التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

الاشتراكية socialism


تمثل الاشتراكية socialism عند عدد من المفكرين مجموعة متكاملة من الأفكار والمناهج والوسائل السياسية والاجتماعية التي تشترك، بصرف النظر عن الاختلاف في التفاصيل، في رفض المجتمع الاستغلالي، وتؤمن إيماناً لا يتزعزع بالتقدم الحتمي للمجتمعات، مؤكدة إرادتها في إقامة مجتمع أكثر عدلاً وكفاية وفي تحقيق المساواة الفعلية بين جميع الناس وجميع الأمم.
وتستخدم كلمة الاشتراكية مجموعات سياسية متباينة تختلف فيما بينها حول أسلوب تطبيق الاشتراكية، فالاشتراكية الخيالية أو الطوباوية utopic، التي سادت أفكارها في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر رداً على ما جلبته الثورة الصناعية ونمط الإنتاج الرأسمالي من بؤس وظلم واستغلال، نادت بالقضاء على النظام الرأسمالي وبالتحول السلمي التدريجي إلى النظام الاشتراكي. وحلم الاشتراكيون الطوباويون بمستقبل يتم فيه بناء مجتمع تتعايش فيه مصالح الرأسماليين والعمال بطريق الإقناع.
أما الاشتراكية الديمقراطية التي تمثل تياراً في الحركة العمالية المعاصرة ونوعاً من الاشتراكية الإصلاحية، فتقر باتباع الطرائق السلمية والتدريجية للتحول، وتفهم الاشتراكية على أنها مقولة أخلاقية أدبية.
وأما الاشتراكية الشعبية populism وهي نوع من الاشتراكية الطوباوية البرجوازية الصغيرة التي ظهرت في روسية القيصرية، فإنها تمزج بين أفكار الديمقراطية الزراعية الفلاحية والأحلام الاشتراكية والأمل في تجنب الرأسمالية. في حين تؤكد الاشتراكية العلمية مبادئ إلغاء استغلال الإنسان للإنسان، والتطور المخطط للمجتمع من أجل تحسين الوضع المعاشي والحياتي للجماهير الشعبية بما يتفق عموماً مع تحسين وضع كل فرد في المجتمع. وتعد الاشتراكية العلمية نظرية في إثبات الحتمية والضرورة التاريخية للاشتراكية وقانونية تحولها التدريجي إلى الشيوعية.
ومن وجهة النظر الماركسية، تمثل الاشتراكية المرحلة الأولى للشيوعية، وأساسُها الاقتصادي الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج، وقاعدتها السياسية الجماهير الكادحة بقيادة الطبقة العاملة.
بذور الفكر الاشتراكي
عرفت بذور الفكر الاشتراكي منذ العصور القديمة وتعد جمهورية أفلاطون المثالية المبنية أساساً على النخبة المتميّزة الموهوبة من الناس جمهورية اشتراكية أرستقراطية. كما جاءت الديانتان السماويتان المسيحية والإسلام بمجموعة مبادئ تعد من صميم الفكر الاشتراكي. كذلك عرف العالم حركات تمثل رفضاً للواقع، ومحاولة لبناء مجتمع جديد يقوم على أساس العدالة والمساواة مثل ثورات العبيد في رومة وثورات الزنج والقرامطة في العصر العباسي، وحركات الفلاحين في الوطن العربي وسواه.
عرفت العصور الوسطى عدداً من رجال الدولة ورجال الدين من حملة المبادئ الاشتراكية والإصلاحية مثل «أبي ذر الغفاري» الصحابي المشهور و«توما الإكويني» و«توماس مور» المفكر الإنكليزي الإنساني النزعة و«كامبانيلا» الذي نادى ببناء مجتمع لا يعرف الاستغلال وسلطة المال، وغيرهم.
ورداً على فعل المظالم والتفاوت الطبقي الذي ولده نشوء الرأسمالية في أوربة طرح عدد من المفكرين الأوربيين مبادئ تهدف إلى نبذ الرأسمالية وإقامة اشتراكية بديلة تستند على الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج. وقد انتقد هؤلاء تناقضات المجتمع البرجوازي وانعكاساته السلبية على الطبقات المقهورة من السكان. ويأتي في مقدمة هؤلاء المفكرين الذين وصفوا «بالاشتراكيين الطوباويين» سان سيمون، وشارل فورييه الفرنسيان، وروبرت أوين الإنكليزي. وكان هؤلاء يعتقدون أن بالإمكان إقامة مجتمع اشتراكي جديد بإقناع الطبقات الحاكمة بضرورة الاشتراكية من خلال تطوير «الطبيعة البشرية» وإقامة الجمعيات التعاونية. ومع أن الاشتراكيين الطوباويين استطاعوا التنبؤ ببعض ملامح النظام الاشتراكي المستقبلي فإنهم لم يكونوا قادرين على ربط نظرياتهم بنضال الطبقة العاملة من أجل إقامة المجتمع الاشتراكي والقضاء على أسلوب الإنتاج الرأسمالي.
والحقيقة أن أفكار الاشتراكية الطوباوية جاءت رداً على تناقضات الرأسمالية وقدمت نقداً مصيباً لها، كما حملت بعض المبادئ التي أسهمت في بناء النظرية الاشتراكية إلاّ أنها لم تستطع أن تجعل من الاشتراكية نظرية علمية تتبناها الطبقة العاملة، وتتسلح بها في صراعها مع البرجوازية واستغلالها، في حين استطاع ماركس وأنغلز[ر] تحويل الاشتراكية من مذهب طوباوي إلى علم، ووضعا الأسس العلمية للاشتراكية، واستطاعا صوغ القوانين الرئيسية لتطور الاشتراكية في ضوء النظرية المادية الديالكتية والمادية التاريخية وفسرا على أساس اقتصادي الطابع العابر أو العرضي للرأسمالية ودور الطبقة العاملة التاريخي والعالمي.
بذور الفكر الاشتراكي عند العرب: حفل التاريخ العربي منذ الجاهلية بعدد من الاتجاهات والمذاهب ذات الطابع الثوري التقدمي، وتجسد بعضها في حركات تناهض الظلم والاستعباد. فظاهرة الصعلكة في العصر الجاهلي لم تكن سوى نتيجة مباشرة للتمايز الاقتصادي والاجتماعي، وكان صعاليك العرب فئة من الفقراء الذين انسلخوا عن قبائلهم، وأشهروا السلاح في وجه الأثرياء من قومهم، وناضلوا من أجل مجتمع تسوده المساواة وعلاقات الإخاء والتضامن بين الناس، في وقت كان فيه مجتمع الجزيرة العربية يتطور باتجاه الملكية الخاصة وعلاقات الاستغلال.
وفي صدر الإسلام عاش أبو ذر الغفاري مدافعاً عن مبادئ الإسلام الحنيف في المساواة والعدالة ورفض النظام الاجتماعي الجديد الذي أوجد طبقة من الأثرياء وأتاح لهم أن يكتنزوا الذهب والفضة ويستكثروا من المال من غير حد.
وفي العصر العباسي كانت دولة القرامطة أول تجربة اشتراكية على الأرض العربية في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). والقرامطة فرقة كانت تؤلف الجناح الأكثر ثورية في الإسماعيلية[ر]، وانخرطت في صفوفها فئات مختلفة من سواد الناس ومثقفيهم. وقد سعى القرامطة للقضاء على الدولة العباسية وعلى نظامها الاجتماعي الإقطاعي. وتلخصت أهدافهم في النضال من أجل تأسيس مجتمع يقوم على قواعد المساواة والعدل والشورى، مجتمع لا طبقي تنتفي فيه الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الأساسية، وتسوده علاقات التعاون بين الجميع. كذلك ساوى القرامطة بين المرأة والرجل في الحقوق الأسرية وفي المجتمع.
ويعد ابن خلدون الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي رائداً في مجال المادية التاريخية. وقد درس ابن خلدون تاريخ المغرب العربي على ما فيه من تناقضات ووصل إلى استخلاص العلاقة بين الأحداث والقوانين التي تحدد سير التاريخ، مبيناً أن الظواهر الاجتماعية تخضع لقوانين على درجة من الثبات والدوام، وأن هذه القوانين مرتبطة أساساً بالتطور الاقتصادي.
ماركس والاشتراكية الديمقراطية: قدم المفكرون الاشتراكيون قبل ماركس الكثير من الأفكار القيّمة التي رفدت الفكر الماركسي الذي سيطر في أوربة في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر. فقد جمع كارل ماركس (1818-1883) بين الفلسفة الألمانية المثالية والاقتصاد السياسي البريطاني والاشتراكية الفرنسية. وفي «البيان الشيوعي» الذي تضمّن نظرياته حول جدلية تطور المجتمعات، ميّز ماركس نظريته من الاشتراكية العلمية واشتراكية الذين سبقوه ممن اسماهم بالاشتراكيين المثاليين. وأكد ماركس أن أفكاره تستند إلى الفحص العلمي لحركة التاريخ وإلى تطور الرأسمالية ومنجزاتها في زمنه. ويقول ماركس في هذا السياق «إن التاريخ يصنعه صراع الطبقات، وإن صراع البروليتارية مع أرباب العمل الرأسماليين سيقود في النهاية إلى إقامة مجتمع اشتراكي يقرر فيه المنتجون مصيرهم المشترك والمتحرر من أي قيود اقتصادية أو اجتماعية. وعند ذاك يصل الصراع الطبقي إلى نهايته». وقد اتفق فرديناند لاسال Ferdinand Lassale مهندس الحركة العمالية في ألمانية مع ماركس على ضرورة التنظيم الطوعي الموحد للطبقة العاملة، إلا أنه خالف ماركس إذ دعا إلى أن تبادر الدولة إلى توفير الرأسمال اللازم لتأسيس التعاونيات الإنتاجية التي ستحرر العمال من التسلط الرأسمالي وكان ماركس يرى، على النقيض من لاسال، أن التماس ذلك من الدولة البرجوازية أمر خارج عن أي طرح.
وقد تأكد لماركس، الذي كان يؤيد في البداية الاشتراكية الديمقراطية، استحالة تحول الدول البرجوازية إلى أداة اشتراكية.
ومع أن زعماء الاشتراكية الديمقراطية الألمان كانوا يبدون ميلاً ظاهراً إلى التحدث حول نظريات ماركس الثورية، فقد كانوا، في واقع الأمر، ينساقون باطّراد إلى النشاط البرلماني، وكان منهم إدوارد بيرنشتاين (1850-1932) الذي أعلن أنه ليس على ألمانية أن تمر في تحولات ثورية عنيفة كي تحقق الأهداف الاشتراكية، وكان يأمل بتطوير الرأسمالية تدريجياً، وباستخدام البرلمان أداة ضغط لإجراء إصلاحات اشتراكية.
الماركسية في روسية قبل الثورة: كان ألكسندر ايفانوفيتش غيرتسن (1812-1870) يرى في الكومونات الفلاحية وليد المجتمع الاشتراكي في المستقبل ويعتقد أن الاشتراكية الروسية قد تتجاوز مرحلة الرأسمالية وتبني مجتمعاً تعاونياً قائماً على التقاليد الشعبية والفلاحية القديمة.
وخلافاً لغيرتسن كان غيورغي بليخانوف، الأب الروسي للماركسية الروسية، يرى أن الاشتراكية الروسية يجب أن تعتمد على شغيلة (بروليتارية) المصانع والمعامل، كما أن روسية لا تمثل حالة استثنائية، لأن الثورة الاشتراكية أوربية الصفة، ومكانة روسية فيها تتقرر بحركتها العمالية ذاتها.
هاجم بليخاتوف في عدد من مؤلفاته حركة الشعبيين الروس وبيّن أن ماركس أثبت الضرورة التاريخية والموضوعية للاشتراكية. كما أكد حتمية الثورة البرجوازية في روسية في إطار حركة التطور الصناعي، وقال إن الطبقة العاملة المنظمة ستدرك كيفية الاستفادة من الثورة البرجوازية، وكيفية دفع هذه الثورة إلى الأمام.
وبالمقابل أكد فلاديمير إيليتش لينين أهمية العمل العسكري للثورة. وأشار إلى ذلك في مؤلفه «ما العمل» الذي أتمه عام 1902، بقوله: إن الاشتراكية لن تتحقق إلا عندما ينجح ثوريون محترفون في تعبئة العمال والفلاحين وتقويتهم، وهي في حاجة إلى تنظيمات ثورية منضبطة لا تعرف المهادنة من أجل تعبئة الجماهير وتحريضها على العمل.
شارك أتباع لينين والماركسيون الروس الآخرون في المؤتمر الثاني لحزب العمال الديمقراطي الاشتراكي الروسي الذي انعقد في لندن عام 1903.
وفي هذا المؤتمر أعلن مارتوف وجهة نظرٍ خالف فيها لينين، فقال: «إن حزب العمال ليس تنظيماً للثوريين المحترفين وحسب، بل يتكون منهم، ومن التجمع العام للعناصر القيادية والنشيطة من البروليتارية».
وعلى الرغم من التعاون الأولي بين الاتجاهات المختلفة في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية، فقد ازدادت التناقضات الفكرية والسياسية عمقاً وانبثق عن ذلك اتجاهان أساسيان. ضم الاتجاه الأول منهما الأقلية التي عارضت لينين فسُموا «المناشفة» (الأقلية) وفيهم بليخانوف وتروتسكي، اللذان وقفا إلى جانبه في البداية، ومعهما أكثر المثقفين ولاسيما اليهود منهم. وأما الاتجاه الثاني فضم الأغلبية المؤيدة للينين التي عرفت باسم البلاشفة (الأغلبية) وأكثرهم من أبناء الطبقة العاملة.
اللينينية تطور للماركسية: تعرّف اللينينية بأنها الماركسية في عصر الامبريالية وثورة البروليتارية، عصر انهيار الكولونيالية (الاستعمار) وانتصار حركات التحرر الوطني، عصر انتقال البشرية من الرأسمالية إلى الاشتراكية وبناء المجتمع الشيوعي.
طور لينين العناصر الأساسية في الماركسية كالفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية العلمية، وهو الذي صاغ نظرية الامبريالية بوصفها أعلى مرحلة من مراحل تطور الرأسمالية وآخرها، وأكد أن الإمبريالية في جوهرها رأسمالية احتكارية بل هي احتكار الدولة الرأسمالية، مبيناً السمات الأساسية لمرحلة الإمبريالية والتناقضات التي تكتنفها، توطئة لتكوّن الشروط المادية والاجتماعية والسياسية لانتصار الثورة الاشتراكية. واستنتج لينين أن قوة البروليتارية تكمن في تأثيرها في مجرى التاريخ وأنها أكبر بكثير من حجمها بالقياس إلى إجمالي عدد السكان.
كذلك طور لينين النظرية الماركسية حول الثورة الاشتراكية وفقاً لخصائص المرحلة التاريخية الراهنة، إذ أوضح ايضاحاً وافياً دور البروليتارية القيادي في الثورة، والأهمية الخاصة لتحالف الطبقة العاملة والطبقة الفلاحية الكادحة، مبيناً طبيعة العلاقة التي يجب أن تقوم بين البروليتارية والشرائح الفلاحية المختلفة في المراحل المتعاقبة لهذه الثورة.
ومن جهة أخرى استطاع أن يستكمل نظرية تطور الثورة البرجوازية الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية مؤكداً العلاقات المتلازمة بين النضال من أجل الديمقراطية والنضال من أجل الاشتراكية. وفي محاولته شرح مفعول قانون التطور غير المتوازن للرأسمالية في مرحلة الامبريالية، توصل إلى استنتاج كانت له أهمية نظرية وسياسية، وهو احتمال، بل حتمية، انتصار الثورة الاشتراكية في دولة واحدة، أو في عدد من الدول الرأسمالية، مع إمكان انتصار الثورة بالطرق السلمية في ظروف خاصة معينة.
شرح لينين خاصية المسألة القومية من منطلق نضال طبقة البروليتارية، مؤكداً مبدأ المساواة الكاملة بين الدول، وحق الشعوب المستعمرة والمقهورة في تقرير مصيرها، وحقها في الدفاع عن مبادئ الأممية في إطار الحركات العمالية وتنظيمات البروليتارية. إنه حق نضال الكادحين المشترك من كل القوميات وفي كل البلدان من أجل التحرر الوطني والاجتماعي، ومن أجل تكوين اتحاد طوعي للشعوب. وقد بين لينين جوهر القوى المحركة والفاعلة في حركات التحرر الوطني في وجه الإمبريالية عدوها المشترك. كما أوضح أنه في أحوال خاصة معينة يمكن للبلدان المتخلفة الانتقال إلى الاشتراكية متجاوزة المرحلة الرأسمالية.
طور لينين نظرية متكاملة لمرحلة التحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية محدداً قوانينها ونواظمها، مستنتجاً من تجربة «كومونة باريس» والثورات الروسية ما استطاع به تطوير نظرية ماركس وأنغلز حول ديكتاتورية البروليتارية، مبيناً الأهمية التاريخية لإقامة دولة المجالس (السوفييتات)، وهي دولة ديمقراطية من نوع جديد، لا تقاس بأي جمهورية برجوازية برلمانية. ويرى لينين أن التحول من الرأسمالية إلى الاشتراكية يمكن، ويجب،أن يتم بأساليب سياسية متنوعة، على أن جوهر هذه الأساليب جميعاً إنما هو ديكتاتورية البروليتارية، مؤكداً أن عنصرها الرئيسي ليس القوة، بل العمل على شد الفئات غير البروليتارية ولاسيما الفئات الفلاحية الكادحة، حول الطبقة العاملة، والنضال لبناء الاشتراكية وأن الشرط الأساسي لتحقيق ديكتاتورية البروليتارية يتمثل في قيادة الحزب الشيوعي.
لقد وضعت أعمال لينين النظرية والسياسية أسس مرحلة لينينية جديدة من مراحل تطور الماركسية ونضال الطبقة العاملة العالمية. ولعل الإسهام الرئيسي لأعمال لينين في تطوير الماركسية يكمن في تمييزه ما هو عام عالمي في الثورة الروسية مما هو خاص بروسية، وذلك من أجل الاستفادة من تجربة الثورة الروسية في حدود خصائصها العالمية وعدم الانسياق وراء تقليدها في خصائصها الروسية البحتة.
تطور الفكر الاشتراكي في أوربة الغربية
تمثل الاشتراكية الديمقراطية في أوربة الغربية مجموعة مبادئ سياسية تدافع عن تحول المجتمع سلمياً من الرأسمالية إلى الاشتراكية، وتعتمد بالأساس على اشتراكية القرن التاسع عشر وعلى أعمال ماركس وأنغلز، وتتفق مع الاشتراكية العلمية في أساسها الإيديولوجي العام.
وقد نمت الحركة الاشتراكية الديمقراطية بجهود أوغست بيبل August Bebel الذي كان يعتقد أن تحقيق الاشتراكية يجب أن يتم بالوسائل الشرعية بعيداً عن استخدام القوة. كذلك يعود الفضل في نمو الاشتراكية الديمقراطية الألمانية أيضاً إلى المفكر والمنظر الألماني ادوارد بيرنشتاين E.Bernstein الذي تحدى بعض مقولات النظريات الماركسية «الأرثوذكسية» مثل حتمية انهيار الرأسمالية، مشيراً إلى أن الرأسمالية ذاتها تتغلب على الكثير من نقاط ضعفها، كظاهرة البطالة وفائض الإنتاج ومشكلة التوزيع التعسفي للثروة. ويرى بيرنشتاين أن نجاح الاشتراكية لا يعتمد على ثورة الطبقة العاملة رداً على البؤس والقهر الذي تعانيه من تسلط الرأسمالية، ولكنه يعتمد على إزالة البؤس ذاته. كما أن الطبقة العاملة تستطيع تحقيق الاشتراكية بانتخاب ممثلين عنها يؤمنون بالاشتراكية.
انتشرت أفكار الاشتراكية الديمقراطية عقب الحرب العالمية الثانية في معظم أنحاء أوربة الغربية. وكانت تدعو إلى التخلي عن الصراع الطبقي والمبادئ الماركسية الأخرى، وإلى ضرورة مشاركة كل فئات الشعب في قيادة السلطة السياسية والاقتصادية، وتكوين مجتمع يعمل فيه جميع الناس متساوين. ومع أن الحركات الديمقراطية الاشتراكية الغربية أيدت مبدأ رقابة الدولة على الاقتصاد، فإنها رفضت أسلوب التخطيط المركزي الشامل وتبنت مدخل السوق التنافسية الحرة. بحيث يتوافر أكبر قدر ممكن من المنافسة والقدر الضروري من التخطيط.
وكان لانتشار أفكار الاشتراكية الديمقراطية في أوربة الغربية أثر بالغ في تبني الكثير من الدول الأوربية الغربية إجراءات اقتصادية واجتماعية متعددة مثل تأميم بعض أجزاء الصناعة الثقيلة والمناجم والمؤسسات المالية، واعتماد إجراءات واسعة أخرى في نطاق الرقابة الحكومية على الاقتصاد، وتحقيق إصلاحات بنيوية في حقل الضمان الاجتماعي. وفي العقود الأخيرة تحولت حركات الاشتراكية الديمقراطية الغربية إلى حركات إصلاح تنادي ببناء مجتمع الرفاه أو اقتصاد الرفاه[ر].
الاشتراكية في أمريكة
لم يكن للاشتراكية في الولايات المتحدة الأمريكية تأثير أو صوت مسموع كما كان عليه الحال في أوربة. ففي عام 1901 تأسس الحزب الاشتراكي الأمريكي، ولم يتجاوز عدد أعضائه العشرة آلاف، ثم ازدادوا إلى 150ألفاً عام 1912. وقد استندت الأفكار الاشتراكية لهذا الحزب إلى تلك التي حملها إليه بعض المهاجرين الحديثين القادمين من أوربة، إضافة إلى بعض مبادئ الاشتراكية المثالية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، وإلى قيم إلغاء العبودية في الولايات المتحدة، وأفكار بعض النقابيين والمصلحين الزراعيين، وبعض الفرق الاشتراكية المنعزلة كالحزب الاشتراكي العمالي، (وهو حزب سابق للحزب الاشتراكي الأمريكي، تألف عام 1877، ولم يصبح له تطلعات مميزة إلا ابتداء من عام 1890 عندما حاول بعض قادته إدخال أفكار ماركسية إلى الحركة العمالية التي كانت تتأثر كثيراً بالنقابية الفرنسية، إلا أنه بقي حزباً مغموراً). وقد استطاع الحزب الاشتراكي الأمريكي أن يبني قاعدة جماهيرية واسعة بجهود أحد قادته إيوجين دبس E.Debs على الرغم من ضعف الانسجام الفكري والسياسي بين أعضائه. فقد كان يضم في صفوفه عناصر من الإصلاحيين reformists والراديكاليين والماركسيين الثوريين والشعبيين populists. ولم يقدم هذا الحزب أي أفكار جديدة، بل تركز نشاطه على محاولة جعل صوته حول الاشتراكية مسموعاً في الولايات المتحدة. وقد انهار بعد الحرب العالمية الأولى.
الاشتراكية في إفريقية
ظهرت في القارة الإفريقية حديثاً صيغ متنوعة من الأفكار الاشتراكية ففي السنغال كان الرئيس ليوبولد سنغور يدافع عن الاشتراكية الإنسانية التي تستند جزئياً إلى الماركسية وفي غينية حاول الرئيس سيكوتوري مزج أفكار الماركسية اللينينية بالقيم الشعبية لإفريقية ما قبل الاستعمار، داعياً إلى أفرقة الماركسية. أما الرئيس نكروما في غانة فقد أعلن مبدأ التعقل أساساً لنظامه مؤكداً أن إجراءات التوتاليتارية (الكليانية) وحدها قادرة على ضمان الحرية. وقد سقط نظامه في عام 1966.
وفي كينية وتنزانية وعدد آخر من الدول الإفريقية كانت النخبة الحاكمة والمثقفة تترجح بين نوع أو آخر من الاشتراكية الإفريقية، في حين انصب التزامها الأساسي على عملية التحديث والتصنيع السريع.
وقد أكد كثير من الكتاب الاشتراكيين الأفارقة الحاجة إلى بناء اشتراكية تستند إلى القيم والعادات الإفريقية القديمة، وإلى مبادئ المساواة الاجتماعية والسياسية، وغير ذلك من المفاهيم والالتزامات التي كانت تسود المجتمعات القبلية الإفريقية.
ويكاد معظم المفكرين الأفارقة يجمعون على أن أكثر الأمور إلحاحاً لإفريقية، كان وما يزال، ضرورة النضال من أجل الانتقال من مجتمع الكفاف إلى اقتصاد السوق، وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية، وضبط الإدارة الحكومية.
الاشتراكية في آسيا
كانت عدة حكومات آسيوية تعد نفسها حكومات اشتراكية مثل الهند وبورمة وسيلان (سابقاً) وإندونيسية وسنغافورة. إلا أن الأحزاب الاشتراكية في هذه البلدان بدأت تفقد قوتها وتأثيرها. ففي الهند حيث تتنافس عدة تنظيمات اشتراكية، كان حزب المؤتمر حزباً وطنياً يحاول أن يوحد في صفوفه عدة اتجاهات سياسية واجتماعية. وفي بورمة كان الحزب الاشتراكي البورمي عضواً في تحالف يحكم البلاد، إلا أنه غدا حزباً ملاحقاً. وفيما عدا سنغافورة فإن بقية الأحزاب الاشتراكية في جنوب شرقي آسيا لم تستطع أن تقوم بدور ذي شأن بعد الحرب العالمية الثانية.
أما في فييتنام فكان الحزب الشيوعي وما يزال الحزب الحاكم، ولاسيما بعد توحيد شطري البلاد، كما أن غالبية الحركات الثورية في منطقة الهند الصينية تستوحي مبادئها من الإيديولوجية الماركسية، وتتحدى القوى التقليدية التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية وتشتبك في صراع معها إلى جانب جمهورية الصين الشعبية الدولة الاشتراكية العظمى في آسيا منذ عام 1949.
والواقع أن الأحزاب الاشتراكية في دول جنوب شرقي آسيا لم تستطع القيام بدور فعال من أجل الاستقلال، بل عجزت عن أن تكون لنفسها جذوراً عميقة في بلدانها. وحاول قادة هذه الأحزاب من المثقفين المتأثرين بالثقافة الأوربية إدخال نماذج الاشتراكية الديمقراطية الأوربية، إلا أنهم لم يستطيعوا تحقيق نجاحات ملحوظة، واتجهت حكومات هذه الدول إلى إقامة أنظمة أوتوقراطية تعنى عناية خاصة بالتنمية الصناعية، ولم تُثبت محاولات دمج الديمقراطية البرلمانية بالتخطيط الاشتراكي وجودها إلا في الهند وسنغافورة.
وفي اليابان، أكثر الدول الآسيوية تطوراً، كانت التنظيمات الاشتراكية تملك قاعدة جماهيرية واسعة. ففي عام 1901 تألف أول حزب اشتراكي ياباني لم يلبث أن حُلَّ وتحول إلى تنظيم سري. وفي أثناء الحرب العالمية الأولى وعقبها عادت التنظيمات الاشتراكية إلى الظهور. وفي عام 1946 حصل الحزب الاشتراكي الياباني على 90 مقعداً في البرلمان، وفي عام 1947، تمكن هذا الحزب من الحصول على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، وغدا زعيمه كاتا ياما تيتسو رئيساً لحكومة إئتلافية. وفي عام 1948 انقسم الحزب الاشتراكي إلى جناحين بعد تسلم المحافظين السلطة. وكان جناحه اليساري شديد العداء للولايات المتحدة وأكثر ميلاً إلى الاتحاد السوفييتي السابق، وقد انفرد هذا الجناح باسم «الحزب الاشتراكي الياباني» أما الجناح اليميني فكان يؤيد تحقيق تنمية متدرجة، ويفضل إقامة علاقات عسكرية وسياسية بالولايات المتحدة، واستقل بذاته تحت اسم «الحزب الديمقراطي الاشتراكي» وتشير الظواهر إلى حدوث تحولات في الاشتراكية اليابانية على غرار ما حدث للاشتراكية الأوربية عقب الحرب العالمية الثانية.
الحوار حول الاشتراكية في الفكر العربي الحديث
لعل من أبرز التطورات في الاقتصاد العربي نمو الأفكار ذات النزعة الاشتراكية وامتزاجها بقضايا التنمية وطموحات الوحدة على الصعيد العربي.
وقد عانى الفكر الاقتصادي والسياسي العربي طويلاً، ولاسيما في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين نوعاً من الفصام الكبير بين الاتجاه القومي الاشتراكي والاتجاه الاشتراكي اللاقومي.
وفي حقبة الستينات أخذ أنصار الفكر القومي يضمنون برامجهم الكثير من الأفكار الاشتراكية. فقد ورد في المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي [ر] التي أقرها المؤتمر القومي السادس للحزب «إن بناء الاشتراكية يجعل الوحدة الإطار البشري والاقتصادي الأكثر انسجاماً مع متطلبات شمول التجربة وجذريتها. فالبلدان الصغيرة لا تستطيع أن تصعد في طريق الاشتراكية منعزلة لأن التطور الاقتصادي (والتصنيع بوجه خاص باعتباره القاعدة المادية للاشتراكية) سيبقى دوماً مهدداً بالجمود والاختناق. لذا فإن الوحدة العربية والاشتراكية قضيتان متلازمتان على الصعيد التاريخي والاقتصادي».
وفي الاتجاه المقابل بدأ أنصار الفكر الماركسي يراجعون بعض مقولاتهم وأفكارهم حول العلاقة الجدلية بين قضايا البناء الاشتراكي وقضايا الوحدة، وضرورة النظر إلى الوحدة العربية على أنها وعاء تاريخي لازم لدفع عمليات التنمية ونجاح مهمات التحويل الاشتراكي.
إن القضية المركزية التي ظلت تشغل أذهان الاقتصاديين العرب طوال مُدة الستينات هي محاولة الإجابة عن السؤال التالي: هل الاشتراكية في الوطن العربي تطبيق للاشتراكية العلمية أو طريق عربي لها، أو أنها اشتراكية عربية ذات ملامح خاصة خالصة؟.
يعبر أحد المفكرين العرب عن موقع هذه الإشكالية في خريطة الفكر الاقتصادي العربي على النحو التالي: «إن محتوى الثورة العربية في الحقل الاجتماعي والسياسي يمثل جانباً حيوياً منها. وهذا المحتوى يتمثل في الاشتراكية العربية، لأنها تمثل مفهوم العدالة الاجتماعية بمعناها الواسع في المجتمع العربي الجديد. وطبيعي أن يتجه الفكر العربي إلى بحث الاشتراكية العربية وإلى تحديد إطارها الفكري ورسم خطوطها النظرية. وطبيعي في مرحلة مثل هذه أن يكون المجال رحباً للاجتهاد والنقل وأن تمر بأزمة فكرية قوية».
وهكذا فإن فكرة الاشتراكية العربية تعني لعدد كبير من الاشتراكيين العرب، من ذوي الاتجاه القومي، ضرورة الانطلاق من تحليل الواقع العربي مع استلهام الخبرات والتجارب الإنسانية المختلفة لرسم معالم الطريق الذي يمكن أن يسير فيه الشعب العربي نحو الاشتراكية. فالمبدأ الأساسي لهذه الفكرة يعني قبل كل شيء ضرورة وضع النضال في سبيل الاشتراكية في إطاره القومي، وربط المطالب الاشتراكية بالمطالب القومية في الوحدة والحرية. إلا أن شعار الاشتراكية العربية هذا ما لبث أن أعطاه بعضهم محتوى فكرياً وتطبيقياً خاصاً، فأخذوا يتحدثون عن نظرية اشتراكية عربية وفلسفة عربية خاصة بها، وقالوا بخصائص عربية ومزايا لا بد أن تمتاز بها الاشتراكية العربية. وهكذا نلاحظ في الكتابات المتداولة حول خصوصية الاشتراكية العربية، إصراراً على أنها، أي الاشتراكية العربية، دعوة أخلاقية أو نظرة إلى العدالة نابعة من التراث الفكري والروحي والقيم الخاصة بالمجتمع العربي.
ويؤكد رفعت المحجوب في إشارة إلى التجربة التي شهدتها مصر: «أن الاشتراكية العربية قامت لمعالجة مشكلات المجتمع العربي في مصر وفي حدود قيمه. واتفاقاً مع ذلك ذهب الميثاق إلى أن الاشتراكية العربية ليست التزاماً بنظريات جامدة لم تخرج من صميم الممارسة والتجربة الوطنية، وعلى ذلك يمكن أن نخلص إلى أن للاشتراكية العربية قيمها وفلسفتها الذاتية».
ومنذ العام 1963 بدأت تظهر أولى الكتابات النقدية للمفاهيم والمقولات الاشتراكية المتداولة، وكانت، في غالب الأحيان، ترديداً للمفاهيم السائدة في الوثائق الإيديولوجية الرسمية في مصر وسورية والعراق والجزائر. فقد تضمنت المنطلقات النظرية لحزب البعث العربي الاشتراكي التي أقرها المؤتمر القومي السادس للحزب حول «ملامح الطريق العربي إلى الاشتراكية» بعض عناصر النقد لمفهوم الاشتراكية العربية الذي غلب على كتابات حزب البعث منذ نشأته، فقد جاء في تلك المنطلقات: «وبدلاً من أن يكون المنطلق القومي للاشتراكية في الحزب سبباً لإعطاء وجهة نظر واضحة مدروسة تتلمّس خصائص الواقع العربي بكل تفاصيله وتناقضاته، والخروج بدراسات نظرية توضح الطريق العربي إلى الاشتراكية، عن طريق تحليل التكوين الاقتصادي والطبقي للمجتمعات العربية، وبدلاً من أن يكون هذا المنطلق سبباً لانفتاح علمي واع على الواقع العربي، تحوّل في عدد من كتابات الحزب إلى مجرد شعارات عامة ومسميات عاطفية حول الخصائص العربية للاشتراكية ومزاياها الأصيلة». وعلى العكس من ذلك، فقد حدث تطور مهم لدى أنصار التيار الماركسي، عندما شرعوا في التخلّي عن التزمت الفكري الذي طبع كتابات هذا التيار حول مفاهيم الاشتراكية. وقد كتب فؤاد مرسي في مقال له عن «التطبيق العربي للاشتراكية من الواقع المصري»: «إن الاشتراكية بوصفها نظاماً اجتماعياً يقضي على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان يظل جوهرها واحداً على الدوام. لكن الاشتراكية ليست وصفة جاهزة لجميع الشعوب. كما أنها ليست تقنيناً لعقائد لا تقبل التغيير عندما تتغير ظروف الإنسان، وإنما الاشتراكية في بلد معيّن ثمرة لنضال شعبه المعيّن. ولذلك لا يمكن أن يكون طريق هذا الشعب سوى طريقه الخاص، أعني طريقه القومي».
والحقيقة أن اعتراف الاقتصاديين العرب بتعدد طرائق الانتقال إلى الاشتراكية قد أفسح في المجال أمام مصالحة تاريخية بين التيارين القومي والماركسي في الفكر الاقتصادي العربي الحديث.
النظرة المستقبلية للاشتراكية
اتسمت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى اليوم بانتشار أفكار الاشتراكية الديمقراطية في معظم البلدان الأوربية وفي كثير من البلدان الآسيوية والأمريكية اللاتينية وفي كندا وأسترالية. واستطاعت بعض الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في عدد من الدول تأليف حكومات ائتلافية تسلمت السلطة في أزمنة متفاوتة.
كذلك يشهد هذا العصر تبدلات عميقة في مجموعة البلدان الاشتراكية وتخلي معظم البلدان الاشتراكية الأوربية عن الاشتراكية العلمية وتبنيها مذهب الإصلاح الاقتصادي وأفكار «الاشتراكية الديمقراطية» والانتقال إلى اقتصاد السوق.
ففي الاتحاد السوفييتي السابق أدت الممارسة البيروقراطية زمناً طويلاً إلى تباطؤ معدلات النمو وبروز عدد كبير من حالات عدم التوازن الاقتصادي، وتضاؤل مستويات التطور التقني في بعض فروع الصناعة والإنتاج.
وقد تضمن برنامج إعادة البناء (البريسترويكا) الذي طرحه غورباتشوف في الاتحاد السوفييتي عام 1985 دعوة إلى التعددية الحزبية والانتقال المبرمج إلى اقتصاد السوق، وتعايش أشكال متنوعة من ملكية وسائل الإنتاج، وإنهاء الحرب الباردة، وكان لهذه الأمور أثر بالغ في تسريع وتائر التحولات الاقتصادية والسياسية الأخيرة التي جرت في البلدان الاشتراكية الأوربية، وفي زيادة نشاط الاتجاهات التي تنادي بالإصلاح في أماكن عدة من العالم.
ومع التأييد الواسع الذي لقيته أفكار العلنية (الانفتاح) وإعادة البناء في المستويين الداخلي والعالمي، فقد عانى الاتحاد السوفييتي صراعاً حاداً بين الاتجاهات السياسية والتنموية في البلاد، بدءاً من الاتجاه الذي يحاول التمسك بأسلوب الإدارة التقليدية السابقة للبلاد، والمحافظة على أصول الماركسية اللينينية ويطلق عليه بعضهم «الاتجاه الماركسي الأصولي» ثم الاتجاه الذي يمثله غورباتشوف، والذي يركز على الانتقال التدريجي إلى اقتصاد السوق مع إقامة نظام ملائم للمراجعة والإشراف، واستمرار التعايش بين أشكال متنوعة من ملكية وسائل الإنتاج، وأخيراً الاتجاه الليبرالي الذي يدعو إلى الانتقال إلى الاقتصاد الرأسمالي بالسرعة الممكنة على غرار البلدان الرأسمالية الغربية.
وبغض النظر عن الأسلوب الذي تم في إطاره حسم الصراع الجاري في الاتحاد السوفييتي السابق وتبني روسية الاتحادية الاتجاه الليبرالي، فإن أفكار العلنية وإعادة البناء تركت بصماتها على الوضع الذي آل إليه هذا الصراع مستبعدة نهائياً العودة إلى الصورة السابقة لإدارة المجتمع والاقتصاد الوطني. وقد انتقلت عدوى الإصلاح الذي ابتدأ في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية السابق إلى البلدان الاشتراكية الأوربية الأخرى، وأثر بصورة أو بأخرى على الأنظمة الاشتراكية في بلدان آسيا وإفريقية وأمريكة اللاتينية، ولعل أبرز آثاره تقليص نفوذ الأساليب الأوتوقراطية في إدارة الاقتصاد الوطني وتخطيطه، والفسح في المجال لمزيد من الديمقراطية في الاقتصاد والسياسة.
ولعل الحدث الأكثر أهمية هو في تخلي جميع البلدان الاشتراكية الأوربية رسمياً عن المذهب الماركسي والاشتراكية العلمية وانتقالها إلى التعددية الاقتصادية والسياسية. ويلفت النظر هنا ظاهرة استمرار الأنظمة الاشتراكية التوتاليتارية في البلدان الأقل تطوراً في الوقت الذي انتهت فيه هذه الأنظمة في الدول الأكثر نمواً والأكثر تقدماً مما يطرح أمام المفكرين مستقبلاً مهمة تفسير نشأة الأنظمة الاشتراكية وطريق تطورها.
عصام خوري

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

المجتمع المدني.

مفهوم المجتمع المدني..نشأة وتطور المجتمع المدنى : مكوناته وإطاره التنظيمى
عبد الغفار شكر
مع انهيار نظم الحكم الشمولية فى أواخر الثمانينات فى شرق أوروبا وبعض دول العالم الثالث وتزايد الاتجاه نحو الديمقراطية برزت الدعوة إلى المجتمع المدنى كمصطلح جديد علينا فى الوطن العربى لم يكن متداولاً من قبل فى خطابنا العام أو يحظى باهتمام الباحثين. وكعادة المثقفين العرب فقد تلقفوا المصطلح الوافد بالدراسة والتحليل وصدرت العديد من الدراسات حوله كما عقدت ندوات علمية وخصصت بعض الدوريات أعدادًا كاملة لتناوله من مختلف جوانبه. واختلف الموقف من المجتمع المدنى فهناك من يتحمس له ويرى فيه الحل لكثير من مشاكلنا، وهناك من يتحفظ عليه بل ويناصبه العداء خاصة وأن الدعوة للمجتمع المدنى جاءت أساساً من هيئات أجنبية قدمت مساعدات مالية لبعض مراكز البحث لدعم الفكرة ونشرها على نطاق واسع. كما يأتى التحفظ من بعض الباحثين الذين يرون أنه لا يمكن استعارة هذا النموذج الذى تبلور ونضج فى أوروبا فى سياق مختلف تماماً وزرعه فى الوطن العربى الذى له تاريخه الخاص وتراثه المختلف.
إلا أن المؤيدين لفكرة المجتمع المدنى ينطلقون من أن التطور الديمقراطى للمجتمعات العربية وتحديثها يتطلب قيام تنظيمات غير حكومية تمارس نشاطاً يكمل دور الدولة ويساعد على اشاعة قيم المبادرة والجماعية والاعتماد على النفس مما يهيىء فرصاً أفضل لتجاوز هذه المجتمعات مرحلة الاعتماد على الدولة فى كل شىء، وكذلك تصفية أوضاع اجتماعية بالية موروثة من العصور الوسطى. ولأن العديد من المجتمعات العربية تشهد بالفعل جهوداً حثيثة للتوسع فى تكوين هذه التنظيمات والمؤسسات وسيكون لها آثارها القريبة والبعيدة فإنه من الخطأ أن نتجاهل هذه الظاهرة أو أن ننعزل عنها بل يتعين علينا أن نبحث عن الموقف السليم الذى نتخذه منها مما يتطلب أن نتابع أولا نشأة المجتمع المدنى تاريخياً وكيف تبلور وأهم الوظائف التى يقوم بها حتى نكون قادرين على حسم موقفنا منه والتعرف على مدى الحاجة إليه فى الوطن العربى والدور الذى يمكن أن ينهض به فى المرحلة الحالية من تطور المجتمعات العربية.

ما هو المجتمع المدنى ولماذا؟
نشأ مفهوم المجتمع المدنى لأول مرة فى الفكر اليونانى الاغريقى حيث أشار اليه أرسطو باعتباره “مجموعة سياسية تخضع للقوانين” أى أنه لم يكن يميز بين الدولة والمجتمع المدنى، فالدولة فى التفكير السياسى الأوروبى القديم يقصد بها مجتمع مدنى يمثل تجمعا سياسيا أعضاؤه هم المواطنون الذين يعترفون بقوانين الدولة ويتصرفون وفقا لها.
تطور المفهوم بعد ذلك فى القرن الثامن عشر مع تبلور علاقات الإنتاج الراسمالية حيث بدأ التمييز بين الدولة والمجتمع المدنى.. فطرحت قضية تمركز السلطة السياسية وأن الحركة الجمعياتية هى النسق الأحق للدفاع ضد مخاطر الاستبداد السياسى.
وفى نهاية القرن الثامن عشر تأكد فى الفكر السياسى الغربى ضرورة تقليص هيمنة الدولة لصالح المجتمع المدنى الذى يجب أن يدير بنفسه أموره الذاتية وأن لا يترك للحكومة إلا القليل.
وفى القرن التاسع عشر حدث التحول الثانى فى مفهوم المجتمع المدنى حيث اعتبر كارل ماركس أن المجتمع المدنى هو ساحة الصراع الطبقى.
وفى القرن العشرين طرح جرامشى مسألة المجتمع المدنى فى اطار مفهوم جديد فكرته المركزية هى أن المجتمع المدنى ليس ساحة للتنافس الاقتصادى بل ساحة للتنافس الايديولوجى منطلقا من التمييز بين السيطرة السياسية والهيمنة الأيديولوجية.
فمع نضج العلاقات الرأسمالية فى أوروبا فى القرنين السابع عشر والثامن عشر وانقسام المجتمع إلى طبقات ذات مصالح متفاوتة أو متعارضة واحتدام الصراع الطبقى، كان لابد للرأسمالية (أى الطبقة السائدة) من بلورة آليات فعالة لإدارة هذا الصراع واحتوائه بما يضمن تحقيق مصالحها واستقرار المجتمع. ونجحت الرأسمالية الأوروبية بالفعل فى أن تحقق هذا الهدف من خلال آليتين: آلية السيطرة المباشرة بواسطة جهاز الدولة، وآلية الهيمنة الأيديولوجية والثقافية من خلال منظمات اجتماعية غير حكومية يمارس فيها الأفراد نشاطاً تطوعياً لحل مشاكلهم الفئوية والاجتماعية وتحسين أوضاعهم الثقافية والاقتصادية والمعيشية.. الخ.
وتأتى أهمية الآلية الثانية من أنها تؤكد استجابة مختلف الفئات الاجتماعية بقيم النظام الرأسمالى وقبولها لها وممارستها نشاطها للدفاع عن مصالحها فى اطارها، وبذلك تتأكد قدرة الطبقة السائدة (الرأسمالية) على إدارة الصراع فى المجتمع بما يدعم أسس النظام الرأسمالى وأيديولوجيته. ونتيجة لهذا التطور فنحن أمام ثلاثة مفاهيم مختلفة ولكنها فى نفس الوقت متكاملة: المجتمع، المجتمع السياسى، المجتمع المدنى. أما المجتمع فهو الإطار الأشمال الذى يحتوى البشر وينظم العلاقة بينهم فى إطار اقتصادى اجتماعى محدد ويتطور من خلال علاقة فئاته ببعضها وصراعاتها. فى حين أن المجتمع السياسى هو مجتمع الدولة الذى يتكون من الدولة وأجهزتها والتنظيمات والأحزاب السياسية التى تسعى للسيطرة عليها أو الضغط عليها. والمجتمع المدنى هو الأفراد والهيئات غير الرسمية بصفتها عناصر فاعلة فى معظم المجالات التربوية والاقتصادية والعائلية والصحية والثقافية والخيرية وغيرها. ويتكون المجتمع المدنى من الهيئات التى تسمى فى علم الاجتماع بالمؤسسات الثانوية مثل الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والمهنية وشركات الأعمال والغرف التجارية والصناعية وما شابهها من المؤسسات التطوعية. والمقصود بالدعوة للمجتمع المدنى هو تمكين هذه المؤسسات الأهلية من تحمل مسئولية أكبر فى إدارة شئون المجتمع كى يصبح مداراً ذاتياً إلى حد بعيد. وهكذا يستبعد من المفهوم المؤسسات الاجتماعية الأولية كالأسرة والقبيلة والعشيرة والطائفة الإثنية أو المذهبية أو الدينية. كما يستبعد منه المؤسسات السياسية والحكومية، ويبقى بذلك فى نطاق المجتمع المدنى المؤسسات والمنظمات غير الحكومية التى يقوم نشاطها على العمل التطوعى. ومن المهم الا نستنتج من هذا التعريف أن التعارض مطلق بين المجتمع المدنى والمجتمع الرسمى أو الدولة، فلا يمكن قيام مجتمع مدنى قوى فى ظل دولة ضعيفة بل هما مكونان متكاملاً يميز بينهما توزيع الأدوار وليس الانفصال الكامل. كذلك فإن استبعاد الأحزاب السياسية من تعريف المجتمع المدنى لا يعنى أنها خارج الموضوع تماماً فالحقيقة أن الأحزاب باعتبارها طليعة لقوى اجتماعية تعبر عن مصالحها وتسعى للوصول إلى سلطة الدولة تهتم كثيراً بمؤسسات المجتمع المدنى وتسعى للتجنيد من صفوفها، وبالتالى فإننا نلاحظ وجود مساحة مشتركة بين المجتمع المدنى والمجتمع السياسى تشغلها حركة الأحزاب السياسية. وتؤكد هذه الحقيقة أنه بالرغم من أن المجتمع المدنى هو نتاج للتطور الرأسمالى إلا أنه ليس شأناً رأسمالياً بحتا بل يمكن أن تحقق من خلاله مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية مصالحها مثل النقابات العمالية واتحادات صغار المنتجين والمستهلكين.
أخطأ البعض في الوطن العربي عندما اتخذوا موقفا سلبيا من الدعوة إلى تقوية المجتمع المدني لأنهم تصوروا أنه يقتصر فقط على تلك المنظمات غير الحكومية التي تأسست حديثا في سياق العولمة، ونشطت في بداية تأسيسها وفق أجندة خارجية حددت موضوعاتها مؤسسات التمويل الدولية الرأسمالية ومنظمات غير حكومية في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وغاب عن هؤلاء أن المجتمع المدني يضم العديد من المنظمات الشعبية والجماهيرية، وأنه قائم في المجتمعات العربية منذ أكثر من مائة سنة مع تأسيس الجمعيات الأهلية في القرن التاسع عشر والنقابات العمالية والمهنية في بداية القرن العشرين وكذلك الجمعيات التعاونية إلى آخر هذه المنظمات التي تدخل في إطار تعريف المجتمع المدني.
والمجتمع المدني هو من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى. وهى علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع، والتعاقد والتراضى والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسئوليات، ومحاسبة الدولة في كافة الأوقات التي يستدعى فيها الأمر محاسبتها، ومن جهة إجرائية، فإن هذا النسيج من العلاقات يستدعي، لكي يكون ذا جدوي، أن يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة تشكل في مجموعها القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها مشروعية الدولة من جهة، ووسيلة محاسبتها إذا استدعى الأمر ذلك من جهة أخرى(1)
والمجتمع المدني هو مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة المباشر، فهو يتميز بالاستقلالية والتنظيم التلقائي وروح المبادرة الفردية والجماعية، والعمل التطوعي، والحماسة من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة، ورغم أنه يعلى من شأن الفرد إلا أنه ليس مجتمع الفردية بل على العكس مجتمع التضامن عبر شبكة واسعة من المؤسسات (2)
تزداد أهمية المجتمع المدني ونضج مؤسساته لما يقوم به من دور في تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصائرهم ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من إفقارهم، وما يقوم به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات، ثقافة الإعلاء من شأن المواطن، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي وجذبهم إلى ساحة الفعل التاريخي والمساهمة بفعالية في تحقيق التحولات الكبرى للمجتمعات حتى لا تترك حكرا على النخب الحاكمة.(3). وفى هذا الإطار يرى المفكر والمناضل الإيطالي انطونيو جرامشى أن المجتمع المدني ساحة للصراع داخل المؤسسات السياسية والنقابية والفكرية للمجتمع الرأسمالي، تمارس من خلاله الطبقة البورجوازية هيمنتها الثقافية أو تصعد من خلاله بشائر الهيمنة المضادة للطبقة العاملة(4). أي هو مفهوم صراعي وليس شأنا رأسماليا بحتا حيث يتعين على الطبقة العاملة والطبقات الكادحة أن تواجه الأيديولوجية الرأسمالية والثقافية السائدة بثقافة مضادة، مما يعزز استقلالية مؤسسات المجتمع المدني ودورها في حماية الإنسان العادي من سطوة الدولة، وقدرته على ممارسة التضامن الجماعي في مواجهتها ، مما يمكنه من الضغط عليها والتأثير علي السياسيات العامة للدولة. أن المجتمع المدني عند جرامشى والمجتمع المدني بهذا المفهوم هو أحد أركان الديمقراطية ويلعب دورا هاما في بنائها ودعم تطورها، ويمكن أن نتعرف مبدئيا على العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية من خلال متابعتنا لكافة الجوانب المتعلقة به من حيث تعريف المجتمع المدني ومكوناته ووظائفه ، كما يمكن أن نتعرف عليه تفصيليا من خلال دراستنا للجوانب المشتركة بينهما.

تعريف المجتمع المدني :
استقر الرأي من خلال الدراسات الأكاديمية والميدانية والمتابعة التاريخية لنشأته وتطوره أن المجتمع المدني هو “مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، أي بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختيار في عضويتها”هذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح أفرادها أو لتقديم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضى والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف.
وللمجتمع المدني بهذا المفهوم أربعة مقومات أساسية هي :
– الفعل الإرادي الحر أو التطوعي
– التواجد في شكل منظمات.
– قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين
– عدم السعي للوصول إلى السلطة.
مكونات المجتمع المدني :
يدخل في دائرة مؤسسات المجتمع المدني طبقا لهذا التعريف أي كيان مجتمعي منظم يقوم على العضوية المنتظمة تبعا للغرض العام أو المهنة أو العمل التطوعي، ولا تستند فيه العضوية غلى عوامل الوراثة وروابط الدم والولاءات الأولية مثل الأسرة والعشيرة والطائفة والقبيلة، وبالتالي فإن أهم مكونات المجتمع المدني هي :
– النقابات المهنية
– النقابات العمالية
– الحركات الاجتماعية .
– الجمعيات التعاونية
– الجمعيات الأهلية
– نوادي هيئات التدريس بالجامعات
– النوادي الرياضية والاجتماعية
– مراكز الشباب والاتحادات الطلابية
– الغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال
– المنظمات غير الحكومية الدفاعية والتنموية كمراكز حقوق الإنسان والمرأة والتنمية والبيئة.
– الصحافة الحرة وأجهزة الإعلام والنشر
– مراكز البحوث والدراسات والجمعيات الثقافية.
وهناك من يضيف إلى هذه المنظمات هيئات تقليدية كالطرق الصوفية والأوقاف التي كانت بمثابة أساس المجتمع المدني في المجتمعات العربية منذ مئات السنين قبل ظهور المنظمات الحديث.

تطور المجتمع المدنى فى ظل العولمة :
لاشك في أن العولمة الرأسمالية هي أهم الظواهر العالمية المعاصرة وأهمها تأثيراً في حياة الشعوب ومستقبلها .ومن أبرز مظاهر العولمة إعادة هيكلة الرأسمالية المعاصرة بإدماج اقتصاديات مختلف بلدان العالم في الاقتصاد الرأسمالي بالشروط التي وضعتها رأسمالية المراكز المتقدمة على أساس إعلاء شأن السوق وآلياته وفرض حرية انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات والسلع والخدمات دون قيود أو عقبات تطبيقا لأفكار الليبرالية الجديدة التي تشكل العنصر الأيديولوجي المسيطر والمركزي في عملية إعادة الهيكلة هذه التي تجرى على امتداد العالم، وقد عانت دول الجنوب ومن ضمنها الأقطار العربية من مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة تطبيق السياسات التي أو أوصت بها المؤسسات الرأسمالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهى السياسات المعروفة بالتكيف الهيكلي.
ولتخفيف حدة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي حرصت قوى العولمة على توظيف المجتمع المدني ليكون بديلا للدولة الوطنية التي تنسحب من أدوارها التقليدية ومسئولياتها في دعم الفئات الفقيرة وتوزيع الدخل لصالح الطبقات العاملة والكادحة والفئات الضعيفة، وتهدف قوى العولمة من دعمها للمجتمع المدني أن يقوم بدور البديل للدولة في مجال دعم الفئات الفقيرة وتستخدم كملطف لحدة المشاكل الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي مثل الفقر والبطالة والتهميش فيكون إطاراً يعبئ شرائح وقوى اجتماعية تتحمل عبء مواجهة هذه المشاكل وسيكون ذلك بالقطع على حساب دوره في دعم التطور الديمقراطي للبلاد.
تؤكد التقارير السنوية للبنك الدولي هذه النظرة حيث يشير في تقرير 1995 إلى المجتمع المدني كظاهرة اقتصادية باعتباره القوة المحركة بالنسبة لنشاطات ونمو القطاع الخاص، من هنا تأتى أهميته لأهداف التكيف الهيكلي فيما يتعلق بتقلص دور الدولة، وخصخصة الخيرات العامة والسلع الاجتماعية، ونمو القطاع الخاص الذي تعرض للتقهقر في مراحل سابقة، ويؤكد البنك الدولي أنه من المأمول مع الانفتاح السياسي أن تحدث نقله من مرحلة التسامح مع القطاع الخاص إلى مرحلة التحمس له، بوصفه محرك النمو والمحدد الرئيسي لمستقبل البلاد، ويشير البنك في تقرير 1998 أن القطاع المستقل عن الدولة أو غير الحكومي والذي يضم أنواعا مختلفة من المنظمات غير الحكومية عليه دور حاسم في التصدي للمظاهر التي تحول دون تطور القطاع الخاص. وينظر البنك؛ الدولي إلى المجتمع المدني لما يستطيع أن يقوم به من مساعدة في تعبئة الموارد بالطرق التي تعجز الدولة عن القيام بها وباعتباره “دولة الظل” التي تقوم بوظائف تقليدية للدولة مثل إنشاء وإدارة المدارس ومراكز الرعاية الصحية ومشروعات الأشغال العامة كشق الطرق والترع(5)، بل إن تعريف البنك للمنظمات الأهلية يؤكد إصراره على دورها كملطف لحدة المشاكل وليس باعتبارها الوسيط بين المجتمع والدولة أو باعتبارها إطارا مناسباً للمساهمة في التحول الديمقراطي للمجتمع أو لإمكانية قيامها بدور تغييري تنموي شامل، يتضح ذلك من تعريف البنك الدولي لها بأنها مؤسسات وجماعات متنوعة الاهتمامات مستقلة كليا أو جزئيًا عن الحكومات، وتتسم بالعمل الإنساني والتعاون وليس لديها أهداف تجارية ويساعد على تحقيق أهداف المؤسسات الرأسمالية الدولية في توظيف مؤسسات المجتمع المدني لخدمة سياساتها بناء منظمات غير حكومية عابرة للقوميات ترتبط بشبكات عالمية تساهم في تمويل أنشطة المنظمات الأهلية وغير الحكومية الوطنية وفق اجندة الرأسمالية العالمية بدلا من أن تكون أولوياتها طبقا لاحتياجات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد أدت العولمة إلي إدخال تغييرات على خريطة المجتمع المدني بالعديد من الأقطار العربية، حيث نلاحظ أن أساس هذه الخريطة في المجتمعات العربية حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين كان منظمات شعبية تعبر عن مصالح فئات اجتماعية معينة كالنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية والمنظمات النسائية والشبابية، أو منظمات غير حكومية دفاعية، أو جمعيات أهلية خيرية وثقافية واجتماعية تقدم لأعضائها خدمات متنوعة كما تقدم خدماتها للفئات الضعيفة في المجتمع، أو أندية رياضية وثقافية واجتماعية تشبع احتياجات أعضائها لأنشطة متطورة في هذه المجالات، وكذلك الجمعيات التعاونية. لكن العولمة جاءت معها بقضايا جديدة ومشاكل جديدة مثل حماية البيئة من التلوث، والفقر، والهجرة واللاجئين وضحايا العنف والسكان الأصليين والمخدرات والإرهاب وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفولة وحقوق الأقليات الدينية والعرقية، ولأن منطق العولمة يستبعد قيام الدولة بدور أساسي في مواجهة هذه المشكلات فإنها شجعت على قيام منظمات غير حكومية للتعامل معها، كما أن نشطاء المجتمع المدني سارعوا في كثير من الأقطار لتكوين منظمات غير حكومية لمواجهة هذه المشكلات والتخفيف من حدتها. وسواء كان المشجع على قيام هذه المنظمات الجديدة هو العامل الخارجي أو الأوضاع الداخلية إلا أن النتيجة واحدة هي قيام مئات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الجديدة التي تنشط حول أهداف مفتتة وقضايا جزئية دون ارتباط بالأسباب المشتركة لهذه المشاكل الجزئية، ودون وضوح حول إمكانية التنسيق والتعاون بينها لمواجهة هذه الأسباب التي تعود بالأساس إلى العولمة الرأسمالية وسياساتها. وهذا التغيير في خريطة المجتمع المدني يهدد مؤسسات المجتمع المدني بالتحول عن دورها الأساسي كجزء من المجتمع الديمقراطي إلى ملطف ومخفف لحدة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الناجمة عن سياسات العولمة وتأثيراتها على مجتمعاتنا وهى تكرس في نفس الوقت الحكم الاستبدادي.
يطرح هذا التطور في بنية المجتمع المدني في دول الجنوب والأقطار العربية قضية الحركات الاجتماعية كمكون أساسي من مكونات المجتمع المدني، وكعنصر هام من عناصر التطور الديمقراطي وتحولات المستقبل الاجتماعية. ووجه الأهمية هنا في طرح قضية الحركات الاجتماعية أننا مع هذا التغيير في بنية المجتمع المدني أمام حركات اجتماعية جديدة تختلف عن الحركات الاجتماعية التقليدية سواء من حيث الأهداف أو الأدوار، فالحركات التقليدية كالحركة العمالية والحركة الفلاحية والحركة الطلابية والحركة النسائية كانت جزءًا من الصراع الطبقي في المجتمع هدفها حماية مصالح فئات اجتماعية واسعة أو طبقات اجتماعية في مواجهة الاستغلال والقهر الذي تمارسه فئات أخرى، ورغم أنها لم تكن تمارس نشاطا حزبيا مباشرا، إلا أنها أدت في بعض الأحيان إلى تأسيس أحزاب سياسية لهذه الفئات الاجتماعية، وقد نجحت هذه الحركات الاجتماعية القديمة أن توحد نضالها حول أهداف عامة تجمع كل المنتمين إلى تلك الفئة الاجتماعية كالمرأة مثلا أو العمال، وقد لعبت دورًا هاما في تعديل موازين القوى الطبقية في المجتمع في كثير من الأقطار في فترات مختلفة، ولكننا نلاحظ أن نفوذ هذه الحركات وتأثيرها يضعف باستمرار نتيجة لنجاح السلطة في استعابها واحتواء حركتها، أو لتغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغياب طرح فكرى مناسب لهذه التطورات ، أو لانصراف أعضائها عن نشاطها، وفى نفس الوقت تنشأ حركات اجتماعية جديدة حول قضايا وأهداف جزئية في مجالات حقوق الإنسان والبيئة والعاطلين والأمومة والطفولة والأقليات .. الخ. حيث نلاحظ قيام تنظيمات متعددة لا صلة بينها داخل المجال الواحد للتعامل مع جانب واحد فقط من القضية، كما هو الحال مثلا في مجال حقوق الإنسان حيث توجد تنظيمات منفصلة للمساعدة القانونية وتنظيمات أخرى لنشر ثقافة حقوق الإنسان، وتنظيمات ثالثة لرصد الانتهاكات .. الخ.
وهكذا فإننا نجد أنفسنا أمام انفجار في الحركات الاجتماعية والتنظيمات الجديدة التي تنشأ حول أهداف محدودة للغاية دون أن يربط بينها رابط مشترك لتنسيق الجهود، أو إدراك واضح للارتباط الضروري بينها مما يهدد المجتمع المدني بالانحراف عن دوره الحقيقي في دعم التطور الديمقراطي نتيجة لغياب الرؤية المشتركة والتنسيق المشترك بين هذه المنظمات والحركات الاجتماعية واكتفائها بالنشاط حول الهدف الخاص بكل منها.
ونحن لا نستطيع أن نتجاهل هنا أن أحد أسباب التسارع في تأسيس هذه الحركات هو تزايد وعى الناس بأن الدولة ومؤسساتها وكذلك الأحزاب السياسية عاجزة عن مواجهة الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن ظاهرة العولمة وما ترتب عليها من مشاكل اجتماعية، وتترك الناس تحت رحمة هذه الأوضاع. واستجابة من الناس لهذه الأوضاع فإنهم ينشئون حركاتهم الاجتماعية الخاصة، أو ينضمون إلى حركات اجتماعية قائمة، أو منظمات دفاعية تقوم على أسس دينية أو عرقية أو قومية أو جنسية أو بيئية أو سلامية أو محلية أو على أساس أي قضية منفردة، وتقوم معظم هذه الحركات بالتعبئة والتنظيم باستقلال عن الدولة ومؤسساتها والأحزاب السياسية لأنها لا تراها قادرة على مواجهة هذه القضايا أو المشاكل بفاعلية.
من هذا العرض للمجتمع المدني ومقوماته الأساسية ومكوناته ومالحق به من تطورات نتيجة للأوضاع العالمية المستجدة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية يمكن القول أننا أمام نوعين من المجتمع المدنى إن صح التعبير في الأقطار العربية :
– مجتمع مدني شعبي
– مجتمع مدني نخبوى
تكتفي القوى الرأسمالية والفئات الحاكمة بوجود مؤسسات للمجتمع المدني في إطار نخبوى تقوم بدورها في تلطيف حدة المشاكل الناجمة عن سياسات التكيف الهيكلي والتحول إلى اقتصاد السوق والاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي وفق الشروط التي تضعها المراكز الرأسمالية المتقدمة، وينحصر دور هذه المنظمات من وجهة نظر الفئات الحاكمة والقوى الرأسمالية في تقديم الرعاية للفقراء والمحتاجين، وإشباع حاجات خدمية لفئات اجتماعية معينة، بما لا يؤدى إلى تغيير الأوضاع بل يعيد إنتاج الأوضاع القائمة بما فيها من فقر وبطالة وتهميش وافتقاد العدالة وفى هذه الحالة فإن مؤسسات المجتمع المدني النخبوية لن تزعج الفئات الحاكمة ولن تلعب دوراً في تغيير الأوضاع القائمة من خلال المساهمة الفعالة بدور ديمقراطي في المجتمع. وعلى العكس، من هذا فإن القوى الديمقراطية والتقدمية يجب أن تدفع في اتجاه اكتساب مؤسسات المجتمع المدني طابعا شعبيًا يساعدها على القيام بدور تعبوي تغييري تحتاجه مجتمعاتنا تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من خلاله من المساهمة في عملية التحول الاجتماعي والسياسي للمجتمع. والمشاركة بشكل جماعي (كمؤسسات) في صياغة السياسات العامة والضغط من أجل تعديلها بما يحقق مصالح الأغلبية ويكفل مشاركتها السياسية تدعيما للديمقراطية (6) .
يتطلب دعم الطابع الشعبي للمجتمع المدني الاهتمام أكثر بالمنظمات الشعبية ذات الجذور العميقة فى المجتمع التي تهملها حاليًا المنظمات غير الحكومية المنشأة حديثًا وتشمل المنظمات الشعبية تحديدا النقابات المهنية والعمالية ، والمنظمات الفلاحية، والتعاونيات، واتحادات الطلاب، ومنظمات الحرفيين والمنظمات المهنية وتنظيمات الخدمة الاجتماعية، ويوفر هذا التنسيق استفادة المنظمات غير الحكومية وسائر مكونات المجتمع المدني من التراث الطويل والخبرات الواسعة للحركة النقابية في مجالات التعبئة وحشد القوى، ولديها الوسائل والكوادر المدربة على ذلك، ولها خبرات هامة في المجال المطلبى، وتتوفر لدى المنظمات الأخرى التعاونية والاجتماعية والطلابية والفلاحية خبرات متنوعة وإمكانيات بشرية تطوعية يمكن أن تستفيد منها المنظمات الأخرى حديثة النشأة لاكتساب القدرة على التأثير والاستناد إلى قاعدة اجتماعية واسعة وامتلاك خبرات جديدة في مختلف المجالات ، وسوف يساعدها ذلك على تجاوز وضعها الحالي كمنظمات منعزلة عن بعضها تعمل في إطار أهداف جزئية بحيث تتجه إلى إقامة تحالفات مع المنظمات الأخرى العاملة في نفس المجال مثل حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والتنمية .. الخ، وتجاوز وضعها النخبوى إلى آفاق جماهيرية وشعبية أوسع تساعدها على تفعيل نشاطها واكتساب المقومات الضرورية لتحولها إلى حركات اجتماعية لها عمق شعبي كاف.
بهذا التوجه يمكن أن يقوم المجتمع المدني بدوره المأمول في بناء الديمقراطية. التي يلتقي معها في إطار نسق مشترك من القيم.

الهوامش

(1) د. حامد خليل ، الوطن العربي والمجتمع المدني، كراسات استراتيجية ، مجلة فصلية تصدر عن مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية بجامعة دمشق.
العدد الأول – السنة الأولى – خريف 2000. ص 12.
(2) د. الحبيب الجنحانى، المجتمع المدني بين النظرية والممارسة، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، دولة الكويت، العدد الثالث، المجلد السابع والعشرون، يناير / مارس ،1999 ص 36.
(3) د. أحمد ثابت، الديمقراطية المصرية على مشارف القرن القادم، كتاب المحروسة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر القاهرة، الطبعة الأولى، يناير 1999- ص 20.
(4) د. مصطفى كامل السيد، مفهوم المجتمع المدني ومصر، ورقة مقدمة إلى مؤتمر مستقبل التطور الديمقراطي في مصر، جماعة تنمية الديمقراطية 2-3 نوفمبر ،1997 القاهرة. ص 3.
(5) أجوسا واى أوساجاى ، التكيف الهيكلي والمجتمع المدني والتماسك الوطني في أفريقيا، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة المجلد الثالث . ص 19-52.
(6) شهيدة الباز، دور المنظمات الأهلية العربية في تنمية المجتمعات المحلية، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة، المجلد الثالث أكتوبر ،2000 ص 19.
(7) إبراهيم السوري، ورقة مقدمة إلى حلقة الحوار حول قضايا بناء القدرات للمنظمات غير الحكومية، اللجنة الاقتصادية الاجتماعية للأمم المتحدة غرب آسيا، القاهرة 19/ 21 سبتمبر 2000.
(8) د. كمال المنوفي، التعليم كيف يكون رافدا لتعزيز التطور الديمقراطي، الأهرام 7 أكتوبر 2001.

دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الأول

مقـدمـة
حول ضرورة الديمقراطية

تواجه الأمة العربية العديد من التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية، تتنوع وتتعدد هذه التحديات والمخاطر لتشمل كافة مجالات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. كما تتسع ساحة المواجهة لتشمل الوطن العربي بأكمله وتتجاوزه إلى آفاق إقليمية وعالمية، فهناك تحديات التنمية والتحديث والتحول الديمقراطي وإشاعة العقلانية، بالإضافة إلى مخاطر الوجود الصهيونية التوسعي، والهيمنة الأمريكية، والتهميش المتزايد للأقطار العربية في ظل العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية المعاصرة التي فرضتها العولمة الرأسمالية تحقيقا لمصالح الدول الرأسمالية الكبرى، ورغم أن طبيعة هذه التحديات والمخاطر تتطلب أوسع تعبئة ممكنة للشعوب العربية باعتبارها الطرف الأساسي في المواجهة، وضرورة قيامها بدور فعال في صياغة سياسات المواجهة، وتحديد أولوياتها، إلا أن نظم الحكم القائمة حرصت على الانفراد بإدارة هذه المواجهة وحرمت شعوبها من القيام بدور فعال رغم أن هذه الشعوب هي التي تتحمل أعباء المواجهة وقدمت بالفعل تضحيات كبيرة في مواجهة هذه المخاطر والتحديات.
دفعت الشعوب العربية ثمنا باهظا وتحملت الأعباء المترتبة علي انفراد الحكام بمواجهة هذه المخاطر والتحديات، فقدمت آلاف الشهداء في حروبها ضد إسرائيل، وتحملت معاناة الحصار الاقتصادي الذي فرضته عليها الولايات المتحدة الأمريكية، كما تحملت المعاناة الاقتصادية والتقشف الذي وصل إلي حد الحرمان من أبسط ضروريات الحياة، علاوة علي البطالة والفقر وتهميش فئات واسعة من السكان، فضلا عن القمع السياسي والقهر الطبقي والتضليل الفكري والإعلامي. ولم يكن هناك مبرر معقول لأن تتحمل الشعوب العربية هذه المعاناة وتقدم هذه التضحيات بينما هي محرومة من المشاركة السياسية ومستبعدة من القيام بدورها الطبيعي في اتخاذ القرار وصياغة سياسات المواجهة وتحديد أهدافها وأولوياتها، خاصة بعد أن أثبتت التجربة والممارسة لمدة تزيد عن نصف قرن فشل هذه النظم في خوض معارك التنمية والتحديث والعقلانية والصراع العربي الصهيوني والهيمنة الأجنبية بكفاءة لإيثارها مصالحها الخاصة علي المصالح العامة للمجتمع في هذه المواجهة، واستبعادها القوي الشعبية خوفا من أن تتجاوزها هذه القوي في اللحظات الحرجة من الصراع أو أن يهدد اتساع نطاق المواجهة أو تصاعد المعارك المصالح الضيقة للفئات الحاكمة. التقت حول هذا المنهج كثير من نظم الحكم العربية: ملكية وجمهورية، رجعية وتقدمية، ثورية وتقليدية، لأنها بصرف النظر عن المسميات مارست الحكم من خلال سلطة أبوية أو تسلطية أو ديمقراطية انتقائية مقيدة، أي أن الاستبداد السياسي الذي عانت منه الشعوب العربية وما تزال تعاني الآن هو الجذر الأساسي لفشل العرب حكاما ومحكومين في خوض معارك الاستقلال والتنمية والتحديث والعقلانية والديمقراطية ومواجهة الخطر الصهيوني والهيمنة الأمريكية بكفاءة. ونتيجة لهذا كله فقد أجمع المفكرون والمثقفون العرب يساندهم في هذا قوي سياسية متعددة علي أن الديمقراطية هي المخرج الأساسي للشعوب العربية من مأزقها الحالي وما تعانيه من مشاكل وأزمات. فلا يمكن بدون الديمقراطية الحديث عن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أو التطلع إلي تحديث حقيقي للمجتمع، أو توفير العدالة الاجتماعية، او تعميق المشاركة الشعبية، أو الحد من مخاطر الوجود الصهيوني والهيمنة الأمريكية. كما لا يمكن بدون بروز الشعوب كطرف أساسي في المواجهة ومشاركتها الفعلية في صياغة السياسات العامة وتحديد أهدافها وأولوياتها أن تحقق نجاحا يذكر في مواجهة المخاطر والتحديات التي تهدد الأمة العربية حاليا.
أن الدرس الأساسي المستفاد من خبرة النصف الثاني للقرن العشرين هو أنه رغم الجهود المضنية والتضحيات الكبيرة والمعاناة الشديدة فإن آمال العرب تحطمت أكثر من مرة علي صخرة الاستبداد والحكم الفردي والعسكري والقبلي والعشائري.
ان الانتقال في الوطن العربي من الاستبداد إلي الديمقراطية يتطلب أولا وفي الأساس تحرير الإنسان العربي وإطلاق طاقاته ليصبح القوة الأساسية في المواجهة، ولا يمكن الحديث عن تحرير الإنسان العربي طالما بقيت رواسب الاستبداد قائمة في المجتمعات العربية علي شكل نظم حكم سلطوية وثقافة غير ديمقراطية، وما لم يشمل التحول الديمقراطي كافة مجالات المجتمع فإنه لا مجال للحديث عن تحرير الإنسان العربي، لأن الديمقراطية هي في جوهرها طريقة في الحياة وأسلوب لتسيير المجتمع وإدارة صراعاته بوسائل سلمية، وهي بهذا المفهوم تتطلب سيادة قيم معينة ومؤسسات وآليات تضع الديمقراطية بهذا المفهوم موضع التطبيق، فلا يمكن بناء الديمقراطية في أي مجتمع بدون إشاعة ثقافة ديمقراطية تعمق القيم الموجهة لسلوك المواطنين في هذا الاتجاه. كما لا يمكن استكمال التحول إلي الديمقراطية بدون بناء المؤسسات التي تمارس من خلالها هذه الطريقة في الحياة، أو بدون توافر الآليات التي يتم من خلالها وضع هذه القيم الديمقراطية موضع التطبيق وشمولها المجتمع كله.(1)
للقيم الديمقراطية إذن دور محوري في انضاج عملية الانتقال إلي الديمقراطية وتوفير شروطها الأساسية. ويتطلب ذلك إنجاز ثلاثة مهام أساسية هي:
-إشاعة الثقافة المدنية الديمقراطية في المجتمع.
-الاهتمام بتربية المواطنين لتمثل هذه الثقافة وقيمها في حياتهم اليومية وفي علاقتهم بالآخرين.
-تدريب المواطنين عمليا علي الممارسة الديمقراطية، واكتسابهم خبرة هذه الممارسة من خلال النشاط اليومي الذي يقومون به في مختلف مجالات الحياة. وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني الإطار الأمثل للقيام بهذه المهام لأنها تقوم أيضا علي القيم الديمقراطية، ولأنها تجتذب إلي عضويتها دائرة واسعة من المواطنين الذين يسعون إلي الاستفادة من خدماتها أو ممارسة نشاط جماعي للدفاع عن مصالحهم، أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة. فكيف تقوم مؤسسات المجتمع المدني. بهذا الدور، وما هي علاقة المجتمع المدني بالديمقراطية، وما هو دورها المحدد في بناء الديمقراطية؟
هذا ما نعرضه بدرجة أكبر من التفصيل في هذه الدراسة عن “دور المجتمع في بناء الديمقراطية”. نأمل أن نساهم من خلالها في توفير الوضوح الفكري المطلوب للسير قد ما علي طريق التحول الديمقراطي في مجتمعاتنا العربية.

