريح بالنسبة لي إلا أنه توجد بعض الدروس كانت سهلة لطيفة سريعة الفهم وربّما كان للأستاذ أثر في ذلك.

3- طبعًا للأستاذ الأثر الأعظم، وله دور كبير في التأثير على نفوس تلاميذه فكلما كان الأستاذ واضح العبارات وكان ذا حماس للدروس التي يلقيها كلما تركت هذه الدروس نفسها أثرًا على الطالب وشدت انتباهه.

4- أفضل أن تدرس القواعد عن طريق النصوص كالآيات القرآنية والأحاديث والأشعار، لأن هذه الطريقة تجعل الطالب منتبهًا لكل كلمة يقولها الأستاذ ويكون متشوقًا لمعرفة القاعدة.

5- أحب أن أدرس مبادئها.

6- أحب دائمًا أن يعبر الإنسان عن نفسه باللغة العربية وإن من يتحدثها لابد أن يجيدها.

الطالبة الثالثة:

1- من القواعد نائب الفاعل أما دراسة الإنشاء فكانت “نص نص” أما التوجيه الأدبي والمطالعة التوجيهية فلا أود الحديث عنها لكرهي الشديد لها.

2- (المزعجة) المبتدأ والخبر. اسم كان والفعل المعتل وأقسامه من الثانوية العامة واسم إنّ. أما الدروس المريحة فكانت الفاعل والمفعول به والمطلق والمفعول لأجله واسم الهيئة والحال ونائب الفاعل والمقصور والمنقوص.

3- في رأيي أن الكتاب كان في بعض الدروس على شيء من النقص أم العبء الأكبر من الدروس التي لم أفهمها كان يرجع إلى الأستاذ فلو كان يعطي الدروس على شيء من الثقة ارتحت له وفهمت ما يعنية ولكن كان يعيب الأستاذ والأستاذة على السواء النقص في سرد المادة.

4- أفضل الدروس عن طريق الأمثلة على السبورة لسهولتها وسهولة معانيها حتى يُفهم الدرس من أول وهلة أما النصوص فعلى شيء من التعقيد لأنها تحتاج إلى شرح أولاً ثم الفهم بعد ذلك.

5- الاعلال.

6- أفضل المتحدث بالعربية الفصحى لأنه عربي ويجب أن يعتز بعربيته وقوميته ويجيدها.

الطالبة الرابعة:

1- أحببت القواعد منذ السنين الأولى في الابتدائية إلا أنني في الثانوية العامة أصبحت أكرهها.

2- أحب البلاغة.

3- يرجع إلى الكتاب لأن الأمثلة غالبًا ما تكون من الشعر وتحتاج إلى شرح وذلك مما يعقد في الكتاب.

4- مباشرة على السبورة.

5- الاعلال والإبدال.

6- أنزعج وأغضب جدًا عندما يتكلم إنسان باللغة العربية ويخطئ فيها.

الطالبة الخامسة:

1- دروس القواعد – دروس البلاغة لا يستفيد منها الإنسان في حياته اليومية – دروس الإنشاء غير مفيدة لأنها كانت نفس (المواضيع) (الصواب الموضوعات) في كل المراحل – في الصف الثالث التوجيه الأدبي والمطالعة التوجيهية (ما مفيدة).

2- المزعجة الإعلال والإبدال – المنقوص والمقصور – الأفعال الخمسة والأبواب التي كانت مريحة مثلاً:

الفاعل – المفعول به – النسب – اسم الفاعل – اسم المفعول.

3- بعض الكتب التي لم يكن فيها التوضيح التام – بعض الأساتذة (يكلفتون) المادة التي تدرس ولم يشرحوها شرحًا تامًا وافيًا ويعطون ملخص الدروس من غير شرح.

4- أفضل عن طريق السبورة وتكون واضحة.

5- الإعلال والإبدال لأنني لم أفهمه جيدًا.

6- أن كان يجيدها أرتاح له وأ، كان يخطئ فإنه يسبب لجميع الناس (ضيقًا) في النفس ولا يجب أن يتحدث بها.

الطالبة السادسة:

1- دروس الأدب في الابتدائي والثانوي العام كانت جيدة – ولكن القواعد كانت تدرس بطريقة رديئة وفي الثانوي العام بالذات – أما البلاغة فندرسها بطريقة تجارية. أما المطالعة التوجيهية والتوجيه الأدبي فلا فائدة فيها ولا ثمرة لها أما الإنشاء فكل المواضيع (الموضوعات) جافة لا تستحق الكتابة.

2- في الابتدائية كانت القواعد بسيطة وفي الثانوي العام (حاجات) عدة لا أحبها (ناس) اسم كان واسم إن والمقصور والمنقوص والضمائر (وناس) الأفعال الخمسة والأسماء الخمسة أما في الثانوي العام (كانت في دروس ثقيلة).

3- الصعوبة أن الكتاب لا يفي بالشرع والأستاذ ربما كان (شاطر) ولكنه لا يدرس مادته بإتقان فينقلها نقلاً من الكتاب. (تحدثت هذه الطالبة عن كراهتها للأستاذ الذي يدرس من كتاب يحمله في يده أو يضعه على التربيزة وهو مفتوح وتقول: هذا الكلام لا ينطبق على الأدب.

4- عن طريقة مباشرة.

5- أحس بالفخر عندما أسمع شخصًا يجيد اللغة العربية لأنها لغتنا ولكن أحس (بالقرف) عندما أسمعها (وهي مكسرة) وغير مجادة.

هذا ومن خلال هذا الطرح من قبل الطالبات الثانويات يظهره لنا بوضوح ما يعانيه الطلاب من الدرس النحوي، فتارة نرى مصدر الصعوبة منذ تأسيس المادة وتلقيها من البداية والاستمرار على ذلك النمط. وتارة نرى الطالبات يرجعن الصعوبة التي تقابلهن إلى الكتاب وطريقته وبعضهن يرجعن سبب الصعوبة إلى الأستاذ الذي لم يكن يجيد تقديمه للمادة من حيث الشرح والتوضيح وتكرار ما يستحق التكرار وعدم الحماس للمادة التي يقوم بتدريسها.

كما أننا نلاحظ أن أبوابًا كثيرة أشارت الطالبات لها مما يؤكد عموم الصعوبة واكتنافها لمعظم أبواب النحو باستثناء الفاعل والمفعول به والمفعول المطلق، أما الصرف فكان الإجماع على صعوبته مما يؤكد ضعف المعالجة من الكتاب والأستاذة إذ لو كان الأمر يتعلق بالأستاذ لوجدنا بعض الإشارة إليه أو من الكتاب وحده لوجدنا ذلك أيضًا مما يوجب على المدرسين للعربية إعادة النظر في طرائقهم وفي كتبهم ومحاولة تحبيب أبناء العربية فيها مع استلطاف التلاميذ وتسهيل الصعب وإن أدى الأمر إلى إعادة الدرس كرات وكرات. والاهتمام بالكيف أولى من الاهتمام بالكم. والتنويع في تقديم المادة من حيث الأمثلة المجردة تارة وعن طريق النصوص تارة أخرى أمر لابد منه. وهو ما يمكن أن نسميه أسلوب المزاوجة بين التجريد والتطبيق.

هذا كما نلاحظ ضعف الأساليب والتعبيرات عند ذات المجيبات واستخدام بعض الكلمات العامية في أثناء الإجابة عن الأسئلة مما يدل على ترهل واضح في العربية برغم أن بعضهن يبدين التقزز من سواهن ممن يخطئ في العربية.

وقفة ونتائج

أولاً:

دراسة تاريخ النحو وما ألف فيه وما دار من مناقشات وما عقد من مجالس وما تم من مناظرات وما حدث من استدراكات ومختصرات وتفريعات وما ألحق من حواشٍ أو ما أسقط، ومعرفة من ألف من العلماء ومن لم يؤلف.

ثانيًا:

التعرض للواقع النحوي في أزمنة مختلفة ويعني ذلك الوقوف المتأني لعلاقة النحو بالمجتمع وماذا صنع النحاة إزاء ذلك الواقع مقارنًا بما صنعه النحاة في وقتنا الحاضر وما قاموا به من محاولات وتجديدات وما حدث لذلك من تطور أو إقبار حتى نربط دور اللغة المتواصل في المفهوم الحضاري للأمة ومدى مقدرة الأجيال على فهم التراث واستحضاره. والمحافظة على إبقائه ونقائه.

