الوسم: الشعر
هو أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبي ولد سنة 915م 303هـ ، من كبار شعراء العرب ، ولد في الكوفة و اشتهر بحدة الذكاء، تجول في الشام و العراق ، كان شاعرا لسيف الدولة ، كان متكبرا شجاعا طموحا محبا للمغامرات . في شعره تعصب للعروبة ، و تشاؤم و افتخار بنفسه ، أفضل شعره في الحكمة و فلسفة الحياة ووصف المعارك على صياغة قويّة محكمة .
قتل و هو في طريق عودته إلى العراق سنة 965م 354هـ .
له ديوان شعر يجمع أهم الأغراض الشّعرية المعروفة ، المدح ، الرّثاء ، الهجاء ، الغزل ، الوصف و الحكمة شرحه طائفة من كبار الأدباء كابن جني ، و أبي العلاء المعري و الو احدي و العكبري و الشيخ إبراهيم اليازجي .
أثـري رصيـدي اللّغوي عنانا :أهمنا وشغل بلنا .تولوا :ذهبوا وزالوا , ريب الدّهر :حوادثه ، سنانا رأس الرمح , نصله, قطعة حادة توضع في رأسه .كالحات :عابسات الوجه . غصة: الغُصَّةُ، بالضم: الشَّجا ،ج: غُصَصٌ، وما اعْتَرَضَ في الحَلْقِ فَأَشْرَقَ.
[color="rgb(0, 255, 255)"]أكتشـف معطيات النـّــص[/color]
ما موقف النّاس من الدنيا ؟ الارتباط و الاهتمام بها.
ما مدى تعلق الناس بالدنيا؟ تعلق شديد
هل حقق النّاس كل أمانيهم؟ و منهم من مات بغصته
هل وجـد النّاس السعادة المطلقة في هذه الدنيا؟ ومنهم من تبخرت أمانيه
ما مصدر هذه المصائب التي يعاني منها البشر؟ تقلبات الدّهر و مصائب الدّنيا.
ما الدوافع التي جعلت الناس ينكلون ببعضهم البعض ؟ طمعهم في البقاء و عدواتهم على حطام الحياة الفانية و ما تريده أنفسهم من جاهها.
ما مصير الإنسان في هذه الدنيا ؟ البقاء للّه.
ما مصير كل من الشجاع و الجبان؟ الأمر سيّان غير أنّ موت الشّجاع أفضل وأغلى من موت الجبان
أناقـش معطيات النّـــص
بم يوحي الفعل "صحب"في مطلع القصيدة؟ الملازمة
ما الأسباب التي جعلت النّاس يعانون في الدّنيا؟ القضاء و ما حمّل الدهر من نوائبه.
ما مدلول لفظة "غصة" في البيت الثاني؟ من لم يبلغ في الدّنيا مراده و أمله و مات بغصته.
للإنسان في المأساة التي يعيشها يدّ ، وضّح. و ما طمعه و جوره و استعلاؤه و ماديته إلا لذلك
ما العبرة التي تستخلصها من حكم الأبيات 3 الأولى؟ الحياة درس خذ منها و تعلم كسب الآخرة.
لأيّ شيء يدعو الشّاعر في الأبيات (7– 8– 9) الموت حق و الموت على مبدأ الرجّولة أعظم.
يقول الشّاعر " عش عزيزا أو مت و أنت كريم " البيت التاسع
أيّ الأبيات يتجلى فيها هذا المعنى؟ البيت السابع و الثامن
هل ترى علاقة بين هذه الحكمة و نفسية المتنبي؟ من أين استمدها؟ و ما قول الحكيم إلا دوافع نفسية ، و قيل أنّ مقتل المتنبي فيه عراك مع قُطاع الطرق و مات شجاعا هو كذلك. و استمدها من نظرته المتفحصة لخبايا للحياة.
في البيت 2، و 3 صورتان بينيتان. أكشف عنهما مبيّنا أثرهما في المعنى.
وَتَوَلَّوا بِغُصَّةٍ : كناية عن الخيبة أي ذهبوا بالشّر و الهمّ و فارقوا الحياة على هذا النحو.
رُبَّما تُحسِنُ الصَنيعَ لَياليهِ :استعارة مكنية الليالي لا تحسن الصنيع فجسدها في صورة المحسوس و أبقى على منا يشير للمحذوف (الإنسان).
أحدّد بناء النـــّــص
ما نمط النّص؟ و ما خصائصه؟ علّل. حجاجي. توظيف الحجج والبراهين والأمثلة من الواقع،و اعتماده الصبغة العقلية ، و الروابط المنطقية.
النّص يكاد يخلو من العواطف. علّل. يخاطب العقول لا القلوب و لغة العقل أبعد من ذاتية القلب.
ما المخاطب في هذا النّص: العقل أم القلب؟ العقل انطلاقا من المنطق.
يتجلى تأثر المتنبي بالمنطق وضّح. الحياة فانية و البقاء للواحد الأحد.( كلّ ما عليها فان )
اشرح البيت الخامس مبديا رأيك فيه،إلى أي مدى ينطبق هذا البيت على عصرنا هذا.
القناة عود الرمح و السّنان زجه الذي يطعن به. يقول: إذا انتبذت الزمان للإساءة بما جبل عليه صارت عداوة المعادي مددا لقصده نحوك ، فجعل القناة مثلا لما في طبع الزمان و جعل السنان مثلا للعداوة.
أتفحــص الاتسـاق والانسجـام
في تركيـب فقـــرات النّــــص
هل ترى علاقة بين هذه الحكم؟ كلّها تصب في بحر يمخر عبابه عقول النّاس
على من يعود ضمير الهاء في: شأنه ، منه ، لياليه ، أعانه؟ يعود على الزّمان
أجمل القـول في تقديـر النّــص
عرّف الحكمة. لغة: من الحكم وهو المنع. سميت الحكمة بذلك، لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأرذال. اصطلاحا: تطلق على عدة معان منها: العدل، والعلم، والحلم، والنبوة، والقرآن، والسنة،والفقه بالدين، والعمل به. قوله تعالى: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا) البقرة:269
فهي قواعد إنسانية عامة فضلها وفائدتها التنبيه والإعلام والوعظ.
ما أسباب ظهورها في هذا العصر ، و ما مصدرها؟ أباطيل المجتمع و خزعبلاته ترهاته ، الدعوة و حركة الإصلاح.
لماذا خالف المتنبي استهلال قصيدته على غرار الآخرين؟ لأنّه من دعاة التجديد في القصيدة العربية
هل ترى بعض ملامح الحياة الاجتماعية؟ علّل. الاهتمام بشؤون الدّنيا ، الحروب ، مظاهر الإهانة.
بحث حول نظرية عمود الشعر
((نظرية عمود الشعر بين النشأة والتأسيس))المبحث الأول: عمود الشعر لغةً واصطلاحًا.
في اللغة: العمود: عمود البيت وهو الخشبة القائمة في وسط الخباء، والجمع أعمدة وعمد، وعمود الأمر: قِوامه الذي لا يستقيم إلاّ به، والعميد: السيد المعتمد عليه في الأمور أو المعمود إليه[1].