الفصل الأول
مفهوم الديمقراطية ومقوماتها الأساسية

للديمقراطية تاريخ طويل في الوطن العربي، يرجع في بعض الأقطار العربية إلي القرن التاسع عشر، وفي معظمها للنصف الأول من القرن العشرين، حيث ارتبط النضال من أجل الديمقراطية بالنضال من أجل الاستقلال الوطني، ومع موجة الاستقلال الأولي في عشرينيات هذا القرن ورغم استمرار قوات الاحتلال قامت نظم حكم عربية علي أساس مفاهيم الديمقراطية الليبرالية من تعددية حزبية وسلطات تشريعية منتخبة في ظل دساتير تعترف بالحقوق الأساسية للمواطنين، ولكنها كانت في أغلب الأحيان ديمقراطية شكلية تنعم بها الفئات الحاكمة وبعض قطاعات الطبقة الوسطي، ولهذا فإنها لم تصمد طويلا أمام موجات المد الثوري مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين وما صاحبه من انقلابات عسكرية، وقيام نظم حكم شمولية أعطت الأولوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتأكيد الاستقلال الوطني علي حساب الحريات السياسية والتعددية الحزبية والانتخابات البرلمانية. ومع إخفاق هذه النظم في تحقيق التنمية والمحافظة علي استقلالية الإرادة الوطنية في مواجهة الرأسمالية العالمية، والذي رافقه تدهور ملحوظ في مستوي معيشة المواطنين، وتراجع القدرة علي إشباع حاجاتهم الأساسية في الربع الأخير من القرن العشرين ارتفعت من جديد الأصوات المطالبة بالديمقراطية، بعد أن تأكد للجميع أنه لا يمكن المقايضة علي حريات الشعوب وحقوقها السياسية ومشاركتها في صياغة السياسات العامة مقابل وعد لا تتوفر له أي ضمانات بحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية. وقد أثبتت التجربة العملية بالفعل طوال خمسين سنة أن ما تحقق من مكاسب وإنجازات اقتصادية واجتماعية سرعان ما تم التراجع عنه دون مقاومة تذكر بسبب غياب التنظيمات السياسية والنقابية الفعالة للطبقات العاملة والكادحة والوسطي.
عاد الحديث والاهتمام بالديمقراطية في الوطن العري في أواخر القرن العشرين في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية مغايرة أساسها والعامل المؤثر فيها هو ظاهرة العولمة التي أثرت كثيرا في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الوطن العربي، واخترقت كل مناحي الحياة وأدخلت معظم الأقطار العربية في أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية طاحنة، ولم يعد النضال من أجل الديمقراطية في الوطن العربي قضية داخلية، بل هناك العديد من المؤثرات الخارجية التي تتحكم فيه وتحدد توجهاته.
نتيجة لهذه التطورات الداخلية والخارجية شهدت كثير من الأقطار العربية تطورات ملموسة نحو التعددية الحزبية والحياة البرلمانية، ولكن نظم الحكم في هذه الأقطار لا يمكن وصفها رغم هذه التطورات بأنها نظم ديمقراطية، فهي ما تزال تندرج تحت ما يمكن أن نسميه بالتعددية السياسية المقيدة التي لا تزيد في حقيقتها عن “قبول النظام السياسي مبدأ التعددية السياسية في شكل أحزاب سياسية ولكن في أطر قيود وضوابط معنية تحد من إمكانية تداول السلطة وممارسة هذه الأحزاب لوظائفها المتعارف عليها في النظم الديمقراطية التعددية”. (2)
أن نظم التعددية السياسية المقيدة الموجودة في معظم الأقطار العربية هي في حقيقتها استمرار للنظم الشمولية نشأت الحاجة إليها لإنقاذ هذه النظم التي تآكلت شرعيتها ولتخفيف الصراع الطبقي والسياسي في مجتمعات تعمقت أزمتها نتيجة لسياسات الحكم التي تطبقها هذه النظم. وهي بعيدة عن الديمقراطية الحقيقية وما زالت تندرج في إطار الاستبداد لأنها لم تحقق مبدأ سيادة القانون وإعلاء إرادة الشعب. أنها ديمقراطية انقاذية لنظم الحكم هدفها استمرار الأمر الواقع بإجراءات جديدة، وهي من ثم تتسم بخصائص ثلاث:
الأولي: التحول إلي التعددية يتم من أعلي بقرار من قمة السلطة التنفيذية.
الثانية: هذا التحول يتم بصورة تدريجية وفق إرادة السلطة التنفيذية وليس من خلال النضال السياسي والجماهيري. ويلاحظ أن هذه النظم لم تتسع فيها الحقوق والحريات السياسية منذ قيامها ولأكثر من عشرين سنة، بل علي العكس أدت أزمة نظم الحكم إلي سلب بعض الحقوق والحريات والانتقاص من مكاسب ديمقراطية تحققت من قبل لضمان استمرار الحكم.
الثالثة: هيمنة السلطة التنفيذية علي العملية كلها وخاصة رئيس الدولة الذي يملك في الواقع صلاحيات وسلطات واسعة تجعل هذه النظم أقرب إلي الحكم الفردي منها لأي نظام آخر.(3)
وإذا كان من الصعب أن نصف هذه النظم بأنها ديمقراطية، فماذا نقصد بالديمقراطية؟ وما هي أهم مقوماتها؟ وما علاقة ذلك بعملية الانتقال في الوطن العربي إلي الديمقراطية؟
مفهوم الديمقراطية:
الديمقراطية بمعناها الواسع هي مشاركة الشعب في اتخاذ القرار، ومراقبة تنفيذه، والمحاسبة علي نتائجه. وقد تصورت بعض القوي السياسية في الوطن العربي أن الديمقراطية يمكن أن تتحقق بمجرد السماح بقيام أحزاب متعددة وإجراء انتخابات دورية لتشكيل البرلمان وإصدار صحف حزبية، وتصورت أيضا نتيجة لهذا الفهم الخاطئ أن التحول إلي الديمقراطية يمكن أن يتم في فترة وجيزة، وغابت عنها الرؤية السلمية التي تساعدها علي السير بنجاح نحو هذا الهدف وتوفير ما يتطلبه من شروط وإجراءات. ومن ناحية أخري فقد اختلفت النظرة إلي الديمقراطية باختلاف المواقع الطبقية والإيديولوجية وتعددت مسمياتها بين ديمقراطية اشتراكية وديمقراطية شعبية وديمقراطية اجتماعية وديمقراطية تحالف قوي الشعب العامل.. الخ، ورغم الأهداف والغايات النبيلة التي كانت تكمن خلف هذه المسميات إلا أن تطبيقاتها دارت أساسا في ظل أوضاع شمولية أو سلطوية وعجزت عن توفير الشروط الضرورية للمشاركة الشعبية وتمكن الشعوب من اختيار حكامها والقيام بدور أساسي في صياغة السياسات العامة وفرض رقابتها علي السلطة التنفيذية ومحاسبتها طبقا للنتائج المتحققة. وقد توفر الحد الأدنى من الشروط اللازمة لقيام الديمقراطية بالفعل في المجتمعات الرأسمالية المتطورة ومجتمعات أخري كالهند عندما تعاملت مع الديمقراطية وفق مفهوم إجرائي يعتبرها “صيغة لإدارة الصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية، من خلال قواعد وأسس متفق عليها سلفا بين جميع الأطراف، تضمن تداول السلطة بين الجميع من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة”، فالمجتمع ليس مجرد كم من الأفراد، بل هو طبقات يترتب علي وجودها علاقات ومنافسات وصراعات، وإذا لم ينجح المجتمع في تنظيم هذه الصراعات بوسائل سلمية فإنه يتعرض لمخاطر العنف الذي قد يصل إلي حد الحرب الأهلية، من هنا فإن الديمقراطية كإطار لتنظيم الصراع الطبقي سلميا هي “مسألة نسبية وعملية تاريخية متدرجة، تبدأ عندما يتمكن المجتمع المعني من السيطرة علي مصادر العنف وإدارة أوجه الاختلاف سلميا تعبيرا عن إجماع القوي الفاعلة علي ضمان الحد الأدنى من المشاركة السياسية الفعالة لجميع المواطنين دون استثناء”.(4) ومع استقرار الممارسة الديمقراطية تتطور وتنضج هذه العملية التاريخية، وقد احتاجت أوروبا إلي أربعة قرون لإنجاز عملية الانتقال إلي الديمقراطية بهذا المفهوم.
تنجح الديمقراطية في تنظيم الصراع الطبقي سلميا بقدر ما توفر للمجتمع نظاما للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية ينظم العلاقات بين أفراد وطبقات المجتمع من ناحية، وتنظيم العلاقات بين الدولة والمجتمع من ناحية أخري، والعلاقات بين مؤسسات الدولة نفسها (تنفيذية، تشريعية، قضائية) من ناحية ثالثة. وغنى عن الذكر أن هذا التنظيم للعلاقات فى المجتمع وبين مؤسسات الدولة يفضي في النهاية إلي الآلية الرئيسية لتحقيق سلمية الصراع وأعني بها تداول السلطة السياسية سلميا بين مختلف الطبقات من خلال الانتخابات العامة الدورية .
المقومات الأساسية للديمقراطية البورجوازية:
تبلورت من خلال الممارسة مجموعة المقومات الأساسية التي لا يمكن بدون توافرها تحقيق الديمقراطية ومنها:
– إقرار مبدأ سيادة القانون، ودولة المؤسسات، واستقلال السلطة القضائية.
– الاعتراف بمجموعة الحريات العامة وحقوق الإنسان كأساس لمجتمع مدني وإعلام حر بما يكفل حرية تكوين الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وحرية الرأى والاعتقاد والاجتماع.. الخ.
– الاعتماد علي مبدأ الانتخاب العام لعناصر السلطة التشريعية والتنفيذية كأساس لتداول السلطة من خلال انتخابات دورية حرة تجسد نتائجها بصدق إرادة الناخبين.
– الاعتراف بالتعددية السياسية والحزبية بكل ما يترتب عليها من نتائج.
نقد الديمقراطية البورجوازية:
ومن المهم هنا ونحن نتحدث عن الديمقراطية البورجوازية أن يكون واضحا لنا أنه إذا كانت الديمقراطية في أوروبا قد قامت وتقوم بدور في تنظيم العلاقات وإدارة الصراع في المجتمع الرأسمالي سلميا، فليس هناك ما يبرر اعتبارها جزءاً من العلاقات الرأسمالية نفسها، بل بالعكس فالعلاقات الرأسمالية تقوم في جوهرها علي التسلط والاحتكار والاستغلال بينما تهدف الديمقراطية إلي الحد من ذلك إلي أدني درجة ممكنة بما تقيمه من أجهزة للمراقبة وما تقدمه من إمكانات للمقاومة وتغيير موازين القوي. (5) وما طرحته الرأسمالية هو الليبرالية السياسية وليس الديمقراطية البورجوازية التي نعرفها الآن، وكانت الليبرالية السياسية في حقيقتها مجموعة من الأفكار والقيم تدور حول الفرد وحريته نشأت تاريخيا كتعبير عن واقع اجتماعي هو تبلور السوق الرأسمالي. لم تكن الحرية آنذاك مطروحة للجميع ولم تكن المشاركة السياسية من حق الجميع، بل كانت مرتبطة بالملكية، أي أن الليبرالية السياسية كانت هي المقابل السياسي للرأسمالية في الاقتصاد وكانت نشأة الليبرالية هذه منفصلة عن الديمقراطية ثم تم استيعابها فيها تدريجيا. فقد ولدت الليبرالية أولا ثم تمقرطت بعد ذلك عبر توسيع الحقوق والحريات التي ناضلت من أجلها الجماهير لتشمل جميع المواطنين. حيث أفرز السوق الرأسمالي ضغوطا دفعت نحو الديمقراطية وفرضتها. وقد جاء ذلك التحول عندما أدركت الطبقة العاملة أن حرمانها من التصويت أو قيامها بدورها السياسي لا يمكنها من التأثير في القرار السياسي فناضلت من أجل حقها في التصويت وحقها في التنظيم السياسي المستقل وتشكيل أحزاب تعبر عن مصالحها وكان إقرار حق الاقتراع العام هو نقطة التحول الحاسمة من عصر الدولة الليبرالية إلي عصر الدولة الديمقراطية الليبرالية (6)
ونحن نلاحظ أن الأنظمة الرأسمالية الغربية قد ركزت علي مفهوم الحرية في تحديد الديمقراطية وممارساتها. كما ركزت علي مفاهيم الاقتصاد والحر وتقوية القطاع الخاص والمبادرة الشخصية وحقوق الإنسان، وربطت بين مفهومي الديمقراطية والرأسمالية وتصوير الأمر وكأن الأولى نتيجة للثانية، وأهملت بذلك مفهوم العدالة الاجتماعية وخاصة ما يتعلق بمحاربة الفقر والتخفيف من الفروقات الطبقية والفئوية والعنصرية والجنسية بين الرجل والمرأة وتأييد تكافؤ الفرص، فالطبقات والجماعات الفقيرة المغلوبة علي أمرها لا تستطيع أن تمارس حريتها في غياب العدالة الاجتماعية وبذلك لم تستكمل الديمقراطية البورجوازية شروط ممارسة الحرية نفسها. والتحدي الحقيقي الآن أمام القوي الاشتراكية في الوطن العربي هو بلورة وتطبيق مفهوم للديمقراطية يستفيد مما أنجزته الديمقراطية البورجوازية وتراثها ويضيف إليها، يمكن من ممارسة الحرية بالفعل لكافة المواطنين بدون تمييز. وفي هذا الصدد يؤكد المفكر العربي د. سمير أمين أن الديمقراطية التي تطمح إليها شعوب العالم الثالث يجب أن تجمع بين التأكيد علي البعد الاجتماعي الاصلاحي واحترام استقلالية المبادرة الشعبية. كما يمكن النظر إلي الديمقراطية الاشتراكية باعتبارها نفي للديمقراطية البورجوازية، ولكنه نفي بالمعني الجدلي، حيث تلغي العناصر الرجعية في الديمقراطية البورجوازية التي تحرم أوسع الجماهير من المشاركة في صنع القرارات، وتتلاعب مراكز الضغط الرأسمالية والبيروقراطية وأجهزة الإعلام بإرادة الجماهير …الخ. ولكنها (أي الديمقراطية الاشتراكية) تحتفظ بالعناصر الإيجابية في الديمقراطية البورجوازية وتدمجها في تركيب أعلي بصورة كيفية أوفر حرية يتلاءم مع محتواها الطبقي الجديد. وذلك من خلال الجمع بين الأشكال التمثيلية والأشكال المباشرة للديمقراطية، التي توفر مشاركة شاملة لجماهير الطبقة العاملة والفلاحين ومختلف الفئات الكادحة الأخرى في صنع القرارات التي توجه مختلف نواحي الحياة في المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا..الخ.
وهي تضع بذلك أساسا أرسخ وأعمق لحرية الصحافة والتعددية الحزبية وحرية التنظيم النقابي، وتكوين مختلف أشكال الجمعيات والاتحادات، وتكفل حق الإضراب والتظاهر والحريات والحقوق السياسية والمدينة بالترابط مع كفالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية باعتبار كل ذلك شروطا ضرورية لعملية تحرير العمل وممارسة الديمقراطية المباشرة والتمثيلية، وإطلاق مبادرات أوسع جماهير الطبقة العاملة والطبقات الشعبية في المشاركة في صنع القرارات، وحل التناقضات التي تثور فيما بينهم بصورة ديمقراطية” (7)
من المهم أن ينعكس هذا الفهم الذي طرحناه هنا لمسألة الديمقراطية علي عملية الانتقال إلي الديمقراطية في الوطن العربي وأن تتشكل منذ البداية رؤية واضحة لهذه العملية وطبيعتها ومتطلباتها وأولوياتها والمراحل التي ستمر بها والمدى الزمني المحتمل لها.
حول الانتقال إلي الديمقراطية:
القضية الأساسية في عملية الانتقال إلي الديمقراطية في الوطن العربي هي أنها عملية تاريخية بدأت منذ سنوات طويلة وستتم عبر فترة زمنية طويلة نسبيا، وستتم تدريجيا وربما تنتكس في بعض مراحلها نتيجة للصراع حول السلطة وإصرار قوي معنية علي إيقاف التحول الديمقراطي، وهي لكي تنجح يجب أن تشمل المجتمع كله لأن الديمقراطية بالمفهوم الذي طرحناه هي طريقة في الحياة وأسلوب لتسيير المجتمع يتضمن قيما وآليات ومؤسسات، فلا يمكن الحديث عن الانتقال إلي الديمقراطية بدون تعميق القيم الموجهة لسلوك المواطنين في هذا الاتجاه، أو بدون توافر الآليات التي يتم من خلالها تأكيد القيم الديمقراطية ووظائف الممارسة الديمقراطية، أو بناء المؤسسات التي تمارس من خلالها.
من هنا فإن القوي الاجتماعية والسياسية صاحبة المصلحة في استكمال عملية الانتقال إلي الديمقراطية مطالبة بأن تعطي اهتماما أكبر لبعض المسائل الضرورية التي تكتسب أهمية أكثر من غيرها مثل:
– تبني مفهوم سليم للديمقراطية يتجاوز الديمقراطية البورجوازية دون أن يلغي إنجازاتها.
– تحديد المقومات الأساسية للديمقراطية طبقا للمفهوم الجديد الذي يتجاوز الديمقراطية البورجوازية.
– التنشئة الديمقراطية لإشاعة الثقافة المدنية الديمقراطية في المجتمع.
– دعم استقلالية المبادرة الشعبية بالتوسع في تنظيم الجماهير وإقامة مؤسسات المجتمع المدني.
– السير علي طريق التنمية الوطنية المتمحورة علي الذات للحد من العلاقات الاقتصادية اللامتكافئة مع المراكز الرأسمالية وتحقيق قدر مناسب من العدالة الاجتماعية تمكن القوي الشعبية من ممارسة دورها في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع.
وفيما يلي نعرض بعض الأفكار والتوجهات حول هذه المسائل الخمسة.
أولا: المفهوم السليم للديمقراطية:
ينطلق هذا المفهوم مما أوضحناه من قبل أن الديمقراطية بمعناها الواسع هي مشاركة الشعب في اتخاذ القرار السياسي، ومراقبة تنفيذه، والمحاسبة علي نتائجه. وأنها بالمفهوم الاجرائي “صيغة لإدارة الصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية، من خلال قواعد وأسس متفق عليها سلفا بين جميع الأطراف، تضمن تداول السلطة بين الجميع من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة. وإن الديمقراطية البورجوازية أرست القواعد والأسس التي تكفل ممارسة الديمقراطية في حدها الأولي ولكنها لا تكفي لإتاحة الفرصة أمام كل الطبقات للمساواة السياسية لعدم توافر العدالة الاجتماعية وغياب تكافؤ الفرص للطبقات العاملة والكادحة والجماعات المهمشة والفقيرة المغلوبة علي أمرها، مما لا يوفر قوة سياسية متكافئة لجميع الطبقات. ومن ثم فإن التحدي الحقيقي الآن في الوطن العربي هو بلورة وتطبيق مفهوم سليم للديمقراطية يستفيد مما أنجزته الديمقراطية البورجوازية وتراثها ويضيف إليها ما يمكن من ممارسة الحرية لكافة المواطنين دون تمييز. يمكن وصف هذا المفهوم بديمقراطية المشاركة التي تتيح لأوسع الجماهير مشاركة سياسية حقيقية وهي خطوة علي الطريق نحو بلورة مفهوم جديد للديمقراطية الاشتراكية يواكب قيم العصر ويقدم الاشتراكية للشعوب بشكل مختلف عما كان قائما من قبل في ظل النظم الشمولية أي يقدمها في صورة اشتراكية تقوم علي إرادة الشعوب وتمتعها بحرياتها الأساسية ويتحقق ذلك من خلال التأكيد علي ما يلي:
– لا تتحقق الديمقراطية السياسية ما لم يتوفر للمواطنين حد أدني من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ذلك أن الحقوق السياسية المتساوية لا تكفي وحدها لتمتع الأفراد والطبقات بقوي سياسية متساوية.
– أهمية تجاوز البرلمانية التمثيلية إلي صور من الديمقراطية المباشرة لتوسيع نطاق المشاركة الشعبية لكل فئات الشعب.
– فتح الباب واسعا أمام استقلالية المبادرة الشعبية وبصفة خاصة من خلال المنظمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني.
– لا يمكن السير بنجاح علي طريق التطور الديمقراطي بدون النجاح في تحقيق ثورة ثقافية ترسخ في المجتمع القيم التي تخدم التطور الديمقراطي في وبصفة خاصة قيم التسامح والحوار والتعاون واحترام الآخر والتنافس والصراع السلمي. (8)
– إذا كانت الطبقة الرأسمالية هي الحامل الاجتماعي للديمقراطية في المراكز الرأسمالية المتقدمة نظرا لظروف أوروبا وأمريكا في القرنين التاسع عشر والعشرين، فهناك شكوك كثيرة حول إمكانية واستعداد الرأسماليين العرب ورجال الأعمال للقيام بهذا الدور لأسباب كثيرة. والأرجح أن الحامل الاجتماعي للديمقراطية في الوطن العربي سيكون تحالفا وطنيا شعبيا من العمال والفلاحين والفئات الوسطي يلعب فيه المثقفون التقدميون دورا أساسيا وسيكون هناك مكان في هذا التحالف لقطاع من الرأسمالية المحلية التي ترتبط مصالحها باستقلال الاقتصاد.
ثانيا: المقومات الأساسية لديمقراطية المشاركة:
تأتي أهمية هذه المقومات لما توفره من وضوح فكري وسياسي حول الديمقراطية باعتبارها طريقا طويلا يبدأ بتوافر شروط معنية تتطور وتتسع من خلال الممارسة، وباعتبارها نظاما للحياة يشمل مختلف جوانب المجتمع، وباعتبارها إطار أساسيا لنضال القوي الشعبية له مضمون اقتصادي واجتماعي يوفر لكافة المواطنين القدرة الاقتصادية إلي تكفل لهم قدرا من القوة السياسية في الصراع السياسي، وأن تكون هذه المقومات أساس العمل الفكري والنضال السياسي من أجل الانتقال إلي الديمقراطية مثل:
– احترام التعددية السياسية والنقابية والثقافية، وتوافر الحقوق والحريات المدنية والسياسية الأساسية، وإقرار مبدأ سيادة القانون ودولة المؤسسات وتداول السلطة من خلال انتخابات برلمانية دورية حرة ونزيهة.
– توافر حد أدني من الدخل يضمن المستويات الغذائية والصحية والتعليمية والسكنية اللائقة بحياة كريمة من خلال الالتزام بإشباع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
– حكم محلي ديمقراطي حقيقي يقوم علي انتخاب المجالس المحلية ورؤسائها وإعطاء المحليات علي كافة المستويات (قري- مدن- محافظات) صلاحيات فعلية في اتخاذ القرار والتنفيذ وتدبير موارد مالية محلية.
– مشاركة العمال في إدارة الوحدات الإنتاجية لضمان انتظام العملية الإنتاجية وتعميق التفاهم بين العمال والإدارة حول الشروط الواجب توافرها لاستقرار العمل.
– مشاركة المستفيدين في إدارة وحدات الخدمات بحيث ينتخب المنتفعون من خدمات الوحدة الصحية أو المستشفي أو المدرسة.. الخ. مجلسا يشارك في تطوير وتحسين الخدمة. وكذلك في المرافق العامة.
– إطلاق الحرية كاملة للقطاع الأهلي وسائر مؤسسات المجتمع المدني طبقا لما أقرته الدساتير من مبادئ عامة وإنهاء الوصاية الحكومية عليها.
– حرية وتعدد وسائل الإعلام فمن حق المواطن أن يعرف حقائق الأمور وأن يتابع اختلاف الآراء باعتبار حرية تدفق المعلومات من مصادر مختلفة شرط أساسي لكي يشارك المواطنون فعلا في صنع القرارات والاختيار بين البدائل المطروحة عليهم.
– ثقافة ديمقراطية تقوم علي قيم الحوار واحترام الرأي والرأي الأخر والتسامح… الخ.
– تبني مفهوم جديد للتنمية يقوم علي التنمية للشعب بالشعب وتوفير ضرورات الحياة للمواطنين والتوزيع العادل لعائد التنمية وبذلك تجمع التنمية بين الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية.
ثالثا: التنشئة الديمقراطية وإشاعة الثقافة الديمقراطية في المجتمع:
تقوم الديمقراطية كأسلوب حياة في المجتمع وتنظيم العلاقات فيه بما يضمن حل صراعاته سلميا علي مجموعة من المعايير تترجم إلي قيم ومعتقدات وسلوك تشكل ثقافة الإنسان ونظرته إلي هذه القضية ومواقفه العملية فيها. وهذا يعني أن الفرد الذي يتمسك بقيم الديمقراطية سيدفعه ذلك إلي أن يلتزم في سلوكه بالخصائص التالية:
– المشاركة الاجتماعية والمساواة في هذه المشاركة.
– الاجتهاد في فهم مشاعر الآخرين واهتماماتهم.
– أن يتقبل الآخرين علي أنهم متساوون معه.
– تجنب العنف في الصراع وحله بوسائل سلمية في إطار الحوار، وتقبل الصراع الذي قد يكون محتوما في بعض الأحيان.
تلعب التنشئة الاجتماعية دورا هاما في اكتساب الفرد (وخاصة الطفل) الحساسية للمثيرات الاجتماعية مثل ضغوط والتزامات حياة الجماعة ويتعلم كيف يتعامل معها، وكيف يتصرف مثل الآخرين الذين هم في جماعته الثقافية، وفي إطار هذه التنشئة الاجتماعية تتم التنشئة الديمقراطية التي يتم بمقتضاها تلقين الفرد مجموعة القيم والمعايير المستقرة في ضمير المجتمع بما يضمن بقاءها واستمرارها، وهكذا سيكون السلوك السياسي امتداداً للسلوك الاجتماعي” (9)
وفي هذا الإطار فإن التنشئة الديمقراطية تشمل كل قطاعات المجتمع ابتداء من الأسرة إلي المدرسة إلي النادي إلي جماعة العمل في المصنع والمزرعة ووحدة الخدمات، فهي تبدأ منذ الصغر وتستمر مع الإنسان في كل مراحل حياته، حيث يتعين أن نغرس في وجدان الأطفال والشباب مجموعة القيم والسلوكيات الديمقراطية لتكون أساس تصرفاتهم مع الأهل والأصدقاء والزملاء، فما لم تكن هذه القيم والسلوكيات أساس التعامل وأساس العلاقات في المجتمع فإنه من المشكوك فيه أن يشهد هذا المجتمع ديمقراطية سياسية، بل يصبح العمل السياسي والنشاط الحزبي والانتخابات العامة ظواهر معزولة عن السياق العام لحركة المجتمع، ومقطوعة من جذورها وبيئتها، وبالتالي فإنها تصبح مجرد شكليات أو طقوس تمارس دون جدوي. أن التنشئة الديمقراطية مطالبة باعطاء اهتمام خاص لقيم الحوار والنقد الذاتي والعمل الجماعي بروح الفريق والأمانة والصدق، والتسامح المتبادل والشفافية، والمثابرة وهذه مسئولية المجتمع كله، الآباء والأمهات داخل الأسرة، المعلمون في المدرسة والجامعة، قيادات العمل في مؤسسات الإنتاج والخدمات، وهي أيضا مسئولية الاحزاب السياسية والمنظمات الجماهيرية في حياتها الداخلية وفي علاقتها بجماهيرها. وهي أيضا مسئولية الحكم الذي يتحمل مسئولية توفير المناخ وتهيئة الشروط لتحقيق ذلك في مختلف المجالات والمؤسسات. وسنعود إلي هذا الموضوع عند معالجتنا لدور المجتمع المدني في بناء الديمقراطية في الفصل الثالث من هذه الدراسة.
رابعا: دعم استقلالية المبادرة الشعبية بالتوسع في تنظيم الجماهير وإقامة مؤسسات المجتمع المدني:
تؤكد التجربة في كثير من الأقطار أن تنظيم الجماهير هو الحلقة الرئيسية في النضال الديمقراطي، فالجماهير المنظمة هي القوة الأساسية التي تستطيع أن توفر الشروط الضرورية في المجتمع لاقرار الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين وتضمن حماية هذه الحقوق من أي عدوان عليها أو محاولة الانتكاس بها، وبقدر النجاح في تعبئة الجماهير في هذا القطر أو ذاك بقدر النجاح في انتزاع المزيد من المكاسب الديمقراطية. من هنا فاننا لا نبتعد عن الحقيقة كثيرا إذا ذكرنا أن بناء حركة جماهيرية منظمة ومستقلة للطبقات والقوي الاجتماعية الكادحة والمنتجة هو الحلقة الرئيسية والواجب الملح في الفترة الحالية من تطور المجتمعات العربية، أننا في حاجة ماسة إلي بناء شبكة واسعة من المنظمات الجماهيرية والجمعيات الاجتماعية والثقافية في مختلف قطاعات المجتمع بحيث تتكامل جهودها من أجل دعم نفوذ الجماهير ومشاركتها السياسية، والقضية الأساسية في تنظيم الجماهير هي جذبها إلي مجال العمل العام انطلاقا من وعيها الملموس بمدي الارتباط بين مشاكلها المعيشية والأوضاع العامة للمجتمع وإداراكها لمسئوليتها في المساهمة في نشاط جماعي لحل هذه المشاكل. وهنا تبرز أهمية المجتمع المدني باعتباره مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها ملتزمة في ذلك يقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف. وسوف نعالج هذا الموضوع بقدر أكبر من التفصيل في الفصل الثالث من هذه الدراسة.
خامسا: تحقيق نتائج فعلية في عملية التنمية الوطنية المتمحورة علي الذات:
هناك علاقة قوية بين الديمقراطية والتنمية. ويري الدكتور سمير أمين أن غياب الديمقراطية في أطراف النظام الرأسمالي العالمي ومن ضمنها الوطن العربي أو هشاشة هذه الديمقراطية ليست من آثار الفترات التاريخية السابقة، بل هي نتيجة للاستقطاب الناتج عن التوسع الاقتصادي الرأسمالي العالمي الذي يؤدي بدوره إلي استقطاب اجتماعي له تجليات متعددة علي رأسها التفاوت الكبير في نمو المداخيل وسوء التوزيع، والبطالة الكثيفة، وظاهرة تهميش فئات واسعة من المجتمع، وهذه التجليات تلعب دورا كبيرا في أضعاف التطور الديمقراطي في هذه المجتمعات، وأن خضوع نظم الحكم في هذه الأقطار لمتطلبات التوسع الرأسمالي والأخذ بسياسات التكيف الهيكلي هو الذي يشكل الخلفية العامة التي ترسم عليها من حين لآخر الانفجارات الاجتماعية التي تطرح مسألة الديمقراطية علي بساط البحث، بمعني آخر فإن التنمية الاقتصادية الاجتماعية تحدد بدرجة كبيرة مدي إمكانية النجاح في تحقيق الديمقراطية أو أعاقتها، وأنه ما لم تعتمد سياسة تنموية وطنية متمحورة علي الذات أي تتحدد أولوياتها وتتخذ قراراتها انطلاقا من المصلحة الوطنية والأوضاع الداخلية وليس تنفيذا لسياسات تحددها المؤسسات الرأسمالية العالمية فإن السير بنجاح علي طريق الديمقراطية أمر مشكوك فيه. ويري سمير أمين أنه عندما تنشأ نظم تعترف بمبدأ الانتخابات والتعددية الحزبية وبدرجة معينة من حرية التعبير ولكنها تمتنع عن مواجهة المشاكل الاجتماعية ولا تواجه علاقات التبعية بجدية فإنها لن تكون سوي تعبير عن أزمة النظام الاستبدادي في أطراف النظام الرأسمالي العالمي. وأن هذه النظم أمام أحد خيارين، فإما أن يقبل النظام بالخضوع لمتطلبات التكيف العالمي، وعندها عليه التخلي عن أي محاولة لإصلاح اجتماعي عام وبالتالي فإن الديمقراطية ستدخل في أزمة ولو بعد حين، وإما أن تسيطر القوي الشعبية علي الديمقراطية وتفرض بواسطتها هذه الإصلاحات. عندها سيدخل النظام في صراع مع الرأسمالية العالمية السائدة، وعليه بالتالي الانتقال من المشروع الوطني البورجوازي إلي المشروع الوطني الشعبي (10)
وبعد.. كانت هذه أفكارا وتوجهات حول مفهوم الديمقراطية ومقوماتها الأساسية وطبيعة عملية الانتقال إلي الديمقراطية في الوطن العربي التي لا يمكن إنجازها بدون دور للحركة الجماهيرية المنظمة، خاصة بعد أن تبين بوضوح استحاله بناء الديمقراطية من أعلي بإرادة الفئات الحاكمة، وأنه لا مفر من بناء الديمقراطية من أسفل بإرادة الحركة الجماهيرية المنظمة ولا يمكن اتمام هذه العملية بدون استقرار قيم الديمقراطية في وجدان المواطنين وإشاعة ثقافة مدنية ديمقراطية في المجتمع، ويطرح هذا كله قضية المجتمع المدني ودوره في بناء الديمقراطية. فماذا نقصد بالمجتمع المدني؟ وما هي مؤسساته؟ وما هي القيم التي ينبني عليها وما علاقته بالديمقراطية؟ هذا ما نعالجه في الفصل التالي.

هوامش الفصل الأول

(1) عبد الغفار شكر، الجمعيات الأهلية الإسلامية وعلاقتها بالديمقراطية، ورقة غير منشورة مقدمة إلى ندوة المنظمات غير الحكومية والحكم الجيد في الوطن العربي، معهد دراسات التنمية ومركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام. مركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والتوثيق (سيداج) القاهرة 1999.
(2) أيمان محمد حسن، وظائف الأحزاب السياسية في نظم التعددية المقيدة، كتاب الأهالي رقم ،54 القاهرة، أكتوبر 1995 ص82.
(3) المرجع السابق، ص 45 -50.
(4) على خليفة الكواوي، مفهوم الديمقراطية المعاصرة، مجلة المستقبل العربي، بيروت، العدد ،168 فبراير 1993. ص 25.
(5) محمد عابد الجابري، إشكالية الديمقراطية والمجتمع المدني في الوطن العربي، مجلة المستقبل، العدد ،167 يناير ،1993 بيروت ص 14.
(6) إيمان محمد حسن، مرجع سابق، ص ،38 39.
(7) صلاح العمروسى، حدود البرلمانية في ظل نظام استبدادي، كتاب اليسار العربي وقضايا المستقبل إصدار مركز البحوث العربية بالقاهرة، مكتبة مدبولى القاهرة، 1998. ص229.
(8) عبد الغفار شكر، الديمقراطية والطريق العربي إلى الاشتراكية كتاب اليسار العربي وقضايا المستقبل، المرجع السابق ص 197- 198.
(9) د. مصطفى تركي، السلوك الديمقراطي، مجلة عالم الفكر، المجلد الثاني والعشرون، أكتوبر. نوفمبر ديسمبر، وزارة الإعلام، دولة الكويت. ص 118- 119.
(10) د. سمير أمين، البديل الوطني الشعبي الديمقراطي، مجلة المستقبل العربي، العدد يونيو ،1993 بيروت ص 106-107.
* يتضمن هذا الفصل اقتباسات مطولة من مقال للمؤلف نشرته مجلة النهج بعنوان “من الاستبداد إلي الديمقراطية في الوطن العربي” العدد 44 السنة 11 صيف/ خريف 1996.

دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية – الجزء الثانى
الفصل الثاني
المجتمع المدني والقيم الديمقراطية

أخطأ البعض في الوطن العربي عندما اتخذوا موقفا سلبيا من الدعوة إلى تقوية المجتمع المدني لأنهم تصوروا أنه يقتصر فقط على تلك المنظمات غير الحكومية التي تأسست حديثا في سياق العولمة، ونشطت في بداية تأسيسها وفق أجندة خارجية حددت موضوعاتها مؤسسات التمويل الدولية الرأسمالية ومنظمات غير حكومية في البلدان الرأسمالية المتقدمة، وغاب عن هؤلاء أن المجتمع المدني يضم العديد من المنظمات الشعبية والجماهيرية، وأنه قائم في المجتمعات العربية منذ أكثر من مائة سنة مع تأسيس الجمعيات الأهلية في القرن التاسع عشر والنقابات العمالية والمهنية في بداية القرن العشرين وكذلك الجمعيات التعاونية إلى آخر هذه المنظمات التي تدخل في إطار تعريف المجتمع المدني.
والمجتمع المدني هو من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده من جهة، وبينهم وبين الدولة من جهة أخرى. وهى علاقات تقوم على تبادل المصالح والمنافع، والتعاقد والتراضى والتفاهم والاختلاف والحقوق والواجبات والمسئوليات، ومحاسبة الدولة في كافة الأوقات التي يستدعى فيها الأمر محاسبتها، ومن جهة إجرائية، فإن هذا النسيج من العلاقات يستدعي، لكي يكون ذا جدوي، أن يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة تشكل في مجموعها القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها مشروعية الدولة من جهة، ووسيلة محاسبتها إذا استدعى الأمر ذلك من جهة أخرى(1)
والمجتمع المدني هو مجتمع مستقل إلى حد كبير عن إشراف الدولة المباشر، فهو يتميز بالاستقلالية والتنظيم التلقائي وروح المبادرة الفردية والجماعية، والعمل التطوعي، والحماسة من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات الضعيفة، ورغم أنه يعلى من شأن الفرد إلا أنه ليس مجتمع الفردية بل على العكس مجتمع التضامن عبر شبكة واسعة من المؤسسات (2)
تزداد أهمية المجتمع المدني ونضج مؤسساته لما يقوم به من دور في تنظيم وتفعيل مشاركة الناس في تقرير مصائرهم ومواجهة السياسات التي تؤثر في معيشتهم وتزيد من إفقارهم، وما يقوم به من دور في نشر ثقافة خلق المبادرة الذاتية، ثقافة بناء المؤسسات، ثقافة الإعلاء من شأن المواطن، والتأكيد على إرادة المواطنين في الفعل التاريخي وجذبهم إلى ساحة الفعل التاريخي والمساهمة بفعالية في تحقيق التحولات الكبرى للمجتمعات حتى لا تترك حكرا على النخب الحاكمة.(3). وفى هذا الإطار يرى المفكر والمناضل الإيطالي انطونيو جرامشى أن المجتمع المدني ساحة للصراع داخل المؤسسات السياسية والنقابية والفكرية للمجتمع الرأسمالي، تمارس من خلاله الطبقة البورجوازية هيمنتها الثقافية أو تصعد من خلاله بشائر الهيمنة المضادة للطبقة العاملة(4). أي أن المجتمع المدني عند جرامشى هو مفهوم صراعي وليس شأنا رأسماليا بحتا حيث يتعين على الطبقة العاملة والطبقات الكادحة أن تواجه الأيديولوجية الرأسمالية والثقافية السائدة بثقافة مضادة، مما يعزز استقلالية مؤسسات المجتمع المدني ودورها في حماية الإنسان العادي من سطوة الدولة، وقدرته على ممارسة التضامن الجماعي في مواجهتها ، مما يمكنه من الضغط عليها والتأثير علي السياسيات العامة للدولة. والمجتمع المدني بهذا المفهوم هو أحد أركان الديمقراطية ويلعب دورا هاما في بنائها ودعم تطورها، ويمكن أن نتعرف مبدئيا على العلاقة بين المجتمع المدني والديمقراطية من خلاتل متابعتنا لكافة الجوانب المتعلقة به من حيث تعريف المجتمع المدني ومكوناته ووظائفه ، كما يمكن أن نتعرف عليه تفصيليا من خلال دراستنا للجوانب المشتركة بينهما.
تعريف المجتمع المدني :
استقر الرأي من خلال الدراسات الأكاديمية والميدانية والمتابعة التاريخية لنشأته وتطوره أن المجتمع المدني هو “مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، أي بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختيار في عضويتها” هذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح أفرادها أو لتقديم خدمات للمواطنين أو لممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضى والتسامح والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف.
وللمجتمع المدني بهذا المفهوم أربعة مقومات أساسية هي :
– الفعل الإرادي الحر أو التطوعي
– التواجد في شكل منظمات.
– قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين
– عدم السعي للوصول إلى السلطة.
مكونات المجتمع المدني :
يدخل في دائرة مؤسسات المجتمع المدني طبقا لهذا التعريف أي كيان مجتمعي منظم يقوم على العضوية المنتظمة تبعا للغرض العام أو المهنة أو العمل التطوعي، ولا تستند فيه العضوية غلى عوامل الوراثة وروابط الدم والولاءات الأولية مثل الأسرة والعشيرة والطائفة والقبيلة، وبالتالي فإن أهم مكونات المجتمع المدني هي :
– النقابات المهنية
– النقابات العمالية
– الحركات الاجتماعية .
– الجمعيات التعاونية
– الجمعيات الأهلية
– نوادي هيئات التدريس بالجامعات
– النوادي الرياضية والاجتماعية
– مراكز الشباب والاتحادات الطلابية
– الغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال
– المنظمات غير الحكومية الدفاعية والتنموية كمراكز حقوق الإنسان والمرأة والتنمية والبيئة.
– الصحافة الحرة وأجهزة الإعلام والنشر
– مراكز البحوث والدراسات والجمعيات الثقافية.
وهناك من يضيف إلى هذه المنظمات هيئات تقليدية كالطرق الصوفية والأوقاف التي كانت بمثابة أساس المجتمع المدني في المجتمعات العربية منذ مئات السنين قبل ظهور المنظمات الحديث.
الاختراق الخارجي للمجتمع المدني :
لاشك في أن العولمة الرأسمالية هي أهم الظواهر العالمية المعاصرة وأهمها تأثيراً في حياة الشعوب ومستقبلها .ومن أبرز مظاهر العولمة إعادة هيكلة الرأسمالية المعاصرة بإدماج اقتصاديات مختلف بلدان العالم في الاقتصاد الرأسمالي بالشروط التي وضعتها رأسمالية المراكز المتقدمة على أساس إعلاء شأن السوق وآلياته وفرض حرية انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات والسلع والخدمات دون قيود أو عقبات تطبيقا لأفكار الليبرالية الجديدة التي تشكل العنصر الأيديولوجي المسيطر والمركزي في عملية إعادة الهيكلة هذه التي تجرى على امتداد العالم، وقد عانت دول الجنوب ومن ضمنها الأقطار العربية من مشاكل اقتصادية واجتماعية حادة نتيجة تطبيق السياسات التي أو أوصت بها المؤسسات الرأسمالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وهى السياسات المعروفة بالتكيف الهيكلي.
ولتخفيف حدة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي حرصت قوى العولمة على توظيف المجتمع المدني ليكون بديلا للدولة الوطنية التي تنسحب من أدوارها التقليدية ومسئولياتها في دعم الفئات الفقيرة وتوزيع الدخل لصالح الطبقات العاملة والكادحة والفئات الضعيفة، وتهدف قوى العولمة من دعمها للمجتمع المدني أن يقوم بدور البديل للدولة في مجال دعم الفئات الفقيرة وتستخدم كملطف لحدة المشاكل الناجمة عن تطبيق سياسات التكيف الهيكلي مثل الفقر والبطالة والتهميش فيكون إطاراً يعبئ شرائح وقوى اجتماعية تتحمل عبء مواجهة هذه المشاكل وسيكون ذلك بالقطع على حساب دوره في دعم التطور الديمقراطي للبلاد.
تؤكد التقارير السنوية للبنك الدولي هذه النظرة حيث يشير في تقرير 1995 إلى المجتمع المدني كظاهرة اقتصادية باعتباره القوة المحركة بالنسبة لنشاطات ونمو القطاع الخاص، من هنا تأتى أهميته لأهداف التكيف الهيكلي فيما يتعلق بتقلص دور الدولة، وخصخصة الخيرات العامة والسلع الاجتماعية، ونمو القطاع الخاص الذي تعرض للتقهقر في مراحل سابقة، ويؤكد البنك الدولي أنه من المأمول مع الانفتاح السياسي أن تحدث نقله من مرحلة التسامح مع القطاع الخاص إلى مرحلة التحمس له، بوصفه محرك النمو والمحدد الرئيسي لمستقبل البلاد، ويشير البنك في تقرير 1998 أن القطاع المستقل عن الدولة أو غير الحكومي والذي يضم أنواعا مختلفة من المنظمات غير الحكومية عليه دور حاسم في التصدي للمظاهر التي تحول دون تطور القطاع الخاص. وينظر البنك؛ الدولي إلى المجتمع المدني لما يستطيع أن يقوم به من مساعدة في تعبئة الموارد بالطرق التي تعجز الدولة عن القيام بها وباعتباره “دولة الظل” التي تقوم بوظائف تقليدية للدولة مثل إنشاء وإدارة المدارس ومراكز الرعاية الصحية ومشروعات الأشغال العامة كشق الطرق والترع(5)، بل إن تعريف البنك للمنظمات الأهلية يؤكد إصراره على دورها كملطف لحدة المشاكل وليس باعتبارها الوسيط بين المجتمع والدولة أو باعتبارها إطارا مناسباً للمساهمة في التحول الديمقراطي للمجتمع أو لإمكانية قيامها بدور تغييري تنموي شامل، يتضح ذلك من تعريف البنك الدولي لها بأنها مؤسسات وجماعات متنوعة الاهتمامات مستقلة كليا أو جزئيًا عن الحكومات، وتتسم بالعمل الإنساني والتعاون وليس لديها أهداف تجارية ويساعد على تحقيق أهداف المؤسسات الرأسمالية الدولية في توظيف مؤسسات المجتمع المدني لخدمة سياساتها بناء منظمات غير حكومية عابرة للقوميات ترتبط بشبكات عالمية تساهم في تمويل أنشطة المنظمات الأهلية وغير الحكومية الوطنية وفق اجندة الرأسمالية العالمية بدلا من أن تكون أولوياتها طبقا لاحتياجات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد أدى الاختراق الأجنبي إلي إدخال تغييرات على خريطة المجتمع المدني بالعديد من الأقطار العربية، حيث نلاحظ أن أساس هذه الخريطة في المجتمعات العربية حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين كان منظمات شعبية تعبر عن مصالح فئات اجتماعية معينة كالنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية والمنظمات النسائية والشبابية، أو منظمات غير حكومية دفاعية، أو جمعيات أهلية خيرية وثقافية واجتماعية تقدم لأعضائها خدمات متنوعة كما تقدم خدماتها للفئات الضعيفة في المجتمع، أو أندية رياضية وثقافية واجتماعية تشبع احتياجات أعضائها لأنشطة متطورة في هذه المجالات، وكذلك الجمعيات التعاونية. لكن العولمة جاءت معها بقضايا جديدة ومشاكل جديدة مثل حماية البيئة من التلوث، والفقر، والهجرة واللاجئين وضحايا العنف والسكان الأصليين والمخدرات والإرهاب وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفولة وحقوق الأقليات الدينية والعرقية، ولأن منطق العولمة يستبعد قيام الدولة بدور أساسي في مواجهة هذه المشكلات فإنها شجعت على قيام منظمات غير حكومية للتعامل معها، كما أن نشطاء المجتمع المدني سارعوا في كثير من الأقطار لتكوين منظمات غير حكومية لمواجهة هذه المشكلات والتخفيف من حدتها. وسواء كان المشجع على قيام هذه المنظمات الجديدة هو العامل الخارجي أو الأوضاع الداخلية إلا أن النتيجة واحدة هي قيام مئات الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الجديدة التي تنشط حول أهداف مفتتة وقضايا جزئية دون ارتباط بالأسباب المشتركة لهذه المشاكل الجزئية، ودون وضوح حول إمكانية التنسيق والتعاون بينها لمواجهة هذه الأسباب التي تعود بالأساس إلى العولمة الرأسمالية وسياساتها. وهذا التغيير في خريطة المجتمع المدني يهدد مؤسسات المجتمع المدني بالتحول عن دورها الأساسي كجزء من المجتمع الديمقراطي إلى ملطف ومخفف لحدة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الناجمة عن سياسات العولمة وتأثيراتها على مجتمعاتنا وهى تكرس في نفس الوقت الحكم الاستبدادي.
يطرح هذا التطور في بنية المجتمع المدني في دول الجنوب والأقطار العربية قضية الحركات الاجتماعية كمكون أساسي من مكونات المجتمع المدني، وكعنصر هام من عناصر التطور الديمقراطي وتحولات المستقبل الاجتماعية. ووجه الأهمية هنا في طرح قضية الحركات الاجتماعية أننا مع هذا التغيير في بنية المجتمع المدني أمام حركات اجتماعية جديدة تختلف عن الحركات الاجتماعية التقليدية سواء من حيث الأهداف أو الأدوار، فالحركات التقليدية كالحركة العمالية والحركة الفلاحية والحركة الطلابية والحركة النسائية كانت جزءًا من الصراع الطبقي في المجتمع هدفها حماية مصالح فئات اجتماعية واسعة أو طبقات اجتماعية في مواجهة الاستغلال والقهر الذي تمارسه فئات أخرى، ورغم أنها لم تكن تمارس نشاطا حزبيا مباشرا، إلا أنها أدت في بعض الأحيان إلى تأسيس أحزاب سياسية لهذه الفئات الاجتماعية، وقد نجحت هذه الحركات الاجتماعية القديمة أن توحد نضالها حول أهداف عامة تجمع كل المنتمين إلى تلك الفئة الاجتماعية كالمرأة مثلا أو العمال، وقد لعبت دورًا هاما في تعديل موازين القوى الطبقية في المجتمع في كثير من الأقطار في فترات مختلفة، ولكننا نلاحظ أن نفوذ هذه الحركات وتأثيرها يضعف باستمرار نتيجة لنجاح السلطة في استعابها واحتواء حركتها، أو لتغير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغياب طرح فكرى مناسب لهذه التطورات ، أو لانصراف أعضائها عن نشاطها، وفى نفس الوقت تنشأ حركات اجتماعية جديدة حول قضايا وأهداف جزئية في مجالات حقوق الإنسان والبيئة والعاطلين والأمومة والطفولة والأقليات .. الخ. حيث نلاحظ قيام تنظيمات متعددة لا صلة بينها داخل المجال الواحد للتعامل مع جانب واحد فقط من القضية، كما هو الحال مثلا في مجال حقوق الإنسان حيث توجد تنظيمات منفصلة للمساعدة القانونية وتنظيمات أخرى لنشر ثقافة حقوق الإنسان، وتنظيمات ثالثة لرصد الانتهاكات .. الخ،
وهكذا فإننا نجد أنفسنا أمام انفجار في الحركات الاجتماعية والتنظيمات الجديدة التي تنشأ حول أهداف محدودة للغاية دون أن يربط بينها رابط مشترك لتنسيق الجهود، أو إدراك واضح للارتباط الضروري بينها مما يهدد المجتمع المدني بالانحراف عن دوره الحقيقي في دعم التطور الديمقراطي نتيجة لغياب الرؤية المشتركة والتنسيق المشترك بين هذه المنظمات والحركات الاجتماعية واكتفائها بالنشاط حول الهدف الخاص بكل منها.
ونحن لا نستطيع أن نتجاهل هنا أن أحد أسباب التسارع في تأسيس هذه الحركات هو تزايد وعى الناس بأن الدولة ومؤسساتها وكذلك الأحزاب السياسية عاجزة عن مواجهة الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن ظاهرة العولمة وما ترتب عليها من مشاكل اجتماعية، وتترك الناس تحت رحمة هذه الأوضاع. واستجابة من الناس لهذه الأوضاع فإنهم ينشئون حركاتهم الاجتماعية الخاصة، أو ينضمون إلى حركات اجتماعية قائمة، أو منظمات دفاعية تقوم على أسس دينية أو عرقية أو قومية أو جنسية أو بيئية أو سلامية أو محلية أو على أساس أي قضية منفردة، وتقوم معظم هذه الحركات بالتعبئة والتنظيم باستقلال عن الدولة ومؤسساتها والأحزاب السياسية لأنها لا تراها قادرة على مواجهة هذه القضايا أو المشاكل بفاعلية.
من هذا العرض للمجتمع المدني ومقوماته الأساسية ومكوناته ومالحق به من تطورات نتيجة للأوضاع العالمية المستجدة والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية يمكن القول أننا أمام نوعين من المجتمع المدنى إن صح التعبير في الأقطار العربية :
– مجتمع مدني شعبي
– مجتمع مدني نخبوى
تكتفي القوى الرأسمالية والفئات الحاكمة بوجود مؤسسات للمجتمع المدني في إطار نخبوى تقوم بدورها في تلطيف حدة المشاكل الناجمة عن سياسات التكيف الهيكلي والتحول إلى اقتصاد السوق والاندماج في الاقتصاد الرأسمالي العالمي وفق الشروط التي تضعها المراكز الرأسمالية المتقدمة، وينحصر دور هذه المنظمات من وجهة نظر الفئات الحاكمة والقوى الرأسمالية في تقديم الرعاية للفقراء والمحتاجين، وإشباع حاجات خدمية لفئات اجتماعية معينة، بما لا يؤدى إلى تغيير الأوضاع بل يعيد إنتاج الأوضاع القائمة بما فيها من فقر وبطالة وتهميش وافتقاد العدالة وفى هذه الحالة فإن مؤسسات المجتمع المدني النخبوية لن تزعج الفئات الحاكمة ولن تلعب دوراً في تغيير الأوضاع القائمة من خلال المساهمة الفعالة بدور ديمقراطي في المجتمع. وعلى العكس، من هذا فإن القوى الديمقراطية والتقدمية يجب أن تدفع في اتجاه اكتساب مؤسسات المجتمع المدني طابعا شعبيًا يساعدها على القيام بدور تعبوي تغييري تحتاجه مجتمعاتنا تتمكن مؤسسات المجتمع المدني من خلاله من المساهمة في عملية التحول الاجتماعي والسياسي للمجتمع. والمشاركة بشكل جماعي (كمؤسسات) في صياغة السياسات العامة والضغط من أجل تعديلها بما يحقق مصالح الأغلبية ويكفل مشاركتها السياسية تدعيما للديمقراطية (6) .
يتطلب دعم الطابع الشعبي للمجتمع المدني الاهتمام أكثر بالمنظمات الشعبية ذات الجذور العميقة فى المجتمع التي تهملها حاليًا المنظمات غير الحكومية المنشأة حديثًا وتشمل المنظمات الشعبية تحديدا النقابات المهنية والعمالية ، والمنظمات الفلاحية، والتعاونيات، واتحادات الطلاب، ومنظمات الحرفيين والمنظمات المهنية وتنظيمات الخدمة الاجتماعية، ويوفر هذا التنسيق استفادة المنظمات غير الحكومية وسائر مكونات المجتمع المدني من التراث الطويل والخبرات الواسعة للحركة النقابية في مجالات التعبئة وحشد القوى، ولديها الوسائل والكوادر المدربة على ذلك، ولها خبرات هامة في المجال المطلبى، وتتوفر لدى المنظمات الأخرى التعاونية والاجتماعية والطلابية والفلاحية خبرات متنوعة وإمكانيات بشرية تطوعية يمكن أن تستفيد منها المنظمات الأخرى حديثة النشأة لاكتساب القدرة على التأثير والاستناد إلى قاعدة اجتماعية واسعة وامتلاك خبرات جديدة في مختلف المجالات ، وسوف يساعدها ذلك على تجاوز وضعها الحالي كمنظمات منعزلة عن بعضها تعمل في إطار أهداف جزئية بحيث تتجه إلى إقامة تحالفات مع المنظمات الأخرى العاملة في نفس المجال مثل حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والتنمية .. الخ، وتجاوز وضعها النخبوى إلى آفاق جماهيرية وشعبية أوسع تساعدها على تفعيل نشاطها واكتساب المقومات الضرورية لتحولها إلى حركات اجتماعية لها عمق شعبي كاف.
بهذا التوجه يمكن أن يقوم المجتمع المدني بدوره المأمول في بناء الديمقراطية. التي يلتقي معها في إطار نسق مشترك من القيم.

القيم المشتركة للديمقراطية والمجتمع المدني :
يلتزم المجتمع المدني في وجوده ونشاطه بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السلمنية للتنوع والاختلاف، وما يتطلبه ذلك من قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين وهى نفس القيم والمعايير التي تقوم عليها الديمقراطية كصيغة لادارة الصراع في المجتمع الطبقي بوسائل سلمية وباعتبارها أيضًا أسلوب حياة يشمل كافة مجالات المجتمع. في هذا الإطار تبرز »قيم التسامح، والروح الجمعية، والتقدير المرتفع للذات من منظور الأهلية للفعل الاجتماعي والسياسي، الإيمان بكرامة الإنسان، الوفاء بالوعود، الشفافية والمثابرة، ولتأسيس الديمقراطية كنظام حكم وطريقة حياة لا يكفى أن تكون هذه القيم أساس تحرك الإنسان في المجتمع وموقفه من الذات ومن الآخر بل ينبغي أيضًا تنمية المهارات الذهنية ومهارات المشاركة التي تمكنه من التفكير والتعرف على نحو يوازن بين حقوقه الفردية وبين الصالح العام، هذه المهارات تمكن المواطن من تحديد ووصف وشرح المعلومات والأفكار ذات العلاقة بالقضايا العامة. فضلاً عن إبداع بدائل حل المشكلات الناجمة عنها، والمفاضلة بينها، أما مهارات المشاركة فتمكن المواطن من التأثير في قرارات السياسة العامة ومساءلة ممثليه في المجالس والهيئات المنتخبة.(18)
وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني الإطار الأمثل والمدرسة الأولية للتمكين لهذه القيم والمهارات عند المواطنين الذين ينضمون إلى عضويتها وينشطون في إطارها ولما كانت هذه القيم هي جوهر الثقافة الديمقراطية، والمهارات هي أساس الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية في المجتمع فإن إسهام مؤسسات المجتمع المدني في ترسيخها لدى المواطن ولدي المجتمع يمثل جانبا هاما من دوره في بناء الديمقراطية على النحو الذي سنوضحه تفصيلا في الفصل التالي.

هوامش الفصل الثاني

(1) د. حامد خليل ، الوطن العربي والمجتمع المدني، كراسات استراتيجية ، مجلة فصلية تصدر عن مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية بجامعة دمشق.
العدد الأول – السنة الأولى – خريف 2000. ص 12.
(2) د. الحبيب الجنحانى، المجتمع المدني بين النظرية والممارسة، مجلة عالم الفكر، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، دولة الكويت، العدد الثالث، المجلد السابع والعشرون، يناير / مارس ،1999 ص 36.
(3) د. أحمد ثابت، الديمقراطية المصرية على مشارف القرن القادم، كتاب المحروسة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر القاهرة، الطبعة الأولى، يناير 1999- ص 20.
(4) د. مصطفى كامل السيد، مفهوم المجتمع المدني ومصر، ورقة مقدمة إلى مؤتمر مستقبل التطور الديمقراطي في مصر، جماعة تنمية الديمقراطية 2-3 نوفمبر ،1997 القاهرة. ص 3.
(5) أجوسا واى أوساجاى ، التكيف الهيكلي والمجتمع المدني والتماسك الوطني في أفريقيا، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة المجلد الثالث . ص 19-52.
(6) شهيدة الباز، دور المنظمات الأهلية العربية في تنمية المجتمعات المحلية، مجلة أفريقية عربية، مركز البحوث العربية بالقاهرة، المجلد الثالث أكتوبر ،2000 ص 19.
(7) إبراهيم السوري، ورقة مقدمة إلى حلقة الحوار حول قضايا بناء القدرات للمنظمات غير الحكومية، اللجنة الاقتصادية الاجتماعية للأمم المتحدة غرب آسيا، القاهرة 19/ 21 سبتمبر 2000.
(8) د. كمال المنوفي، التعليم كيف يكون رافدا لتعزيز التطور الديمقراطي، الأهرام 7 أكتوبر 2001.

دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية- الجزء الثالث
هناك صلة قوية بين المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى، فالديمقراطية كما أوضحنا من قبل هى مجموعة من قواعد الحكم ومؤسساته التى تنظم من خلالها الإدارة السلمية للصراع فى المجتمع بين الجماعات المتنافسة أو المصالح المتضاربة، وهذا هو نفس الأساس المعيارى للمجتمع المدنى حيث نلاحظ أن مؤسسات المجتمع المدنى من أهم قنوات المشاركة الشعبية، ورغم أنها لا تمارس نشاطا سياسيا مباشرًا وأنها لا تسعى للوصول إلى السلطة السياسية إلا أن أعضاءها أكثر قطاعات المجتمع استعدادا للانخراط فى الأنشطة الديمقراطية السياسية، وبالإضافة لهذا فإن الادارة السلمية للصراع والمنافسة هى جوهر مفهوم المجتمع المدنى كما استخدمه منظور العقد الاجتماعى وهيجل وماركس ودى توكفيل وجرامشى. وكل ما فعله مستخدمو المفهوم من المحدثين هو تنقيته أو توسيع نطاق مظاهره فى المجتمعات المعاصرة المعقدة. ويلاحظ الدارسون والمراقبون أن تعثر التحول الديمقراطى فى الوطن العربى يرجع إلى غياب أو توقف نمو المجتمع المدنى. وما يستتبعه من تعزيز القيم الديمقراطية وازدهار ثقافة مدنية ديمقراطية توجه سلوك المواطنين فى المجتمع وتهيئتهم للمشاركة فى الصراع السياسى وفق هذه القيم ويمر الوطن العربى حاليًا بعمليتى بناء المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى فى نفس الوقت. والصلة بين العمليتين قوية، بل أنهما أقرب إلى أن تكونا عملية واحدة من حيث الجوهر، ففى الوقت الذى تنمو فيه التكوينات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة وتتبلور، فإنها تخلق معها تنظيمات مجتمعها المدنى التى تسعى بدورها إلى توسيع دعائم المشاركة فى الحكم(1)
وهكذا فإن الدور الهام للمجتمع المدنى فى تعزيز التطور الديمقراطى وتوفير الشروط الضرورية لتعميق الممارسة الديمقراطية وتأكيد قيمها الأساسية ينبع من طبيعة المجتمع المدنى وما تقوم به منظماته من دور ووظائف فى المجتمع لتصبح بذلك بمثابة البنية التحتية للديمقراطية كنظام للحياة وأسلوب لتسيير المجتمع وهى من ثم أفضل إطار للقيام بدورها كمدارس للتنشئة الديمقراطية والتدريب العملى على الممارسة الديمقراطية.
ولا يمكن تحقيق الديمقراطية السياسية فى أى مجتمع مالم تصير منظمات المجتمع المدنى ديمقراطية بالفعل باعتبارها البنية التحتية للديمقراطية فى المجتمع بما تضمه من نقابات وتعاونيات وجمعيات أهلية وروابط ومنظمات نسائية وشبابية.. الخ. حيث توفر هذه المؤسسات فى حياتها الداخلية فرصة كبيرة لتربية ملايين المواطنين ديمقراطيا ، وتدريبهم عمليا لاكتساب الخبرة اللازمة للممارسة الديمقراطية فى المجتمع الأكبر بما تتيحه لعضويتها من مجالات واسعة للممارسة والتربية الديمقراطية من خلال :
– المشاركة التطوعية فى العمل العام.
– ممارسة نشاط جماعى فى إطار حقوق وواجبات محددة للعضوية
– التعبير عن الرأى والاستماع إلى الرأى الأخر والمشاركة فى اتخاذ القرار.
– المشاركة فى الانتخابات لاختيار قيادات المؤسسة أو الجمعية وقبول نتائج الانتخابات سواء كانت موافقة لرأى العضو من عدمه.
– المشاركة فى تحديد أهداف النشاط وأولوياته والرقابة على الأداء وتقييمه(2).
عندما ينشط المواطن فى جمعيته الأهلية أو منظمته النقابية أو أى مؤسسة أخرى من مؤسسات المجتمع المدنى وفق هذه الأسس والقيم فإنه يتدرب عمليا علي أهم مقومات الديمقراطية ويصبح مهيأ للانخراط فى النشاط العام بالمجتمع فى إطار ديمقراطى، وعندما يكتسب المواطن خبرة الممارسة وفق هذه الأسس أو القيم فإنه يصبح طرفا فاعلا ومشاركا فى الممارسة الديمقراطية فى المجتمع كله.
يتحقق له ذلك عندما يشارك فى العمل العام متطوعا، وعندما يمارس نشاطا جماعيا فى إطار حقوق وواجبات محددة، وعندما يشترك فى المناقشات داخل هيئات المنظمة أو يمارس حقوقه فى التصويت والترشيح لعضوية هذه الهيئات ويلعب دورًا فى متابعة النشاط وتقييمه ويراقب أداء الهيئات القيادية بالمؤسسة.
وعندما تتوفر لأوسع دائرة من المواطنين امكانية المشاركة الفعالة من خلال منظمات المجتمع المدنى، وعندما تتوفر لهذه المنظمات حياة داخلية ديمقراطية تمكن الأعضاء من القيام بهذه الأدوار فى نشاط هذه المنظمات وحياتها الداخلية، هنا تنشأ امكانية حقيقية لقيام مجتمع مدنى شعبى وديمقراطى يكون بمثابة البنية التحتية لنظام ديمقراطى فاعل فى المجتمع كله. وبذلك تصبح الديمقراطية بناءًا من أسفل يشمل الشعب كله تربية وتريبا وممارسة فى مختلف ميادين الحياة اليومية، ويصبح الشعب عندها طرف أساسيا فى معادلة الحكم، وتكون الديمقراطية السياسية محصلة هذا كله، وبذلك يتأكد مفهوم الديمقراطية كنظام للحياة وأسلوب لتيسير المجتمع، ويتأكد أيضًا أن الديمقراطية لا يمكن أن تأتى كمنحة من الحكام ولكن الشعب ينتزعها كحقوق وآليات ومؤسسات عندما يكون قادرا على ممارستها، وعندما تنضج حركته فى إطار قيمها، وتتوفر له القدرة من خلال عمل جماعى منظم لتعميمها فى سائر مجالات الحياة اليومية وفى مؤسسات الحكم أيضًا، وفى علاقة الدولة بالمواطنين ومؤسسات الدولة ببعضها وعلاقات المواطنين ببعضهم وذلك بعد أن أعيتنا الحبل فى أن يتم بناء الديمقراطية من أعلى بواسطة الحكام الذين طالما توجه إليهم الخطاب السياسى للمعارضة والقوى الديمقراطية أن يتخذوا الأجراءات ويصدروا التشريعات اللازمة لتحقيق التطور الديمقراطى ولكن دون جدوى.
يقوم المجتمع المدنى بدوره فى بناء الديمقراطية على مستويين أولهما دور ثقافى وتعبوي يتحقق من خلال نهوض مؤسسات المجتمع المدنى بوظائفها الأساسية فى المجتمع، وثانيهما دور تربوى يتحقق من خلال الممارسة الديمقراطية والتدريب العملى على الأسس الديمقراطية فى الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدنى . وفيما يلى نعرض بقدر أكبر من التفصيل لهذين الدورين من خلال استعراض وظائف المجتمع المدنى وتأثيرها على المجتمع فيما يتصل ببناء الديمقراطية، والحياة الداخلية الديمقراطية لمؤسسات المجتمع المدنى ودورها فى اكساب الاعضاء الخبرة اللازمة لممارسة الديمقراطية فى المجتمع.
وظائف المجتمع المدنى وعلاقتها بالديمقراطية :
المجتمع المدنى من وجهة نظر الطبقات الحاكمة هو وسيلتها لاستكمال سيطرتها على المجتمع من خلال آلية الهيمنة الايديولوجية الثقافية حيث لا تسعفها آلية القمع باستخدام أجهزة الدولة فى ضمان السيطرة الكاملة على المجتمع . ولكن المجتمع المدنى من وجهة نظر الطبقات المحكومة هو ساحة للصراع تستطيع من خلاله أن ترسى أساسا هيمنة مضادة تمكنها من توسيع نطاق تأثيرها فى المجتمع، والدفع فى اتجاه توسيع الهامش المتاح لها للحركة والتأثير وبلورة آليات ديمقراطية تسمح بتسوية المنازعات سلميًا وتعمق عملية التطور الديمقراطى للمجتمع، وقد تبلورت فى هذا الاطار خمس وظائف أساسية تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى لتحقيق هذا الدور هى :
1 – وظيفة تجميع المصالح :
حيث يتم من خلال مؤسسات المجتمع المدنى بلورة مواقف جماعية من القضايا والتحديات التى تواجه اعضاءها، وتمكنهم من التحرك جماعيا لحل مشاكلهم وضمان مصالحهم على أساس هذه المواقف الجماعية، وتمارس هذه الوظيفة بشكل أساسى من خلال النقابات العمالية والمهنية والغرف التجارية والصناعية وجماعات رجال الأعمال وسائر المنظمات الدفاعية. من خلال هذه الوظيفة يتعلم الأعضاء كيفية بحث مشاكلهم ودراسة الأوضاع القائمة فى المجتمع وتحديد كيفية الحفاظ على مصالحهم فى مواجهة مصالح فئات أخرى وصياغة مطالب محددة قد تكون جزئية فى بعض الأحيان أو تتضمنها برامج متكاملة، وتكشف هذه البرامج المطلبية للأعضاء عن وحدة مصالحهم وأهمية التضامن بينهم. لحمياتها ولتنفيذ البرامج المطلبية التى تعبر عنها. ومن خلال تحركهم لتنفيذها يكتشفون أهمية التضامن فيها بينهم وأهمية التحرك الجماعى، كما يكتسبون قدرة متزايدة على التفاوض حولها مع الأطراف الأخرى. وهذه كلها خبرات ضرورية لممارسة الديمقراطية على مستوى المجتمع كله. يستوى فى ذلك خبرة صياغة الأهداف والمطالب أو البرامج، وخبرة التحرك الجماعى، وخبرة التفاوض والوصول إلى حلول وسط . وبهذا فإن وظيفة تجميع المصالح التى تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى لا تقتصر نتائجها على العمل المباشر لهذه المؤسسات بل تمتد إلى المجتمع فتوفر لاعضائه هذه الخبرات الهامة للممارسة الديمقراطية السياسية.
2 – وظيفة حسم وحل الصراعات :
حيث يتم من خلال مؤسسات المجتمع المدنى حل معظم النزاعات الداخلية بين أعضائها بوسائل ودية دون اللجوء إلى الدولة وأجهزتها البيروقراطية، وبذلك فإن مؤسسات المجتمع المدنى تجنب أعضاءها المشقة وتوفر عليهم الجهد والوقت ، وتجنبهم كثيرا من المشاكل التى تترتب على العجز عن حل ما ينشأ بينهم من منازعات، وتسهم بذلك فى توطيد وتقوية أسس التضامن الجماعى فيما بينهم، وإذا كانت الديمقراطية بالمفهوم الأجرائى الذى عرضناه من قبل هى صيغة لإدارة الصراع فى المجتمع بوسال سلمية فإن حل المنازعات بين الأعضاء بوسائل ودية داخل مؤسسات المجتمع المدنى هو أساس ممارسة الصراع سلميا على مستوى المجتمع بين الطبقات والقوى الاجتماعية والسياسية، وعندما ينجح الأعضاء فى حل منازعاتهم بالطرق الودية داخل مؤسساتهم المدنية فإنهم يكتسبون الثقافة والخبرة اللازمة لممارسة الصراع الطبقى والسياسى فى المجتمع بوسائل سلمية. تشمل هذه الخبرة والثقافة الاعتراف بالآخر وبحقوقه ومصالحه والحوار معه والوصول إلى حلول وسط من خلال التفاوض، وهكذا تلعب وظيفة حسم وحل الصراعات وديا داخل مؤسسات المجتمع المدنى دورا هامًا فى تهيئة المجتمع لممارسة الديمقراطية السياسية وجوهرها إدارة الصراع والمنافسة بوسائل سلمية.
3 – زيادة الثروة وتحسين الأوضاع :
بمعنى القدرة على توفير الفرص لممارسة نشاط يؤدى إلىزيادة الدخل من خلال هذه المؤسسات نفسها مثل المشروعات التى تنفذها الجمعيات التعاونية الانتاجية والنشاط الذى تقوم به الجمعيات التعاونية الاستهلاكية والمشروعات الصغيرة والمدرة للدخل التى تقوم بها الجمعيات الأهلية ومشروعات التدريب المهنى الذى تقوم به النقابات المهنية والعمالية لزيادة مهارات أعضائها مما يمكنهم من تحسين شروط عملهم وزيادة دخولهم ، وقد أثبتت الدراسات الميدانية أن تمتع المواطنين بأوضاع اقتصادية جيدة وقدرتهم على تأمين مستوى دخل مناسب لأسرهم يساعدهم على ممارسة النشاط السياسى والاهتمام بالقضايا العامة للمجتمع. وعلى العكس من ذلك فإن سوء الأحوال الاقتصادية يشغل الناس فى البحث عن لقمة العيش فلا يتوفر لهم الوقت الكافي للمشاركة السياسية مما يعطل التطور الديمقراطى للمجتمع نظرا لانصراف الناس عن الاهتمام بقضايا المجتمع العامة والمشاركة فى حلها.
4 – افراز القيادات الجديدة :
يتطور المجتمع وتنضج حركته بقدر ما يتوفر له من قيادات مؤهلة للسير به إلى الأمام باستمرار. ولكى يواصل المجتمع تقدمه فإنه فى حاجة دائمة لاعداد قيادات جديدة من الاجيال المتتالية.
ونحن نقصد بالقائد ذلك الانسان الذى يتمتع بنفوذ حقيقى على جماعة محددة من الناس تثق فيه وتسعى إليه كلما واجهتها مشكلة، تتلمس منه الحل لهذه المشكلة أو تعرف منه على الأقل كيفية مواجهتها، وتستجيب لنصائحة وتتحرك فى الاتجاه الذى يحدده لها وتسير معه واثقة من قدرته على قيادتها نحو ما يحقق مصالحها، وثقة الجماهير فى قائدها لا تأتى من فراغ ولكنها تتحقق عبر التجربة والممارسة، وتتم عبر فترة زمنية مناسبة تختبر خلالها قدرته على فهم مشاكلها والتفاعل معها وسلامة رؤيته لكيفية حل هذه المشاكل. من هنا فإن الصفات الأساسية التى يجب أن تتوفر فى القائد لكى يكون جديرا حقا بالقيادة هى : الحركية والمعرفة العلمية والشعبية. ولا يختلف هذا كثيرا عن قولنا أن القيادة موهبة وعلم وفن. فالخط الطبيعى لتطور القائد هو أنه من خلال حركته وسط جماعة محددة من الناس ونشاطه معهم يكتسب المعرفة بأحوالهم وظروفهم ويطور هذه المعارف باستمرار، وعلى قدر تفاعله مع هذه الجماعة وخدمته لها وبخاصة فى حل مشاكلها فإنه يكتسب شعبية بين أفرادها فيلجأون إليه كلما دعت الحاجة إلى ذلك. ومن خلال هذه المسئولية فإنه يطور معرفته بأحوالهم ويزداد الماما بأوضاعهم فتزداد قدرته على التنبة مبكرا إلى مشاكلهم قبل أن تستفحل ويكون أول من يطرح عليهم هذه المشاكل وكيف يمكن مواجهتها فتزداد شعبيته ويزداد نفوذه وتأثيره لدى دوائر أوسع من هذه الجماهير، ويتحول من قائد نوعى أو محلى يعمل فى قطاع جماهيرى أو جغرافى محدد إلى قائد سياسى ينشط على مستوى المجتمع كله، وبذلك تزداد ثروة المجتمع من القيادات.
وتكوين القيادات الجديدة بهذا المفهوم يبدأ داخل مؤسسات المجتمع المدنى فى النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية والتعاونيات والمنظمات الشبابية والنسائية.. إلخ. حيث تعتبر مؤسسات المجتمع المدنى فى الحقيقة المخزن الذى لا ينضب للقيادات الجديدة، ومصدرًا متجددًا لإمداد المجتمع بها فهى تجتذب المواطنين إلى عضويتها، وتمكنهم من اكتشاف قدراتهم من خلال النشاط الجماعى، وتوفر لهم سبل الممارسة القيادية من خلال المسئوليات التى توكلها لهم، وتقدم لهم الخبرة الضرورية لممارسة هذه المسئولية، وتؤكد الدراسات الميدانية أن العناصر النشطة فى مؤسسات المجتمع المدنى والتى تتولى فيها مسئوليات قيادية هى القاعدة الأساسية التى يخرج منها قيادات المجتمع المحلية والقومية ابتداء من أعضاء المجالس الشعبية المحلية إلى القيادات البرلمانية فى المجالس التشريعية إلى قيادات الأحزاب السياسية على كل المستويات، وبذلك تساهم مؤسسات المجتمع المدنى فى دفع التطور الديمقراطى بالمجتمع وانضاجه من خلال ممارستها لوظيفة افراز القيادات (3)
5 – اشاعة ثقافة مدنية ديمقراطية :
من أهم الوظائف التى تقوم بها مؤسسات المجتمع المدنى إشاعة ثقافة مدنية ترسي فى المجتمع احترام قيم النزوع للعمل الطوعى، والعمل الجماعى، وقبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخر، وإدارة الخلاف بوسائل سلمية فى ضوء قيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس والصراع السلمى، مع الالتزام بالمحاسبة العامة والشفافية، وما يترتب على هذا كله من تأكيد قيم المبادرة الذاتية وثقافة بناء المؤسسات، وهذه القيم هى فى مجملها قيم الديمقراطية. من هنا فإن اشاعة الثقافة المدنية التى تمكن لهذه القيم فى المجتمع هى خطوة هامة على طريق التطور الديمقراطى للمجتمع حيث يستحيل بناء مجتمع مدنى دون توافر صيغة سلمية لإدارة الاختلاف والتنافس والصراع طبقا لقواعد متفق عليها بين جميع الأطراف، ويستحيل بناء مجتمع مدنى دون الاعتراف بالحقوق الأساسية للانسان خاصة حرية الاعتقاد والرأى والتعبير والتجمع والتنظيم ومن ثم فإن دور المجتمع المدنى فى إشاعة الثقافة المدنية بهذا المفهوم هو تطوير ودعم للتحول الديمقراطى فى نفس الوقت، ويتأكد دور المجتمع المدنى أيضًا فى نشر هذه الثقافة من خلال الحياة الداخلية لمؤسساته التى ترعى وتنشئ الأعضاء على هذه القيم وتدربهم عليها عمليا من خلال الممارسة اليومية.
الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدنى والتدريب على الممارسة الديمقراطية :
تعتبر مؤسسات المجتمع المدنى الاطار الأمثل لتربية المواطنين لتمثل القيم الديقمراطية فى حياتهم اليومية وتدريبهم عمليًا على الممارسة الديمقراطية واكسابهم خبرة هذه الممارسة من خلال النشاط اليومي لهذه المؤسسات خاصة وأن هذه المؤسسات تضم فى عضويتها عشرات الملايين من المواطنين الذين اجتذبتهم إلى عضويتها لما تقوم به من دور فى الدفاع عن مصالحهم، أو تقديم خدمات لهم، أو تحسين أحوالهم المعيشية. وتلعب مؤسسات المجتمع المدنى دورها التربوى والتدريب على العملية الديمقراطية من خلال العلاقات الداخلية لكل مؤسسة والتى تنظمها لائحة داخلية أو نظام أساسى يحدد حقوق وواجبات الأعضاء، وأسس إدارتها من خلال مجلس إدارة منتخب وجمعية عمومية تضم كل الأعضاء وتعتبر أعلى سلطة فى المؤسسة تنتخب مجلس الإدارة وتراقب أداءه وتحاسبه على ما يحققه من نتائج. وما تتضمنه هذه العملية من مشاركة فى النشاط والتعبير عن الرأى والاستماع إلى الرأى الآخر، والتصويت على القرارات، والترشيح فى الانتخابات، وانتخاب أعضاء مجلس الإدارة، وهى جمعيا أمور ضرورية لأى ممارسة ديمقراطية. وكلما أصبحت مؤسسات المجتمع المدنى أكثر ديمقراطية فى حياتها الداخلية فإنها تكون أقدر على المساهمة فى التطور الديمقراطى للمجتمع كله، وأكثر قدرة على اكساب اعضائها الثقافة الديمقراطية، وتدريبهم عمليا من خلال النشاط اليومى على خبرة الممارسة الديمقراطية.
هناك معايير محددة يمكن من خلالها قياس مدى ديمقراطية مؤسسات المجتمع المدنى وقدرتها على المساهمة فى بناء الديمقراطية على نطاق المجتمع كله، فى مقدمة هذه المعايير :
1 – مدى النمو فى العضوية الفاعلة والنشطة :
تتحدد ديمقراطية أى مؤسسة أو منظمة بعوامل متعددة يأتى على رأسها مدى اتساع العضوية النشطة والفاعلة فيها ونموها فترة بعد أخرى، كما تقاس ديمقراطية المنظمة بمدى مشاركة الأعضاء فى نشاطها ابتداء من تخطيط النشاط إلى التنفيذ ومراقبة الأداء وتقييمه، وانتخاب قيادة المؤسسة (مجلس الإدارة). وكلما نجحت مؤسسات المجتمع المدنى فى اجتذاب أكبر عدد ممكن من المواطنين إلى عضويتها ، وكلما نجحت فى اجتذابهم للمشاركة النشطة فى برامجها وفى حياتها الداخلية فإنها تساهم بذلك فى تهيئة المجتمع للممارسة الديمقراطية حيث ستزداد قاعدة المواطنين المؤهلين المتحمسين للديمقراطية الذين اكتسبوا بالفعل من خلال عضويتهم للمنظمات الشعبية والمدنية قيما ديمقراطية وخبرات عملية فى ممارسة المفاهيم الديمقراطية والعمل وفق الآليات الديمقراطية. وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للمجتمعات العربية التى لا تسودها ثقافة مدنية ديمقراطية ومازالت الثقافة الأبوية تؤثر فى حركة شعوبها ، كما أنها مازالت حديثة العهد بالمؤسسات الديمقراطية والآليات الديمقراطية وكلما زاد عدد المواطنين المسلحين بالثقافة الديمقراطية والممارسة الديمقراطية داخل مؤسساتهم المدنية كلما انعكس ذلك ايجابيا على المجتمع كله.
2 – مستوى المشاركة فى حضور الجمعية العمومية :
من المعروف أن الجمعية العمومية فى أى مؤسسة مدنية كالنقابات والجمعيات والتعاونيات هى أعلى سلطة بهذه الجمعية وهى تضم جميع أعضاء المؤسسة وتجتمع دوريا مرة كل سنة على الأقل. وإذا كان النمو فى عضوية المؤسسة يعتبر مؤشرا على قدرة المنظمة على اجتذاب نشطاء جدد وتهيئتهم للممارسة الديمقراطية، فإن مستوى مشاركة هؤلاء الأعضاء فى اجتماعات الجمعية العمومية يشير إلى مستوى فاعليتهم، لأنهم يساهمون من خلال ذلك فى تحديد برامج عملها وأولويات نشاطها، ويتعلمون من خلال اجتماعات الجمعية العمومية كيفية مناقشة القضايا العامة، وكيفية إدارة الحوار مع الأخرين والاستماع إلى آرائهم وتحديد القضايا موضع الاتفاق، وصياغة القرارات على أساس هذه القضايا المشتركة، وهى جميعا خبرات ضرورية للممارسة الديمقراطية. كما يتاح للاعضاء من خلال حضور اجتماعات الجمعية العمومية مراقبة الأداء ومحاسبة مجلس الادارة على نشاطه، وما حققه من انجازات ويساهمون بذلك فى إعلاء شأن قيم الشفافية والمحاسبة فى الحياة الداخلية للمؤسسة أو المنظمة وهى قيم أساسية فى الممارسة الديمقراطية فى المجتمع كله ويساعدهم ذلك على العمل وفق هذه القيم فى الحياة العامة للمجتمع وخاصة فى الحياة السياسية.
ويمارس الأعضاء أيضًا من خلال حضور اجتماعات الجمعية العمومية الترشيح لعضوية مجلس الادارة وانتخاب اعضاء المجلس الجديد وبذلك يكتسبون خبرة إدارة العملية الانتخابية وفق آليات ديمقراطية سواء فى الترشيح أو التصويت أو الدعاية أو فرز الأصوات وإعلان النتائج، وهى صورة مصغرة مما يحدث فى الانتخابات البرلمانية أو انتخابات المجالس الشعبية المحلية. وعندما يحرص المواطنون على أن تتم عملية الانتخابات داخل مؤسساتهم المدنية وفق الآليات الديمقراطية فإنهم سوف يحرصون بعد ذلك على توافرها فى العملية الانتخابية للسلطة التشريعية والمجالس المحلية. وتكون هذه خطوة أخرى نحو دفع التطور الديمقراطي للمجتمع كله.
3 – معدلات التغيير فى عضوية مجالس الادارة :
تقاس ديمقراطية أى مؤسسة أيضاً بمعدلات التغيير فى هيئاتها القيادية لإتاحة الفرصة لتداول القيادة أمام أكبر عدد ممكن من أعضائها للتدريب على القيادة واكتساب خبراتها . ومن ثم يتأهل هؤلاء الأعضاء للمشاركة فى العمل العام خارج مؤسستهم أو منظمتهم ويتزودون بالخبرة اللازمة للقيام بدور قيادى. وبذلك تساهم مؤسسات المجتمع المدنى فى تزويد مجالات المجتمع المختلفة بالقيادات الجديدة مما يعزز التطور الديمقراطى للمجتمع بصفة عامة حيث يتوفر للمجتمع اعداد متزايد باستمرار من الموطنين المسلحين بخبرات قيادية والذين مارسوا بالفعل عملية القيادة على نطاق محدود يتطلعون إلى القيام بدور أكبر فى المجتمع فينشطون فى الاحزاب السياسية ويصعدون إلى مواقع قيادية أعلى فيها كما يتقدمون لعضوية المجالس التشريعية والمحلية وبذلك تزداد ثروة المجتمع من القيادات ذات الخبرة، وينعكس ذلك على الحياة السياسية للبلاد وعلى المنافسة السياسية التى يمكن أن تتم وفق قيم وآليات ديمقراطية إذا نجحت مؤسسات المجتمع المدنى فى تحقيق التداول داخلها فى هيئاتها القيادية المنتخبة ووفرت بذلك أعدادا متزايدة من القيادات تتحرك للنشاط فى مجالات سياسية مباشرة وتساهم فى تعزيز الديمقراطية السياسية فى المجتمع كمحصلة ونتيجة لتعزيز الممارسة الديمقراطية فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالمجتمع.
4 – آلية اصدار القرارات :
من المهم لتعزيز الطابع الديمقراطى لأى منظمة أن يتم توزيع السلطة داخلها وأن تصدر القرارات من هيئاتها القيادية باسلوب ديمقراطى وألا تكون المؤسسة أو المنظمة صورة مصغرة مما يجرى فى المجتمع من احتكار فئة محدودة للسلطة أو انفراد فرد واحد بها، ونحن نلاحظ أن نمط القيادة الأبوية هو النمط السائد فى مجتمعاتنا العربية حيث ينفرد بالقيادة شخص واحد هو الأب فى الاسرة والناظر فى المدرسة والمدير فى وحدة العمل والرئيس على نطاق المجتمع كله. وما لم يتغير هذا النمط فى القيادة فإنه لا أمل فى تطور المجتمع ديمقراطيا، ومن هنا أهمية بلورة نمط قيادى مختلف هو النمط الديمقراطى داخل مؤسسات المجتمع المدنى من خلال اصدار القرارات فيها طبقا لما يحدده نظامها الأساسى أى من السلطة المختصة سواء كانت مجلس الادارة أو الجمعية العمومية. وأن تطرح أولا كافة الآراء حول القضية المطلوب استصدار قرار بشأنها ويتم الاستماع إلى اصحابها، ويجرى النقاش بحرية قبل صدور القرار ، وأن تطرح الآراء المختلفة للتصويت ويحترم رأى الأغلبية. ومن جهة أخرى يجب توزيع المسئولية داخل الهيئة القيادية وداخل المؤسسة كلها فلا ينفرد بالتنفيذ شخص واحد ولا ينفرد بإدارة العمل اليومى شخص واحد بل يقوم كل عضو قيادى بتحمل جانب من مسئولية التنفيذ، وبذلك يكتسب أكبر عدد منهم خبرات لها قيمتها فى تكوين شخصيته القيادية تساعده على مزيد من النضج للممارسة القيادية وتعزيز القيم والآليات الديمقراطية، فتصبح بذلك الحياة الداخلية لمؤسسات المجتمع المدنى مثالا ايجابيا ينعكس على مجالات المجتمع الأخرى.
5 – حجم العمل التطوعى فى نشاط وإدارة المؤسسة :
يعتبر العمل التطوعى بمؤسسات المجتمع المدنى أساس العضوية الفاعلة وشرطًا ضروريًا للمارسة الديمقراطية داخلها، ويتوقف عليه حجم مشاركة الأعضاء فى نشلطها والرقابة على أدائها ومدى مشاركتها فى تحديد أهداف النشاط وأولوياته والمشاركة فى الإدارة. فإذا زاد حجم العاملين بأجر عن المتطوعين فإن ذلك يعكس انحرافًا كبيرًا عن الأسس التى قامت عليها مؤسسات المجتمع المدنى وهو العمل التطوعى، ويحولها إلى مؤسسات خدمية يؤدى الخدمة فيها مجموعة من الموظفين والعاملين بأجر مما يبعدها عن رسالتها الحقيقية فى المجتمع، وما يتصل بصفة خاصة بتهيئة الفرصة للمواطنين للقيام ينشاط جماعى تطوعى يكتشفون من خلاله كيف يساهمون فى حل مشاكلهم واشباع حاجاتهم الأساسية وممارسة الأنشطة المفيدة لهم، ويكتسبون فى نفس الوقت ثقافة وخبرة الممارسة الديمقراطية التى تقوم فى أساسها على العمل التطوعى سواء فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أو فى المجال السياسى.
6 – مشاركة المرأة فى نشاط وإدارة المؤسسة :
للموقف من المرأة أثره فى التطور الديمقراطى للمجتمع، مما يتطلب أتاحة الفرصة كاملة أمام المرأة للمشاركة فى مختلف مجالات العمل الوطنى وما يتصل منها بصفة خاصة بمؤسسات المجتمع المدنى التى تعبئ الجهود الشعبية من أجل أوسع مشاركة فعالة فى مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وضمان اسهام الناس فى حل مشاكلهم بأنفسهم مما يعزز ثقتهم بأنفسهم وبقدرتهم على تحمل مسئوليات عامة من خلال المشاركة الشعبية السياسية. ويحول دون مشاركة المرأة فى هذه المجالات نظرة تقليدية محافظة تقوم على التمييز بين الرجل والمرأة ولا توافق على منحها فرصة متساوية للمشاركة فى العمل العام وهو ما يتعارض مع الديمقراطية ويحول فى نفس الوقت دون تعبئة كل طاقات المجتمع لمواجهة مشاكله المتعددة. من هنا فإن الاهتمام يتوسيع مشاركة المرأة داخل مؤسسات المجتمع المدنى وزيادة مشاركتها فى قيادة هذه المؤسسات يساهم بلاشك فى تعزيز التطور الديمقراطى للمجتمع حيث ستمكنها هذه المشاركة من اكتساب الخبرات اللازمة للقيام بدور قيادى فى مجالات أخرى ومن بينها المجال السياسى.
هكذا يمكن القول أن مؤسسات المجتمع المدنى تقوم بدور هام فى تهيئة المجتمع لممارسة ديمقراطية حقيقية سواء من خلال وظائفها التقليدية أو من خلال حياتها الديمقراطية، ويكون للمجتمع المدنى دور حقيقى فى بناء الديمقراطية فى مجتمعاتنا عندما تتاح له الفرصة كاملة للقيام بهذه الوظائف أو بتعزيز الطابع الديمقراطى للحياة الداخلية لمؤسساته.