ثالثًا:

السعي الدائم لمعرفة الأسس والطرق والوسائل التي تكفل الترغيب في النحو وتعطي الثمرة المرجوة من دراسته.

رابعًا:

استخدام الدراسة الوصفية لرصد التغيرات التي تحدث للدراسة النحوية الساعية نحو الغاية العلمية الخالصة الممزوجة بالتعلم والتعليم التي تستعين بالمجهود القديم والحديث لتحقيق الغرض من دراسة اللغة كصيغ الخطيب التبريزي والمبرد وابن مالك وابن هشام وابن عصفور وغيرهم من علماء العربية مقرونًا بمسعي المحدثين الذين هضموا القديم واطلعوا على الجديد مما يمكن أبناء العربية منها فهمًا وممارسة.

كل ذلك يعيننا في تناول (جذور الفكرة العربية الشاملة ومناهجها التي فحواها ألا توزع المواد إلى بلاغة ونحو وصرف وقراءة وأدب إلى غير ذلك دون ربط وإنها تعطي في شكل جرعات مركزة – نتناول جزئيات بعينها مترابطة في تطبيقات محسوبة بحيث تشمل كل المطلوب من إعطائه للكليات التي سنصل إليها في النهاية، ونحن بهذا التصور نحتاج إلى الفهم العميق وسنقابل دون شك العنت والمشقة ونحتاج إلى جماعة من النحاة واللغويين يتوفرون على إخراج مؤلفات محددة لتفي بهذا الغرض في منهجية واضحة، ولعل ما قام به المبرد في الكامل له دلالته الكبرى. وعلى العموم فإن المنهج الذي تتبعه الأسلاف في تيسير العربية على الناشئة كما رأينا والعمق فيها وشمولها وتعليمها تعليمًا سهلاً كان واضحًا في كل أعمالهم، وهو يضمن لنا قواعدها الأساسية في صيغ أشبه ما تكون بقوانين مركزة كي يحفظها الناشئة حتى يتسنّى لهم اليوم درسها وتدريسها دراسة تتيح لهم استيعاب أوضاعها وأسرارها وتمثلها تمثلاً بينًا.

بحيث يخدمها في بنيتها اللفظية وتراكيبها التعبيرية ودلالتها وعطائها المعنوي واستجابتها لكل حاجات الإنسان وتطورات حياته أصالة ومعاصرة.

———-

(1)الإمتاع والمؤانسة لأبي حبان التوحيدي ص 139.

(2)دراسات في اللغة والنحو العربي ص 88 – د. حسن عون.

(3)إرشاد الأديب لياقوت ص 46.

(4) الأشباه والنظائر ص 72 السيوطي.

(5)دلائل الإعجاز ص 21 عبد القاهر الجرجاني.

(6)المرجع نفسه ص …

(7)المرجع نفسه ص …

(8)المرجع نفسه ص 21 – 68.

(9)سورة يوسف الآية 63.

(10)الأشباه والنظائر ص 3 وص 34 – 35 للسيوطي.

(11)المرجع السابق ص 3 و64 – 68.

(12)نزهة الألياء في طبقات الأدباء، لأبي البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري ص 187.

(13)طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي ص 581 طبعة دار المعارف مصر.

(14)أخبار النحويين البصريين ص 71.

(15)الخصائص ص 239 – 240 ابن جني.

(16)المغتضب ص 143 للمبرد.

(17)الخصائص ص 1 ، ص 272 ابن جني.

(18)تقويم اللسان ص 205 ابن الجوزي.

(19)إصلاح المنطق ص 297 ابن السكيت.

(20)تقويم اللسان ص 205 ابن الجوزي.

(21)سورة المائدة الآية 31.

(22)سورة التحريم الآية 6.

(23)التسهيل لابن مالك، ص 44 تحقيق محمد كامل بركات.

(24)شذور الذهب لابن هشام.

(25)شرح بانت سعاد لابن هشام ص 146 – 147.

(26) المقرب لابن عصفور.

(27)أنظر: أوضح المسالك 2/72.

(28)في د: (تكون صيغته صيغة المرفوع).

(29)هو سالم بن دارة، يقوله في: (مر بن واقع) ونسبه الأزهري تبعًا للعيني إلى الأحوص، وصدره في: أوضح المسالك: يا مر يا بن واقع يا أنتا.

أنظر أوضح المسالك ج2 ص 72، وشرح المفصل 1/127 – 130.

(30)هذان شطران من الرجز المشطور، وقائلها مجهول، وهما في شرح المفصل 2/9 وشرح الكافية 1/132، والخزانة 1/358، والإنصاف 1/336.

(31)سورة يوسف الآية 29.

في د: (تكون صيغته صيغة المرفوع).

(32)هو العجاج بن رؤبة، وأنشده بن هشام في أوضح المسالك 2/102.

(33)أنظر ديوانه ج2 ص 259 وفيه: انثنبت.

(34)بغية الدعاة ص 204 – نفح الطيب ص 522 ط أوربا – مقدمة المقرب للمحقق ص 44 – 45.

(35)الإيضاح في علل النحو ص 16 ص ص – 5 – وصفحة 19/15 19/15 الزجاجي النحوي.

(36)الجملة في الشعر العربي ص 16 – 17 د. محمد حماسة.

المراجع

1-القرآن الكريم.

2-إحياء النحو – الأستاذ إبراهيم مصطفى – مطبعة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة.

3-أخبار النحويين البصريين – لأبي سعيد السراقي – تحقيق د. محمد إبراهيم ألبنا دار الاعتصام مصر 1405هـ 1985م.

4-إرشاد الأديب. لياقوت الحموي دار المأمون 1323.

5-الأشباه والنظائر لجلال الدين السيوطي – دار الكتب العلمية بيروت 1405 هـ 1984م.

6-إصلاح المنطق لابن السكيت. تحقيق – أحمد محمد شاكر – وعبد السلام هرون.

7-الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي.

8- الإنصاف في مسائل الخلاف لأبي البركات الأنباري – القاهرة 1364.

9-أوضح المسالك لأبن هشام القاهرة 1354.

10-الإيضاح في علل النحو لأبي القاسم عبد الرحمن الزجاجي النحوي. تحقيق د. مازن المبارك – دار العروبة.

11-بغية الدعاة – لجلال الدين السيوطي، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم – المكتبة العصرية بيروت.

12-تقويم اللسان للإمام أبي الفرح عبد الرحمن الجوزي، تحقيق د. عبد العزيز مطر – دار المعرفة القاهرة ط أولى 1966م.

13-التسهيل – لابن مالك، تحقيق د. محمد كامل بركات.

14-الجملة في الشعر العربي، د. محمد حماسة.

15-الخصائص – لابن جنّي، تحقيق محمد علي النجار – دار الكتاب بيروت.

16-دراسات في اللغة والنحو د. حسن عون.

17-دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني المطبعة العربية بمصر.

18-ديوان رؤية بن العجاج – عني بتصحيحه وليم بن الورد الروس دار الآفاق الحديث.

19-طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي دار المعارف مصر.

20-المقتضب للمبرد. تحقيق عبد الخالق عضيمة عالم الكتب ببيروت.

21-المقرب لابن عصفور – تحقيق أحمد الجبوري وآخرون مطبعة العاني بغداد.

22-شرح بانت سعاد – لإبن هشام، تحقيق د. أبو ناجي.

23-نزهة الألباء في طبقات الأدباء، لأبي البركات عبد الرحمن محمد الأنباري – مطبعة إحياء ثائر العرب – العرب – القاهرة 1294هـ


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

بحث حول المدرسة البنوية لدوسوسير

مقدمة.

المدرسة اللسانية أو اللغوية هي مجموعة من المفاهيم يتبناها طائفة من اللغويين، وتجمعهم وجهة نظر واحدة ، ومنهج واحد في معالجة الظواهر اللغوية ، مهما اختلفت أوطانهم وجنسياتهم. فهم مجموعة من المهتمين تجمعهم وحدة فكرية ومنهجية في التعامل مع الظواهر اللغوية.