وفي الاصطلاح: هو طريقة العرب في نظم الشعر لا ما أحدثه المولدون والمتأخرون، أو هي القواعد الكلاسيكية للشعر العربي التي يجب على الشاعر أن يأخذ بها، فيحكم له أو عليه بمقتضاها[2].
ويُعرَّف كذلك بأنه: هو مجموعة الخصائص الفنية المتوفرة في قصائد فحول الشعراء، والتي ينبغي أن تتوفر في الشعر ليكون جيدًا.
ويُعرَّف بأنه: التقاليد الشعرية المتوارثة أو السنن المتبعة عند شعراء العربية، فمن سار على هذه السنن، وراعى تلك التقاليد، قيل عنه: إنّه التزم عمود الشعر، واتبع طريقة العرب، ومن حاد عن تلك التقاليد، وعدل عن تلك السنن قيل عنه: إنّه قد خرج على عمود الشعر، وخالف طريقة العرب.
يلاحظ في المعنى المُعجمي أنه لم يُذكر ارتباط كلمة العمود بالشعر كما هو الأمر في المعنى الاصطلاحي، إلا أن هذا لا ينفي أن يكون المعنى الاصطلاحي مستوحىً من المعنى اللغوي، فكما أن خشبة بيت الشَعر هي الأساس الذي يقوم عليه ذلك البيت، فإن أصول الشعر العربي وعناصره التي يُشير إليها المعنى الاصطلاحي تُعدُّ أيضًا بمثابة الدعامة والركيزة الأساسية التي لا يقوم نظم الشعر الجيد الصحيح إلا عليها.
المبحث الثاني: المصطلح عند الآمدي.
الفرع الأول: نشأة مصطلح عمود الشعر عند الآمدي.
عند تتبع هذا المصطلح تاريخيًا، فإنني لا أجدُّ من النقاد قبل الآمدي من تحدث عن عمود الشعر بهذا اللفظ، وإنما نحن نواجه هذا المصطلح عنده لأول مرة، لذا فإنه يُنسب له فضل الإسهام في تأسيس هذا المصطلح وتأصيله، ولكن من أين استمد الآمدي هذا المصطلح؟ وكيف استطاع أن يقع عليه؟.لا يمكن القطع برأي محدد في مصدر هذا المصطلح عن الآمدي، وإنما نحن نفترض افتراضًا أن يكون الآمدي استفاد في وضعه من بعض المصطلحات التي ترد كثيرًا في كتب النقد القديمة مثل: مذهب الشعر، وطريقة الشعر، ومذاهب العرب، ومسالك الأوائل، وما شاكل ذلك من العبارات التي تقترب من معنى عمود الشعر.
أو لعله استفاد من مصطلح (عمود الخطابة) الذي ورد عند الجاحظ في كتابه البيان والتبيين، فقد جاء فيه: ” أخبرني محمد بن عباد بن كاسب… قال سمعت أبا داود بن جرير يقول: “رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحليها الأعراب”[3].
أو لعله استفاد من بعض عبارات أخرى للجاحظ في قوله: “وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال وكأنه إلهام، وليس هناك معاناة ولا مكابدة… وإنما هو أن يصرف وهمه إلى الكلام وإلى رجز يوم الخصام،… فما هو إلا أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، وإلى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني إرسالاً”[4].
كما أن ربط الآمدي بين الجانب الشكلي لأبيات القصيدة العربية وبيت الشعر، مسكن العرب قديمًا قد يكون واردًا؛ لأن الشعراء أحبوا أن يجعلوا الأقاويل مرتبة ترتيب أحويتهم وبيوتهم في البصر، فقصدوا أن يحاكوا بيوت الشعر التي كانت مساكنهم، ولما قصدوا أن يجعلوا هيئات ترتيب الأقاويل الشعرية ونظام أوزانهم بمنزلة وضع البيوت وترتيبها فتأملوا البيوت فوجدوا لها كورًا أي جوانب وأركانًا وأقطارًا أي نواحي وأعمدةً وأسبابًا وأوتادًا، وجعلوا الوضع الذي يُبنى عليه منتهى شطر البيت، وينقسم البيت عنده نصفين بمنزلة عمود البيت الموضوع وسطه[5].
وفي رأيي أن الآمدي لم يحدد مفهوم عمود الشعر وعناصره بالشكل الدقيق، وإنما هو شيء سنحاول أن نستنبطه من ثنايا كلامه على كل من مذهبي أبي تمام والبحتري، وعن تصوره الخاص لطريقة الشعر عند العرب.وقد صرّح الآمدي بلفظ عمود الشعر أكثر من مرة بوصفهِ شيئًا معروفًا ومتداولاً بين الناس، ثم نص صراحةً على أن البحتري قد التزم هذا العمود ولم يخرج عليه، فقال: “أن البحتري كان أعرابي الشعر، مطبوعاً، وعلى مذهب الأوائل، وما فارق عمود الشعر المعروف”[6].
وفي حين يرى الآمدي أن أبا تمام خرج عليه، ولم يقم به كما قال البحتري، حين قال على لسان البحتري الذي سُئل عن نفسهِ وعن أبي تمام فأجاب: “كان أغوص على المعاني مني، وأنا أقوم بعمود الشعر منه”[7].ومن الواضح أن الآمدي قد نسب هذا المصطلح إلى البحتري في قولهِ السابق حين سُئل عن نفسه وعن أبي تمام، فكان جوابه بأنه أقوم بعمود الشعر منه، وفي رأيي أنه لو ثبت أن البحتري قد قال ذلك حقًا لكان هو أقدم من استعمل هذا المصطلح في حدود ما وصل إلينا، ولكننا لا نجد هذا الخبر إلا في كتاب الموازنة، مما يجعلنا نعتقد تمامًا أن الآمدي يسوق معاني البحتري بألفاظه ومصطلحاته الخاصة.
وهذا يؤكد في رأيي بأن المصطلح قد جاء من الآمدي خدمةً للبحتري، أي تأييد الآمدي لشعر البحتري؛ لأنه اتهم أبا تمام بالخروج عليه، بيد أن المرزوقي والجرجاني كما سنرى لاحقًا تحدثا عن عمود الشعر ولكن لم يتهما أبا تمام بذلك.
ويرد مصطلح (عمود الشعر) في موضع آخر من كتاب الموازنة على لسان البحتري يقول: “وحصل للبحتري أنه ما فارق عمود الشعر وطريقته المعروفة، مع ما نجده كثيرًا في شعره من الاستعارة والتجنيس والمطابقة”[8].
يدل النص السابق على قبول الآمدي للصنعة في عمود الشعر، إذ لم تخرج إلى حيز الإفراط والمبالغة، وما نجده في طريقة البحتري التي هي (عمود الشعر)، أنها لم تكن خالية من الصنعة باعتراف الآمدي نفسه.
ويقول الآمدي في شأن ذلك: “وليس الشعر عند أهل العلم به إلا حسن التأتي، وقرب المأخذ، واختيار الكلام، ووضع الألفاظ في موضعها، وأن يورد المعاني باللفظ المعتاد فيه المستعمل في مثله، وأن تكون الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له وغير منافرة لمعناه، فإن الكلام لا يكتسي البهاء والرونق إلا إذا كان بهذا الوصف، وتلك طريقة البحتري”[9].