هوامش الفصل الثالث

(1) د. سعد الدين ابراهيم، المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى فى الوطن العربى، مركز ابن خلدون، القاهرة، التقرير السنوى 1993. ص 13.
(2) د. أمانى قنديل، إلى أى حد يمكن الحديث عن مجتمع مدنى متطور فى مصر؟، ورقة مقدمة إلى مؤتمر مستقبل التطور الديمقراطى فى مصر، جماعة تنمية الديمقراطية 2-3 نوفمبر ،1997 القاهرة. ص 3.
(3) عبد الغفار شكر، المجتمع المدنى العربى، جريدة البيان، الامارات العربية المتحدة، 16 ابريل 1994.
ودور العمل الجماهيرى فى اكتشاف قيادات جديدة، محاضرة غير منشورة، أمانة التثقيف، حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى، القاهرة.
دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الرابع والأخير
مشكلات الواقع وآفاق المستقبل
لا تستطيع مؤسسات المجتمع المدنى أن تقوم بدورها المأمول بفاعلية فى بناء الديمقراطية فى المجتمعات العربية، فهذه المجتمعات تعانى من بقايا الاستبداد وتمركز السلطة فى يد فئات محدودة، كما تعانى من ضعف شديد فى المشاركة الشعبية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقد انعكست هذه الأوضاع على موسسات المجتمع المدنى سلبيا حيث توجد العديد من القيود التى تحول دون تطور مؤسسات المجتمع المدنى وتحولها بالفعل إلى مؤسسات ديمقراطية قادرة على الاسهام فى البناء الديمقراطى بالمجتمع، وتتحمل القوى الديمقراطية مسئولية العمل على تقوية المجتمع المدنى وتحريره من القيود التى تحد من حركته وتأثيره والسير فى نفس الوقت على طريق التطور الديمقراطي، وأى نجاح تحرزه القوى الديمقراطية فى إحدى المهتمين سوف يؤثر ايجابيا فى الأخرى وسيساعد بالتالى علي مضاعفة الآثار المترتبة على النتائج المتحققة. ومن الخطأ أن تركز القوى الديمقراطية على إحدى المهمتين فقط متصورة أن إنجازها سوف يساعد على معالجة المهمة الأخرى، فلا يمكن بناء الديمقراطية فى أى مجتمع تغيب عنه مؤسسات مدنية فعالة، ولا يمكن كذلك تقوية المجتمع المدنى فى مجتمع تغيب عنه الحريات والحقوق الأساسية والمؤسسات والآليات اللازمة للممارسة الديمقراطية، وبالتالى لن تتحقق نتائج ملموسة باعطاء الأولوية لاحدى المهتمين بل يتعين السير نحو تحقيقهما معا. ولكى تتمكن القوى الديمقراطية من صياغة استراتيجية نضالية تهدف إلى تحقيق مزيد من التطور الديمقراطية وتقوية المجتمع المدنى فى آن واحد، فإنه يتعين علينا أولاً أن نتعرف على الأوضاع الحالية لمؤسسات المجتمع المدنى وكيف أثرت عليها الأوضاع السلطوية وحاصرتها ومن ثم نطرح كيفية معالجة هذه الأوضاع التي تجسد مشكلات الواقع الراهن في معظم المجتمعات العربية من خلال الاستراتيجية المقترحة للانتقال إلي آفاق مستقبلية تنضج في إطارها عملية البناء الديمقراطي وتقوية المجتمع المدني
أولاً: تأثير السلطوية على المجتمع المدنى
يمر المجتمع المدنى فى الوطن العربى بمرحلة انتقالية بالغة الصعوبة والتعقيد، تتشابك فيها الأبعاد العالمية والدولية، والمتغيرات الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتيارات الفكرية والثقافية. وقد اتسع نطاق المجتمع المدنى المنظم من 20 ألف مؤسسة فى منتصف الستينات إلى 70 الف فى أواخر الثمانينيات، ومع ذلك فهى تعانى فى مجملها العديد من القيود والعوامل المحبطة الناجمة عن تعثر التحول الديمقراطى فى الوطن العربى. وتتفاوت أوضاع هذه المؤسسات من قطر لأخر باختلاف النظم السياسية رغم أنها تلتقى جميعا فى تركيز السلطة فى يد فرد أو نخبة محدودة تهيمن من خلالها السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى وعلى المجتمع. ففى مجموعة الأقطار التى تشهد تعددية سياسية وحزبية مقيدة أو توجها نحو الديمقراطية مثل لبنان والمغرب ومصر والأردن واليمن والجزائر وتونس هناك اتجاه لنمو الجمعيات الأهلية والمنظمات الاجتماعية الأخرى أكثر من النظم السياسية الأخرى المحافظة. وبالتالى تتنوع المنظمات وتنشط فى مجالات لا نجدها فى الأقطار الأخرى، وأوضح مثال لذلك منظمات حقوق الإنسان ومنظمات الدفاع عن المرأة والمنظمات التنويرية. أما فى أقطار الخليج العربى فإننا نلاحظ انخفاض حجم الجمعيات، وتكاد تختفى جمعيات حقوق الإنسان وكذلك المنظمات الدفاعية، ويتجه جزء كبير من الجمعيات إلى العمل الخيرى الذى يرتبط بالوازع الدينى كما هو الحال فى السعودية والكويت والبحرين والامارات. وفى دول أخرى حيث تسود نظم ذات طبيعة شعبوية تسلطية أو شمولية، فإن الدولة لا تسمح بتأسيس منظمات أهلية تعكس مبادرات المواطنين، لكنها تؤسس لجانا شعبية تكون امتداد للدولة كما هو الحال فى ليبيا، أو تؤسس اتحادات نوعية تهمين عليها الدولة كما هى حالة العراق (1) . وأيا كانت درجة الاختلاف فى وضع مؤسسات المجتمع المدنى من قطر لأخر فإن معظمها يعانى من التوتر فى العلاقة مع الأجهزة الإدارية لأكثر من سبب:
1-أعطت القوانين صلاحيات كاملة للحكومة من خلال الوزارات المختصة كالشئون الاجتماعية أو العمل أو الشباب أو الداخلية فى الإشراف على الجمعيات والمنظمات الأخرى. وقد تحولت هذه الصلاحيات فى التطبيق الفعلى إلى نوع من الإشراف والرقابة البيروقراطية التى انتقصت من استقلالية هذه المنظمات، كما تحولت فى بعض الأحيان إلى رقابة أمنية أثرت سلباً عليها.
2-فى بعض الأقطار العربية تتعدد مستويات الأشراف والرقابة من قبل الحكومة على المنظمات، مما يخلق مشاكل عديدة تعوق تنفيذ المشروعات التى تتبناها هذه المنظمات.
3-السلطات التى منحها القانون للحكومة فى بعض الأقطار العربية (مصر، سوريا، الامارات، الجزائر) لحل المنظمات الأهلية أو دمجها فى أخرى، تصبح أيضاً مصدراً للتوتر وعدم الثقة بين الطرفين، أو قد تتحول إلى سلطة للتهديد فى يد الدولة فى بعض الاحيان.
4-أصبحت عملية توزيع المخصصات المالية على الجمعيات الأهلية مصدراً آخر للتوتر بينها وبين الحكومة، وقد ارتبط ذلك بتدفق المعونات الاجنبية التى يجب أن تحظى بموافقة الحكومة، وفى حالات أخرى يتم توزيعها من خلال الحكومة مما يخلق حساسية بينها وبين القطاع الأهلى.
5-تختلف درجات التعاون أو التوتر بين الحكومات والجمعيات الأهلية باختلاف الأقطار العربية وباختلاف مجالات النشاط، فالتعاون يزداد بين الحكومة والمنظمات التى تسهم فى مساندة الدولة من خلال سد الفجوات أو ثغرات الأداء الحكومى، أو من خلال اضطلاع البعض منها بدور فى تنفيذ الخطة القومية بينما ترتفع حدة التوتر بين الحكومة والمنظمات إذا أدركت الأولى أن نشاط بعض هذه المنظمات يتضمن تهديداً أو تحديا لها. من أمثلة ذلك العلاقة بين بعض الحكومات العربية ومنظمات حقوق الإنسان. كذلك فإن التوتر بين الطرفين قد يجد مصدره فى الأشخاص القائمين على بعض هذه المنظمات حيث تبرز قيادتها كعناصر معارضة للحكم. ومن ثم فإننا نلحظ اتجاه بعض المنظمات نحو اختيار شخصيات على علاقة طيبة مع الحكومة، ليكونوا واجهة طيبة لهذه المنظمات ولضمان رضا الحكومة عما تقوم بـه من نشاط (2).
وقد استخدمت الحكومات أكثر من آلية لضمان سيطرتها على مؤسسات المجتمع المدنى.
أولاً: آلية التشريع:
استخدمت النظم السلطوية آلية التشريع للهيمنة على مؤسسات المجتمع المدنى واخضاعها للسيطرة الحكومية مما يحد من نموها وقيامها بالدور المطلوب منها واسهامها فى دعم التطور الديمقراطى للمجتمع وأجريت تعديلات على القوانين القائمة عندما تبين أنها لا تكفى لاحكام السيطرة على مؤسسات المجتمع المدنى من جمعيات أهلية ونقابات مهنية وعمالية واتحادات طلابية. ومنظمات حقوقية ودفاعية. وكان لهذا الإطار التشريعى الذى يفرض قيوداً عديدة على إنشاء ونشاط هذه المنظمات أكبر الأثر فى الحد من قدراتها وامكانيات نموها. وفيما يلى نعرض لنماذج من هذه القيود وما ترتب عليها من آثار سلبية:-
1-بالنسبة للتسجيل والاشهار:
تشترط كل الدول العربية ما عدا لبنان والمغرب موافقة السلطات الحكومية قبل بدء النشاط، وتوضع شروط مبهمة وغامضة لقيامها مثل عدم مخالفة النظام العام واثارة الفتنة وتستخدم هذه الشروط لرفض قيام الجمعيات التى لا تطمئن إليها الحكومة. ويعتبر قرار الرفض نهائياً لا يجوز التظلم منه أمام جهة قضائية فى بعض الأقطار العربية. ونرى نفس القواعد بالنسبة للنقابات العمالية والمهنية حيث لا يجوز إنشاء أكثر من نقابة لكل مهنة او أكثر من لجنة نقابية فى نفس الموقع.
2-سلطة حل الجمعيات:
يعتبر حل الجمعيات بواسطة السلطة الإدارية لا يقل خطورة وربما كان أكثر من رفض تأسيسها خاصة إذا أعطيت الجهات الإدارية حق حل الجمعيات فى غير المخالفات الخطيرة وبدون حق الاستئناف إلى القضاء. وفيما عدا لبنان والمغرب فإن معظم التشريعات العربية تعطى للسلطة الإدارية حق حل الجمعيات لأسباب متنوعة يمكن أن تصدر بشأنها عقوبات أقل مثل الانذار أو لفت النظر وليس حل الجمعية.
3-العلاقة بين السلطة الحكومية والمنظمات الأهلية
يتجاوز دور السلطات الحكومية بالنسبة للجمعيات حدود الرقابة والتوجيه بما يضمن سلامة الأداء وانتظام الأمور المالية وسلامة التصرفات المالية إلى حد الهيمنة والسيطرة الإدارية على الجمعيات، حيث تنص بعض القوانين على حق السلطة الإدارية فى إدماج الجمعيات وتعديل أغراضها واستبعاد بعض المرشحين لمجالس الإدارة وحق الاعتراض على القرارات، وتحديد الهياكل التنظيمية بشكل تفصيلى من خلال لائحة نموذجية تضعها الجهة الإدارية وتلتزم بها مجالس إدارة الجمعيات وللسلطات الحكومية حق الإطلاع على السجلات والغاء أنشطة معينة.
4-الموارد المالية:
تلتزم الجمعيات بمسك الدفاتر التى تحددها الجهة الإدارية وعدم الحصول على تبرعات ألا بعد موافقة الجهة الإدارية وضرورة تحديد مصادر التمويل، ويستخدم التمويل الأجنبى ذريعة لمحاربة الجمعيات واتخاذ إجراءات ضدها.
5-فرض عقوبات مغلظة على أعضاء مجالس الإدارة المخالفين يصل إلى عقوبة السجن مما يؤدى إلى أحجام المواطنين عن المشاركة فى العمل التطوعى خوفاً من التعرض لهذه العقوبات (3) .
ومن الجدير بالذكر أن النقابات العمالية والمهنية والجمعيات التعاونية والاتحادات الطلابية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدنى تخضع لنفس القيود تقريباً فى علاقتها مع السلطات الحكومية.
ورغم أن الدساتير فى معظم الأقطار العربية تؤكد حق المواطنين فى إنشاء الجمعيات والنقابات ألا أن التشريعات المطبقة تسلب المواطنين هذا الحق وتحرمهم من ممارسته بحرية. وكنموذج لهذا الوضع فإن قانون النقابات العمالية فى مصر يعطى للجهة الإدارية وهى وزارة العمل سلطات واسعة بالنسبة للنقابات مثل الحق فى الاعتراض على تكوين النقابة وطلب حل مجلس الإدارة المنتخب ومنح وزير العمل سلطة تحديد شروط العضوية فى مجلس الإدارة وقواعد تمثيل أعضاء اللجان النقابية فى النقابات العامة. وحق تحديد مواعيد الانتخابات وإجراءات الترشيح والانتخاب لمجالس الإدارة، وإصدار اللائحة النموذجية واعتماد اللائحة المالية ومراقبة مالية النقابات. وما تزال هذه الوصاية الإدارية قائمة رغم صدور حكم المحكمة الدستورية فى 15/4/1995 الذى ينص على “حق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها ووسائل تحقيقها وطرق تمويلها، والمواد والقواعد التى تنظم بها شئونها، ولا يجوز بوجه خاص ارهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق أو تمتعها بالشخصية الاعتبارية على قبولها الحد منها ولا أن يكون تأسيسها بأذن من الجهة الإدارية، ولا أن تتدخل هذه الجهة الإدارية فى عملها بما يعوق إدارتها لشئونها ولا أن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقابا لها، ولا أن تحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أفضل لتأكيد مصالح أعضائها والنضال من أجلها”.
ويؤكد موقف الحكومات من مؤسسات المجتمع المدنى أنها ما تزال تدير تفاعلات المجتمع بمنطق الحزب الواحد أو المسيطر وبآليات الاحتكار للقوة السياسية ولصناعة القرار، بل إن حصار المجتمع الأهلى يدل على رغبة هذه السلطة فى عدم السماح للتطورات والمبادرات المستقلة للجماهير بالإفلات من قبضة نظام الحكم (4) .
ثانياً: احتكار الإعلام والحد من حرية الصحافة:
يعتبر الإعلام الحر والمستقل جزءاً من المجتمع المدنى بما يوفره للمواطنين من معارف تساعد على غرس قيم الثقافة المدنية وتطورها مساهما بذلك فى تكوين رأى عام متفهم لضرورات تطوير مؤسسات يمارس المواطنون من خلالها دوراً إيجابياً فى الدفاع عن مصالحهم وتحسين أحوالهم، وممارسة التضامن الجماعى بما يقوى قدرتهم فى مواجهة إمكانيات الدولة الهائلة، كما يساعد الإعلام الحر والمستقل على تأكيد قيم الحوار والتسامح والتراضى على حلول وسط من خلال وسائل التنافس السلمية. ونحن نلاحظ أن هذا الدور الإعلامى مفتقد فى كثير من الأقطار العربية حيث تحرص الحكومات على إحكام سيطرتها على أجهزة الإعلام الجماهيرى كالتليفزيون والاذاعة واحتكارها بحيث لا تعبر ألا عن رأى الدولة، وتعمل هذه الحكومات أيضاً على الحد من حرية الصحافة. ولهذا فإن جزءاً هاماً من تحرك مؤسسات المجتمع المدنى والقوى الديمقراطية يجب أن يوجه إلى تحرير الإعلام من السيطرة الحكومية، واتاحة الفرصة لكل اتجاهات الرأى أن تعبر عن نفسها، وأن تتحول أجهزة الإعلام إلى منابر للحوار الحر ومصادر للمعلومات المتحررة من أى قيد، وإثراء معارف المواطنين بما يمكنهم من التجاوب مع متطلبات المشاركة الإيجابية، والتفاعل بشكل سليم مع التعددية الثقافية والدينية والسياسية التى هى احدى السمات الأساسية فى المجتمع العربى، ولتحقيق ذلك يكتسب تحرير الاذاعة والتليفزيون من سيطرة الحكومة أهمية خاصة، وتعديل القوانين المنظمة لها لتصبح جهازاً إعلاميا مستقلا تمثل فيها التيارات الفكرية والسياسية وتحصل من خلالها الأحزاب السياسية على فرص متكافئة لمخاطبة الشعب. والغاء الرقابة الحكومية على الإذاعة والتليفزيون عدا ما يتعلق بالآداب العامة. وتعديل قوانين الصحافة والمطبوعات والنشر لفتح الباب أمام حرية إصدار الصحف، وتعديل المواد والنصوص القانونية التى تفرض عقوبات قاسية على قضايا الرأى والنشر(5) .
ثالثاً: الحد من الحريات والحقوق الأساسية:
لا يمكن ان ينمو المجتمع المدنى وتنضج مؤسساته فى ظل مناخ غير ديمقراطى، وهناك ارتباط قوى بين تطور المجتمع المدنى والانتقال إلى الديمقراطية فى أى مجتمع من المجتمعات. وقد ربط الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بين الحق فى تكوين الجمعيات والحق فى المشاركة الشعبية وتوافر الحقوق والحريات الأساسية فى المجتمع، وحيث تتكامل هذه الجوانب الثلاثة باعتبارها شروطاً ضرورية للتطور الديمقراطى للمجتمع. ويلعب التضييق على الحريات والحقوق الأساسية دوراً محبطاً بالنسبة لإمكانيات تطور مؤسسات المجتمع المدنى وتشكل القيود المفروضة فى معظم الأقطار العربية على حرية التنظيم بما فى ذلك حق تشكيل الجمعيات وتأسيس النقابات عاملاً سلبياً يحول دون إسهام المواطنين فى العمل العام، كما يلعب دوراً مماثلاً القيود المفروضة على حرية الرأى وحق التعبير وما يتعرض له المواطن من انتهاك لحقوقه المدنية. ومن المهم أن تنتهى كافة القيود المفروضة على ممارسة الإنسان العربى لحقوقه وحرياته الأساسية لتمكينه من المشاركة فى القضايا العامة للمجتمع والمساهمة الإيجابية فى تكوين مؤسسات اجتماعية وشعبية متحررة من أى قيود حكومية.
الآثار السلبية للتضييق على مؤسسات المجتمع المدنى:
سوف نكتفى هنا بمعالجة الآثار السلبية لموقف النظم السلطوية من مؤسسات المجتمع المدنى على دور هذه المؤسسات فى دعم التطور الديمقراطى للمجتمع بشكل عام بما تقوم به من دور فى تربية أعضائها وفق قيم ديمقراطية وتدريبهم من خلال الممارسة ومن خلال الحياة الداخلية للجمعية على السلوك الديمقراطى واكسابهم الخبرة التى تمكنهم من المساهمة فى تعزيز التطور الديمقراطى بالمجتمع خارج مؤسساتهم. وقد أدت القيود التى أشرنا إليها فى علاقة الأجهزة الإدارية بمؤسسات المجتمع المدنى وبالنسبة لحق تأسيس الجمعيات وتمتع المواطنين بحرياتهم الأساسية واحتكار الإعلام للفئات الحاكمة، أدى هذا كله إلى آثار سلبية اضعفت الطابع الديمقراطى والدور الديمقراطى لمؤسسات المجتمع المدنى. ويمكن التعرف على هذه الحقيقة من خلال رصد واقع هذه المؤسسات فى المجالات الآتية:
1-مدى النمو فى العضوية الفاعلة والنشطة بالجمعية:
تتحدد ديمقراطية أى مؤسسة اجتماعية بعوامل متعددة يأتى على رأسها مدى مشاركة الأعضاء فى نشاطها ابتداءً من تخطيط النشاط إلى التنفيذ والتقييم ومراقبة الأداء وانتخاب القيادات، كما تتحدد ديمقراطية المؤسسة بمدى اتساع العضوية الفاعلة والنشطة ونموها فترة بعد أخرى. ولكننا نلاحظ أن عضوية كثير من الجمعيات الأهلية والمؤسسات القائمة على العضوية الاختيارية تتآكل عاما بعد الآخر ولا يوجد زيادة فى العضوية إلا بالنسبة للمؤسسات التى تشترط للاستفادة من خدماتها أن يكون المستفيد عضواً بها.
2-مستوى المشاركة فى حضور الجمعية العمومية للمنظمة:
وإذا كان النمو فى العضوية يعتبر مؤشراً على قدرة المنظمة على اجتذاب نشطاء جدد، فإن مستوى مشاركة العضوية وحضورها الجمعية العمومية للمنظمة (وهى أعلى سلطة فى المنظمة بحكم القانون) يشير إلى مستوى فاعلية الأعضاء ومشاركتهم فى صنع توجهاتها، وتحديد أولويات أنشطتها، والرقابة على أعمالها، وانتخاب قياداتها. وتؤكد الدراسات الميدانية عزوف الأعضاء عن حضور اجتماعات الجمعيات العمومية التى تنعقد بأقل نصاب قانونى بعد تأجيلها أكثر من مرة، وغالباً ما يقتصر الحضور على أعضاء مجلس الإدارة والعناصر المرتبطة بها والعاملين بأجر فى المنظمة. وبالتالى فإن اجتماعات الجمعية العمومية التى تعتبر أهم مؤسسات المشاركة داخل المنظمة هى اجتماعات شكلية لا تعكس مشاركة حقيقية وفاعلة للأعضاء، وتنفرد قلة محدودة العدد بإدارة المنظمة، مما يضعف الطابع الديمقراطى للمنظمة.
3-معدلات التغيير فى عضوية مجالس الإدارة:
تقاس ديمقراطية أى مؤسسة أيضاً بمعدلات التغيير فى عضوية هيئاتها القيادية لاتاحة الفرصة لتداول القيادة أمام أكبر عدد ممكن من أعضائها للتدريب على القيادة واكتساب خبراتها. ومن ثم يتأهل هؤلاء الأعضاء للمشاركة فى العمل العام خارج المنظمة ويتزودون بالخبرة اللازمة للقيام بدور قيادى. وبذلك تساهم مؤسسات المجتمع المدنى فى تزويد مختلف مجالات المجتمع بالقيادات الجديدة مما يعزز التطور الديمقراطى للمجتمع بصفة عامة. وتشير نتائج الدراسات الميدانية فى أكثر من قطر عربى إلى محدودية الدور الذى تقوم به هذه المؤسسات فى هذا الصدد، حيث يلاحظ جمود النخبة داخل المؤسسة واستمرارها فى القيادة لسنوات طويلة وارتفاع متوسط اعمارها مما لا يتيح للأجيال الجديدة فرصة حقيقية لتولى القيادة واكتساب خبراتها، وتتقاعس بذلك عن أداء أحد أدوارها الأساسية وهو تزويد المجتمع بالقيادات الجديدة.
4-آلية إصدار القرارات:
تنفرد النخبة المحدودة فى قيادة المنظمة باصدار القرارات المحددة لسياساتها وأولوياتها، ولا تتوفر بالتالى فرصة واسعة للمشاركة فى صنع سياسات المنظمة وتوجهاتها، حيث ينفرد مجلس الإدارة بالسلطة الفعلية فى إصدار معظم القرارات. ويشرف رئيس المجلس على العمل اليومى ويصدر القرارات المطلوبة لتسييره. وهكذا تصبح مؤسسات المجتمع المدنى صورة مما يجرى على مستوى السلطة العليا فى المجتمع من تركز القرار فى يد قلة محدودة أو فرد واحد، ولا يتوفر لها امكانية حقيقية لتجسيد نمط ديمقراطى فى القيادة ينعكس بعد ذلك على دوائر أوسع من مؤسسات المجتمع المدنى.
هكذا فإنه فى ظل السلطوية والسيطرة الحكومية على مؤسسات المجتمع المدنى لا تستطيع هذه المؤسسات أن تقوم بدور فعال فى التمكين للتطور الديمقراطى للمجتمع. وما يزال هناك فجوة كبيرة بين الدور المنوط بها وما تقوم به فعلاً. ومن المهم اختراق هذا الوضع بعمل نضالى طويل المدى يستهدف تحرير الإنسان العربى وتمكينه من السيطرة على مصيره انطلاقا من قدرته على بناء منظمات شعبية مستقلة يمارس من خلالها عملا جماعياً يؤهله للقيام بدور أكبر فى المجتمع، ويساهم أيضاً من خلال تطور هذه المنظمات فى دفع التطور الديمقراطى للمجتمع. وهناك بالفعل جهود مستمرة ومعارك متصلة بين مؤسسات المجتمع المدنى والقوى الديمقراطية وبين بقايا الاستبداد والأنظمة السلطوية سوف يحسمها فى النهاية قدرة هذه القوى والمؤسسات على ترسيخ ثقافة مدنية ديمقراطية فى المجتمع وتوفير أكبر قدر من الحريات والحقوق الأساسية وتطوير أشكال مناسبة للعمل الجماعى وإفراز قيادات جديدة تواصل حركة التطور الديمقراطى استناداً إلى مجتمع مدنى قوى ومستقل.
ثانياً: برنامج الإصلاح الديمقراطي: ويتضمن بشكل خاص:
1- اقرار مبدأ سيادة القانون ودولة المؤسسات.
2- احترام التعددية السياسية والنقابية والثقافية.
3- دعم استقلالية المبادرة الشعبية وإنهاء كافة القيود التي تحول دون تواجد مجتمع مدني قوي يتكون من منظمات مستقلة لمختلف فئات المجتمع: تنظيمات سياسية ونقابية واجتماعية وثقافية.
4- احترام الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
5- اشاعة ثقافة ديمقراطية تقوم علي قيم الحوار واحترام الرأي الآخر ورأي الأغلبية والتسامح والشفافية.
6- قيام إعلام ديمقراطي حر يكفل حرية تدفق المعلومات في المجتمع وتداول الآراء من مصادر متعددة دون قيود.
7- التوسع في أشكال المشاركة الشعبية المباشرة.
ثالثا: تقوية مؤسسات المجتمع المدني:
في إطار هذا البرنامج الديمقراطي للمجتمع كله يصبح من الممكن تطوير أوضاع منظمات المجتمع المدني لتكون أكثر فعالية ولتصبح بالفعل مؤسسات ديمقراطية قادرة علي الإسهام في التطور الديمقراطي للمجتمع كله وذلك من خلال:
1- تعديل التشريعات المنظمة للعمل الأهلي والمدني بحيث توفر استقلالية حقيقية في ممارسة النشاط.
2- تطوير التعاون بين مؤسسات المجتمع المدني وإنشاء أجهزة فنية مشتركة لها وتنسيقها حملات إعلامية مشتركة لطرح قضاياها ومشاكلها علي الرأي العام بحيث يصبح مساندا لقيامها بدور حقيقي في التنمية والتطور الديمقراطي.
3- توفير المناخ المناسب لقيامها بنشاط فعال من خلال التمكين للقيم الثقافية المساعدة علي التحول الديمقراطي وانعكاسها في سلوك المواطنين كقيم التسامح والحوار والاعتراف بالآخر والإدارة السلمية للاختلافات والتنوع.
4- تطوير العلاقة مع الدولة: حيث أثبتت التجربة حرص الحكومات علي وضع مؤسسات المجتمع المدني تحت وصايتها، وتمارس معها سياسة مزدوجة، فهي تتخوف من المبادرات الأهلية المنظمة خاصة تلك التي تحمل رؤية شاملة وتتخذ موقفا متحفظا من المنظمات الدفاعية كمنظمات حقوق الإنسان ومنظمات المرأة، ولكنها تتسامح مع المنظمات التي تنشأ في إطار اتفاقيات مع الدول المانحة للمساعدات لمواجهة المشاكل الناجمة عن التحول إلي اقتصاد السوق وسوف تبقي المواجهة بين الدولة والمجتمع المدني طالما بقيت سياسة الدولة تجاهها علي هذا الحال. ولذلك فمن المهم تطوير هذه العلاقة بحيث لا يفهم أن تقوية مؤسسات المجتمع المدني واستقلالها سيكون علي حساب أضعاف الدولة، لأننا في حاجة في ظروف العولمة إلي دولة قوية، قادرة، عادلة، تطبق الديمقراطية وتعطي المجتمع المدني فرصة النمو والازدهار. وفي هذا لإطار تعالج قضايا عديدة منها تطوير التشريعات القائمة وإلغاء القيود المفروضة علي مؤسسات المجتمع المدني لضمان استقلاليتها وديمقراطيتها الداخلية، والتأكيد علي أن العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني علاقة جدلية، تقوم علي التأثير المتبادل والمتطور، تبعا لتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهي علاقة تتراوح بين التكامل والصراع تبعا لمجال نشاط المؤسسة والتأكيد علي التكامل بين الدولة والمجتمع المدني فلكل منهما دوره الخاص. ويتطلب التعاون بين الطرفين لتحقيق هذا التكامل تحديد الأطر والآليات التي تكفل صياغة العلاقة بينها علي أسس موضوعية ومؤسسية مما ينعكس إيجابيا علي المجتمع.
5- تعميق الطابع المؤسسي للمجتمع المدني: يتطلب تقوية منظمات المجتمع المدني وتحولها إلي مؤسسات حقيقية تتوفر لها المقومات الأساسية التي لا يمكن بدونها أن تمارس نشاطها كمؤسسة مثل توفير البيئة الحقوقية التي تحدد وضعها القانوني في المجتمع وتكسبها الشرعية والاعتراف وتجديد شكلها القانوني ومجال تحركها، ووجود نظام أساسي يتضمن شروط العضوية، وتوزيع المهام وكيفية اتخاذ القرار وشروط تنفيذه وكذلك تحقيق الديمقراطية الداخلية. ومن المقومات الأساسية لتعميق الطابع المؤسسي تحديد أهداف المنظمة متضمنة إستراتيجياتها وبرامجها. ويتطلب تعميق الطابع المؤسسي لهذه المنظمات استنادا إلي الحقائق السابقة العمل الجاد من أجل تحسين البيئة الحقوقية بحيث تتوفر لها الشرعية وتدخل في إطار القوانين المرعية، والحرص علي تعميق الديمقراطية الداخلية لهذه المنظمات وتأكيد مبدأ الشفافية بالنسبة لبرامج النشاط والتمويل. وتنظيم برامج مستمرة لبناء الكادر البشري وما يتضمنه ذلك من بناء قدرات فردية وجماعية وتحديد اختصاصات الجميع وتزويدهم باستمرار بالمعارف والمهارات الضرورية. واستكمال البناء التنظيمي المتصل بالجهاز الإداري، وخلق الوظائف المناسبة في علاقة عمل سليمة بين العمل التطوعي والعمل المأجور. والحرص علي توافر الخبرة بالنسبة لإعداد الخطط وترجمة الأهداف إلي برامج عمل، وتقييم الإنجازات وضمان استدامة النشاط استنادا إلي الأنشطة المنفذة، وتطوير القدرة في الحصول علي تمويل مناسب لضمان استمرار النشاط واتساع نطاقه.
6- تطوير القدرات البشرية: وتشمل هذه العملية تدريب القيادات القائمة وتطوير قدراتها، واكتشاف قيادات جديدة، وتأهيلها لتحمل مسئوليات التخطيط والمتابعة والتقييم، وتوفير المهارات والخبرات الضرورية لها لممارسة مسئولياتها في كافة مجالات النشاط، ويدخل في ذلك تقديم مساعدات فنية لمؤسسات المجتمع المدني حول كيفية إعداد التقارير وإنشاء برنامج وطني لتدريب القيادات الوسيطة، والعمل علي إدخال مقررات دراسية عن العمل الأهلي بمؤسسات التعليم العالي وقيام هذه المؤسسات بدراسات وأبحاث حول المجتمع المدني ويشمل تطوير القدرات البشرية أيضا التدريب علي التكنولوجيا الجديدة وكيفية استعمال الكمبيوتر والفاكس والانترنيت، وذلك لبناء نوع من الارتباط مع المؤسسات الإقليمية والدولية ومراكز المعلومات بحيث تصبح مؤسسات المجتمع المدني جزءاً من شبكة من العلاقات والمصالح المشتركة علي مستوي القطر ومستوي الوطن العربي كله.
7- التمويل: تعتبر مشكله التمويل من أهم العوامل التي تعرقل عمل مؤسسات المجتمع المدني وتحد من نشاطها، وتلعب المساعدات المادية دوراً محوريا في تحديد اتجاهات عمل هذه المنظمات، ويرتبط التمويل بشروط عديدة تضع هذه المؤسسات تحت وصاية المانحين، مما يتطلب معالجة واعية لمشكلة التمويل حفاظا علي استقلالية مؤسسات المجتمع المدني وعدم الانحراف بنشاطها عن الدور الذي يجب أن تلعبه في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع ويتطلب ذلك العمل علي تخصيص موارد مالية من مصادر وطنية، وتوزيع الموارد المالية في جدول زمني محدد، وإنشاء صندوق قومي لدعم العمل الأهلي والمدني من موارد حكومية ومن القطاع الخاص والمؤسسات الدولية بحيث يكون متحرراً من أي شروط علي المجتمع المدني. وهناك حاجة ماسة إلي تطوير مهارات تدبير الموارد المالية وبصفة خاصة من خلال الأنشطة التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني.
8- توافر المعلومات: يتطلب بناء قدرات مؤسسات المجتمع المدني وتقويتها توافر معلومات كافية لديها عن مجالات نشاطها وعن أوضاع المجتمع في نطاق مسئولياتها، ويتطلب ذلك إنشاء بنك للمعلومات علي المستوي القومي، وإنشاء قاعدة بيانات لكل منظمة والتنسيق بين المنظمات في تبادل المعلومات، والاستفادة من شبكة الانترنيت في الحصول أولا بأول علي أي معلومات أو بيانات تحتاجها لممارسة نشاطها وتنفيذ برامجها.
9- التنسيق بين مؤسسات المجتمع المدني: من المهم لتقوية مؤسسات المجتمع المدني وتعزيز نشاطها أن تبرز في المجتمع كطرف أساسي تتكامل أنشطته من خلال التنسيق بين هذه المؤسسات بحيث يزيد تأثيرها في المجتمع. ويشمل هذا التنسيق تطوير عملية إنشاء شبكات من المنظمات التي تعمل في مجالات مشتركة أو تنشط في نطاق جغرافي واحد، لدعم جهودها في هذه المجالات. ووضع آليات وأطر تكفل التبادل المنتظم للمعلومات والخبرات، وعقد اجتماعات دورية لبحث المشاكل المشتركة، والتنسيق في مواجهة الأطراف الأخرى لتقوية الوضع التفاوضي لها. ومن المهم أن يشمل التنسيق أيضا المنظمات ذات الجذور العميقة في المجتمع مثل النقابات والتعاونيات واتحادات الطلاب والحركات الاجتماعية للاستفادة من خبراتها الطويلة في مجالات العمل الشعبي. وأن يتم التنسيق أيضا علي مستوي الوطن العربي كله وتبادل الخبرات بين مختلف المؤسسات في الأقطار العربية وما يتصل منها بصفة خاصة بالتطور الديمقراطي وتعبئة الحركة الجماهيرية لتحقيق مزيد من التطور الديمقراطي.
هوامش الفصل الرابع

(1) د. أماني قنديل، المجتمع المدني في العالم العربي، منظمة التحالف العالمي لمشاركة المواطن، دار المستقبل العربي، القاهرة، 1994. صــ68،69.
(2) د. أماني قنديل، المرجع السابق. صــ82.
(3) د. أمين مكي مدني تشريعات وقوانين المنظمات الأهلية العربية، ورقة مقدمه إلي المؤتمر الثاني للمنظمات الأهلية العربية، القاهرة 17-19 مايو 1997.
(4) د. أحمد ثابت، الديمقراطية المصرية علي مشارف القرن القادم، كتاب المحروسة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر، القاهرة، الطبعة الأولي، يناير 1999 صــ98.
(5) حسين عبد الرازق، الديمقراطية، كتاب مصر وقضايا المستقبل، سلسلة كتاب الأهالي، العدد رقم60، سبتمبر 1997. جريدة الأهالي صــ52.
======
*- المواطن



التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

مصادر القانون الدولي

مصادر القانون الدولي


عادة ما يميز فقهاء القانون الدولي في معرض حديثهم عن المصادر المادية والتكميلية للقانون ، والمقصود بدراستنا لمصادر القانون الدولي هي المصادر الرسمية ، وهي تلك الفنون التي من خلالها تكتسب القاعدة القانونية الدولية صفة الإلزام ، وفقهاء القانون الدولي في دراستهم لمصادر القانون الدولي يستندون إلى نص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والتي نصت على ما يلي :
« 1 – وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقاً لأحكام القانون الدولي، وهي تطبق في هذا الشأن:
( أ ) الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفاً بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
(ب) العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.
(ج) مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.
(د ) أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم ويعتبر هذا أو ذاك مصدراً احتياطياُ لقواعد القانون وذلك مع مراعاة أحكام المادة 59.
2 – لا يترتب على النص المتقدم ذكره أي إخلال بما للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقاً لمبادئ العدل والإنصاف متى وافق أطراف الدعوى على ذلك. »

– وما يمكن ملاحظته على نص هذه المادة :

v- أنها أهملت مصدرا هاما من مصادر القانون الدولي ويتعلق الأمر بالقرارات الدولية ، ويكفي الإشارة للمسألة العراقية حاليا للتدليل على إلزامية قرارات المنظمات الدولية خاصة إذا ما تعلق الأمر بمنظمة عالمية وعامة ، من مهامها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين كمنظمة الأمم المتحدة .
v- إن هذا النص مأخوذ حرفيا وبنفس الرقم من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدائمة الدولية والذي اعتمدته عصبة الأمم .
v- هذا النص يتضمن بعض المصطلحات التمييزية فيما يتعلق بالمبادئ العامة للقانون المقبولة في الأمم المتمدنة.

المصدر الأول : المعاهدات الدولية

إن المعاهدات الدولية كمصدر نظمت بعدة معاهدات واتفاقيات وأهم هذه الاتفاقياتاتفاقية فينا بشأن معالجة موضوع إبرام المعاهدات بين الدول، وذلك بتاريخ 23/05/1969.
وكذلك الاتفاقيات الخاصة …….

تعريف المعاهدة الدولية :

يمكن استخلاص تعريف المعاهدة الدولية من نص المادة الثانية الفقرة (ا) من اتفاقية فينا التي تنص على أن : « المعاهدة تعني اتفاق دولي يعقد بين دولتين أو أكثر كتابة ويخضع للقانون الدولي سواء في وثيقة واحدة أو أكثر ، وأيا كانت التسمية التي تطبق عليه ».
-حاولت هذه المادة تعريف المعاهدة بغض النظر عن التسمية أو المصطلحات التي تطلق عليها ، ذلك أن المعاهدة لها عدة مترادفات تؤدي إلى معنى واحد مثل : اتفاق ، اتفاقية، عهد، ميثاق ، بروتوكول التصريح، موادعة، نظام تبادل الخطابات …الخ.
ومن خلال التعريف السابق نلاحظ أن المعاهدة تقوم على 3 عناصر :

1.المعاهدة اتفاق شكلي:

ويقصد بذلك أن المعاهدة تخضع لعملية إبرامها إلى إجراءات محددة كالتوقيع والتصديق والتسجيل ، كما أن المادة 2 / أ حددت مثل هذه الإجراءات بوجود شرط الكتابة سواء كانت في وثيقة واحدة أو في عدة وثائق . وشرط الكتابة يطرح التساؤل حول ما إذا كان كشرط لصحة المعاهدة أو كوسيلة لإثبات المعاهدة.
وحول هذا التساؤل فإن فقهاء القانون الدولي يذهبون إلى أنه ليس هناك ما يحول دون أن تتم المعاهدة بصفة شفوية ، أي أنها لا تستدعي الكتابة ويستدلون على ذلك عادة برفع الراية البيضاء فيما بين المتحاربين كدليل على اتفاق وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية بصفة مؤقتة ، ولكن إذا رجعنا إلى ميثاق الأمم المتحدة نجد المادة 102 تنص على ما يلي :
« 1/
كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” بعد العمل بهذا الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وأن تقوم بنشره بأسرع ما يمكن.
2/ ليس لأي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة الأولى من هذه المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع الأمم المتحدة».

2.المعاهدة اتفاق يبرم بين أشخاص القانون الدولي :

ومعنى هذا أن المعاهدات الدولية يجب أن تتم بين شخصين وأكثر من أشخاص القانون الدولي ، ومؤدى هذا إلى استبعاد التصرفات الدولية المنفردة من نطاق دراسة المعاهدات كمصدر من مصادر القانون الدولي بالنسبة للأشخاص القانونية الدولية المؤهلة لإبرام المعاهدات الدولية ، فليس هناك خلاف من أن الدولة هي الشخص الرئيسي المخاطب بأحكام القانون الدولي ، والذي هو مؤهل لإبرام كل المعاهدات الدولية ، كما أن التطورات التي شهدتها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية أدت إلى توسيع أشخاص القانون الدولية ، حيث أن القانون الدولي الإتفاقي المتجسد في ميثاق الأمم المتحدة ( انظر المادة 104من نص الميثاق)[1]وكذلك الفقهاء الدوليين قد أضفوا الشخصية القانونية الدولية على المنظمات الدولية ، أما فيما يتعلق ببعض الكيانات القانونية الأخرى فإن خلافا فقهيا قد ميز توجه القانون الدولي بشأنها ويتعلق الأمر بـبابا الكنيسة الكاثوليكية وحركات التحرر والشركات المتعددة الجنسيات .
– فيما يتعلق ببابا الكنيسة يتمثل في دولة الفاتيكان ومدى تمتعه بالشخصية القانونية فإن هذا نتيجة للسيادة الروحية التي كان يباشرها هذا البابا على العالم المسيحي الكاثوليكي ، وحاليا على الرغم من الاعتراف للكنيسة الكاثوليكية على تبادل السفراء مع باقي الدول وإبرام المعاهدات الدولية فهذه المعاهدات شكليا هي بمثابة معاهدات دولية ، أما من الناحية الموضوعية نجدها كثيرا ما تعالج قضايا داخلية تهم المسيحيين ، وتبعا لذلك تبدو وكأنها تعالج وضعا داخليا .
– أما حركات التحرر الوطني فإن شخصيتها القانونية التي تؤهلها لإبرام المعاهدات الدولية التي تؤسس على أساس مبدأ حق تقرير المصير ، فالاعتراف بهذا الحق على الصعيد الدولي يتبعه اعتراف بصاحب الحق ، حيث لا يمكن تصور الحق من غير صاحبه .
والممارسة العملية أثبتت أن حركات التحرر الوطنية تقوم بإبرام المعاهدات الدولية كما هو الأمر بحركة التحرير الجزائرية مع فرنسا ، وكما هو الشأن عليه بين حركات التحرر الفلسطينية مع الكيان الصهيوني .
أما فيما يتعلق بالشركات المتعددة الجنسيات فإن الفقه الغربي حاول إضفاء هذا الوصف عليها وذلك حتى تكون في منأى من إجراءات الرقابة والتأميم التي تباشرها عليها الدول المضيفة على أساس مبدأ حق الشعوب في السيادة الدائمة على ثرواتها الطبيعية ، بينما هناك جانب فقهي آخر يطلق على هذا النوع من الشركات اسم المشروعات العابرة للحدود القومية على أساس أن هذه الشركات عادة ما تكون مسجلة في دولة محدودة ، وبذلك فهي تنتمي إليها ، وكل ما في الأمر أن نشاطات هذه الشركات تمتد خارج حدود الدولة التي سجُلت فيها من خلال الاستثمار.

3.يجب أن تبرم المعاهدات الدولية وفق قواعد القانون الدولي:

هذا العنصر ينصرف إلى أن موضوع المعاهدات الدولية يجب أن يكون مشروعا ، وأن لا تتعارض بصفة أساسية مع قواعد القانون الدولي الآمرة . لكن الصعوبة تثور في تحديد المقصود بقواعد القانون الدولي الامرة.

تصنيف المعاهدات الدولية

يعتمد الفقه الدولي في تصنيفه للمعاهدات الدولية على معيارين أحدهما شكلي ولآخر موضوعي .
ووفقا للمعيار الموضوعي : يجري التمييز بين المعاهدات الشارعة والمعاهدات العقدية وذلك استنادا للوظيفة القانونية ،فالمعاهدات الشارعة هي تلك المعاهدات المنشئة للقانون ويقصد بها تلك التي يكون الهدف من إبرامها تنظيم العلاقة بين الأطراف من خلال وضع قواعد قانونية تتسم بالعمومية والتجريد على عكس المعاهدات العقدية التي يكون الهدف من إبرامها هو تنظيم العلاقة بين أطرافها بشكل شخصي . و في الوقت الحاضر فإن المعاهدات الشارعة عادة ما تبرم في إطار منظمة دولية أو في مؤتمر دولي ، ومن أمثلة هذا النوع من الاتفاقيات :
اتفاقية فينا للمعاهدات 1969 ،قانون البحار 1963، اتفاقيات جنيف بشأن القانون الدولي الإنساني 1948،……..
بالنسبة للمعاهدات العقدية فهي تخص عدد معين من الدول ، ولا تسمح عادة بالانضمام إليها (تنظيم أمور خاصة بين الدول المتعاقدة ) ، ومن أمثلتها معاهدات الحدود ، التجارة …
وبالنسبة لفقهاء القانون الدولي الذين يميزون بين المعاهدات الشارعة والعقدية وفقا لما سبق ،فهم يرتبون نتيجة على ذلك وتتمثل هذه النتيجة في أن المعاهدات الشارعة هي فقط التي تصلح لأن تكون مصدرا من مصادر القانون الدولي، وإذا رجعنا إلى المادة38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية فإننا نرى أن هذه النتيجة غير مقبولة ، لأن هذه المادة اعتبرت المعاهدات الدولية سواء كانت عامة أو خاصة مصدرا من مصادر القانون الدولي ، ووفقا للمعيار الشكلي فإن الفقه الدولي يميز بين المعاهدات التامة بأتم معنى الكلمة و بين ما يصطلح على تسميته بالاتفاقيات ذات الشكل المبسط ، ومناط التمييز بين هذين النوعين من المعاهدات يكمن في ضرورة توخي بعض الشروط الشكلية لإبرام المعاهدات . فالمعاهدات ذات الشكل المبسط هي التي تصبح نافذة بمجرد التوقيع عليها ولا تحتاج إلى التصديق عليها ، بينما المعاهدات التامة لابد من التصديق عليها . ومن حيث الأثر القانوني فإنه لا فرق بين هذين النوعين ، حيث لكل منهما يتمتع بالإلزام ووجوب التنفيذ .
وكذلك وفقا للمعيار الشكلي فإنه يمكن التمييز بين المعاهدات الثنائية والمعاهدات الجماعية (متعددة الأطراف) ، وأهمية التمييز بينهما تكمن في مدى قبول أو عدم قبول التحفظ عليها ، لأنه كقاعدة عامة لا يكون التحفظ في المعاهدات الثنائية.

إبرام المعاهدات الدولية:

إن عملية إبرام المعاهدات الدولية يمر بعدة مراحل حيث عادة يجري التفاوض بشأن موضوع المعاهدة أولا ، وفي حال نجاح المفاوضات بين الأطراف فإنه لابد من تحرير المعاهدة فبل التوقيع عليها ، كما أن المعاهدة كقاعدة عامة لا تصبح ملزمة إلا بعد التصديق عليها من طرف أشخاص القانون الدولي ، وقد يقترن ارتضاء الالتزام بالمعاهدة بالتحفظ على بعض أجزاء منها ، ويجب أن تسجل لدى الجهة المعنية ، وإضافة إلى هذا وذاك فإن المعاهدة الدولية يجب أن تتوافر فيها جملة من الشروط الموضوعية وهي :

1.المفاوضات:

المفاوضات بشأن إبرام معاهدة دولية تختلف من معاهدة إلى أخرى ، فبالنسبة للمعاهدة الثنائية فإن مفاوضات إبرامها عادة ما تتم بأسلوب دبلوماسي بشكل يجمع وزير الخارجية بالممثل الدبلوماسي المعتمد بدولته ، أما في المعاهدات المتعددة الأطراف فإن المفاوضات بشأن الاتفاق على موضوعها عادة ما تجري في إطار منظمة دولية أو في إطار مؤتمر دولي يعقد خصيصا لهذا الغرض ، وفيما يتعلق بالأشخاص الذين يحق لهم إجراء المفاوضات باسم ولحساب الدولة فإن العرف الدولي استقر على أن كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية يحق لهم التفاوض دون حاجة إلى وثيقة تفويض وهؤلاء لهم اختصاص عام وشامل ، وأساس ذلك أن عملية إبرام المعاهدات الدولية عادة ما تكون من اختصاص السلطات التنفيذية ، وهؤلاء الثلاثة يمثلونها ، وإذا رجعنا إلى قانون المعاهدات فإننا نجده قد أعفى فئة أخرى من شرط وثيقة التفويض ويتعلق الأمر بالمبعوث الدبلوماسي بالنسبة للتفاوض بين دولته والدول المعتمدة عندها ، إضافة المبعوث المعتمد لدى منظمة دولية أو لدى مؤتمر دولي ، وإضافة إلى ذلك وعلى أساس ما تتمتع به الدولة من سيادة وحرية الاختيار فإنه يمكن أن تختار أي شخص آخر للتفاوض باسمها ولحسابها بشرط أن تزوده بوثيقة تفويض .

2.تحرير المعاهدات:

بعد نجاح المفاوضات تأتي مرحلة تحرير المعاهدات وأول قضية تطرح فيما يتعلق بالتحرير تتمثل في اللغة التي تحرر بها المعاهدة خاصة إذا كانت لغة الأطراف متعددة أو مختلفة .
إن الممارسة الدولية في شأن هذه القضية ليست موحدة، وهناك عدة طرق لمعالجة اللغة التي تحرر بها المعاهدة الدولية :
تحرير المعاهدة بلغة واحدة مثلما متبع في الماضي حيث كانت اللغة اللاتينية هي اللغة التي تحرر بها المعاهدات وحلت اللغة الفرنسية محلها بعد ذلك ، واستمر هذا الوضع إلى غاية الحرب العالمية الأولى .
تحرير المعاهدة بلغتين أو أكثر مع الإعفاء من الأولوية لنص المعاهدة.
تحرير المعاهدة بأكثر من لغة مع عدم إعطاء الأولوية لنص محرر بلغة محددة ، وعلى الرغم من المشاكل التي قد تثيرها هذه الطريقة في تحرير المعاهدات إلا أنها معمول بها على الصعيد الدولي استنادا على مبدأ المساواة في السيادة ، وباعتبار اللغة مظهر من مظاهر السيادة.
وفي الغالب فإن المعاهدات تحرر باللغات المعمول بها في منظمة الأمم المتحدة مع عدم إعطاء الأولوية لأية لغة، وهذه اللغات هي : الفرنسية ، الانجليزية، الروسية ، الصينية، والاسبانية.

3.صياغة المعاهدات

ديباجة- موضوع المعاهدة- بيانات فنية توضيحية أو ملاحق
الديباجة :وهي مقدمة المعاهدة وتتضمن عادة بيان بأسماء الأطراف ، والممارسة الدولية بهذا الشأن ليست موحدة ، فبعض المعاهدات تتضمن ديباجتها أسماء الأطراف المتعاقدة ، كما نص نص ميثاق الأمم المتحدة في ديباجته (
نحن شعوب الأمم المتحدة
وقد آلينا على أنفسنا :أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية،……..)
[2].
كما تتضمن الديباجة ذكر الأسباب والأسانيد الداعية إلى إبرام المعاهدة ، وكذلك الأهداف التي تسعى المعاهدة إلى تحقيقها .
صلب المعاهدة : ويتضمن القواعد التي تم الاتفاق عليها في شكل مواد وقد تكون هذه المواد في أبواب أو فصول أو بنود .
ملاحق المعاهدة : وهي بيانات تفصيلية ذات طابع فني .

4 . توقيع المعاهدات :

التوقيع إجراء يقوم به شخص من أشخاص القانون الدولي طرف في المعاهدة الدولية ، ويعبر بمقتضاها عند ارتضائه الالتزام بما ورد في المعاهدة ، أي أن التوقيع يِؤدي إلى إضفاء الصفة الرسمية على نصوص المعاهدة التي تم الاتفاق عليها خلال مرحلة التفاوض ، وقانون المعاهدات نص في المادة 12 على الحالات التي تكون فيها المعاهدة ملزمة بالتوقيع عليها وهي بقولها:
«1/ تعبر الدولة عن ارتضائها الالتزام بمعاهدة بتوقيع ممثلها عليها وذلك في الحالات التالية:
أ-إذا نصت المعاهدة على أن يكون للتوقيع هذا الأثر .
ب-إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على أن يكون للتوقيع هذا الأثر.
ج-إذا بدت فيه الدولة في إعطاء التوقيع هذا الأثر في وثيقة تفويض ممثلها أو عبرت عن ذلك أثناء المفاوضات.
2/ لأغراض الفقرة الأولى من هذه المادة :
أ-يعتبر التوقيع بالأحرف الأولى على نص معاهدة من قبيل التوقيع على المعاهدة إذا ثبت أن الدول المتفاوضة قد اتفقت على ذلك.
ب-يعتبر التوقيع بشرط الرجوع إلى الدولة على معاهدة من جانب ممثل الدولة من قبيل التوقيع الكامل عليها إذا أجازته الدولة بعد ذلك . »
يتضح من خلال هذه المادة أن الحالات التي تكون فيها المعاهدة ملزمة هي :
1-حالة ما نظمت المعاهدة ذاتها نصا يفيد بأنها تصبح ملزمة بمجرد التوقيع عليها ولا تحتاج بذلك إلى إجراء آخر مثل التصديق.
2-حالة ما إذا ثبت بطريقة أخرى أن أطراف المعاهدة قد اتفقوا على أنها تكون ملزمة بالتوقيع عليها .
3-حالة ما إذا تبين من وثيقة التفويض أو أثناء المفاوضات بأن الشخص القانوني الدولي كان يعبر عن إعطاء التوقيع الأثر القانوني للمعاهدة .
كقاعدة عامة نقول أن المعاهدة الدولية تكون ملزمة ويجب التوقيع عليها وتصبح نافذة من تاريخ التوقيع.
4-إذا كانت المعاهدة من النوع الشكل المبسط فإنها تصبح نافذة بمجرد التوقيع عليها .
والتوقيع على المعاهدة بالمعنى الصادق يجب أن يكون من الأشخاص المؤهلين لإبرام المعاهدات الدولية والذين سبقت الإشارة إليهم في معرض حديثنا عن المفاوضات .
والفقه الدولي في إطار معالجته لإجراء التوقيع عادة ما يشير إلى ما يصطلح بتسميته بالتوقيع بالأحرف الأولى ، ذلك أنه إذا كان التوقيع على المعاهدات الدولية يكون بكتابة الإسم الكامل لممثل الدولة المتعاقدة ، إلا أن الممارسة الدولية جاءت ببعض أشكال التوقيع الأخرى من حيث أن ممثلي الأطراف يوقعون بكتابة الأحرف الأولى من أسمائهم.
والحكمة من هذا الشكل من أشكال التوقيع تكمن من أن ممثل الدولة قد يكون مترددا بين قبول أو عدم قبول نصوص معينة من المعاهدة ويحتاج إلى استشارة الجهة المعنية العليا في دولته لإعطاء الموافقة النهائية.
كما يستعمل هذا الشكل للتوقيع في إطار بعض المنظمات الدولية إذا كانت المفاوضات بشأن إبرام المعاهدات تقوم بها أجهزة معينة والتوقيع يكون من اختصاص أجهزة أخرى كما هو الشأن بالنسبة للإتحاد الأوروبي في معاهدة ( ماستريخت ( Maastricht المبرمة في 07/02/1992 ، ولكن التوقيع بالأحرف الأولى قد يكون بالأحرف كاملة في حالة ما إذا ثبت أن أطراف المعاهدة قد اتفقوا على ذلك.
وأخيرا هناك بعض المعاهدات لا يتم التوقيع عليها وهي عادة تلك التي تبرم في إطار منظمة دولية ، حيث تعرض مباشرة على التصديق وذلك بعد إقرارها .

5 -التصديق:

هو التأكيد الرسمي على ارتضاء الالتزام بالمعاهدة التي سبق التوقيع عليها أو إقرارها .
والتصديق إجراء داخلي يقوم به الشخص القانوني الدولي وفقا لدستوره ، ويعلن بمقتضاه قبوله لأحكام المعاهدة والالتزام بتنفيذها . وأول قضية تطرح في دراستنا للتصديق تتمثل في الحكمة من التصديق ، أي لماذا يشترط القانون الدولي التصديق على المعاهدات ؟
-بالنسبة للفقه الدولي فإن هناك اعتبارات علمية قانونية واعتبارات عملية تحدد الحكمة من التصديق ، فالاعتبارات القانونية تتمثل في أن التصديق إقرار بأثر رجعي من جانب الموكل ( الدولة ) على تصرفات الوكيل الذي قام بإبرام المعاهدات الدولية ، ومثل هذا الاعتبار مستمد من الوكالة في القانون الخاص.
والاعتبار العملي يتمثل في أن المعاهدات الدولية قد تعالج موضوعا ذو أهمية كبيرة بالنسبة للدولة مما يستوجب إعطاء الدولة فرصة أخرى لإعادة النظر والتصحيح فيما تريد الإقدام علــــــــــــــــــــــــــيه.
سؤال : هل يمكن للدولة أن لا تقوم بالتصديق على معاهدة قبل التوقيع عليها؟

حرية الدولة في التصديق:

باعتبار التصديق تصرف قانوني تقوم به الدولة وفقا لسلطتها ، فإنه يخضع لسلطة الدولة التقديرية ، وتتجلى حرية الدولة في التصديق من خلال:
أ-للدولة حق اختيار التوقيت المناسب لها لإجراء عملية التصديق ، وقد يتأخر التصديق عدة سنوات من إبرام المعاهدة ،فمثلا المعاهدة التي بين أيدينا والمتمثلة في اتفاقية فينا لقانون المعاهدات المبرمة في مايو 1969 لم يتم التصديق عليها من طرف الجزائر إلا في سنة 1987 ( انظر الجريدة الرسمية عدد 42 لسنة 1987 ).
كذلك لم تقم الجزائر بالتصديق على الاتفاقيات المتعلقة بالعهدين الدوليين لحقوق الإنسان لسنة 1966 إلا في سنة 1989 .
وكذلك إمكانية أن تقوم الدولة برفض التصديق على المعاهدة لأي سبب من الأسباب ، فالكونجرس الأمريكي رفض التصديق على معاهدة فارساي سنة 1919 على الرغم من الجهود التي بذلها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (ولسن ) للتوصل إلى هذه المعاهدة .
وإن كان عدم التصديق على المعاهدة يعتبر من الأعمال غير الودية التي قد تعكر نقاوة العلاقات ، إلا أنه لا يعتبر بمثابة انتهاك أو خرق لالتزام دولي يرتب على الدولة المسؤولية الدولية ، ومن خلال الممارسة العملية الدولية يتبين أن إحجام الدول عن التصديق على المعاهدات الدولية قد يرجع إلى عدة أسباب من يبنها :
-تغير الظروف التي أبرمت في هذه المعاهدة .
-تجاوز المفاوض للسلطات الممنوحة له بمقتضى وثيقة التفويض.
-أو سبب عيوب الإرادة كإكراه ممثل الدولة على التوقيع على معاهدة أو إفساد إرادته.

من السلطة المختصة بالتصديق؟

عادة القضية تطرح بشأن جهاز الدولة المختص بالتصديق ، وعادة هذه القضية يحكمها القانون الداخلي (عادة الدساتير هي التي تحدد الأجهزة أو السلطات المختصة بعملية التصديق ) ، والممارسة العملية في هذا الشأن تظهر بأن السلطة التنفيذية هي السلطة المختصة بعملية التصديق المتمثلة في رئيس الدولة وهذا هو الوضع السائد في الأنظمة الديمقراطية (سلطة الأفراد ) ، وهناك بعض الدساتير تمنح الاختصاص بالتصديق إلى السلطة التشريعية كما كان الحال عليه في دستور الجمهورية التركية بعد إلغاء الخلافة الإسلامية وإقامة الجمهورية التركية ذات التوجه العلماني ، ودستور الإتحاد السوفيتي سابقا لسنة 1923 ، وفي الوقت الحاضر فإن بعض الدساتير تجعل الاختصاص بالتصديق مشترك بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، حيث يقوم رئيس الدولة بعملية التصديق بعد موافقة البرلمان ، وقد يكون ذلك بالنسبة لبعض المعاهدات أو لكل المعاهدات كما هو الشأن عليه في دستور الجزائر لسنة 1989 المعدل سنة 1996.