فأبناء المدرسة اللسانية الواحدة يلتفون ويتفقون حول أصول واحدة ، فيرسمون لأنفسهم منهجاً واحداً في دراسة أصول علم اللغة، و يطبقونه ويعملون على تطويره والدفاع عنه، مع بقاء هذه المدرسة مدة من الزمن. فهي نظرية أو إطار فكري عام معين يٌتخذ لمعالجة البحث اللغويّ. فلا تعد المدرسة مدرسة إلا إذا حددت رؤى و أهدافا ثابتة ، واتخذت لنفسها أصولا وأسسا مخصوصة ، ورسمت منهجا واضحا تسير عليه في معالجة المسائل والقضايا.

مفهوم البنيوية.

البنيوية اللغوية- في أساس مفهومها وأبسط صورة وأوجزها لهذا المفهوم – هي: منهج عام يأخذ اللغة على أنها (بناء) أو (هيكل)، أشبه شيء بالهيكل الهندسي المتشابكة وحداته ذات الاستقلال الداخلي، والتي تتحد قيمها بالعلاقات الداخلية بينها، وذلك بمعزل عن أية عناصر خارجية، كصاحب النص المنطوق أوالمكتوب، والسياق الخارجي أو غير اللغوي ؛ إذ إن هذين العنصرين ليسا من اختصاص علم اللغة في نظر البنيويين0

ومعنى ذلك أنّ تحليل أي نص لغوي يعتمد على نظرتين : هما استقلاليته عن أية ملابسات أو ظروف خارجية ، والثانية تشابك وحداته وترابطها فيما بينها داخليا. (1)

وهكذا ، فان البنيوية اللغوية: نظرية علمية تقوم على سيطرة النظام اللغوي على عناصره، وتحرص على الطابع العضوي لشتى التغيرات التي تخضع لها اللغة. (2)

ولادة البنيوية.

يعد القاضي ( جامبا نستافيكو) عام 1725م في كتابه (العلم الجديد) هو حامل فكرة البنيوية أو جرثومة البنيوية ؛ فهو يرى أنّ المجتمعات جلها هي التي تخلق نفسها أو ذاتها، بمعنى أنّ الشيء الواحد لا مكان له في الحياة إلا إذا وجد في مجموعة، وهذه المجموعات تشكل معا المجتمعات وليس المفردات. ثمّ نضجت فكرة البنيوية عند دي سوسير وتكاملت على يد براغ وبلومفيلد كما سيظهر لاحقا.

العوامل التي ساهمت في ظهور البنيوية :

لكل علم عوامله التي تساعد على ظهوره و نهوضه، ولظهور البنيوية العوامل الآتية::

العامل الأول: جاء كرد فعل على المنهج الذري الذي كان سائدا في بريطانيا بشكل خاصة وفي أوروبا بشكل عام. ( و المنهج الذري هو المنهج الذي ينظر إلى الأشياء كلها على أنها تراكمات أو تكتلات لعناصر مستقلة ). فاللغة على سبيل المثال هي ولادة تراكم وتجمع لعناصرها أو مستوياتها.

ومعنى ذلك أنّ البنيوية ترى أن معنى الجملة سابق لمعنى الكلمة، فليس للكلمة معنى أو قيمة وهي مستقلة إلا من خلال علاقاتها بغيرها أو وجودها في سياق. فمن خلال الجملة نفهم معنى الكلمة ويصبح لها قيمة و معنى.

أما العامل الثاني فجاء نتيجة التطور والتفكير والإدراك الذي حصل في العلوم الطبيعية ثم في العلوم الإنسانية. فلقد اقترن التيار البنيوي بأسلوب البحث في مختلف المعارف فلكل علم مادة، ولكل مادة بنية، ويكفي أن يحدد الباحث المتخصص هدفه في استكشاف خصائص بنية تلك المادة حتى يطلق على نفسه أو يطلق عليه الآخرون صفة الباحث البنيويّ، بل إنّ منهج البحث في حقل من المعارف إذا ارتسم لنفسه غاية الكشف عن العلاقات التي تنتظم بها الأجزاء ليتألف منها البناء الكلي ، تحتم إدراجه في فلك البنيوية0وهذا هو الذي سوّغ اكتساح موجة التيار البنيوي للعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية.(3) ، فكل علم من العلوم لا بد من أن يكون بنيويا .وعلم اللغة كأحد هذه العلوم يسعى إلى استخلاص طابعه النسقي من خلال العلاقات القائمة بين عناصره ووحداته ، بمقتضى رابطة تماسك وتوقف.

ومما هيأ للمهنج البنيوي هذه السلطة العامل الثالث وهو ما وُفِّر للبنيوية من وسائل عملية عند استنطاق الظاهرة يجمع بين البساطة الظاهرة و الدقة المستترة . ومدار ذلك هو العملية المزدوجة التي تتراوح بين التفكيك والتركيب : تفكيك الأجزاء المكونة لمادة البحث ثم إعادة تركيبها بشكل يختلف عن الصورة التي جاءت عليها . على أن عملية إعادة التركيب ليست واحدة بالضرورة وإنما يمكن إن تتعدد وتتنوع فتفضي إلى هندسات معمارية جديدة للواقع المدروس .

والعامل الرابع الذي هيأ للبنيوية هذه الريادة المنهجية الموضوعية في الدرس فهو يتجاوز السبل الذاتية ومسالك الارتسام الوجداني بل وتتخطى كل التباس انطباعي ، أو تقويم معياري.

لهذه الحيثيات جميعا غدت البنيوية كالناطق الفريد باسم المنهج العلمي بين أترابها من المناهج الأخرى.(4) ، ولعله ليس بعيدا عن الصواب القول: إنّ أول ما بوأ البنيوية هذه المنزلة أن مضمون أي علم من العلوم إن هو إلا نسيج من الدوال هي بمثابة العلامات أو الإشارات على مدلولات ومجموع القرائن الرابطة بين هذه وتلك يمثل بنية ذلك العلم . ولئن عولت البنيوية في كل ذلك على ما تم اشتقاقه من الظاهرة اللغوية في أول الأمر، فان الجدل الذي استمر حول علاقة اللسانيات بعلم العلامات أو الإشارات أيهما الأصل وأيهما الفرع قد جعلها تتسلل بين شقي الخلاف لتنفرد بطرافة هذا البديل العلامي الموحد بين مسالك الاستقراء العلمي .

وعليه، فقيمة الشيء _ من وجهة نظر البنيوية _ ليس بذاته بل بعلاقاته بغيره؛ فلو لم يكن الأمر كذلك لما اختلفت وجهات النظر في النص الواحد، وكانت النتيجة واحدة، في حين نجد للنص الواحد مجموعة نصوص تتشكل فيخرج لكل شخص نص مستقل مختلف عن غيره، وهذا دليل على أن الشيء ليس له قيمة بذاته بل قيمته بالعلاقات مع غيره: فالسمة الأساسية للبنيوية هو: الاهتمام بالعلاقات القائمة بين الأشياء والتي تبين من خلالها قيمة الشيء،، وعدم الاعتراف بالفردية والاستقلالية.

دور دي سوسير في ظهور المدرسة البنيوية.

لما كان فاردينان دي سوسير (1875-1913) يلقي محاضراته في العلوم اللغوية على منابر جامعة جنيف بين سنة 1906 وسنة 1913 ، ما كان يظن أنه كان يرسي قواعد منهج معرفي ستتجاوز آثاره سياج العلم اللغوي فيكتسح علوم الإنسان غازياً إياها غزو المنتصرين بلا عناء كبير (5). وعلى الرغم من أن أهم أعمال “أستاذ اللغويات الكبير بجامعة جنيف” لم تنشر إلا بعد وفاته ، إذ قام بنشر محاضراته في علم اللغة بعض تلامذته( تشارلز وألبرت) عام 1916 ، بل وعلى الرغم من أن دي سوسير نفسه لم يستخدم كلمة “بنية” ، وإنما استخدم كلمة “نسق” أو “نظام” ، إلا أن الفضل الأكبر في ظهور المنهج البنيوي في دراسة الظاهرة اللغوية يرجع إليه هو أولاً وبالذات (6).