فطريقة البحتري هذه – كما يتحدث عنها الآمدي – لم تنفِ أن يكون فيها صنعة، كما أن البحتري كان يأخذ من فنون البديع وأشكاله، حتى كاد بعض النقاد أن يلحقه بأبي تمام في ذلك، ويجعلها طبقة واحدة، كما فعل ابن رشيق القيرواني حينما قال: ” وليس يتجه البتة أن يتأتى من الشاعر قصيدة كلها أو أكثرها متصنع من غير قصد كالذي يأتي من أشعار حبيب والبحتري وغيرهما، فقد كانا يطلبان الصنعة، ويولعان بها “[10].
إذنْ يمكن القول بأن عمود الشعر عند الآمدي لا يتجافى مع الصنعة، ما دامت في حدودٍ مقبولة، لا تبلغ الإفراط الزائد، ولا تصل إلى التكلف المذموم، والشاعر الذي يحسن تناولها بهذه الصورة شاعر مطبوع، على مذهب العرب، ولم يفارق عمود الشعر العربي.
ونودُّ أن نُشير إلى أن مصطلح (عمود الشعر) الذي ورد في كتاب الموازنة للآمدي، وذكره ثلاثة مرات تصريحًا، كان بمعنى قِوام الشعر وملاكه الذي لا ينهض إلا به حتى يُقال عنه أنه شعر، والمرجعُ في ذلك أشعار العرب القدماء في معانيها وصياغتها وصورها.
ونخلص مما سبق بأن الآمدي هو أول من حام حول ما أسماه (عمود الشعر) وحدده بالصفات السلبية وأوردَ ما تورط فيه أبو تمام من تعقيد، وألفاظ مستكرهة، وكلام وحشي، وإبعاد في الاستعارة، واستكراه في المعاني، مما لو عكسنا تلك الصفات لأصبحت صفات البحتري في شعرهِ.
وليس من شك في أن الآمدي كان يُؤثر طريقة البحتري، ومن أجل ذلك جعلها (عمود الشعر) ونسبها إلى الأوائل، وصرّح لنا بأنه من هذا الفريق يقول: “والمطبوعون وأهل البلاغة لا يكون الفضل عندهم من جهة استقصاء المعاني والإغراق في الوصف، وإنما يكون الفضل عندهم في الإلمام بالمعاني وأخذ العفو منها كما كانت الأوائل تفعل، مع جودة السبك وقرب المأتى، والقول في هذا قولهم، وإليه أذهب”[11].الفرع الثاني: تصور الآمدي للمصطلح.
كما ذكرنا سابقًا بأن الآمدي قد بدأ في مصطلح (عمود الشعر) منتصرًا للبحتري؛ لأنه أكثر التزامًا بتقليد أساليب القدماء في الشعر، تلك الأساليب التي يُشير إليها هذا المصطلح، فكان أول من أسس له، بعدما كان الجاحظ قد ألمح إليه[12].
إذن فالآمدي تحدث من خلال (عمود الشعر) عن تصوره للشعر وطرائقه ومناهجه من خلال شعر البحتري أنموذجًا للشعر القديم، فقد تحدث عنه من حيث الأسلوب، ومن حيث المعاني، ومن حيث الأخيلة والصور.أما الأسلوب فإن عمود الشعر ينشد في الألفاظ السهولة والألفة، وألا تكون ألفاظًا حوشيه غريبة، والشعر يؤثر السهولة والوضوح، ويتجه إلى الشعر القريب الذي يخاطب القلب من أسهل الطرق، وبالتالي فهو يُنفر من كل ما يمكن أن يُفسد في الشعر بساطته ويبعده عن عفويته أو يعقده ويغمضه[13].
فالآمدي يُنفر من الفلسفة والأفكار الدقيقة إذا دخلت في نسيج الشعر؛ لأنها تجعله بحاجةٍ إلى استنباط وإدامة النظر والتفكير، فيصبح الشعر بعيدًا كل البعد عن عمود الشعر العربي المعروف، ويُخرج صاحبه من دائرة الشعراء والبلغاء، ويُسمى وقتها حكيمًا أو فيلسوفًا؛ لأن طريقته ليست طريقة العرب ولا على مذهبهم[14].إذنْ فأصحاب عمود الشعر هم من أنصار اللفظ الذين يكون الفضل عندهم لسلامة السبك، وجودة الرصف، وإشراقه ديباجة الشعر، وحسن اختيار الألفاظ، وإيقاعها في الجملة موقعها الملائم بحيث تكون مشاكله لما قبلها، وما بعدها، وملائمة للمعنى الذي استُعملَتْ فيه بلا زيادة ولا نقصان[15].
ومما يحرص عليه الآمدي وهو يرسم عناصر عمود الشعر قرب الاستعارة، وهذا القرب يتأتى إذا كانت العلاقة واضحة بين المشبه والمشبه به، وكلّما كانت الصلة واضحة بين هذين الركنين، وكان وجه الشبه الذي يربطهما متميزًا جليًا؛ كانت الاستعارة قريبة، وبالتالي مستحسنة[16].كما أن الاستعارة تكون قريبة حينما تحمل اللفظة المستعارة معنى أو فكرة تصلح لذلك الشيء الذي استُعيرتْ له، أما إذا استعرنا كلمة لا تصلح له، أو لا تتناسب معه فهي عندئذٍ استعارة مستكرهة، ويقول الآمدي: “وإنما تُستعار اللفظة لغير ما هي له إذا احتملت معنًى يصلح لذلك الشيء الذي استعيرت له ويليق به؛ لأن الكلام مبني على الفائدة في حقيقته ومجازه، وإذا لم تتعلق اللفظة المستعارة بفائدة في النطق فلا وجه لاستعارتها”[17].
إذنْ فنستنتج مما سبق بأن الاستعارة من أسباب خروج أبي تمام على عمود الشعر؛ لأن استعارته اتسمت بالبعد، فأصبح شعره “لا يشبه الأوائل، ولا على طريقتهم، لما فيه من الاستعارات البعيدة”[18].
فإذن، فالآمدي يولي عنايةً خاصة في عموده للأسلوب، فهو يهتم كثيرًا بجودة السبك، وسلامة التأليف، ونصاعة ديباجة الشعر وحلاوة اللفظ، وكذلك أن تقع الألفاظ في مواقعها المناسبة في الجملة مشاكلة معانيها وغير متنافية معها.
ويمكن القول: إن الآمدي كان يتمثل شعر البحتري وهو يضع عناصر عموده، لا بل إن بعض الدارسين يرى أن عمود الشعر عنده جاء صورةً لشعر البحتري، ووُضع أساسًا خدمةً له، فعناصر ذلك العمود هي الخصائص التي تتوافر في شعر البحتري، ويتجافى عنها شعر أبي تمام[19]. في حين يرى إحسان عباس أن عمود الشعر عند الآمدي نظرية وُضعت خدمةً للبحتري وأنصاره فأبعدت الموازنة عن الإنصاف[20].