التصديق الناقص :

قد تقوم الدولة بالتصديق على معاهدة أبرمتها ولكن بكيفية مختلفة أو معايرة للكيفية المحددة في دستورها ، ومثال ذلك أن يكون الدستور قد أعطى الاختصاص بالتصديق للدولة، ولكن الرئيس قام بالتصديق على المعاهدة من غير موافقة البرلمان عليها ، فمثل هذا التصديق يطلق عليه الفقه الدولي مصطلح التصديق الناقص ، وقد نظر الفقه الدولي في قيمته القانونية . والفقه الدولي في معالجته لهذه القضية لم يقف على رأي واحد وتعددت اتجاهاته وذلك وفقا لما يلي :

الاتجاه الأول:

يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى القول بأن التصديق الناقص تصديق صحيح ويستندون إلى حجة وجوب عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، بمعنى أنه لا يجوز لأية دولة أن تتدخل في الشأن الداخلي لدولة أخرى ، وتفحص مدى موافقة تصرفات رئيس الدولة للدستور الساري فيها وهذا استنادا إلى الفقرة 4 من المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تـــنص على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، ومن ناحية أخرى فإنه يصعب التحقق من الأوضاع الدستورية السائدة في مختلف دول المعمورة.

الاتجاه الثاني:

يذهب أنصار هذا الاتجاه عكس الاتجاه الأول ومعناه القول ببطلان التصديق الناقص ، ويستند أنصار هذا الاتجاه في تبرير وجهة نظرهم إلى فكرة الاختصاص . بمعنى أي تصرف لكي يكون مشروعا وصحيحا يجب أن يصدر من ذوي الاختصاص ، ولما كان التصديق ناقص وفقا للمثال السابق ليس من الاختصاص الخالص برئيس الدولة فإنه يقع باطلا.

الاتجاه الثالث:

يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى الإقرار بعدم صحة التصديق الناقص والقول بقبوله في ذات الوقت ، بمعنى أن هذا التصديق الناقص هو تصديق غير صحيح والدولة التي أتت به تعتبر قد أتت بفعل غير مشروع مما يحملها المسؤولية الدولية ،وخير تعويض تقدمه هذه الدولة لإسقاط دعوى المسؤولية عنها هو قبول واعتماد ذلك التصديق الناقص .

-وفيما يتعلق بقانون المعاهدات بشأن هذه القضية وبالرجوع إلى المادة 46 والتي تنص على ما يلي :
«1/ ليس للدولة أن تحتج بأن التعبير عن رضاها الالتزام بالمعاهدة قد تم بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي يتعلق بالاختصاص بعقد المعاهدات كسبب لإبطال هـذا الرضا إلا إذا كانت المخالفة بينة وتعلقت بقاعدة أساسية من قواعد القانون الداخلي.
2/ تعتبر المخالفة بينة إذا كانت واضحة بصورة موضوعية لأيـة دولة تتصرف في هذا الشأن وفق التعامل المعتاد وبحسن نية ».
إذن من خلال هذا النص يتبين لنا أن مخالفة الدستور وهو القانون الأساسي للدولة يعتبر بمثابة مخالفة لقاعدة قانونية ذات أهمية جوهرية ، ولذلك يمكن للدولة أن تستند إلى أن التصديق على المعاهدات كان ناقصا من خلال عدم مطابقته لما نص عليه الدستور اعدم الالتزام بأحكام هذه المعاهدة ، ومن هنا نستنتج إلى أن قانون المعاهدات يعتبر التصديق الناقص غير مشروع.
وفيما يتعلق بالحالات التي يًشترط فيها التصديق على المعاهدات لكي تصبح تلك المعاهدات يمكن القول أن كل المعاهدات لا تنتج آثارها القانونية إلا بعد التصديق عليها باستثناء الحالات التي تكون فيها المعاهدة ملزمة بالتوقيع عليها واتي سبق الإشارة إليها ، أو إذا كانت المعاهدة من المعاهدات ذات الشكل المبسط .
وإذا رجعنا الى قانون المعاهدات فإن المادة 14 منه تنص على الالتزام بالمعاهدات من خلال التصديق عليها وفقا لما يأتي:
«1/ تعبر الدولة عن رضاها الالتزام بالمعاهدة بالتصديق عليها في إحدى الحالات التالية:
(أ) إذا نصت المعاهدة على أن التعبير عن الرضا يتم بالتصديق؛ أو
(ب) إذا ثبت بطريقة أخرى أن الدول المتفاوضة كانت قد اتفقت على اشتراط التصديق؛ أو
(ج) إذا كان ممثل الدولة قد وقع المعاهدة بشرط التصديق؛ أو
(د) إذا بدت نية الدولة المعنية من وثيقة تفويض ممثلها أن يكون توقيعها مشروطاً بالتصديق على المعاهدة، أو عبرت الدولة عن مثل هذه النية أثناء المفاوضات.
2/ يتم تعبير الدولة عن رضاها الالتزام بالمعاهدة عن طريق قبولها أو الموافقة عليها بشروط مماثلة لتلك التي تطبق على التصديق».

6-التحفظ على المعاهدات الدولية:

التحفظ هو تصرف صادر عن الإرادة المنفردة لشخص قانوني لشخص قانوني دولي عن ارتضائه للالتزام بالمعاهدة من خلال التوقيع أو التصديق أو الإقرار الرسمي ، ويكون الهدف منه الاستبعاد أو تعديل الأثر القانوني لبض نصوص المعاهدة لتطبيقها على الشخص القانوني الدولي ، والتحفظ قد يكون إعفائيا ( حذف بعض المواد ) وقد يكون تفسيريا .
والتحفظ بهذه الكيفية يجب أن يكون له كيان منفصل عن المعاهدة ، لأنه إذا ورد كنص من نصوصها سواء كان في شكل إعفائي أو تفسيري فإننا لا نكون بصدد تحفظ ، وإنما مثل هذا العمل يعتبر كنص من نصوص المعاهدة ذاتها ، وهناك عدة أسباب تجعل الدولة تلجأ إلى أسلوب التحفظ عند ارتضائها الالتزام بالمعاهدة الدولية ، فمبدأ العالمية يجب أن لا يقضي على مبدأ الخصوصية للشعوب الأخرى، ولذلك نجد أن العلاقات الدولية تزدهر كلما كانت خصوصية الدول محفوظة . والتحفظ على المعاهدات يعتبر كوسيلة للحفاظ على هذه الخصوصية هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن فكرة الرقابة على السلطة التنفيذية التي تقوم بإبرام المعاهدات يؤدي في كثير من الأحيان إلى إبداء بعض التحفظات على هذه المعاهدات .
وقد تعرض الفقه الدولي إلى قضية مشروعية التحفظات على المعاهدات الدولية ، لكنه اختلف إلى عدة اتجاهات ،وكل اتجاه فقهي تبنى نظرية محددة في تبرير أو عدم تبرير التحفظات التي تجرى على المعاهدة الدولية ، وفي إطار العمل الدولي يمكن الوقوف على عدة نظريات منها :
ا-نظرية الإجماع : اعتمدت هذه النظرية في إطار عصبة الأمم وتفيد بأن التحفظ على المعاهدة ولكي يكون مشروعا يجب أن يحـــــوز على موافقة جميع الأطراف ، وقد استقرت عصبة الأمم على هذه النظرية بمناسبة التحفظات التي أبدتها استراليا على معاهدة المخدرات التي أشرفت عصبة الأمم على إبرامها ، حيث انتهت اللجنة التي حددها مجلس العصبة للنظر في مشروعية التحفظات التي أبدتها استراليا على المعاهدة إلى أن التحفظات لا تكون مشروعة إلا إذا كانت مقبولة من جميع أطراف المعاهدة ، وإن اعترض طرف على هذه التحفظات فأن تلك التحفظات تكون باطلة مطلقا .
ب-نظرية الدول الأمريكية : هذه النظرية تم العمل بها في إطار منظمة الدول الأمريكية وهي منظمة إقليمية أنشئت عام 1948 وتظم الـــ و. م. أ ودول أمريكا الوسطى وغيرها ، ومفاد هذه النظرية أن الدولة المتحفظة يمكن أن تكون طرفا في معاهدة على الرغم من اعتراض بعض الأطراف بشرط عدم سريان النصوص التي جرى التحفظ بشأنها في مواجهة هذه الدول المعترضة على التحفظ ، ويلاحظ على هذه النظرية بأنها غير ملائمة بالنسبة للمعاهدات الشارعة.
ج-نظرية محكمة العدل الدولية : تم التوصل إلى هذه النظرية من خلال المعاهدات الدولية التي أبرمت بإشراف منظمة الأمم المتحدة في 09/12/1948 والمتعلقة بمنع جريمة إبادة الجنس البشري والعقاب عليها ، حيث أبدت بعض دول المعسكر الشرقي آنذاك بعض التحفظات عليها ، ولكن هذه التحفظات قوبلت بمعارضة شديدة من طرف بعض الأطراف الأخرى ، وفي 17/11/1950 طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة رأيا استشاريا من محكمة العدل الدولية بشأن هذه القضية ، فأفت المحكمة برأيها في 28/05/1951 بما يفيد بأنه يمكن إبداء التحفظات على المعاهدات بالرغم من وجود بعض الأطراف المعارضة بشرط أن لا تتعارض تلك التحفظات مع موضوع وغرض المعاهدة ، وتلك التحفظات تسري في مواجهة الأطراف التي لم تعترض عليها ولا تسري في مواجهة الأطراف التي اعترضت عليها . وهذا الرأي دون في نص المادة 19 من قانون المعاهدات بما يلي :
«للدولة، لدى توقيع معاهدة ما أو التصديق عليها أو قبولها أو إقرارها أو الانضمام إليها، أن تبدي تحفظا، إلا إذا:
(أ) حظرت المعاهدة هذا التحفظ؛ أو
(ب) نصت المعاهدة على أنه لا يجوز أن توضع إلا تحفظات محددة ليس من بينها التحفظ المعني؛ أو
(ج) أن يكون التحفظ، في غير الحالات التي تنص عليها الفقرتان الفرعيتان (أ) و(ب)، منافيا لموضوع المعاهدة وغرضها » .

7- تسجيل المعاهدات الدولية :

لقد سبقت الإشارة إلى هذه الجزيئية في معرض حديثنا في شرط الكتابة على المعاهدات الدولية ووقتها تساءلنا عما إذا كان شرط الكتابة شرط صحة أو شرط إثبات ، ووفقا لنص المادة 80 لقانون المعاهدات فإن تسجيل المعاهدات يكون من خلال :
«1/ ترسل المعاهدات بعد دخولها حيز التنفيذ إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة لتسجيلها وحفظها بحسب الحال، وكذلك لنشرها.
2/ يشكل تحديد جهة الإيداع تفويضاً لها بالقيام بالأعمال المذكورة في الفقرة السابقة.»
وإذا رجعنا إلى ميثاق الأمم المتحدة في المادة 102 تنص على :
1/ كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” بعد العمل بهذا الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وأن تقوم بنشره بأسرع ما يمكن.
2/ ليس لأي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة الأولى من هذه المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع “الأمم المتحدة”.
وفيما يتعلق بإجراءات التسجيل فإنها تتمثل في الآتي :
a-يقوم أحد أطراف المعاهدة بطلب تسجيله إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة .
b-إذا كانت الأمم المتحدة طرفا في المعاهدة فإن الأمين العام للأمم المتحدة هو الذي يتقدم بطلب التسجيل .
c-تتم عملية التسجيل في سجل خاص معد لذلك ، يتضمن تقييد المعاهدة مع بيانات عن الأطراف وتواريخ التوقيع والتصديق أو الإقرار الرسمي وتبادل التصديقات.وتاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ ، وكذلك بيان عن اللغات التي حررت بها هذه المعاهدة .
d-تقوم الأمانة العامة للأمم المتحدة بعد ذلك بنشر المعاهدة في مجموعة خاصة تسمى مجموعة المعاهدات التي نشرتها الأمم المتحدة.
e- تنشر المعاهدة بلغتها الأصلية مصحوبة بترجمة باللغتين الإنجليزية والفرنسية .
f-ترسل هذه المجموعة إلى جميع أعضاء الأمم المتحدة.

آثار المعاهدات الدولية:

إن القاعدة الدولية العامة في هذا المجال أن آثار المعاهدة تنحصر بين أطرافها ، لكن هناك استثناءات حيث تمتد فيها الآثار إلى الغير.

1-آثار المعاهدة على الأطراف المشاركة فيها :

هناك عدة قواعد قانونية تحكم تعامل الدول مع المعاهدات الدولية التي سبق أن ارتضت الالتزام بأحكامها ومن هذه القواعد :
أ- وجوب تنفيذ المعاهدات الدولية بحسن نية: ووفقا لنص المادة 26 من قانون المعاهدات التي تنص :
«كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها بحسن نية».
ب-عدم رجعية آثار المعاهدات الدولية : ومن هذا المبدأ فإن المعاهدات الدولية لا تسري على القضايا السابقة على إبرامها ، وهذا ما يتضح من خلال نص المادة 28 بحيث تنص :
«ما لم يظهر من المعاهدة قصد مغاير أو يثبت خلاف ذلك بطريقة أخرى لا تلزم نصوص المعاهدة طرفاً فيها بشأن أي تصرف أو واقعة تمت أو أية حالة انتهى وجودها قبل تاريخ دخول المعاهدة حيز التنفيذ بالنسبة لذلك الطرف ».
ج- تحديد النطاق الإقليمي للمعاهدة : تطبيقا لنص المادة 29 بقولها :
«ما لم يظهر من المعاهدة قصد مغاير أو يثبت خلاف ذلك بطريقة أخرى، تلزم نصوص المعاهدة كل طرف فيها بالنسبة لكامل إقليمه».
د- تطبيق المعاهدات المتطابقة التي تتعلق بموضوع واحد : ودراسة العلوم القانونية تتحدث عن القضايا المنشئة في القانون الدولي . وتنص المادة 30 من قانون المعاهدات على ما يلي :
«1- مع مراعاة ما جاء في المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة، تتحدد حقوق والتزامات الدول الأطراف في معاهدات متتابعة تتعلق بموضوع واحد وفق الفقرات التالية.
2- إذا نصت المعاهدة على أنها خاضعة لأحكام معاهدة أخرى سابقة أو لاحقة، أو أنها لا ينبغي أن تعتبر غير منسجمة مع مثل هذه المعاهدة فان أحكام المعاهدة الأخرى المعنية هي التي تسود.
3- إذا كان كل الأطراف في المعاهدة السابقة أطرافاً كذلك في المعاهدة اللاحقة دون أن تكون المعاهدة السابقة ملغاة أو معلقة طبقاً للمادة 59، فإن المعاهدة السابقة تنطبق فقط على الحد الذي لا تتعارض فيه نصوصها مع نصوص المعاهدة اللاحقة.
4- إذا لم يكن أطراف المعاهدة اللاحقة جميعاً أطرافاً في المعاهدة السابقة تنطبق القاعدتان التاليتان:
(أ) في العلاقة بين الدول الأطراف في المعاهدتين تنطبق القاعدة الواردة في الفقرة(3)؛
(ب) في العلاقة بين دولة طرف في المعاهدتين ودولة طرف في إحداها فقط تحكم نصوص المعاهدة المشتركة بين الطرفين حقوقهما والتزاماتهما المتبادلة.
5- ليس في حكم الفقرة (4) ما يخل بالمادة 41 أو بأية مسألة تتصل بالقضاء أو وقف العمل بمعاهدة وفقا للمادة 60 أو بأية مسألة تتصل بالمسئولية التي قد تنشأ على الدولة نتيجة عقدها أو تطبيقها لمعاهدة لا تتمشى نصوصها مع التزامات هذه الدولة في مواجهة دولة أخرى في ظل معاهدة أخرى» .
هـ-إحترام المعاهدات في القانون الداخلي: وفقا لنص المادة 27 فإنه :
«لا يجوز لطرف في معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلي كمبرر لإخفاقه في تنفيذ المعاهدة، لا تخل هذه القاعدة بالمادة 46.»

2-آثار المعاهدات بالنسبة للغير:

المقصود ب“الغير“ الأطراف الثالثة التي لم يسبق لها وأن ارتضت الالتزام بالمعاهدة بوسائل ذلك ، وفي الحالات المحددة والقاعدة مثلما وردت في المادة 34 من قانون المعاهدات :
«لا تنشئ المعاهدة التزامات أو حقوقاً للدولة الغير بدون رضاها » .
ولكن هذه القاعدة ليست مطلقة وترد عليها بعض الاستثناءات تمتد من خلالها آثارها إلى الغير وذلك في الحالات الآتية :
أ- المعاهدات المنشئة لمراكز قانونية موضوعية : فالمعاهدات التي تتضمن وضع نظام أساسي إقليمي تلزم الغير كما هو الشأن بالنظام القانوني بشأن “ حياد سويسرا“ الذي وضع في 30/03/1815 .
ب-المعاهدات المتعلقة بطرق المواصلات الدولية البحرية والنهرية : مثل اتفاقية القسطنطينية لسنة 1888 بشأن نظام الملاحة بقناة السويس وكذلك معاهدة لوزان بسويسرا لسنة 1923 بشأن المضايق التركية ( البوسفور والدرنديل ) .
ج-المعاهدات المنشئة لوحدة دولية جديدة: مثلما نص على ذلك ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة 6 من المادة 2 بقولها :
«تعمل الهيئة على أن تعمل الدول غير الأعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن الدولي» .
د-النص في معاهدة على أن آثارها تمتد إلى دولة أو دول ليست طرفا فيها : بشرط فبول هذه الأخيرة بذلك وهو ما نصت عليه المادة 35 من قانون المعاهدات بقولها :
«ينشأ التزام على الدولة الغير من نص في المعاهدة إذا قصد الأطراف فيها أن يكون هذا النص وسيلة لإنشاء الالتزام وقبلت الدولة الغير ذلك صراحة وكتابة».
وهناك حالات أخرى تمتد فيها آثار المعاهدات إلى الغير وذلك في حالة :
-شرط الدولة الأكثر رعاية.
-المعاهدات المنشئة لمنظمة دولية.
-المعاهدات المنشئة لدولة جديدة .


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

التداول على السلطة

التداول على السلطة

بقلم عماد بن محمد
vendredi 14 mars 2022.

مع خروج مصطلح التداول على السلطة من دائرة المحرم السياسي العربي اطرد الحديث عن امكانات الانتقال الديمقراطي للحكم في البلاد العربية, و عن أهم معوقاته, و طبيعة كيفياته. لكن في خضم هذا و ذاك, بقي مفهوم التداول أو على الأقل شق منه مبهما يتمنع عن التعريف و الحصر, و ذلك لاشكالات تتعلق بمفارقات في علاقة السياسيLe Politique بالسياسة La Politique من جهة, و من جهة أخرى لتنوع أشكال تطبيقات التداول في الديمقراطيات الحديثة.

I ـ في مفهوم التداول على السلطة :

ان محاولة تعريف مفهوم التداول على السلطة لا تخلو من صعوبات و استشكالات ترتبط بتعدد وجوه التداول, و تنوع لوازم امكانه مما يعرقل عملية حصره في اطار مفهومي واحد, و لكن فقط الجانب التقني لعملية التداول من حيث هو آلية لصعود قوى سياسية من المعارضة الى السلطة و نزول أخرى من السلطة الى المعارضة القادر على تحقيق أقدار من الاجماع و الاتفاق على عملية التعريف.

يعرف شارل دباش التداول على السلطة بكونه ’’مبدأ ديمقراطي لا يمكن ـ وفقه ـ لأي حزب سياسي أن يبقى في السلطة الى ما لا نهاية له, و يجب أن يعوض بتيار سياسي آخر’’. أما جان لوي كرمون فيعتبر أنه’’ و ضمن احترام النظام السياسي القائم يدخل التداول تغييرا في الأدوار بين قوى سياسية في المعارضة أدخلها الاقتراع العام الى السلطة و قوى سياسية أخرى تخلت بشكل ظرفي عن السلطة لكي تدخل الى المعارضة’’.

و لعل المتأمل في هذين التعريفين يتجلى له بوضوح التركيز على الجانب الوظيفي للتداول من حيث كونه آلية لادارة الدخول و الخروج الى السلطة والى المعارضة بين تيارات سياسية مختلفة. لكن في حقيقة الأمر ان اشكالية التداول على السلطة هي أعمق من ذلك بكثير فهي تكشف عن طبيعة الحالة الاجتماعية برمتها في صراعات أطرافها و تحالفاتهم و في درجة الوعي السياسي العام لذلك كان التحقق الفعلي لمبدأ التداول مرهونا بشروط مسبقة هي شرط امكانه.

IIـ في شروط التداول على السلطة :

ـ التعددية الحزبية :

في حمأة الصراع على السلطة تتجلى التعددية الحزبية كظاهرة طبيعية لاختلافات سياسية تتضمن تمايزات فكرية, ايديولوجية…الخ بين مكونات المجتمع السياسي. و تمثل ظاهرة ـ الاختلاف ـ هذه, عمق حراك المجتمع و هدف النظام السياسي الذي يتوجه اليها بالتنظيم لحفظ الدولة و المجتمع من التفكك و التحلل.

و لئن كان النظام الاستبدادي و من أجل الحفاظ على وحدة الدولة و المجتمع, التجأ الى قمع قيمة الاختلاف بين المكونات السياسية للمجتمع و تعويضها بنمطية و اتجاه في الغالب يمر عبر محق جميع ضمائر الجمع و تعويضها ما أمكن بضمير المفرد فان النظام الديمقراطي سعى جاهدا الابقاء على مبدأ الاختلاف قائما و لكن مع تنظيمه و تقنينه لكي لا يتحول الى خلاف.

ان التعدد في الأحزاب و الفئات السياسية هو في حقيقة الأمر من أهم شروط التداول على السلطة اذ تنعدم في نظام الحزب الواحد حرية الاختيار بين تيارات سياسية مختلفة و ينحصر الانتخاب في حزب السلطة الذي يهيمن عادة على كل الوظائف السياسية في الدولة وبذلك يفقد الانتخاب كل مضامينه الأساسية ليتحول الى أشكال أقرب الى الاستفتاء أو التزكية أو غيرها من المصطلحات المعبرة عن ابداء الرأى ازاء طرف واحد.

و أدنى أشكال التعددية الحزبية هو و جود حزبين سياسين متنافسين ينحصر التداول على السلطة بينهما في فترات تحددها القوانين المنظمة للانتخابات.

ب ـ الانتخابات :

يشترط التداول الديمقراطي على السلطة أيضا الاجراء الدوري لانتخابات حرة و نزيهة. و اذا كان لفظ التداول يطلق على عملية الدخول و الخروج من السلطة فان الانتخابات هي الاداة التي تتم بها هذه العملية. و دون الدخول في في تفاصيل عملية الاقتراع فيكفي القول بضرورة أن يجرى الاقتراع بشكل حر و عام و مباشر و سري, و يبقى اختيار أحد طريقتي الاقتراع المطبقتان حتى الآن في الديمقراطيات الحديثة, الاقتراع بأغلبية الأصوات و الاقتراع بمبدأ النسبية, أمرا موكول الى كل بلد حسب ما يرتضيه.

كما يجب التأكيد على ضرورة دورية اجراء الانتخابات فهي الضامن لعدم بقاء أحد الأطراف السياسية في السلطة الى ما لا نهاية له, و هي الكاشف للتغيرات الحاصلة في اتجاهات الناخبين للتصويت لهذا الطرف أو ذاك.

أخيرا, ان الانتخابات هي الضامن الأساس لعودة تيار سياسي الى السلطة بعد الخروج منها, وهي تمثل احدى أهم المحطات التي يمارس فيها الشعب سيادته و دوره كفيصل و حكم بين التيارات السياسية المتنافسة في البلاد.

ج ـ الاتفاق حول مؤسسات الدولة و حكم الأغلبية في ظل احترام الأقلية :

يفترض التداول على السلطة اتفاقا أوليا على مؤسسات الدولة. ان التداول هو ليس تغيير للدولة و انما هو تغيير في الدولة, وهو ليس تبديلا لنظام الدولة بقدر ما هو تغيير للنخبة الحاكمة فقط.

كذلك فان التداول هو تداول على تسلم أجهزة الدولة من أجل تطبيق قناعات و خيارات و برامج الفئات و الأحزاب السياسية الصاعدة الى السلطة, و ذلك من خلال المؤسسات القائمة ( مؤسسة الرئاسة, مؤسسة القضاء, مؤسسة الجيش…الخ). هذه المؤسسات التي لا يمكن تحويرها في الغالب الا بعد استشارة شعبية موسعة و تنقيحات دستورية عميقة بعد الحصول على اجماع داخل الطبقة السياسية. و يجدر الذكر بان دساتير بعض البلدان تحضر أي تعديل على بعض موادها كالنظام الجمهوري في فرنسا أو فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للمواطن في كثير من الدساتير الأخرى.

و من نافل القول بأن صعود نخبة سياسية الى سدة الحكم لا يعفيها من الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة التي سبقتها خصوصا في مستوى الاتفاقات الدولية و لكن هذا لا يمنعها طبعا من اعادة النظر في تلك القرارات و الاتفاقات المبرمة سلفا.

و هكذا تترائى لنا بعض أهم حدود التداول و المجالات التي يختص بها, و يبقى حكم الأغلبية ضمن احترام الأقلية, و ضمان حق العودةللفئات المغادرةللسلطةالى المعارضة آخر المبادئ التي يفترضها التداول, فطغيان الفئة الحاكمة و هيمنتها على المجتمع هو الممهد الأساس للدكتاتورية و الاستبداد و المعطل تعريفا لمبدأ التداول.

III ـ في أشكال التداول على السلطة

يتم تقسيم التداول عادة بالنظر الى حجم سيطرة النخبة السياسية الصاعدة الى الحكم على السلطتين التنفيذيتين و التشريعية و الذي يتعلق عادة بتوقيت و نتائج الانتخابات الرئاسية و البرلمانية.

أ ـ التداول المطلق :

هو التداول الذي تدخل على اثره السلطة بكاملها الى المعارضة. و يتأتى هذا النوع من التداول عادة في النظام البرلماني اثر فوز حزب أو تكتل حزبي متجانس من المعارضة بالأغلبية المطلقة من الأصوات في الاقتراع العام مما يؤهله الى تشكيل الحكومة بمفرده.

أيضا, يمكن أن يحصل تداول مطلق على السلطة في النظامين الرئاسي و نصف الرئاسي اذا ما كان عقد الانتخابات الرئاسية و البرلمانية في فترة زمنية واحدة مما يتيح للرئيس و الأغلبية البرلمانية أن يكونا من تكتل أو حزب واحد قادر على أن يشكل الحكومة بمفرده.

و يتواجد التداول المطلق خصوصا في نظام الحزبينLe Bipartisme . فكان تداول المحافظين و اليبرالين من سنة 1832 الى سنة 1914 في بريطانيا تداولا مطلقا تدخل على اثره السلطة بأسرها الى المعارضة في حين يتسلم الحزب أو الكتلة الفائزة بالأغلبية المطلقة في الانتخابات زمام السلطة.

و حقيقة, يعتبر التداول المطلق على السلطة أعظم و أهم تغيير يمكن أن يحصل في نظام سياسي ما بشكل سلمي و ديمقراطي.

ب ـ التداول النسبي :

هو التداول الذي يدخل فيه قسم فقط من السلطة الى صف المعارضة. و يوجد هذا النوع من التداول في النظامين الرئاسي و نصف الرئاسي حيث يتم انتخاب الرئيس و البرلمان في فترات زمنية متباعدة. اذ و على نقيض التداول المطلق حيث تنتمي السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية الى كتلة أو حزب سياسي واحد حاصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات فان التداول النسبي يتيح سيطرة طرف من المعارضة على قسم فقط من السلطة و الحزب الحاكم على القسم الآخر, أي بصورة أخرى أن تنتمي أغلبية البرلمان الى حزب أو كتلة سياسية في الوقت الذي ينتمي فيه الرئيس الى حزب أو كتلة سياسية أخرى.

و يوجد هذا النوع من التداول خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية, اذ عادة ما لا يكون الرئيس من الأغلبية المسيطرة على الكنغرس. ففي الفترة الفاصلة بين سنة 1944 و سنة 1988 لم يحصل تداول مطلق على السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية الاّ مرة واحدة و ذلك في سنة 1952 في عهد الرئيس ازنهاور.

ج ـ التداول عبر وسيط :

يوجد هذا النوع من التداول على السلطة خصوصا في ألمانيا, اذ بحكم عدم حصول أي حزب على الأغلبية المطلقة في البرلمان يتم التداول عبر ترجيح حزب ثالث كفة أحد الحزبين الرئيسين ( الحزب الديمقراطي المسيحي و الحزب الحزب الاجتماعي الديمقراطي) من أجل تشكيل الحكومة. و قد لعب الحزب الليبرالي لفترات طويلة دور المرجح لكفة أحد هذين الحزبين من أجل السيطرة على السلطة.

و كثيرا ما يأخذ الحزب الثالث بالبرلمان في هذا النوع من التداول حجما أكبر مما هو عليه في حقيقة الأمر, و غالبا ما يفرض على الحزب الذي اختار ترجيحه من أجل تشكيل الحكومة تنازلات سياسية.

و جدير بالذكر, ان الحكومة في هذا النوع من التداول كثير ما تكون غير قوية و ذلك لظلال الشك التي تعتريها من أن ينفرط عقد التحالف بين الحزبين الذين يؤلفانها على عكس ما هو موجود عادة في نظام الحزبين حيث يكون للحزب الفائز في الانتخابات القدرة على تشكيل الحكومة بمفرده و دون الحاجة الى الاستعانة بأقلية أخرى في البرلمان.

و في النهاية, يمكن لنا من دون عناء ملاحظة الاجماع الحاصل لدى الأنظمة السياسية على اعتبار التداول على السلطة كونه آلية منظمة للحياة السياسية. هذا بالاضافة الى اعتبار التداول كونه اتفاقا على حل المشاكل السياسية و الاجتماعية بطرق سلمية و تعاقدية, وهو عين ما تصبو الى تحقيقه الديمقراطية.

كما يعكس تنوع أشكال التداول على السلطة درجة الاجماع الحاصل ازاء النخبة السياسية الحاكمة. اذ يعبر التداول المطلق على رغبة الى تغيير جذري في السلطة لدى الناخب في حين يعكس التداول النسبي رغبة في تغييرات جزئية و أكثر بطئا, أما التداول عبر وسيط فيعبر عن رفض الناخبين لنظام الحزبين وهيمنة حزب أو اثنين فقط على الحياة السياسية.

أخيرا, يعبر تعدد أشكال التداول على السلطة عن تنوع وجوه النظام الديمقراطي من حيث هو نظام توافق و تعاقد سياسي و اجتماعي وليد تجربة تاريخية و فضاء ثقافي معينين.

عماد بن محمد
باحث في العلوم السياسية


التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

بحث حول النظام الفيدرالي


المسلك الفيدرالي

مقدمة

الفصل الأول : ماهية الفيدرالية ــ تحديد المفهوم
المبحث الأول: المبحث الاول:تعريف الفيدرالية
المبحث الثاني :المبحث الثاني :جذور الفيدرالية تاريخيا
المبحث الثالث: المبحث الثالث: خصوصيات الدولة الفيدرالية:
الفصل الثاني : مداخل دراسة المسلك الفيدرالي
المبحث الاول :سلطات الدولة الفيدرالية
المبحث الثاني: الإمتيازات المفترضة للحكومة الفيدرالية
المبحث الثالث :أهداف الإتحاد الفيدرالي:

الخاتمة

المقدمة

يعتبر الفكر الفيدرالي من أقدم الأطروحات الفكر التي علاقة مباشرة بالحياة الإجتماعية والسياسية و الاقتصادية للأفراد والجماعات وهذا منذو العصور القديمة

وهذا الفكر حافظ علي جوهره وهو البحث عن كيفية جمع الشمل بدل التفرقة و التفكك، وتفضيل العمل الجماعي بدل الفردي .وقد تطور هذا الفكر بصورة كبيرة نتيجة تطور و استمرار الدراسات التي اعتمدت في هذا المجال علي الاستنباط كما حدث مع التجربة الأمريكية.

مع تطور الأحداث و المعطيات علي الساحة السياسية وظف الفيدرالييون مناههج علمية تقوم علي التجربة الميدانية والمرحلية ما يتضح جليا في التجربة الأوروبية بالوصول لنظام فيدؤالي مرورا بخطوات ىالتقارب افقتصادي وعلي هذا لأساس يمكن طرح التساؤال لتالي:
مماذا قدم الطرح الفيدرالي في اطار المنظور التكاملي؟

ماهية الفيدرالية ــــ تحديد المفهوم

المبحث الاول:تعريف الفيدرالية:
نظام سياسي يفترض تنازل عدد من الدول أو القوميات الصغيرة في اغلب الأحيان، عن بعض صلاحياتها وامتيازاتها واستقلاليتها لمصلحة سلطة عليا، موحدة تمثلها على الساحة الدولية وتكون مرجعها في كل ما يتعلق بالسيادة والأمن القومي والدفاع والسياسة الخارجية)(4).
وفي تعريف آخر (تعني المشاركة السياسية والاجتماعية في السلطة وذلك من خلال رابطة طوعية بين أمم وأقوام أو تكوينات بشرية من أصول قومية وعرقية مختلفة، أو لغات في أديان أو ثقافات مختلفة وذلك في نظام اتحادي يوحّد بين كيانات منفصلة في دولة واحدة أو نظام سياسي واحد).
مع احتفاظ الكيانات المتحدة بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي، والحدود الجغرافية، واللغة والثقافة، و الدين إلى جانب مشاركتها الفعالة في صياغة وصنع السياسات والقرارات، والقوانين الفيدرالية والمحلية ـ مع الالتزام بتطبيقها ـ وفق مبدأ الخيار الطوعي، ومبدأ الاتفاق على توزيع السلطات والصلاحيات والوظائف كوسيلة لتحقيق المصالح المشتركة، وللحفاظ على كيان الاتحاد)(5).
فالفيدرالية إذن: نظام تقسم فيه سلطة الحكم بين الحكومة القومية وعدة حكومات أدنى في القومية، ويكون لكل حكومة السلطة العليا في محيطها.

المبحث الثاني :جذور الفيدرالية تاريخيا
لهذا النظام بعض من استخدموه مثل الاتحاد السويسري في القرن السادس عشر؛ إلا أن الذين كتبوا الدستور الأمريكي أقاموا أول صيغة حديثة من صيغ الفيدرالية، ولقد فعلوا ذلك لأنهم كانوا ملزمين بفعله.
فقد تمت الدعوة إلى مؤتمر عام 1787م في فيلادلفيا لان الأعضاء شعروا بان الأمة الجديدة بحاجة إلى حكومة أقوى بكثير مما تنص عليه مواد الكونفدرالية، لكن ممثلي الولايات الصغرى رفضوا الانضمام لأي حكومة قومية لا تحفظ لهم معظم السلطات التي يتمتعون بها، لذلك قسم واضعو اطر الدستور السلطة بين الحكومة القومية وحكومات الولايات، وأعطيت كل ولاية تمثيلا متساويا في مجلس الشيوخ القومي، لأنها كانت الطريقة الوحيدة للحصول على دستور جديد.
(فالدستور الأمريكي هو أقدم الدساتير المطبقة حاليا في العالم، فقد تم إقراره عام 1787 م وظل معمولا به حتى الآن بعد أن أدخل عليه على مدى أكثر من قرنين من الزمان أربع وعشرون تعديلا فقط)(1).
(لقد أرسى الدستور الأمريكي قواعد راسخة لنظام فيدرالي يقوم على الفصل الكامل بين السلطات مع إحداث توازن بينها يجعلها قادرة على مراقبة بعضها بعضاً بفاعلية، وخلق مؤسسات تتمتع بالقوة والمرونة في الوقت نفسه)(2).
فرئيس الولايات المتحدة يتمتع بسلطات تنفيذية هائلة، لكنها تتم تحت رقابة سلطة تشريعية قوية بدورها وفي ظل نظام قضائي يراقب أداء السلطتين معا ويمارس دوره كحارس أمين على الدستور. والسلطات الفيدرالية الثلاث تعمل من خلال نسق يحافظ على ذاتية واستقلالية كل ولاية ويكفل استقلال أجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية بشرط احترامها للدستور وعدم خروجها على مبادئه وأحكامه.
مع ذلك فقد اعتبر بعض واضعي اطر الدستور أن الفيدرالية أكثر من مجرد وسيلة سياسية.
فجيمس ماديسون بشكل خاص، كان يؤمن بان اكبر تهديد لحقوق الإنسان في حكومة شعبية هو استبداد الأغلبية الذي قد ينجم عندما تستولي إحدى الفئات على سلطة الدولة بكاملها وتستخدمها لخدمة مصالحها الأنانية الخاصة على حساب مصلحة الآخرين، وكان يعتقد بأن تقسيم السلطة بين السلطة وبين الحكومة القومية وحكومات الولايات، مع الفصل بين السلطات، هو أفضل طريقة لمنع هذه الكارثة)(3).

المبحث الثالث: خصوصيات الدولة الفيدرالية:
1-اتحاد مجموعة من الدول وتعاقد مجموعة من القوميات أو المجموعات السياسية المتفرقة في إطار دولة واحدة تمثلهم على الساحة الدولية، وقد تكون الدولة الفيدرالية هي نتيجة لتفرق مجوعة من الوحدات والقوميات في الدولة المركزية التي ارتأت أن تقيم علاقة فيدرالية مع مجموعتها الموحدة.
2-يتم تأسيس الدولة الفيدرالية على أساس الدستور الفيدرالي.
3-يقوم بكتابة الدستور الفيدرالي ممثلو الأقاليم الفيدرالية.
4-يحدد الدستور الفيدرالي نوع العلاقة بين الدول الأعضاء كما يحدد الدستور نوع العلاقة بين الأعضاء والدول الفيدرالية.
5-بمقتضى القانون الدولي فأن الدول الأعضاء في الفيدرالية لا تعتبر دولا مستقلة.
6-إلى جانب الدستور الفيدرالي يحق لدول الاتحاد الفيدرالي التمتع بدساتير محلية.
7-يحق لأقاليم الدولة الفيدرالية رفع أعلامها الخاصة بجانب العلم الفيدرالي المركزي.
8-لا يسمح الدستور الفيدرالي للدول الأعضاء بالخروج عن النظام الفيدرالي أو بتغيير النظام السياسي.

الفصل الثاني : مداخل دراسة المسلك الفيدرالي
المبحث الاول :سلطات الدولة الفيدرالية
للدولة الفيدرالية كالدولة المركزية ثلاث سلطات رئيسية، هي السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، ولكن لكل إقليم مثل هذه السلطات كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.
السلطة التشريعية: في كل دولة فيدرالية هناك برلمان يتكون من مجلسين حاكمين هما مجلس النواب ومجلس الشيوخ.
مجلس النواب: يضم جميع ممثلي الأقاليم بنسبة عدد السكان فيها ـ والذين يتم انتخابهم من قبل سكان الأقاليم بالاقتراع المباشر الحر.
مجلس الشيوخ: يجسد فكرة المساواة في السيادة بين ولايات وأقاليم الدولة الفيدرالية.إذ يضم ممثلي كل الأقاليم بنسب متساوية ويتم اختيارهم من قبل هيئات الأقاليم التشريعية والتنفيذية أو ينتخبون بشكل مباشر من قبل أهالي الإقليم.
السلطة التنفيذية : وتتركز في يد الرئيس المنتخب والذي يجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، فهو الذي يعين الوزراء ويعزلهم، والوزراء مسؤولون أمامه، ويكون المقر الدائم لرئيس الدولة الفيدرالية في عاصمتها.
السلطة القضائية : ويتولاها جهاز قضائي يباشر اختصاصه في استقلال تام عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتعتبر المحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية . باستثناء القضايا المنصوص عليها في الدستور الفيدرالي . أو الدساتير الإقليمية.
يقتسم النظام الفيدرالي سلطة الحكم بين الحكومة المركزية وسلطات الأقاليم حسب الطرق الرئيسية التالية:
– سلطات موكلة إلى الحكومة الفيدرالية تحديدا، مثل سلطة إعلان الحرب، وعقد المعاهدات مع الدول الأجنبية وصك النقود (على أن ينبغي لسلطات الأقاليم أيضا عقد الاتفاقيات مع الدول والمنظمات الدولية في الأمور التي تقع ضمن اختصاصاتها الإقليمية، خاصة في الميادين الثقافية والتجارية)(6).
وكذلك فإن من بين السلطات الموكلة إلى الحكومة الفيدرالية تحديدا هي السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي وإدارة الموانئ والمطارات، وشؤون البريد والبرق والجمارك.
– سلطات موكلة إلى سلطات الأقاليم: يمكن القول إن جميع الأمور الداخلية هي من اختصاص السلطات المحلية ( كما أن هذه السلطات تتمتع بجميع اختصاصات الدولة غير المنصوص عليها لصالح هيئات السلطة المركزية)(7). فللسلطات المحلية دساتير محلية خاصة بجانب الدستور الفيدرالي، ولحكومة الأقاليم سلطات تنفيذية، وتشريعية، وقضائية إلى جانب السلطات الفيدرالية العليا التي تعتبر مرجعاً أعلى.
وكذا فإن للسلطات المحلية لغة رسمية في أقاليمها هي لغتها القومية ـ كما للسلطات المحلية مجلس وزراء يقوم برسم السياسات العامة للإقليم في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.
كما أن للسلطات المحلية الحق في رفع علم خاص بها إلى جانب العلم الفيدرالي.
ويعتبر النظام السياسي السويسري نظاماً ديمقراطياً برلمانياً من طبيعة خاصة، يختلف عن النظم الرئاسية أو البرلمانية التقليدية، وهو نظام صاغته الصراعات الدينية والاثنية واللغوية التي استمرت على مدى قرون قبل أن تنصهر الأمة السويسرية في دولة فيدرالية محايدة ومتعددة اللغات، حيث يتحدث الألمانية منهم بنسبة (65 %) والفرنسية (18 %) والايطالية(12%).
ويعتبر فهم نظام الحكم المحلي هو المدخل الرئيسي لفهم النظام السياسي السويسري ككل فالوحدات المحلية (الكانتونات وأنصاف الكانتونات) ليست مجرد وحدات تابعة للحكومة المركزية وتدار من خلالها، وإنما هي وحدات مستقلة تدار ذاتيا وديمقراطيا وتتمتع باختصاصات وصلاحيات واسعة جدا تشمل ميادين السياسة العامة كافة. بما في ذلك التدريب العسكري.
والسلطة التشريعية في سويسرا تباشرها الجمعية الفيدرالية، والتي تتكون من مجلسين هما مجلس الدولة، والمجلس القومي.
أولا: مجلس الدولة: ويبلغ عدد مقاعده 46 مقعدا (مقعدان لكل من الكانتونات العشرين ومقعد واحد لكل من أنصاف الكانتونات الستة) . وكان الغرض الأساسي من إنشاء هذا المجلس أن يصبح للكانتونات دور رئيسي في منع القرار الفيدرالي على أساس من المساواة ، ولكن بمرور الوقت تحول هذا المجلس إلى مجلس نيابي يتم شغل مقاعده بالاقتراع العام المباشر.
• ثانيا: المجلس القومي: ويبلغ عدد مقاعده 200 مقعد يتم شغلها بالانتخاب المباشر على أساس القوائم الحزبية وبالتمثيل النسبي، ويخصص لكل كانتون عدد من المقاعد يتناسب وعدد سكانه مع ضمان حد أدنى من المقاعد للكانتونات الصغيرة، ولكل من هذين المجلسين وضع متساو في العملية التشريعية ويمكن لأي منهما الاعتراض على التشريعات التي يقرها الآخر، كما يمكن الرجوع إلى الناخبين مباشرة لاستفتائهم في قضايا معينة إذا طلب ذلك30/000 ناخب أو حكومات ثمان كانتونات.

المبحث الثاني: الإمتيازات المفترضة للحكومة الفيدرالية
يري ربجالند هاريسن أن الإختلافات بين الفيدراليين حول امتيازات مختلفة الإستراتجية لا تحمل أفكارا تجب مناقستها حول ميزات الشكل الفيدرالي للحكومة الفيدرالية. ومهما كان الشكل، لابد من توفر شرطين اساسين هما الإستفلالية والمشاركة ، إنه ينظر إليها من قبل مؤيدبها علي أنها امتيازات تتفوات بها علي الأشكال الأخري من الحكومات ، أما الأشياء الأخري فهم متساوون فيها.
أولا ـ الفيدرالية مصاغة بشكل مباشر لمسألة الاحتفاظ بالتنوع السوسيوثثقافي في المجتمعات المختلفة عند تحقيق لوحدة . إنها أحد الطرق لحل مسالة اندماج الحكومات ، ككيف مع بعض التحدي البئي المتخيل ، ما لم تعمق الإختلافات المحلية التي تصبح عائق دون الإندماج .فهذه مزية أكد عليها ماديسونmadison .من جهته وجد لورد برايس المطلب مبررا عمليا ،فالقيمالمحلية حافظت علي بقائها في الولايات المتحدة. وفي اوروبا ، يمكن النظر إلي المحافظة علي التنوع كشرط إولي لأي نوع من التكامل ، والتنوع المتعلق بخصوصيات إقليمية ووطنية محدودة والقيمة التي تربطها بهم .إنه لايوجد فقط الهويات القومية المرافقة لإقليم الدولة التب هي نظريا محمية داخل الإتحادالفيدرالي ولكن كذلك الهويات الإقليمية التي هي سليلة الحدودالوطنية ، أو الإقليمية التي غير ممثلة جيدا في البرلمانات الوطنية. وفي كل الأحوال نمط انتخابات البببرلمان الفيدرالي قادر علي تعزيز وجود التنوع.
ثانيا، النطلب الوثيق ةاللازم للعملية الفيدرالية الذي طرح من طرف برايسbryce في تقييمه للكومنولث الأمريكي ، وهو أن النظام الفيدرالي يوفرحااجز دون الحكم المطلق المركزيمن خلال استقلالية سلطات الدولة والمشاركتها في الحكومة الفيدرالية.
امتاز أخر للشكل الفيدرالي ويتمثل قي فعلية التخطيط الإقتصاديوالتنظيم في المجتمعات المتفدمة تكنولوجيا التي تتطلب اجراءات عملية ، بحيث يصبح الشكل الفيدرالي للحكومة هو المناسب .فقد رأي نيجول Nigoul ، أن هناك عوامل في العمل تؤدي إلي عجز الدول في حل المشاكل الجديدة .وفي مقابل ذلك هناك قوي اجتماعية جديدة غير محددة مهندسة لنشاط وححدة الدولة .خاصة في حالة الفيدراليةالتي يوجدفيها قوي منشطة للانبعاث افقليمي ، وكذلك تنمية التنظيم الدولي ، العام والخاص .فكما رأي نيوجل nigoul وجود الطبيعة اللغاؤشية الأحزاب الوطنية في الحالات ”المجتمع الجماهيري mass society ” ، ونمو قوة التكنوقراطيين ، كلها عوامل تعقيد مشاكل الحكومات المركزية التي لديها كلها عوامل تعقد مشاكل الحكومات المركزية التي لديها لديها كما هائلا من المسؤوليات الوظيفية. من الناحية النظرية ، في البنية الفيدرالية يحول بعض من هذه المشاكل إلي الحكومات الإقليمية ، وبالتالي يريح الحكومات المركزية سابقا في عهد الحكومة الوطنية في أروبا ، كان من السهل الإستجابة لمتطلببات معيار التخطبط افقتصادي الحديث ، لكن هذا العبء قد تغير اليوم ، وأصبح عموما من مسؤوليات الحكومة الفيدرالية . وفي هذا الصدد ، تري المقاربات الحديثة للتخطيط الإقتصادي أنه لابد من التماثل مع المبادئ توزيعالسلطات علي مختلف مستويات المشاركة التي تتطلبها الفيدراية . كما يتطلب الأي لبفيدرالي في التخطيط أن يكون حل القضايا أمرا مقترحا وليس مفروضا.

المبحث الثالث :أهداف الإتحاد الفيدرالي:
يقوم النظام السياسي للاتحاد الفيدرالي بناء على توفر الاسباب والمناخات التي تهدف فيما تهدف اليه بالدرجة الاساس الى اشاعة التعددية السياسية والمشاركة الفاعلة الحقيقية في ميادينها وفق أساليب ديمقراطية بعيداً عن سلطة الفرد أو مجموعة تنتهك القانون وتهدر الحقوق وترتكب الاخطاء والفظاعات بحق شرائح المجتمع المختلفة ، ، في حين يكون مجتمع المؤسسات في ظل النظام الديمقراطي أكثر عدالة في ظل القانون والرقابة الدستورية.
لقد ارتبط مفهوما الفيدرالية والاتحاد الفيدرالي حديثا ، بمبدأ حق تقرير المصير للامم والشعوب ، وهو المبدأ الذي تبلور مفهومه حديثا ايضا ، وأصبح متداولا في المواثيق الدولية ولوائح حقوق الانسان
أشار عدد من الباحثين وخبراء علم السياسة الى مفهومات عدة للفيدرالية ، لكنها في النهاية ، تتفق الى حد كبير من حيث الدلالة والمحتوى على تقديم شكل الدولة للمجتمعات التي يسودها التنوع والتمايز بين مكوناتها الاجتماعية ، فالفيدرالية تعني” المشاركة السياسية والاجتماعية في السلطة، وذلك من خلال رابطة طوعية بين أمم وشعوب وأقوام، أو تكوينات بشرية من أصول قومية وعرقية مختلفة، أو لغات أو أديان أو ثقافات مختلفة وذلك في نظام اتحادي يوحد بين كيانات منفصلة في دولة واحدة أو نظام سياسي واحد – مع احتفاظ الكيانات المتحدة بهويتها الخاصة من حيث التكوين الاجتماعي، والحدود الجغرافية، واللغة والثقافة، والدين إلى جانب مشاركتها الفعالة في صياغة وصنع السياسات والقرارات، والقوانين الفيدرالية والمحلية – مع الالتزام بتطبيقها – وفق مبدأ الخيار الطوعي، ومبدأ الاتفاق على توزيع السلطات والصلاحيات والوظائف كوسيلة لتحقيق المصالح المشتركة، وللحفاظ على كيان الاتحاد” .

الخاتمة

خلاصة القول حسب هذه الدراسة أن كل التجارب التكاملية التي تبنت النظام الفيدرالي فإن وثيقة الدستور الفيدرالي كانت دائما هي العمود الفقري لكل هذه التجاري . والنجاح والفشل لأي تجربة بكمن أن ينكشف من خلال ما تحتويه هذه الوثيقة فإذا كانت واضحة وصارمة في النقاط الأساسية التي يبن عليها الحكم والإتحاد .مثل كيف الوصول إلي السلطة والتداول عليها .كذلك فوقية القانون
فإذا كانت كذلك فنسبة النجاح تكون عالية وأما أذا كانت غامضة فستكون نسبة النجاح أقل من المأمول جدا……

قاائمة المصادر و المراجع
المصادر :
أ‌- الموسوعات :
1- عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسية , ج 4، ص 479
2- معجم النظم السياسية والليبرالية في أوربا الغربية وأمريكا الشمالية / الدكتور حسن نافعة، ص24.
المراجع :
أ‌- الكتب :
1- السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر، نظرة عالمية ، جابرييل ابه ــ آ لموند ـ جي بنجهام باول الابن ص 956
2- عامر عبد الله ، الفيدرالية والنظام الفيدرالي.

3- عامر مصباح نظريات تحليل التكامل الدولي .ديوان المطبوعات الجامعية .2008 الجزائر
ب‌- الأطروحات و الرسائل :
1- أتجاهات الرأي العام الجزائري نحو الوحدة .اطروحة دكتوراه من اعداد مصطقي ينون 2022 جامعة الجزائر
ج- المجلات و الجرائد :
1- مجلة النبأ عدد 59، الفيدرالية ـ ونظام الاتحاد الفيدرالي ، علي الشمري ص 56
د- شبكة الانترنت :
1- Wikipedia.org : مقال خاص بعنوان ( الفدرالية )
2- Moqatel.net : الفدرالية اهداف و تعاريف


merci bzf bzf

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .


merciiiiiiiiii

merci mmmrrrrrrrrrrreeeeeeeeeeeeeeeeeeeeecccccciiiiiii

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

سؤال عن السياسات العامة و الحكومات المقارنة

السلام عليكم
لدي سؤال و أتمنى أن اجد الجواب لديكم.
هناك فرع في العلوم السياسية يدعى " السياسات العامة و الحكومات المقارنة"
ماذا يعني بالضبط ؟ و ما هي المواد التي يدرسونها ؟ و أريد عناوين او نماذج عن الدروس لكي أستوعب أكثر.
و شكرا لكم مسبقا

المقارنات السياسية العامة تهدف للتوصل إلى فهم أعمق لكيفية عمل المؤسسات الحكومية والعمليات السياسية وهي تعالج المسائل الصعبة وعموماً يمكن القول أن السياسة العامة المقارنة هي دراسة كيف ولماذا ولأيما غرض تتبع الحكومات المختلفة مسالك محددة للفعل أو اللافعل.

وهذا التعريف يحتوي على عدد من التمييزات المفاهيمية المهمة. ولا شك أن بوسع المقارنات بين السياسات على مستوى الدول أن تستفيد من مجموعة منوعة من التوجهات الفكرية مع حرصها على البقاء قريبة من المعلومات التجريبية من التوجهات الفكرية مع حرصها على البقاء قريبة من المعلومات التجريبية الواقعية قدر الإمكان. إذ إننا بالمقارنة نتعلم أن نرى بصورة أفضل.


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر

تعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر

تعليم_الجزائرتعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر

تعليم_الجزائر
تعليم_الجزائر


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية . شكراااااااااااااااااااااا

التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

محاضرات في التنمية

المحاضرة1:التصنيع كأسلوب للتنمية
أ /نبيل بويبية / جامعة جيجل/2008/2009

يعتقد البعض أن التصنيع هو جوهر عملية التنمية، فهو يعرف بأنه عبارة عن أحد جوانب أو عمليات التنمية الاقتصادية، يخصص فيها نسب متزايدة من الموارد الوطنية من أجل إقامة هيكل اقتصادي محلي متنوع ومتطور تقنيا، قوامه قطاع تحويلي ديناميكي ينتج وسائل الإنتاج والسلع الاستهلاكية، ويؤمن معدلا عاليا من النمو الاقتصادي.
وفي هذه الحالة يجب أن يصبح قطاع الصناعة التحويلية بمثابة القطاع الرائد في الاقتصاد المحلي، وهذا ما حدث في الدول المتقدمة، حيث أقامت قطاعا صناعيا متنوعا أحدث تغييرا هيكليا في اقتصادياتها، فالثروة الصناعية التي حدثت في الدول الأوربية لم يقتصر دورها على إنتاج السلع الإنتاجية والوسيطة الاستهلاكية فقط وإنما أثرت تأثيرا واضحا على قطاعات الاقتصاد الأخرى (الزراعية، التعدينية، الخدمية…. ) وأحدثت تغييرا واضحا في هيكلها وبنيانها الاقتصادي.
ويمكن تحقيق ذلك بزيادة حجم الاستثمارات لتوسيع القاعدة الصناعية ومن ثم زيادة الدخل الصناعي الذي يسهم في نمو الدخل القومي، كما يترتب على ذلك امتصاص الصناعة لفائض العمالة الموجود في القطاع الزراعي، ويترتب على التصنيع تنويع الهيكل الإنتاجي وهيكل الصادرات، ويتميز الإنتاج الصناعي بارتفاع إنتاجية العمل واستخدام الأساليب والوسائل الإنتاجية المتطورة.
-i إستراتيجيات التصنيع.
أولا- إستراتيجية تصدير المواد الأولية:
لقد انتهج عدد كبير من الدول النامية هذه الإستراتيجية وذلك وفقا لمبدأ الميزة النسبية المتوفر لدى كل دولة، حيث على سبيل المثال نجد كلا من الجزائر والسعودية، تونس ومصر انتهجت هذه الإستراتيجية ولو بصفة جزئية وذلك بتخصص السعودية والجزائر في تصدير البترول وبعض الموارد المعدنية، أما تونس فقد تخصصت في تصدير الفوسفات والمواد الفلاحية البترول بدرجة أقل، أما مصر فقد اختصت في تصدير البترول والقطن مؤخرا .
أي أن هذه الإستراتيجية تتمثل في اعتماد الدول النامية على إنتاج وتصدير المنتجات والمواد الأولية الطبيعية، وهي أساسا المواد الخام، الوقود، المعادن، وبعض المنتجات الغذائية والزراعية ، وذلك سعيا منها للحصول على أسعار أعلى لصادراتها (أي جعلها أكثر قيمة) وجعل مداخليها من هذه الصادرات أكثر استقرارا .
ولكن رغم ما تحققه الدول النامية من مدا خيل هائلة بالعملة الصعبة نتيجة انتهاج هذه السياسة التصديرية للموارد الأولية (خاصة المصدرة للنفط)، إلا أنها لا تزال دون مستوى التنمية الاقتصادية، فنمو صادراتها من المواد الأولية والذي أدى بدوره إلى نمو ناتجها المحلي الإجمالي لم يؤد إلى أي دفعة في قطاعاتها الإنتاجية والتصنيعية .
1) مزايا وعيوب هذه الإستراتيجية:
1-1) مزاياها:
إن من المزايا الرئيسية الممكنة للنمو الذي يقوده تصدير المواد الأولية، أنه يؤدي إلى تحسين توظيف عوامل الإنتاج الموجودة وزيادة توفر عوامل الإنتاج، وانتقال الأثر إلى القطاعات الأخرى، فالإنتاج الذي يتبع طريق الميزة النسبية يؤدي إلى زيادة كثافة استخدام العناصر الأكثر وفرة نسبيا في العملية الإنتاجية، كما أن توسع الصادرات التقليدية قد يؤدي إلى توسع نطاق موارد الاستثمار الأجنبي والادخار المحلي والعمالة والقوة العاملة المدربة لتكميل عوامل الإنتاج الثابتة (الأرض والموارد الطبيعية) ، وذلك بطبيعة الحال في حالة ما إذا استغلت الإيرادات من العملة الصعبة الناتجة عن هذه الإستراتيجية التصديرية الاستغلال الأمثل.
1-2) عيوبها:
• ضعف معدل النمو الاقتصادي:
حيث أن اختيار السلع الرئيسية من المواد الأولية المصدرة لا يجب أن يكون فقط على أساس امتلاك ميزة نسبية في هذا المجال، بل يجب الأخذ في الحساب مقدار الحصيلة الإجمالية من العملة الصعبة الناتجة عن تصدير هذه السلع الرئيسية، وذلك لما لهذه الحصيلة من دور مهم في تمويل التنمية، وعلى سبيل المثال لو تواجه السلعة الرئيسية المصدرة منافسة قوية من جانب المنتجات الصناعية أو طلب ضعيف أو تدني في أسعارها، فإن الحصيلة الضعيفة من العملة الصعبة سوف تؤدي في النهاية إلى ضعف وانخفاض في معدل النمو الاقتصادي، ولهذا فإن الصادرات من المواد الأولية هذه يجب أن تضمن قدرا كافيا من العملة الصعبة لتمويل عملية تنمية باقي القطاعات .
• عدم استقرار الدخل من الصادرات:
ذلك أن البلد الذي لا يقوم بتنويع صادراته من المواد الأولية ويعتمد على تصدير سلعة واحدة أو عدد محدود من السلع، يتعرض لدرجة أكبر من عدم الاستقرار في الدخل الناتج عن الصادرات، إذا ما قورن بالبلد الذي يقوم بتنويع هيكل صادراته.
وحتى يمكن أن نقول أن الدخل من الصادرات يتمتع بالاستقرار يجب أن تكون هناك درجة من النمو في الدخل في المدى الطويل، وهذا كما تم ذكره لا يتحقق إلا بتنوع هيكل الصادرات وذلك بشرط أن يتجاوز هذا التنوع تصدير المواد الأولية إلى تصدير السلع نصف مصنعة أو كاملة الصنع الناتجة عن تحويل هذه المواد الأولية .
• عدم الاستقرار في أسعار المواد الأولية المصدرة:
حيث تتعرض المواد الأولية في المدى القصير لتقلبات شديدة في أسعارها وحجم صادراتها، والتي بدورها تؤدي إلى تقلبات في المداخيل بالعملة الصعبة، وما لذلك من أثر على التنمية الاقتصادية وذلك بسب قلة مرونة الطلب الدخلية والسعرية عليها، وقلة مرونة عرضها والتي ترجع من جانب إلى عدم الاستقرار في صناعات البلدان المشترية، ومن جانب آخر إلى اختلاف المواسم وبالتالي اختلاف كميات المنتجات (في حالة المنتجات الصناعية والغذائية) .
كما تتعرض المواد الأولية المصدرة في المدى البعيد إلى انخفاض أسعارها، ويعود سبب هذا الانخفاض في الطلب إلى عدة أسباب منها :
 نمو دخل الدول المتقدمة ما يترتب عنه نمو في الطلب على السلع الغذائية للدول النامية.
 توجه الدول الصناعية إلى الصناعات التي تنخفض فيها نسب استخدام المواد الأولية.
 انتهاج الدول المتقدمة الصناعية لإستراتيجية الإنتاج الأولي خاصة الزراعي وذلك سعيا منها لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
• تراجع معدلات التبادل الدولي:
ويعتبر هذا عيبا آخر من عيوب هذه الإستراتيجية، ويكون هذا سبب في تناقص حجم الصادرات نتيجة انخفاض الطلب على المواد الأولية وانخفاض أسعارها، ويكون اتجاه معدلات التبادل الدولية في غير صالح الدول النامية، ونتيجة لذلك تجد نفسها عاجزة عن تدبير العملة الصعبة لمقابلة حاجاتها المتزايدة من واردات السلع الاستهلاكية والسلع الرأسمالية، وبما أن الصادرات تشكل نسبة مهمة من الدخل القومي فإن الخطورة تزيد على الاقتصاد الوطني ككل .
ثانيا- إستراتيجية الإحلال محل الواردات:
1) تعريفها:
تعني إقامة بعض الصناعات التحويلية من أجل سد حاجة السوق بدلا من السلع المصنوعة التي كانت تستورد من الخارج ولقد سعت الكثير من الدول النامية إلى اتباع هذه الإستراتيجية، والمقياس الأكثر شيوعا لقياس الإحلال هو الذي يعطي الإحلال على أنه النسبة بين الواردات والعرض الكلي من السلعة، فإذا ازداد الإنتاج المحلي(العرض) بمعدل أعلى من معدل زيادة الواردات فإن يعني أن إحلال الواردات قد تم، أما إذا زادت الواردات بمعدل أكبر من معدل زيادة الإنتاج المحلي فإن ما يتم هو عكس إحلال الواردات ويكون إحلال الواردات سالبا .
2) مراحلها:
تتكون هذه الإستراتيجية من مرحلتين أساسيتين هما :
2-1) المرحلة الأولى:
ويتم في هذه المرحلة إحلال الواردات محل السلع الاستهلاكية غير المعمرة ويكون الإحلال بواسطة إقامة صناعات خاصة لهذه السلع (مثل صناعة الملابس، الأحذية… )، بالإضافة إلى الصناعات التي تنتج المدخلات المطلوبة لإنتاجها (مثل الخامات الخاصة بصناعة النسيج والجلد والخشب)، وعادة ما توفر الدولة لهذه الصناعات الحماية الكافية وذلك لمنع منافسة المنتجات الأجنبية، ولضمان القدر اللازم من الأرباح للمستثمرين لتحفيزهم على إقامتها.
2-2) المرحلة الثانية:
وتبدأ هذه المرحلة عندما يصل الإحلال في المرحلة الأولى إلى الدرجة التي تؤدي إلى زيادة الإنتاج المحلي للسلع الاستهلاكية بنسبة تفوق زيادة استهلاكها المحلي، أي أن السوق المحلية لم تعد قادرة على امتصاص المزيد من المنتجات الاستهلاكية لذلك يتم توجيهها نحو التصدير، وفي نفس الوقت يمكن البدء في إقامة بعض الصناعات الوسيطة والرأسمالية وذلك بمساعدة التقدم الصناعي الذي يكون قد تحقق في المرحلة الأولى.
3) سياساتها وشروط نجاحها:
من جهة أولى إن إتباع هذه الإستراتيجية مرتبط بتطبيق السياسات التالية .
• الإبقاء على أسعار صرف مرتفعة للعملة لكي تنخفض تكلفة الواردات الأخرى (باستثناء الأغذية) وذلك لحماية المنتجات المحلية، وفي عدة مرات تجدد أسعار الصرف لأغراض مختلفة توازي إلى حد ما التباينات في معدلات التعريفات.
• الإبقاء على مراقبة أدق للموجودات من العملة الصعبة، وإقامة نظام لترخيص الاستيراد بحيث يكون من الضروري الحصول على رخصة استيراد من هذا النظام.
• منح قروض حكومية بأسعار فائدة منخفضة جدا لأغراض تفضيلية كتأسيس مشاريع تصنيعية.
ومن جهة أخرى فإن نجاح هذه الإستراتيجية يتطلب عدة شروط يتقدمها وضع أسس لاختيار الصناعات التي يجب إحلالها محل الواردات، وهي تشمل الصناعات الاستهلاكية، ثم الوسيطة الإنتاجية، مع أهمية مراعاة عدم استمرار سياسة الحماية المتبعة وتخفيفها مع مرور الزمن، إلى جانب ضرورة الاعتماد على الموارد المحلية قدر الإمكان وتقليل التبعية للخارج، وذلك من خلال تعظيم استغلال الطاقات الإنتاجية المتوفرة، والاستخدام الأمثل للفائض الاقتصادي المتاح، مع الاهتمام بالتقنية المحلية والعمل على تطويرها بالطرق والأساليب العلمية الممكنة، ومحاولة تطوير التقنية المستوردة من الخارج في الاستفادة من التطور العلمي الحاصل في الدول الأخرى.