ولقد سيطرت أفكار هذا الأستاذ الكبير ممثلة بالمدرسة البنيوية التي أنشأ صرحها ، على البحث اللغوي في الأربعينيات من هذا القرن سيطرة بالغة ، حتى إنها جمعت حولها نفراً غير قليل من الدارسين في جميع أنحاء العالم ، وزحزحت المناهج اللغوية من مواقعها، وحاولت أن تحتل مكانها جميعا، وانتقل تأثيرها من الدرس اللغوي الصرف إلى ميدان الأدب ونقده، لدرجة أنها صارت الشغل الشاغل للأدباء والنقاد حتى أوائل السبعينيات (7)0

بلغت الدراسات اللغوية الحديثة والمعاصرة درجة من الدقة والضبط والموضوعية والشمول ما أتاح لها أن تتبوأ مكانا مرموقا بين فروع المعرفة الانسانية0بل لقد أخذت هذه الدراسات زمام المبادرة في هدم الأسوار التي أقيمت بلا مبرر علمي واضح بين العلوم الإنسانية ،وهو ما عبر عنه بصدق “ليفي شتراوس” عالم الأنثروبولوجيا حين قال: إننا نجند أنفسنا إزاء علماء اللغة في وضع حرج 0فطوال سنوات متعددة كنا معهم جنبا إلى جنب وفجأة يبدو لنا أن اللغويين لم يعودوا معنا وإنما انتقلوا إلى الجانب الأخر من ذلك الحاجز الذي يفصل العلوم الطبيعية الدقيقة عن العلوم الإنسانية، والاجتماعية، والذي ظل الناس يعتقدون طويلا باستحالة عبوره.

وهكذا أحذ اللغويون يستغلون بتلك الطريقة المنضبطة التي تعودنا أن نعترف باستسلام أنها وقف على العلوم الطبيعية وحدها0(8)

لقد كان دي سوسير الرائد في كثير من الأفكار اللغوية ، ومن أهم أفكاره النظرة “البنيوية” إلى اللغة 0وهذه النظرة لم تكن مستقلة عن أفكاره الأخرى، وبالأخص منها فكرتان، هما: “السنكرونية” أو (الو صفية) في مقابل “الديكرونية” أو (التاريخية). وثنائيته المشهورة “اللغة و الكلام” وتفريقه الحاد بينهما0 فهذه الأفكار الثلاثة مترابطة متكاملة ، لا انفصام لها وليس من السهل أن يعزل واحد منها عن الآخر في نظر سوسير على الأقل.(9)

المدرسة البنيوية:

تعد أفكار دي سوسير منطلقا لكل المدارس اللسانية الحديثة ما بين مؤيد ومعارض وثورة على المنهج التاريخي المقارن ، فكانت أفكاره فاتحة عهد جديد في مضمار “العلوم اللسانية” بصفة خاصة _ لأنها المحاولة الأول التي تصاغ فيها المفاهيم اللسانية الحديثة صياغة منهجية _ و”العلوم الإنسانية “بصفة عامة ، لذلك فجل المدارس اللسانية الحديثة وصفية المنطلق ؛ لأنها قامت على أفكار سوسير ، ثمّ تلونت بوجهات نظر خاصة منحها صبغة معينة . ومن أهم أفكاره النظرة البنيوية للغة ، فاللسان _ أي اللغة _ يمثل النظام المجرد للعلاقات البنيوية الذاتية المتأصلة في اللغة ، وهي علاقات يشترك فيها كل أعضاء الجماعة اللغوية ،في حين يمثل الكلام فعل الكلام الفردي والذي لا يمكن أن يتكرر على نحو متماثل أبدا ،ولأن اللغة من وجهة نظر سوسير تؤلف نظاما بنيويا متماسكا ؛ فإنّ أي مقاربة للغة مكرسة لتفسير عمل هذا النظام الداخلي أصبحت تعرف بأنها “اللسانيات البنيوية” أو”المدرسة البنيوية”(10)

والمنهج البنيوي يقوم على مفهومين اثنين – هما أساس المنهج الوصفي – : الوصف والتصنيف. وهذا المنهج قد أبعد عن طريقه النظر في أوليات اللغة المدروسة وتأريخها وتطورها ، ونظر إليها على أنها شكل أو بناء ثابت آني غير متغير . فوصف لذلك بأنه صوري شكلي ؛ لأنه ينظر إلى الصور اللفظية المختلفة داخل أية لغة ثمّ يصف العلاقات القائمة بين كلماتها في تراكيبها وصفا موضعيا ، ثم يقوم بتصنيف النتائج تصنيفا دقيقا مميزا بين المؤلفات التي تتكون فيها التراكيب .

فالمنهج البنيوي يلتزم بمفهوم (التزامنية) وهي: دراسة لغة محددة في لحظة معينة دون النظر في المراحل التاريخية ، فيدرس اللغة كما هي ومحاكمتها بقوانينها –لا بقوانين غيرها – دون تقعيد لغرض الدراسة نفسها، بشكل موضوعي بغية الكشف عن حقيقتها.(11) فاللغة بالنسبة للسانيات البنيوية هي البداية والنهاية ، أو الوسيلة والغاية ، لذلك وصف علم اللغة بأنه علم انعكاسي أو انطوائي يدرس نفسه بنفسه.

البنيوية في أوروبا:

دي سوسير هو واضع حجر الأساس للسانيات البنيوية كما تبين مما سبق، وبوصفة ممثل الأوروبيين يعول عليه في دراسة البنيوية في أوروبا ، فما هي بنيويته ومن هم أتباعه؟(12)

فكرة البنيوية عند سوسير فكرة بسيطة تتلخص في نظرتة إلى اللغة بوصفها نظاما أو هيكلا

مستقلا عن صانعه أو الظروف الخارجية التي تحيط به. وينظر إلى هذا الهيكل من داخله من خلال مجموعة وحداته المكونة له بوصفها تمثل كلا قائما بذاته. فاللغة هي شبكة واسعة من التراكيب والنظم . وهي أشبة شيء برقعة الشطرنج التي لا تتحدد قيم قطعها بمادتها المصنوعة منها وإنما بمواقعها والعلاقات الداخلية بينها في هذة الرقعة . فكما إن كل قطعة منها تتحد قيمتها وترتبط بموقعها على هذه الرقعة، كذلك تتحد قيمة كل تركيب أو قيمة كل وحدة في التركيب بالنظر إلى هذة التراكيب، وتلك الوحدات.

إذن، فنظرة سوسير إلى اللغة نظرة تجريدية تعنى بنظام البنية العميقة لا بالبنية السطحية التي تتمثل في المادة الكلامية الواقعية . وأنّ دراسة العلاقات ذات القيم الفارقة بين التراكيب أو الوحدات تتم من جانبين :

1- الجانب الأفقي : ( السنتجماتيكي ) ويعنى بتعيين طرائق تكوين العناصر اللغوية – كلمات أو لواصق – إلى عناصر أكبر وأكثر تعقيدا أو جمل وعبارات وتراكيب ، وبيان العلاقات بين هذة العناصر. وهنا يكون التركيز على خواص التركيب من حيث موقعية عنا صره المكونة له ونوع الارتباط الواقع بينهما؛آخذين في الحسبان أن قيمة كل عنصر إنما يتضح بنوع علاقته بصاحبه من العناصر الأخرى في ذات التركيب.

2-الجانب الرأسي : ( البراديجماتيكي ) ويعنى بالعلاقات بين العناصر اللغوية في النظام اللغوي أو في الجدول الصرفي الذي يمد التراكيب بالوحدات المكونة له|، ، فهذا الجانب يركز على بمبدأ جدولت العلاقات واستبدالها. ولتوضيح ذلك نقف عند هذا المثال:

مثال : الجملة:محمد يدرس.

فالعلاقة بين (محمد) و (يدرس) علاقة سنتماتيكية وهي علاقة المبتدأ بالخبر وهي هنا علاقة وظيفية ، وهناك علاقة شكلية سنتماتيكية بين هذين العنصرين ، وهي التتابع الأفقي في التركيب ، وكل عنصر منهما في الوقت نفسه ذو علاقة براديجماتيكية بعناصر أخرى في النظام اللغوي أو الجدول الصرفي لم تقع في هذه الجملة ، وإن كانت صالحة في الوقوع مواقعها في تراكيب أخرى .فـ “محمد” ذو علاقة رأسية ، أي جزء من الجدول الصرفي الذي تنتمي إلية عناصر محددة مثل : هو، وصديقي ، والرجل، وهذا….. الخ . من كل تلك العناصر الاسمية التي تصلح مبتدأ في اللغة العربية ، و” يدرس ” جزء من الجدول الصرفي الذي تنتمي إليه عناصر صالحة للوقوع خيرا في اللغة العربية، نحو: يزرع ، يحصد ، قائم … إلخ.