إذن يمكن القول بأن الآمدي قد نعى في مواضع كثيرة من الموازنة على أبي تمام استعماله الغريب المستكره من الألفاظ، مما يعد مخالفة لعمود الشعر، وأشاد في المقابل كثيرًا بالبحتري؛ لأنه ابتعد عن ذلك، وآثر ما سهل من الألفاظ، وكان خفيف الوقع مأنوسًا مفهومًا لدى كل الناس.
ونخلص مما سبق بأن عمود الشعر عند الآمدي من حيث الأسلوب كان ينفر من الألفاظ الغريبة، والكلمات غير المألوفة، فهي لا تتفق مع جمال السبك، ورشاقة الرصف اللذين ينشدهما، ولا تتفق أيضًا مع ما يتطلبه عمود الشعر في الشعر من سهولة وبساطة، وبعد عن التكلف والتعقيد والغموض.
أما من حيث المعاني فعمود الشعر يوليها المرتبة الثانية بعد حسن الأسلوب، وسلامة التأليف، وهو يؤثر فيها السهولة والبساطة والوضوح، فالشعر في نظر الآمدي تصوير للأحاسيس والعواطف، وهو حديث إلى القلب والمشاعر، فهو بذلك ينفر من المعاني الصعبة، والأفكار الدقيقة التي تحوج إلى طول تأمل وتفكر، وإلى استنباط واستخراج[21].
ولذلك نجده ينتصر للبحتري؛ لأنه كان يتجنب التعقيد ومستكره الألفاظ، ووحشيّ الكلام، أمّا أبو تمام فإنه في رأيه فارق عمود الشعر؛ لأنه شديد التكلف، صاحب صنعة، ويستكره الألفاظ والمعاني[22].
أما من حيث الخيال فمن الواضح أن عمود الشعر يهتم بالصنعة، ويرى فيها مزية وفضلاً وهو يدعو إلى الأخذ بها، والاهتمام بشأنها ولكن ألاّ تجاوز المألوف، وألاّ تبلغ حد الإفراط والإسراف فتصل إلى التكلف والتصنع الممقوت[23].
وقد ذكرنا آنفًا أن الآمدي كان يولي الصنعة اهتمامًا، بشرط أن تكون في حدود المقبول وألا تتجاوز الإفراط، كما كان عمود الشعر يولي عناية خاصة للاستعارة وينشد أن تكون قريبة واضحة، ويتأنى لها هذا القرب من ظهور العلاقة بين المشبه والمشبه به وانكشافها[24].
ونخلص مما سبق بأن الآمدي كان يستمد خصائص عمود الشعر التي تحدثنا عنها سابقًا (الأسلوب، والمعاني، والأخيلة) من الشعر القديم، ولا ننسى أنه كان من أنصار القديم، وأن ذوقه محافظ تقليدي يميل إلى أشعار القدماء.
كما أن هذه الخصائص التي يتسم بها عمود الشعر – كما صوره الآمدي – تتفق تمامًا مع مذهب البحتري، وفي رأيي كما ذكرتُ سابقًا بأن ذلك المصطلح جاء خدمةً للبحتري بدليل أنه اتهم أبا تمام بالخروج على العمود، بيد أن المرزوقي والجرجاني لم يتهما أبا تمام بالخروج والمخالفة، فالبحتري في رأيه كان يعني بجودة السبك، وسلامة التأليف، وحلاوة الألفاظ، هذا من ناحية الأسلوب، أما من ناحية المعاني فكان يأخذ ما بدا له، في قرب وعفوية وبساطة، وأما من حيث الخيال فاتصفت صنعته بسهولتها، فلم تتعقد عنده.
وبالمقابل هذا كله خالف أبو تمام، فلم يعنَ بأسلوبه كما كان يُعنى بمعانيه، فلم يخلُ شعره من نسج رديء، وعبارة سيئة، وألفاظ وحشية مستكرهة، فتعقدت صنعته، وبلغت درجة التكلف الممقوت.
——————–
[1] انظر: ابن منظور، لسان العرب، و الفيروز آبادي، القاموس المحيط، مادة (عَمَدَ).
[2] انظر: أحمد مطلوب، معجم النقد العربي القديم، 2/ 133.
[3] انظر: الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام هارون، القاهرة، ط1، 1961م، 1/44.
[4] المصدر نفسه، 1/84.
[5] انظر: حازم القرطاجَنِّي، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق: محمد الحبيب، تونس، د.ط، 1966م، ص 249، 251.
[6] انظر: الآمدي، الموازنة بين الطائيين، تحقيق: السيد صقر، دار المعارف، ذخائر العرب، 1965م، 1/4.
[7] نفسه، 1/12.
[8] نفسه، 1/18.
[9] نفسه، 1/423.
[10] انظر: القيرواني، أبو علي الحسن بن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق: محمد قرقزان، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1988م، 1/214.
[11] انظر: الآمدي، المصدر السابق، 1/401 – 402.
[12] انظر: الجاحظ، المصدر السابق، 1/44 و 84.
[13] انظر: الآمدي، الموازنة، 1/423.
[14] نفسه، 1/423 وما بعدها.
[15] انظر: وليد قصاب، قضية عمود الشعر العربي القديم، المكتبة الحديثة، العين، ط2، 1985م، ص 146.
[16] انظر: الآمدي، الموازنة، 1/201.
[17] نفسه.
[18] المصدر السابق، 1/4 – 5.
[19] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 141، و ابتسام الصفار و ناصر حلاوى، محاضرات في تاريخ النقد عن العرب، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بغداد، د.ط، د.ت، ص 274.
[20] انظر: إحسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1971م، ص 150.
[21] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 157.
[22] انظر: الآمدي، الموازنة، 1/6 – 18.
[23] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 157 وما بعدها.
[24] نفسه، ص 158.المبحث الثالث: المصطلح عند الجرجاني.
الفرع الأول: تصور الجرجاني لمصطلح عمود الشعر.
قد قرأ القاضي الجرجاني ما كتبه الآمدي عن عمود الشعر، فحاول أن يستفيد من مصطلحه[1]، وأراد أن يطور على ما جاء به الآمدي من خصائص في مصطلح عمود الشعر، إلا أن هذه الخصائص “كانت أكثر توافرًا في عمود الشعر على النحو الذي تصوره الآمدي، وأشد وضوحًا منها في عمود الشعر على النحو الذي تصوره الجرجاني في الوساطة”[2].فالجرجاني في كتابه الوساطة قد تعَّرض فيه لبعض خصائص الشعر العربي، ولكثير من الأحكام النقدية، ومن ذلك إشارته إلى (عمود الشعر ونظام القريض) في قوله: “ولم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذ حصل لها عمود الشعر ونظام القريض”[3].
إلا أن هذا التعبير (عمود الشعر) لم يذكره الجرجاني في رأيي كمصطلح له حدوده الجامعة المانعة، بل ذكره في معرض كلامه على المرتكزات الأساسية للمفاضلة بين الشعراء.
ويقول الجرجاني بناءً على ذلك: “وكانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن، بشرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، وتسلّمُ السّبق فيه لمن وصف فأصاب، وشبّه فقارب، وَبدَه فأغزر، ولمن كثرت سوائرُ أمثاله وشوارد أبياتهِ”[4].