4) عيوبها:
لقد أثبتت هذه الإستراتيجية فشلها في تحقيق التنمية في البلدان النامية، لأنها كانت تبدأ بالحد من الواردات وتنتهي باستيراد حتى الخامات والمواد الأولية ابتداء من وسائل الإنتاج من سلع تجهيز ومنتجات نصف مصنعة إلى سلع الاستهلاك، وانتهت هذه الإستراتيجية بزيادة الواردات والديون الخارجية، فظلت الدول المنتهجة لها تابعة للدول المتقدمة ومربوطة بتصدير المواد الأولية إليها .
ويرجع فشل هذه الإستراتيجية في تحقيق ما كان مرجوا منها لعدة أسباب نذكر منها :
• ارتفاع تكاليف الإنتاج والناتجة عن الحماية، يعيق عملية التصنيع ويحد من حجم السوق المحلي ويجعل الصناعات تعتمد في بقائها على استمرار الحماية.
• إن معظم السلع المنتجة في ظل هذه الإستراتيجية هي سلع استهلاكية كمالية أو شبه كمالية.
• إن الحماية ينتج عنها غالبا ارتفاع في أسعار السلع المنتجة وكذلك ارتفاع الأجور مما يعرقل عملية التصدير ويولد الضغوط التضخمية.
• إن التصنيع الاستهلاكي في غالب الأحيان يعتمد على المواد الخام المستوردة الأمر الذي يفاقم من مشكلة النقص في العملة الصعبة.
ومجمل القول أن هذه الإستراتيجية لا تعطي المنتجات المصنعة في ظلها قدرة تنافسية لمواجهة المنتجات الخاصة بالدول الصناعية .
ثالثا- إستراتيجية التصنيع من أجل التصدير:
1) مفهومها:
يقصد بإستراتيجية التصنيع من أجل التصدير التركيز عند اختيار ما يتم القيام به من صناعات على تلك الصناعات التي تتوفر لها فرصة تصدير منتجاتها، ويعني ذلك أنه في هذه الإستراتيجية يكون التركيز بشكل أساسي على التصدير للسوق الخارجية، أما التسويق في السوق المحلية فإنه أقل أهمية، وتعطي هذه الإستراتيجية للتصدير أهمية كبيرة، فهي تعتبره المسؤول الأول عن تمويل خطط التنمية في الدول النامية على أساس ذاتي، ذلك أن جانبا هاما من احتياجات التنمية في هذه الدول من السلع الوسطية والاستثمارية، وحتى من السلع الاستهلاكية لا يمكن إشباعه إلا بالاستيراد من الخارج، ولا بد من توفير حصيلة جيدة من الصادرات لتمويل هذه الواردات، ويزيد من أهمية هذه الحصيلة وضع صادراتها من المواد الأولية وما تعانيه من تدهور شروط التبادل التجاري لغير صالحها وانخفاض إيراداتها من هذه الصادرات، ولذلك يكون من صالح الدول النامية تصدير المزيد من منتجاتها الصناعية والتقليل ما أمكن من تصدير المواد الأولية بشكلها الخام .
2) دوافع وأسباب تطبيقها:
يمكن ذكر أهم الأسباب التي تجعل الدول النامية تأخذ بهذه الإستراتيجية فيما يلي :
• الاستفادة من المزايا النسبية المحلية فتتحول الدولة من مصدر للمنتجات الأولية إلى مصدر للمنتجات الصناعية التي تستخلصها من المنتجات الأولية، فتتحول مثلا الدولة المصدرة للنفط الخام إلى تصدير مشتقاته المتعددة.
• الاستفادة من وفرة حصيلة الصادرات من العملة الصعبة التي ستتحقق بفضل إتباع هذه الإستراتيجية لتمويل عمليات التنمية الاقتصادية، ومساعدة الدولة في عدم لجوئها إلى الاقتراض من الخارج إلا عند الضرورة القصوى.
• التغلب على مشكل ضيق السوق المحلية وما يعانيه من صغر حجم الوحدات الإنتاجية، وبالتالي ارتفاع تكاليف الإنتاج، فإذا استطاعت الصناعات البيع في الأسواق الأجنبية فإن هذا سيؤدي إلى كبر حجم الوحدات الإنتاجية وتخفيض نفقات الإنتاج، وتتمثل أشكال إقامة صناعات التصدير في :
 إما تصنيع المواد الأولية وتصديرها.
 أو انتقال صناعة إحلال الواردات إلى مرحلة التصدير.
 أو إقامة الصناعات التصديرية على أساس الميزة البينية للدول النامية.
3) سياساتها وشروط نجاحها:
3-1) سياساتها:
وتتمثل سياسات هذه الإستراتيجية في الإصلاحات التي تم إدخالها على إستراتيجية إحلال الواردات بهدف الانتقال للتصدير وتتمثل فما يلي :
• منح معونات للسلع الصناعية المصدرة.
• تخفيض الحماية الجمركية على السلع المستوردة.
• تعديل أسعار الصرف.
• رفع أسعار الفائدة وجعلها تعطي أسعارا إيجابية حقيقية.
• إدخال تعديلات على أسعار الخدمات التي تقدمها المرافق العامة بهدف جعلها أسعارا معقولة.
3-2) شروط نجاحها :
من أهم شروط نجاح هذه الإستراتيجية ما يلي:
• الاستقرار السياسي والاقتصادي.
• توفير الحوافز للمصدر كالإعفاءات الضريبية للعمليات المدعمة والمكملة للنشاط التصديري.
• سياسة الخوصصة وتدعيم القطاع الخاص بما يؤدي إلى زيادة الكفاءة وفرص التصدير والقدرة على المنافسة.
• وجود نظام قوي وفعال للخدمات من شأنه تحفيز وتنشيط الصادرات.
• وجود درجة عالية من التكامل بين القطاع الصناعي والقطاعات الأخرى داخل الاقتصاد الوطني مثل القطاع الزراعي.
• الاستفادة من نظام المناطق الحرة.
• توفير المناخ المناسب لنمو الاستثمارات الأجنبية.
• تدعيم الصناعات الصغيرة والمتوسطة لأنها قادرة على توفير فرص عمل تساهم في حل مشكلة البطالة بصورها المختلفة داخل هذه الدول.
4) إيجابياتها :
• التشجيع على حسن استغلال مبدأ الميزة النسبية والذي من شأنه أن يمكن الدولة من الاستفادة من وفرات التخصص في إنتاج سلع معينة، وهذه السلع ليست بالضرورة سلعا أولية ولكن سلع مصنوعة تعتمد كما تم ذكره على الميزة النسبية.
• التغلب على مشكل صغر السوق المحلي مما يمكن الدول النامية من الاستفادة من وفرات الحجم.
• إن إنتاج السلع المصنوعة بغرض التصدير من شأنه أن يشجع على ارتفاع مستوى الكفاءة داخل الاقتصاد الوطني، وهذا العامل هام جدا وخاصة في حالة الصناعات التي تنتج سلعا أو تستخدم كمستلزمات إنتاج في صناعات محلية أخرى.
• إن معدل نمو السلع المصنوعة بغرض التصدير لا يتوقف على معدل نمو السوق المحلي (مثل السلع التي تنتج بهدف الإحلال محل الواردات) لكنه يتوقف على معدل نمو اقتصاديات الدول المستوردة.
5) عيوبها:
ويمكن ذكرها فيما يلي :
• قد يصعب على الدول النامية أن تقيم صناعات تصديرية بسبب شدة المنافسة من جانب الدول الصناعية ذات التجربة الطويلة في مجال التصنيع.
• إن الدول الصناعية قد تقيم جدارا عاليا من الحماية الجمركية فيما يتعلق بصناعاتها التي تتميز بالبساطة أو باستخدام قوة إنتاجية كثيفة اليد العاملة (مثل الملابس الجاهزة.. ) وهذه هي الصناعات التي يمكن أن تتمتع فيها الدول النامية بميزة نسبية في إنتاجها.
• إن الدولة التي تعتمد أساسا على تصدير منتجاتها المصنوعة إلى أسواق الدول الصناعية تعاني من وقت لآخر من أي أزمات اقتصادية تمر بها اقتصاديات هذه الدول الصناعية المستوردة.
رابعا- إمكانية الدمج بين إستراتيجيتي إحلال الواردات والتصنع من أجل التصدير:
بعد أن رأينا أن إستراتيجية تشجيع الصادرات الصناعية يمكن أن تكون فعالة في تحقيق الاستقلال الاقتصادي والتخلص من التبعية وإنهاء الاعتماد على إنتاج وتصدير المنتجات الأولية، إلا أن هذه الإستراتيجية انتقدت كما تم ذكره على أنها لا تمكن البلدان النامية من إيصال السلع الصناعية إلى الأسواق الدولية لأنها تحتاج إلى مستوى عال من الإنتاجية، وتوفير المستلزمات من آلات وتقنية كثيفة رأس المال، كما تحتاج إلى أسواق كبيرة لصادراتها والتي قد لا تتوفر للعديد من البلدان، وبخلافه يتعرض البلد المعني إلى مخاطر، ولهذا فإنه من المناسب للبلدان النامية الجمع بين إحلال الواردات والتصنيع للتصدير ، ويتم إتباع إمكانية الدمج هذه لضمان نجاح نتائج كلا الإستراتيجيتين في إحداث انتعاش في التنمية الاقتصادية، ويكون ذلك عن طريق إقامة واستحداث فروع تصديرية لبعض الصناعات التحويلية، وذلك لفك الخناق عن السوق المحلية وتوسيعها، وتطوير صناعات ذات طابع إحلالي لتصبح فيما بعد ذات طابع تصديري .
ويتم تطبيق الإستراتيجيتين معا عن طريق تقديم المساعدة والدعم للصناعات المنتجة للسلع الموجهة نحو التصدير من جهة، وإقامة العوائق في وجه استيراد بعض السلع المصنعة من جهة أخرى، ولكن ما يعاب على هذين الإجراءين أن هناك بعض الاقتصاديين ممن يرون أن الإعانات التي تقدم لأصحاب المصانع المنتجة للسلع الموجه للتصدير، قد لا تمكنهم من منافسة جميع أصحاب الصناعات الذين يتميزون بالخبرة الطويلة في البلدان الصناعية، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذه الإعانات قد ترهق الاقتصاد مما يؤدي إلى انخفاض الدخل وانخفاض القدرة الشرائية للأفراد .
-iiتجارب بعض الدول النامية حديثة التصنيع في مجال التصدير وأسس نجاحها.
لقد حققت مجموعة من دول جنوب شرق آسيا منذ منتصف القرن العشرين معدلات نمو اقتصادي سريعة ومرتفعة، وكان الجزء الكبير من هذا النمو راجعا لاعتماد هذه الدول على قطاع الصناعة، حيث استخدم كل اقتصاد من اقتصاديات هذه الدول مزيجا من السياسات والإجراءات لتنشيط وتفعيل هذا القطاع.
أولا- تجربة كوريا الجنوبية :
يتضح من تدرج تجربة التصنيع لكورية الجنوبية منذ استقلالها في عام 1948 وحتى عام 2022، أن خطوط التنمية بدأت في التحول من إستراتيجية الإحلال محل الواردات في الخمسينيات من القرن العشرين إلى التصنيع من اجل التصدير في الستينيات من نفس القرن، حيث أنه في أواخر الخمسينيات كانت أحد أفقر الدول الأسيوية على اعتبار أنها كانت تتلقى ما قيمته 10% من ناتجها المحلي الإجمالي في شكل مساعدات، بينما كانت مدّخراتها المحلية تمثل من 02% إلى 03% من الناتج القومي الإجمالي، كما كان لديها سعر صرف مقوم بأعلى من قيمته ومعدل تضخم عالي وسريع، وكان معدل النمو الاقتصادي فيها متواضعا.
وعلى الرغم من الفرص التي أتيحت لإعادة البناء بعد انتهاء الحرب الكورية والحجم الملحوظ من المساعدات الأمريكية، إلا أن حال ميزان المدفوعات كان سيئا للغاية فقد كانت الصادرات بها أقل من نصف الواردات، زد على ذلك أن ما يقارب 88% من هذه الصادرات كانت عبارة عن مواد خام، وتغيرت الصورة في سنة 1960 حيث قامت الحكومة الكورية الجنوبية بعمل خفض كبير في قيمة عملتها الوطنية، بالإضافة إلى توفير الائتمان التفضيلي للمصدرين مع منحهم إعفاءات أو استثناءات من الرسوم على الواردات من المواد الخام والسلع الرأسمالية، كما بدأت في وضع نظم لحوافز التصدير مع زيادتها تدريجيا عندما بدأت الصادرات في الانطلاق، وبمرور الوقت زادت أهمية سعر الصرف كأحد العوامل المحفزة لتدفقات الصادرات، وبدأت الصادرات في النمو من 03% من الناتج المحلي الإجمالي بين سنتي 1960-1962 إلى 23% في المتوسط بين سنتي 1973-1975، وجاوز المعدل السنوي لنمو الصادرات في المتوسط 40%، وكانت مكونات الصادرات آنذاك كثيفة العمل وهي المنسوجات والملابس والأحذية، ومع نهاية الستينيات من القرن العشرين بدأت مهارات العمالة في الظهور وبدأت معدلات التكوين الرأسمالي في الزيادة مشيرة إلى زيادة الرأسمال المتاح لكل عامل، وبدأت صادرات الالكترونيات تحتل مكانة متزايدة في مكونات الصادرات الصناعية، ومع بداية السبعينات من نفس القرن بدأت بعض المكونات الجديدة للصادرات مثل الماكينات وآلات النقل في الدخول إلى قائمة الصادرات، وبدأ التحول نحو الأنشطة الأقل كثافة في عنصر العمل، حيث زاد استخدام قوة العمل الموجودة (استخدمت بأكملها)، ومع نهاية سنة 1966 أصبح واضحا أن النمو الاقتصادي لكوريا الجنوبية سوف يكون أكثر مما هو متوقع إذا تم توظيف مدخرات جديدة في استثمارات جديدة، ومن ثم بدأت في الاقتراض من الخارج و بدأت في السماح للاستثمار الأجنبي الخاص بالدخول.
وقد أدت الحوافز السوقية و الدعم السياسي الذي قدمته الحكومة الكورية منذ سنة 1961 إلى نمو كبير في الصادرات وصل إلى 28% سنويا، ولفترة تزيد على 35 سنة منذ سنة 1960 وحتى سنة 1966، وفي نفس الفترة نما متوسط الدخل للفرد الكوري بحوالي 08% سنويا في المتوسط وهو أعلى معدلات النمو في العالم، وطبقا لبعض التقديرات يعزى حوالي 40% من النمو في الإنتاج القومي خلال الفترة 1955-1975 للصادرات، مع الأخذ بعين الاعتبار أثر الصناعات التصديرية المباشرة والآثار غير المباشرة للصناعات الأخرى التي انتعشت نتيجة زيادة طلب المصدرين على المدخلات، وبدأت الصادرات في النمو بمعدل يقدر 03% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة 1960-1962 إلى معدل 28% خلال الفترة 1973-1975 ثم إلى أكثر من 30% خلال الفترة 1976-1995، إلى أن بلغ حجم التبادل التجاري الكوري الجنوبي في نهاية سنة 1995 حوالي 264 مليار دولار بزيادة مقدارها 31% عن السنة السابقة، ثم عاودت انتعاشها بعد سنة 2022 بعد أن تجاوزت أحداث الأزمة المالية الآسيوية في سنتي 1997-1998، واعتمدت كوريا الجنوبية لتحقيق هذه الطفرة كليا على قطاع الصناعة، حيث نمت حصته (القطاع الصناعي) في الصادرات من 17% إلى حوالي 80% في منتصف السبعينات من القرن العشرين، وإلى أكثر من ذلك في منتصف التسعينات من نفس القرن، واقترن النمو السريع بالتنويع والتغيير الهيكلي، ونمت جميع القطاعات الصناعية بسرعة، ونمت صناعات السلع الإنتاجية التي كانت حصتها من القيمة المضافة في بداية الستينات حوالي 15% إلى 39% في منتصف السبعينات وإلى أكثر من 40% في التسعينات من نفس القرن مشيرة إلى التنوع الصناعي، وعلى الرغم من أن معظم الصادرات في بداية النمو كانت صناعات كثيفة العمل وبخاصة صادرات الملابس والمنسوجات والأحذية، إلا أنها استطاعت مع حلول منتصف السبعينات تصدير ألواح الصلب والماكينات الكهربائية والسفن وخدمات البناء، ثم دخلت عالم الالكترونيات في الثمانينيات ثم ثورة الاتصال في التسعينيات من القرن الماضي.
ويمكن ذكر أهم الإجراءات والأسس الاقتصادية التي اعتمدت عليها كوريا الجنوبية لترقية صادراتها في الستينيات فيما يلي :
• إعادة هيكلة الإدارة الضريبية.
• رفع معدلات الفائدة على الودائع البنكية، ووضع تنظيمات ومقاييس تشريعية لتشجيع الاستثمار الأجنبي.
• إتباع شروط مرنة للقرض.
• منح تخفيضات ضريبية على واردات التجهيزات المستخدمة في صناعة المنتجات الموجهة للتصدير.
• خلق منطقة حرة، و تبسيط الإجراءات الجمركية.
هذا عن سنوات الستينيات حيث كانت الانطلاقة، فيما بعد تم إتباع المقاييس التالية في سياسة ترقية الصادرات :
• الإعفاء من الحقوق الجمركية على واردات المواد الأولية وسلع التجهيز.
• منح معدلات فائدة تفضيلية للمصدرين.
• تخفيض الضريبة على الأرباح الصناعية والتجارية الناتجة عن عملية التصدير.
• وضع مقاييس خاصة تسمح بإهتلاك متسارع لتشجيع عملية الإنتاج.
• تعويض بعض الاقتطاعات الضريبية للمصدرين.
• إعانات فيما يخص تمويل الصادرات.
ثانيا- تجربة تايوان :
إن نمط التصنيع في تايوان يتشابه تماما مع نظيره في كوريا الجنوبية، حيث اعتمدت صناعاتهما بصورة أكبر على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما عرف القطاع الحكومي نصيب أكبر من المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الصناعات التحويلية، ومنذ منتصف الستينيات توجهت تايوان من إستراتيجية إحلال محل الواردات إلى إستراتيجية التصنيع من أجل التصدير، وقد نمت الصناعات التايوانية وتطورت وأصبحت قادرة على المنافسة في الأسواق الدولية، إلى جانب تلبيتها للطلب المحلي، وعملت على تشجيع إقامة صناعات أكثر تعقيدا، مثل صناعات الصلب والبتروكيمياء وماكينات تصنيع الآلات والمعدات الإلكترونية، ولقد بدأت الحكومة التايوانية في تطبيق سياستها التنموية بإتباع سلسلة من الإصلاحات منها :
• خفض قيمة العملة.
• توحيد أسعار الصرف في سنة 1958.
• إلغاء القيود على الواردات.
• تعديل السياسة النقدية.
• إنشاء مناطق حرة للتصدير.
وكان من نتيجة هذه الإجراءات أن انخفض معدل التضخم إلى أقل من 02% سنويا خلال الخمسينيات من القرن العشرين، وقد تبع هذه الإصلاحات زيادة ملحوظة في الصادرات وفي معدل النمو الاقتصادي، حيث شكلت الصادرات 12.2% من الدخل القومي سنة 1958، بينما شكلت الواردات في نفس السنة 20% من الدخل القومي، وارتفعت الصادرات إلى 19.6% من الدخل القومي سنة 1965، وفي سنة 1969 تساوت الصادرات مع الواردات نتيجة للنمو السريع في الصادرات، وخلال عقد الستينيات من القرن العشرين أمكن مضاعفة الصادرات التايوانية خمسة أضعاف، بينما ارتفعت الواردات بأربعة أضعاف ونمت الصادرات لتحل محل المساعدات الأجنبية والسماح بزيادة كبيرة في الواردات، وكانت هذه الأخيرة ضرورية حيث كان الاقتصاد يحتاجها في العملية الإنتاجية بدرجة كبيرة، وقد تكونت قائمة الصادرات الأولية لتايوان من المواد الغذائية المصنعة والمواد المشابهة، وقد توسعت قائمة الصادرات لتشمل الملابس والمنسوجات والماكينات الكهربائية وغيرها من الصناعات، وكما حدث في حالة كوريا الجنوبية ارتبطت زيادة الصادرات والدخل الحقيقي بزيادة معدلات التوظيف والأجور الحقيقية.
وعلى العموم فقد ظهرت السياسات المنتهجة مشابهة في معظم أدواتها لسياسات كوريا الجنوبية، حيث استهدفت السياسات الحكومية تشجيع الصادرات عموما بالإضافة إلى التركيز على تشجيع تصدير مجموعة معينة من السلع، وقدمت الحوافز بأشكال عديدة ولصور عديدة من الأنشطة الاقتصادية، وعلى العكس من كوريا الجنوبية فقد بدأت تايوان مبكرا في تشجيع رأس المال والاستثمار الأجنبي، وحاولت خلق بيئة جذابة للمستثمرين الأجانب، حيث كانت تعتبر الاستثمار الأجنبي أحد المصادر الهامة للتنمية الاقتصادية.
ثالثا- تجربة هونغ كونغ :
بالرغم من قلة مساحتها وقلة مواردها الطبيعية والمائية، استطاعت هونغ كونغ أن تحقق تنمية كبيرة في النشاط الصناعي والتجاري والسياحي والمصرفي، وهذا بفضل توجهها نحو الخارج وإتباعها لسياسة التصدير، مما سمح لصادراتها أن تبلغ معدلات عالمية، وأن تجد لنفسا مكانة محترمة في التجارة العالمية وقد انعكس هذا الوضع على مستوى معيشة الأفراد، وهذا نتيجة الدور الذي لعبته الحكومة في توفير الظروف الملائمة للقطاع الخاص وتوفير البنية الأساسية التي تشجع على النمو الاقتصادي، واتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات لزيادة القدرات التكنولوجية في الصناعة، والتي من أهمها:
• حرية تداول السلع والخدمات.
• عدم وجود الرقابة على الصرف الأجنبي.
• تخفيض معدلات الضرائب.
• توفير الخدمات المالية والفنية بصورة كبيرة.
ونظرا للمضايقة التي واجهتها الصادرات التقليدية في الأسواق الأجنبية من جراء نظام الحصص واتجاه الزيادة في تكاليف العمل، مما أدى إلى التقليل من القدرة التنافسية للصادرات، أخذت الصناعة تتوجه نحو التركيز على المنتجات عالية الجودة والالكترونيات، وللحفاظ على مكانة المنتجات التقليدية في الأسواق الأجنبية تم اللجوء لليد العاملة الرخيصة من الصين، كما تم إقامة مراكز للتدريب، كما لعب الاستثمار الأجنبي دورا حيويا وخاصة في صناعة الإلكترونيك وتوفير رأس المال ونقل التكنولوجيا.
رابعا- تجربة سنغافورة :
يعتبر التوجه التصديري هو أساس النمو السريع لسنغافورة، وقد رحبت سنغافورة برأس المال الأجنبي وتعتبر معظم الصناعات بها من نوع الصناعات كثيفة رأس المال (مثل صناعة تكرير البترول)، وعلى الرغم من نجاح سنغافورة في تنمية سياسة التصنيع بها إلا أنها بدأت من سياسة الإحلال محل الواردات مع حلول منتصف الستينيات من القرن العشرين، وكان الاهتمام الرئيسي أن الشركة لا تنتج إلا للسوق المحلي حتى سنة 1965، نتيجة لذلك ظلت مشكلة البطالة في سنغافورة لعدة سنوات بعد الاستقلال، يضاف إلى ذلك الأثر السيئ لسياسة الإحلال محل الواردات على الصادرات والتي ساهمت في تفاقم العجز في ميزان المدفوعات، وفي سنة 1967 بدأت سنغافورة في تبني إستراتيجية التصنيع ذات التوجه التصديري، هذا ما انعكس في إحداث التغييرات الجذرية لمجموعة سياسات التنمية الاقتصادية، ولقد شجع الهيكل الجديد لسياسات التنمية الاقتصادية على إقامة مجموعة من التجهيزات الصناعية الجديدة والتي تهدف جميعها لترويج الصادرات، ونتيجة لانخفاض معدلات الأجور مع الموقع الاستراتيجي للدولة في آسيا وكفاءة وسائل النقل والتوجه التجاري الخارجي الجديد وهيكل الاستثمار، كانت كلها عوامل جعلت من سنغافورة مركزا لجذب الشركات متعددة الجنسيات والتي بدأت في التوسع ودخول هذه المنطقة، ولتحقيق هدف خلق الوظائف الجديدة تم تقديم عدد من الحوافز سنة 1967 في ظل قانون توسيع الحوافز الاقتصادية، منها على سبيل المثال خفض معدلات الضرائب على الدخول الناتجة عن الأنشطة الصناعية الموجهة للتصدير، هذه السياسات – بالإضافة إلى عدد آخر من العوامل المستقلة والتي يعتبر من أهمها التوسع السريع في النظام التجاري الدولي خلال تلك الفترة وإعادة تخصيص مصانع الغزل والنسيج من الدول الأسيوية الأخرى – يمكن النظر إليها على أنها أحد الأسباب التي أدت إلى زيادة الاستثمار الصناعي الكلي خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1968-1973 عن 2.3 مليار دولار، وقد استفادت قطاعات الخدمات الصناعية والمالية من الزيادة في الاستثمار الأجنبي، وداخل الأنشطة الصناعية كان هناك توسع في الالكترونيات، تكرير البترول، قطع غيار السفن، قطاعات المنسوجات، وهو الأمر الذي ساعد على استيعاب عدد كبير من القوى العاملة الموجودة.
وفيما يتعلق بالخدمات المالية فقد كان لإقامة البنك الأمريكي ـ الآسيوي دور كبير في إنشاء مجموعة من التسهيلات التمويلية الدولية للعمل في سوق الدولار الآسيوي، والذي يميز المرحلة الأولى من النمو السريع في هذا السوق هو ظهور سنغافورة كمركز مالي دولي رئيسي، أما النجاح الذي حققته سنغافورة في المرحلة الثانية للتنمية فيمكن أن يعزى ليس للزيادة السريعة في الاستثمار الأجنبي والصادرات فقط، ولكن أيضا للنمو الحاد في التوظيف الذي أدى إلى تحول سنغافورة من اقتصاد يتمتع بفائض عمالة منخفضة الأجر إلى اقتصاد يكتظ بالعمالة المرتفعة الأجر.
خامسا- تجربة أندونيسيا :
في سنة 1966 استطاعت الحكومة الأندونيسية أن تكفل استقرار السياسة الاقتصادية فعملت أولا على خفض معدل التضخم الذي بلغ 639%، واهتمت بإصلاح البنية الأساسية وزيادة معدلات الصادرات مع توفير ما يكفي للاستهلاك المحلي، وقد انتهجت أندونيسيا في تحقيق أهدافها سياسة اقتصادية تركز على التوجه الاقتصادي غير المباشر، حيث قامت الدولة بتوجيه اقتصادها من خلال مؤسساتها العامة مع إعطاء القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي غاية اهتمامها، وقد تضمنت خطط الحكومة إصلاح جميع القطاعات التي من شأنها تنمية الاقتصاد الأندونيسي، خاصة قطاع التعدين والزراعة، كما أولت القطاع المصرفي أهمية كبيرة حتى تمكِّنه من القيام بدوره على أكمل وجه، وقد زادت الصادرات الأندونيسية بمعدلات متضاعفة حيث ارتفعت بمعدل نمو سنوي بلغ 13.6% خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1987-1993، وقد حملت قائمة الصادرات الأندونيسية مجموعة متنوعة من المنتجات إذ تعتبر أندونيسيا المورد الرئيسي لبعض السلع مثل القصدير، المطاط، الغاز الطبيعي السائل، القهوة،………الخ، والسلع المصنعة مثل الالكترونيات، المنسوجات، الأغذية المصنعة، الاسمنت،………الخ، وتقوم أندونيسيا بالتصدير إلى مجموعة متنوعة من الدول تتصدرهم اليابان، الصين، ألمانيا، هولندا، الولايات المتحدة، وقد نجحت أندونيسيا في تنويع استراتيجياتها التصديرية في جزء كبير منها نتيجة نجاحها في جذب الاستثمار الأجنبي، كما كان للمشروعات دور كبير في جلب الآلات، التكنولوجيا، الاتصالات مع السوق الخارجي وتدريب العمالة في أندونيسيا.
كما كان للمساعدات التي قدمتها الحكومة الأندونيسية للمصدرين دور في إنجاح سياستها التصديرية، حيث كان صُنَّاع القرار في أندونيسيا يرون أن أفضل الطرق لتحقيق رغبة الشركات في زيادة صادراتهم ليس منح حوافز لقطاعات بعينها، بل فضلت خلق مستوى من الحوافز للجميع على نحو يشجع الاستثمارات، وبالنسبة لبيئة أعمال المصدرين فقد منحت الحكومة الأندونيسية الشركات المصدرة التي لا تقل صادراتها عن 65% من إنتاجها الحوافز التالية:
• عدم فرض قيود على الواردات.
• إعفاء جمركي من الرسوم على الواردات، وضريبة القيمة المضافة على الآلات والمواد الخام.
• السماح بحوالي 95% ملكية أجنبية.
• أنشأت الحكومة الأندونيسية نظاما لتمويل الصادرات يقدم ائتمانا قبل وبعد الشحن.
سادسا- تجربة ماليزيا :
لقد نجحت ماليزيا في ترقية صادراتها بنسبة 17% في المتوسط خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1987-1993 حيث وصلت إلى 47 مليار دولار أمريكي، وقد استمرت ماليزيا في انتهاجها لإستراتيجية التصنيع الأمر الذي انعكس بالإيجاب على صادراتها، حيث شكلت المنتجات الصناعية 71% من إجمالي هذه الصادرات سنة 1993، واستمرت في هذا الاتجاه إلى غاية منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، هذا بعد أن كان البترول الخام عمود الصادرات الماليزية، بالإضافة إلى المطاط، وزيت النخيل، خشب الأشجار.
ومن بين الصادرات الماليزية نجد الآلات الكهربائية حيث بلغت مساهمتها حوالي 60% في صادرات ماليزيا الصناعية، يليها من حيث الأهمية كل من المنسوجات والكيماويات والبترول والمعادن، وقد نجحت ماليزيا في تنويع أسواق صادراتها على مستوى العالم، حيث تصدر إلى اليابان 17% من صادراتها الإجمالية، كما تصدر للاتحاد الأوروبي حوالي 16% من صادراتها وتتلقى الولايات المتحدة منها ما يقارب 15%.
و قد مثل الاستثمار الأجنبي عجلة النمو الرئيسية لصادرات ماليزيا في العصر الحديث، وقد أفاد هذا الاستثمار الصادرات الماليزية من خلال قيام المستثمرين الأجانب بتوسيع خطوط منتجاتهم سواء الأمامية أو الخلفية، ومكَّن الاستثمار الأجنبي ماليزيا من تنويع قائمة صادراتها وإبعادها عن الصادرات النفطية والتقليدية التي تواجه أسعار عالمية غير مستقرة، وتعتبر صادرات الالكترونيات أهم أنواع صادرات ماليزيا منذ مطلع حقبة التسعينيات من القرن العشرين وحتى منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
بالإضافة إلى الاستثمار الأجنبي هناك عاملا أخر أدى إلى تفعيل الصادرات الماليزية، والمتمثل في نظام تزويد الشركات بالمساعدات والتمويل للإنتاج الموجه للصادرات، وقد أدى هذا النهج كذلك إلى زيادة في تسهيل نمو الصادرات الماليزية على نطاق واسع، حيث قدمت ماليزيا حوافز لكل من المنتجين والمصدرين في المناطق غير النامية، وللمستوردين للتكنولوجيا الجديدة أو المستثمرين في المنتجات غير التقليدية، وعلاوة على ذلك فقد قدمت الحكومة الماليزية دعما للصادرات عن طريق تقديم مجموعة كبيرة من الخدمات والحوافز، والتي من بينها ما يلي:
• 50% إعفاء من الضرائب المرتبطة بالأنشطة التصديرية.
• إعفاء ضريبي يمثل ما نسبته 05% من قيمة الصادرات.
• إعفاء مزدوج على التكاليف المرتبطة بالصادرات متضمنة تكاليف تسويق الصادرات، والتأمين على الصادرات وتأمين الحمولات المستوردة.
• استرداد قيمة الجمارك والرسوم على السلع الوسيطة المستخدمة في الصادرات.
سابعا- تجربة تايلاند :
تدلنا تجربة تايلاند في مجال تنمية الصادرات على أهمية وأثر السياسات الاقتصادية الكلية والتنظيمات الحكومية على التجارة الخارجية، فخلال الستينيات من القرن العشرين كانت تعرف تايلاند على أنها مصدر للسلع الزراعية التقليدية، وبخاصة الأرز والمطاط والخشب وخام القصدير، وخلال السبعينيات من نفس القرن قدمت الحكومة دعما كبيرا للمصدرين، وأدى ذلك أن تضمنت قائمة الصادرات التايلاندية إلى جانب الصادرات الزراعية الخام مجموعة من السلع الزراعية المصنعة والمنتجات المصنعة الأخرى، وبمقارنة هيكل التكلفة النسبية للدولة آنذاك مع غيرها من الشركاء التجاريين يمكن القول بأن معظم الصادرات التايلاندية هي عبارة عن صادرات كثيفة العمل، مثل الأغذية المعلبة والمنتجات الخشبية والمجوهرات.
ولأن الحكومة التايلاندية وجهت كل اهتمامها للأنشطة التصديرية والمصدرين فقد فتحت الباب للاستثمار الأجنبي، ووضعت مجموعة كبيرة من الحوافز لمجموعة محددة من الصناعات، وكان من أثر ذلك أن تنوعت الصادرات ونمت، وتتضمن قائمة الصادرات التايلاندية الآن الصادرات الالكترونية والأجزاء المتكاملة منها، والصادرات الكهربائية، والمنتجات الجلدية مثل الأحذية، والمنتجات البلاستيكية، وتشكل الصادرات الصناعية ما نسبته 54% من الصادرات التايلاندية، وقد نمت الصادرات التايلاندية بمعدل 23% سنويا خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1987-1993 حتى وصلت إلى 37 مليار دولار أمريكي، ويكمن سبب نجاح الصادرات التايلاندية للأدوات المنتهجة من قبل الحكومة والتي يتمثل بعضها فيما يلي:
• إعفاءات ضريبية.
• خفض تكاليف الطاقة.
• تقديم المساعدات التسويقية للشركات.
كما لعب الاستثمار الأجنبي دورا كبيرا في إنجاح الصادرات التايلاندية، وخاصة في مجال الالكترونيات والأحذية، ومن المهم أن نلاحظ أن الخبرة التايلاندية في تنمية الصادرات أشارت أن الاستثمار الأجنبي لا يعتبر لوحده الأرضية الرئيسية لتنمية الصادرات، فهناك أيضا بعض السياسات الأخرى والتي من أهمها قيام الشركات الموجودة في تايلاند بتعديل خطوط إنتاجها حيث ارتفع هيكل التكلفة بمرور الوقت مع ازدياد حده المنافسة، كما ساهمت السياسة الصناعية لتايلاند في إنجاح إستراتيجية تنمية الصادرات الصناعية.
وقد احتوت سياسة التصدير التايلاندية على مجموعة من الحوافز مقسمة على ثلاثة مناطق، ويمكن عرض أهمها على النحو التالي:
 الشركات الموجودة في المنطقة الأولى تستفيد من:
• 50% تخفيض في الرسوم المفروضة على الواردات من الآلات.
• إعفاء لسنوات من الضرائب على الدخل (بالنسبة للشركات الموجودة في المناطق الصناعية فقط).
• إعفاء لمدة سنة من الضرائب على المواد الخام.
 الشركات الموجودة في المنطقة الثانية تستفيد من:
• 50% تخفيض في الرسوم المفروضة على الواردات من الآلات.
• إعفاء لمدة ثلاثة سنوات من الضرائب على الدخل (تزداد إلى سبعة بالنسبة للشركات الموجودة في المناطق الصناعية).
• إعفاء لمدة سنة من الضرائب على المواد الخام.
 الشركات الموجودة في المنطقة الثانية تستفيد من:
• 100% خفض في الرسوم المفروضة على الواردات من الآلات.
• إعفاء لمدة ثمانية سنوات من الضرائب على الدخل يتبعها خمسة سنوات خفض في الضرائب على الدخل بنسبة 50%.
• إعفاء مزدوج من الضرائب على الدخل من المياه، الكهرباء، تكاليف النقل للعشر سنوات الموالية.








التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

التبعية السياسية

يعتبر هذا المصطلح من المصطلحات السياسية ذات الدلالات المتعددة والمتناقضة أحياناً. فمن دلالته المواطنية (انتماء الفرد إلى وطن معين). ومنها فقدان الإرادة الحرة والاستقلال والسيادة. ولذلك تظهر أهمية تحديد أبعاد هذا المصطلح والعناية بتوصيف كل بعد من أبعاده.

ونتيجة لكفاح الشعوب من اجل نيل الاستقلال السياسي ولتبدل العلاقات السياسية الدولية تبدلت ازياء التبعية من هذا النوع إلى ذاك حتى وصل الأمر إلى تخلي قوى الاستقلال عن سياسة الالحاق المباشر إلى استخدام سياسة الالحاق غير المباشر وبمساعدة الأساليب الثقافية والاقتصادية وهذه المواضيع سأشير إليها عبر بحث الموضوعات التالية:

تبعية الفرد لوطنه

تبعية التجمعات الاجتماعية ذات الغايات الخاصة

تبعية الاحزاب

تبعية السلطة الحاكمة

مواجهة التبعية السياسية

تبعية الفرد لوطنه

لقد بحثت قوانين الجنسية والدستور الدولي الخاص قضية انتماء الفرد إلى الوطن. وقد اوضحت هذه القوانين أن وثيقة الانتماء الرسمية المعترف بها دولياً هي شهادة الجنسية الصادرة عن السلطة المختصة في الدولة. وهذه الشهادة هي التي تجعل حاملها تابعاً للدولة التي منحته اياها ومواطناً من مواطنيها له مالهم من حقوق وعليه ما عليهم من التزامات والمواطن، مهما كان دينه أو لونه أو اصله العرقي، حسب هذا التصور القانوني وامام السلطات المحلية والاجنبية يعتبر من تبعية الدولة التي منحته شهادة الجنسية.

ولقد تبنّت دول العالم اتجاهين رئيسيين لمنح المولود الجديد شهادة الجنسية، هما:

الأول: على أساس حق العرق أو الدم، حيث تمنح الجنسية لابناء الوطن واحفادهم اينما ولدوا – داخل الوطن وخارجه.

الثاني: على أساس حق الاقليم، حيث تمنح الحكومة جنسية بلادها لأي فرد يولد ضمن حدود هذه الدولة سواء انحدر المولود من أبوين مواطنين أو أجنبيين.

وقد تبنت بعض الدول الاتجاه الأول فيما تبنت غيرها الاتجاه الثاني، انطلاقاً من ايمان كل منها بفلسفة خاصة حول المواطنية إن اغلبية دول العالم تمنح جنسيتها لمن تريد من الاجانب بناء على ما يحققه ذلك من مصالحها أو جراء إقامة الاجنبي لفترة طويلة في البلاد التي يسعى إلى الحصول على جنسيتها. وربما تمنح الدولة جنسيتها لابناء المواطنة المتزوجة من اجنبي، على أساس تبعية الأولاد لأمهم – أي على أساس حق العرق.

إن حمل الفرد لجنسية دولة ما يوجب عليه العمل من اجل صالح هذه الدولة وأي عمل مناهض لتلك المصلحة ويخدم دولاً أخرى يعتبر بمثابة خروج عن التبعية الوطنية والدخول في تبعية الاجنبي، أي يعتبر عميلاً للقوى الخارجية وخائناً للوطن – وهذه الجريمة قد تدفع حكومة هذا المواطن لاسقاط جنسيته وخاصة إذا لم يكن تحت قبضتها.

ولكثرة استخدام القوى السياسية المتصارعة في العصر الحديث لمصطلح الخيانة والتبعية يبرز في ذهني التساؤل التالي:

ما هو الحكم الذي يترتب على المواطن إذا تحالف أو تعاون مع قوى خارجية من اجل اسقاط حكومة بلاده أو تبديل نظامها السياسي؟ هل تتهمه بالتبعية للاجنبي أم توصفه وصفاً آخر؟ إن الاجابة على هذين السؤالين تتطلب تحديد أبعاد هذا التعاون أو التحالف. فإن كان النظام السياسي المحلي تابعاً لقوى اجنبية معادية لمصلحة الوطن وكانت القوى المخالفة مع المواطن الثائر على حكومته قوى تحررية معادية للاستعمار فلن يكون من السهل اتهام هذا المواطن بالتبعية السياسية أو العمالة للاجنبي بل يمكننا اعتباره ثائراً يستهدف تخليص بلاده من الفساد والتبعية للقوى الأجنبية المعادية لمصالح الشعب والوطن.

أما السلطة العميلة فإنها بالتأكيد لن تتباطأ في توجيه الاتهام لذلك التأثر بالخيانة الوطنية والتبعية للاجنبي، وهذه التهمة هي التي تسهل تنفيذ مهمتي القضاء على الثوار وادامة النظام العميل للاجنبي.

أما لو استبطن ذلك التعاون خدمة مصالح القوى الأجنبية الحليفة، كوضع الحليف سيداً جديداً للوطن بدل السيد الاجنبي السابق، وعلى حساب مصالح الوطن فان الثوري سيكون في موضع شك الثوار الآخرين المستقلين أو البعيدين عن ذلك التحالف كما ستقع حركته الثورية في إشكالية سياسية تهدد مستقبلها ومستقبل ناشطيها.

تبعية التجمعات الاجتماعية ذات الغايات الخاصة

تعمل الأحزاب الجماهيرية، الديمقراطية والدكتاتورية على حد سواء، من اجل استقطاب التأييد الجماهيري عبر وسائل عديدة، منها: خدمة الجماهير والتفاعل مع مشاكلها تفاعلاً ايجابياً وتنظيم صفوفها، من خلال المشاركة في انشاء الجمعيات والنوادي والنقابات أو بايصال العناصر الحزبية إلى المراكز القيادية العليا في تلك المجتمعات.

إن خضوع تلك التنظيمات الاجتماعية لتوجيهات هذا الحزب أو ذاك يسمح بوصفها بالتنظيمات التابعة للحزب، أي أنها هيئات غير مستقلة بل في حالة تبعية لتنظيم أو تجمع آخر ذي طابع سياسي محض (هدفه الرئيسي هو الوصول إلى السلطة) وليس ذا طابع مهني.

تبعية الأحزاب أو التبعية الحزبية

بانتماء الفرد لحزب معين يتخلى عن بعض استقلاليته ويصبح في حالة تبعية لسلسلة قيادات الحزب وتوجيهاته.

ومن المفترض أن يكون الحزب مستقلاً في رسم وتنفيذ استراتيجيته (الأهداف المركزية والسياسات الأساسية اللازمة لتحقيقها) وتكتيكاته (الأهداف المرحلية قصيرة الأجل – التي تتميز بسرعة التغيير نتيجة حركية الحياة السياسية اليومية – واجراءات تحقيقها).

أما الحزب الخاضع لتوجيهات وأوامر الهيئة الحاكمة (فرد أو جماعة منظمة تنظيماً خاصاً شبيهاً بالعصابات) فسيمكن اعتباره من الاحزاب التابعة للسلطة، لأن قيادة الحزب ناقصة الإرادة وتابعة لقيادة أخرى.

وفيما لو كانت القيادة السياسة للدولة هي ذاتها قيادة الحزب الذي وصل إلى السلطة فستكون إما أمام حزب الحاكم (في النظام الديكتاتوري) أو أمام الحزب الحاكم (في النظام الديمقراطي) وفيما لو دخل الحزب بارادته الحرة ودون ضغوط خارجية في تحالف مؤقت أو دائم مع احزاب أخرى من اجل المشاركة في السلطة أو تحقيق أهداف مشتركة أخرى تنفع الأمة عامة وليس جهة سياسية أو اجتماعية معينة فهو حزب مستقل بالرغم من تبعيته المرحلية أو الدائمة لقرارات الائتلاف الجيهوي، لان العمل الجيهوي أو الائتلافي هو عمل ديمقراطي (شوروي) وليس دكتاتوريا (قمعي يسلب الإرادة الحرة).

واما الاحزاب فوق القطرية، القومية والأممية، فإنها تتهم من قبل الحكومات المعادية لها بالتبعية للاجنبي. والأحزاب المنافسة، خاصة القطرية، قد تنجرف وراء أمثال هذه الدعاوى الإعلامية الحكومية – الآنفة الذكر – بسبب هذه المنافسة أو لتبعية هذه الفروع تبعية فعلية للفرع الرئيسي أو المركزي القائم في دول أخرى.

في مقابل تلك الدعاوى الإعلامية تدعي فروع الاحزاب فوق القطرية بأنها مستقلة وأنها تتعامل مع المركز وفيما بينها على أساس الائتلاف والإرادة الحرة والتساوي في الحقوق والواجبات ومما يساعد المتتبع أو المراقب السياسي في تقرير مدى استقلالية تلك الفروع وعدم تبعيتها لقيادات وراء الحدود هو معرفة مدى حرص كوادرها العليا والدنيا على وحدة الوطن وسلامته وتقدمه وسيادته واستقلاله أو توحده مع الدول الشقيقة الأخرى على قدم المساواة دون ضم والحاق وانتقاص من حقوق أبناءه في دولة الوحدة وإلا فان انجرافهم وراء أوامر المركز كجنود صغار لا مكانة لهم ولا رأي في تقرير قضايا الأمة وممارستهم عمليات التجسس على أسرار البلاد ونقلها للمركز وبما يؤدي إلى الإضرار بمصالح الشعب أو الوطن وتوريط البلاد في حرب أهلية تستنزف قواها وتدفعها إلى الوقوع اسيرة للقوى الخارجية الاستغلالية أو ممارستهم غير ذلك من سياسات معادية للمصالح الوطنية ستمكن كل مراقب سياسي من الحكم عليهم بالتبعية للقوى الخارجية، أي العمالة للاجنبي والخيانة الوطنية.

تبعية السلطة

لقد اهتمت القوانين الدستورية لدول العالم المختلفة بموضوع توزيع السلطات واستقلالها أو دمجها.

ولهذا الموضوع أبعاد كثيرة وتفصيلات لا تسعها مقالة واحدة، ولذلك سأشير بايجاز شديد إلى بعض تلك الأبعاد.

فمن جهة انظمة الحكم يمكننا القول بأنها تقسم من ناحية تركيز أو توزيع السلطة العامة المحلية إلى قسمين، هما:

أنظمة تأخذ بمبدأ دمج السلطات، وهي إما أن تكون ملكية أو جمهورية. وتكون السلطة في هذه الحالة تابعة للحاكم، الملك أو رئيس الجمهورية أو مجلس الرئاسة أو مجلس القيادة أو رئيس حزب الحاكم أو مجلس الوصاية على العرش… الخ.

أنظمة تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات، وهي إما أن تكون ملكية أو جمهورية. وتكون السلطة في هذه الحالة تابعة من الناحية النظرية للشعب، الذي بامكانه تعيين وعزل السلطات بصورة مباشرة – عن طريق الانتخابات العامة والاستفتاء العام – أو غير مباشرة – عن طريق نوابه.

وأما من جهة علاقة السلطة مع القوى الخارجية فقد اهتم القانون الدولي العام بدراستها.

لقد تولى ارباب هذا القانون أو العلم دراسة الدولة كأحد الأشخاص الدولية الثلاثة، وهم الدول والمنظمات الدولية والأفراد.

وتعرف الدولة بحسب هذا القانون بأنها كيان سياسي له شخصيته الاعتبارية القانونية أمام الأشخاص الدولية. ويتألف هذا الكيان من مجموعة من الناس تقطن بصورة مستمرة في إقليم محدد وتأتمر بيد سلطة عليا ترعى مصالحها في داخل الإقليم وخارجه.

وحسب هذا التعريف فان للدولة ثلاثة مقومات، هي:

العنصر البشري (الشعب).

العنصر المادي (الإقليم).

العنصر التنظيمي (السيادة أو السلطة الوطنية).

وما يهمنا هنا هو تعريف السيادة، وهي كلمة متناقضة للتبعية والعبودية والالحاق والضم والذيلية وما شابهها من كلمات تدل على فقدان الإرادة الحرة أو الاستقلال.

إن هذه السيادة تتمثل في سلطة عليا تحكم الأمة بصورة متفردة ومستقلة.

ومن هذا التعريف الموجز للسيادة نجد أن من مميزاتها ما يلي:

إنها سلطة تعلو جميع السلطات المحلية.

إنها سلطة اصلية وليست وكيلة أو وليدة سلطة أخرى.

إنها سلطة متفردة في اصدار الأوامر.

إنها سلطة مؤسسية، أي أنها لا تتعلق بوجود اشخاص معينين بل هي شخصية اعتبارية حية ما دامت المؤسسة (الدولة) على قيد الحياة.

فالسيادة الوطنية، التي تمثلها سلطة وطنية، هي تعبير عن سيادة سكان إقليم ما على ارضهم وعدم تبعيتهم أو خضوعهم لقوى اجنبية، وهي لذلك رمز للاستقلال الوطني. وعلى أساس مبدأ السيادة قسم علماء القانون الدولي العام الدول إلى قسمين، هما:

الدول كاملة السيادة.

الدول ناقصة السيادة، لان شرعيتها الدولية غير كاملة – حيث تتولى الدولة المتبوعة إدارة علاقاتها الخارجية واحياناً بعض شؤونها الداخلية. ومن امثلة هذه الدول، التي ولدت منذ تعاظم الاستعمار الغربي في العالم في القرن التاسع عشر وحتى الربع الثالث من القرن العشرين، ما يلي:

الدول التابعة.

الدول الخاضعة للحماية.

الدول الخاضعة للانتداب.

الدول الخاضعة للوصاية.

وفي ادناه سأشير باقتضاب شديد إلى الدول ناقصة السيادة ثم الدول مقيدة السيادة.

أ ـ الدول التابعة

ليست لهذه الدول صورة واحدة أو مصالح محددة باطار معين. فقد تتمثل بالدول الخاضعة لدول أخرى خضوعاً شكلياً، كأن تكتفي بدفع اتاوة للدولة المتبوعة مع احتفاظها بحقها في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية، أو خضوعاً جوهرياً، كأن تحرم السلطة المحلية من إقامة علاقات خارجية إلا تحت اشراف الدولة المتبوعة أو أن تخضع سياساتها الداخلية لتوجيه مندوبين من الدولة المتبوعة أو أن يكون للدولة المتبوعة حق تعيين واستبدال حكام الدول التابعة.

ولقد اتهم العديد من الساسة الدول الاوربية الغربية بالوقوف وراء تبني الإمبراطورية العثمانية لهذا النظام في بعض مناطق نفوذها، كمصر بين 1840م – 1882م وصربيا ورومانيا والجبل الأسود بين 1856م – 1878م وبلاريا بين 1878م – 1908م، تمهيداً لاخراج هذه المناطق من السيطرة العثمانية، أي بهدف تجزئة أو تدمير الرجل المريض (الدولة العثمانية).

ب ـ الدولة الخاضعة للحماية

نتيجة لضعفها وشعورها بالخوف من دول أخرى ولمواجهة تلك المخاوف والحفاظ على وجودها قد تلجأ الدولة إلى طلب حماية دولة أخرى قوية! وهذا النوع من الحماية سمي بـ(الحماية الاختيارية).

وقد تتعرض الدولة الضعيفة لضغوط (احتلال أو تهديد) دولة قوية تجبرها على الخضوع لحمايتها، وهذا النوع من الحماية سمي بـ(الحماية الاستعمارية).

على أرض الواقع غالباً ما كانت الحماية نتيجة الاحتلال العسكري بهدف التغطية على هذا السلوك الاستعماري، والخديعة ولكي تتوضح التزامات وحقوق كل من الدولتين، الحامية والمحمية، أمام المجتمع الدولي، الدول والمنظمات الدولية والأفراد، تبرم الدولتان معاهدة توضح تلك الحقوق والالتزامات. وغالباً ما كانت تلك المعاهدات أو الاتفاقيات تضمن للدول القوية مصالحها من خلال احتفاظها بحق إدارة الشؤون الخارجية والاشراف على الشؤون الداخلية للدولة المحمية مع احتفاظ الأخيرة ببعض مظاهر السيادة، كتولي مهام حفظ الأمن الداخلي والاشتراك في بعض المؤتمرات الدولية غير السياسية وابرام المعاهدات ذات الطابع الفني وقبول المبعوثين الدبلوماسيين.

ج ـ الدول الخاضعة للانتداب

تبنت الدول الاستعمارية نظام الانتداب في اعقاب الحرب العالمية الأولى، حيث جعلته تشريعاً دولياً – من خلال ميثاق عصبة الأمم.

كان هدف تبني هذا النظام هو التستر على استعمار الدول القوية لبعض الدول والشعوب الضعيفة، التي قسمها هذا الميثاق إلى ثلاثة أنواع كل منها يرتب للدول المنتدبة حقوقاً معينة في إدارة الشؤون الدولية والداخلية للدول والأقاليم الخاضعة للانتداب.

د ـ الدول الخاضعة للوصاية

وقد تبنى الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الثانية نظام الوصاية ليحل محل نظام الانتداب، بعد ما انهارت عصبة الأمم وحلت محلها منظمة الأمم المتحدة.

وقد نص ميثاق منظمة الأمم المتحدة على نظام الوصاية، الذي يعتبر من الأنظمة الاستعمارية غير المباشرة – كالحماية والانتداب ولقد منح هذا النظام الدول الوصية حقوقاً واسعة في إدارة الشؤون الخارجية والداخلية للدول والأقاليم التي اخضعت له، وبذلك فقد سكان تلك البقاع سيادتهم على ارضهم ومنعوا من إدارة شؤونهم بأنفهسم وبارادتهم الحرة – وهذا ما دفعهم إلى مناهضة هذا النظام والثورة على اربابه لينالوا استقلالهم ويتخلصوا من التبعية للأجنبي.

هـ ـ الدول مقيدة السيادة

هناك نوعان من الدول مقيدة السيادة، هما:

أولاً: الدول المحايدة: وهي الدول التي تضع قيوداً على سيادتها الخارجية، حيث تلتزم بعدم إعلان حرب هجومية وعدم الانحياز لدولة أو دول أخرى وعدم الدخول في احلاف امنية.

إن هذا التقييد على السيادة الخارجية إذا كان صادراً عن إرادة وطنية حرة تخدم مصالح البلاد فانه لا يخل باستقلال البلاد أو بسيادتها، بل يعبر عن إرادة حرة في تقرير السياسة الخارجية للوطن.

أما لو كان هذا الحياد نتيجة ضغوط خارجية، بهدف منع العدو من الحصول على الاعوان والحلفاء والمساعدات الخارجية أو لمنع بعض الدول من الاتحاد فيما بينها – أي لمنع ظهور قوة دولية جديدة منافسة – فانه يعتبر من الأعمال المعبرة عن ضعف الإرادة الوطنية أو ضعف السيادة الوطنية أو نقص هذه السيادة وعدم اكتمالها.

ثانياً: الدول المرتبطة أو المتحالفة مع دول أخرى بمعاهدات غير متكافئة.

نتيجة ضعفها أو انكسارها في حرب واضطرارها للاستسلام لدولة أو دول معادية توافق بعض الدول على التخلي عن بعض مظاهر سيادتها الداخلية والخارجية لصالح الدول القوية أو المنتصرة في الحرب.

ويتم هذا التنازل بموجب معاهدات أو اتفاقيات توضح لاشخاص القانون الدولي العام حدود هذا التنازل.

إن من تلك المعاهدات أو الاتفاقيات ما كانت تعطي الأجانب امتيازات في الدول الضعيفة أو تسمح للدول القوية أو المنتصرة في الحرب بالاحتفاظ بقواعد عسكرية في الدول الضعيفة أو المهزومة في الحرب أو تمنح الدول القوية والمنتصرة حقاً في التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدولة الضعيفة أو المهزومة.

مناهضة التبعية السياسية

شهدت البلدان التابعة، واغلبيتها كانت من دول العالم الثالث، الكثير من الأحداث السياسية المعبرة عن مناهضة شعوبها للتبعية السياسية.

ولانجاز هذا الاستقلال السياسي لجأت شعوب إلى تكوين احزاب وتجمعات سياسية تدعو إلى التحرر من السيطرة الاجنبية، فضلاً عن عمل شخصيات مستقلة في نفس هذا الاتجاه التحرري.

وقد تولت هذه التنظيمات قيادة حروب التحرير المسلحة والمقاطعة التجارية والسياسية والمشاركة في اللعبة الديمقراطية وتدبير الانقلابات العسكرية واصدار المجلات والصحف وإنشاء مراكز الدراسات وجمع وتكوين الكوادر المثقفة، المؤهلة للتأثير على الرأي العام المحلي والعالمي وقيادة بلادها مستقبلاً، وعقد الندوات والاجتماعات، التي تفضح سياسات الاجنبي المتبوع المعادية لمصالح الوطن، ودفع الجماهير إلى التظاهر ضد النفوذ الاجنبي ومعاهدات الاذلال، التي تسلب سيادة الشعب على ارضه، وتسخير الكفاءات العلمية من اجل مناهضة التبعيتين الثقافية والاقتصادية، اللتين تدعمان التبعية السياسية.

ولقد بذلت شعوب البلدان التابعة جهوداً كبيرة ودماءً غزيرة حتى تخلصت من التبعية السياسة.

لكن البلدان الاستغلالية طورت أساليب احتواء واخضاع البلدان المتحررة بعد ما استطاعت حركات التحرر من الغاء معاهدات الحماية والانتداب والوصاية. وبالرغم من نجاحات حركات التحرر في التخلص من معاهدات التبعية السياسية إلا أن الكثير من بلدان العالم الثالث لا زالت ترتبط بمعاهدات واحلاف تقيد سيادتها الوطنية وتسمح للدول القوية بالتدخل في شؤونها الداخلية والخارجية، وهذا ما يدعو هذه الحركات إلى إدامة النضال من اجل اكمال الاستقلال السياسي لبلدانها.

ولأن التبعيتين الثقافية والاقتصادية من العوامل المساعدة على فقدان الاستقلال السياسي فان من الواجبات الملحة على حركات التحرر في الوقت الراهن يبرز واجب النضال ضد التبعيتين الثقافية والاقتصادية.




التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

دروس في المنظمات الدولية

دروس في المنظمات الدولية

التنظيم الدولي
التنظيم الدولي فكرة تاريخية ، تتطلب تضامن الدول على الصعيد العالمي
من أجل تحقيق أهداف معينة ، كما هو الحال في التنظيم الداخلي .

وحتى تكون المنظمة فاعلة يجب أن تحتوي على عدد من الدول التي تقبل اخضاع منازعاتها مع الدول الأخرى للقانون الدولي ، والتي يجب أن يضمن احترام جميع المبادئ القانونية الأساسية .

والتنظيم الدولي أرسى فكرة المنظمة الدولية .الذي ينطوي على عدد من الدول المستقلة، والذي بدأت ارهاصاته في مؤتمر فيينا عام 1815 كان هدفه حفظ السلام الأوربي بعد هزيمة نابليون بونابرت.

انشئت المنظمات النهرية أو بشكل لجان الأنهار الدولية لتقرير حرية الملاحة في الأنهار الدولية، ثم تلتها الاتحادات الادارية للبريد والاتصال ، ثم أقيم الاتحاد الجمركي . وهكذا توالت الهيئات الجماعية للتعبير عن ارادة الدول ، والتي لا تتناقض مع مبدأ سيادة الدول مادامت أنها لاتقوم على نظام الاجماع .

غير أن هذه المنظمات كانت الخميرة التي أنتجت عصبة الأمم والمنظمات الدولية المتخصصة مثل منظمة العمل الدولي .

إلا أن العصبة قد فشلت لأسباب متعددة منها العجز الكامل عن منع الحرب والمنازعات والتسليح وحل المشاكل بالطرق السلمية .

لكن العصبة نجحت في تكريس نظام الانتداب في عهدها ، وجسدته على فلسطين وجنوب افريقيا ، فخلقت لنا النظام الاستعماري .

قامت الحرب العالمية الثانية وانتهت في سان فرانسيسكو الى اقامة منظمة الأمم المتحدة عام 1945

تستند هيئة الأمم المتحدة على ميثاق دولي يأخذ صورة الاتفاق الدولي متعدد الأطراف

تتساوى الدول في هذا الميثاق ، الذي تسمو مبادؤه وأهدافه على كافة القواعد الوطنية في مقاصد الهيئة ومبادئها:

مقاصد الأمم المتحدة هي :
المادة الأولى:
1 – حفظ السلم والأمن الدولي ، وتحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولازالتها وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم ، وتتذرع بالوسائل السلمية ، وفقا لمبادىء العدل والقانون الدولي ، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها .
2 – إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ القاضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها ، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام .
3 – تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ، ولا تفريق بين الرجال والنساء .
4 – جعل هذه الهيئة مرجعا لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة
المادة الثانية :
تعمل الهيئة وأعضاؤها في سعيها وراء المقاصد المذكورة في المادة الأولى وفقا للمبادئ الآتية:
أ‌- تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها
ب‌- لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعا الحقوق المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن نية بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق .
ت‌- يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لايجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر
ث‌- يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه لايتفق ومقاصد الأمم المتحدة .
ج‌- يقدم جميع الأعضاء ما في وسعهم من عون إلى الأمم المتحدة في أي عمل يتخذه وفق هذا الميثاق ، كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملا من أعمال المنع أو القمع .
ح‌- تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير الأعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم والأمن الدولي.
خ‌- ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشئون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما ، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق ،على أن هذا المبدأ لايخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع .

ماهية المنظمة الدولية :
يتداخل هذا المفهوم مصطلحا مع مفاهيم قانونية أخرى ، كالنظم الدولية ، والتنظيم الدولي ، والمنظمة الدولية .
فالنظم الدولية ينصرف في مفهومه الضيق إلى مجموعة من القواعد القانونية المنظمة لموضوع رئيسي معين ، أو المرتبطة بإطار موضوعي محدد مثل نظم الحياد والتمثيل الدبلوماسي والقنصلي ، ويذهب أبعد من ذلك إلى المعاهدات الدولية والمؤتمرات والحروب ، فهذا الكائن الاجتماعي كما يراه (هوريو) دائم الوجود والتطور من خصائصه الذاتية خلق القانون وتطبيقه والتطور به بما يتلاءم وحاجات الجماعة المتغيرة .
أما التنظيم الدولي فيقصد به التركيب المعنوي للجماعة الدولية منظورا إليه من وجهة نظر ديناميكية تشمل احتمالات تطوره إلى ماهو أفضل ،
أما المنظمة الدولية فيعرفها الأستاذ سامي عبد الحميد(1) هي كل هيئة دائمة تتمتع بالإرادة الذاتية وبالشخصية القانونية الدولية حين تتفق مجموعة من الدول على انشائها ، كوسيلة من وسائل التعاون الاختياري ، بينها في مجال أو مجالات معينة يحددها الاتفاق المنشئ للمنظمة .
ويخرج الأستاذ الغنيمي (2) على المألوف ويسميها المنتظمات الدولية فيرى أن المنتظم الدولي هو مؤتمر دولي –الأصل فيه أن يكون على مستوى الحكومات – مزود بأجهزة لها صفة الدوام ومكنة التعبير عن إرادته الذاتية
ويعرفها الأستاذ أبو هيف (3) تلك المؤسسات المختلفة التي تنشئها مجموعة من الدول على وجه الدوام للاضطلاع بشأن من الشؤون الدولية العامة المشتركة .
ويرى الأستاذ محمد حافظ غانم(4) بأنها هيئات تنشئها مجموعة من الدول للإشراف على شان من شئونها وتمنحها اختصاصا ذاتيا معترفا به تباشره هذه الهيئات في المجتمع الدولي وفي مواجهة الدول الأعضاء نفسها .
وقد تلاقت الاستاذه عائشة راتب (5) مع هذا التعريف ، أما الدكتور عبد العزيز سرحان ،(6) فيرى بأنه وحدة قانونية تنشئها الدول لتحقيق غاية معينة ، وتكون لها إرادة دولية . أما أستاذ مفيد شهاب (7) انه شخص معنوي من أشخاص القانون الدولي العام ينشأ من اتحاد أرادات مجموعة من الدول لرعاية مصالح مشتركة دائمة بينهما ، ويتمتع بإرادة ذاتية في المجتمع الدولي وفي مواجهة الدول الأعضاء ، ويلخص الدكتور العناني (8) الوضع ليقرر أن التعريفات العديدة التي يضعها الفقهاء للمنظمة الدولية تتشابه جميعا من حيث المضمون وتتجه إلى المنظمة الدولية في معناها الدقيق ، فهي الهيئة التي تضم مجموعة من الدول على نحو دائم سعيا وراء تحقيق أغراض ومصالح مشتركة بينها ، وتتمتع هذه الهيئة باستقلال وأهلية للتعبير عن إرادة ذاتية في المجال الدولي
ويعرفها الدكتور سعيد الدقاق ، (9) ذلك الكيان الدائم ، الذي تقوم الدول بانشائه ، من اجل تحقيق أهداف مشتركة ، يلزم لبلوغها منح هذا الكيان ارادة ذاتية . وبناء عليه فلكل منظمة عناصر أساسية وهي الكيان الدائم ، والصفة الدولية ، والهداف المشتركة ، والارادة الذاتية أي الشخصية القانونية الدولية
ويشترط بول رويتير(10) أن التعبير يستدعي تجمع عنصرين ، فمن حيث هو منتظم لابد أن تكون له إرادة قانونية متميزة عن إرادة أعضائه ، ومن حيث هو دولي يتكون عادة وليس على سبيل الحصر من الدول .
ويقول ايكهيرس في معرض تحليل المصطلح ، انه يصف عادة منظمة دولية تقام عن طريق الاتفاق بين دولتين أو أكثر ، إن المصطلح بمعنى المنظمات الحكومية قد وجد منذ 1815 ألم يكن أبكر من ذلك ، ولكنه لم يكتسب أهميته السياسية إلا بعد الحرب العالمية الأولى ، بل إن إسباغ الشخصية القانونية على المنظمة جاء في مرحلة أحدث ، وتقيم الدول المنظمات الدولية لتحقيق أهداف بعينها ، فهي بهذا أكثر ما تكون شبها بالشركات في القانون الخاص لأن الشركات تسعى هي الأخرى لتحقيق أغراض محددة ، وتختلف السلطات من منظمة إلى أخرى .
إن نقطة الانطلاق في تعريف المنظمة الدولية هي النظر إليه من حيث هو تطبيق للظاهرة الاتحادية أي انه يحقق المساهمة والذاتية ، ولذا فان المركز الأساسي الذي يقوم عليه مدرك المنظمة الدولية هو مايزود به من أجهزة دائمة قادرة على أن تعبر عن إرادته ، تلك الأجهزة هي التي تمايز بين المنظمة الدولية والمؤتمر الدولي . إن المنظمة الدولية هي التي تملك قدرا من الذاتية يفصله عن مؤسسيه والدول الأعضاء فيه يتمتع بأهلية تجانس لوحدة وقدرتها على أن تعمل باسمها الخاص في نطاق القانون الدولي
ويورد العناصر الأساسية للمنظمة الدولية ،حيث تباينت الآراء حولها :
1- الاستناد إلى اتفاقية دولية ذات طابع دستوري .
2- عنصر الدوام
3- وجود أمانة عامة دائمة
4- الشخصية القانونية
5- التمتع بقدر معين من الحصانات والامتيازات
6- الاعتراف بالمنظمة كشخص من أشخاص القانون الدولي الأخرى
7- الاستعانة ضرورة بعدد من العاملين الدوليين ، وبممثلي الدول الأعضاء
8- الاعتراف للمنظمة بسلطة إصدار القرارات
9- التزام الدول أعضاء المنظمة بالعمل على تنفيذ ماقد تصدره من قرارات
10- التزام الدول أعضاء المنظمة بالاشتراك في تمويل نفقاتها .ومع تعدد هذه العناصر ، يحصر الأستاذ سامي عبد الحميد العناصر الأربعة التالية :
أ – عنصر الارادة الذاتية
ب- عنصر الكيان المتميز
ج – الاستناد الى اتفاقية دولية
د- عدم انتقاص المنظمة من سيادة الدول المشتركة في عضويتها باعتبارها في الواقع مجرد وسيلة للتعاون الاختياري بين مجموعة معينة في مجال أو مجالات محددة يتفق عليها سلفا

مصادر الشرعية الدولية :

تنشأ المنظمة الدولية بموجب اتفاقية دولية متعددة الأطراف تدخل حيز التنفيذ عندما تنظم اليها أو تصادق عليها مجموعة من الدول يحددها ميثاق المنظمة الدولية
وقد يأخذ الاتفاق صورة عالمية بأن يفسح المجال لكل دولة مستقلة ذات سيادة أن تنظم اليه بغض النظر عن كونها تقع في أي بقعة جغرافية
أو يكتسى طابعا اقليميا محددا ، فيسمح لعدد من الدول ذات روابط جغرافية أو حضارية أو اقتصادية أو سياسية بالانضمام اليه .
ويتم عادة اعداد الميثاق في مؤتمر دولي ، تدعى اليه اما الدول المنتصرة في الحرب ، أو الدول الاقليمية كما حصل بالنسبة لجامعة الدول العربية .
ويحتاج هذا الميثاق الى تصديق الدول الأعضاء عليه خاصة من يتضمن سلطات تمس سيادة الدول ، والتصديق لم يعد حقا خالصا لرئيس الدولة بل يشاركه فيه مؤسسات قانونية أو استفتاء شعبي ، لكي تعبر بأمانة عن ارادة الدولة .
ويمتاز الميثاق بصفة عامة على أنه مفتوح لكافة الدول للانضمام اليه كقاعدة عامة ، غير أنه يفرض عليها سلوكا محددا ، اذ يشترط عدم جواز التحفظ علي أحكام الميثاق
أما قيمته القانونية فيعد القانون الأسمى للدول الأعضاء في المنظمة الدولية وهو مأأكدته المادة 103 من الميثاق بصفته القانون الأساسي للتنظيم الدولي .
غير أن هذا الميثاق ليس كتابا مقدسا ، اذ يمكن تعديله بموافقة الدول الأعضاء فيه بالأغلبية استنادا الى نصالمادة 108 من ميثاق الأمم المتحدة .
أعطى الميثاق الحق للدولة التي لاتوافق على التعديل حق الانسحاب منه شريطة أن توفي بالتزاماتها المالية .
وتنظم الحياة الداخلية للمنظمة من خلال المؤتمرات والاجتماعات الدورية التي تعقد عادة في مقر المنظمة ، أو في أي مكان يتفق عليه
ولكل منظمة لائحة داخلية تنظم الحياة الداخلية فيها ، وينفذه عدد من الموظفين الدوليين الذين لايمثلون دولهم في المنظمة الدولية ويتمتعون بالحصانات الدبلوماسية .
غير أن الدول تمثل لدى المنظمة الدولية بوفد رسمي يتألف عادة من عدد محدد ، يتم التحقق من أوراق تفويضهم سنويا ، ولمدة محددة لاتتجاوز السنة الواحدة ، وقد تكون ثابتة بالنسبة لبعض المنظمات الاقليمية .
ويتم التصويت في المنظمات الدولية اما على أساس الاجماع ، أو على أساس الأغلبية ، وقد يأخذ شكل الأسهم كما هوالحال في المنظمات الدولية .
غير أن بعض الهيئات تمنح لبعض أعضائها استثناء صوتا مميزا يسمى حق التحفظ او الفيتو في مجلس الأمن الدولي ، وهو منظم ويمنح الدول امتيازات عن الدول الآخرى ، وتستطيع من خلاله اسقاط أي قرار دولي لاتوافق عليه

انواع أو أقسام المنظمات الدولية :

يمكن تقسيم المنظمات الدولية الى :