فالقيمة اللغوية عند سوسير ، أي ( المعنى) إنما تحدده وتعينه مجموعة العلاقات بين الكلم ، ولا يمكن فهمه أو الوصول إليه إلا في ضوء هذه العلاقات ، فالعلاقة متبادلة بين الدال والمدلول ، تجعل كل واحد يستدعي الآخر.

وبهذا المنهج استطاع سوسير إن يستغني عن التقسيم التقليدي للنظام اللغوي، وهو : الدلالة والنحو والصرف الأصوات ، حيث يمكن وضع هذه المستويات أو الجوانب اللغوية في إطار الاتجاهين الآتيين: الاتجاه الرأسي والاتجاه الأفقي . فالنظام اللغوي إن هو إلا نظام للجداول الصرفية التي يقوم كل عنصر في داخلها بتحديد وتعيين العناصر الأخرى ، وفي الوقت نفسه يتوقف دخول أي عنصر من هذه العناصر في التتابع الأفقي على الجدول التصريفي المعين أو الجنس الصرفي للعنصر أهو: اسم أو فعل أو حرف ، و هل هو : معرفة أو نكرة ……الخ.

ومن الأعلام البارزة في أوروبا تلميذا دي سوسير النجيبان ( أنطوان ميية) و (تشار لزبيية) ،وقد حذا كل منهما حذو الأستاذ في جملة أفكاره و مبادئه الخاصة بالبنيوية، فهذا (مييية ) يقرر – بما يشبه مقولة الأستاذ – أنه من الخطأ النظر إلى الوحدات اللغوية كما لو كانت منعزلة ، وإنما ينبغي أن تؤخذ على أنها نظام مترابط متماسك. والأمر نفسه عند (لزبيية) ، وإن كان يهتم بوسائل التعبير الفردية ،التي تميز شخصا عن أخر ، والتي تبين الاختلافات التعبيرية عند الأفراد.

وفي سنة 1926 تشكلت مدرسة (براغ) ، والتي أخلصت لمبادئ دي سوسير في جملتها حتى إنّ أفكارها لتتطابق وتتماثل مع مبادئ الأستاذ في “البنيوية” وغيرها ، فاللغة في تصور رواد هذه المدرسة: ” إن هي إلا نظام من العلائق” . ولكن مع التركيز على الجانب الوظيفي (أي: القيم اللغوية للوحدات المكونة للتركيب )، وطبقوا هذا المبدأ خير تطبيق على “الفونولوجيا ” – علم وظيفة الأصوات- بوجة خاص.

ومن أعلام هذة المدرسة”جاكبسون” “وتروبتسكوي”،وهما من أصل روسي ، وهذا الأخير هو صاحب كتاب “مبادئ الفونولوجيا” المنشور في براغ سنة 1939 وترجمه إلى الفرنسية “كانتينو” سنة 1949 لأول مرة.

وقد اتبعت هذه المدرسة في عملها المنهج السنكروني ، تماما كما سلك دي سوسير في أعماله(13).

ولم تخرج مدرسة (كوبنهاجن) التي أسس لها العالم الدنمركي “هلمسليف” ( 1899 – 1965) – وهو رائدها في الاتجاه البنيوي – عن الخطوط العريضة لمبادئ دي سوسير . والواقع أن “هيلمسلف ” اهتم باللغة لا بالكلام ، ونظر إليها على أنها بنية أو هيكل أو نظام ، وأن اللغة هدف لذاتها وليست وسيلة ، وهي نظام مغلق منعزل عن العوامل الخارجية الاجتماعية والثقافية والأدبية، والتاريخية. وأنّ الوظيفة الأساسية للغويّ – عنده – هي أن يضع نظاما تجريديا لفهم اللغة ، وإنما يتم له ذلك بالنظر إلى اللغة على أنها”عملية رمزية” تدخل في إطار علم الرموز. وهو يأخذ الوظيفة في الحسبان ، ويعنى بها الدور الذي يلعبه العنصر اللغوي (وحدة صوتية – وحدة صرفية – كلمة – تركيب ) في البنية النحوية للتعبير ، فكل عضو أو عنصر في الجملة له قيمة في تشكيل المعنى العام للجملة .والفرق بينة وبين سوسير معني أولا و أخيرا باللغة المعينة ، فهذا “هيلمسلف” يحاول دراسة اللغة بالمعنى العام دون النظر إلى خصائص اللغة المعنية ؛ فاللغات عنده تشترك في بعض النقاط ، وعلى الدارسين والباحثين البحث عن هذة النقاط.(14)

وعلى الرغم من هذا الاستشراء البنيوي في عقول علماء أوروبا، إلا أنّ اللسانيات البنيوية قد أدينت من قبل: ألمانيا ،وإيطاليا ، كأمر متناقض مع أيديولوجية هذه الدول التي لا تؤمن بتساوي اللغات ،أما البنيوية فنظرتها متساوية إلى جميع اللغات ؛ فكل اللغات عندها واللهجات يمكن تحليلها بالطرق عينها ، وأنه ليس هناك لغة تفوق لغة أخرى.(15)

البنيوية في أمريكا.

بدأت البنيوية الوصفية في أمريكا بصورة مختلفة عن تلك التي بدأت بها في أوروبا ، ومن ثم تميزت بمبادئ وأفكار تختلف عن تلك التي عرفتها أوروبا ، ولكنها تلتقي معها في: أنّ اللغة بنية ، وأن هذه البنية لكي تدرس لا بد أن تحلل إلى مكوناتها .

والحقيقة أن البحث اللغوي في أمريكا لم يكن منبت الصلة تماما عن أوروبا . فالرواد الأوائل لعلم اللغة الأمريكي مثل: “فرانز بواز” و “إدوارد سابير” و “ليوناردومفيلد”؛ كانوا على صلة بصورة أو أخرى بالتراث الأوروبي في دراسة اللغة ، وخاصة المدرسة التاريخية في القرن التاسع عشر ، وذلك عن طريق العالم الأمريكي “وتني” الذي كان متأثرا بالاتجاه التاريخي في أوروبا ،وقد أشار إليه دي سوسير ، ثم إن “بواز” و “سابير” قد ولدا في أوروبا، أما بلومفيلد فقد درس قواعد علم اللغة التاريخي التي وضعتها مدرسة النجاة الجدد . وقد أشار إليه سوسير، وإلى المنهج الوصفي الذي أذاعه في المقدمة التاريخية لكتابه “اللغة”، الذي تتبع فيها تاريخ الفكر اللغوي عند الهنود والرومان والعرب والعصور الوسطى ، ثم العصر الحديث في أوروبا حتى دي سوسير.016)

غير أن الذي يعطي مميزا لعلم اللغة الأمريكي أنه بدأ وفق تقاليد وأصول علمية أملتها طبيعة اللغات التي وجدوها في القارة الجديدة ، وهي لغات لم تكن معروفة وليست مكتوبة، ومن ثم لم يكن النموذج التاريخي الذي طبق على اللغات الهندية الأوروبية كافيا لتفسيرها ، بل ربما أدى إلى نتائج غير صحيحة، وبالتالي لم يكن أمامهم إلا تطبيق المنهج الوصفي .

وكانت البداية الحقيقية لعلم اللغة الأمريكي على يد “فرانز بواز أو يواس” الذي أدرك أنه يتعامل مع لغات تختلف في تركيبها عن اللغة الهندية الأوروبية التي درس قواعدها وفق المنهج التاريخي . ومن ثم نحى المنهج جانبا ووضع لنفسه مبدأ جديدا ،وهو أن كل لغة لها منطقها التركيبي الخاص بها ، و أن منهج التحليل المناسب تفرضه طبيعة المادة اللغوية نفسها

وقد التزم بهذا المبدأ وقام بدراسة وصفية لعدد من اللغات الهندية الأمريكية وجمعها في كتاب أطلق عليه اسم “دليل اللغات الهندية الأمريكية “، ويعد هذا الكتاب دستور البحث اللغوي الأمريكي الذي ضم مبادئ الوصف اللغوي الدقيق لتسع عشرة لغة من اللغات الهندية الأمريكية وما زالت مقدمة هذا الكتاب تعد من المقدمات الممتازة في علم اللغة ، فضلا عن أشارات “بواز” إلى علم النفس والاجتماع ودورهما في معرفة وفهم الظواهر اللغوية . وقد كان هذا الكتاب مناط اهتمام علماء اللغة الأمريكيين. ولعل ذلك ما دعا بلومفيلد إلى وصف “بواز” بأنه المعلم الأول لعلماء اللغة الأمريكيين.