فمن هنا كانت معظم العناصر التي تحدث عنها الجرجاني على أنها مقياس المفاضلة والسبق بين الشعراء، وكذلك على أنها معيار الشعر الجيد، وهذه تكاد تكون عناصر عامة تتوافر في الشعر القديم مثلما تتوافر في الشعر الحديث كذلك.
فمثلاً ذكر الجرجاني صحة المعاني، وإصابة الوصف، واستقامة اللفظ، والغزارة في البديهة، وكثرة الأمثال السائرة والأبيات الشاردة، فهي ليست خصائص للشعر القديم فقط، ولا هي مقصورة عليه، وإن منها ما يعد أصلاً من أصول الشعر الذي لا يستغني عنه، ولا يقوم إلا به في أي عصر كان[5].
ويمكن القول بأن الجرجاني لم يتحدث عن عمود الشعر حديثًا واضحًا محددًا، وإنما أشار إليه إشارة عابرة سريعة، فحدد للشعر ستة عناصر يتعلق بعضها باللفظ الذي ينبغي أن تتوافر فيه الجزالة والاستقامة، ويتعلق بعضها بالمعنى الذي يشترط فيه الشرف والصحة، ويستحسن منه ما كان سهلاً مفهومًا يسير أمثالاً على الألسنية، وأبياتًا شاردة يتناقلها الناس ويحفظونها حكمًا وشواهد، ويتعلق بعضها بالخيال، ويؤثر عمود الشعر عند الجرجاني ما كان مطبوعًا سهلاً، قريب المتناول، يُصيب الوصف، ويقصد الغرض من سبيل صحيح[6].
فنلاحظ مما سبق أن الجرجاني قد تحدث عن عناصر أو خصائص عمود الشعر بشكلٍ عام فلم يحصرها في الشعر الجاهلي كما فعل الآمدي، وإنما هو يحدثنا عن عمود الشعر الذي يعني مجموعة عناصر الشعر ومقوماته الأساسية التي لا يقوم إلا بها في الشعر القديم والشعر الحديث.
فالجرجاني من خلال حديثه عن عمود الشعر فهو يكشف لنا عن إدراكه بأن الآمدي قبله أفاض في القضية، وهو يدرك المآخذ التي يمكن أن تؤخذ على تناوله لها، ولهذا جاءت معالجة الجرجاني لعمود الشعر مجسدة لميزة بارزة هي إطلاق القضية من عقال أبي تمام والبحتري خاصة إلى أفق أعم وأرحب، وإطار يصلح تطبيقه على كل شاعر وكل شعر[7].
وأشرنا سابقًا عن أهم العناصر التي ذكرها الجرجاني، وكان قد أشار إليها الآمدي ولكن بعباراتٍ واصطلاحاتٍ مختلفة، أما العنصران الآخران وهما: الغزارة على البديهة، وكثرة الأبيات السائرة والأمثال الشاردة، فهذان العنصران يستند الجرجاني فيهما إلى الذوق العام، ويفتح بها الباب بقوة لكثير من نماذج الشعر الحديث وشعرائهِ.
ولعل أن أهم مُلاحظة تُذكر للجرجاني في هذا الصدد عمده إلى تجنب تحديد المقصود بهذه المصطلحات وذلك حرصًا منه على تأكيد مرونتها وإضفاء طابع تعميمي عليها؛ ليجعلها أداة صالحة للتقويم المتشرب لطبيعة الذوق الخاص بالناقد[8].
الفرع الثاني: مقارنة بين تصور الجرجاني والآمدي للمصطلح.
بدا الجرجاني ناجحًا أكثر من الآمدي في مبدأ المقايسة، عند دفاعه عن المتنبي، “وما كان الآمدي إلاّ معلمًا للجرجاني، فنجح الآمدي نظريًا فقط، بينما نجح تلميذه في منهجه نظريًا وعمليًا، أما في الآراء والنظرات النقدية، فإن الجرجاني لم يأتِ بشيء جديد، وإنما التقت عنده أكثر الآراء والنظرات النقدية السابقة، فأحسن استغلالها في التطبيق والعرض”[9].فقد كان الجرجاني في وساطته مثالاً للناقد الفذ في نزاهة الحكم، وقد كان في قوله بآراء نقدية سابقة، وإهماله قضايا نقدية كقضية اللفظ والمعنى، ما يؤثر التطور النقدي والحاجة إلى طرائق جديدة في الغرض النقدي.
ويلتقي الجرجاني مع الآمدي في إيثاره للشعر المطبوع، وفي تفضيله لما كان سهل المتناول قريب المأخذ، ولكن الآمدي قد يكون أكثر تقبلاً منه للصنعة إذا كانت في حدود مقبولة لا تبلغ الإسراف الشديد، فقد رأينا أن البحتري عنده -على الرغم من أنه من أصحاب البديع، وقد أكثر من فنونه وأشكاله- فهو شاعر ملتزم بعمود الشعر العربي، لم يفارق أصوله القديمة، ولم يخرج عليها[10].
بينما هذه الصنعة تأتي هامشية في عمود الشعر عند الجرجاني؛ لأن العرب -على حد تعبيره- “لم تكن تعبأ بالتجنيس والمطابقة، ولا تحفل بالإبداع والاستعارة، إذا حصل عمود الشعر ونظام القريض”[11].
وقد رأينا فيما سبق أن عمود الشعر عند الآمدي لم يكن يعبأ بالمعاني الموّلدة الجديدة، فقد رفض هذه المعاني أساسًا في الشعر، بل إن هذه المعاني التي يأتي بها أبو تمام أحيانًا مخالفًا ما ألفته العرب، ويعدها خروجًا على عمود الشعر.
ولذلك يقول الآمدي في شعر أبي تمام: “لا يشبه أشعار الأوائل ولا على طريقتهم؛ لما فيه من الاستعارات البعيدة والمعاني المولّدة”[12].
أما الجرجاني فقد نظر إلى المعاني من زاوية أوسع وأرحب، فاشترط فيها أن تكون شريفة صحيحة، ومن الواضح أن هاتين الصفتين في المعنى تُفسحان المجال للأفكار الجديدة، والمعاني الموّلدة، ولا تعدانها خروجًا على عمود الشعر أو مخالفة لطرائقه.
ومثال ذلك أنه يمكن أن يُستنتج من عبارة (الإصابة في الوصف) وهي عبارة عامة أن تدخل تحت مدلولها الأوصاف الجديدة التي يبدعها خيال الشاعر ما دام قد أصاب في وصفهِ، وأتى بالغرض على وجهه الصحيح الكامل[13].
ونخلص مما سبق بأن نظرة الجرجاني كانت أوسع مدًى من نظرة الآمدي الذي رأيناه أضيق صدرًا، وأقل تقبلاً لهذه الأوصاف المبتدعة الجديدة التي كان يأتي بها أو تمام.
ومع ذلك فعمود الشعر عند الجرجاني يلتقي مع عمود الآمدي في أنه ينفر من المعاني المعقدة الغامضة التي تُستخرج بالغوص والفكرة، وتحتاج إلى تأمل ونظر كما رأينا سابقًا.