أ‌- المنظمات الدولية العالمية والمنظمات الدولية الاقليمية
ب‌- المنظمات الدولية الشاملة العامة والمنظمات الدولية المتخصصة
ت‌- المنظمات الدولية الحكومية والمنظمات الدولية غير الحكومية
ث‌- منظمات دولية قضائية ومنظمات دولية ادارية او تشريعية
ج‌- منظمات دولية مفتوحة ومنظمات دولية مغلقة .
الشخصية القانونية للمنظمة الدولية
أي الأهلية لاكتساب الحقوق ، وتحمل الواجبات والالتزامات ، والقيام بالتصرفات القانونية ، ورفع الدعاوى امام القضاء .
وكانت الشخصية القانونية لاتمنح الا للدول وتمتعت الاتحادات الادارية بوصف الشخص القانوني الدولي عام 1897 ، وتمتع معهد الزراعة الدولي عام 1914 بوصفه الشخص القانوني الدولي ، وتمتع اتحاد الدانوب ولجنة التعويضات بعد الحرب العالمية الاولى بنفس الصفة وقد اعترفت محكمة العدل الدولية عام 1949 بالشخصية القانونية ، فقالت
إن المنظمة طبيعة خاصة متميزة عن الدول ، تتمتع باهلية تتناسب في ااتساع مجالها او ضيقه مع الأهداف التي أنشئت المنظمة من أجل تحقيقها ، وترجع المسألة الى قضية الكونت برنادوت ، حيث ثار البحث ، هل يحق للمنظمة رفع دعوى قانونية ، أي دعوى المسئولية الدولية عن الأضرار التي لحقت بموظفيها ابان قيامه بمهمته .
قررت المحكمة ، أن الأشخاص في نظام قانوني معين ليسوا بالضرورة متماثلين في طبيعتهم ، وفي نطاق حقوقهم ، بل تتوقف على طبيعة ظروف المجتمع الذي ينشأ فيه على متطلباته ، كما انتهت الى أن الدول ليست وحدها أشخاص القانون الدولي العام ، اذ قد يتمتع بالشخصية القانونية الدولية كائنات أخرى غير الدول ، إذا ما اقتضت ظروف نشأتها وطبيعة الأهداف المنوطة بها تحقيقها الاعتراف لها بهذه الشخصية . وقد لاحظت المحكمة وبحق أنه بينما تتمتع الدول كأصل عام بكافة الحقوق والالتزامات الدولية التي يعرفها القانون الدولي ، لا تتمتع المنظمات الدولية ضرورة بكل هذه الحقوق والالتزامات ، بل يتوقف مقدار ما تتمتع به من حقوق والتزامات على أهدافها ووظائفها الخاصة صراحة أو ضمنا من الوثيقة التأسيسية المنشئة ، وما جرت عليه المنظمة نفسها في حياتها الواقعية .(11)
ان الوحدة التي تتمتع بحصانات وامتيازات معينة ولها حق الدخول على قدم المساواة في معاهدات مع الدول الأعضاء هي وحدة يجب الاعتراف لها بالشخصية القانونية
اذا وعلى ضوء هذا التحليل ان المنظمة شخص من أشخاص القانون الدولي العام ، وبأن طبيعة اهدافها ووظائفها تقتضي ضرورة الاعتراف لها بالحق في تحريك دعوى المسؤولية الدولية في حالة اصابة احد العاملين فيها بالضرر بسبب قيامه بخدمتها .غير أن للأستاذ صادق أبو هيف رأي آخر ، فيرى آ ن الشائع في االفقه الدولي اعتبار الهيئات الدولية التي لها كيان مستقل من أشخاص القانون الدولي العام كما هو شان الدول ، والبابا ، غير أن في هذا الشائع انحراف تلك الهيئات عن وضعها الحقيقي خلط بين الشخصية الدولية والأهلية القانونية ، فهذه الهيئات وبلا نزاع يمكن أن تتمتع بالأهلية القانونية لقيامها بمهامها ، وهي اهلية خاصة ذات طابع دولي بما أنها تعمل في المحيط الدولي ، انما هذا لا يستتبع حتما اعتبارها من أشخاص القانون الدولي العام ، لأنه لاتلازم حتمي بين هذه الأهلية وبين الشخصية الدولية بمفهومها الدقيق ، فالدول ناقصة السيادة لاتتمتع في المحيط الدولي بأهلية كاملة ، ولا يحول هذا مع ذلك اعتبارها من أشخاص القانون الدولي العام ، لأن هذا القانون يعني بها مباشرة عنايته بالدول الأخرى كاملة الأهلية ، وليس هذا مركز الهيئات الدولية ، فهذه الهيئات ليس محل عناية هذا القانون لذاتها ، وكل ما هنالك أنه يخلقها وينظمها لمجرد الاستعانة بها على تنفيذ احكامه ، فهي لاتخرج عن كونها أداة يستخدمها في تطبيق قواعده على أشخاصه الحقيقيين . وأشخاص القانون الدولي العام هم الذين من اجلهم وجد هذا القانون ، ووجوده هو نتيجة لوجودهم لاحق له ، والشخصية التي تتمع بها الدولة ليست مستمده من هذا القانون ، وانما هي مستمدة من وجودها ذاته ، ولا يملك القانون الدولي أن يغير في هذه الشخصية اذا ثبت للدولة بوجودها ، ولا يملك أن يمنح الشخصية الدولية لأية هيئة لم تجمع عناصر الدولة ، لأن الدولة كما قلنا تقوم بنفسها على عناصرها الخاصة ولا تنشأ عن طريق نص او اتفاق . اما الهيئات الدولية فتستمد وجودها من نص في القانون تتفق عليه جماعة الدول فحياتها ترتبط بهذا النص وتخضع لارادة هذه الجماعة ، وللدول أن تغير فيها ما شاءت وفقا للأوضاع التي تتفق عليها ، بل ولها أن تقضي على وجودها القانوني بالغاء النص الذي أنشأها ، فهي في يد جماعة الدول كما ذكرنا مجرد اداة يمكن الاستغناء عنها او استبدالها بغيرها اذا رؤي عدم صلاحيتها لتحقيق الغرض من وجودها ، ولا تملك جماعة الدول أن تفعل ذلك بالنسبة لأحد أعضائها ، لأن وجود هؤلاء الأعضاء لايتوقف على ارادتها وانما يخضع لعوامل أخرى لاسيطرة لها عليها ويؤيد وجهة نظر ابو هيف ماورد أخيرا في تعليق الامين العام للأمم المتحدة عام 1956 عن الدور الذي تقوم به الهيئة الدولية العامة ، حيث يقول ” واذا ما اخذنا الميثاق ككل لوجدنا أنه لايسبغ على الأمم المتحدة أي صفة من الصفات التي تجعل منها دولة عليا فوق الدول أو هيئة عاملة خارج اطار قرارات حكومات الدول الأعضاء فيها .
ان الأمم المتحدة هي بالأحرى وسيلة للتفاوض بين الحكومات ، ولأجلها الى حد ما ، وهي أيضا وسيلة تضاف الى الوسائل الدبلوماسية التي أقرها الزمن لتوحيد جهود الحكومات في سبيل تأييد اهداف هذا الميثاق ….” الى أن قال” وحري بنا أن ندرك الأمم المتحدة على حقيقتها – فهي اداة للأمم ، معترف بعدم كمالها ، ولكنها ضرورية للعمل على ايجاد تطور سلمي نحو اقامة نظام عالمي أعدل وأوطد . وعلى ذلك يكون وضع الهيئات الدولية التي يكون لها كيان قائم بذاته في عداد أشخاص القانون الدولي العام أمرا لايتفق مع طبيعة هذه الهيئات ، ويكون الصحيح ان هذه الهيئات تشغل مكانها في المحيط الدولي بوصفها مؤسسات ذات أهلية قانونية خاصة لا أكثر ولا أقل .
اما الأستاذ عبد العزيز سرحان فيرى توفر خمسة شروط لابد في نظره من توافرها لاتصاف المنظمة الدولية بالشخصية القانونية الدولية وهي :
a. توافر غاية معينة للمنظمة – ب- تمتع المنظمة بالارادة الذاتية –ج – تمتع المنظمة بسلطات تباشرها في مواجهة الدول الأعضاء ، وقد تباشرها أيضا في حدود معينة في مواجهة الدول غير الأعضاء
د-التنظيم – أي وجود أجهزة تعبر عن ارادة المنظمة ، وهو الذي يجسد وجود الشخص المعنوي ، وعن طريقه يباشر حقوقه ويدافع عنها
ه- الاشتراك في خلق قواعد القانون الدولي
أما الأستاذ الغنيمي الذي يغرد دائما خارج السرب ، فيرى النظام القانوني وأشخاصه الذين تخاطبهم قواعده بترتيب الحقوق وفرض الحلول، فيرى ان للمنظمات الدولية ذاتية دولية ، وينطلق من النقطة الاولية في دراسة الشخصية القانونية في تعريف المقصود بهذا التعبير ، وهنا نجد ان الفقه ينشطر الى مذهبين ، فهناك من يعرف الشخصية بانها القدرة على كشف الحقوق والالتزام بالواجبات ، الشخصية القانونية تعبير عن العلاقة التي تقوم بين وحدة معينة ونظام قانوني محدد ، وتتمثل هذه العلاقة في اسناد هذا النظام مجموعة من الحقوق والالتزامات لهذه الوحدة ولكل نظام التزامات ، ذلك انه لاتوجد أشخاص قانونية بالطبيعة ، ولاأشخاص قانونية بالنسبة لكل الانظمة ، وتقابل هذا الرأي مدرسة اخرى لاتكتفي بالوصف السابق فحسب بل تضيف اليه وصفا آخر فتشترط الى جانب هذه الهيئة القانونية أن تكون قادرة على انشاء القواعد الدولية بالتراضي مع غيرها من الوحدات المماثلة ، ولما كان جليا ان الجماعة الدولية – على عكس الجماعة الداخلية – لاتعرف خطوات رتيبة مقننة لاضفاء الشخصية المعنوية ، فان النظرية التقليدية في القانون الدولي العام تتمسك – أيا كان التعريف الذي نأخذ به – بان أشخاص هذا القانون هي الدول فحسب ، وعذرها في ذلك انها تعتبر السيادة معيار الشخصية القانونية الدولية ، وركيزة السيادة في نظرها هذة توافر الاقليم والشعب ، وما دام أن المنظمات الدولية لاتتمتع بالسيادة لعدم توافر الشعب على الأقل فهي ليست من أشخاص القانون الدولي ، ولكن هذا الرأي معيب ، اذ أن للمنظمات ولاية كما هو الحال في ولاية الدول تمارس ولاية انفرادية يطلق عليها البعض الولاية العضوية تمنحها سلطات تشريعية وتنفيذية بل وقضائية على أجهزتها الخاصة وموظفيها ، واذن ليس هناك من خلاف جوهري بين الدول والمنظمات الدولية ، صحيح أن السيادة عند الكثيرين هي معيار الشخصية القانونية للدول ، ولكن مناقشة الشخصية القانونية بالنسبة للمنظمات الدولية تحتاج الى نظرة شاملة وأفق أوسع ، غير ان اتجاها يرى أن المنظمات لاتتمتع بالشخصية القانونية الدولية :اذ أن الشخصية القانونية بطبيعنها مركز قانوني يحاج به ا لجميع فمن يكون شخصا من أشخاص نظام قانوني معين يجب أن يقر له بالشخصية من قبل كافة أشخاص هذا النظام ، ان الشخص القانوني ذى الشخصية النسبية والذي يتسم بمعنى محدود ونطاق خاص ولا يقر به بعض أشخاص النظام القانوني ليس الا حيلة . ان الشخصية القانونية في نظام قانون معين لايمكن ان توجد وان تنعدم في الوقت ذاته ، اذ لابد أن نختار بين احد الفرضين . واذا فبناء الشخصية القانونية على ميثاق المنظمة والقول تبعا بان الشخصية القانونية للمنظمة هي شخصية نسبية ، وهو قول ينزع منزعا وضعيا في ايجاد حل للمشكلة ، هو عند المنكرين للشخصية رأي خطل ولا وزن له .
ولنذكر بجانب ما سلف أن عددا كبيرا من الفقهاء يعتبر ان الشخصية القانونية للمنظمات الدولية هي صياغة فنية خالصة لاتتأسس على أية حقيقة سببية . ان هؤلاء الفقهاء ينظرون الى الحقوق والالتزامات المضفاة على المنظمات على انها في الواقع حقوق والتزامات الدول الاعضاء .
الرأي الخاص للأستاذ الغنيمي ، الحق اننا قل أن نجد اليوم فقيها ينكر على المنظمات الدولية الشخصية القانونية انكارا مطلقا لاسيما ، وأن دساتير هذه المنظمات دأبت في تواتر يكاد يكون رتيبا على إضفاء هذه الشخصية على المنظمة المعنية ، ثم ان القضاء الدولي اتخذ لنفسه موقفا واضحا من هذه المشكلة ، ولكننالانستطيع رغم الدفعة الغالبة في الفقه ، والموقف المتحيز للقضاء الدولي ان نقول ببساطة ان مشكلة الشخصية القانونية الدولية قد حلت بالقياس الى المنظمات الدولية ، بل ان المشكلة تظل قائمة مع وجود نص صريح في دستور المنظمة ، وذلك أن قصور ميثاق المنظمة عن إيراد نص في شان الشخصية القانونية لايعني نفي هذه الشخصية عن المنظمة الدولية ، كما ان ايراد نص في هذا الشان لايغير من الحقيقة شيئا ، ان القواعد التي من هذا القبيل لاتخلق حكما ، وانما تفصح عن فكرة يحتاج بيان مداها الى أن تدبر معطيات وضعية ، ان وجود او عدم وجود هذه القواعد ليس بذي بال بالنسبة للفقيه الذي يجب عليه الا يضع في اعتباره بعض الافكار التي هي في حاجة الى لفت النظر .
ان الجدل الذي شغل الفقه حول الشخصية القانونية للمنظمات الدولية هو في نظره جعجعة بلا طحين ، والحديث عن الشخصية القانونية للمنظمة الدولية لاينضبط بمعايير الحديث عن الشخصية القانونية للدولة لأن الذين اعترفوا للمنظمة الدولية بالشخصية القانونية اعترفوا في الوقت ذاته بان هذه الشخصية تكسب المنظمة أهلية محدودة وليست مطلقة كأهلية الدولة . والذين انكروا الشخصية القانونية اعتمدوا في تفنيدهم لحجج المؤيدين على نشاط المنظمة الدولية في مظهريه السلبي والايجابي – انما يقع في حقيقته على الدول الاعضاء وليس على المنظمة الدولية الذي لايعدو ان يكون حيلة قانونية .
ان أنصار الشخصية القانونية الدولية للمنظمة يركزون على ما تعنيه هذه الشخصية من أهلية اذ يعتبرون ان اختصاص المنظمة الدولية بمجموعة معينة من الوظائف يرتب اضفاء الشخصية على المنظمة كما ان كسب المنظمة للشخصية يخوله اتيان تصرفات بذاتها ، والأمر عند الغنيمي ان هذه ليست هي الزاوية الصحيحة التي نعالج بها ومنه مدرك الشخصية القانونية الدولية للمنظمة الدولية ، ذلك لأن الاختصاصات للمنظمة انما تحدد صراحة او ضمنا من دستوره سواء اعترفنا له بالشخصية الدولية ام لم نعترف ، وتبعا فان التذرع بالشخصية القانونية الدولية لن يقدم او يؤخر في شان ما للمنتظم من سلطات وما عليه من التزامات . ان الذي يهم هو توفر الشخصية من حيث هي اما مضمون تلك الشخصية فتفضيل يرجع الى ظروف الشخص القانوني ومركزه الشرعي ، وتلك مسألة ثانوية في بحث الشخصية القانونية من حيث هي أصل ومبدأ .
كذلك لايمكن أن نأخذ رأي المنكرين للشخصية المعنوية كفكرة من حيث هي على علاتها ، ذلك ان وصف الشخصية القانونية للمنظمة الدولية بانها حيلة قانونية انما ينصرف كذلك الى الدولة ن والاقرار بالشخصية القانونية هي ركيزة أساسية في القانون الدولي لنه نظام قام اصلا كي يخاطب الأشخاص المعنويين .
ان الشخص القانوني هو القادر على المساهمة في خلق القواعد القانونية ، أي تتمتع في خلق وتكوين الارادة الدولية الشارعة .
ان التمتع بالذاتية لايكفي لاسباغ الشخصية القانونية على المنظمة الدولية بل لابد ان تصل هذه الذاتية الى حد القدرة على التعبير عن الارادة الدولية الشارعة .
ان الشخصية القانونية تتطلب توافر عنصرين الاول أهلية لاكتساب الحقوق والالتزام بها والثاني ، القدرة على خلق قواعد قانونية ، وهذا لن يتأتى مالم تتميز ارادة المنظمة عن ارادة الدول الاعضاء ، ولهذا يمكن ان تكون الشخصية كاملة او ناقصة فالأولى هي التي لايرتبط نشاطها بارادة الدول الاعضاء فيها ، وهو الامر الذي اتسمت به الامم المتحدة حين اعترفت لها الدول بالشخصية القانونية .
والثاني ، الناقصة وهي التي تتمتع بذاتية متميزة عن الدول الأعضاء تسمح لها القيام بعض التصرفات القانونية .
لذلك ينتهي الأستاذ الغنيمي الى الاقرار بالشخصية القانونية النسبية قاصرة على الدول الأعضاء التي تعترف بهذه الشخصية .
أما الدكتور فايز انجاك أستاذ القانون الدولي المقتدر فيرى أن الشخصية القانونية مسألة تحتاج الى معرفة خصائص المنظمة الدولية وهي كالتالي :
الخاصية الأولى تتألف المنظمة حصرا من مجموعة من الدول ذات السيادة ، وهذه القاعدة الرئيسية لاحداث المنظمات الدولية .
الخاصية الثانية : ان المنظمة تتمتع بصفة الديمومة ، تختلف عن المؤتمرات الدبلوماسية في حين أن المنظمة ليست أزلية ولكنها قابلة للدوام والتطور وقد تحدد الوثيقة التأسيسية عمر المنظمة مثل الحديد والصلب التي قدرت عمرها بخمسين سنة ، ثم تطورت الى السوق الأوربية المشتركة وأخيرا الاتحاد الأوربي
الخاصية الثالثة : أن الأساس القانوني في أغلب الأحيان هو عبارة عن معاهدة دولية
الخاصية الرابعة ، أنها تفترض وجود هدف مشترك تتفق الدول الأعضاء على تحقيقه ، سياسي اقتصادي أمني أو صحي تجاري زراعي ثقافي .
الخاصية الخامسة هي أن كل منظمة دولية تتضمن أجهزة وهيئات مختلفة ومتنوعة ، هذه الهيئات تسمح للمنظمة بأن يكون لها كيان أو شخصية متميزة عن شخصية وكيان كل دولة عضوة في المنظمة .
الخاصية السادسة ، هي أن كل منظمة تملك قسطا من الشخصية القانونية تسمح لها بممارسة عدد من الحقوق والواجبات ، ويفرق عادة التوضيح بين نوعين من الشخصية القانونية للمنظمات الدولية ، الشخصية القانونية الداخلية ، والشخصية القانونية الدولية .
ان الشخصية القانونية الداخلية للمنظمات الدولية تسمح للمنظمة أن تمارس عددا من الحقوق التي تناسب الحقوق الممنوحة للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين ضمن المجال الوطني لدولة ما ، مثل لها المقر تشتريه أو تستأجره ، وابرام العقود والمثول أمام القضاء ، أما الشخصية القانونية على المستوى الدولي ، اذ تتمتع بالامتيازات والحصانات في أراضي الضرورية لبلوغ الأهداف . وينتهي الأستاذ انجاك الى أن القضاء الدولي من خلال الرأي الاستشاري في قضية الكونت برنادوت عام 1949 يرى أن المنظمة مؤهلة لممارسة وظائف والتمتع بحقوق لايمكن أن تبرر الا اذا كانت تملك قسطا كبيرا من الشخصية الدولية ، وأهلية التصرف على المستوى الدولي وبهذا تكون المنظمة الدولي مجموعة من الدول ذات السيادة ، تتمتع بصفة الديمومة ، أساسها القانوني معاهدة ، هدفها مشترك ، ولها اجهزة وهيئات مختلفة ، تتمتع بقسط من الشخصية القانونية .
المسؤولية الدولية للمنظمات الدولية
يرى الأستاذ مفيد شهاب أن احكام المسؤولية القانونية تمتد لتشمل المنظمات الدولية ، باعتبارها اشخاصا قانونية ، على عكس مايراه الفقه التقليدي من قصر هذه الأحكام على الدول ذات السيادة .وتخضع هذه المسؤولية لنفس القواعد التي يقررها القانون الدولي العام بشان مسؤولية الدولة ، مالم يوجد اتفاق على غير ذلك .
تقرير مسؤولية المنظمات الدولية :
ثارت مناقشة احتمال قيام المسؤولية في مواجهة المنظمات الدولية عندما بدات هذه المنظمات تمارس من الوظائف والاختصاصات ما يمكنها من القيام بتصرفات قد تلحق أضرارا بمصالح أشخاص القانون الوطني مثال ذلك أن تمنع احدى المنظمات من تنفيذ عقد مع احد التجار ، او أن يلحق احد موظفيها ضررا بأحد الأفراد ، ومثال ذلك أيضا أن تتسبب قوات مسلحة تابعة للأمم المتحدة في اصابة بعض الأفراد ، فقد ترى الدول التي يتبعها هؤلاء الأفراد ان هذه التصرفات تخالف أحكام القانون بما يوجب اعمال قواعد المسؤولية ، وعندئذ يثور التساؤل عن احتمال قيام حق المطالبة الدولية ، في مثل هذه الأحوال ، لصالح هؤلاء الأفراد .
ثم بدا التساؤل عن هذه المسؤولية يمتد ليشمل احتمال قيامها لصالح أشخاص القانون الدولي في حالات اخلال المنظمة الدولية باتفاقية مبرمة مع احدى الدول او المنظمات الاخرى ، أو اذا قامت احدى المنظمات بتصرف يلحق ضررا بدولة او منظمة دولية اخرى .
ومن الطبيعي أن تترتب مسؤولية المنظمة الدولية عن مثل هذه التصرفات ذلك ان المبادىء المسلم بها ، ان من يملك سلطة التصرف يتحمل عبء المسؤولية ولايمكن ان يؤدي تمتع المنظمة الدولية بحصانة عدم الخضوع للقضاء الوطني الى عدم مسؤوليتها عن آثار تصرفاتها ، لذلك يجمع الفقه الذي يعترف للمنظمات الدولية بالشخصية القانونية على وجوب قيام هذه المسؤولية . كما أن الأمم المتحدة تقبل من الناحية الواقعية ، تحمل المسؤولية عن تصرفات وكلائها وموظفيها . ويؤكد القضاء الدولي نفس المبدأ ، فقد أعلنت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 13 جويلية سنة 1954 بشان آثار احكام المحكمة الادارية للأمم المتحدة مسؤولية الهيئة العالمية عن تنفيذ العقود التي أبرمتها مع موظفيها . كما أعلنت نفس المحكمة في رأيها الاستشاري الصادر في 11 افريل 1949 اهلية الأمم المتحدة في مطالبة دولة غير عضو بالتعويض عن الأضرار التي لحقتها والتي لحقت بأحد موظفيها بسبب اغتيال هذا الموظف أثناء تاديته واجباته . واذا كان هذا الرأي الأخير يؤكد حق المنظمة في المطالبة الدولية ، الا انه يقرر في الحقيقة مبدأ صلاحياتها لأن تكون طرفا في علاقة المسؤولية الدولية سواء بصفتها مدعية أو مدعى عليها . وقد اكدت محكمة العدل الدولية من جديد في رأيها الاستشاري الصادر في 30 يوليو 1962 بشان بعض مصروفات الامم المتحدة ، مبدأ المسؤولية القانونية للمنظمة العالمية في مواجهة الغير .
احكام مسؤولية المنظمة الدولية :
تخضع مسؤولية المنظمة الدولية ، سواء من حيث شروطها الموضوعية او الشكلية لنفس الاحكام التي وضعها القانون الدولي بشان مسؤولية الدولة ، وبالتالي فانها تكون مسؤولية تعاقدية ، اذا امتنعت منظمة دولية عن تنفيذ التزام تعاقدي ، او اذا قامت بتنفيذه على وجه مخالف لشروط التعاقد . كما تكون مسؤولية تقصيرية في حالة وقوع ضرر تسببت المنظمة في الحاقه بالغير . وتؤكد التطبيقات العملية قيام مسؤولية المنظمة الدولية اما با لاستناد الى عنصر الخطأ او بالاستناد الى عنصر الضرر نظرية المخاطر . ولايجوز للأفراد كقاعدة عامة مساءلة المنظمة الدولية الا عن طريق الدول التي يتبعونها ، استنادا الى قواعد الحماية الدبلوماسية ، وذلك مالم يوجد نص استثنائي صريح يخولهم حق مساء لة المنظمة مباشرة . اما فيما يتعلق بتطبيق احكام المسؤولية فلا تثور ، في العادة أية صعوبات اذا كانت هناك هيئات تملك سلطة اصدار قرارات نهائية وملزمة في شان التصرفات غير المشروعة . فيرى البعض انه تنشا خلافات كثيرة بشان تحديد شرعية تصرفات المنظمة الدولية اذا لم توجد مثل هذه الهيئات ، وبصفة خاصة اذا لم تكن هناك هيئة قضائية دولية تملك سلطة اصدار احكام نهائية . وتعتبر الجماعات الاوربية صورة فريدة في هذا الشان حيث يوجد فيها محكمة عدل اوربية لممارسة هذه الوظيفة . أما على صعيد المنظمات الدولية الأخرى ، فان محكمة العدل الدولية لاتملك بالنسبة للمنظمات الدولية الا حق اصدار آراء استشارية غير ملزمة وذلك اعمالا للمادة 24 من النظام الأساسي لهذه المحكمة التي تقصر على الدول وحدها حق الالتجاء اليها في منازعات قضائية تصدر فيها احكاما ملزمة . ومع ذلك ففي الامكان التحايل على هذا النص اذا اتفقت دولة مع منظمة دولية على ان تقوم المنظمة بطلب ابداء رأي استشاري من المحكمة حول تصرف ثار النزاع بسببه بين المنظمة والدولة والتزام الطرفين مسبقا بقبول الرأي كحكم ملزم . وقد أخذت بهذه الفكرة بالفعل اتفاقية حصانات وامتيازات الأمم المتحدة المبرمة عام 1946 عندما قرر الأطراف اعتبار آراء المحكمة الاستشارية فيما يتعلق بتفسير هذه الاتفاقية ملزم لهم .
واذا كانت آراء محكمة العدل الدولية بشأن تصرفات المنظمات الدولية لاتحمل صفة الالزام ، فان ذلك يعني أن يبقى تنفيذها رهنا بارادة المنظمة الدولية المعنية بها ، واحيانا ، تستجيب المنظمات الدولية لها ، ولكنها تعرض عنها أحيانا أخرى . ومن أمثلة حالات الأخذ بالآراء الاستشارية لمحكمة العدل برأيها الصادر في 8 يناير 1960 الذي قررت فيه عدم شرعية انتخابات لجنة تأمين الملاحة التي اجرتها الجمعية العامة للمنظمة الاستشارية الدولية لملاحة البحرية في 15 جانفي 1959 . فقد قبلت هذه المنظمة اعادة تشكيل اللجنة المذكورة على ضوء ما ارتأته محكمة العدل الدولية ، ومن امثلة الحالات التي لم تاخذ بها المنظمات برأي المحكمة ما حدث بشان رأيها الاستشاري الصادر عام 1960 بخصوص مصروفات الأمم المتحدة ، فقد أفتت المحكمة بأن نفقات قوات األأمم المتحدة لحفظ السلام في الشرق الاوسط عام 1956 ، وفي الكونغو عام 1960 تعد جزءا من مصروفات الامم المتحدة وفقا للمادة 17/2 من ميثاق الهيئة العالمية ، ويجوز ان يطبق الجزاء الذي تقرره المادة 19 والذي يقضي بحرمان العضو المتأخر في تسديد اشتراكاته المالية من حق التصويت في الجمعية العامة . ورغم قبول الجمعية العامة لهذا الرأي ، الا ان رفض بعض الدول الاعضاء ، وخاصة الاتحاد السوفييتي وفرنسا الاخذ به فيما يتعلق بتحديد التزاماتهم المالية في مواجهة الهيئة أدى الى نشوب ازمة خطيرة في الامم المتحدة ، تجنبت الجمعية العامة تفجيرها بأ ن تغاضت من الناحية العملية عن المطالبة بتطبيق رأي المحكمة . وفي الحقيقة فطالما كانت آراء محكمة العدل غير ملزمة قانونا للمنظمات الدولية ، فانه لايمكن اعتبار رفض اعمالها تصرفا غير قانوني . وازاء هذا الوضع فقد يتعذر حل نزاع يكون احد طرفيه منظمة دولية الا عن طريق الاتفاق اوالتحكيم .
وتجدر الاشارة الى ان مسؤولية المنظمة في مواجهة دولة بها تتقرر طبقا لأحكام ميثاق المنظمة ولوائحها الداخلية ، بحيث يكون لهذه الاحكام اولوية في التطبيق حتى في حالة تعارضها مع قواعد القانون الدولي المتعلقة بالمسؤولية ، وذلك ان هذه القواعد ليست من النظام العام بحيث لايجوز الاتفاق على ما يخالفها . اما مسؤولية المنظمة في مواجهة دولة غير عضو فلا تثور الا اذا أقرت هذه الدولة بتمتع المنظمة بالشخصية القانونية ، أو اذا كان هناك اتفاق خاص ينظم هذه المسؤولية الدولية او تلك التي يمكن ان يكون قد تم الاتفاق عليها .
ماهي نتائج الاعتراف بالشخصية القانونية للمنظمة الدولية ؟
– حق ابرام اتفاقيات دولية في الحدود اللازمة لتحقيق اهدافها
– مجلس الأمن يبرم اتفاقيات مع الدول الأعضاء لوضع قوات مسلحة تحت تصرف المجلس
اتفاقيات المقر في الدول الكائن مقر المنظمة فيها
– الاتفاقات مع الوكالات المتخصصة استنادا الى المادة 57- والمادة 63
– أسهمت في تكوين قواعد عرفية دولية ، وتتولى احلال قوة الحجة محل حجة القوة في حل المنازعات الدولية ، واتخاذ التوصيات غير الملزمة قانونا لكن حديثا يعترف بالكثير من الاحترام كقوة ادبية لايجوز مجافاتها ، وعندما تتكرر المناداة بها فانه تنقلب الى أعراف دولية لها ما للعرف من قوة قانونية .
– حق تحريك دعوى المسؤولية الدولية لتوفير الحماية الوظيفية
– حق التقاضي أ مام محاكم التحكيم الدولية ، تمتع ممثلي الدول الأعضاء في المنظمة ببعض الامتيازات الخاصة .
– حق التمتع بالحصانات والامتيازات في مواجهة الدول الأعضاء ودول المقر .وذلك استنادا الى المادة 104 حيث تتمتع المنظمة في بلاد كل عضو من أعضائها بالأهلية القانونية التي تتطلبها قيامها لها بأعباء وظائفها وتحقيق مقاصدها ، فلها حق التعاقد في مجال القانون الداخلي للمنظمة بوضع لوائح داخلية ، لتنظيم المراكز القانونية على النحو الذي تراه مناسبا وملائما لاصدار قرارات ، وانشاء اجهزة فرعية لازمة للقيام بوظائفها مثل لجنة القانون الدولي ، والمحكمة الادارية الدولية .

– الاختصاصات الضمنية للمنظمات الدولية
المنظمةالدولية ، كيان دائم تقوم الدول بانشائه ، من أجل تحقيق أهداف مشتركة ، يلزم لبلوغها منح المنظمة الدولية ذاتية مستقلة .
أ – كيان دائم : تعقد دورات بشكل منظم تباشر نشاطها تختلف عن المؤتمرات الدولية
ب – الصفة الدولية : تنشىء الدول منظمات لها صفة دولية وهي اختيارية في عضويتها عن طريق الانضمام .
ج – أهداف المنظمة : تقوم المنظمة من اجل تحقيق اهداف مشتركة بين هذه الدول ، قد تكون سياسية أو امنية أو اقتصادية أو ثقافية .
د – الارادة الذاتية المستقلة – أو الشخصية القانونية الدولية .
للمنظمة اجهزة تصدر عنها أعمال قانونية ، تنصرف آثارها على المنظمة ، لا على الدول . ويجب أن يكون للمنظمة بنيان تنظيمي يستلزم وجود موظفين دوليين يدينون بالولاء للمنظمة ، ويتمتعون بامتيازات وحصانات داخل اقليم الدول الأعضاء ، وهكذا يستقر أن للمنظمة شخصية قانونية دولية ونتيجة هذا تتمتع المنظمة بالمزايا التالية :
اولا : في النطاق الدولي ، لها حق ابرام الاتفاقيات الدولية وحق المشاركة في انشاء قواعد القانون الدولي . وحق تحريك دعوى المسؤولية الدولية وحق التقاضي امام محاكم التحكيم والمحاكم الدولية .
ثانيا : في النطاق الداخلي للمنظمة نفسها ، لها حق التعاقد مع من تحتاج اليهم وتنظم مراكزهم القانونية وحق وضع قواعد مالية ، وحق التقاضي امام المحاكم الداخلية للمنظمة مثل محكمة العمل الدولية
غير أن هذه الشخصية محكومة ومحدودة بالوظائف التي تقوم بها المنظمة لتحقيق اهدافها ، ولا تثبت إلا في الحدود الني ذكرها الميثاق
وعليه آن من يحدد معالم الشخصية الدولية القانونية هم الدول الاعضاء في المنظمة .
الميثاق المنشىء للمنظمة :
لكل منظمة ميثاق ، بغض النظر عن مسمياته فهو معاهدة أو دستور المنظمة ينظم ويحكم سير عملها ، خاصة فيما يتعلق بممارساتها الداخلية والخارجية . وهذا الميثاق ينشئه الدول عبر مؤتمر دولي عن طريق اغلبية الدول
الطبيعة القانونية للميثاق :
تسرى احكام الميثاق بمواجهة الدول الأعضاء بصورة واضحة ولا يجوز ابداء التحفظات عليها . وازاء الغموض في نصوصه وعدم تحديد مضمونها وكذلك ازدواجيتها والتنازع فيما بينها والتداخل بين القواعد العامة والاستثناءات ومن هنا يأتي لسد الثغرات والنقائص في ذلك الميثاق عن طريق تفسير الميثاق وذلك باعمال نظرية الاختصاصات الضمنية .

نظرية الاختصاصات الضمنية:
قوام هذه النظرية، أنه عندما تنشأ اوضاعا جديدة يعترف للمنظمات بمباشرة الاختصاصات الضمنية التي لم ترد صراحة في الميثاق المؤسس للمنظمة، واستخلاصها ضمنا باعتبارها ضرورية لتحقيق اهداف المنظمة وممارسة وظائفها على أساس افتراض آن الدول عندما قررت انشاء المنظمة انما قررت لها في نفس الوقت كل ما يلزم من اختصاصات تمكنها من تحقيق الأهداف بصورة فعالة ويتيح الفرصة للمنظمة الدولية من أجل تحقيق استقلالية شبه كاملة تجاه الدول ومن ثم يختفي أي دور فعال للدول تجاه المنظمات الدولية.
تطبيقات نظرية الاختصاصات الضمنية :
ترتب المسؤولية الدولية على أساس المبادىء المسلم بها آن من يملك سلطة التصرف يتحمل عبء المسؤولية الدولية، ولا يحق لها آن تعتد بحصاناتها لعدم الخضوع للقضاء بعدم مسئولياتها عن آثار تصرفاتها
مسئولية الجمعية العامة للأمم المتحدة ازاء السلم والأمن الدوليين في قضي الاتحاد من أجل السلم .
نظرا للشل الذي انتاب مجلس الامن الدولي نتيجة مقاطعة الاتحاد السوفييتي آنذاك جلسات المجلس جراء استعمال امريكا حق الفيتو ضد انضمام الدول الاشتراكية للأمم المتحدة ، وبعد انفجار الحرب بين الكوريتين التي كادت آن تورط العالم بحرب عالمية ثالثة ، اخذت الجمعية العامة على عاتقها استنادا إلى المادة العاشرة قرار الاتحاد من اجل السلم بارسال قوات دولية إلى كوريا لفض النزاع ونجحت في ذلك وأثار جدلا قانونيا نتيجة المصاريف التي تكبدتها الأمم المتحدة هناك .
قضية الرأي الاستشاري الخاص بتعويض الاضرار التي تصب موظفي الأمم المتحدة أثناء تادية وظائفهم في افريل عام 1949
وجهت الجمعية العامة بعد اغتيال اسرائيل الكونت برنادوت وسيط الأمم المتحدة في فلسطين عام 1948 بطلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول مااذا كانت المنظمة تملك حق المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي تلحق بموظفيها أثناء تأدية وظائفهم .
تبين للمحكمة بعد بحث قواعد الحماية الدبلوماسية من الدولة لمواطنيها ، أن هذه القواعد قاصرة على حماية الدول لمواطنيها ، ومن ثم لايمكن تطبيقها على الحالة المعروضة .
غير أن المحكمة لاحظت وضعا جديدا لم يتعرض له مؤسسو الميثاق . لذا واستنادا إلى حق التفسير الموسع ، أن تلجأ إلى روح الميثاق ومعرفة إذا كانت المبادىء تعترف بذا الحق ام لا ؟
فقررت انه يلزم الاعتراف بان اعضاء المنظمة الدولية حينما يحددون وظائفها بما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات يمنحون المنظمة في نفس الوقت الاختصاص اللازم لاداء وظائفها ، وان حقوق وواجبات المنظمة ترتبط إلى حد كبير بالأهداف والوظائف المعلنة في الميثاق المؤسس لها والتطورات التي لحقتها في العمل .
وأكدت المحكمة انه يجب الاعتراف للمنظمة بالاختصاصات غير المنصوص عليها صراحة في الميثاق ، إذا كانت هذه الاختصاصات لازمة لها من أجل ممارسة وظائفها ، ومن هنا أجابت المحكمة على السؤال المطروح بالايجاب معترفة بنوع من الحماية الوظيفية لموظفي الأمم المتحدة على أساسان ميثاق الهيئة يحتمها بالضرورة ، فقررت تطبيق نظرية الاختصاصات الضمنية لتسد قصورا في الميثاق وتزيد من فعالية الأمم المتحدة
بالنسبة لقضية جنوب غرب إفريقيا ناميبيا:
تساءلت الجمعية العامة حول رفض جنوب افريقيا وضع الإقليم تحت الوصاية الدولية ، وطلبت الجمعية العامة إيضاحات حول هذا الموقف .
لم تجد المحكمة نصا تستند اليه ، خاصة ما ورد في عهد العصبة ولم يرد في ميثاق الأمم المتحدة ، ومع ذلك قررت المحكمة آن الرسالة الحضارية التي استندت إليها جنوب افريقيا لترقية الشعوب وتطويرها تعني فيما تعنيه منح الشعوب حقها في تقرير المصير بنفسها ، وبالتالي فان من حق الجمعية العامة كجهة مختصة بالمراقبة على الاقليم ناميبيا – بحكم وظائفها العامة استنادا إلى المادة العاشرة من الميثاق التي تخول الجمعية العامة مناقشة جميع المسائل التي تدخل في نطاق الميثاق ومن ثم تطور الموضوع ليطرح مسئولية مجلس الامن الدولي فت تأسيس مجلس الأمم المتحدة لناميبيا
الرأي الاستشاري بأثر أحكام المحكمة الإدارية للأمم المتحدة عام 1954
بحثت المحكمة بهذا الصدد ردا على تساؤل يتعلق بمعرفة ما إذا كانت الجمعية العامة تمتلك سلطة إنشاء محكمة تصدر أحكاما نهائية في المنازعات التي تثور بين المنظمة وموظفيها ام لا؟
لاحظت المحكمة ، أن ميثاق الأمم المتحدة لا يتضمن أي نص صريح يتعلق بهذا الموضوع ومع ذلك فقد أعلنت آن المنظمة الدولية لا يمكن آن تترك موظفيها دون حماية قضائية ، لأن ذلك يحول دون شعورهم بالاستقرار والطمأنينة ، مما لا يمكنهم من أداء اعمالهم وبالتالي تحقيق أهداف المنظمة بالصورة الواجبة ، وبناء عليه قررت آن الاختصاص بانشاء المحكمة الادارية اختصاص ضمني يجب الاعتراف به للجمعية العامة باعتبار انه حتمي لتحقيق أهداف المنظمة ووظائفها .
الخلاصة
آن محكمة العدل الدولية اعترفت للمنظمة الدولية بمجموعة من الاختصاصات التي لم ترد في الميثاق وقد تمسكت بذلك التفسير الواسع من سد أكثر من نقص في الميثاق بل وخلق قواعد جديدة في بعض الحيان مثل مسألة نفقات الأمم المتحدة حيث اعتبرت المحكمة آن النفقات في قضية الاتحاد من أجل السلم وإرسال قوات طوارىء دولية إلى مصر والكونغو وقصة موظفي المم المتحد المسرحين ، هي نفقات قانونية وشرعية وتقع على كاهل المنظمة الدولية .
ومن شأن هذا التفسير بلا شك آن يجعل المنظمة الدولية أكثر قدرة على تحقيق اهدافها وفقا لمتطلبات العلاقات الدولية المتطورة .

الأجهزة الرئيسية للمنظمة الدولية :
تحتم مسألة التخصص ، والتوازن الوقعي بين الدول الأعضاء ، ولا يعقل أن تعهد كافة الاختصاصات لجهاز واحد ، لذا أقر الميثاق تعدد أجهزة المنظمة الرئيسية ، وهي مجلس الامن الدولي
، ومحكمة العدل الدولية
، والجمعية العامة ،
والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ،
ومجلس الوصاية
، والامانة العامة .
غير أننا سندرس أهمم جهازين ، نظرا لفعاليتهما العملية وهما ، مجلس الأمن الدولي والمحكمة .محكمة العدل الدولية .

مجلس الامن الدولي
يتكون مجلس الامن الدولي من خمسة أعضاء دائمين وهم الصين الشعبية – وفرنسا واتحاد الجمهوريات الروسية ، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال ايرلندة والولايات المتحدة الامريكية ، وتنخب الجمعية العامة عشرة أعضاء آخرين غير دائمين لمدة سنتين ، ويكون لكل عضو مندوب واحد ، ويؤخذ بعين الاعتبار مدى مساهمة أعضاء الامم المتحدة في حفظ السلم والامن الدوليين وفي مقاصد الهيئة الاخرى ، وكذا يراعا التوزيع الجغرافي . ويتناوب على رئاسة المجلس الاعضاء بصورة دورية كل شهر .
ويعتمد المجلس على اللجان الرئيسية وهي لجنة الخبراء ، لجنة قبول الاعضاء الجدد ، لجنة الاجراءات الجماعية ، لجنة أركان الحرب من رؤساء اركان الحرب الدول الدائمة ، وتعمل تحت اشراف المجلس ، ولها حق انشاء لجان فرعية اقليمية ، يعقد المجلس دوراته في مقر المجلس ،او في أي مكان يراه مناسبا .
التصويت :
لكل دولة عضو في المجلس صوت واحد . غير ان الدولة التي تكون طرف في النزاع ليس لها حق التصويت باستعمال حق الفيتو ، وهنا نميز بين المسائل الموضوعية والمسائل الاجرائية ، فاما المسائل الاجرائية فتصدر قرارات المجلس في شانها باغلبية تسعة من اعضائه على الأقل ، أيا كانت الدول المكونة لهذه الأغلبية .
أما المسائل الموضوعية فلا تصدر قرارات المجلس في شأنها الا بأغلبية تسعة من الأعضاء ، بشرط أن يكون من بينهم أصوات الأعضاء الدائمين متفقة ، أي أغلبية موصوفة ، تستلزم اجماع الدول الخمس الكبرى ، وهو ماجرىالعمل على تسميته حق الاعتراض او الفيتو ، على ان هذه التسمية غير دقيقة لان حق الاعتراض يصدر بحق قرار صدر فعليا ، ولكن …وحق الاعتراض على قرار مازال في مرحلة الاعداد ، وتؤدي عدم موافقتها الى عدم صدوره .ويكرس هذا الحق مبدأ عدم المساواة والتمييز بين الدول ، لكن الدول الكبرى أصرت على هذا الشرط ، كشرط لانضمامها ، وتعهدت بعدم استعمال هذا الحق الا في أضيق الحدود .
الفيتو والامين العام للأمم المتحدة بطرس غالي

التفرقة بين المسائل الاجرائية والمسائل الموضوعية

المسائل الاجرائية :
لم يحدد ميثاق الأمم المتحدة ماهو متعلق بالموضوع ، فيمكن استخدام حق الفيتو بشانه ، وما هو متعلق باجراءات فتصدر القرارات الخاصة بأغلبية تسعة اعضاء ، بصرف النظر عن موافقة أو عدم موافقة اعضاء ، غير ان التصريح ان المواد والمسائل الواردة بالمواد من 28- الى 32 من الميثاق تعد مسائل اجرائية ، وهي : تمثيل أعضاء المجلس تمثيلا دائما في مقر المنظمة ، ووجوب عقد اجتماعات دورية لمجلس الامن ، وعقد اجتماعات المجلس في غير المقر ، وانشاء فروع ثانوية تابعة للمجلس ، ووضع لائحة الاجراءات ، واشتراك عضو من أعضاء الامم المتحدة بدون تصويت في مناقشة أي مسالة تعرض على المجلس اذا كانت مصالح العضو تتأثر بها بصفة خاصة ، ودعوة اية دولة تكون طرفا في النزاع دون تصويت ، وتقرير اذا كان نزاع او موقف ما محلا للنقاش في المجلس ، ودعوة الجمعية العامة للانعقاد طبقا للمادة عشرين ، والعلاقة بين الاجهزة الرئيسية للمنظمة . ويتم التصويت بتسعة أعضاء من الدائمين او المتناوبين .
المسا ئل الموضوعية :
لم يتضمن الميثاق تحديدا للمقصود بالمسائل الموضوعية ، بل أنه لم يستعمل الكلمة ذاتها وهو ما يتضح من نص المادة 27 بعد تعديلها ، ان تصدر القرارات في المسائل الأخرى كافة بموافقة تسعة أعضاء ، يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة ، غير ان المذكرة التوضيحية عام 1945 تضمنت عبارات عامة بشأن التفرقة بين وظيفتين للمجلس : إحداهما تتضمن إصدار قرارات لا تدعو إلى اتخاذ مثل تلك التدابير ، واعتبرت الثانية من المسائل الإجرائية وبمفهوم المخالفة تكون الأولى من المسائل الموضوعية ، واتفق على أن مسالة التكييف تعتبر مسالة موضوعية
ويصوت المجلس على المسائل الموضوعية بأغلبية تسعة أصوات بشرط ان يكون من بينهم أصوات الدول الدائمة العضوية ، والاعتراض يرتب عدم التعرض للمسالة
مثل الدعوة إلى تعديل الميثاق ، وانتخاب قضاة محكمة العدل الدولية وتطبيق الحلول السلمية ، والتفرقة بين النزاع والموقف ، وانتخاب الأمين العام للأمم المتحدة
إن امتناع عضو عن التصويت لا يعتبر اعتراضا عليه ، وكذا فان غياب عضو عن الجلسات لا يحول دون إصدار قرار بذلك ، وقد ثار هذا الموضوع بعد تكرر غياب الاتحاد السوفييتي سابقا وروسيا الحالية ، وجرى تفسير للغياب والامتناع يمكن إجمالها : أولا : إن الهدف من وراء الامتناع عن الجلسات بمثابة استعمال لحق الاعتراض يخالف المادة 28 ، ويكون الغياب إما إخلالا أو تنازلا .
ثانيا : إن استعمال حق الفيتو يكون برفع الأيدي .
ثالث : إن الغياب والامتناع لهما هدف واحد الرغبة في اتخاذ موقف سلبي .
رابعا إن العمل في المجلس وكالة والغياب يعتبر إخلالا بها
غيرأن اتجاها آخر يرى أن الباعث على الامتناع عن التصويت والامتناع عن الحضور مختلف تماما فالتغيب اعتراض، ولا يوجد نص في الميثاق يقرر شكل الاعتراض، ولا يوجد نص يلزم الدول الأعضاء بحضور جلسات المجلس. غير أن هذا الرأي غير موضوعي ولا منطقي، وابسط ما يمكن وصفه به هو التعسف باستعمال الحق، وأخيراأن الدول الدائمة اتفقت على ان الغياب ليس اعتراضا والاعتراض قد يكون مزدوجا وقد يكون خفيا فعندما يعترض على المسائل الإجرائية يحولها إلى مسائل موضوعية، ثم يعترض عليها مرة ثانية. أما المستتر فهو السيطرة على أصوات الأعضاء غير الدائمين ويصوتوا لصالح الدولة الدائمة
اختصاصات المجلس ووظائفه:
يختلف مجلس الأمن عن مجلس العصبة في أن قراراته ملزمة، وفي انه المختص في تسوية المنازعات الدولية، واتخاذ تدابير قسرية، ولقد حددت المدة 24 بمايلي:
1- رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به منظمة الأمم المتحدة سريعا وفعالا، يعهد أعضاء تلك الهيئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدوليين، ويعترفون بأن هذا المجلس يعمل باسمهم عند قيامه بواجباته التي تفرضها عليه تلك التبعات.
2- يعمل مجلس الأمن في أداء هذه الواجبات، وفقا لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها والسلطات الخاصة المخولة لمجلس الأمن لتمكينه من القيام بهذه الواجبات مبينه في الفصول 6-7-8-12
3- يرفع مجلس الأمن تقارير سنوية، وتقارير خاصة عند الاقتضاء الى الجمعية العامة لتنظر فيها
رأينا في المادة 24:
1- إن صياغة الفقرة الأولى غير موفقة، فهي تنص على أن أعضاء الأمم المتحدة هم الذين يعهدون إلى مجلس الأمن بتبعاته الرئيسية في حفظ السلام والأمن الدوليين .وهذا غير سليم قانونا ، لأن الذي يعهد بهذه التبعات الى المجلس هو الميثاق الأممي وليس الدول الأعضاء ، ثم ان المدة تقول ان المجلس يعمل كنائب عن الدول وباسمهم جميعا ، والحقيقة ان المجلس ليس نائبا عن الأعضاء بل هو فرع من فروع الأمم المتحدة ، وهل كلفت الدول المجلس باتخاذ قرارات بحرب الخليج ، أو بقبول احتلال العراق ، أو أذنت لدولة باستعمال حق الفيتو حتى في المسائل الانسانية التي تخص الشعب الفلسطيني ، وهل الدول تقبل بموقف المجلس الذي يحمي العدوان الاسرئيلي على الشعب الفلسطيني من خلال عجزه عن اتخاذ قرارات تمنع الاستيطان ، وتلزم اسرائيل بالجلاء عن الأراضي الفلسطينية .واقامة دولة مستقلة استنادا الى قرارات الجمعية العامة منذ عام 1948 وتمنعها من اقامة الجدار الأمني العازل خاصة وأن محكمة العدل الدولية قالت في رأيها الاستشاري ، أن الجدار ينتهك حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ، واقامة دولة فلسطينية مستقلة يتمتع فيها الانسان الفلسطيني بكافة حقوق الانسان التي أقرتها الاتفاقيتين الدوليتين لحقوق الانسان 1966 * الرأي الاستشاري الصادر من محكمة العدل الدولية سنة 2022
2- ان استعمال واجبات في الفقرة الثانية غير موفق ، لأن الواجب يتضمن التزاما ويفرض عقوبة ، وليس هناك عقوبات مفروضة على المجلس للقيام بتبعاته ، فالأصلح اذن استعمال كلمة وظائف أو اختصاصات لاسيما وأن المادة 24 ق ذكرت تحت عنوان الوظائف والصلاحيات
3- إن مقارنة بسيطة بين الفقرة الاولى والفقرة الثانية تطلعنا على وجود عدم تطابق بينهما ، اذ أن الفقرة الاولى تتحدث عن ” أمر حفظ السلم والامن الدوليين ” دون تحديد ما يجعلنا نعتقد ان هذا الامر يجب أن يؤخذ بمعناه الواسع ، بينما حددت الفقرة الثانيةالقيام بهذه الوظيفة ضمن حدود مقاصد الامم المتحدة ومبادئها ، أي حسب ما جاء في المادتين الاولى والثانية ، وهذا يعني تقييد أو تحديداختصاص المجلس ، ومع أن التحليل الدقيق للفقرتين يمكن ان يسفر عن وجود تناقض أو عدم انسجام بينهما فاننا نرى ان المشرع الدولي قد قصد من المادة 24 منح مجلس الأمن مهمة حفظ السلم والأمن الدوليين بشكل واسع وفقا لما اورده الميثاق في ديباجته .
ان المادة 24 لاتبين لنا بوضوح جميع الاختصاصات التي يتمتع بها المجلس وفي رأينا أن هذه الاختصاصات توجز بثلاث وظائف رئيسية :
الوظيفة الاولى : معاونة فروع الهيئة على أداء مهامها .
فالمجلس ينفرد باصدار توصيات الى الجمعية العامة في بعض المسائل التي لايجوز لها ان تنظر فيها الا باجازته ،كما يجوز لها ان تفصل فيها الا وفق التوصية التي أصدرها لها في هذا الشان ، وقد حدد الميثاق هذه المسائل على سبيل الحصر وهي :
أ‌- التوصية بقبول الاعضاء الجدد في هيئة الامم م 4
ب‌- التوصية بايقاف عضو ما م 5
ت‌- التوصية بفصل عضو ما م 6
ث‌- التوصية بانتخاب الأمين العام م 97
ج‌- انتخاب قضاة محكمة العدل الدولية بالاشتراك مع الجمعية العامة م 4-8-10 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية .
ح‌- القيام بالاشتراك مع الجمعية العامة بتحديد الشروط التي تبيح لدولة ليست عضوا في الأمم المتحدة الانضمام الى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية م 93، ويحدد المجلس الشروط التي يجوز بموجبها لسائر الدول الأخرى أن تتقاضى امام المحكمة م 35 من النظام الاساسي ، وله ان يقدم توصياته او يصدر قراراته بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ أحكام المحكمة عند امتناع احد المتقاضين عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة م 94
خ‌- القيام بوظائف هيئة الأمم التي وردت في المادة 83 حول المناطق الاستراتيجية
د‌- الموافقة بالاشتراك مع الجمعية العامة على تعديل الميثاق م 109
ذ‌- وضع خطط لتنظيم التسلح وعرضعا على الدول الأعضاء .
الوظيفة الثانية : تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية :
يقوم المجلس بالنسبة للمواقف أو النزاعات التي يكون من شأنها ، لو استمرت تعريض السلام والأمن الدوليين للخطر ، وذلك حينما يرفعه المتنازعون اليه .
والمجلس هو الذي يقدر متى يتعرض السلام للخطر، ويكتفي بادعاء أحد الأطراف
بأن ذلك يعرض السلام للخطر ، واستنادا الى الماد ة 33 التي تقرر أن الأطراف يلتمسوا حل النزاع بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية ، واذا فشلت الأطراف في حل النزاع عليها عرضه على المجلس للنظر والبت فيه ، وللمجلس أن يفحص أي نزاع او موقف قد يؤدي الى احتكاك او نزاع دولي ، وان استمراره يؤدي الى الاخلال بالسلم والأمن الدوليين ، ولكل دولة أن تنبه المجلس ، وكل دولة ليست عضوة في الهيئة متى كانت طرفا في النزاع ، وهذه مسألة موضوعية تحتاج الى تسعة أصوات من بينها الآعضاء الدائمين ، ويحق للمجلس استخدام طرق الاكراه

الوظيفة الثالثة :اختصاصه في حالات تهديد السلم او الاخلال به او وقوع عدوان :
استنادا الى المادة 39 ، وعلى الاطراف الامتناع عن الاعمال الحربية ، وان اخلال أحد الطرفين تعد اخلالا بالسلم يستوجب تطبيق الفصل السابع ، ويتخذ المجلس ، 1- تدابير مؤقته بدعوة الأطراف المتنازعة لما يراه مناسبا .
• تدابير لاتستدعي استعمال العنف ، مثل وقف العلاقات الاقتصادية والمواصلات وقطع العلاقات جزئيا او كليا . 3- تدابير عنيفة ، استخدام أعمال العنف كالحصار والعمليات الحربية ، اذا لم تف التدابير السابقة بالغرض ، وذلك بأن تضع الدول قوات مسلحة تحت تصرف هيئة أركان المجلس

محكمة العدل الدولية :
استخلفت محكمة العدل الدولية المحكمة السابقة ابان العصبة ، والنظام الاساسي للمحكمة جزء من ملحق بالميثاق واعتبرها جزء لايتجزأ منه .
اختصاص المحكمة :
حق التقاضي :
للدول الاعضاء في الامم المتحدة ، والدول الاعضاء في النظام الاساسي للمحكمة حق التقاضي مباشرة أمامها ، وللمحكمة اختصاصان أاختياري واجباري .
ان اختصاصها في الأصل اختياري ، وهذا يعني أن ولايتها لاتمتد الى غير المسائل التي اتفق الخصوم على احالتها اليها قبل قيام النزاع او عند قيامه ، فالمادة 36 من النظام الأساسي تقرر ان ولاية المحكمة تشمل جميع القضايا التي يرفعها اليها الخصوم ، كما تشمل جميع المسائل المنصوص عليها بصفة خاصة في ميثاق الامم المتحدة او في المعاهدات الدولية والاتفاقات المعمول بها . والمادة 95 من الميثاق تنص على انه ليس في الميثاق ما يمنع اعضاء الامم المتحدة من أن يعهدوا بحل ما ينشأ بينهم من خلاف الى محاكم أخرى بمقتضى اتفاقات قائمة من قبل او يمكن أن تعقد بينهم في المستقبل .
أما التقاضي الاجباري ، فمرهون بتصريح خاص يصدر عن الدول التي تقبله ، فالمادة 36 تنص على انه يحق وبدون حاجة الى اتفاق خاص تقر المحكمة بولايتها الجبرية في نظر جميع المنازعات القانونية التي تقوم بينها وبين دول تقبل الالتزام نفسه متى كانت هذه المنازعات القانونية تتعلق بالمسائل الاتية :
– تفسير معاهدة من المعاهدات الدولية .
– أية مسألة من مسائل القانون الدولي
– نوع ومقدار التعويض المترتب على خرق التزام دولي .
– تحقيق واقعة من الوقائع التي اذا ثبتت أنها كانت خرقا لالتزام دولي .
وقد اعطت لجنة القانون الدولي تفسيرا لمعنى انتهاك التزام دولي في المادة 19 من مشروع مسئولية الدولة .اتجهت لجنة القانون الدولي الى التفرقة بين الانتهاك الجسيم والانتهاك البسيط ، واعتبرت الجريمة الدولية هي الانتهاك الجسيم ، وقد حددت المادة 19 الجرائم ، التي تشكل الفعل غير المشروع انتهاك التزام دولي عندما تنجم الجريمة عن عدة أمور :
أ – انتهال خطير لالتزام دولي ذي أهمية جوهرية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين ، كالتزام حظر العدوان
ب – انتهاك التزام خطير ذ] أهمية جوهرية لضمان حق الشعوب في تقرير مصيرها ، كالتزام فرض سيطرة استعمارية أو مواصلتها بالقوة .
ج – انتهاك التزام دولي خطير وواسع النطاق لالتزام دولي ذي أهمية جوهرية لحماية البشر ، كألتزام حظر الرق والابادة الجماعية والفصل العنصري
د – انتهاك خطير لالتزام دولي ذي أهمية جوهرية لحماية البيئة البشرية والحفاظ عليها كالتزام حظر التلوث الجسيم للجو أو البحار .
والمادة 36 تعني أنه اذا قام نزاع بين دولتين من هذه الدول ، وكان يتعلق بمسألة من المسائل المذكورة ، فليس هناك ضرورة لعقد اتفاق خاص من أجل عرض هذا النزاع على المحكمة . ففي هذه الحالة يكفي ان ترفع احدى الدولتين شكواها الى المحكمة حتى يكون لهذه المحكمة حق الفصل في النزاع .
ان الأمور تجري كما لوكانت الشكوى دعوى مرفوعة من احد المواطنين امام محكمة وطنية .
وتخلف الدولة المدعى عليها عن الحضور لايمنع المحكمة الدولية من النظر في النزاع واصدار حكم ملزم للطرفين .
وظيفة المحكمة في الافتاء :
تستشار المحكمة في أية مسألة قانونية تعرضها عليها الجمعية العامة أو مجلس الأمن ، أو احدى الفروع الآخرى لهيئة الأمم المتحدة ، والمواضيع التي يطلب من المحكمة الفتوى فيها تعرض عليها في طلب كتابي يتضمن بيانا دقيقا للمسألة المستفتى فيها ، وترفق بكل المستندات التي قد تساعد على توضيحها .
ويبلغ المسجل طلب الافتاء ، دون ابطاء الى الدولة التي يحق لها الحضور امام المحكمة ، او الى اية هيئة دولية ترى المحكمة ، اويرى رئيسها في حالة عدم انعقادها أنها قد تستطيع أن تقد م معلومات في الموضوع ،وغرض التبليغ هوالطلب منها تقديم هذه المعلومات كتابة اوشفاهة في جلسة علنية تنعقد لهذا الغرض .
وتصدر المحكمة فتواها او رأيها الاستشاري في جلسة علنية بعد اخطار الامين العام ومندوبي أعضاء الامم المتحدة ولمندوبي الدول الاخرى والهيئات الدولية التي يعنيها الامر مباشرة
ماهي القواعد التي تطبقا المحكمة عندما تفصل في المنازعات التي ترفع اليها؟.

تفصل المحكمة وفقا لأحكام القانو ن الدولي ، وهي تطبق في هذا الشان :
أ – الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة التي تقر ر القواعد التي تعترف بها صراحة الدول المتنازعة .
ب – العرف الدولي الذي يعتبر بمثابة قانون دل عليه تواترالاستعمال .
ج –مبادىء القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة .
د – احكام المحاكم والمذاهب لكبار الفقهاء في القانون العام في مختلف الدول .

العلاقة بين محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن الدولي
تثير العلاقة بين المجلس والمحكمة عدة مسائل قانونية أهمها تحديد طبيعة النزاع هل هي سياسية ، أم قانونية ، ومفهوم المسألة والنزاع في الرأي الاستشاري ، دور مجلس الأمن في تنفيذ أحكام المحكمة .
المنازعات القانونية والسياسية :
حاول ميثاق الأمم المتحدة وضع نوعا من توزيع الاختصاص بين الآليات التي وضعها لتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية ، بحيث عهد ألى اجهزة الأمم المتحدة تسوية المنازعات السياسية ، وأوكل الى محكمة العدل الدولية تسوبة النزاعات القضائية استنادا الى المادة 33 من الميثاق .
غير أن المشكلة ، ماهو المعيار للتفرقة بينهما ، بحيث متى نقرر هذا نزاع سياسي وهذا نزاع قانوني ؟ واذا جمع النزاع الطبيعتين السياسية والقانونية ؟
مفهوم النزاع :
قررت محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية الدفوع الاختلاف حول مسألة قانون او واقع تنازع او تعارض وقررت في قضية مصنع شورزو ومحكمة العدل الدولية في قضية الملجأ وقضية المقر .
وحقيقة أن الأطراف يمكن أن يحددوا النزاع اذا لجأوا الى المحكمة ، وعليها الفض فيه ، وقد تختلف الأطراف المتنازعة مثل الأمم المتحدة وامريكا حول المقر ، فما هي المعايير لتحديد طبيعة النزاع ؟
المعايير الفقهية للتمييز بين المنازعات القانونية والسياسية :
يرى لوترباخت أن النزاع قد يكون قانوني وغير قانوني ، أو نزاعات قابلة أو غير قابلة للتسوية القضائية ، ولقد حددت اتفاقات لاهاي 1899- 1907 النزاعات القانونية ، والذهاب الى التحكيم الدولي وفي تفسير وتطبيق الاتفاقات الدولية
ويرى الفقيه الأستاذ الدكنور الخير قشي* في بحوثه القيمة ودراساته المعمقة واناراته الساطعة ، واضافاته المشهودة ، ومحاكماته الناضجة ان كافة النزاعات لها طبيعة اقتصادية وقانونية وسياسية ، فهو نزاع سياسي نظرا للمصالح التي ينطوي عليها ، وقانوني نظرا للنظام الذي يتحكم في هذه المصالح، واعتبر مورجانثو ان النزاعات الخالصة ، او تنطوي على توتر ، او تمثل التوتر ، وهي قابلة للتسوية القضائية فهي نزاعات قانونية .
ويرى كيلسين ، ان المسالة لاتتعلق بطبيعة المسالة موضوع النزاع ، ولكن على القواعد التي تطبق لتسويته ، فاذا تمت تسويته ضمن قواعد العدل والانصاف باتفاق الدول يعتبر سياسي او اذاتمت بوسائل المفاوضات والتوفيق والتحقيق الوساطة .واذا تمت تسويته بتطبيق القواعد القائمة يعتبر قانوني .
المعيار القضائي استنادا الى المادة 36/1 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية
قررت المادة ان المحكمة تفصل في جميع المنازعات التى ترفع اليها وفقا لأحكام القانون الدولي ، وهناك بعض الدول ادرجت ان القبول لايشمل سوى المنازعات القانونية المحددة ، وهي اربعة :
تفسير معاهدة من المعاهدات الدولية .
أية مسألة من مسائل القانون الدولي
تحقيق واقعة من الوقائع التي اذا ثبتت كانت خرقا لالتزام دولي
نوع التعويض المنرتب على خرق التزام دولة ومدى التعويض .
، غير أن المادة 38أضافت أن المحكمة تفصل في المنازعات التي ترفع اليها ، غير أن المحكمة قررت ، اذا لم تكن المسألة قانونية فان المحكمة لاتملك سلطة تقديرية . لان وظيفة المحكمة اعلان القانون ، الواجب التطبيق ويجب أن يكون لحكم المحكمة أثر قانوني عملي ، ويبعد الشكوك عن علاقاتهم القانونية . وبهدف الابتعاد عن المسائل السياسية والأخلاقية .
ان المحكمة تفترض أن النزاع المعروض عليها نزاع قانوني ، فمتى تقرر ان النزاع سياسي.؟ان المحكمة غير مؤهلة لقياس الأثر السياسي للنزاع ، لذا فان المحكمة لاتمتلك سوى المادة 36 كمعيار لتحديد طبيعة النزاع .
لقد دفعت المحكمة بعد صلاحيتها للبت في قضة المصايد لأنها لاتدخل في اطار المادة 36 وطلبت من الدول تطبيق قواعد العدل والانصاف
وفي قضية الرهائن في طهران ، اعتبرت ايران أن القضية سياسية ولم تكن المسألة قانونية لأنها تتعلق بالثورة الايرانية ، غير أن المحكمة اعتبرت موقف ايران مساس بالعلاقات القنصلية والدبلوماسية ، لذا أصدرت أمرا يتعلق بالتدابير المؤقتة للحماية ، وهنا دمجت المحكمة بين القضايا القانونية والأخرى أي السياسية في نزاع ذو طبيعة مختلطة ترفع الى المحكمة ، ويبدو أن المحكمة مستعدة للفصل في أية قضية تعرض عليها ، وبهذا رفضت موقف نيكارغوا وموقف حكومة طهران ، وموقف أمريكا في قضية المقر ،وحكمت في القضايا المطروحة عليها .
مفهوم المسالة والنزاع في فتاوى المحكمة :
استنادا الى المادة 65/1 للمحكمة أن تفتي في أية مسألة قانونية بناء على طلب أية هيئة رخص لها ميثاق الأمم المتحدة باستقصائها ، او حصل الترخيص لها بذلك طبقا لأحكام الميثاق ، فما هي المسألة ، وما هو النزاع ؟
المسألة القانونية :
قانونية ، تعني لديها جواب يعتمد على القانون ، والذي بدوره يعتمد على المسائل التاريخية المثبتة ، وفي الحقيقة وردت نزاع ، ومسألة مصطلحات استعملت في مرحلة العصبة ، غير ان هيئة الامم استعملت النزاعات القانونية ، لذا ان الطلب يجب أن ينصب حول الجوانب القانونية المهمة للمسألة . لذا لاحظت المحكمة الروابط القانونية في قضية الصحراء وهي مسألة انهاء الاستعمار
لقد انحرفت المحكمة عن المسار القانوني في قضية ناميبيا حين رفضت دعوى ليبريا والحبشة ، على أساس انتفاء المصلحة القانونية برفع الدعوى .
والاختصاص الاستشاري للمحكمة مقيد اذن بمقتضى الميثاق م 96 والنظام الاساسي م 65/1 بالمسائل القانونية ، وهي تقرر ما اذا كانت مختصة بنظر الطلب المقدم اليها لاصدار رأي استشارى ، وهي لاتقدم آراء الاحول المسائل القانونية فقط ، واذا كانت غير قانونية عليها ان تمتنع عن تقديم الرأي المطلوب
ان المحكمة تتمتع بسلطة تقديرية لبحث ما اذا كانت ظروف القضية ذات طابع يفرض عليها ممارسة اختصاصاتها ، ونظرا لكونها أحد الأجهزة ، فان رأيها يشكل مساهمة في نشاطات المنظمة ، ولاترفض ممارسة اختصاصاتها الا لأسباب قهرية ، خاصة وأن طلب الأجهزة دائما قانونية ، وأنها لاتكترث بالدوافع السياسية او الأسباب الكامنة وراءها ، ففي قضية العضوية في الامم المتحدة فان الطلب سياسي ، غير أنه وارد من مجلس الامن ، فقد نظرت اليها المحكمة في شكلها المجرد ، وقد تكون الظروف السياسية محفزا لطلب الرأي الاستشاري ، وفي قضية المحكمة الادارية ، قالت ان مجرد حقيقة ان المسألة لاتتعلق بحقوق الدول لاتكفي لتجريد المحكمة من اختصاص منح لها بمقتضى نظامها الأساسي .
مفهوم النزاع :
تنطلق المحكمة دائما قاعدة بأنها يجب أن تبقى وفية لمتطلبات طابعها القضائي
ان المحكمة تقرر وجود نزاع يستوجب وجود نزاع فعلي بين دولتين ، وأن يقدم احد الأطراف شكوى او ادعاء او احتجاج حول عمل ، يدحضه الآخر.
ففي قضية المقر ، تقضى الاتفاقية ، أن امريكا دولة المقر لاتعرقل وصول ممثلي الدول او أسرهم أو أي شخص تتم دعوته لأغراض رسمية او تنقلهم ، بل تتعهد بحمايتهم ومنحهم الحصانات والامتيازات اللازمة ، غير أن مجلس الشيوخ اعتبر وجود منظمة التحرير امرا غير قانوني على أسلس أنها منظمة ترعى الارهاب ، وعليه يجب اغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية ، الامر الذي دفع الجمعية العامة الى طلب رأي استشاري ، والسؤال المطروح ، هل المنظمة بعد الاتفاقية ملزمة باللجوء الى التحكيم الدولي . ان الموضوع ذو أصول سياسية ، وخلفيات القرا رسياسية ناجمة عن العزلة الدولية التي تعيشها دولة اسرائيل نتجة ممارساتها بحق الشعب الفلسطيني ، ان النزاع الذي ثار بين المنظمة وأمريكا قائم بسبب تحلل امريكا من التزاماتها مع الامم المتحدة حول اتفاقية المقر ، في حين اعتبرت امريكا أنه لايوجد نزاع مع المنظمة ، حيث ان امريكا تكافح الارهاب الدولي الذي يشكل خطرا على السلم والامن الدولي
لقد اعتبرت المحكمة وجود نزاع بين الامم المتحدة والولايات المتحدة وهو نزاع قانوني وأمريكا ملزمة باتفاقية المقر وملزمة باللجوء الى التحكيم لتسوية النزاع
ان المحكمة لاتهتم بالجوانب السياسية للنزاع ، بل تعتد بجوانبه القانونية فقط .

العلاقة بين مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية

تعبر المادة 94 من ميثاق الامم المتحدة المنظم للعلاقة بين المجلس والمحكمة .
اذ ان المحكمة ليس لديها القدرة على ضمان قراراتها ، وقد أثيرت هذه المسألة ، هل هي تابعة للجنة الفرعية التابعة للجنة الثالثة ، اذ يخول لمجلس الامن سلطة التنفيذ الجبري باستخدام الوسائل الملائمة ، ولكن السؤال المطروح من يخطر مجلس الامن
لقد قيدت المادة 94 /2 بالدولة المضرورة التي صدر الحكم لصالحها ، غير ان عدم التنفيذ قد يعرض السلم والامن للخطر ، حينئذ يتدخل مجلس الامن الدولي من تلقاء نفسه .
سلطات مجلس الامن استنادا الى المادة 94 /2 تقديرية
غير ان بعض المعلقين يحللون ويرون ان احكام المحكمة ليست نهائية خلافا لما قررته المادة 60 من النظام الأساسي ، لأنها تبقى تحت رحمة السلطة التقديرية للمجلس ، ولا يمكن تنفيذها قسرا الا اذا أصدر مجلس الامن قرارا وفقا للمادة 25 من الميثاق وتعهد بتنفيذ تلك القرارات اذا اقتضى الامر ، وهنا يتضح الطابع السياسي لعملية التنفيذ الجبري
الا أنه برأينا أنه لايوجد أي نص في الميثاق يخول مجلس الامن اختصاص يتعلق بمراجعة أحكام محكمة العدل الدولية ، واذا جرى خلاف ذلك فان الامر سيتناقض مع المادة 59 من النظام الاساسي بان الحكم نهائي وغير قابل للاستئناف .
ان منح مجلس الامن سلطة المراجعة تتعارض مع المبادىء القانونية المعروفة في مختلف النظم القانونية الرئيسية ومن أهمها الفصل بين السلطات
ان سلطات مجلس الامن الدولي تنحصر اما باحالة النزاع الى المحكمة أو طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية .
والسؤال المطروح ، اذا كان يرفض تنفيذ القرار دولة كبرى مثل الولايات المتحدة في قضية نيكاراغوا ، ان ذلك يسبب حرجا للمجلس والمحكمة مجتمعتين .
ففي قضية الانشطة الحربية وشبه الحربية في نيكارجوا وضدها ، اذ لجأت نيكاراجوا الى مجلس الأمن بسبب رفض الولايات المتحدة الأمريكية الحكم ، عام 1986 واعتبرت الحكم باطلا ، بصدد العديد من الوقائع ، ورغم أن هذا التحفظ سيحدث ضررا خطيرا ، سيما أن الدول تقبل طواعية الذهاب الى المحكمة وبالتالي يجب القبول الطوعي بأحكامها
واذا رفضت دولة الرأي الاستشاري الصادر من محكمة العدل الدولية ؟
لقد رفضت اسرائيل وأمريكا الرأي حول الجدار الأمني العازل في فلسطين .وقياساعلى هذه الحالة ، لقد سبق للاتحاد السوفييتي سابقا أن رفض الرأي الاستشاري للمحكمة حول نفقات الامم المتحدة ، فقد أشار ممثل الولايات المتحدة الى مايلي : لقد حددت المحكمة في رأيها الاستشاري معايير الخدمة القضائية ، وترى حكومتنا انه لاحاجة لقيام هذه الجمعية بمناقشة او حتى التعرض الى استدلال المحكمة ، ان قبول رأي المحكمة حول المسألة التي عرضت عليها لايعني بالضرورة قبول أي حجة خاصة يتضمنها الرأي . فلا تمدح المحكمة ولا تنتقد بسبب استدلالها ، وليست هذه هي وظيفتنا …. وسنقبل الجواب الدقيق المقدم من المحكمة على السؤال الدقيق الذي طرحته عليها الجمعية .
ان مراجعة رأي المحكمة أو حكمها انحراف عن القصد الواضح للميثاق ، ان تنفيذ احكام المحكمة من واجب الأجهزة التابعة للأمم المتحدة
واذا رفض الطرفان حكم المحكمة ، فمن البديهي ان يعتبر ذلك نزاعا سياسيا وليس نزاعا قانونيا حينئذ يختص مجلس الامن بهذه القضية .
ان احكام المحكمة يجب أن تنفذ والا فما مصير محكمة العدل الدولية ؟ فما هو أساس سلطة المجلس الخاصة بتنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية وفقا للمادة 94/2؟
لقد انقسمت الاراء حول تفسير هذه المادة ، فمن يرى أنها لاتشكل مصدرا مستقلا لاختصاص مجلس الأمن الدولي ، وعليه ان ينفذ احكام المحكمة
ان مجلس الامن لايمكن ان يتمتع الا وفقا لسلطاته ، ولا يستطيع ان يوسع من واجباته ، وعليه الامتثال لقرارالمحكمة كما يرى المستشار القانوني باسفوليسكي .
في حين يرى كلسن ان لمجلس الامن حق الاختيار بين تصرفين مختلفين ، فقد يقرر التنفيذ الجبري ، أو يقرر اجراءات أخرى ، ان عدم الامتثال لايعتبر تهديدا للسلم والامن الدوليين حيث ان المادة 94 تقرر اذا رأى ضرورة لذلك .
ان الاخلال بالسلم والامن واضحة مصادره ، ومن يخطر بذلك محدد في الميثاق ، ولا يوجد من بينها المادة 94/2

سلطة مجلس الامن لتنفيذ أحكام التحكيم :
تناولت لجنة القانون الدولي هذا الموضوع في مجال تعليقها على المادة 60 من مشروع قواعد المسئولية الدولية ، حيث أشارت الى أنه لايمكن اللجوء الى مجلس الأمن طبقا للمادة المذكورة لتنفيذ حكم تحكيمي دولي حتى لو أكده حكم قضائي صادر عن محكمة العدل الدولية .ومجلس الأمن لايملك مراجعةأحكام المحكمة الاانه قادر على اصدار توصيات طبقا للمادة 39 لاتتطابق مع قرار المحكمة ، وقد لاتقدم أية ضمان بتنفيذ الحكم ، بل يعمل على تسوية النزاع .
غير أن لجنة القانون الدولي ترى في اجتهادها لتوفير آلية عمل المحكمة ، أنها يجب أن تدرس الطعون المتعلقة بصحة الحكم وتختص بصحة الحكم التحكيمي أو اعلان بطلانه الكلي أو الجزئي
غير أن سلطة مجلس الأمن الدولي مكبلة بحق الفيتو الا اذا كانت المسألة اجرائية .
وفي موضوع الأنشطة الحربية وشبه الحربية في نيكارغوا وغيرها ، صدرحكم من محكمة العدل الدولية وطلبت نيكاراغوا اتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ الحكم ، الا ان المجلس اعتبر المسألة موضوعية تشملها الأحكام المتعلقة بالفصل السابع ومن ثم يمكن الاعتراض عليها باستخدام حق الفيتو وقد استعملته أمريكا مرتين وحالت دون اصدار قرار من المجلس ، وهكذا حطم مجلس الامن حكم المحكمة ونفوذها ، وهكذا فقدت المادة 94 محتواها وتحول تنفيذ الحكم طوعيا تتوقف على اردة الدول ، وماادراك مالدول اذا كانت دولة عظمى وتعارض الحكم مع مصالحها الحيوية ، والتي لن تتردد في استعمال حق الفيتو ، وهل يمكن اجبار الدولة هذه على تنفيذ حكم المحكمة أو يفرض تدابير قسرية لتنفيذ حكم نهائي حاز على قوة الشيء المقضي به الأمر الذي يدفع على الأسف الشديد لتحويل حتى مجلس الأمن اى جهاز سياسي بسب الشك في قدراته والانسداد الدائم بسبب الافراط بحق الفيتو .
نطاق مجلس الأمن تنفيذ اوامر التدابير المؤقته للحماية ، فهل الأوامر الزامية ؟
انقسم الفقه الدولي حول تفسير المادة 41 من النظام الأساسي ،فقد ذهب البعض الى عدم الزامية الأوامر المقررة للتدابير المؤقتة ، بينما يرى اتجاها الزاميتها ، فمن يفسر كلمة تأمر بمعنى الالزام ، غير ان البعض يرى ان التدابير المؤقتة لاتتمع بطابع الزامي ، ومن فسر كلمة تبين أي تقترح ، وهذا يعني انها تفتقد القوة الالزامية ، وهناك من فسر ان التدابير تتخذ بمقتضى اوامر لا الحكم وهناك اختلاف وهناك من يفسر كلمة تبين بتقترح أو تشير او ترى باللغة الفرنسية والانكليزية والعربية ، لكنها تصب في خانة غير الالزامية للتدابير المؤقته .
غير أن اتجاها آخر يرى أن التدابير المؤقتة جزءا لايتجزا من الوظيفة القضائية
ويفترض أنه بعد عرض القضية على القضاء عدم اتيان أي عمل يمكنه أن يؤثر على القرار او يجعل منه مستحيل التنفيذ .
ثم أن الأجهزة يجب أن تتمتع بالسلطات الضرورية لتحقيق اهدافها ، وبل الضرورية المطلقة ، خاصة وأن التدابير المؤقتة باتت مبدامن مبادىء القانون المقررة في أغلب النظم القانونية الرئيسية ، والا سيصبح الحكم عديم القيمة ، وباعتبارها تهدف الى تامين قوة تلك الأحكام النهائية .
والسؤال المطروح ، هل يحق لمجلس الأمن أن يفرض أوامر المحكمة التي تقرر بمقتضاها هذه التدابير في حالة رفض الطرف المعنى الامتثال لها ؟
لقد فرقت المادة 94 من الميثاق بين الاحكام والقرارات ، الفقرة الاولى تشير الى تعهد الدول بالنزول على قرار المحكمة ، في حين ان الفقرة الثانية تمنح مجلس الامن سلطة التنفيذ الجبري للحكم الذي صدر عن محكمة العدل الدولية .
والقرار ، يشمل هذا المصطلح الاوامر ويدخلها في نطاق الالتزام الذي فرضته هذه الفقرة ، اما القرة الثانية الأحكام ، فلا تشير سوى إلى ما يحوز حجية الشيء المقضي به ويفصل في النزاع بصفة إلزامية ومجلس الأمن لا يستطيع تنفيذها جبرا . ومن يرى أن الإجراءات جزء من الحكم تتمتع بالقوة ذاتها ، وبل هي حكم مؤقت ويمكن ان يتحول إلى قرار نهائي .
الا أن خروج التدابير المؤقتة من نطاق المادة 94 لا يعني تجريد مجلس الأمن من السلطات التي منحتها له مواد أخرى في الميثاق .وهو ما ثبت في موضوع قضية الرهائن ،حيث اتخذت محكمة العدل الدولية هذا الإجراء ، واعترضت عليه إيران واستند اليه مندوب أمريكا ، وقبله المجلس وقرر وطلب من إيران أن تطلق سراح الرهائن فورا ، واستند إليه المجلس في إطار سلطات المجلس وفقا للفصل السابع على أساس ان الأمر يتعلق بنزاع يهدد السلم والأمن الدوليين .
لقد حصر ميثاق الأمم المتحدة دور مجلس الأمن في التنفيذ الجبري لأحكام محكمة العدل الدولية في الممارسة ، إلا إذا تطور النزاع المتعلق بعدم تنفيذ أحكام المحاكم ، بحيث أصبح يهدد السلم والأمن الدوليين .

العلاقة بين مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية على ضوء حادثة لوكربي
من المعلوم أن مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية جهازان رئيسيان من أجهزة الامم المتحدة الجهاز القضائي الرئيسي لهذه المنظمة الدولية لفض المنازعات ، حتى لا تندفع الدول الى استعمال القوة وطبقا لقواعد توزيع الاختصاص ، فان المجلس والجمعية هي التي يعهد اليها بوظيفة التسوية السلمية للمنازعات الدولية ذات الطابع السياسى ، في حين ان محكمة العدل الدولية تقوم بتسوية المسائل ذات الطابع القانوني .
ولهذا حرص واضعو الميثاق على ان مجلس الأمن يوصي أطراف النزاع الى الذهاب الى محكمة العدل الدولية للفصل فيه طبقا لأحكام القانون ، ومن جهة اخرى تجد المحكمة نفسها مضطرة لمناقشة أمور تدخل من حيث الأصل في نطاق اختصاص جهاز آخر ، ولعل المسألة الخاصة بالتدابير المؤقتة التي ينبغي المبادرة الى اتخاذها للمحافظة على المراكز القانونية للأطراف المتنازعة لحين يتم الفصل في النزاع بشكل نهائي ، تعتبر من بين الحالات المهمة التي تثور فيها قضية العلاقة بين محكمة العدل الدولية وبين الاجهزة الرئيسية الأخرى للأمم المتحدة وبخاصة مجلس الامن .
والجدير بالعلم أن المحكمة الجهة الوحيدة المخولة باتخاذ التدابير المؤقتة استنادا الى المادة 41 /1من النظام الأساسي ، ومع ذلك فقد رفضت وبشكل يبعث على التساؤل اتخاذ التدابير المؤقتة بناء على الطلب الليبي ، الذي يحظر على الدول الغربية المعنية بأزمة الطائرتين اتخاذ أية إجراءات قسرية عسكرية او غير عسكرية ضد ليبيا لحين أن يتسنى للمحكمة الفصل في الموضوع ، إنما هو موقف غير مبرر وجانبه الصواب ، لأننا نرى أن هذا النزاع أصلا هو نزاع قانوني أولا وأخيرا ، وأن مجلس الأمن ليس هو الجهة المؤهلة لنظر هذه الأزمة واتخاذ قرار بشأنها ، خاصة وان العلاقات الليبية الأمريكية يشوبها عداء واضح ، حيث سبق لأمريكا أن اتخذت إجراءات مست من حقوق الدولة الليبية ومركزها القانوني ، وأن أية إجراءات مستقبلية سترتب نتائج يصعب تداركها إذا ما قدر للمحكمة أن تفصل في هذا الموضوع ، خاصة وأن أسلوب إدارة مجلس الأمن الدولي قد غلب الاعتبارات السياسية على الاعتبارات القانونية في إدارة الأزمة دون أن يستند إلى أسباب صحيحة تسوغه ، ودون عرض الموضوع على محكمة العدل الدولية للإفتاء به – *المرجع احمد الرشيدي
لقد صدر القرار رقم 748الذي يقضي بفرض حصار اقتصادي وجوي ودبلوماسي جزئي على ليبيا إذا لم تستجب للقرار الدولي رقم 731 ، فقد زاد الأمور تعقيدا وينذر بعواقب وخيمة في ضوء عاملين :
الأول ، إن الحكم السياسي الذي صدر من محكمة العدل الدولية في يوم 14/4/1992 برفض الطلبات الليبية مستندا في ذلك إلى اعتبارات المواء مة السياسية الدولية ، وعدم التدخل في نزاع معروض على مجلس الأمن وأصدر بشأنه قرارين دوليين نافذين في مواجهة ليبيا .
العامل الثاني ، إن القرار رقم 748 قد أعطى للولايات المتحدة الحق في طلب تصعيد الإجراءات القمعية ضد ليبيا إذا لم تستجب لطلبات الحكومة الأمريكية ، وستواجه ضربات تحت العباءة الدولية وستمارس العدوان بحجة مكافحة الإرهاب الدولي .
محكمة العدل الدولية ونظام الأمن الجماعي:
إن محكمة العدل جهاز دولي في مجتمع التنظيم الدولي الذي يهدف الى تحقيق فكرة الأمن الجماعي ، فلقد تضمنت ديباجة الميثاق النص على ضرورة تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي ، ويقضي الفصل السادس الرجوع إلى محكمة العدل الدولية لفض المنازعات التي قد تثور بين الدول ، ولذلك أوجبت المادة 36 على أطراف أي نزاع في المنازعات القانونية أن يعرضوها على محكمة العدل الدولية .
وبذلك اظهر الميثاق الرابطة بين محكمة العدل الدولية وبين هدف تحقيق الأمن الجماعي…. بل تعتبر المحكمة أكثر فاعلية في تحقيق الحل السلمي للمنازعات الدولية باعتبارها الفرع الوحيد في الأمم المتحدة الذي يملك إصدار قرارات ملزمة للدول دون تأثر بالصراعات السياسية وبالتكتلات داخل الهيئة الدولية ، وباعتبارها وسيلة إلزامية لتسوية المنازعات الدولية عن طريق القانون ، وذلك لأن محكمة العدل الدولية هي الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة م 92 من الميثاق و ينص الميثاق على أن الدول تتعهد باحترام الأحكام الصادرة عنها م 94 من الميثاق
اختصاص محكمة العدل الدولية بنظر حادثة لوكربي :
هناك مجموعة من الحقائق على صعيد القانون الدولي الكفيلة – عند الالتزام بها من قبل الدول المتنازعة مع ليبيا – بقطع أول خطوة سليمة في سبيل حل مشكلة لوكربي حلا قانونيا عادلا وهي :
أ – إن اتهام ليبيا بتفجير الطائرتين الأمريكية والفرنسية هو قول غير صحيح من الناحية القانونية ، فالمتهم في الجريمة الدولية هو الشخص الطبيعي ، وبذلك لا تعدو المسألة أن تكون اتهام مواطنين من رعايا ليبيا بارتكاب جريمة هي تفجير الطائرتين الأمريكية والفرنسية .
ب – أن للمتهمين الليبيين – على فرض ارتكابهما للجريمة – مجموعة من الحقوق والواجبات تكفلت بتحديدها المواثيق الدولية ، كما ان لدول التحالف الغربي مصلحة أكيدة في محاكمة هؤلاء المتهمين ومعاقبتهم في حالة اثبات ارتكابهما هذه الجريمة ، فلا يجوز ان يفلت أي متهم من العقاب .
ج – في ضوء ما تقدم – يصبح المطلوب الوحيد هو محاكمة هؤلاء المتهمين محاكمة قانونية وقضائية عادلة ونزيهة ونظرا لعدم وجود قضاء دولي جنائي لمحاكمة هؤلاء المتهمين فان المشكلة القانونية التي تثار في هذا الاطار هي :
تحديد القضاء الجنائي الوطني المختص بمحاكمتهما وفقا لقواعد الاختصاص المعمول به دوليا ، فلو فرضنا ان القضاء الفرنسي او الأمريكي يختص بالمحاكمة ، فان ليبيا غير ملزمة بتسليم المتهمين من رعاياها الوطنيين ، فما هي حدود ولاية محكمة العدل الدولية بنظر هذا النزاع ؟
الجواب على هذا السؤال تحدده المادة 34 من نظام المحكمة الآساسي والتي قضت بان ” الدول وحدها الحق في ان تكون اطرافا في الدعاوى التي ترفع للمحكمة ، وتشمل ولاية محكمة العدل جميع القضايا التي يعرضها الأطراف عليها . ” كما تشمل جميع المسائل المنصوص عليها بصفة خاصة في ميثاق الامم المتحدة او في المعاهدات والاتفاقات المعمول بها
في الاختصاص القضائي
اذا كانت محكمة العدل الدولية هي الاداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة ، وتتمتع بالسلطات اللازمة لممارسة وظائفها ، الا أن الدول الأعضاء لم تعترف بالولاية الجبرية للمحكمة ، وما زال قبول الدول لعرض الزاع على المحكمة شرطا اوليا لولايتها ، وبمعنى آخر فان الولاية اختيارية تستند الى رضاء المتنازعين باللجوء اليها ، وتلك سمة تميز القضاء الدولي ، وتكون محكمة العدل الدولية مختصة بنظر النزاع في الحالات الآتية :
أ – حالة حدوث اتفاق الأطراف المتنازعة على الالتجاء الى المحكمة بمناسبة نشأة نزاع معين ، وتشمل جميع المنازعات القانونية والسياسية
ب – حالة وجود اتفاقيات ثنائية أو جماعية تقرر الولاية الاجبارية بشان المنازعات المتعلقة بتفسير هذه الاتفاقيات او تنفيذها .
ج – حالة اعلان قبول الاختصاص الالزامي للمحكمة ، ومقتضاه ان لأي من الدول التي تملك حق التقاضي امام المحكمة ان تلتزم مسبقا ، أي قبل نشوء أي نزاع وبصفة عامة ، وليس بمناسبة نزاع معين بالاعتراف بالولاية الجبرية للمحكمة ففي المنازعات القانونية التي تقوم بينها وبين دولة تقبل نفس الالتزام ، وقد نصت على مايلي المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة .
وقد قبلت الولايات المتحدة سنة 1947 بمبدا الاختصاص الالزامي للمحكمة ، ولكنها وضعت قيدا مهما على هذا المبدأ مؤداه ضرورة الا يشمل الاختصاص الالزامي للمحكمة المنازعات التي تدخل في صميم سلطانها الداخلي وأطلقت عليه التحفظ التلقائي أو حق التفسير الذاتي واخذت به كل من بريطانيا فرنسا وبريطانيا . ثم عدلت الدول الثلاث عن الصيغة وتركت أمر تقرير ما اذا كانت مسألة ما من الاختصاص الداخلي للدول أم لا ، من سلطة محكمة العدل الدولية نفسها . ، وأن لمجلس الأمن الدولي طبقا للمادة 39 من الميثاق أن يوصي في أي مرحلة من مراحل نزاع معين بعرضه على محكمة العدل الدولية ، ان توصية مجلس الامن بعرض نزاع قانوني على المحكمة ، مصدرا من مصادر الاختصاص الاجباري لمحكمة العدل الدولية . واعتبرته العديد من الدول قرارا ملزما .ومن هنا فان محكمة العدل الدولية تعد بوصفها الاداة القضائية ملزمة دون غيرها بتحديد القانون الواجب التطبيق على حادثة لوكربي ، وبالتالي تعيين وتحديد القضاء الوطني الجنائي المختص بمحاكمة الليبيين المتهمين في هذه الحادثة . ولا يوجد في الميثاق ما يمنع المحكمة ما يحول دون انعقاد اختصاص المحكمة بنظر النزاع القانوني بالرغم من نظر مجلس الامن الدولي وتصديه لهذا النزاع .