أما”سابير” فهو رائد البنيوية الأمريكية ومعلم الأجيال من علماء اللغة الأمريكيين وتلميذ من تلامذة “بواز”، وكان واسع الثقافة له اهتمامات علمية وكثيرة ومتنوعة . ويبدو أنه قد بدأ دراسته للغة بعيده عن أفكار “سوسير” ولكن فكرة النماذج اللغوية التي نادى بها لا تبعد كثيرا عن التفرقة التي وضعها “سوسير” بين اللغة والكلام .

وفكرة النماذج اللغوية هي أن كل إنسان يحمل في داخله الملامح الأساسية لنظام لغته.أي إن جميع النماذج الفعلية التي تقدمها اللغة لتأكيد عملية الاتصال ،هي نماذج ثابتة وهي الخليقة بالدراسة لأنها الأهم والأكثر حيوية في حياة اللغة. وذلك مقابل الاستخدام الفعلي للغة المتمثل في المادة اللغوية المنطوقة.(17)

أما “بلومفيلد 1949م” Bloomfield فيعد علما من أعلام الدراسات اللغوية أمريكا، وكتابه “اللغة” يحسبونه هناك “إنجيل علم اللغة ” ؛ إذ إن البحث اللغوي الأمريكي – مهما تعددت اتجاهاته ومناهجه- يدين بالفضل لهذا العالم ومبادئه ، سواء أكان ذلك بالاتفاق معه أو بمعارضته.

والحق أن “بلومفيلد” في أمريكا يقع موقع سوسير في أوروبا من حيث: الأهمية في التأثير وجدة الأفكار، وتنوعها ، وكثرة الأتباع والتلاميذ . وإن كان الثاني أسعد حظا من صاحبه في الشهرة واتساع دائرة الأتباع والمريدين لا في الحقل اللغوي وحده، وإنما في دوائر علمية أخرى كالنقد الأدبي وعلم الأسلوب . وذلك لأنه كان أسبق زمنا وريادة في الابتكار والتجديد في الفكر اللغوي ، ولما اتسمت به أفكاره من عمق ومذاق جديد غير معهود آنذاك. وقد أفاد “بلومفيلد” من المعين السويسري؛ إذ تأثر به و أخذ عنه فكرتين مهمتين:

الفكرة الأولى: النظرة السنكرونية في التعامل مع اللغة ، والأخرى: الفكرة البنيوية للغة في عموم معناها ، وهما نظرتان أو فكرتان متلازمتان في المنهج البنيوي في عمومه ، فاستطاع أن يكوّن مدرسة أو منهجا لغويا واضحا ومستقلا: هي منهج السلوكية أو مدرسة “بيل” ، وهو اسم الجامعة التي كان يعمل بها أستاذا.

والبنيوية عند “بلومفيد” وأتباعه بنيوية من نوع خاص ، وهي في الوقت نفسه مبدأ من منظومة من المبادئ التي تكون منهجا عاما لا يمكن فهمه أو التعرف عليه بوجه مقبول إلا بالنظر في جملة هذه المبادئ بصورة ما،(18) فلقد التزم “بلومفيلد” بالمنهج البنيوي الوصفي ولكن بطريقة خاصة أصبحت علما عليه وعلى مدرسته، ولعل اتصاله بعالم النفس السلوكي “واطسن ” – أبو المنهج السلوكي الذي فضل استحداث المنهج السلوكي كثورة على المنهج الذهني – كان له أكبر الأثر في توجيه نظريته اللغوية وفق تعاليم ومبادئ المذهب السلوكي ، وهو مذهب يرى أن اختلاف الناس يرجع إلى اختلاف البيئة التي يعيشون فيها وأن سلوكهم رهن هذه البيئة.

واللغة عند “بلومفيلد” وأتباعه من السلوكيين ليست إلا نوعا من الاستجابات الصوتية لحدث معين ؛ فالإنسان يسمع جملة معينة ، أو يرى شيئا ، أو يشعر بشعور فيتولد عن ذلك استجابة كلامية ، دون أن ترتبط هذة الاستجابة بأي صورة من صور التفكير العقلي ، والإنسان في هذا يشبه الآلة أو حيوان .

وبناء على هذا الفهم لطبيعة اللغة ووظيفتها عند “بلومفيلد” وأتباعه شاع في تاريخ الفكر اللغوي أن هذه المدرسة رفضت دراسة المعنى وركزت في دراستها اللغوية على الجانب المادي الطبيعي ، وهو الصوت والبنية التي يتحقق فيها توزيع الأصوات على شكل فونيمات ومورفيمات ؛ لأنه يمثل المادة المناسبة للبحث الموضوعي المضبوط ، دون المعنى الذي قد يفتح مجالات للأحكام الذاتية الانطباعية .

والواقع أن”بلومفيلد” لم يرفض دراسة المعنى ، بل لقد أشار إلى أهمية العلاقة بين الصوت والمعنى . وإنما كان اهتمامه موجها إلى الكشف عن القوانين العامة التي تحكم السلوك اللغوي والتي قد تؤدي إلى الكشف عن القوانين التي تحكم النفس البشرية .ولذلك رأى أنه لكي نعرف المعنى معرفة دقيقة لا بد أن نكون على علم دقيق بكل شيء في عالم المتكلم ، والمعرفة الإنسانية لم تصل بعد إلى هذه الدرجة .

وبذلك أصبح بلومفيلد من دعاة نبذ العقلانية في علم اللغة وإحلال المذهب الشكلي الآلي ، الذي به تتحقق الموضوعية. أي دراسة سلوك العناصر اللغوية داخل البنية اللغوية من خلال المواضع والمواقع التي تحتلها في الكلام، والاستعاضة عن التعريفات العقلية لها التي كان يدور حولها الفكر اللغوي التقليدي بهذه الدراسة. فهذه الوحدات هي وحدات محدودة ولكنها ذات قدرات توزيعية غير محدودة .ومن ثمّ أصبحت التوزيعية هي المنهج الذي اعتمد علية “بلومفيلد” في وصف ودراسة اللغة . فقامت مدرسته المشهورة “بيل”.

وتقوم التوزيعية على فكرة الإبدال والإحلال ،حيث تستبدل وحدة لغوية محل وحدة لغوية أخرى في بيئة لغوية أكبر ، مثل فونيم في كلمة أو كلمة في جملة. مثل ذلك استبدال الفونيم .

/ق/في كلمة (قام) بفونيم /ن/في كلمة (نام) ،وإحلال كلمة(رجل) محل كلمة (فرس) في

جملة مثل : رأيت فرسا . ومعنى هذا أن الفونيمين/ق/و/ن/ ينتميان إلى طبقة لغوية واحدة

وهي الفونيم . ومثل ذلك أيضا تنتمي كلمتا (رجل) و(فرس) إلى طبقة الأسماء.

وتحاول التوزيعية بهذا الأسلوب الخلاص من التعريفات التقليدية التي اعتمدت في تحديد أقسام الكلام على المعيار الدلالي أو الفلسفي أو العقلي . فالمورفيم عند “بلومفيلد “- إذا تجاهلنا المعنى – هو عبارة عن فونيم أو مجموعة من الفونيمات داخل بنية معينة . على أساس أن الفونيم الواحد في اللغة الإنجليزية قد يشكل وحدة مستقلة كما في جمع كلمة girls) ) حيث نجد أن فونيم /s/ هو مورفيم يدل على الجمع .

أما في اللغة العربية فلا يوجد مورفيم اقل من فونيمين وذلك إذا استثنينا حركات الإعراب .فحرف الجر (الباء) مثلا هو عبارة عن مورفيم يتألف من فونيمين هما الباء وحركتها أما إذا اعتبرنا المعنى فالمورفيم عند “بلومفيلد” هو عبارة: عن أصغر وحدة لغوية تحمل معنى أو وظيفة نحوية. وهو ينقسم إلى قسمين :حُر ومقيد.