فكان الجرجاني كالآمدي لا يرحب كثيرًا بدخول الفلسفة إلى مجال الشعر، ويكره فيه أن يكون معرضًا للنظر والمحاججة، أو الجدل والقياس، فلذلك في نظره هذا مما يعقد الشعر، فيبعده عن النفس، وينفرها منه، ويقول: “والشعر لا يُحبب إلى النفوس بالنظر والمحاجة، ولا يحلي في الصدور بالجدال والمقايسة، وإنما يعطفها عليه القبول والطلاوة، ويقربها منه الرونق والحلاوة..”[14].
وقد ذكرنا آنفًا بأن الآمدي قد ذكر صراحةً، وفي أكثر من موضع، على أن البحتري قد التزم بعمود الشعر، وقام بأصوله حق قيام، على حين أن أبا تمام فارق عمود الشعر، وخرج عليه، وخالف طريقة العرب.
أما الجرجاني فإننا لا نلمح له موقفًا محددًا من هذه القضية، فهو لم يتهم أبا تمام بالخروج على عمود الشعر، حتى إنه لم يتحدث في وساطته بين المتنبي وخصومه عن صلة المتنبي بعمود الشعر.
وأنا في رأيي أن السبب في ذلك حتى تكون معالجة الجرجاني لقضية عمود الشعر أوسع منها عند الآمدي، وحتى تكون صالحة في كل عصر وكل زمان، بحيث يمكن تطبيقها كما ذكرنا على كل شاعر وكل شعر.
إذن فالجرجاني يمرُّ بالمصطلح مرورًا عابرًا سريعًا، لا يتوقف عنده، ولا يُشير إلى علاقة أبي الطيب به، فهو يكتفي بأن يضع للشعر وعموده تلك العناصر الستة التي أشرنا إليها سابقًا دون شرح لها أو حتى توضيح لمدلولاتها، ودون أن يقيس عليها شعر المتنبي؛ ليرى مدى اتفاقه معها أو مجافاته لها.
وكما ذكرنا سابقًا بأن خصائص عمود الشعر بشكل عام كانت مستمدة من الشعر القديم ومستنبطة من أصولهِ ومبادئهِ، وهذه ظهرت عند الآمدي حيث مثلها وطبقها على البحتري أنموذجًا للشعراء الأوائل، بينما كانت تلك الخصائص عند الجرجاني تمثل المفاضلة بين الشعراء بشكلٍ عام، وكانت تتوافر في الشعر الجيد وهي عناصر عامة تتوافر في الشعر القديم مثلما تتوافر في الشعر الحديث.
إن نظرية عمود الشعر هذه كما عرضها الجرجاني قد أصابها تطور كبير عما كانت عليه من قبل، مثلاً كانت تلك النظرية عند الآمدي محصورة في نطاق ضيق تتمثل في الشعر القديم أو في شعر البحتري، بينما نجد غير ذلك عند الجرجاني فأخذت تتسع وتمتد، وتصبح أكثر انفتاحًا، وأشد انفساحًا.
وفي نهاية الأمر، أنوّه إلى أن من خلال طريقة سوق الكلام وصياغته لدى كل من الآمدي والجرجاني -في توضيح عمود الشعر- لا توحي بأنهما يعمدان إلى تحديد مصطلحٍ نقديٍّ لم يكن قد اُُشتهر بعدُ، ولا عُرف قبلهم، كما لا توحي بأنهما هما اللذان وضعاه ابتداءً.
——————–
[1] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 178 وما بعدها، و الجرجاني، القاضي علي بن عبد العزيز، الوساطة بين المتنبي وخصومه، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي، المكتبة العصرية، بيروت، د.ط، 1966م، ص 15 – 25.
[2] انظر: الآمدي، الموازنة، 1/4.
[3] انظر: الجرجاني، الوساطة، ص 34.
[4] نفسه، ص 15 – 25.
[5] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 184.
[6] المصدر السابق، ص 186.
[7] انظر: صلاح رزق، أدبية النص، دار الثقافة العربية، القاهرة، ط1، 1989م، ص 127.
[8] نفسه، ص 128.
[9] انظر: إحسان عباس، تاريخ النقد عند العرب (نقد الشعر من القرن الثاني حتى القرن الثامن الهجري)، دار الشروق للنشر والتوزيع، ط2، عمان، 1986م، ص 316 وما بعدها.
[10] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 182.
[11] انظر: الجرجاني، الوساطة، ص 33.
[12] انظر: الآمدي، الموازنة، 1/6.
[13] انظر: وليد قصاب، المرجع السابق، ص 182.
[14] انظر: الجرجاني، المرجع السابق، ص 100.
الالتزام في الشعر العباسي
الالتزام في الشعر العباسي
نماذج من الشعر و الشعراء ( دعبل الخزاعي )الالتزام في اللغة ::
هو : التعلق بالشيء و المداومة عليه وعدم مفارقته . أما الإلزام فقد يكون فيه مداومة على الشيء وعدم مفارقته له ولكن بصحب ذلك إكراه ولا يكون لدى الشخص الملزم تعلق بما ألزم به ولا رغبه فيه .
في الاصطلاح الأدبي :
هو :حزم الأمر على الوقوف بجانب قضية سياسية أو اجتماعية أو فنية , والانتقال من التأييد الداخلي إلى التغيير الخارجي عن هذا الموقف بكل ما ينتجه الأديب أو الفنان من آثار وتكون هذه الآثار محصلا لمعاناة صاحبها ولإحساسه العميق بواجب الكفاح و المشاركة الفعلية في تحقيق الغاية من الالتزام
2-الالتزام عند القدامى:
أ-الالتزام عند قدماء المصريين:
لقد كان العلم و الأدب يخدمان الدين و الدولة في مصر القديمة ولعل ذلك من أسرار كون آثارها الباقية لا تحمل اسم صانع معين , وإنما تتوجه الجهود كلها إلى خدمة الأهداف الاجتماعية منطلقة من التصورات الدينية حين ذاك وكان حال الأعمال الأدبية كذالك(2)
ب-عند اليونانيين :
لقد رسم فيلسوف اليونان أفلاطون للشعراء خطوطا عامة وطالبهم بالسير عليها وإلا عاقبناهم بالحرمان من التأليف قائلا : أن نمنعهم من الوضاعة و الانحلال الخلقي و التسفل وكل ما تكون طبيعته شريرة وذلك حتى لا تتمكن صور الرذيلة من حراس مدينتنا
أما أرسطو ذو الفلسفة الواقعية ,فقد جاء بفكرة التطهير وهو نتيجة من النتائج التي تفضي إليها المأساة ,ذلك أن المأساة عند أرسطو هي :محاكاة فعل نبيل تام ومن شأن هذه المحاكاة أن تثير الرحمـة و الخـوف في نفوس النظارة , فتؤدي إلى التطهير مــن هذه الانفعالات
ج-عند الرومان:
وبذلك يتبين أن صورة الالتزام عند الرومان تتمثل في المحافظة على سمت الأسلاف و الحرص على تقديم المنفعة في ثوب من المتعة و التمسك بتقاليد المجتمع وقيمه السائدة
د-عند العرب قبل الإسلام :
إن صورة الالتزام في أشعار العرب قبل الإسلام تختلف في أساسها و شكلها عن صور الالتزام لدى الأمم الأخرى وهذا الاختلاف راجع إلى بنية المجتمع العربي فقد كان مجتمعا قبليا متفرقا كل قبيلة تعيش وحدها تبعا لمقومات حياتها والالتزام في الشعر الجاهلي بارزا في الالتزام القبلي الذي يبدو في ولاء الشاعر لقبيلته , و فخره في انتسابه لها , والتغني بأمجادها وأيامها
فقد كان أكثر قولهم عصبية جاهلية وفخرا و حماسة بما بين القبائل من تنازع و مطاولة
3 مفهوم الالتزام الإسلامي في الشعر:
أن مصدر الالتزام الإسلامي في الشعر إنما ينبثق من دين الإسلام و عقيدته , ومن رغبه الشاعر المسلم في مرضاة خالقه و طمعه في ثوابه وخشية من سخطه و عقابه ثم لا يضر بعد ذلك شكل شعره ,أو صورته ما دام المضمون حقا أو على الأقل لم يكن فسقا .