حكم محكمة العدل الدولية في حادثة لوكربي :
بداية لاينبغي التسرع باطلاق الأحكام حول القيمة القانونية لحكم محكمة العدل الدولية الصادر في يوم 14 افريل والقاضي برفض التدابير المؤقتة ، قبل معالجة أمرين الاول ، مضمون الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل . والثاني مضمون القرار الصادر من محكمة العدل الدولية .
1- مضمون الدعوى المرفوعة امام محكمة العدل والحكم الصادر فيها :
بهدف فض النزاع بالطرق السلمية ، رفعت ليبيا دعوى قضائية أمام قضاء محكمة العدل الدولية تطلب فيها التصدي للنزاع القانوني بشان حادثة لوكربي ، بهدف اصدار حكم قضائي ملزم بتحديد القانون الواجب الاتباع في هذا النزاع ، وبالتالي تعيين القضاء الجنائي الوطني المختص بمحاكمة المتهمين ، وتحديد القانون الواجب التطبيق وثلاث طلبات عارضة هي:
1 – أن تأمر المحكمة الولايات المتحدة بالكف عن تهديد الجماهيرية واتخاذ اجراءات ضدها .
2- أن تأمر بريطانيا كذلك بالكف عن تهديد الجماهيرية واتخاذ اجراءات ضدها
3 – ان تتخذ المحكمة تدابير مؤقته ، مثل الحيلولة دون تنفيذ قرارات مجلس الأمن أو اصدار قرارات جديدة لحين البت في الموضوع الأصلي ، وتقدمت أمام المحكمة بطلبين :
الاول طلب أصلي ، وهو الذي نشأت به الخصومة أمام محكمة العدل الدولية وهوطلب تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع القائم بشأن حادثة لوكربي .
الثاني : طلبات عارضة، وهي الطلبات التي تبدي في أثناء سير الخصومة او سببها ، وبهدف حفظ حقوق الدول المتنازعة الى أن يصدر الحكم النهائي .
وعليه فلا يعد الحكم الصادر من المحكمة برفضه التدابير المؤقتة حكما نهائيا في الدعوى ، لأن الموضوع الأصلي تحديد القانون واجب التطبيق مازال معروضا ولم تقض به بعد .فما هي القيمة القانونية لهذا الحكم ؟
ان القيمة القانونية لأحكام المحكمة ينظر اليها من وجهين ، فهي أحكام قطعية ، وغبر قطعية . وهي أحكام ابتدائية ، وحائزة لقوة الشيء المقضي به .
وتنص المادة 59 من النظام الأساسي على ” تتمتع حكم محكمة العدل الدولية بقوة الشيء المحكوم فيه في مواجهة أطراف النزاع دون غيرهم ، وبخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه . والسؤال الان ، هل يعد الحكم الصادر في طلبات التدابير المؤقته حكما قطعيا حائزا لقوة الشىء المحكوم فيه .؟
الجواب ان نص المادة 59 يضفي صفة القطعية على الحكم النهائي الذي يحسم موضوع النزاع الرئيسي ، وبالتالي يتمتع الحكم القطعي بقوة الشيء المحكوم فيه ، اما الحكم الصادر بشان التدابير المؤقته وفقا لنص المادة 41 من النظام الأساسي ، فانه يعد حكما غير قطعي أي لايتمتع بقوة الشيء المحكوم فيه ، لأنه لايفصل في نزاع ما ، وانما يتعلق بتنظيم اجراءات السير في الخصومة ، أو اتخاذ اجراءات قانونية أو مادية معينة ، الهدف منها مجرد دفع ضرر أو حفظ حق الدولة ، الى أن يصدر الحكم النهائي القطعي في موضوع النزاع . وعليه فان الحكم الصادر من محكمة العدل برفض الطلبات الليبية الثلاثة مجرد حكم غير قطعي ، وبالتالي فليس هناك تأثير قانوني سلبي على الموقف القانوني الليبي نتيجة لصدور هذا القرار ، فما زال الموضوع الرئيسي تحديد القانون الواجب الاتباع بشأن حادث لوكربي منظورا أمام المحكمة ولم تقض فيه بعد .
أما عن التأثيرات السياسيةلقرار محكمة العدل الدولية فهي لاتعدو مجرد محاولة الولايات المتحدة استغلال هذا القرار لاضفاء مزيد من القوة على شرعية الهيمنة الدولية الجديدة بقيادة الولا يات المتحدة .
صلاحيات مجلس الامن الدولي :
حدد الفصل السادس والسابع صلاحيات مجلس الامن ، فهي سلطات واختصاصات في حل المنازعات حلا سلميا
أ – يقدم توصيات بقصد حل النزاع سلميا
ب- له سلطات التدخل المباشر طبقا للمادة 34 من الميثاق
ج- لكل دولة أن تنبه المجلس الى أي نزاع اوموقف يؤدي استمراره الى تهديد السلم م 35
د- لكل من الجمعية العامة والامين العام ان ينبها المجلس الى أية مسالة يحتمل ان تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر . م 11- 99
سلطات مجلس الامن في حالة تهديد السلم والاخلال به ووقوع العدوان :

أ – لمجلس الامن تقرير وقوع عدوان
ب – اتخاذ التدابير المؤقتة ، كالمطالبة بوقف اطلاق النار او سحب القوات او عقد هدنة
ج –التدابير غير العسكرية التي لايستلزم تنفيذها استخدام القوة مثل وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والجوية والبرية والبرقية وقفا كليا او جزئيا ، وقطع العلاقات الدبلوماسية
د- التدابير العسكرية وفق المادة 42
تطبيق صلاحيات مجلس الامن على حادثة لوكربي
اتخذ المجلس القرار رقم 731 ، والقرار 748 ويمكن اجمال مضمونها بتوقيع عقوبات غير عسكرية على ليبيا وفرض حصار اقتصادي ودبلوماسي وجوي وبهدف سيادة قانون القوة والهيمنة الامريكية بتسليم المتهمين الى أمريكا واتهام ليبيا بأنها دولة تمارس الارهاب الدولي
لقد خالفت القرارات الاصل العام في فض النزاعات بالطرق السلمية ، ولم تدع الاطراف للمفاوضة والتحقيق او الوساطة والتحكيم او الالتجاء الى المنظمات الاقليمية ، ولم يقبل عرض النزاع على محكمة العدل الدولية ولم يفسح المجال لجامعة الدول العربية او منظمة الوحدة الافريقية لتسوية النزاع بالطرق السلمية
مدى اختصاص محكمة العدل الدولية بنظر النزاع :
لمحكمة العدل الدولية وفق نظامها الأساسي الملحق بميثاق الامم المتحدة اختصاص قضائي عبر الفصل في النزاع المعروض بحكم نهائي وملزم وفق أحكام القانون الدولي ، ويتم عرض النزاع اما باتفاق خاص بين الاطراف المتنازعة ، او على أساس الاختصاص الاجباري للمحكمة .
فقد تقدمت ليبيا بطلب الى المحكمة لنظر النزاع المتعلق بتسليم الليبيين وتفسير ااتفاقية مونتريال لعام 1971، وباعتبار أن الولايات المتحدة سبق لها وأن قبلت الاختصاص الالزامي للمحكمة ، كما أن النزاع يندرج ضمن المادة 36 /2 من النظام الاساسي اذ يتعلق بتفسير المعاهدات الدولية ،
الأساس القانوني للفصل في النزاع :
محكمة العدل الدولية محكمة قانون ، بمعنى تفصل في النزاعات التي تعرض عليها وفق قواعد القانون الدولي وهو ما قررته المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية .
أن أمام المحكمة للفصل في النزاع الليبي الغربي مصدرين أساسيين هما اتفاقية مونتريال لعام 1971وقواعد العرف الدولي .
وبمراجعة اتفاقية مونتريال بمكافحة الأعمال غير المشروعة ضد أمن الطيران المدني نجد أنها تفرض التزاما على عاتق الدول الأطراف باتخاذ ما يلزم من تدابير لمنع هذه الأعمال ، وتتبع مرتكبيها ومعاقبتهم والتعاون فيما بينهم لذات الغرض ، وتقرر المادة الخامسة من هذه الاتفاقية أن على كل دولة طرف في الاتفاقية أن تتخذ التدابير الضرورية لمباشرة اختصاصها القضائي بنظر الأفعال المجرمة بمقتضى هذه الاتفاقية في الأحوال التالية :
– عندما يرتكب الفعل فوق أراضي تلك الدولة
– عندما يرتكب الفعل ضد طائرة مسجلة في تلك الدولة أو على متنها
– عندما تهبط الطائرة المرتكب ضدها الفعل غير المشروع على أرض تلك الدولة ويكون المتهم ما يزال على متنها.
– عندما ترتكب الجريمة على متن طائرة مؤجرة إلى مستأجر يكون مركز أعماله الرئيسي في تلك الدولة أو يكون له إقامة دائمة فيها إذا لم يكن له فيها مثل هذا المركز.
وفيما يتعلق بتسليم المجرمين تعتبر من الأفعال القابلة للتسليم شريطة وجود معاهدة دولية أو أن قانون الدولة يسمح بالتسليم. وبهذا يتضح سلامة الموقف الليبي بانتفاء ما يجبرها على التسليم .

للمحكمة سلطة في اتخاذ اجراءات تحفظية :
للخصوم في القضية حق طلب اجراءات تحفظية للحفاظ على حقوق الاطراف النزاع ومراكزهم او على حقوقهم ، وللمحكمة ان تبادر بتقرير ذلك حتى ولو لم يطلبه الخصوم ، استنادا الى المادة 41 /1 ” للمحكمة أن تقرر التدابير المؤقتة التي يجب اتخاذها لحفظ حق كل من الأطراف متى رأت أن الظروف تقضي ذلك الى أن يصدر الحكمم النهائي يبلغ فورا أطراف الدعوى ومجلس الامن نبأ التدابير التي يرى اتخاذها ، وبناء على الطلب الليبي قررت المحكمة بأغلبية 11صوتا مقابل 5 أصوات أن ملابسات القضية ليست على نحو يستدعي أن تمارس سلطاتها بموجب المادة 41 من النظام الأساسي بتقرير التدابير المؤقتة .
وكانت ليبيا قد طلبت من المحكمة أن تعلن أنها وفت بالتزاماتها بموجب اتفاقية مونتريال ، وأن الولايات المتحدة قد أخلت ولا تزال تخل بالتزاماتها القانونية تجاه ليبيا ، وأنها ملزمة قانونيا بالتوقف والكف فورا عن هذه الانتهاكات وعن استعمال أي شكل من أشكال القوة ضد ليبيا بما في ذلك التهديد باستعمال القوة ضد ليبيا وعن كل الانتهاكات لسيادة ليبيا وسلامتها الاقليمية واستقلالها السياسي . وضمان عدم اتخاذ أي خطوات تضر بأي شكل من الاشكال بحقوق ليبيا فيما يتصل بالاجراءات القانونية التي تشكل موضوع طلب ليبيا .
وكانت المذكرة ترد على طلب الحكومتان الامريكية والبريطانية من ليبيا وذلك 1- ان تسلم جميع المتهمين بارتكاب الجريمة لتقديمهم الى المحاكمة ، وان تقبل المسئولية عن أعمال المسئولين الليبيين .
2-ان تكشف النقاب عن كل ما تعرفه عن هذه الجريمة بما في ذلك اسماء جميع المسئولين عنها وان تتيح على نحو كامل امكانية الوصول الى جميع الشهود والوثائق وسائر الادلة المادية ، بما في ذلك جميع اجهزة التوقيت المتبقية .
3 – أن تدفع التعويضات المناسبة
4- يحث الحكومة الليبية على أن تستجيب على الفور استجابة كاملة فعالة لهذه الطلبات لكي تسهم في القضاء على الارهاب الدولي . ووقف جميع أشكال المساعدة الى المجموعات الارهابية ، وأن تظهر على الفور باجراءات ملموسة تخليها عن الارهاب
وبعد أن أشارت الى الملاحظات التي أبداها الطرفان على قرار مجلس الأمن 748 عام 1992 استجابة لدعوة المحكمة تابعت النظر في المسألة على النحو التالي :
حيث أنه يتوجب على المحكمة وفقا للمادة 41 من النظام الأساسي ان تنظر في سياق الاجراءات الحالية المتعلقة بطلب تقرير تدابير مؤقته في الظروف التي استرعى انتباهها اليها بوصفها تستدعي تقرير هذه التدابير ، لكنها غير قادرة على الوصول الى نتائج محددة حول المسائل المتصلة بجوهر القضية لامن ناحية الوقائع ولا من ناحية القانون ، وحيث انه يتوجب ان يبقى حق الطراف في الطعن بهذه المسائل في مرحلة بحث جوهر القضية غير متأثر بقرار المحكمة .
وحيث ان ليبيا والولايات المتحدة كعضوين في الامم المتحدة ملتزمتان بقبول وتنفيذ قرارات مجلس الأمن وفقا للمادة 25 من الميثاق ، وحيث أن المحكمة وهي في مرحلة الاجراءات المتعلقة بالتدابير المؤقتة ، تعتبر ان هذا الالتزام يشمل للوهلة الاولى الحكم الوارد في القرار 748 عام 1992 وحيث ان التزامات الأطراف في ذلك المضمار تطغى وفقا للمادة 103 من الميثاق على التزاماتها بموجب أي اتفاق دولي آخر بما في ذلك اتفاقية مونتريال .
وحيث أن المحكمة رغم انه لم يطلب اليها بعد في هذه المرحلة أن تبت بصورة محددة في الأثر القانوني المترتب على قرار مجلس الأمن رقم 748 1992 تعتبر أنه مهما كانت الحالة السابقة لاعتماد ذلك القرار ، فان الحقوق التي تدعيها ليبيا بمقتضى اتفاقية مونتريال لايمكن أن تعتبر الآن حقوقا جديرة بالحماية التي يوفرها تقرير تدابير مؤقتة .
وحيث أن من المرجح علاوة على ذلك ، ان يؤدي تقرير التدابير التي طلبتها ليبيا الى اضعاف الحقوق التي يبدو لأول وهلة أن الولايات المتحدة تتمتع بها بحكم قرار مجلس الامن 748 .
وحيث أن المحكمة من أجل الفصل في الطلب الراهن المتعلق بالتدابير المؤقتة لم يطلب اليها البت في أي من المسائل المعروضة عليها في الدعوى الحالية ، بما في ذلك مسألة اختصاصاتها للنظر في جوهر القضية ، وحيث ان القرار الذي ينطق به في هذه الدعوى لايمس بأي صورة من الصور تلك المسألة ولا يؤثر في حقوق حكومتي ليبيا والولايات المتحدة في تقديم حجج تتعلق بتلك المسائل لهذه الأسباب ، فان المحكمة بأغلبية 11 صوتا مقابل خمسة أصوات تقرر أن ملابسات القضية ليست على نحو يستدعي أن تمارس سلطاتها بموجب المادة 41 من النظام الأساسي بتقرير تدابير مؤقتة .
تصريح نائب الرئيس القاضي أودا الرئيس بالنيابة :
ألحق الرئيس بالنيابة القاضي اودا تصريحا اعرب فيه عن اتفاقه مع قرار المحكمة لكنه أبدى رأيا مفاده انه ما كان للقرار ان يستند فقط الى نتائج قرار مجلس الامن 748 لسنة 1992 لن ذلك ينطوي على احتمال مفاده ان المحكمة قبل اعتماد ذلك القرا ر كان يمكن أن تتوصل الى نتائج قانونية لاتتماشى آثارها مع اجراءات المجلس ، واحتمال لوم المحكمة في تلك الحالة لعدم التصرف في وقت أبكر . وما حصل بالفعل هو أن مجلس الأمن ، الذي كان يطبق منطقه الخاص ، قد تصرف على عجل عند اعتماده قراره الجديد قبل أن يكون في وسع المحكمة التوصل الى رأي مدروس وهي حقيقة كان يتحتم عليه ادراكها . واعرب الرئيس بالنيابة اودا عن قناعته بأن المحكمة تتمتع ظاهريا باختصاص النظر في المسألة بالرغم من قاعدة الستة أشهر المنصوص عليها في المادة 14 من اتفاقية مونتريال ، لأن الظروف لم تترك مجالا ، فيما يبدو للتفاوض على تنظيم تحكيم . غير أن الحق الآساسي الذي طلبت الحماية في اطاره ، وهو الحق في عدم اجبارها على تسليم أحد مواطنيها ، هو حق من الحقوق السيادية بمقتضى القانون الدولي العمومي في حين أن جوهر الطلب المقدم من ليبيا يتألف من حقوق محددة تدعيها بموجب اتفاقية مونتريال ، وفي ضوء المبدأ القاضي بأن الحقوق المتوخى حمايتها بالدعوى المتعلقة بالتدابير المؤقتة يجب أن تكون ذات صلة بموضوع القضية ، فذلك بعني انه كان يتعين على المحكمة أن ترفض على أي حال طلب تقرير تدابير مؤقتة . فوجود مثل هذا التعارض بين موضوع الطلب والحقوق المتوخى حمايتها كان يجب أن يكون حسب رأي الرئيس بالنيابة ، السبب الرئيسي لاتخاذ قرار سلبي وهو قرار لايمس من سلامته اتخاذه قبل اعتماد قرار مجلس الامن 748 -1992 او بعده .
تصريح القاضي ني :
أعرب القاضي ني في تصريحه عن رأيه أن عرض مسألة على مجلس الأمن لايمنع المحكمة طبقا لاختصاصاتها من معالجة المسألة . وبالرغم من ان الجهازين كليهما يعالجان نفس المسألة فان نقاط تركيز كل منهما تختلف عن الآخر ، ففي القضية قيد البحث يولي مجلس الامن بوصفه جهازا أساسيا اهتماما اكبر للقضاء على الارهاب الدولي وصون السلم والأمن الدوليين ، في حين تولي محكمة العدل الدولية بوصفها الجهاز القضائي الرئيسي في الأمم المتحدة اهتماما أكبر للاجراءات القانونية مثل مسائل تسليم المجرمين والملاحقات المتعلقة بمحاكمة المجرمين وتقييم التعويض وغير ذلك من الأمور .وفيما يتعلق بطلب ليبيا تقرير تدابير مؤقته ، يشير القاضي ني الى الحكام الواردة في اتفاقية مونتيريال لعام 1971 المتعلقة بقمع الأعمال غير المشروعة التي ترتكب ضد سلامة الطيران المدني التي تستند اليها ليبيا ، فعملا بالمادة 14 /1 من تلك الاتفاقية يجوز لأي طرف من أطراف النزاع ان يحيله الى محكمة العدل الدولية اذا لم يتفق الطراف على هيئة التحكيم في غضون ستة أشهر من تاريخ طلب الاحالة الى التحكيم ، وفي هذه القضية اقترحت ليبيا التحكيم بموجب رسالة مؤرخة 18 جانفي 1992 ولما يمضي سوى شهر ونصف قبل شروع ليبيا برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية في 3 مارس 1992 .
ويرى القاضي ني انه كان ينبغي رفض طلب ليبيا لمجرد عدم استيفائه لشرط الستة أشهر دون الفصل في المسائل الأخرى في ذات الوقت . وبناء علي ذلك ، لن يكون هناك ما يمنع ليبيا من التماس وسيلة انتصاف من المحكمة وفقا لأحكام اتفاقية مونتريال لعام 1971 لو أن النزاع ظل مستمرا لشهور لاحقة ولو شاء المدعي القيام بذلك .
تصريح مشترك من القضاة ايفنيس وتاراسوف وغيوم وأغيلا :
أعرب القضاة في تصريح مشترك عن اتفاقهم الكامل مع قرار المحكمة ، ولكنهم أبدوا تعليقات اضافية عليه . فقد أكدوا انه كان يحق للولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن تطلبا الى ليبيا قبل تناول مجلس الأمن للقضية ، تسليم المتهمين ، وأن تتخذ تحقيقا لتلك الغاية أية اجراءات يتفق مع القانون الدولي ، وكان يحق لليبيا ، من جانمبها أن ترفض طلبات التسليم هذه وان تشير في ذلك السياق الى انه تمشيا مع القانون المتبع في كثير من البلدان الأخرى ، فان قانونها الداخلي يحظر تسليم مواطنيها . ثم أوضح أصحاب هذا الرأي أن مجلس الامن في هذه القضية بالذات لم يكن يعتبر تلك الحالة مرضية باعتبار انه كان يتصرف في اطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بهدف القضاء على الارهاب الدولي . واستنادا الى ذلك قرر المجلس انه يتعين على ليبيا تسليم المتهمين الى البلدين الذين طلبا تسليمهما . وفي ظل الظروف اتخذ القضاة ذاتهم رأيا مفاده ان محكمة العدل نطقت بحكمها المتعلق بطلب ليبيا تقرير تدابير مؤقتة من أجل المحافظة على الحالة القانونية التي كانت قائمة قبل اعتماد مجلس الأمن لقراراته ، كانت محقة تماما في ملاحظة التغيرات التي احدثتها تلك القرارات على الحالة ، وكانت محقة تماما أيضا في قولها نتيجة لذلك ,،أن ملابسات القضية ليست على نحو يستدعي أن تمارس المحكمة سلطاتها بتقرير تدابير من هذا القبيل .
رأي مستقل للقاضي لاخس :
أدت القضايا الحالية وضرورة بت المحكمة في وقت مبكر بطلب خلافي الى نشوء مشكلة الولاية ، ومشكلة ما يعرف بوصفه القضية قيد النظر . والمحكمة في واقع الأمر ، هي ضامن المشروعية امام المجتمع الدولي ككل ، سواء داخل الامم المتحدة أو خارجها ، ولا شك ان وظيفة المحكمة هي ضمان احترام القانون الدولي ، وهي ضامنة رئيسية في القضايا الحالية ، فان مسألة الارهاب الدولي الأوسع نطاقا لم تكن مدرجة على جدول اعمال مجلس الأمن فحسب وانما اعتمد المجلس بشانها قراريه 731 و 748 1992 ولا ينبغي أن ينظر الأمر بمثابة تنازل منها عن سلطاتها وسواء طبقت الجزاءات المفروضة بموجب قرار مجلس الأمن 748 في نهاية المطاف أم لا فان المأمول فيه على أي حال ان يتمكن الجهازان الرئيسيان المعنيان من العمل ، ومع ايلاء المراعاة الواجبة لمشاركتهما المتبادلة في المحافظة على حكم القانون .
الرأي المستقل للقاضي شهاب الدين :
أعرب القاضي شهاب الدين في رأيه المستقل عن اعتقاده ان ليبيا قدمت قضية قابلة للأخذ والرد فيما يتعلق بتقرير التدابير المؤقته ، ولكن الأثر القانوني المترتب على قرار مجلس الامن 748 -1992 عطل امكانية انفاذ الحقوق التي تدعيها ليبيا . وقال ان قرار المحكمة لم ينشا عن تضارب التزامات ليبيا بموجب قرار مجلس الأمن وأية التزامات واقعة على كاهلها بمقتضى الميثاق تطغى الالتزامات الناشئة عن قرار مجلس الامن على سواها من الالتزامات .
ورأى القاضي شهاب الدين ان طلب المدعي عليه ” بأن تدفع ليبيا تعويضا ملائما على الفور وبالكامل ” يفرض مقدما وجود حكم مسبق من المدعى عليه بأن المتهمين مذنبين ، ويرى القاضي شهاب الدين أن اقامة محاكمة محايدة في الدولة المدعى عليها تترتب عليها آثار هامة ، وقد ساد هذا الاتجاه نتيجة وجود احساس أساسي بانه يمكن القول ان مسألة اقامة محاكمة محايدة تكمن في صلب المسألة الخلافية بأسرها المتصلة بطلب المدعى عليه تسليم المتهمين الاثنين وموقف المدى عليه المعلن أنه لايمكن اقامة محاكمة محايدة في ليبيا .
الرأ ي المخالف للقاضي بجاوي :
انطلق القاضي بجاوي من فكرة مفادها أن هناك نزاعين متميزين تماما عن بعضهما ، أحدهما نزاع قانوني والاخر نزاع عملي . ويتعلق أولهما بتسليم مواطنين اثنين ويتم معالجته ، كمسألة قانونية امام محكمة العدل الدولية ، وبناء على طلب من ليبيا ، وفي حين يتعلق النزاع الثاني بمسألة أوسع نطاقا هي مسألة ارهاب الدولة فضلا عن المسئولية الدولية الواقعة على كاهل دولة ليبيا ويتم معالجته بدوره من الناحية السياسية أمام مجلس الامن بناء على طلب من امريكا وبريطانيا . واعتبر القاضي بجاوي أن ليبيا محقة تماما في رفع النزاع المتعلق بالتسليم الى المحكمة بهدف تسويته قضائيا كما هو الحال بالنسبة للملكة المتحدة والولايات المتحدة المحقتين تماما في رفع النزاع المتعلق بالمسؤولية الدولية الواقعة على ليبيا امام مجلس الامن بهدف تسويته سياسيا ، وتتلخص الحالة بنظر القاضي بجاوي على النحو التالي :فهو من ناحية يرى أن الحقوق التي تدعيها ليبيا لها أساس ظاهريا ، ويرى من ناحية أخرى ان جميع الشروط التي تطبقها المحكمة عادة لتقرير تدابير مؤقتة مستوفاة في هذه القضية على نحو يكفل المحافظة على هذه الحقوق وفقا للمادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة .
وعلى هذه النقطة بالذات ، أبدى القاضي بجاوي تحفظاته فيما يتعلق بالأمرين الصادرين عن المحكمة . ولكن تجدر الاشارة أيضا الى ان قرار مجلس المن 748- 1992 قضى نهائيا على حقوق ليبيا دون ان تتمكن المحكمة ان تقرر من تلقاء نفسها في هذه المرحلة المتعلقة بالتدابير المؤقتة ، أو أن تجري بعبارة اخرى فحصا أوليا من حيث الظاهر ، وقبل الأوان للصلاحية الدستورية لذلك القرار من الناحية الموضوعية مما ادى الى انتفاع القرار من افتراض صلاحيته الدستورية مسبقا ومن وجوب اعتباره للوهلة الاولى قرارا قانونيا ملزما . ولهذه فهو يتفق مع المحكمة حول هذه النقطة الثانية .
لذا فان الحالة بالشكل الذي وصفت فيه ، أي أن الحقوق التي تستحق الحماية عن طريق تقرير تدابير مؤقتة أبطلت ، بالرغم من ذلك على الفور تقريبا بقرار صادر من مجلس الامن يستحق النظر اليه ظاهريا كقرار ملزم ، هي حالة لاتقع تماما في اطار حدود المادة 103 من الميثاق ، بل تتعدى نطاقها الى حد ما .
وفي ظل هذا الغموض ، من الواضح أن المحكمة لم يكن في مستطاعها الا الاحاطة علما بهذه الحالة والحكم في هذه المرحلة من الاجراءات القانونية بأن “نزاعا ” من هذا القبيل خاضعا لأحكام المادة 103 من الميثاق قد أسفر عمليا عن ابطال مفعول أي تقرير بالتدابير المؤقتة . غير أن أجزاء المنطوق من الامرين الصادرين عن المحكمة بقيت على عتبة العملية بأسرها لان المحكمة تذكر فيها أن ملابسات القضية ليست على نحو يستدعي أن تمارس سلطاتها بتقرير تدابير مؤقته . والشرط الذي وضعهه القاضي بجاوي هو أن هناك في القضية الحالية ما يبرر الممارسة الفعلية لهذه الصلاحية ، لكنه أبدى كذلك تعليقا مفاده ان القرار 748-1992 قدأبطل الآثار الناجمة عن تلك الممارسة ، واستنادا الى ذلك توصل القاضي بجاوي بصورة ملموسة الى نفس النتيجة التي توصلت اليها المحكمة ولكن عن طريق مختلف كليا ، وان كان متضمنا الغموض الهام المشار اليه أيضا أن آثار ه قد زالت . وبناء على ما تقدم رأى القاضي بجاوي انه لم يكن في استطاعة المحكمة تجنب تقرير تدابير مؤقتة على أساس ملابسات القضية المعروضة عليها حتى برغم من بطلان آثار حكم من هذا القبيل نتيجة للقرار 748 -1992 . وتجدر الاشارة أيضا انه أمر لايشاطرهم به شخصيا ، حول ما اذا كان في استطاعة المحكمة أن تستخدم صلاحيتها لتقرير من تلقاء نفسها أي تدابير مؤقته تراها أكثر ملاءمة من التدابير التي تلتمسها الدولة مقدمة الطلب ذاتها . وبناء عليه ، كان في استطاعة المحكمة ان تقرر اتخاذ تدابير مؤقتة في شكل نصيحة مصاغة بعبارة عامة للغاية موجهة الى جميع الأطراف بعدم مفاقمة النزاع أو توسيع نطاقه . وهكذا ، ومع افتراض ان المحكمة كانت محقة في قولها في هذه الحالة بعدم وجود هذا الشرط او ذاك من الشروط المسبقة اللازمة لتقرير تدابير محددة معينة فانه كان في حوزتها ما لا يقل عن وسيلة واحدة وهي اعتماد تدابير متميزة عامة بشكل نداء موجه الى الاطراف بعدم مفاقمة النزاع او توسيع نطاقه او توجيه نصيحة اليهم بالاجتماع معا بهدف تسوية النزاع وديا ، اما بصورة مباشرة او عن طريق الامانة العامة للأمم المتحدة ، او عن طريق الجامعة العربية بعملها هذا تتماشى مع الممارسة الراسخة المتبعة في الوقت الحاضر . وعلاوة على ذلك ، وفي ضوء الخطوة الملابسات الخطيرة التي تحيط بهذه القضية ، ألم يكن تقرير تدبير مؤقت من هذا الطابع ليمثل طريقة لبقة لكسر الجمود الناشىء في التعرض القائم بين التدابير المؤقتة الأكثر تحديدا التي كان يتعين على المحكمة أن تأمر بها لتلبية رغبات الدولة مقدمة الطلب ، ومن ناحية وبين قرار مجلس الامن 748 – 1992 الذي كان سيبطل على أي حال من ناحية اخرى الآثار الناشئة عن امر من هذا النوع ؟ نعم كان يمكن أن يكون أيضا طريقة مفيدة حقيقية للجميع وتلبيى مصالح كل منها عن طريق المساعدة في تسوية النزاع من خلال الطرق التي يبدو من المرجح انها ستستخدم .
ولهذا أعرب القاضي بجاوي عن أسفه لعدم قدرة المحكمة على تقرير التدابير المؤقتة المحددة من النوع الذي تلتمسه الدول مقدمة الطلب ولعدم قيامها بالمثل من تلقاء نفسها بتقرير تدابير عامة وفي طريقة كانت ستمكنها من الاسهام من جانبها بصورة ايجابية في تسوية النزاع . وهذا مايفسر ، في التحليل النهائي ، عدم استطاعته الا التصويت ضد الامرين الصادرين عن المحكمة .
الرأي المخالف للقاضي ويرمانتري
أعرب القاضي المذكور في رأيه المخالف عن قناعته ان الملابسات التي احتج بها المدعي العام توفر ، لول وهلة ، فيما يبدو أساسا لولاية المحكمة .
ويوجه هذا الرأي الانتباه الى الطابع الفريد الذي تتميز به القضية الحالية من حيث كونها تمثل المرة الاولى التي تعرض فيها الأطراف المتصارعة نفس النزاع على المحكمة الدولية ومجلس الامن معا . وهذا يثير أسئلة جديدة تستلزم البحث في ضوء الصلاحيات التي يتمتع بها كل من المجلس والمحكمة بموجب ميثاق المم المتحدة وفي ضوء علاقة كل منهما بالآخر .
وبعد امعان النظر في المواد ذات الصلة من الميثاق والعمال التحضيرية للمادتين 24/2 و1 على وجه الخصوص ، استنتج القاضي في رأيه المخالف أنه ليس هناك مايمنع المحكمة من النظر في المسائل التي نظر فيها المجلس بموجب الفصل السادس من الميثاق ، وعلاوة على ذلك ، فانه يتعين على مجلس الامن لدى القيام بواجباته التصرف وفقا لمبادىء القانون الدولي .
والمحكمة هي هيئة نظيرة لمجلس الامن ومساوية له في الأهمية وهي تدرس في مجال اختصاصها الصحيح في الفصل في المنازعات مسائل القانون الدولي وتبت بها وفقا للمبادىء القانونية والأساليب القضائية ، وفيما يتعلق بالمسائل المعروضة عليها على الوجه الملائم تتمثل وظيفة المحكمة في اتخاذ القرارات القضائية وفقا للقانون ولن يحرفها عن هذا السبيل نظر مجلس الامن في نفس المسألة . غير ان القرارات التي يتخذها مجلس الامن بموجب الفصل السابع من الميثاق تعتبر ظاهريا ملزمة لجمسع الدول الاعضاء في الامم المتحدة ولا تكون موضوع دراسة من قبل المحكمة . واستنتج القاضي ويرامانتري أن القرار 731 / 1992 لايزيد عن كونه مجرد توصية وهو بالتالي غير ملزم ولكن القرار 748 / 1992 يعتبر للوهلة الاولى ملزما . واختتم القاضي رأيه بالقول انه كان بامكان المحكمة أن تقرر تدابير مؤقته على نحو لايتعارض مع أحكام القرار 748 وان تقرر من تلقاء نفسها تدابير ضد الطرفين على السواء مما يحول دون مفاقمة النزاع او توسيع نطاقه وهو احتمال يمكن ان ينشأ عن استعمال القوة من قبل احد الطرفين أو كليهما والى المواد 73، 74 ، 75 من لائحة المحكمة .

الرأي المخالف للقاضي رانجيفا :
أعرب القاضي رانجيفا في رأيه المخالف عن قناعته بأن النزاع الحالي يتخطى اطار العلاقات بين اطراف النزاع ويتعلق بحق جميع الدول الملتزمة باتفاقية مونتريال ، وفي ضوء حق الاختيار الذي يتمتع بع المدعي وفقا لمبدأاما التسليم او المحاكمة ، هناك مايبرر طلبه الى المحكمة أان تقرر تدابير مؤقته وهذا الحق لم يكن قابلا للجدل حتى تاريخ اتخاذ القرار 748 وقد منع تغير الملابسات الجذري الذي حدث بعد تقديم الطلب والذي لم يرافقه أي تغيير في ملابسات وقائع القضية ، مع المحكمة من ممارسة وظيفتها القانونية الى الحد الكامل الذي تسمح به صلاحيتاها .
ولكن القاضي المذكور رأى خلافا لرأي أغلبية أعضاء المحكمة وبعد مراعاة التطور الحاصل في الاجتهادات المتصلة بتطبيق المادة 41 من النظام الأساسي والمادة 75 من لائحة المحكمة فضلا عن صلاحية المحكمة بان تقوم من تلقاء نفسها بتوجيه نداء الى الطراف فيما يتعلق بتقرير تدابير مؤقتة ‘(القضية المتعلقة بالمرور عبر الحزام الكبير فلندا ضد الدانمرك ) يرى أن التدابير التي التي تضم في جملة امور توجيه نداء الى الاطراف تحضهم فيه على انتهاج سلوك معين من شأنها أن تمنع مفاقمة النزاع او توسيع نطاقه . وقد سبق للمحكمة أن اتخذت هذا الموقف في قضية الانشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها وقضية نزاع الحدود .ورأى القاضي رانيفا أن الابعاد الجديدة للمشكلة تعني أن المحكمة لم تكن قادرة على تقييد نفسها باتباع نهج سلبي في معالجة وظيفتها القانونية التي تقع ، من ناحية دينامية ،ضمن نطاق التزامها الأساسي المبين في الفقرة 1 من المادة 1 من ميثاق الامم المتحدة وهو صون السلم في سياق القيام بدورها .

الرأي المخالف للقاضي اجيولا
اعرب القاضي اجيولا في رأيه المخالف عن أسفه لامتناع المحكمة بقرار صادر باغلبية اعضائها ، عن تقرير تدابير مؤقتة بالرغم من أن ليبيا أثبتت بما فيه الكفاية وجود مايبرر قيامها بذلك بموجب الاحكام النافذة من النظام الآساسي للمحكمة ومن لائحتها ، واعرب عن اعتقاده القوي ان المحكمة حتى وان استنتجت انه ينبغي الامتناع عن اتخاذ تدابير من هذا القبيل بسبب الأثر الممكن لقرار مجلس 748 / 1992 فان القرار المذكور لم يضع أمام المحكمة ما يمنعها من أن تدخل في أوامرها مسائل خارجية بكل وضوح عن موضوع القرار ولا تتعارض معه بكل تاكيد .ومضى مؤكدا ان صلاحيات المحكمة ، ولاسيما الصلاحيات التي تتمتع بها بموجب بموجب المادة 75 من لائحتها المتعلقة بتقرير تدابير مؤقته من تلقاء نفسها وبصورة مستقلة تماما عن طلب المدعي بهدف كفالة السلم والامن بين الدول وبين اطراف القضية بوجه خاص . ولهذا كان عليها ان تقرر خلال النظر في الدعوى اتخاذ تدابير مؤقته استنادا الى المادة 41 من النظام الأساسي والمواد 73 و 74 و 75 من لائحة المحكمة بهدف منع مفاقمة النزاع أو توسيع نطاقه مما قد يؤدي الى استخدام القوة من قبل أحد الطرفين او كلاهما
ر

رأي مخالف للقاضي الكشيري :
ركز القاضي الكشيري في رأيه المخالف بصورة رئيسية على الأسباب القانونية التي دفعته الى الول بان الفقرة 1 من قرار مجلس المن 748 / 1992 لاينبغي ان يكون لها أي أثر قانوني على ولاية المحكمة حتى من حيث الظاهر ، وبناء عليه يتعين تقييم الطلب الليبي بتقرير تدابير مؤقته على نحو يتماشى مع النمط المعتاد الذي يتحلى بالاجتهاد الثابت للمحكمة وفي ضوء القواعد التي استند اليها في القضايا الخيرة توصل الى نتيجة مفادها انه ينبغي للمحكمة ان تقرر من تلقاء نفسها اتخاذ تدابير مؤقتة مفادها :
انتظارا لاتخاذ قرار نهائي من قبل المحكمة بوضع المتهمان اللذان وردت اسماؤهم في الدعوى الحالية تحت حراسة سلطات حكومية في دولة اخرى بامكانها أن توفر في نهاية المطاف مكانا مناسبا متفقا عليه بصورة متبادلة لمحاكمتهم
علاوة على ذلك بامكان المحكمة ان تقرر بان يكفل الطرفان كلاهما عدم اتخاذ أي اجراء عن أي نوع قد يؤدي الى مفاقمة النزاع المعروض على المحكمة او توسيع نطاقه او من المرجح ان يعيق اقامة العدل على النحو الملائم .

العلاقة بين مجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية

إن الدول الأطراف في مؤتمر روما للقانون الدولي الجنائي ، والتي قررت أقامة محكمة جنائية دولية ، قد عقدت العزم من أجل بلوغ هذه الغايات ، ولصالح الأجيال الحالية والمقبلة ، على إنشاء محكمة جنائية دائمة مستقلة ، ذات علاقة بمنظومة الأمم المتحدة ، ومنها مجلس الأمن الدولي .
ونصت المادة الثانية من النظام الأساسي على تنظم العلاقة بين المحكمة والأمم المتحدة بموجب اتفاق تعتمده جمعية الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي ، ويبرمه بعد ذلك رئيس المحكمة الدولية نيابة عنها
وقررت المادة 13 ممارسة الاختصاص :
للمحكمة أن تمارس اختصاصاتها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة – 5 – وفقا لأحكام هذا النظام الأساسي في الأحوال التالية:
أ – إذا أحالت دولة…….
ب – إذا أحال مجلس الأمن متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق المم المتحدة ، حالة إلى المدعي العام يبدوان فيها جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت
وتشير المادة 15 أن المدعي العام بالتماس المعلومات من أجهزة الأمم المتحدة
وتشير المادة 16 إرجاء التحقيق أو المقاضاة : لايجوز البدء أو المضي في تحقيق أو مقاضاة بموجب هذا النظام الأساسي لمدة اثني عشر شهرا بناء على طلب من مجلس الأمن إلى المحكمة بهذا المعنى يتضمنه قرار يصدر عن المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ويجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتها .
وتشير المادة 53 إلى الشروع في التحقيق ، ولدى اتخاذ قرار الشروع في التحقيق ينظر المدعي العام في :
ب- ج
2 – إذا تبين للمدعي العام بناء على تحقيق انه لايوجد أساس كاف للمقاضاة :
أ – لأنه لايوجد أساس قانوني .
ب –لأن القضية غير مقبولة
ج – لأنه رأى بعد مراعاة جميع الظروف ، بما فيها مدى خطورة الجريمة ومصالح المجني عليهم ، وسن أو اعتلال الشخص المنسوب اليه الجريمة او دوره في الجريمة المدعاة أن المقاضاة لن تخدم مصالح العدالة وجب عليه أن يبلغ دائرة ماقبل المحاكمة والدولة المقدمة للاحالة بموجب المادة 14 أو مجلس الأمن في الحالات التي تندرج في اطار الفقرة ب من المادة 13 بالنتيجة التي انتهى اليها والأسباب التي ترتبت عليها هذه النتيجة .
3 – بناء على طلب الدولة القائمة بالاحالة بموجب المادة 14 أو طلب مجلس الأمن بموجب الفقرة ب – من المادة 13 يجوز لدائرة ماقبل المحاكمة مراجعة قرار المدعي العام بموجب الفقرة 1-او 2 – بعدم مباشرة اجراء ولها ان تطلب من المدعي العام اعادة النظر في ذلك القرار .
وفي المادة 87 حول طلبات التعاون بين الدول الأ طراف ، وفي حالة عدم امتثال دولة طرف لطلب تعاون مقدم من المحكمة بما يتنافى واحكام هذا النظام الأساسي ، ويحول دون ممارسة المحكمة وظائفها وسلطاتها بموجب هذا النظام ، يجوز للمحكمة ان تتخذ قرار بهذا المعنى وان تحيل المسألة الى جمعية الدول الأطراف او الى مجلس الأمن اذا كان مجلس الأمن قد احال المسالة الى المحكمة .
الاحالة من قبل مجلس الأمن :
أعطت المادة 13 /ب من النظام الأساسي لمجلس الأمن سلطة احالة قضية الى المدعي العام للمحكمة الجنائية ، وذلك اذا تبين للمجلس ان هناك جريمة أو أكثر من الجرائم الداخلة في اختصاصه قد ارتكبت ، وتجد سلطة مجلس الأمن – طبقا لهذه الفقرة – أساسها فيما يتمتع به من سلطات طبقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة
ويستخلص من ذلك أنه اذا رأى مجلس الأمن أن ارتكاب جريمة أو أكثر من تلك الداخلة باختصاص المحكمة ، من شانه تهديد السلم والأمن الدوليين ، يكون له الاضطلاع بمسئولياته واحالة القضية الى المدعي العام للمحكمة ، اذا رأى أن من شأن اتخاذ هذا الاجراء ، المساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليين واعادتهما الى نصابهما . فاذا كان مجلس الأمن – مستندا الى سلطاته طبقا للفصل السابع – قد أنشأ محاكم جنائية خاصة في كل من يوغسلافيا السابقة ورواندا ، طالما رأى أن انشاء مثل هذه المحاكم يعد أحد التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين ، فان القائمين على وضع النظام الأساسي للمحكمة الجنائية قد أعطوا لمجلس الأمن سلطة احالة قضية أو حالة ما الى المدعي العام ، اذا تبين له أن من شان هذه القضية أو تلك الحالة أن تهدد السلم والأمن الدوليين . وبذلك فان عمل مجلس الآمن في هذا الاطار يجد أساسه القانوني في نصوص ميثاق الأمم المتحدة وأيضا نص المادة ( 13 ) من النظام الأساسي لمحكمة روما .
ورغم ما يمكن أن يمثله اعطاء مجلس الأمن هذه السلطة من مساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليين واستتباهما ، الا أنه يشكل – بلا شك – توسعا في السطات الممنوحة لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة
اضافة الى ذلك فان اضطلاع مجلس الأمن بهذه السلطة ، يمكن أن تتحكم فيه الظروف السياسية ، فقرار مجلس الأمن بهذه السلطة ، يمكن أن تتحكم فيه الظروف السياسية ، فقرار مجلس الأمن بخصوص احالة معينة الى المحكمة الجنائية يعتبر من المسائل الموضوعية ، وبالتالي لابد أن يحصل قرار مجلس الأمن بالاحالة على موافقة 9 أعضاء من أعضاء المجلس يكون من بينهم أصوات الاعضاء الدائمين في المجلس ، ومن هنا فان اضطلاع المجلس بهذه السلطة سيتوقف من الناحية العملية على مدى تعاون ومؤازرة الدول الأعضاء الدائمة في مجلس الأمن والتي تعارض – أساسا قيام محكمة جنائية دولية ، والتي لايمكنها أيضا أن تحول دون اضطلاع المجلس بهذه المهمة كلما كان ذلك في غير صالحها أو صالحج الدول الموالية لهاحيث أنه يستطيع المجلس أن يحيل حالة من تلك الداخلة في اختصاص المحكمة الجنائية الى المدعي العام اذا كانت هذه الحالة قد اتهم بها أحد رعايا احدى الدول الاعضاء الدائمين في مجلس الامن او بخصوص الجرائم التي ارتكبت على اقليمها ، في حين أن هذا الوضع المتميز سيكون غير متوفرا بالنسبة للدول الأخرى ، حتى ولولم يكونوا أطرافا في النظام الأساسي ولم يقبلوا اختصاص المحكمة ، حيث يكون لمجلس الامن في هذه الحالة الأخيرة ايضا احالة أي حالة متعلقة بجريمة مرتكبة من مواطني هذه الدول او مرتكبة على اقليمها الى المحكمة ، الا اذا اتخذت بالطبع هذه الدول الاجراءات اللازمة للتحقيق ومحاكمة مرتكبي الجرائم والشيء المؤسف له . ان عمل مجلس الامن في هذا الخصوص يكون محكوما بمبدأ الاختصاص التكميلي للمحكمة الجنائية ، بمعنى أن مجاس الامن عندما يكون بصدد احالة حالة من تلك الداخلة في اختصاص المحكمة ، عليه أن يضع في اعتباره رغبة الدولة المعنية وقدرتها على مساء لة مرتكبي هذه الجرائم .
فاذا لم ياخذ المجلس ذلك في اعتباره يمكن ان يواجه بعدم قبول هذه الاحالة من قبل المحكمة الجنائية ، طبقا لنص المادة ‘ 17 من النظام الأساسي لمحكمة روما ‘. فالأمور المتعلقة بقبول الدعوى امام المحكمة الجنائية ، يجب مراعاتها ، سواء في حالة الاحالة اليها من قبل احدى الدول الأعضاء طبقا لنص المادة 13 –
أ – أو من قبل مجلس الأمن طبقا لنص المادة 13
ب- من النظام الأساسي لروما .
نخلص من ذلك الى أن مجلس الأمن يمكنه أن يحيل حالة ما الى المحكمة الجنائية لنظرها ، اذا كان من شأن استمرار هذه الحالة تهديد السلم والأمن الدوليين ، وكان من شأن هذه الحالة المساهمة في حفظهما والعمل على اعادتهما الى نصابهما ، وان كان على المجلس ، وهو بصدد ممارسته لهذه الوظيفة ، أن يراعي القواعد المتعلقة بأولوية الاختصاص القضائي الوطني على الاختصاص الدولي للمحكمة الجنائية ، أو ما يعرف بمبدأ الاختصاص التكميلي ، كما سبق توضيحه .
ولكن اذا كانت المادة 13 من النظام الأساسي قد خولت مجلس الأمن سلطة ذات طبيعة ايجابية متمثلة في احالة ما الى المدعي العام للمحكمة على نحو ما أشرنا فان المادة 16 من هذا النظام قد خولت هي الأخرى مجلس الأمن سلطة أخرى أكثر خطورة وهي سلطة ذات طبيعة سلبية ، يكون لهذا الجهاز وبموجبها امكانية وقف أو عرقلة عمل المحكمة بخصوص بدء التحقيق او المحاكمة أو المضي فيهما لمدة اثنى عشر شهرا قابلة للتجديد ، وذلك بموجب قرار يصدره المجلس ، استنادا للسلطات المخولة له بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .
وبذلك يدخل في سلطة مجلس الأمن أن يطلب من المحكمة عدم البدء أو المضي قدما في التحقيقات او المحاكمة لمدة اثني عشر شهرا ، مع امكانية تجديد الطلب مرة اخرى ، اذا كان يرى ان مثل هذا الاجراء تقتضيه ضرورات حفظ السلم والأمن الدوليين واعادتهما الى نصابهما وحسن سير العدالة الجنائية .
ومما لاشك فيه ان ضرورات حفظ السلم والامن الدوليين واعادتهما الى نصابهما قد تقضي في بعض الاحيان تأخير أو تأجيل الاجراءات المتعلقة بتحقيق العدالة الجنائية ، ولكنها لايمكن أن تحل محلها أو تستبعدها نهائيا .
وقرار مجلس الأمن الصادر بموجب نص المادة 16 – هو قرار بخصوص مسألة موضوعية يلزم أن يحرز على موافقة تسعة أعضاء يكون من بينهم أصوات الخمسة الدائمين مجتمعين ، وبذلك يمكننا القول: أن عمل المحكمة الجنائية الدولية يكون تابعا في بعض الحالات لارادة مجلس الأمن وبالتحديد لارادة الدول الدائمة العضوية في المجلس ، بالشكل الذي يؤثر بلا شك على عمل المحكمة وتحقيقها للأهداف التي أنشئت من أجلها ، وذلك اذا كان للاعتبارات السياسية دورها في اضطلاع مجلس الأمن بالسلطات الممنوحة له بموجب المادتين 13و 16 من النظام الأساسي
المرجع وبتصرف : د عادل عبد الله المسدي ، دار النهضة العربية القاهرة سنة 2022 ص 223-228

حق الدفاع الشرعي أمام المحكمة الجنائية الدولية
الدفاع الشرعي حسب المادة 51 من الميثاق ، في هذه المادة تحتكر الهيئة الدولية حق استعمال القوة المسلحة ، وأعطى الميثاق للدول حق ممارسة الدفاع شريطة ابلاغ المجلس فورا عن التدابير المتخذه ، وهو حق مؤقت ومرهون بتدخل مجلس الأمن
وتبدو المادة متممة للمادة 24 من الميثاق .
وعادة فان هذا الحق يستعمل عند وقوع عدوان، فهل الأعمال العسكرية من تحضير وحشد عدوان، وهل يجوز استعمال الحرب الوقائية.
يرى كلسن ، ان الهجوم المسلح فقط ، الذي يعتبر عدوان ، والمسلح وشيك الوقوع لايبرر حق الدفاع الشرعي .
تعريف العدوان : كثرت مشاريع تعريف العدوان ، غير اننا لانعتد سوى بقرار الجمعية العامة 3314عام 1974. ويشترط لوقع العدوان الشروط التالية :
الاول : عدوان مسلح غير مشروع ، وقد يكون عدوان عسكري ، أو عدوان اقتصادي ، وقد يكون تقني عن طريق الانترنيت واختراق المعلومات والتلاعب في الحسابات وسرقة الأسرار العسكرية
الثاني : أن يكون العدوان المسلح حالا ومباشرا :، ومن هنا فان العدوان المحتمل لايعتبر عدوان .
الثالث : أن يرد العدوان المسلح على الدولة وأملاكها ، في حدودها الاقليمية البرية ، والبحر الاقليمي ، وأن يمس الحقوق الجوهرية ، وهي سلامة الاقليم ، الاستقلال السياسي ، حق تقرير المصير ، فالجزائر التي استخدمت القوة المسلحة ضد فرنسا استعمالا لحق الدفاع الشرعي سعيا للحصول على الاستقلال . و التي تكافح من أجل الاستقلال كالشعب الفلسطيني والعراقي ، تجسيدا لحق الدفاع الشرعي
شروط فعل الدفاع الشرعي :
أولأ : لزوم أفعال الدفاع وينطوي على العناصر التالية :
العنصر الاول ، بان تكون أفعال العنف او الدفاع هي الوسيلة الوحيدة لدرء العدوان المسلح وليس لدى الدولة وسيلة أخرى .
العنصر الثاني : أن توجه افعال الدفاع ضد مصدر الخطر ، الى الدولة وأجهزتها
ثانيا : تناسب أفعال الدفاع ، فاذا كان العدوان محدود النطاق ، فلا يكون حق الدفاع الشرعي حربا شاملة ، ولا يكون تدمير أسطول امريكي باستعمال أسلحة نووية
ومجلس الأمن الدولي هو الجهة الوحيدة التي تقرر حق الدفاع الشرعي .

الدفاع الشرعي في المحكمة الجنائية الدولية :
نصت المادة 31 في الفقرة 1/ج –تحت عنوان امتناع المسئولية الدولية على أساس حق الدفاع الشرعي .
لقد تبنى نظام المحكمة الجنائية الدولية ، النظرية الفردية في حق الدفاع الشرعي بمعنى ان الفرد يحق له استخدام الدفاع الشرعي في دفع الجريمة الدولية التي تقع عليه بصفته فردا من مجموعة أو شعب أو جماعة أو أقلية ومنها ، جريمة ابادة الجنس البشري ، وجرائم الحرب ، ولم يعط ميثاق روما حقا للدول مثل المادة 51.
وذلك لسببين ، الأول : ان المعول عليه في نص القانون الجنائي الدولي ، وما استقر عليه العرف الدولي ، والمواثيق الدولية ، هو اعمال المسئولية الجنائية الدولية للفرد ، باعتباره من أشخاص القانون الدولي يتحمل التزاماته التي يقررها القانون الدولي
الثاني : أنه حتى في حالة ما ان كانت أفعال الاعتداء واقعة على الدولة ضمن حرب شاملة ، فان الفرد ذاته – بصفته الشخص الطبيعي -هو الذي سيتولى رد ذلك الاعتداء ، وليس الدولة ن بصفتها شخص معنوي ، ولذلك يمكن القول أن الفرد ينوب عن دولته في استعمال حق الدفاع الشرعي ، وهنا يبدو التكامل لا التناقض بين المادتين في الميثاق ، وفي نظام روما .
ان ما تقرره محكمة روما هو مااخذ به العرف الدولي ، لذا يحق لأسير ان يدافع عن نفسه . وتقول المادة 51 أنه يحق للدولة المعتدى عليها ان تدافع عن نفسها .
وكذا يحق للشخص استعمال حق الدفاع الشرعي في حالة وقوع عدوان على املاكه وأموال الغير ن شريطة أن تكون أفعال الأعتداء تشكل جريمة دولية مما ورد في ميثاق روما ، وأن تكون هذه الأموال لازمة لبقائه على قيد الحياة ، وهو مادحث للآلاف في معسكرات الاعتقال ، غير انه يحق له تدمير ممتلكات العدو التي ستستعمل ضده ، وبالتالي حرمانه من ادوات العدوان ،
وقد اشترط المشرع في نظام روما ان تكون أفعال الدفاع ضد استخدام وشيك وغير مشروع للقوة
ويجوز استحدام الدفاع الشرعي ضد فعل الاعتداء غير المشروع الذي وقع ولم ينته.مثل الاغتصاب وتناوب الاعتداء وتعذيب الأسير ، والدفاع بهدف منع المعتدى من استمرار عدوانه وبالتالي تفاقم جسامة الأضرار المتولدة عن هذا الاعتداء .
ويذهب نظام روما الى الاعتداء الوشيك او استخدام للقوة وشيك وهو خلاف للمادة 51 ، واشترط المشرع ان يكون استخدام القوة الوشيك غير مشروع ، أي عدم مشروعية العدوان ، ويشترط كذلك في نظام روما التناسب ما بين العدوان الذي لازال مستمرا او على وشوك الوقوع ، وما بين فعل الدفاع ضد العدوان بطريقة تتناسب مع درجة الخطر الذي يهدد هذا الشخص الآخر او الممتلكات المقصود حمايتها (كما نصت فقرة 1/من المادة 31 ).
ومقدار التناسب يتعلق بمقدار الدفاع . ويقصد به أن يكون استخدام القوة في فعل الدغاع متناسبا مع العدوان . وفي القانون الدولي الجنائي تطبق نفس معيار جسامة الفعل الذي لجأت اليه الدولة او الشخص في سبيل رد العدوان .
غير ان حالة الاشتراك في عملية دفاعية تقوم بها قوات لايشكل في حد ذاته سببا لامتناع المسئولية الجنائية فقرة أ/ج مادة 31 )
ان استعمال حق الدفاع الشرعي محكوم بتوافر جريمة من الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة المذكورة مثل الابادة ، والجرائم ضد الانسانية ، وجرائم الحرب وخلاف ذلك لايعتبر استعمال حق الدفاع الشرعي ، مثل الارهاب والقرصنة وخطف الطائرات ، أما في الجرائم المنظمة وهي كثيرة الاتجار في المخدرات وغسيل الأموال وفي حالة توافر شرط العدوان المسلح فيحق للدولة استخدام حق الدفاع الشرعي .

المنظمات أو الوكالات الدولية المتخصة
هي هيئات تنشأ عن اتحاد ارادات الدول ، وتعمل على دعم التعاون الدولي في مجال متخصص من المجالات الاقتصادية او الاجتماعية او الثقافية او الفنية أو تتولى تنظيم اداء خدمات دولية ، تمس المصالح المشتركة للدول الأعضاء
وقد عرفت المادة 57 /1من ميثاق الأمم المتحدة بانها هي التي تنشا بمقتضى اتفاق بين الحكومات والتي تضطلع بمقتضى نظمها الأساسية بتبعات دولية واسعة في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتعليم والصحة ، وما يتصل بذلك من الشئون ، يوصل بينها وبين الأمم المتحدة وفقا لأحكام المادة 63 .وهكذا يتبين انها تنشأ بمقتضى اتفاق حكومي ، وأنها تقوم بتبعات دولية واسعة في الميادين غير السياسية ، وان يتم الوصل بينها وبين الأمم المتحدة بواسطة اتفاقات دولية يبرمها المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، وتمنح كالمنظمات الدولية الشخصية القانونية ، ونتيجة لذلك تتمتع بالامتيازات والحصانات التي تتمتع بها المنظمات الدولية بصفة عامة ، بل ان لها مزايا خاصة قننتها في اتفاقية دولية عام 1947، ولها حرمة في مقراتها ، واخيرا تتحمل المسئولية الدولية عن اعمال موظفيها في حال احداث ضرر للغير ناجم عن تصرفاتها الضارة ، وتنظم العلاقة بين المنظمات المتخصصة والأمم المتحدة عن طريق ابرام اتفاقت الوصل او الربط والتي لاتنال من الشخصية القانونية المستقلة لتلك الوكالات ، وتتضمن اتفاقيات الوصل المجلات الآتية :

ر‌- يكون المجلس الاقتصادي والاجتماعي هو الجهاز المسئول عن ربط الوكالات المتخصصة مع الأمم المتحدة ، والتنسيق حتى لايتم التعارض والمنافسة بينهما . غير أن وكالة الطاقة الذرية ترتبط مع مجلس الأمن الدولي نظرا لخصوصية مهامها .وسرية برامجها ، ودقة تقنياتها ، خاصة وأن الدول الذرية هي الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي .
ز‌- يكون للأمم المتحد ةان تصدر توصيات للوكالات المتخصصة بشان مجالات نشاطها ونظام عملها ولوائحها المالية .
س‌- يكون للوكالة المتخصصة والأمم المتحدة حق تبادل الممثلين الذين يحق لهم حق حضور الاجتماعات والمناقشة وتقديم المقترحات دون حق التصويت
ش‌- يستعين مجلس الوصاية كلما كان ذلك مناسبا ، بالوكالات المتخصصة في كل ما يضطلع به من مهام
ص‌- تلتزم الوكالات في معاونة مجلس الأمن الدولي في تنفيذ الجزاءات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، التي يمكن أن يقررها المجلس في حالات وقوع العدوان ، او الاخلال بالسلم والأمن الدوليين .
ض‌- تعرض الوكالات ميزانيتها على الجمعية العامة وابداء الملاحظات عليها
ط‌- تملك الوكالات عن طريق الجمعية العامة طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية يعرض لها من مسائل قانونية ، بشان مباشرتها لوظائفها .
ومن ابرز المنظمات او الوكالات التي تستحق الاهتمام والدراسة منظمة التجارة العالمية .
منظمة التجارة العالمية
كانت الجات ، وكان الهدف لها تحرير التجارة العالمية ، وتوطيد دعائم نظام عالمي يقوم على أساس الأسواق الحرة المفتوحة ، وعلى كل دول تنظم أن تزيل كافة الحواجز المفروضة على تجارتها الخارجية تصديرا أو استيرادا ، ووضعت نصب عينيها من خلال تسهيل الوصول الى الأسواق ومصادر المواد الأولية ، وتشجيع حركة رؤو س الأموال قصد تشجيع التنمية الاقتصادية بزيادة الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة ، ودأبت الجات على تحقيق ذلك من خلال اربعة مبادىء /
قاعدة حظر استخدام القيود الكمية ، قاعدة تخفيض والغاء التعريفة والحواجز ، قاعدة شرط الدولة الاولى بالرعاية ، قاعدة المعاملة الوطنية ،
دخلت الدول المنظوية في اطار اتفاقية الجات في مفاوضات دؤوبة الى ان توصلت الى عقد مؤتمر دولي في مراكش .
تعد جولة الاوروغواي أطول جولة وأصعبها وأكثرها اهمية جرت في ظل متغيرات دولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وبقاء نظام اقتصادي دولي وحيد يفرض نفسه على النظم الاقتصادية الدولية ، ووضعت الدول النامية في حيرة ، نظرا لانسداد برامجها التنموية التي كانت تعتمد على منظومة الدول الاشتراكية ، فوجدت انفسهاأمام خيارين ، اما الانهيار الكامل ، أو الالتحاق بعجلة النظام الدولي الجديد المعولم .وهذا يحتم عليها اجراءات اقتصادية من شانها تحويل كافة المؤسسات والمنشآت الاقتصادية العمومية الى القطاع الخاص ، والذي سيدخل شريكا فاعلا في عملية التنمية والقرار السياسي ، تبعه تحرير الصرف وتحرير التجارة الخارجية ، وفتح المجال واسعا للاستثمارات الاجنبية ، التي تقف على رأسها الشركات المتعددة الجنسيات .واقامة المناطق الاقتصادية الحرة في اقليم الدول وبشكل متسع .
اتفاقية مراكش :
ان فكرة انشاء منظمة التجارة العالمية فكرة أمريكية لتكمل بانشائها نظام بريتن وودز كنظام اقتصادي عالمي ، ووضعت الحكام الأساسية والتوقيع عليها في مراكش في 14-4-1994، ودخلت حيز التنفيذ عام 1995ن وركزت على الأهداف التالية :
*رفع مستوى المعيشة وتحقيق العمالة الكاملة واستمرار كبير في نمو حجم الدخل الحقيقي والطلب الفعلي .
* زيادة الانتاج المتواصل والاتجار في السلع والخدمات
ا*لاستخدام الأمثل لموارد العالم وفقا لهدف التنمية
* توخي حماية البيئة والحفاظ عليها ودعم الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك . تامين حصول الدول النامية على نصيب في نمو التجارة الدولية يتماشى واحتياجات التنميــــــــــــة الاقتصادية
*تحقيق خفض كبير للتعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز
* القضاء على المعاملة التمييزية في العلاقات التجارية الدولية
* انشاء نظام تجاري متعدد الطراف متكامل وأكثر قدرة على البقاء والدوام
وقد تضمنت اتفاقية مراكش الاحكام الأساسية التالية

الأحكام المتعلقة بالمركز القانوني للمنظمة :
حددت المادة الاولى من الاتفاقية عنوان هذه المؤسسة أنها تفاقية دولية تختص بالمسائل التجارية الدولية تتمتع حسب المادة الثامنة بالشخصية القانونية التي يمنحها لها أعضاؤها ، وما يلزمها من امتيازات وحصانات لمباشرة مهامها . ، وكذا تمنح موظفي المنظمة وممثلي الأعضاء امتيازات وحصانات التي تكفل لهم استقلاليتهم للمارسة وظائفهم المتصلة بالمنظمة ، وهذه المنظمة وكالة دولية متخصصة ينطبق عليها النظام القانوني للوكالات ،وذلك للاعتبارات التالية :
1- كونها نشأت بمقتضى اتفاقية دولية تعد القانون الأساسي لها
2- كونها تتمتع بالشخصية القانونية تمنحها صفة الموظف الدولي لموظفيها
3- كونها ذات نشاط غير محدد بمنطقة معينة من العالم
4- كونها ذات أهداف متعلقة بمسائل دقيقة في مجال العلاقات التجارية الدولية .

ب الأحكام المتعلقة بنطاق أحكام الاتفاقية
أشارت المادة 2/1 من اتفاقية مراكش ، أن منظمة التجارة العالمية تعتبر الاطار الرسمي الذي يقنن العلاقات التجارية الدولية ، فيما بين أعضائها في المسائل المتعلقة بالاتفاقات والأدوات القانونية المقترنة بها ، وهي ملزمة لجميع الأعضاء التي انظمت الى المنظمة دون سواها ، وعلى هذه الدول أن تتخذ الاجراءات الكفيلة لتنفيذها ، ذلك أن التوقيع على المعاهدة الدولية يترتب عليه وجوب التزام أطرافها بما تشمل عليه من احكام والالتزام بتنفيذها تطبيقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ، وعليه فان اتفاقية مراكش والأدوات القانونية المقترنة بها تسمو على الاتفاقات والتشريعات الداخلية للدول الأعضاء ،
واذا حدث تعارض بين أحكام هذه الاتفاقية وحكم وارد في حدود التعارض واتفاقية دولية اخرى ، يتم ايقاف ما يتعارض مع اتفاقية مراكش سارية المفعول
ولا تواجه مشكلة مع الدول التي تعطي سموا للقانون الدولي على القانون الوطني كالقانون الجزائري والفرنسي ، اما التي لاتفعل كذلك ، ووجد تعارض فان الحل العملي برأي الأستاذ مصطفى سلامة هو اعمال قواعد التفسير مع مراعاة مسألتين الاولى ،اذا كانت المعاهدة لاحقة في اقرارها للتشريع المتعارض مع احكامها هنا تطبق قاعدة تفضيل اللاحق على السابق ، والثاني : اذاكان التشريع لاحقا للمعاهدة هذا تطبق قاعدة العام يقيد الخاص حيث نعتبر المعاهدة بمثابة قاعدة خاصة يقيد التشريع ذو الصفة العمومية .
ج – الأحكام المتعلقة بمهام منظمة التجارة العالمية
حددت المادة الثالثة من اتفاقية مراكش المهام المناطة بالمنظمة هذه المهام :
1 – تنفيذ وادارة واعمال اتفاقية مراكش والاتفاقات الملحقة بها
2 – تنظيم المفاوضات التجارية متعددة الأطراف
3 – الاشراف على ارساء القواعد والاجراءات التي تنظم تسوية المنازعات
4 – ادارة آلية مراحعة السياسات التجارية
5 – بغية تحقيق قدر أكبر من التناسق في وضع السياسة الاقتصادية العالمية تتعاون المنظمة على النحو المناسب مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للانشاء والتعمير والوكالات التابعة له .
د – الأحكام المتعلقة بالهيكل التنظيمي للمنظمة :
تتميز الاجهزة بانها متعددة والتنوع في الاختصاص لاعتبارات تقسيم العمل وتوخي السرعة والفاعلية في اتخاذ القرارات وتحقيق المساواة
1 – الأجهزة ذات الاختصاص العام :
وهي المؤتمر الوزاري كاعلى هيئة يضطلع بالمهام الرئيسية يجتمع مرة كل سنتين
المجلس العام ويتميز ويتمتع يأربعة اختصاصات ، المحورية والحلول ، والاستمرارية والاسناد
ه – الأحكام المتعلقة بالعضوية في المنظمة :
العضوية الأصلية ، وهي الثابتة لأعضاء الجات
العضوية بالانضمام ، تمنح لأي اقليم جمركي منفصل يملك استقلالا ذاتيا وكاملا في ادارة علاقاته التجارية متعددة الأطراف ،وتفتح العضوية لجميع الدول المعترف يها من قبل منظمة المم المتحدة والمنظمات الاقليمية .
ويحق للعضو الانسحاب بعد ابلاغ المدير العام بستة أشهر
تؤخذ القرارات بالتوافق ، ولا يوجد حق للاعتراض اذ لكل دولة عضو صوت
مجالات عمل منظمة التجارة العالمية :
تعمل المنظمة في ثلاث مجالات ، التجارة في السلع ، والتجارة في الخدمات ، وحقوق الملكية الفكرية المتتصلة بالتجارة .
التجارة في السلع :
استمرت المفوضات حول هذه النقطة خمسين عاما حتى توصلوا الى تخفيض القيود المفروضة على هذه السلع المصنعة ، وتأمين وصول السلع الى أسواق الدول الأعضاء ، وأهم سلعة خضعت للحماية الجمركية السلع الزراعية ، واشتد الخلاف بين الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية التي تطالب بالغاء السياسات التي كانت الدول الاوربية تنتهجها المعروفة بالسياسة الزراعية المشتركة والسير نحو التحرير الكلي لقطاع الزراعة ، وتركزت المفاوضات على دعم الصادرات الزراعية ، والاعانات الداخلية للانتاج الزراعي ، وفرص الوصول للأسواق
سويت المشاكل بين الدول الاوربية والولايات المتحدة على حساب الدول النامية في اتفاقية بلير هاوس التي تضمنت :اتفاقية خفض الدعم ، بروتوكول الوصول الى الأسواق ، اتفاق خاص بالاجراءات الصحية ، قرار تعويض الدول النامية .
المنسوجات والملابس :
تمثل أهم القطاعات الانتاجية والتصديرية للدول النامية ، كونها تعتمد على المواد الطبيعية وابرمت اتفاقية لها سميت اتفاقية الألياف
غير ان الاتفاقية الجديدة فرضت تحرير قطاع المنسوجات والملابس مما أدى الى تحقيق معدلات نمو مرتفعة في حجم التجارة ، غير ان قدرة الدول النامية على المنافسة محدودة ، في مواجهة الدول المصنعة ، الأمر الذي يؤدي الى البقاء فيه للأجود والأفضل سعرا .
التجارة في الخدمات :
الخدمة هو كل شيء يتداول في عملية تجارية ولا يمكن أن يسقط على قدميك مثل خدمات البنوك وخدمات التأمين والسياحة والخدمات الطبية والخبراء
ان التوقيع على الاتفاقية العامة للتجارة في الخدمات ينشىء نوعين من الالتزام ، التزامات عامة ، والتزامات محددة وتحكم ذلك الشفافية ومبدأ الدولة الأولى بالرعاية وذلك بعدم التمييز بين موردي الخدمات من حيث الدخول الى الاسواق ، والاعتراف بنتائج التعليم والخبرة المكتسبة بمنح التراخيص والشهادات لموردي الخدمات
وتطبيق القواعد التي تحكم الاحتكارات وموردي الخدمات
ان المنافسة في قطاع الخدمات سوف تشتد وتكون عاتية فيما بين الدول ، ولن تستفيد منها الا الدول القادرة على المنافسة في هذا المجال

حقوق الملكية الفكرية
كانت الدول النامية تقتبس الاختراعات والابداعات من الدول الصناعية دون اداء أيا من الحقوق ، وبعد مفاوضات طويلة اتفق المتفاوضون تم الاتفاق على توفير حماية دولية معقولة وفعالة لحقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة أو ذلك من خلال وضع قواعد لمعايير مطلوبة لهذه الحماية بما يحقق المنفعة المشتركة .
وتضمن الملكية الفكرية حقوقا للمؤلف الفنية والأدبية ، وكذا الحقوق الصناعية والعلامات التجارية ، والجديد في الموضوع أن تطبيق المعاملة الوطنية ، يقضي بمنح مواطني الدول الأعضاء نفس المعاملة ولا تقل عن تلك التي تمنحها الدولة لمواطنيها فيما يتعلق بحماية الملكية الفكرية ، وعدم التمييز بينهم والشفافية بأن لايتخذ اجراءات تعسفية ضده
أما حقوق الملكية الصناعية ، فيشمل الاختراعات والعلامات التجارية ،شريطة ألا تولد آثارا سلبية على النظام العام والآداب والأخلاق في الدولة وكذا الاختراعات التي تضر بالحياة الصحية والبشرية والحيوانية والنباتية أو تلك التي تلحق آثارا ضارة وشديدة بالبيئة ، وأن تمتد الحماية لمدة عشرين عاما وتحمي الاتفاقية تسميات
المنشأ والتصميمات الصناعية والنماذج الصناعية .
قواعد تنظيم التجارة الدولية :
نظمت اتفاقية الجات مسألتين الاولى حماية الصناعات الوطنية والثانية القواعد المتعلقة بتسهيل اجراءات التجارة الدولية .