وفكرة المورفيم هي فكرة توزيعية قائمة على تحديد العناصر اللغوية طبقا لوظائفها الصرفية والنحوية الدلالية.(19)

أما التغير الملحوظ في البنيوية الأمريكية فقد ظهر في عمل رجلين معروفين في الحقل اللغوي العام .وهما : “زليج هارس” الذي أخذ بمبدأ “المكونات المباشرة “، والنظر إلى “الشكل” أو “البنية السطحية”، كما فعل “بلومفيلد”، ولكنة نظر إلى الجملة نظرة أعمق ، حيث أخذها نواة يمكن تطويلها أو توسيعها إلى ما لا نهاية ، مع الاهتمام بالعلاقات بين المكونات في الجملة،على النقيض مما فعل “بلومفيلد” في هذا الشأن ، إذ اكتفى هذا الأخير بالعناصر الموجودة بالفعل، دون كبير التفات إلى هذة العلاقات . وأما الثاني :هو “بايك” ،الذي رأى التخلص إلى حد بعيد من نظرية “بلومفيلد” قي البنيوية التي تقوم أساسا على تصنيف وحدات الجملة وبيان إمكانية توزيعها على حساب الوظيفة أو المعنى .

لقد طور “بايك” لنفسه نظرية سماها ( القوالب ) . وفيها ركز على الجانب النحوي ، فنظر إلى الجملة على أنها “قالب” ينتظم مجموعة من الخانات أو المواقع ، ولكل خانة أو موقع فئة خاصة من الكلمات ، أو العبارات والجمل في النصوص الطويلة . إنه يسير بعكس “بلومفيلد” فلا يقف عند تعيين وحدات الجملة وبيان فئتها أو نوع الكلم الذي تنتمي إليه ، بل لا بد من تحليل الجملة بوصفها تتابعا من القوالب . كل قالب منها يشير إلى الوظيفة والى نوع الكلم الذي ينتمي إلى هذه الوظيفة ، والذي يصلح لهذه الوظيفة .ومثاله: خانة المبتدأ تملأ بالاسم المعرفة . وخانة الحال في الاسم المشتق ، وخانة التمييز بالاسم الجامد ، وهكذا على ما هو معروف . وعلى الرغم من تلك التجديدات التي أضافها ” بايك” فمازال الدارسون ينظرون إلى أفكار “بايك” على أنها امتداد للاتجاهات الرئيسية لتقاليد “البنيوية السلوكية”(20).

ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أنّ أهم ملامح البنيوية الأمريكية هي:

1- إهمال دراسة المعنى ؛ وذلك لأنه موضوع لعلم آخر كعلم النفس، فلكي نفهم المعنى علينا الوقوف على حالات الكلام والأحداث السابقة واللاحقة ، وهذا ليس من اختصاص اللغوي بل اختصاص علوم أخرى، لذلك يجب تنحية المعنى في الدرس اللغويّ.

2- قوام المعنى في هذه البنيوية : علاقة بين مثير واستجابة فقط، دون أبعاد أخرى ، فاللغة سطح لا عمق له.

3- المنادة بوجوب إتباع إجراءات الاستكشاف ، ووضع قواعد الإجراءات ، وهي إجراءات آلية تعتمد على اللغة في بدايتها وانتهائها فمن اللغة نبدأ وإلى اللغة ننتهي.

4- طرح الأشياء الذهنية التجريدية والتركيز على الأشياء المادية في الدراسات اللغوية ؛ وذلك لإفضاء العلمية و الموضوعية على الدراسات اللسانية ، لأنّ إقحام الذهن من شأنه أن يعوق الدراسة الوصفية الموضوعية ، لأنها لا تتعامل مع أشياء محسوسة يتحكم بها بشكل منضبط عند الجميع ، لذلك طرح كل ما يمت إلى الذهنية والدعوة لدراسة اللغة كدراسة الكيمياء والفيزياء .

ومن خلال استرجاع شريط المدرسة البنيوية يتبن لنا أنها – في عمومها – مرت بثلاث مراحل يمكن تمييز بعضها عن بعض على النحو الآتي:

المرحلة الأولى: مرحلة دي سوسير و الأوروبيين في عمومهم ، وكان جل اهتمامهم باللغة لا بالكلام ، وبيان العلاقات الداخلية بين وحدات الجملة ، تلك العلاقات التي تعد النواة للمعنى التام للجملة.

المرحلة الثانية: بنيوية”بلو مفيلد “وأتباعه الخلص ، وهي تهتم بالكلام لا باللغة، وتحصر عملها في البنيية السطحية على أساس من النظر الشكلي ، دون الاهتمام بالمعنى.

المرحلة الثالثة: “بنيوية ” أمريكية موزعة سارت على جملة من مبادئ “بلومفيلد” ، ولكنها أدخلت الوظيفة أو المعنى في الحسبان . وجاءت بعدُ أو مواكبا للمرحلة الثالثة نظرات “زليج هاريس” وهي ذات سمية “بنيوية” ونظرات “بايك”.

وبالمجمل فإنّ الدراسات اللغوية الأمريكية فرضت نفسها بنفسها ؛ فطبيعة اللغات التي تعرض لها لم يكن لها تاريخ مكتوب ، بل لغات منطوقة ، فجاءت الدراسة على هذا الجانب . الأمر الذي أعطاها العملية و الحركة والحيوية فنمت وتطورت بشكل سريع، مستفيدة من الأنثروبولوجيا *، وعلم الإنسان ، أو علم الاجتماع ، فغلب عليها الحركة والاتصال والقدرة على التطور والفتوة.

أما في أوروبا فتركزت الدراسات اللغوية على الجانب المكتوب ، فجاءت دراستهم بطيئة، مستفيدة من اللسانيات التاريخية المقارنة فغلب عليها الطابع الأكاديمي.

وبعدُ، فمن العدل أن نشير إلى أنّ المدرسة البنيوية على الرغم من المكانة الكبيرة التي حظيت بها إلاّ إنها قد هوجمت بـأنها:

– نظرت إلى المكونات المباشرة للغة وتغافلت عن البنية العميقة لها. وفي هذا عجز عن بيان حقيقة الشيء، فكيف بنا معرفة حقائق اللغة والوصول إلى البنية العميقة في الإنسان ، التي هي تمدّه بالزاد من الجمل والعبارات.

– اكتفت بوصف المكونات المباشرة ، وهذا لا يمكّنه من أن يقعد للغة أو العينة التي تحت الدراسة.

– عدم استطاعتها على تحليل كل أنواع الجمل ، فالجمل قد تطول وتتعقد العلاقات بين مكوناتها.




اشكركم على الموضوع القيم

نشكركم عاى هذا البحث القيم أرجوا منك أن تزيد التهميش لأنك لم تذكر المصادر و المراجع لمستعملة نرجوا منك الرد لأنني بحاجة ماسة الى هذا البحث و شكرا

شكرا على الموضوع

شكرا ولكن أريد التنزيل

التصنيفات
لغــة وأدب عربي

قصص ألف ليلة وليلة كاملة | Arabian.nights.original.copy.arabic

قصص ألف ليلة وليلة كاملة | Arabian.nights.original.copy.arabic

تعليم_الجزائر اقتباس: تعليم_الجزائر

تعليم_الجزائر

Books : Fantasy : Arabic
arabian nights : stories of the imaginary world of both human and genny it takes you everywhere on earth
الف ليلة وليلة : قصص وحكايات خيالية لعالم الانس والجن وسوف تاخذك الي اي مكان
نوع الملف : pdf
عدد الملفات : 4

تعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر
الحـــجم :: 136.82 MB

للتحميل

من هناااااااااااااااا

تمنياتي لكم بقراءة ممتعة


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

سؤال عن جمع كلمة جب

من هو الاسرع لايجاد جمع كلمة (جب) التي معناها بئر تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر

كلمة جب من االكلمات التي ليس لها جمع ……………ارجو التعليق على اجابتي

ربما ليس لها جمع او هي ………………….جبور
ههههههههههههههههههههههههههههه

السلام عليكم *كلمة جب لها جمع *و اظن ان الاخت زينب وجدت جمعها انظرو الى جمعا *وشكرا على المحاولة . ماهو جمع كلمة (زجاج)*

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة alrayan15 تعليم_الجزائر
و اظن ان الاخت زينب وجدت جمعها انظرو الى جمعا .

الجب : جمعه : أجباب و جـِباب و جـِببة وهو البئر العميقة وسميت بذلك لأنها قُطِعت قطعا* الحفرة*.