وبذلك يتحدد مفهوم الالتزام الإسلامي في الشعر فهو : أن يصدر الشاعر المسلم في فن الشعر من خلال نضرة الإسلام للخالق و مخلوقاته4- مجـالات الشــعر الملتزم:
من العسير علينا تحديد مجالات الشعر الملتزم , ورسم ضوابط لها ,ما دام هذا الالتزام موصوفا بالإسلام وصادرا عنه فقد صار كل ما ينفيه الإسلام منفيا بالتبعية , كذلك صار كل ما يثبته الإسلام مثبتا في ذلك الشعر
-محال العقيدة الإسلامية -مجال الدعوة إلى الإسلام -مجال الفخر بالإسلام و الاعتزاز به – مجال الدعوة إلى تضامن الأمة – مجال نصرة المستضعفين من المسلمين وبكاء أحوالهم -مجال تصوير البطولات الإسلامية الرائعة لشحذ الهمم ودفع العزائم
نموذج من الالتزام في الشعر العباسي (دعبل الخزاعي)
نسبه و كنيته: (148 – 246 هـ = 765 – 860 م)
دعبل بن علي بن رزين الخزاعي، أبو علي: شاعر هجاء. أصله من الكوفة. أقام ببغداد. له أخبار، وشعره جيد. وكان صديق البحتري قال ابن خلكان في ترجمته: كان بذئ اللسان مولعا بالهجو والحط من أقدار الناس، وهجا الخلفاء – الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق
والدعبل: الناقة التي معها ولدها.أو البعير المسن.أو الشيء القديم
-مظاهر الالتزام في شعره :
أ- الالتزام بمذهب آل البيت :
وكان دعبل من الشيعة المشهورين بالميل إلى علي صلوات الله عليه، وقصيدته:
و هي من أحسن الشعر وفاخر المدائح المقولة في أهل البيت، عليهم السلام، وقصد بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا، بخراسان، فأعطاه عشرة آلاف درهم من الدراهم المضروبة باسمه،
مدارس آياتٍ خلــت من تلاوةٍ ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من مـنىً وبالركن والتعريف والجمرات
ب- الالتزام بالقضايا الأمة :
و يفيض في حرمانهم من الاستمتاع بحقهم في الخلافة آملا في خروج مهديهم المنتظر الذي يملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت ظلما و جورا , و فيها يقول
أرى فيئهـم في غيرهم مقتسما وأيديه في فيئهم صَـفِيراتٍِِِِِِ
ولولا الذي أرجوا في اليوم أو غد تقطع قلبي إثرهم حـسرات
خروج إمام لا محالة خـارج يقوم على اسم الله و البركات
ج- رثاء الحسين :
وفي قصيدته العينية التي قد صور فيها ما نزل بالعلويين من كوارث في كربلاء وفي قم نائحا على قتلاهم و خاصة الحسين نواحا مؤثرا
رأس ابن بنت محمدٍ ووصيه يا للرجال على قناةٍ ترفع
والمسلــمون بمنظرٍ وبمسمعٍ لا جازع من ذا ولا متخشع
أيقظت أجفاناً وكنت لها كرى وأنمت عيناً لم تكن بك تهجع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده
أما بعد
فهذا لغز أورده ابن الغازي المكناسي:
حاجيتكم معشر جمع النبــــــلا *** المعربين مفردا وجمـــلا
ما ألف بيت دون شطر نصبت *** بوَتِد منها رقيتم في العـــــلا
فقال العالم الموريتاني أباه بن أبوه مجيبا:
ألفية ابن مالك الحبر الأجـل *** هي الجواب ماعدا الشطر الأول
نصب محلها بقال قد ظهــر *** وكون قال وتِـدا فيه نظــر
توضيح قول الناظم ما عدا الشطر الأول
الشطر الأول : الذي هو قال محمد هو ابن مالك فإعرابه كما يـلي:
قال محمد :فعل وفاعل * هو:مبتدأ *ابن:خبر مضاف* مالك:مضاف إليه
وباقي الألفية من قوله :احمد ربي …. إلى آخر الكتاب جملة في محل نصب لقال وتسمى مقول القول
مختارات من الشعر
****
وقيمة المرء ما قد كان يحسنه = والجاهلون لأهل العلم أعداءُ
*****
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتبُ = ولا ينال العلا من طبه الغضبُ
******
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلُها = كفى بالمرء نبلا أن تُعد معايبُه
*****
قوض خيامك عن ديار رحلت بها = وجـانب الذل إن الذل يجتنبُ
وارحل إذا كانت الأوطان مضيعة = فالمندل الرطب في أوطانه حطب
******
من الناس من يغشى الأباعد نفعه = ويشقى به حتى الممات أقاربُه
******
إن الأفاعي وإن لانت ملامسها = عند التقلب في أنيابها العطبُ
******
نعلَل بالدواء إذا مرضنا = هل يشفي من الموت الدواءُ
ونختار الطبيب وهل طبيب = يـؤخـر ما يقدمه القضاءُ
*******
وبعض الداء ملتمس شفاه = وداء الحمق ليس له شفاءُ
*****
الناس صنفان: موتى في حياتهم = وآخرون ببطن الأرض أحياءُ
******
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له= إياك إياك أن تبتل بالماءِ
******
لكل شيء زينة في الورى = وزيـنـة المرء تمام الأدبْ
قد يشرف المرء بآدابـه فينا = وإن كان وضيع النسبْ
********
ذهب الذين يعاش في أكنافهم = وبقيت في خلف كجلد الأجربِ
********
وما استعصى على قوم منال = إذا الإقدام كان لهم ركابا
وما نيل المطالب بالتمني = ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
******
إذا كان الطباع طباع سوء= فلا أدب يفيد ولا أديب
*******
إذا ما خلوت الجهر يوما فلا تقل = خلوت ولكن قل علي رقيبُ
*****
كذاك من كان هدم المجد = عادته فإنه لبناء المجد عيابَه
******
لا تقطعن ذنَب الأفعى وترسلها = إن كنت شهما فأتبع رأسها الذَّنَبا
*************
يخاطبني السفيه بكل قبح = فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلما = كعود زاده الإحراق طيبا
******
وليس الليث من جوع بغادٍ = إلى جيف تحيط بها كلابُ
*******
إذا أنت لم تشرب مرارا على القذى = ظمئت وأي الناس تصفو مشاربُه
******
قد ينفع الأدب الأحداث في مهل= وليس ينفع بعد الكبرة الأدبُ
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت = ولن تلين إذا قومتها الخشـبُ
*******
في حديث الشعر عن الشعر في أقوى صوره البلاغية
@@@
والشِّعرُ دربي ونارُ الشِّعرِ محرقَةٌ * * * وسوف أَكْوي بها من ضَلَّ مُعتَقَدا
فإنَّ للشِّعرِ وَسْماً ليس نجعلُهُ * * * إلا على جبهةِ الأنذالِ والبُلَدا
@@@
فحروفُ شِعْري أَحْرُفٌ سلفيةٌ * * * كجواهر الدُّرِّ الثَّمِين تُرَصَّـعُ
وحروفُ شِعْري أَحرُفٌ عربيةٌ * * * طبْلُ البلاغةِ صار فيها يُقْـرَعُ
@@@
سَلُوا عن الشِّعرِ أحزاباً مضلِّلَةً * * * وكُلَّ جمعيَّةٍ قد فَرَّقَتْ بَـلَدا
يُنْبِئْكَ كلُّ حَقودٍ أنَّ قافيتي * * * قد شوَّهَت منهُمُ الأطْرافَ والجسَدا
@@@
الشِّعـرُ صِنْـوُ الرُّوح إلا أنَّـه * * * متَحـدِّث عنهـا وفيهـا راكضُ
الشِّعـرُ ديوانُ الحيـاةِ ورسْمُـها * * * يحكي صـداها بالمعـاني نابِـضُ
@@@
فصيَّرتُ أبياتي رحىً دونَ نظِمه * * * لتطحنَه طحْنـاً كحبَّات فُلْفُـلِ
@@@
وليس شيطانُ جـنٍّ سـوف ينفعني * * * فينفثُ الشِّعْرَ َفي رُوعي وأطماري
لكنَّ تأييدَ ربي سـوف يدفعُني * * * في صفِّ حسانَ مثْلَ السَّلْسلِ الجاري
@@@
فليس الشِّعرُ بالأوزانِ لكنْ * * * جميلُ الشِّعرِ مَنْ مدحَ الكراما
وليس الشِّعرُ أُغنيةً بِلَيلَى * * * ولكنْ منهـجٌ يَعلو مقاما
@@@
وكيفَ أكْتُبُ شِعْراً حين أكتُبه * * * وقد تربَّصَ بـيْ مليونَ غدَّار
فرُبَّ معنىً جميلٍ كنتُ أكتبُه * * * والآن لا يُرتضى إلا بمقْـدار
@@@
وما قد كنـتُ حـسَّانًـا ولكن * * * أَسيـرُ بـدربـه دربِ الرَّشـاد
ولا ابـنَ رواحـةٍ لكن أُكَنـَّى * * * بِكُنيتـه دلـيـلٌ فـي الـوداد
@@@
إنَّ لي في القَصيدِ عَضْباً رَهيفـاً * * * يحلقُ الشَّعْـرَ يَفلِقُ الجُلمودا
استوقفني ما ستراه أدناه في ترجمة الصفدي في الوافي بالوفيات للإمام بدر الدين بن الإمام جمال الدين بن مالك ، وهو البحر بن البحر .
فهل تصدق هذا؟
قال الصفدي:
الشيخ بدر الدين ابن مالك
محمد بن محمد بن عبد الله ابن عبد الله بن مالك الإمام البليغ النحوي بدر الدين ابن الإمام العلامة جمال الدين الطائي الجياني ثم الدمشقي كان إماماً ذكياً فهماً حاد الخاطر إماماً في النحو إماماً في المعاني والبيان والبديع والعروض والمنطق جيد المشاركة في الفقه والأصول أخذ عن والده وجرى بينه وبين والده صورة سكن لأجلها بعلبك فقرأ عليه بها جماعة منهم بدر الدين ابن زيد، فلما مات والده طلب إلى دمشق وولي وظيفة والده وسكنها وتصدى للأشغال والتصنيف، وكان اللعب يغلب عليه والعشرة، حكى لي الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين محمود الكاتب رحمه الله تعالى حكاية جرت له مع الأمير علم الدين سنجر الدواداري وهي غريبة ما أوثر ذكرها وحكى لي غيره عنه ما يوافقها من اللعب وكان إماماً في مواد النظم من العروض والنحو والمعاني والبيان والبديع ولم يقدر على نظم بيت واحد ولقد حضرت إليه رقعة من صاحبه فيها نظم أراد أن يجيبه عنها بنظم فجلس في بيته من بكرة إلى صلاة العصر ولم يقدر على بيت واحد حتى استعان بجار له في المدرسة على الجواب بعد ما حكى ذلك لجاره،
وقيل لي أنه أملى على قول أبي جلنك.
والبان تحسبه سنانيراً رأت … قاضي القضاة فنفشت أذنابها
كراسة وتكلم على ما في هذا البيت من علوم البلاغة سبحان الله العظيم، ووالده كان ينظم العلوم في الأراجيز ويدرج المسائل الكثيرة في الألفاظ القليلة وهذا دليل القدرة على النظم، ومن تصانيف الشيخ بدر الدين شرح الفية والده المعروفة بالخلاصة وهو شرح فاضل منقى منقح وخطأ والده في بعيض المواضع ولم تشرح الخلاصة بأحسن ولا أسد ولا أجزل على كثرة شروحها وأراها في الشروح كالشرح الذي لابن يونس للتنبيه، والمصابح اختصر فيه معاني وبيان المفتاح وهو في غاية الحسن وقيل إنه وضع أكبر منه وسماه روضة الأذهان والي الآن لم أره ورأيت له مقدمة ف يالمنطق ومقدمة في العروض، ومات قبل الكهولة من قولنج كان يعتريه كثيراً في سنة ست وثمانين وست مائة بدمشق ودفن بمقبرة باب الصغير وكثر التأسف عليه، وولي إعادة الأمينية بعده الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني وكثر تأسف الناس عليه، وقيل إنه حضر مجلس الشيخ شمس الدين الأيكي وكان يعرف الشكاف معرفة مليحة فقعد لا يتكلم والأيكي يذكر درسه إلى أن أطال الكلام فقال له يا شيخ بدر الدين لأي شيء ما تتكلم فقال ما أقول ومن وقت تكلمت فيه إلى الآن عددت عليك إحدى وثلاثين لحنة أو كما قيل.
الوافي بالوفيات – (1 / 90)
روائع الشعر
و طب نفسا اذا حكم القضاء
2-يا ليت أيام الشباب تعود يوما
لأخبرها بم فعل المشيب
3-أخي جاوز الظالمون المدى
فحق الجهاد و حق الفدا
4-للموت فاعمل بجد أيها الرجل
و اعلم بأنك من دنياك مرتحل
الى متى أنت في لهو و في لعب
تمسي و تصبح في اللذات مشتعل
اعمل لنفسك يا مسكين في مهل
ما دام ينفعك التذكار و العمل
5- ولدتك أمك يا ابن ادم باكيا
و الناس حولك يضحكون سرورا
فاعمل لنفسك أن تكون اذا بكو
في يوم موتك ضاحكا مسرورا