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

القصة القصيرة

القصة القصيرة : تعريفها و خصائصها وعناصرها.
القصة القصيرة : تعريفها و خصائصها وعناصرها
“بتصرف”عبد العزيز عبد الحميد

تعريف القصة القصيرة:
1/ في اللغة:
هي من التتبع وقص الأثر أي تتبع مساره ورصد حركة أصحابه، والتقاط بعض أخبارهم.
2/في المصطلح النقدي:
يعرفها الأستاذ فؤاد قنديل بأنها (نص أدبي نثري يصور موقفا أو شعورا إنسانيا تصويرا مكثفا له مغزى).
ويعرفها آرسكين كالدويل بأنها (حكاية خيالية لها معنى، ممتعة بحيث تجذب انتباه القارئ، وعميقة بحيث تعبر عن الطبيعة البشرية).
وتعرفها كاترين آن بورتر بأنها (العمل الذي يقدم فكرة في المقام الأول، ثم معلومة ما عن الطبيعة البشرية، بحس عميق).
خصائص القصة القصيرة:
تختلف الخصائص عن العناصر في أن العناصر هي المكونات الرئيسية للعمل أما الخصائص فهي المحدد الأساسي للعمل، بمعنى أدق إن افتقاد العمل لأحد عناصره لا يؤثر في تحديد هوية العمل، هل هو قصة قصيرة أم لا، ولكن إذا افتقدت القصة القصيرة لأحد خصائصها كانت شيئا أخر غير القصة القصيرة.
وهذه الخصائص بالترتيب هي:
1:الوحدة:
و تعني أن كل شيء فيها يكون واحدا، بمعنى إنها تشتمل على فكرة واحدة، وتتضمن حدثا واحدا، وشخصية رئيسية واحدة، ولها هدف واحد…الخ.
وهو ما يعني إن الكاتب عليه توجيه كل جهده الإبداعي صوب هدف واحد لا يحيد عنه.
2:التكثيف:
ويقصد به التوجه مباشرة نحو الهدف من القصة مع أول كلمة فيها، فهي كما يقول يوسف إدريس” القصة القصيرة رصاصة، تصيب الهدف أسرع من أي رواية”.
3:الدراما:
ويقصد بها خلق الحيوية والديناميكية والحرارة في العمل، حتى ولو لم يكن هناك صراع خارجي، ولم تكن هناك غير شخصية واحدة.
فالدراما هي عامل التشويق الذي يستخدمه الكاتب للفت انتباه القارئ، وهي التي تحقق المتعة الفنية للقارئ وتشعر القاص بالرضا عن عمله.

عناصر القصة القصيرة:

وهي بالترتيب:
1 الرؤية:
و هي جوهر العمل الفني، ونواته الفكرية التي قد تصدر عن الفنان دون وعي منه لفرط خبرته، فهي تعبر عن مفهومه ونظرته للحياة، فالمبدع الحقيقي هو الذي تكون له نظرة ما حول ما يقدمه من أعمال فنية، فبالرؤية يختلف الكاتب الكبير عن الكاتب الصغير.
2 الموضوع:
هو الحدث أو الحدوثة التي تتجسد من خلالها الرؤية، التي يعتبرها المبدع أساس عمله، وهي حدث يتم في مكان وزمان محددين، تنشأ عنه علاقات إنسانية مختلفة، متمثلة في أنماط سلوكية بشرية تسعى لتحقيق هدف ما، ومعبرة عن أمالها ومشاعرها الوجدانية.
3 اللغة:
وهي المعبر والمصور لرؤية المبدع وموضوعه، فهي أساس العمل الأدبي، فالبناء أساسه لغوي والتصوير والحدث يتكئان على اللغة، والدراما تولدها اللغة الموحية المرهفة، كل هذا يشير بدلالة واضحة على أهمية اللغة وإنه لولاها لكان العمل الأدبي سيئ وغير مفهوم.
سمات اللغة الفنية:
1 السلامة النحوية.
2 الدقة.
3 الاقتصاد والتكثيف.
4 الشاعرية.
4 الشخصية:
وهذه الأخيرة هي جوهر القصة القصيرة، فهي التلتي تقوم بالحدث الذي تبنى عليه القصة، وقد يكون شخص أو قوى غيبية، أو بمعنى أدق كل شيء مؤثر في اتجاه الحدث صعودا وهبوطا، انبساط أو تأزما.
5 البناء:
وهي مراحل أو شكل العمل الأدبي، وهي عادة لا تقل عن ثلاثة مراحل هي، البداية، ثم الوسط ، الذي قد يطول أو يقصر وفيه يكون ذروة الصراع، ثم النهاية وفيها يكون الكشف عن كل محتوى العمل وهدفه الأساسي.
6 الأسلوب الفني:
وهو التقنية الفنية التي يتم بها تصوير الحدث أو الحالة، والكاتب في حاجة لتشكيل هذه الصياغة الفنية لوسائل عديدة ينفذ بها لشخصياته ومواقفه، بحيث تتعاون في النهاية في رسم صورة جيدة للعمل الأدبي.
فهي المنظور الذي منه يتم رؤية العمل الفني، فيتم الإعجاب به من قارئه، فحرفية القاص تنبع من الأسلوب الأخاذ الذي عبر به عن قصته، بحيث تبدو كما لو كانت عملا واقعيا وإن كل دور الكاتب فيها هو عمله على نقلها على الورق.
والأسلوب الفني يتأتى بالأتي:
1 السرد:
هو الوصف أو التصوير، فهو جزء من الحدث والشخصية ومن كل عناصر القص، فقصة بلا سرد ولا وصف ليست بقصة.
و يجب أن ينبعا من صميم العمل فلا يكونا دخيلين عليه، كما يتعين أن يكونا فاعلين فيه لا مجرد زينة.
2 الحوار:
هو الديالوج والمحادثة التي تدور بين شخصيات العمل، فهو أحد أهم التقنيات الفنية المشاركة في بناء العمل، وذلك لأنه
أ – هو نافذة يطل منها القارئ على ثنايا القصة.
ب – وسيلة فنية لتقديم الشخصيات و الأحداث والتعريف بها من داخلها.


التصنيفات
لغــة وأدب عربي

لسانيات التطبيقية


تهتمّ شعبة اللسانيات التّطبيقية بتنزيل اللسانيات بما هي علم حديث من المباحث النظرية الخالصة إلى متناول المهتمين بقضايا تمسّ صميمَ العمليّة اللّغوية، كتعليم اللغة وعلاقة اللغة بالمجتمع، وعلاقتها بالحاسوب والإعلاميات، وعلاقتها بتحليل النصوص والخطاب عامّةً…
وقد عرّفته موسوعة “ويكيبيديا” بأنّه فرعٌ من فروع اللسانيات، وهذا الفرعُ يُعنى بتطبيق النظريات اللغوية ومعالجة المشكلات المتعلقة باكتساب اللغة وتعليمها. كما يعنى هذا الحقل بالتحليل التقابلي بين اللغات للاستفادة منه في تحسين ظروف تعلم اللغات وتدريسها. تأثر هذا الحقل من اللسانيات بنظريات العالم اللغوي الأمريكي المعروف “ناعوم تشومسكي”، وخاصة نظرية النحو الكلي “Universal Grammar” والتي تفسر قدرة الإنسان على اكتساب أي لغة بشرية بغض النظر عن عرقه أو لونه أو معتقده أو ديانته، ومن ثم محاولة توظيف هذه النظرية في سبيل الوصول إلى فهم أكثر لعملية الاكتساب اللغوي. ويعد عقد التسعينيات من القرن العشرين هو عقد ازدهار حقل اللسانيات التطبيقية، حيث اصبح بعض الشيء حقلاً مستغلاً عن اللسانيات النظرية “Theoritical Linguistics” واصبحت العديد من الجامعات تقدم برامج للدراسات العليا المتخصصة باللسانيات التطبيقية كما أصبح هناك العديد من المراكز والمنظمات التي تعنى بهذا الحقل كالجمعية الأمريكية للسانيات التطبيقية، ومركز اللسانيات التطبيقية بالولايات المتحدة وغيرها من المنظمات بأمريكا والمملكة المتحدة.

حقل اللسانيات التطبيقية يتقاطع مع فروع أخرى للمعرفة ومن هذه الفروع بالإضافة إلى اللسانيات، هناك علم الإناسة “Anthropology” وعلم النفس “Psychology” والتربية والتعليم “Education” وكذلك علم الأدراك “The Cognitive Science” ويحاول توظيف كل ما تنتجه فروع المعرفة هذه لصالح تعلم اللغات واكتسابها بين البشر.
واقرأ أيضا كتاب:
– اللسانيات التطبيقية، لشارل بوتون، ترجمة قاسم المقداد و محمد رياض المصري، نشر دار الشّجرة 1998م