قواعد حماية الصناعة الوطنية :
أولى الاتفاقيات الدولية المبرمة في هذا المجال لحماية التجارة الوطنية هي
أ – مكافحة الاغراق :
يقصد بالاغراق بيع بضائع أجنبية في الدولة المستوردة بأسعار أقل من ثمن تكلفتها ، لمنافسة المنتجات الوطنية ، ويهدف من الاغراق اختراق أسواق التصدير وتحقيق مركز تجاري للمنتج ، واخراج المنافسين من العملية واحتكار السوق ثم يعمد الى رفع أسعاره وتوليد الارباح ، فهو تجارة غير عادلة ، وأسلوب غير مشروع يخل بالمنافسة و سيلحق أضرارا كبيرة بالمنتوج الوطني ،ومن هنا يحق للدولة وضع رسوم لمدة خمس سنوات
ب – الحماية الوقائية :
وذلك بفرض تدابير وقائية تتضمن عوائق وقيود تعرقل وقيد من انسياب التجارة الدولية ، وتتعلق الحماية بكميات الواردات المتدفقة الى السوق المحلية بغض النظر عن أسعارها ، وعند وقوع الأضرار لها الحق اتخاذ تدابير سريعة سواء من جهة زيادة الرسوم او تدابير كمية الحصص .
ج – الدعم والاجراءات التعويضبة :
ويقصد بالدعم تقديم المساعدات والاعانات والتسهيلات من قبل الدولة للمنتجين والمصدرين بغية التوسع في الصادرات ، واعفائهم من الضرائب وكذا اعفاء مستلزمات الانتاج وتقديم تسهيلات مصرفية .
قواعد تسهيل الاجراءات المتعلقة بالتجارة الدولية
ومن اهم القواعد ماتم الاتفاق عليها وتحويلها من اتفاقات عديدة الى متعددة الأطراف ، وهي الاتفاق حول العوائق الفنية ، والتقييم الجمركي .والاتفاق الجمركي أ – الاتفاق حول العوائق الفنية :
وذلك بأن تلتزم الدول بقواعد المعاملة الوطنية ، ومبدأ الدولة الأولى بالرعاية من خلال منح المنتجات المستوردة معاملة لاتقل عن المعاملة التي تحظى بها المنتجات المماثلة ذات المنشأ الوطني واجراء المطابقة والتوافق شريطة الا تشكل وسيلة للتمييز بين المنتجات الوطنية ، والمنتجات الأجنبية .
ب – التقييم الجمركي :
ويقصد به تحديد قيمة السلع المستوردة بهدف فرض أداء الرسوم الجمركية الصحيحة أو تهريب رؤوس الاموال .
ج – قواعد المنشأ :
وهي مجموعة القوانين والنظم والأحكام الادارية ذات التطبيق العام والتي يطبقها أي عضو لتحديد بلد المنشأ ، ويقصد بالبلد ، الذي وقع فيه الحصول على السلعة بالكامل او البلد الذي تم فيه آخر تحول جوهري عندما يشترك أكثر من بلد في انتاج السلعة .
د – فحص القواعد قبل الشحن :
وهي عملية مفيدة للدول النامية التي لاتمتلك امكانات بشرية وأجهزة فنية وادارية للقيام بهذه العملية

علاقة منظمة التجارة العالمية بالدول النامية :

شرعت الدول النامية الى الانضمام الى منظمة التجارة الدولية ، ومنها الجزائر ، ايمانا من هذه الدول بدور المنظمة والفائدة التي يمكن ان تجنيها من هذا الانضمام تارة وتارة أخرى تحت ضغط الخوف من التخلف عن ركب التقدم الاقتصادي
ان هذا الاختلاف ، يتكرر في تقدير الانعكاسات السلبية أو الايجابية
5- ان الالغاء التدريجي للدعم المقدم للمنتجين الزراعيين في الدول المصنعة سيؤدي الى ارتفاع استيراد السلع الغذائية في الدول النامية نتيجة ارتفاع أسعار المدخلات الزراعية الأمر الذي يترتب عنه مباشرة انخفاض دخول المزارعين نتيجة لزيادة تكاليف الانتاج الزراعي ، مما يفقدها القدرة على المنافسة في السوق الدولية
6- صعوبة تصدي الدول النامية لمنافسة المنتجات المستوردة من الخارج بتكلفة أقل وبجودة أفضل مما سيكون له آثار سلبية على الصناعات المحلية ، الأمر الذي قد يساهم في حدوث أو زيادة البطالة
7- صعوبة المنافسة مع الدول المتقدمة في تجارة الخدمات ، مما قد يؤدي الى الاضرار بالصادرات الخدمية للدول النامية باعتبار ان الشركات متعددة الجنسيات التي تقدم الخدمات ستعامل معاملة الشركات الوطنية ، وهذا يعني أن هذه الأخيرة ستدخل في منافسة غير متكافئة مع الشركات متعددة الجنسيات التي تمتلك كل أساليب التكنلوجيا الحديثة
8- صعوبة حصول الدول النامية الحصول على التكنلوجيا الحديثة أو المنتجات التي تتضمنها نظرا لارتفاع أسعار أي نوع من انواع التكنلوجيا ، كونها أصبحت محمية بنصوص اتفاقية دولية
9- ان تطبيق الشرط الاجتماعي والمستقبل سيقضي على كل المزايا النسبية التي تتمتع بها الدول النامية في مختلف القطاعات التي تعتمد على عنصر العمل بشكل أساسي كما هي الحال في الصناعات النسيجية والملابس .
الآثار المحتملة لاتفاقية التجارة الدولية على الدول النامية :
تجد الدول النامية نفسها في وضعية حرجة ، وخوف من المستقبل ، ومبعث ذلك الخوف هو الفجوة الواسعة بين المستويات الانتاجية ، ومن ثم القدرات التنافسية للدول النامية مقارنة بتلك التي تتمتع بها الدول المتقدمة ، هذه الفجوة التي هي في تزايد مستمر نظرا للعوائق الداخلية والخارجية التي تجابه عملية التنمية والتصنيع ومحاولة رفع المقدرة الانتاجية والتنافسية ، أضف الى ذلك توسيع نطاق عمل منظمة التجارة الذي تميز بالشمولية التي أصبحت تنذر برفع تكلفة واردات الدول النامية ، وأحكام المنافسة في الأسواق العالمية فيما بينها ، الى جانب التهديد بزيادة أعباء وقيود نقل التكنلوجيا من الدول المتقدمة الى الدول النامية عبر اجراءات حماية حقوق الملكية الفكرية .

أثر تحرير تجارة السلع الزراعية :
آثار الخلاف وبقوة بين معسكر تقوده الولايات المتحدة الامريكية ، ومعسكر اوربي ، ويريد المعسكر الاول تحرير هذا القطاع ورفع جميع صور الدعم عنه ، في حين يتشبث المعسكر الاوربي بموقفه الداعي الى ادراج هذا الموضوع ضمن مفاوضات الجات والابقاء على سياستها الزراعية المشتركة
والدول النامية لم تشارك أصلا في هذه المفاوضات التي تمت بين الطرفين الامريكي والاوربي ، ولهذا فانها ستعاني من ارتفاع أسعار المواد الغذائية ، وسترتفع الأسعار نتيجة رفع الدعم وتحرير التجارة في المنتجات الزراعية ، ونتيجة هذا الوضع ستنخفض نسبة المنتجات ، وسترتفع أسعارها
ان ذلك سيضع الدول النامية في وضعية صعبة ، الامر الذي يحتم على الدول المتقدمة ايلاء طلبات المعونة الفنية والمالية في القطاع الزراعي ، الذي يواجه أزمات في الحصول على الأسمدة والبذور والتقنيات الزراعية
أثر تحرير التجارة على المنسوجات والملابس :
ييمثل قطاع المنسوجات في الكثير من الدول النامية خطوة اولى نحو التصنيع باعتبارها أهم قطاع تتمتع به هذه الدول بقدرة تنافسية وذلك لبساطة التكنلوجيا في هذه الصناعة ، وهي كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة ، ان قدرتها على المنافسة مع الدول المصنعة ضعيفة جدا ، الأمر الذي يضعف بنية الصناعات النسيجية
أثر تحرير تجارة الخدمات
تشكل خدمات المصارف والنقل والاتصال والسياحة والخدمات المهنية ، وينص مشروع الاتفاق العام بشأن الخدمات الذي عارضته الدول النامية ، على التحرير التدريجي للتجارة في الخدمات ، كما يعترف بالوضع الخاص للدول النامية ، لذلك فقد الزمت الاتفاقية الدول النامية بتقديم الالتزامات الأولية ن كما تضمنت نصوصا تنطوي على تسهيلات لزيادة مشاركتها في تجارة الخدمات العالمية من خلال التفاوض على التزامات محددة بشان تعزيز قطاعاتها المحلية وتحسين وصولها الى قنوات توزيع وشبكات المعلومات وتحرير الوصول الى الأسواق في القطاعات . ان اقرار اتفاقية الجات معاملة خاصة للدول النامية لايمكن أن يحجب حقيقة هذه الاتفاقية ، فقد صيغت بما يتوافق ومصالح الدول المتقدمة المصدرة للخدمات ، وبما ينعكس سلبا على اوضاع الدول النامية ، لاسيما وان هذه الدول تعتبر المستورد الصافي للخدمات نظرا لضعف مؤسساتها العاملة في هذا القطاع ، لعدم تمتعها بالمزايا التكنلوجية التي تتمتع بها الشركات العابرة للحدود الوطنية ، مما دفع الدول النامية الى معارضة ادخال تجارة الخدمات في اتفاقية الجات ، لأنها لاتملك مقومات المنافسة في السوق الدولية ، وتوافق تحت الضغوط والوعود بحصول مزايا من تلك الدول
أثر اتفاقية التجارة في حقوق الملكية الفكرية :
أن أساس تنازع المصالح بين الدول الصناعية والدول النامية بشأن هذه الاتفاقية ينبع من اهتمام الدول الصناعية بتحصيل جميع العائدات من الجهود المبذولة في مجال البحث والتطوير ، في حين ينصب جام اهتمام الدول النامية الى تحقيق التنمية التي تقتضي الحصول على التكنلوجيا الحديثة واعتمادها في المشاريع التنموية كجزء من عملية اللحاق بركب الدول .
لقد أدرجت حقوق الملكية الفكرية ضمن اعمال جولة أوروغواي بناء على طلب ملح من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لحماية شركاتها التي ارتفعت شكواها من اتساع نطاق عمليات السطو والقرصنة على جوانب هذه الحقوق
ان اقحام الحقوق الفكرية ضمن أعمال منظمة التجارة العالمية قد برر بصلة هذه الحقوق بالتجارة ، ومع ذلك فان الأهداف التي توخى الاتفاق تحقيقها قد تركزت حول تشجيع الابتكارات وتسيير نقل التكنلوجيا وانتشارها ، ولم يذكر شيء عن علاقتها بالتجارة . من هذا المنطلق رأت الدول النامية في هذا الاتفاق أنه وسيلة لتحويل المزيد من دخلها الى الدول المتقدمة ، وتقوية نفوذ الشركات متعددة الجنسيات في مجال احتكار التكنلوجيا ، كما رأت أن هذه الاتفاقية تنطوي على اعاقة لنمو في التجارة العالمية من خلال ما سينجر عنها من زيادة تكلفة الواردات التي تتضمن أعمالا ابتكارية زيادة في تكاليف نقل التكنلوجيا في حد ذاتها ، ومن ثم فمن المتوقع أن تنتقل الآثارالايجابية لهذه الاتفاقية الى أصحاب الحقوق المتواجدين بكثرة في الشركات متعددة الجنسيات المستقرة في الدول المتقدمة والتي تتعدد لديها مراكز الأبحاث والتنمية والتطوير . اما بالنسبة للدول النامية فان أثر هذه الاتفاقية سيعود على اقتصاداتها بالسلب على المدى القصير ، ذلك لأن مقدرة هذه الدول على استخدام التقنيات التي اكتشفت في الدول الأخرى ستصبح ضعيفة نظرا لارتفاع أسعارها . غير ان هناك من يرى بأن هذه الاتفاقية ستؤدي الى تسهيل الانتشار الدولي للمعرفة والتقنية ، هذا ما يؤدي الى زيادة الانتاجية والمنافسة والدخل ، بالاضافة الى كون هذه الاتفاقية سوف توفر الحماية بالنسبة لأصحاب الابتكارات والاختراعات ، كما أنها تحفز على الابداع والابتكار والاختراع وللتطوير ، بعد أن سدت منظمة التجارة العالمية على الدول النامية بهده الاتفاقية جميع أبواب الكسب السهل فلم يعد امام هذه الدول الا التوجه نحو بناء قاعدتها الوطنية للعلوم والتكنلوجيا ، وعليها أن تدفع مقابل ما تحتاجه من تقنيات ومقابل الابحاث والخبرات العلمية التي يمكن ان تساعدها في ذلك .
ان ادراج احقوق الملكية الفكرية ضمن مهام منظمة التجارة العالمية يعد بمثابة رسالة رمزية موجهة للدول النامية مفادها أن عصر تكرار المعجزة اليابانية ومعجزة جنوب شرق آسيا قد ولى ولا يمكن تكراره .
لقد أصبحت ظاهرة التكتلات اهم مايميز العلاقات الدولية بصفة عامة ، هذا ماسيصعب من مهام منظمة التجارة العالمية التي عملت على مسايرة هذه التطورات من خلال وضعها نظاما خاصا باتكتلات الاقليمية يتماشى ومبادئها الرامية الى تحرير التجارة الدولية في جو يطبعه عدم التمييز بين جميع الأعضاء . غير أن هذا النظام الذي أوجدته منظمة التجارة العالمية ، وان كان يتوافق من حيث الشكل مع توجه الدول الى اقامة تكتلات ، فانه يختلف عنه من حيث النطاق ذلك ان الهدف النهائي الذي تسعى اليه منظمة التجارة العالمية هو ايجاد نظام تجاري دولي متعدد الأطراف تسري جميع مبادئه وقواعده على الدول الأعضاء ، فالمنظمة تسعى لوضع نظام عام وشامل يهدف الى تحقيق المصالح المشتركة لجميع اعضاء المجموعة الدولية ليصبح بمرور الزمن عالمي التطبيق ، في حين نجد أن الهدف الذي تسعى التجمعات الاقليمية لتحقيقه هو هدف محدود محصور في نطاق الدول الأعضاء في التكتل ، وكثيرا ما يكون مجاله أيضا محدود ،تحرير المبادلات التجارية لمدة زمنية محددة الى جانب هذا قد يؤدي انشاء تجمعا اقليميا تعمل في اتجاه معاكس لمسعى منظمة التجارة العالمية ، فعلى الرغم من اشتراط المنظمة في اقامة تكتل اقليمي أن لايؤدي هذا الى الحاق الضرر بمصالح الدول غير الأعضاء فيه ، الا أن هذا الشرط يكاد يكون صحيحا فقط من الناحية النظرية ،كون هذا الشرط ذاته يتنافى مع الغاية التي تنشأ لأجلها التكتل الاقليمي ، من هنا تتجلى صعوبة مهمة منظمة التجارة العالمية في محيط دولي يتسارع الى التكتل ، ومن ثم ستكون علاقة التكتلات ببعضها البعض احدى اهم النقاط الحساسة التي ستحدد لمنظمة التجارة العالمية بقاءها الفعلي من عدمه ، خصوصا في وجود الدول النامية التي أدركت أن نيل المطالب لن يكون بالتمني ، في عالم يتصارع فيه الأغنياء اولا والاغنياء والاغبياء ثانيا

المطلب الثاني

دور المنظمات الدولية في التنمية المستدامة
دراسة تطبيقية

إذا كانت الدول طرفاً أساسيا في التنمية المستدامة ، فإنه ينبغي عليها أن تعتمد أيضاً على أطراف فاعلة أخرى . و أولها المنظمات الدولية ، التي يتعمق دورها مع إنتشار العولمة .
و بعدها المنظمات غير الحكومية ، التي هي في نفس الوقت لسان حال تطلعات المجتمع و الخبيرة في مجال التنمية . و أخيراً المؤسسات التي هي في الغالب الغاية الأخيرة للسياسات المرسومة الأمر الذي يحتم دراسته مفصلاً فيما يلي:

الفرع الأول :المؤسسات الدولية .

وعلى إثر ندوة إستوكهولم لعام 1972، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة هيئة فرعية هي برنامج الأمم المتحدة للبيئة ((PNUE، مهمتها تشجيع النشاطات التي في صالح البيئة، و تطبيق برنامج العمل المحدد في ندوة إستوكهولم.
إن برنامج الأمم المتحدة للبيئة هو الأصل في صياغة العديد من الإتفاقيات الدولية حماية “المياه الإقليمية” المختلفة، أو كبريات القضايا مثل بروتوكول مونتريال حول طبقة الأوزون، وإتفاقيات بال حول حركة النفايات السامة.

و مع ذلك، كان الـ PNUE رغم الجهد المبذول منذ 1972 ورغم دوره الفعال في عقد الندوة حول التنوع البيولوجي،لم ينجح في فرض نفسه كهيئة مركزية لندوة ريو.

إن هذا البرنامج الذي كان موضوع خلاف مع هيئات عليا أخرى، قد عانى شيئاً فشيئاً من فقدان المصداقية. وأخيراً، فإن هناك لجنة التنمية المستدامة، التي هي هيئة إنبثقت عن التغيير المؤسساتي لمنظمة الأمم المتحدة أثناء ندوة ريو، و التي كانت مكلفة بتنفيذ المفكرة 21.

رغم إعادة التمركز هذه داخل هيئة خاصة، فإن حكامة التنمية المستدامة داخل نظام الأمم المتحدة معقد بسبب وجود عدة وكالات لمنظمة الأمم المتحدة تهتم من قريب أو بعيد بقضايا البيئة و التنمية- منظمة الأمم المتحدة للتغذية و الزراعة، المنظمة العالمية للصحة، برنامج الأمم المتحدة للتنمية، … ويضاف إلى ذلك، عدد من البرامج والمنظمات الدولية وأمانات الإتفاقيات الدولية عن التغير المناخي و التصحر.

هناك مسألتان أساسيتان ينبغي طرحهما:
الأولى تتعلق بالتعاون بين منظمات الأمم المتحدة.
والثانية تتعلق بوزن هذه الأشكال المؤسساتية بالنسبة للمؤسسات الإقتصادية الدولية، و بشكل عام تطرح مسالة إعادة تنظيم جذري لهندسة مؤسسات التنمية المستدامة. و في هذا السياق إقترحت عدة شخصيات سياسية فكرة إنشاء بنية فوقية، أي منظمة لجنة التنمية المستدامة يتمثل الهدف الرئيسي للجنة التنمية المستدامة في ضمان تقييم و تطبيق المفكرة 21 و تعزيز التعاون بين الدول والمؤسسات في كافة المجالات و قد ركزت اللجنة على ب

و لقد لعبت لجنة التنمية المستدامة دوراً هاماً جدامنذ تأسيسها و ذلك بإرساء قاعدة مشتركة للعمل بين الدول المتطورة والدول السائرة في طريق النمو.
إن غالبية هذه الدول مزودة بلجنة وطنية للتنمية المستدامة و الإستراتيجيات الوطنية. كما سمحت لجنة التنمية المستدامة بخلق مجال للمناقشة، حيث توجد ممثلة بصورة واسعة المنظمات الحكومية وأكثر فأكثر المؤسسات الإقتصادية.
غير أن لجنة التنمية المستدامة تعاني حالياً من نقصين، فهي من جهة لا تملك سلطة فعلية تمكنها من فرض إحترام إلتزامات ندوة ريو.
ومن جهة أخرى فهي مؤلفة أساساً من وزارات البيئة للدول الأعضاء.
وحتى تصبح لجنة التنمية المستدامة مجالاً حقيقياً لصياغة السياسات الدولية، لا بد أن تؤكد مفكرة عملها على المواضيع الإقتصادية وأن تكون قادرة على تجنيد وزارات الإقتصاد و المالية.
فبتأكيدها على السياسة الإقتصادية تستطيع لجنة التنمية المستدامة إرساء قاعدة مؤسساتية لتحقيق إجماع حول السياسات و خلق حد أدنى من تجانس المعايير.

الفرع الثاني:المنظمات الدولية المتخصصة :
هي هيئات تنشأ عن إتحاد إرادات الدول ، وتعمل على دعم التعاون الدولي في مجال متخصص من المجالات الإقتصادية والإجتماعية ، أو تتولى تنظيم أداء خدمات دولية تمس المصالح المشتركة للدول الأعضاء ومن هذه المنظمات منظمة الأغذية والزراعة ، وحديثاً المنظمة العالمية للتجارة ، والجدير بالمعرفة أن هذه المنظمات ترتبط بالأمم المتحدة عن طريق المجلس الإقتصادي والإجتماعي الذي ينظم العلاقة القانونية معها عن طريق إتفاقات الوصل والربط والتنسيق .

أولا : منظمة الأغذية والزراعة

حتمت المشاكل الزراعية والغذائية في العالم ، الدعوة إلى مؤتمر دولي في ولاية فرجينيا الأمريكية للنظر في هذه المشاكل ، وقد تفرع عن هذا المؤتمر لجنة دولية توصلت في نهاية المطاف إلى إتفاقية دولية خاصة بإنشاء منظمة الأغذية والزراعة، وفي عام 1945 ظهرت المنظة بعد أن وقع على المعاهدة المنشئة لها ممثلي 24 دولة ، إجتمعوا في مدينة كوبيك بكندا ، وفي عام 1951 إنتقلت المنظمة إلى مقرها الدائم بمدينة روما بايطاليا
1-أهداف المنظمة :
تهدف المنظمة إلى البحث في ظروف الزراعة واستقرار في السوق العالمية للمنتجات الزراعية ، ودراسة مصادر المياه والتربة ، ومحاولة تبادل أنواع جديدة من النباتات واستعمال طرق زراعية متطورة لخدمة العامل والتغذية في العالم ، والمساعدة في برامج المساعدات الفنية ، فهي تعمل على رفع مستوى التغذية وزيادة القدرة على الإنتاج وحسن توزيع جميع المواد الغذائية والزراعية وما يرتبط بذلك من تحسين أحوال المزارع ومصائد الأسماك والغابات .وتعمل على رفع مستوى سكان الريف وتزويدهم بالخبراء والإحصاءات ، وتعمل على زيادة مصادر الإنتاج لمسايرة زيادة الإستهلاك وما يقتضيه ذلك من إيجاد إستقرار في السوق العالمية للمنتجات الزراعية ودراسة مصادر المياه والتربة ومحاولة تبادل انواع جديدة من النباتات واستعمال طرق زراعية متطورة لخدمة العاملين بها ولزيادة الإنتاج وعدم إستهلاك التربة .ونشر المعلومات الفنية عن الأمراض الحيوانية مثل : الطاعون ، وتنمية الثروة المائية والسمكية وإشاعة استعمال الأسمدة الكيماوية والعضوية ، والإهتمام بالغابات ، وتطوير هندسة الري وأساليبه.
)

كذلك تعمل المنظمة على نشر المعلومات المتعلقة بالتغذية الصحية ، ووسائل حفظ المنتجات وبالذات الأغذية المحفوظة .وقد أعلنت المنظمة عن حملة عالمية للتحرر من الجوع من أول يناير 1960 – لمدة خمس سنوات تقرر زيادتها إلى عشر ثم تقرر بعد ذلك جعلها غير محددة المدة كمحاولة للقضاء على النقص الواضح للمواد الغذائية خاصة البروتين ، والذي تعاني منه معظم بلاد العالم ويساعد برنامج الطعام العالمي مشاريع التنمية خاصة الزراعية ، ويمول من التبرعات .
وقد كان للمنظمة دور هام في تمكين سكان كثير من المناطق التي أصابها الجفاف إبتداءً من عام 1984 ، من تجنب الهلاك الجماعي حيث ساعدت في نقل المواد الغذائية وعملت على توفير مصادر للشرب والعيش في المناطق التي هاجروا إليها مثل السودان وغيره من البلاد الإفريقية . وتشرف المنظمة على بعض المشاريع التي يقوم به الصندوق الخاص للأمم المتحدة ، وهي مشاريع تهدف إلى تنمية الزراعة والغابات وصيد الأسماك
أ – مواجهة التصحر
تعود ظاهرة التصحر قبل كل شيء إلى استغلال الإنسان المفرط للأراضي ، وفقدت نتيجتها 1 و2 مليار هكتار من الأراضي الخصبة ولذا ساهمت المنظمة في إبرام الإتفاقية الدولية حول التصحر في جوان 1994 بتوصيات لتحسين الرأي العام منبهة بخطورة التأثيرات السلبية العالمية التي تنجم من جراء ظاهرة التصحر التي يتعرض سكانها للفقر وتزايد الهجرة .
ب – المياه :
يعد الحصول على المياه الصالحة للشرب بمثابة رهانات محلية وعالمية وبخاصة الدول النامية إذ نجد أن مليار ونصف نسمة محرومة من هذه المادة ، وهناك خمسة ملايين يموتون سنوياً من جراء الأمراض المتنقلة من المياه الملوثة من بينهم 4 ملايين طفلاً، و 80% يموتون من هذه الأمراض وأكثر من 1/3 يتوفون بسبب المياه غير الشروب ، من جهة أخرى تحول الماء غير الشروب إلى أرضية صراع عالمي للحصول على الماء بين العديد من الدول حول منابع مياه الأنهار ، أو أنها استعملت الأنهار في النزاعات وتلويثها لحرمان الشعوب من مصادر القوة وحصارها وإهلاكها ، لذا فإن هذه المشاكل طرحت في الملتقى العالمي لسنة 1997 وشاركت فيه منظمة الأغذية والزراعة بحيوية تم الإتفاق فيه على خطورة ندرة هذه المادة وبعدها الدولي ولكن جهود التسوية التي بذلتها المجموعة الدولية مازالت ضعيفة وغير كافية .

ج- الحفاظ على الغابات :
نظراً لتسارع إتلاف الغابات الإستوائية من جهة ولأن الإجراءات المتخذة أثناء ندوة ريو لحماية الغابات ليست سوى مجموعة من المبادئ العامة غير إلزامية من جهة أخرى اقترحت منظمة الأغذية والزراعة والصندوق العالمي للطبيعة في خريف 1992 إقامة مجلس لحسن تسيير الغابات ، وتأسس المجلس في أكتوبر 1993 من قبل جمعية تضم 130 مشاركاً قدموا من 125 بلداً إضافةً إلى المنظمات غير الحكومية وفروع الصناعة والتوزيع في قطاع الغابات .
ثم وضعت اللجنة المديرة للمجلس قائمة المبادئ والمقاييس التي صادق عليها الأعضاء المؤسسون والقابلة للتطبيق على كافة الغابات التي تقع في المناطق المدارية والمعتدلة والشمالية التي تستغل لإنتاج الخشب ، واعتماد معايير وطنية في تقييم إستدامة العمليات الغابية الخاصة .
د- الأسماك:
خلال سنة 1995 كشف تقرير منظمة الأغذية عن حصيلة مقلقة للمخزون العالمي للأسماك قرابة 70% من المخزون تم إستنفاذه واستغلاله إستغلالاً مفرطا أو بشكل كامل أو هو في طور التجديد ، ونظراً لإخفاق إجراءات التسيير المعمول بها وقتئذ دعت منظمة الأغذية والزراعة المجموعة الدولية إلى المصادقة على مدونة سلوك من أجل صيد مسؤول ، ودفع المؤسسات إلى إعمال المدونة لتسيير المسمكات وتعيين مقاييس التسيير الدائم التي تنطبق على المسمكات وانتقاء التنظيمات المؤهلة لإشهاد المسمكات التي تحترم المقاييس. *
جهود التكيف بالموازاة مع التغيرات الجارية داخل نظام الأمم المتحدة فإن المنظمات الإقتصادية، و في مقدمتها البنك الدولي للإنشاء والتعمير بصفته منظمة دولية متخصصة ، تقترح أن تجعل من التنمية المستدامة مبدأ لإعادة تنظيم نشاطاتها غير أن هذه المنظمات لم تكن محضرة لمواجهة هذا الرهان الجديد إلا قليلاً، وكانت محاولات إعادة التوحيد هذه محل نقد شديد، خصوصاً في الوقت الراهن، من الأوساط الإيكولوجية، التي غالباً ما تنعت ” بالتلميح ” الطريقة التي تأخذ بها هذه المنظمات القضايا البيئية بعين الإعتبار.

لقد تم تحويل منظمة التعاون و التنمية الإقتصادية. على إثر النتائج المتوصل إليها من طرف فريق من الخبراء، إقترحت أمانة منظمة التعاون و التنمية الإقتصادية أن تكون التنمية المستدامة هي المبدأ الموجه لأعمالها.
إن التعديل المقترح من الأمانة لا بد من أخذه مأخذ الجد.
فهو ليس مجرد يقظة سياسية لمؤسسة قلقة على مستقبلها، بل هو تعبير عن إنشغالات المؤسسات الكبرى للصناعة لتجانس السياسات الإقتصادية الرامية إلى توجيه عولـمة الإقتصاد.
وكغيرها من المؤسسات الإقتصادية المتعددة الأطراف، فإن أمانة منظمة التعاون و التنمية الإقتصادية ترى في التنمية المستدامة وسيلة لإعطاء مؤسستها شرعية من جديد و تحضير المفاوضات الإقتصادية للجيل القادم.

ثانيا : المنظمة العالمية للتجارة :
أ- التفاعلات بين قواعد المنظمة العالمية للتجارة والإجراءات البيئية المتعددة الأطراف
تتدخل السياسات البيئية في تخصيص إدارة الموارد الطبيعية لتفضيل إستعمالها العقلاني والمستدام وهكذا تتداخل مع عزم تيارات التبادلات الدولية حيث تقلق أصحاب حرية التبادل ، بالنسبة لهؤلاء ، فالمحافظة على البيئة سوف تخلق لا محالة نوعاً جديداً يسمى: الحماية الخضراء ، ومن جهة أخرى فإنهم يرون أن هذه السياسات تضعف المنافسة الدولية بين الأمم ، وبهذا الشكل يطرح النقاش حول النتائج التجارية لهذه السياسات البيئية .

التخوف من الإغراق البيئي : دعمت عولمة التبادلات المنافسة بين الدول التي أصبحت أكثر فأكثر مترابطة ، وبدورها قيدت المنافسة المتزايدة قدرة الدول على وضع سياسات بيئية . لهذا ، فإنها تواجه مشكلاً كبيراً ، فالبلد الذي يضع سياسة بيئية تلزم مؤسساته المحلية من خلال إجراءات مناسبة ، بإدخال المؤثرات الخارجية للبيئة يكون أكثر معاناة لتنافس مؤسسات الدول الأجنبية التي تقوم بممارسات تجارية تحيل إلى الإغراق البيئي ، يعني أنها لا تدمج المحافظة على البيئة في نشاطاتها الإنتاجية وتقدم إذن منتوجات بأسعار أقل ، وغالباً ما يعارض الصناعيين السياسات البيئية لخطرها على قدرة مؤسساتهم التنافسية

ومن هنا تلجأ إلى ترحيل إنتاجها إلى البلدان التي تطبق قواعد بيئية أقل صرامة والمسماة ملجأ التلوث .

د. محمد دويدار، نفس المرجع ، ص 20 .

الحماية الخضراء تنظم وثيقة مراكش النهائية التي أنشات المنظمة العالمية لتجارة تخفيضاً عاماً لحقوق الجمركة ، لكن هذا التراجع للحماية التعريفية إستبدل شيئاً فشيئاً بحماية غير تعريفية تظهر خاصة مع وضع قواعد صحية أو بتحويل القواعد البيئية تبدو آثارها المباشرة من خلال المشاكل الإيكولوجية التي تفرض قيوداً تجارية جديدة وتكمن صعوبة الإدخال في الأخذ بعين الإعتبار تكاليف البيئة الناجمة عن مختلف أطوار حياة المنتوج ( إنتاج ،إستهلاك ،إتلاف) في حين أن شكل الإقامة ومستوى الضرر الناجم يتغيران أثناء هذه المراحل ، لكن تقدير التكاليف البيئية يتوقف على التفضيلات الجماعية لكل مجتمع .
بالنسبة للمنتجات القاعدية التي تحظى بتدفق تجاري من الجنوب إلى الشمال فإن طلب المحاسبة البيئية للمنتوج يكون أقوى في بلدان الشمال المستهلكة منه في بلدان الجنوب المنتجة ، ولهذا لا يستطيع بلد- أ – أن يفرض رسوماً على المنتوجات المستوردة رسماً تناسبياً مع الأضرار التي يتسبب فيها إنتاج هذه المنتوجات على سكان البلد – ب – التي تعتبر نوعية البيئة خياراً أحادياً من البلد أ – ولهذا الغرض لا يستطيع فرض أي تعويض على البلدان التي تتخذ خيارات أخرى .

ومن جهة أخرى ، وحتى لو أجبرت البلدان النامية نفسها على إدخال التكاليف البيئية لا تقدر لضعف وسائلها أن تأخذ على عاتقها الإستخراجات الدولية المتعلقة بالمنتوجات المشتركة الشاملة ( الطقس ، التنوع البيولوجي ) ولهذا فإن تنظيم المشاكل الشاملة تمر بتنظيم إتفاقيات متعددة الأطراف حول البيئة لتلعب دوراً سلطوياً عالمياً في هذا المجال ، وفي هذه الحالة إستثنائياً نستطيع إستعمال إجراءات تجارية للسهر على إحترام أحكام الإتفاقيات مثل بروتوكول مونتريال حول المحافظة على طبقة الاوزون .

ونجد من بين هذه الإجراءات برنامج العنونة البيئية ، وهو إجراء يعطي لكل مؤسسة أن تتخذ إجراءات بكل حرية دون أن يكون نظرياً تمييز تجاري ، وهنا تتأثر المؤسسات من قبل المستهلكين المتحمسين للبيئة .
ولقد قام هؤلاء المدافعون عن حق البيئة بحماية الدولفين المعرض للإنقراض في أمريكا ، غير أن الشركات حولتها لصالحها في ترقية تجارة التونة .

غير منظمة التجارة العالمية فضلت التصنيف الإرادي إيزو 14000 بدلاً من البرامج الوطنية للعنونة البيئية ، التي ترى إمكانية وجود تأثيرات مميزة لها منذ نشأتها كان لمنظمة إيزو الإرادة القوية في تسهيل التبادلات الدولية حين وضعت مقاييس إنتاج منسجمة .
غير أن المنظمات غير الحكومية شككت في قدرة هذه المقاييس البيئية على تحسين المحافظة على البيئة ، لأن قدرات البلدان النامية التكنولوجية والموارد المالية وضعف المؤسسات وقلة معلوماتها لا تحظى بقدرات تتيح لها تطبيق معايير إيزو .

ب – البيئة في اتفاقيات المنظمة العالمية للتجارة .

تشير المادة XX فقط من اتفاقية الجات إلى مسألة البيئة فهي تعني الإستثناءات الخاصة بأحكام التجارة العامة التي تسعى لحماية صحة الإنسان والحيوان والنباتات والموارد غير المتجددة ، ويدرج أهداف التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة في مدخل النص التأسيسي للمنظمة العالمية للتجارة ،و الذي إنعكس تفتحه على القضايا البيئية بوضع لجنة التجارة والبيئة ، بهدف تنمية إنتاج وتجارة السلع والخدمات مع السماح بالإستعمال الأحسن للموارد العالمية طبقاً لهدف التنمية المستدامة والدفاع والمحافظة على البيئة في نفس الوقت ، وتهدف لجنة التجارة والبيئة إلى تحديد العلاقات بين الأحكام التجارية والإجراءات البيئية بطريقة تسمح بترقية التنمية المستدامة وهناك جانبان هامان يوجهان عمل لجنة التجارة والبيئة .

أولاً : إن صلاحيات المنظمة العالمية للتجارة في ميدان تنسيق السياسات تقتصر على التجارة وعلى جوانب سياسات البيئة التي قد تكون لها آثار معتبرة على التبادل بين البلدان .
ثانياً : ليست المنظمة العالمية للتجارة هي الهيئة المحافظة على البيئة ولا تتدخل في البحث عن الأولويات الوطنية أو لوضع معايير فيما يخص البيئة ، إضافة إلى أن لجنة التجارة والبيئة وفي حال وجود مشاكل تنسيق متعلقة بتدعيم المحافظة على البيئة ، يجب حلها بطريقة تحفظ مبادئ النظام التجاري المتعدد الأطراف وبهذا تكون النتيجة مخيبة للدول النامية

إن مكونات التنمية المستدامة، كممتلكات دولية مشتركة، ليست إذن محددة من طرف
ديمقراطية دولية شبيهة للحكومة. مع ذلك فإنه في مجالات أخرى مثل المالية و التجارة تشكل بعض الجوانب، التي و صلت إلى مصاف الممتلكات العالمية الجماعية، موضوع هيئة دولية أكيد، رغم مؤاخذته على أنه غير ديمقراطي.

هل يمكن إعادة إنتاج ما سبق إعداده منذ 40 سنة لصالح حرية المبادلات، بإنشاء المنظمة العالمية للتجارة، من أجل النضال ضد الفقر و تدهور الأنظمة البيئية؟
هيئة فوقية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة أو توزيع فرق الخبراء؟ إن إقامة الـمعايير البيئية العالمية التي تسمح برفع التحدي في مجال أحكامه التي تطرحها القواعد التجارية العالمية والضغوطات التنافسية تثير إهتماماً متزايداً.
إن إنشاء هيئة وحيدة متعددة الأطراف و التي تتكفل بالمسائل العالمية المرتبطة بالبيئة والتنمية المستدامة يمكن لها أن تسمح إحتمالاً بتجميع جزء من هذه الأنشطة. كان هذا الإقتراح محل نقاش عالمي حاد منذ عدة سنوات

من جهة طالبت عدة حكومات من أجل أن يلعب برنامج الأمم المتحدة للبيئة (PNUE) دوراً فعالاً في تنسيق الإتفاقيات المتعددة الأطراف للبيئة على الأقل تلك التي تأوي الأمانات، و تطالب بإنشاء منظمة عالمية للبيئية، حيث يكون فيها برنامج الأمم المتحدة للبيئة هو عنصرها الجنيني، يمكنه أيضاً أن يلعب دوراً مسانداً للإستراتيجيات الوطنية للتنمية المستدامة و في تنسيق الأدوات الإقتصادية و المالية. و من جهة أخرى، فإن بعض الحكومات والمنظمات مثل (منظمة التعاون و التنمية الإقتصادية (OCDE) تحبذ تدعيم الخبرة البيئية في الهيئات حيث تعتبر فيها البيئة ليست هي الهدف المركزي، مع زيادة الدعم المالي الكفيل بالإبقاء على الأنشطة البيئية قوية مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة (PNUE). سيكون لهذا الأخير دور في تحليل سير الأنظمة البيئية وانعكاسات الأنشطة الإقتصادية بغية إعداد المعايير.

الفرع الثالث : المنظمات غير الحكومية (ONG)
ظهر الطلب الاجتماعي على التنمية مع ظهور كبريات المنظمات غير الحكومية ذات الصيت الإعلامي الكبير مثل “السلام الأخضر” (GRENNPACE)، الصندوق الدولي للطبيعية (WWF) أو ” أصدقاء الأرض” :
(EARTH FRIENDS OF) ،و قد أدركت هذه المنظمات مدى هشاشة توازن البيئات الطبيعية
و عملت أحياناً بوسائل مثيرة. حاولت مؤخراً تعديل قواعد العمل الدولية الجاري العمل بها من لدن الدول و المؤسسات الدولية. شكلت كبريات هذه المنظمات غير الحكومية جماعة ضغط لا يستهان بها، و كمثال على ذلك، فإن الصندوق الدولي للطبيعة يضم مليون فرداً من أعضائه، و هذا فقط في الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن 4,7 مليون من أعضائه الـموزعين على مئات من البلدان.

وحسب تقدير الأخصائيين. فقد أنشئت العديد من المنظمات غير الحكومية القطاعية منها و المحلية بجانب تلك المنظمات ذات الوزن الثقيل… و صارت تلعب حالياً دوراً محدداً في تشكيل وعي بيئي في الهيئات الدولية للتنمية المستدامة.
البعض من هذه المنظمات ، وإن كان غير معروف إعلامياً، فإنه أنجز عملاً هاماً في مجال التحسس والتوعية حول مشاكل البيئة وساهم مساهمة فعالة في إعداد و متابعة كبريات الندوات الدولية.

وكمثال على ذلك، شبكة عمل المناخ (RAC) تتابع عن قرب تنفيذ إجراءات بروتوكول طوكيو حول التغير المناخي و تقدم تحاليل من أجل اتخاذ الإجراءات الممكنة للكفاح ضد الإحتباس الحراري ( آليات إقتصادية ومالية…) وبصفة عامة، فإن إندماج مجتمع مدني منظم ضمن السلطة الدولية يدل على ثلاث تطورات جوهرية

وبسبب إحترافية المنظمات غير الحكومية. لم تعد المنظمات ترتكز فقط على
قوتها التجنيدية على الصعيد الدولي، بل أيضاً على قدرتها على التحليل و التفكير والإقتراح الذي إزدادت أهميته بعد مؤتمر “ريو”. بعدما كانت في السابق مهمتها تنحصر على برامج المحافظة على الطبيعة، صارت تميل، و منذ سنوات، للإستثمار في كبريات المسائل السياسية والإقتصادية للتنمية المستدامة.
إن الصندوق الدولي للطبيعة مثلاً، يتوفر على وحدة للتجارة والإستثمارات.
هناك العديد من المنظمات غير الحكومية على هيئة شبكات أفقية في ميدان الخبرة، مثل “المركز العالمي لقانون البيئة و التنمية” (CIEL) والمؤسسة من أجل التنمية للدولة و القانون ((FIELD المختصة في ميدان القانون الدولي للبيئة و التي تقدم خبرة ذات مستوى عالي، مثل إدراج قواعد البيئة في المنظمة العالمية للتجارة.

لقد باتت قواعد سير المؤسسات الدولية منفتحة على المنظمات غير الحكومية.
وهكذا، فإن الأمم المتحدة أعطت للمئات من هذه المنظمات مكانة المراقب في النقاش الدولي.. لكن ما يلاحظ بالخصوص هو الإنفتاح التدريجي لكبريات المنظمات الإقتصادية الدولية على المجتمع المدني.
و من أجل تدعيم الحوار، قام عدد من هذه المنظمات بإنشاء منظمات غير حكومية، مثل المركز العالمي للتجارة و التنمية المستدامة يترأسها مدير سابق لبرامج الإتحاد الدولي للمحافظة على الطبيعة (UICN)، الذي يقوم بتنسيق تبادل المعلومات بين المنظمات غير الحكومية والمنظمة العالمية للتجارة.

و لشبكة البيئة والتنمية المستدامة في أفريقيا مواقف أكثر تبايناً: صارت مواقف المنظمات غير الحكومية أكثر دقة اليوم عما كانت عليه في العشرية السابقة.
إنتقلت هذه المنظمات من موقف إتسم بالطابع الإحتجاجي الـمحض إلى موقف فعال، خصوصاً داخل المنتظم الأممي الذي نسجت معه علاقات متينة منذ ندوة إستكهولم.

الأمر لم يعد يتعلق بإدانة و رفض العولمة والتلوث ، بقدر ما يتعلق بإقتراح حلول مقبولة والبحث عن تسوية بالتراضي و إيجاد أرضية للتفاهم والدفاع عن المبادئ الأخلاقية في حل المعضلات الدولية. على الرغم من أن المنظمات غير الحكومية لا زالت تعبر عن عدائها للنهج الليبرالي الذي تدافع عنه المؤسسات الإقتصادية الدولية، إلا أنها لم تعد متغافلة عن التطورات الجوهرية للعولـمة. لم يبق إلا عدد قليل من هذه المنظمات غير الحكومية تطالب، بصفة جذرية، بحذف الهيئات مثل سحب دول أعضاء في المنظمة العالمية للتجارة (OMC) . و على وجه العموم، فإن الإتجاه العام للمنظمات غير الحكومية يسير في اتجاه وضع قواعد دولية تؤمنها من الإنحراف أكثر من تبني إستراتيجيات التراجع الوطني. *

أحزاب الخضر: تجدر الإشارة أيضا إلى ظهور التشكيلات السياسية المطالبة ليس فقط بالدفاع عن البيئة لكن أيضاً بتطبيق السياسات العمومية المستلهمة من التنمية المستدامة، بعدما جرى إنشاؤها أولاً في الدول الأوروبية، تؤول حالياً إلى التواجد والإنتشار في دول الجنوب، وتعمل على نشر الوعي بالمشاكل و التجنيد لصالح المحافظة على البيئة. و على غرار المنظمات غير الحكومية، فإن أغلبية أحزاب الخضر إنتقلت من إدانة النظام الرأسمالي إلى مواقف أكثر إصلاحية، البعض منها أبدى موافقته في أن يكون ممثلاً في حظيرة الحكومات.

النقابات: وأخيراً أصبحت هناك نقابات العمال طرفاً في ترجمة الطلب الإجتماعي للبيئة على المستوى السياسي. ويشكل ذلك دعماً هاماً، لأنها تخلق صلة مع عالم الشغل والمؤسسة، مساهمة بذلك في نشر مبادئ التنمية المستدامة باتجاه مجالات جديدة. وتشكل في هذا الصدد معاهدة مارس 1992 للكونفيدرالية الدولية للنقابات الحرة لصالح أهداف التنمية والبيئة مرحلة هامة لهذه الحركة وزن لإيجاد مكونات المجتمع (المجتمع المدني) فهذه تلعب دائماً دوراً متزايداً في إدانة المشاكل البيئية و الإنضمام إلى البرامج الوطنية و الدولية. و بات هذا الوزن بارزاً في عدد من ندوات الأمم المتحدة، كما بات أيضاً عاملاً جوهرياً في كبريات الخيارات و التوجهات الإقتصادية الدولية، كما أمكن ذلك ملاحظته في فشل مشروع الإتفاق المتعدد الأطراف حول الإستثمار(AMI) في بداية سنة 1998.

إن المفوضية العالمية حول البيئة والتنمية طرحت شعاراً مستقبلنا المشترك هو .(OUR FUTURE )
لقد أصبحت اليوم المنظمات الدولية غير الحكومية من الشركاء الأساسيين لكل من الأطراف الحكومية منها و غير الحكومية. إن أي تنمية مستدامة مبنية على نمو إقتصادي منصف ومسؤول يحتاج إلى تعاون الشركات.
لا يمكن أن يكتب النجاح لأي سياسة بيئية، ولا لأي مشروع إقتصادي يتسم بالعدالة و الإنصاف من غير مشاركتها.

لقد أبدى عدد من هذه المؤسسات في السنوات الأخيرة هذه إهتماماً بقضايا التنمية المستدامة. وقد تشكلت في هذا الصدد شبكات وطنية ودولية من المؤسسات شاركت في الندوات الدولية حول البيئة… إن هذا الشغف في المشاركة يمكن تفسيره بوجود إرادة لممارسة ضغط قوي تجاه السلطات العمومية للحفاظ على المصالح الإقتصادية. وإذا كانت بعض هذه الشركات معادية أساسا لسياسات التنمية المستدامة، فإن البعض منها يرى فيها إمكانية جديدة للنمو.

ترى بعض المؤسسات في السياسات الوطنية والدولية للتنمية المستدامة عائقاً في وجه حريتها للإستثمار والإبتكار و بالتالي للتنمية. إن هذا التخوف بات حقيقياً خصوصاً في قطاعات ينعدم اليقين العلمي فيها حول المخاطر البيئوية لبعض الأنشطة أضحى كبيراً، خاصة في مجال التكنولوجيات الحيوية أو الصناعات النووية.

وعلى العكس من ذلك، ترى مؤسسات أخرى أن الشغف العام حول التنمية المستدامة يحمل معه إنفتاح أسواق جديدة. وبتطويرها للإستراتيجيات الخضراء، تحاول هذه المؤسسات أن تحتل مواقع فروع خاصة للإستهلاك والحصول على مزايا تنافسية ضرورية لنموها ، وضمن هذا الخيار، تحاول أن تقيم تحالفات مع المنظمات غير الحكومية، ولا سيما في إطار تطبيق الإتفاقيات الطوعية (إقتصادية، قواعد السلوك). و هكذا نجد تحالف كل من “الصندوق الدولي للطبيعة” و”أنيلفر” (Unilever) لإنشاء ما يعرف بـ ((Marine steward ship Concil، الهيئة التي تستهدف ترقية التسيير المستدام للصيد البحري بواسطة ما يعرف بـالإشهاد الإيكولوجي.

خلاصة الفصل الثاني :
* لا يمكن أن يترجم التحسن البيئي الحقيقي الدائم الى واقع ملموس دون مشاركة المنظمات النابعة من قاعدة المجتمع (جراس روت ‘ على المستوى العالمي
* عدم المساواة في التنمية الإجتماعية لا يزال يتصاعد في العديد من البلدان خاصة ذات الكثافة السكانية المتغيرة .
* إستنزاف الأوزون العلوي سيؤدي إلى إصابة الإنسان بأمراض فتاكة لا براء منها وهي السرطان ونقص المناعة وأمراض الكبد ، وسيعيد الأمراض والأوبئة المنقرضة ، وسيؤثر على الكائنات الحية التي يستفيد منها الإنسان .

لا تزال الاتفاقيات الدولية قاصرة في تحقيق الأهداف المرجوة في بيئة نظيفة لذا لا بد للمجتمع الدولي من البحث عن أساليب حيوية للحفاظ على البيئة ، ولعل هذا يتأتى من خلال المؤتمرات الدولية.

نتائج محتشمة لمنظمة التجارة

* الإنفتاحيات المحتشمة للمنظمة العالمية للتجارة في 1997، عند المصادقة على إتفاق مراكش، تزودت المنظمة العالمية للتجارة هي الأخرى بجهاز يختص بموضوع البيئة بإنشائها لجنة التجارة و البيئة، في حين أن أمانة الـ GATT أهملت دائماً ميدان النشاط هذا.

– إن المنظمة العالمية للتجارة، التي أوجدت لضبط التبادل السلعي، قد إصطدمت في الواقع بمسألة الترابط بين طرق تنفيذ المفكرة 21 وبين النظام التجاري المتعدد الأطراف. تبدو السياسيات البيئية أكثر فأكثر مصدراً للخلافات التجارية. في الواقع، إذا كانت أمانة المنظمة العالمية للتجارة تؤكد أيضاً على أن المنظمة ليست مكلفة إلا بضبط المبادلات الدولية، فإنه يبدو من المحتمل أن الدورات القادمة تدرج ضمنها سلسلة من القضايا العصيبة ذات العلاقة مع التنمية المستدامة.

* تحسين المؤسسات الدولية للتنمية المستدامة
منح سلطة علمية.إن استخدام أدوات التنمية المستدامة يتطلب إجماعاً علمياً.
الأمر يتعلق بمواجهة الطوارئ والتعامل معها.

و هذا هو المقصود من إنشاء فريق من خبراء المناخ ما بين الدول، مكون من عدد من العلماء، و الذي لا يمكن تصور وجود إتفاق إطار حول التغيرات المناخية بدونه. و هناك جملة من الإتفاقيات المتعددة الأطراف، لا سيما الإتفاقية المتعلقة بالتعدد البيولوجي، يمكنها أن تستلهم من مثل هذه الإجراءات للحصول على إجماع واسع
حول المسائل محل خلافات مثل مخاطر إنتشار المورثات المرتبطة بالأعضاء المعدلة وراثياً (OGM)
تنسيق إستعمال الأدوات الإقتصادية و المالية.
أصبح تطبيق الإتفاقيات المتعلقة بالبيئة يحتاج أكثر فأكثر إلى الإستعانة بالأدوات الجبائية و الإقتصادية. و يمكن، دون شك تدعيم فعالية هذه الأدوات إذا ما كانت المؤسسات الملتزمة بها تتبادل الخبرات والتجارب فيما بينها. كان ذلك هو جوهر إقتراح برنامج الأمم المتحدة للبيئة (PNUE) ، وهو مشروع إنشاء فريق بين الحكومات حول إستعمال الأدوات الإقتصادية للإتفاقيات الذي لم يحظ، مع الأسف، بإهتمام المجموعة الدولية.

إدماج القطاع الخاص و المجتمع المدني: لقد أحرز تقدم ملحوظ في إشراك المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص في العملية الدولية لإتخاذ القرار. غير أن المنظمات غير الحكومية لا زالت تشكو من نقائص ديمقراطية، مثل ما هو الحال في الطعن القانوني.
إن فكرة إعطاء دور مركزي لـمحكمة العدل الدولية عن طريق إنشاء غرفة بيئية لم تتكلل بالنجاح، والإستفادة من خدمات المحكمة الجنائية الدولية .
هناك إقتراحات تتعلق بإنشاء وظيفة الوساطة الدولية للبيئة، التي يمكن أن تتيح للمنظمات غير الحكومية التدخل لحمل الدول على تطبيق الإتفاقية المتعددة الأطراف ((AME . وأخيراً، هناك إقتراح أخير يتعلق بإنشاء شبكات دولية للكفاءة وعلى عدد محدود من الرهانات ذات الأهمية الشاملة، التي تعمل على إشراك كل من ممثلي المجتمع المدني، القطاع الخاص والحكومات. إن من شأن هذه الشبكات المتقاطعة أن تزيل الجمود .

رأينا في الموضوع :
انشأت منظمة اقتصادية جديدة تسهر تنفيذ احكام الاتفاقية الجديدة ، تصبح نافذة عام 1995 ، وبهذا تنظم لومسي الى صندوق النقد والبنك الدولي . لتغلق مثلثا للرعب
وتهدف الى تحويل الاقتصاد الدولي الى سوق واحدة لاتعرف الحواجز الجمركية
وتجعل العالم حقل قانوني واحد تتوحد فيه القواعد القانونية الموضوعية التي تحكم العلاقات التجارية الدولية .
ومن أبرز مخاطرها على الدول النامية ، أنها ستعمل على احتواء اقتصادات الدول الدول النامية في اقتصاد واحد من خلال احتواء العالم في في منظمة المم المتحدة والوكالات المتخصصة ، والسعي لاستخدامها في تحقيق اهداف رأس المال في اطار من الشرعية الدولية .
وستعمل على تفتيت الوحدات الوطنية للقضاء على مقاومة الدولة الوطنية للنظام الاقتصادي والشركات المتعددة الجنسيات .
وستوسع الهوة والفجوة وزيادة البطالة واستبعاد فئات واسعة عن العمليات الانتاجية بفعل التكنلوجيا والخوصصة .
وتسعى الى تنظيم السوق التجارية الدولية من حيث يتضمن احكاما لتنظيم قانوني يفرض على الآخرين من اطرافه احترام قواعده عند الممارسة وفرضها بواسطة قوة الدول العظمى والمصنعة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية
ومن مبادئ المنظمة التي أقرتها نقلا عن اتفاقية الجات :
المعاملة الوطنية بالقضاء على كل تمييز ضد الواردات الأجنبية . وهذا سيؤدي الى اقبال المواطنين على الواردات الأجنبية لاعتبارات نفسية تكمن في ذهنية مواطني العالم الثالث .
الدولة الأولى بالرعاية ، وتوحيد السياسات الحكومية على أساس ليبرالي في ظل احتكار الدول للبحث العلمي والتكنلوجيا .
ادخلت الزراعة في الأومسي مقابل أن تدخل الخدمات المالية والمصرفية والسياحية في الأومسي .
وأعطت الدول بعض الاستثناءات البسيطة والمؤقتة للدول النامية مثل :
مكافحة الاغراق ن والضرائب التنازلية لمدة عشر الى اثنى عشر سنة .
ضمان انتاج مواد الغذائية أو السلعية ، وتفادي أي ضرر يقع على صناعة ما .
الواقع القانوني :
لقد تكامل الأومسي وصندوق النقد الدولي ، وتوحدت الواعد الموضوعية التي تحكم عقود التبادل الدولي ، وتوحدت القواعد الموضوعية التي تحكم ممارسة مشاط الخدمات مثل المحاماة والهندسة والدراسات . وتوحدت القواعد الموضوعية التي تحكم الملكية الفكرية ، وحددت السلع التي ستكون محلا للتبادل .
ان هذا الواقع لن يسمح للطبقة العاملة ان تناضل وتنتزع المكاسب من الدولة الوطنية التي باتت رهينة لمنظمة التجارة العالمية ، بل ان هذا الانظمام سيسمح للدول أن تتحول الى اداة قهر وقمع اكثر وعلى أستاس وبدعم دولي .
وسيتحول العالم الى حقل قانوني واحد ، سيزيل الحواجز الجمركية امام حركة رأس المال وستتحول الدولة الى الدولة الخادمة والحارسة والمنظمة ، وستتخلى عن سيادتها الاقتصادية تدريجيا لمصلحة الاستثمارات والشركات المتعددة الجنسيات .
ونلاحظ بكل الحرص الواجب أن الأمر خطير ، اذ أن تنظيم العلاقات القانونية لمجالات التبادل الدولي التي غطتها الاتفاقية العامة مستندة الى القانون الانكلو سكسوني الذي استغنى عن الحضارات الأخرى اللاتينية والاسلامية ، وهو قانون مقرر لامنشئ والناس فيه على أديان ملوكهم ، وستعمل احتواء المستعمرات السابقة من أجل أسواقها واليد العاملة الرخيصة وثرواتها الطبيعية وبهدف تنظيم الهجرة السرية غير المنظمة ، ومكافحة العنف والارهاب الدولي .
وسوف تتوارى القواعد الوطنية المنظمة للدولة ليقتصر دورها على الأحوال الشخصية والتي سوف تفرغ من محتواها الديني الى العصمة بيد الرجل والخلع والزواج دون موافقة الولي والتبني والمرأة العزباء
الآثار القانونية على الدول النامية :
يعتبر التشريع المصدر الأول في الدول النامية والتشريع مقتبس من الشريعة الاسلامية ولا يتناقض معها .، غير ان مصدر النظام الانكلوسكسوني هو العرف والسوابق القضائية وسيكرس أعراف الأقوياء ، وستجد الدول النامية نفسها في مواجهات مع الشركات المتعددة الجنسيات التي تساوي بين الأجنبي والوطني على ترابه الوطني ، خاصة في مزاولته للمهن التي ترتبط بسيادتة وطنه مثل المحاماة .
وهناك مخاطر الانزلاق اللاواعي في تبعية قانونية بحيث تصبح اداة التهام المصالح الوطنية ، ومن المحاذير المنتظرة ، أن الصفقات والعقود التي تبرم بواسطة المفاوضات الدولية تستبدل بواسطة الضغوط ، وستؤدي حتما الى عقود الاذعان أو ابرام اتفاقيات غير متكافئة .، خاصة وان هذه الشركات الدولية مملوكة لكبار المسئولين المريكيين مثل جورج بوش وتشيني ورامزفيلد وكولن باول وغيرهم
وستتشدق بحقوق الانسان لتجعل من انتهاك هذه الحقوق وهي صحيحة وجزء من سياسات الدول في العالم الثالث ن حيث تنتهك هذه الحقوق بشكل منظم وممنهج تستغل لتعطيل تطبيق مبدا الدولة الأولى بالرعاية
وأخير هناك اشتراطات بان يكون ثلث رأس المال في الشركات المتعاقدة اسرائيلي حتة يتسنى ابرام العقود مع الدول العربية .

المراجع

www. Google . com
د فهمي حسن أمين العلي ، الواقع المأمول من مؤتمر القمة العالمي حول التنمية المستدامة،( مؤتمر جوهانسبرغ لحماية البيئة ، سنة 2022 ) ، ص؟ 117
*المعهد الدولي للتنمية المستدامة برنامج الأمم المتحدة للبيئة ، 2022 توقعات البيئة العالمية ، 03 .
د صلاح الدين عامر : السياسة في عالم مضطرب مرجع سابق ص 90
وكالة البيئة الأوربية، القمة العالمية للتنمية المستدامة ، (السياسة الدولية ،العدد 150، 2022 )، ص؟118
د صلاح الدين عامر : السياسة في عالم مضطرب مرجع سابق ص 90
وكالة البيئة الأوربية، القمة العالمية للتنمية المستدامة ، (السياسة الدولية ،العدد 150، 2022 )، ص؟118
ستيفان قينو ، العولمة والتنمية اللاّمتكافئة ، (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ، مؤشرات التنمية المستدامة ، بطاقة 3 أ ،1998) ، ص 4.
أشرف سويلم ، الدرس المستفاد من إحداث سويتل 1999 ، ( الأهرام الدولي، العدد 41277، ديسمبر1999) ، ص

Hiyam Mallat, le droit de l’environnement et de l eau au Liban librairie générale de
droit et de jurisprudence e.j.a. paris 2022 p 219
د. ابراهيم شلبي، أصول التنظيم الدولي ، (القاهرة : الدار الجامعية ، 1985 ) ، ص 518 .

وثائق الأمم المتحدة، برنامج الأمم المتحدة للبيئة ، روما 25- 29 نوفمبر، 2022
الإجتماع السادس لمؤتمر الأطراف في اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون روما، 25 – 29 نوفمبر 2022
د. الفت حسن أغا : الإعلام العربي والقضايا البيئية ، المعهد البرازيلي للبيئة والموارد الطبيعية المتجدد
(السياسة الدولية ، العدد 110 ، 1992 ) ، ص 149 .

د. محمد سعد أبو عمرة ،دور الاعلام في معالجة قضايا البيئة،(السياسة الدولية، العدد 110،1992)، ص 143
ايمان المطيري : حول الآثار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للعولمة – مركز الابحاث في الانتربولوجيا الاجتماعية والثقافية وهران –الجزائر 2022ص48

أسامة غيث، هل توجه الضربة القاضية لاقتصاديات الدول النامية ، (الأهرام الدولي، السنة 124، العدد 41277 ، ديسمبر 1999) .
هيئة د. سمير أمين ، « العولمة ومفهوم الدولة الوطنية » ، الدولة الوطنية وتحديا العولمة ، (القاهرة : مكتبة مدبولي ، 2022 ) ، ص 9 .
Caldwell d environnment labeling in therade and environnment context 1989 p 12
لحسن عبد المكي ، «التجارة الدولية والبييئة علاقات متناقضة» ،(منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم و الثقافة بطاقة 5 ب، 1998) ،ص 1-6 .
د. محمد دويدار، «المنظمة العالمية للتجارة فلسفتها الاقتصادية وأبعادها القانونية » ، الدولة الوطنية و تحديات العولمة ، (القاهرة : مكتبة مدبولي، 2022) ، ص 19 .
د. بدرية العوضي ، دور المنظمات الدولية في تطوير القانون الدولي للبيئة ، ( جامعة الكويت، مجلة الحقوق، سنة 9، العدد 1 ، 1985 ) ، ص 65
سارة مونقرويل ، أدوات سياسية دولية للبيئة ، (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ،1998)، ص 5.

النظام الدولي الجديد ومستقبل المنظمة الدولية والشرعية الدولية :

منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وحرب الخليج عام 1990 وحرب البوسنة والهرسك وما آلت اليه من جرائم ابادة وتطهير عرقي للمسلمين في جمهريا يوغسلافيا السابقة ، ان هذا النظام يحمل فيطياته مخاطر على المنظمة الدولية بصفتها مستودع الشرعية الدولية .
لقد بأ الانحراف بالشرعية الدولية في حرب الخليج ، حيث تغاضت الأمم المتحدة عن عدوان اسرائيل المستمر على الدول العربية وعدم زجرها وارغامها على احترام الشرعية الدولية نالى الوصول الى امتهانها بارغام الفلسطينيين على التفاوض مع اسرائيل من أجل الوصول الى الحكم الذاتي ، في حين ان الشعب الفلسطينى شعب وله الحق في دولة مستقلة ذات سيادة أسوة بالشعب الناميبي والشعب الأرتيري والشعب الفيتنامي والخ ….
وفي حرب الخليج ، حيث تواطأت الولايات المتحدة المريكية في نشوء الأزمة ثم سخرتها واستغلتها لتحقيق اهداف عديدة اهمها : القضاء على العراق كقوة أساسية ودعامة هامة للأمة العربية ، من خلال تدمير منشآته العلمية والنووية لأنها ثورة علمية قومية يمكن الاستفادة منها للآمة العربية ، ثم السيطرة على منابع النفط وفوائده المالية ن وتدعيم اسرائيل وترسيخ أقدامها في المنطقة .
من جهة أخرى وبعد احتلال العراق جرى تقطيع اوصاله الى منطقة كردية في الشمال وشيعية في الجنوب وسنية في الوسط ، ومصادرة سيادتهم ، وهو امر لايمت الى الشرعية بصلة اذ من واجب الدول احترام السيادة الاقليمية ووحدة الأراضي لكل دولة . وباعتراف البتاغون الامريكي ان البنية الأساسية في العراق قد تعرضت لأضرار أثناء حرب الخليج أكثر مما أعلن ووما تستوجبه مقتضيات الحرب
ان انشاء مناطق محظورة على الدولة العراقية الغاء كامل لسيادة تلك الدولة كما جرى في اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل باقامة مناطق منزوعة السلاح ، او مناطق عازلة تحتلها قوات دولية متعددة الجنسيات ، تستعمل وقت الضرورة في العدوان على الشعوب
العودة الى تحكم الدول الكبرى بما يشبه الحكومة العالمية وتجسد ذلك في العديد من المواقف ،
* فلقد أرغمت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الغاء قرارها باعتبار الصهيونية مساوية للعنصرية ، وحركة استعمارية تهدد السلم والأمن الدوليين ، ان ذلك يعنى الغاء العديد من القرارات مستقبلا ، الأمر الذي يهز جذور الشرعية الدولية ويقوض منظومة حقوق الانسان
*مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك
بعد تفكك يوغسلافيا اعلنت البوسنة والهرسك استقلالها والتي يمثل المسلمين فيها اكثر من 70/ ن غير ان الصرب والكروات كاقلية قاموا بحرب ابادة ضد المسلمين الذين يجب ان يختفوا من أوربا ، وانسحبت الجيوش الدولية ، وسحبت الامم المتحدة مراقبيها ليجري الاتفاق بين الصرب والكروات على تقسيم البوسنة فيما بينهم وحرمان الاغلبية المسلمة من حقوقها ، وتقدم المساعدات الاوربية لهم لابادة المسلمين، وتجويعه وحشده في معسكرات الموت وحرمانهم من مقومات الحياة
لقد انتهت المأساة بارغام المسلمين على قبول التقسيم واقامة حكم ذاتي لهم .
ان مواقف الدول العظمى من شأنه أن يحط من قيمة الامم المتحدة ، وانتقال بؤرة لقرار الى الدول العظمى التي ينفرد قطب واحد في تقرير السياسة الدولية
أثر النظام الدولي على دول العالم الثالث :
تتضامن الدول الكبرى لتحجيم ماعداهاها من الدول الأ خرى ، على أساس أنها تمثل العدل والأخلاق . فقد جرى الاستيلاء على أرصدة العراق وليبيا وايران ومنظمة التحرير الفلسطينية والمنظمات الفلسطينية بحجة ممارسة الارهاب الدولي
ويتكامل النظام الدولي وتوزع الادوار ، فتكلف الدول الاوربية واليابان بالمهام الثانوية ، وتبقى الاساسية للدولة الامريكية التي لن تسمح بصعود أية قوة أخرى تنافسها ، لأن مصالح أوربا فوق كل شيء واعتبار ، وأنها كما قال الرئيس نيكسون لاترغب في أن ترى أمة عربية موحدة ، لن اسرائيل مفضلة لديها عن سائر العرب بأموالهم وبامكاناتهم الاستراتيجية وثرواتهم الطبيعية
منظمة حلف شمال الطلسي :
نعد هذه المنظمة التي أنشئت بمقتضى معاهدة شمال الاطلنطي في 4 افريل من منظمات الكتلة الغربية او المعسكر الغربي ، بالمعنى المستقر لذلك في العلاقات الدولية ، ولذلك فهي تضم بجانب دول أوربا الغربية دولا أخرى خارج اوربا مثل الولايات المتحدة المريكية ن وكندا ، وهي بالمعنى الاقليمي الضيق ليست قاصرة على أوربا الغربية ، وقد أدى ذلك الى نشوء محاولات فقهية ترمي الى تعريف الاقليمية في دائرة التنظيم الدولي تعريفا يسمح باستقطاب هذه الظاهرة والقول بان الاقليمية لاتعني فقط مجرد الروابط التي تنشأ بين دول متجاورة جغرافيا ، بل يمكن التأكيد بتوافرها اذا كانت المنظمة تربط بين دول متباعدة جغرافيا ، ولكنها متماسكة ايديولوجيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، أي تربطها روابط فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية متشابهة ومتجانسة ن وهذا هو حال الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي ، وقد زادت اهمية هذا الحلف بعد انهيار حلف وارسو في عام 1991 وتقارب جميع الدول الأوربية ، مما ساعد على ابرام معاهدة التعاون والأمن الأوربي التي بدأ نفاذها في 10 /11 /92 مما يؤكد الدور الوربي الامريكي في النظام الدولي ن ويعيده الى مرحلة الهيمنة الوربية .
ومن ناحية اخرى ، فهناك تساؤل هام عن حقيقة الحلاف العسكرية ومدى انسجامها مع مبادىء التنظيم الدولي الاقليمي التي أرساها ميثاق الامم المتحدة ، ويرجع هذا التساؤل الى أن ميثاق الامم المتحدة في جملته ابتداء من من المقدمة وحتى الأحكام الواردة في الفصلين السابع والثامن منه يهدف الى القضاء على فكرة استعمال القوة في العلاقات الدولية وتحريم حروب الاعتداء ن واذا كانت المنظمات الاقليمية ذات الهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لاتتعارض مع الهدف الأساسي الذي يسعى اليه ميثاق المم المتحدة فان المر بالنسبة للتنظيمات الاقليمية العسكرية على النقيض ، لأن هذه التنظيمات التي تعرف باسم الحلاف العسكرية ، قد يؤدي انتشارها الى اضعاف نظام المن الجماعي المقرر في ميثاق المم المتحدة ، لما قد ينشأ عن هذا الانتشار من التنافس بين المناطق العسكرية المختلفة ، الأمر الذي قد يتنتهي الى انقسام المجتمع الدولي معسكرات تزيد من حدة التوتر في العلاقات الدولية ، ومحاولة بسط نفوذها السياسي والعسكري على المشكلات الدولية ، ليس فقط في الحدود الاقليمية التي يقع فيها المعسكران المتنازعلان ، بل أيضا على حلول المشكلات الدولية التي تنشأ خارج هذه المناطق . ولقد تأكدت هذه الحقيقة بعد أن واجه المعسكر الشرقي حلف شمال الاطلنطي تكتل عسكري مقابل له هو حلف وارسو
ويهدف حلف شمال الاطلنطي الى ضمان الحماية العسكرية لدول اوربا الغربية بمساعدة الولايات المتحدة الامريكية وكندا .
ويلاحظ ان الحلف يرتبط بوسائل عديدة بطائفة من الاتفاقية الدولية ، ولأنها تربط بين عدد من أشخاص القانون الدولي – الدول الاعضاء فيها – ومن ثم فهي جزء من العلاقات الدولية لهذه الدول ن وبهذا المعنى تكون الاحلاف العسكرية احد الموضوعات التي يهتم بها القانون الدولي العام ، ولكن من المؤكد ان التطبيق العملي لنظام الاحلاف العسكرية يقوي من حجج المترددين في اعتبارها من المنظمات الدولية.
دور المنظمات الدولية المتخصصة في الحفاظ على الشرعية الدولية :
لاشك أن الولايات المتحدة الامريكية ، أبرز الأعضاء في المنظمات الدولية المتخصصة ، لذلك تعمل على اخضاع هذه الوكالات اما عن طريق افلاسها ماليا ، او اسقاط كبار موظفيها الذين غلبوا ضمائرهم على البقاء في مناصبهم والخنوع لمحاولات ابتزازهم ، ولعل أبلغ مثال لذلك ارغام المدير العام السابق لمنظمة اليونسكو على التخلي عن منصبه وهو عالم افريقي مسلم حاول ان يحافظ على الشرعية الدولية ، وان تكون قرارات اليونسكو متفقة معها ، عندما تصدت المنظمة للاجراءات الاسرائيلية المتعلقة بالمسجد القصى وغيره من التراث العربي الاسلامي في فلسطين ن وذلك بهدمها وطمس معالمها ، فانسحبت الولايات المتحدة من اليونسكو وتبعتها بعض الدول الاوربية ، في حين امتنعت دول اوربية اخرى عن سداد التزاماتها المالية ، واتخذن اجراءات مماثلة ضد منظمات العمل الدولية والصحة العالمية والاغذية والزراعة كلما حاولت الوقوف ضد انتهاكات اسرائيل للشرعية الدولية ، واذا استمرت هذه الساسات فان ذلك قد يؤدي الى الى ان تفقد الانسانية والمجتمع الدولي صروحا هامة تعمقت جذورها وترسخت انجازاتها منذ النشأة المبكرة للتنظيم الدولي ، مما يشكل معولا هداما للشرعية الدولية والنظام العالمي المؤسس على دعائمها .

غموض اهداف النظام الدولي الجديد :
يشهد العالم انماطا جديدة في مرحلة انتقالية تتشكل فيها أنماطا جديدة من العلاقات الدولية ، ومن ثم فان ما تشهده هذه الدورة ليس وضعا دوليا مستقرا ، وانما جزء من عملية تطور مستمرة لاتزال تاخذ مجراها بحيث يصعب التكهن على وجه اليقين بمستقبل العالم ونظامه في السنوات والعقود القادمة ، الا ان عملية التغير غير المنقطعة هذه تتطلب تاكيد عد امور ترقى في رأينا لمرتبة الاساسات التي يجدر ان تحدد ملامح صورة المستقبل ، وعملية التطور لابد ان تكون انسانية المضمون ن فلاتقدم ولاحضارة لاتنطلق من احترام الانسان وحقوقه وحرياته وكرامته دون تفرقة بسبب لون او دين أو من احترام حقوق الشعوب وحضارتها ومنجزاتها وتحقيق مطالبها العادلة ، وان التعاون الدولي والاعتماد المتبادل على أساس من العدالة والانصاف هما أساس التطور الصحي واقتحام المستقبل ايجابيا ، وان الأمن والسلم الدوليين في ظل التحديات القائمة هما مسئولية جماعية يتحمل الجميع شمالا وجنوبا باعبائها والتزاماتها ، ومن ثم يجب ان يتقاسموا مغانمها ومردوداتها المواتية ن وفي هذا الشان فلا شك ان الدور المتعاظم لمجلس المن الدولي يفرض اعادة النظر في عضويته ونطاق مسئولياته ليكون انعكاسا صادقا للقوى الدولية والاقليمية .
وان العلاقات الدولية بمفهومها الجديد يجب أن تكون متكاملة في صلبها معقولة في مضمونها ديمقراطية في اطارها ، وعليه فان صياغتها تتطلب المشاركة الجماعية ن حتى تجيء معبرة عن مصالح المجتمع الدولي بمختلف عناصره تتوازن فيها الحقوق والواجبات ووتكامل السلطات والمسئوليات .
ولاشك ان العلاقات الدولية في تطورها الراهن تعكس وعيا اعمق وادراكا أوسع يتداخل المستقبل والمصير ، مثلما تعكس تحركا ثابتا نحو الواقعية في التعامل مع المعضلات القائمة ، الا انها لم تستطع ان تزيل عناصر الشك ومشاعر الاحباط لدى الكثير من الدول وبخاصة في العالم الثالث ، بل ادت الى مضاعفتها في اكثر من موضع وموضوع . واذا كانت بذور التغير تشير الى انحسار المواجهة العسكرية على المستوى العالمي ، فنها بلورت رواسب موروثة من التوترات الاقليمية والعرقية ، وهي وان طرحت أنماطا جديدة في الموازين من القطبية الثنائية الى القطبية الواحدة ، ربما مرورا الى القطبية المتعددة فقد حولت معادلة المناقشة بين الشرق والغرب الى معادلة لم تنته صياغتها بعد بين الشمال والجنوب ، حيث لم تتعرض ولا يبدو انها تنوي التعرض بطريقة رشيدة للاختلال التاريخي الهام والهائل بين اقاليم الوفرة واقاليم الندرة، بين اقاليم التقدم والتخلف ، وهناك خشية حقيقية ان تؤدي عملية ابلتغيير الجارية ، ان هي جرت دون ضوابط متفق عليها ، الى تقنين هذا الاختلال ليكون طابعا للنظام الدولي الجديد بكل مايعنيه ذلك من اضطراب وفوضى . هذه الملامح من صور العالم اليوم وارهاصات العالم الغد تعكس مخاوف جدية من سيطرة اللاعدالة واللاتكافؤ في العلاقات الدولية ، سياسية وامنية واقتصادية واجتماعية .
ون اهم عناصر بناء العصر الجديد ، ان نجعل من اهداف الميثاق اساسا له ، حتى نكون قادرين وأيضا ضامنين لكفالة العدالة وتعزيز الرقي الاجتماعي ورفع مستوى الحياة في جو افسح من الحرية ، كماقال السيد بطرس غالي في خطته للسلام .
ان هذا في رأي الاستاذ سرحان ونحن تلامذته هو الجوهر الحجقيقي لتطور الايجابي ، كما انه الجوهر الحقيقي لأي نظام دولي يحرص على الاستقرار ويستهدف اقامة السلام . ولكن اهداف الميثاق لايمكن أن تتحقق والرغبة العارمة في كفالة العدالة وتعزيز الرقي الاجتماعي والتقدم الاقتصادي لايمكن أن تتبلور ، في عصر تنبعث فيه من جديد مؤشرات عنصرية حادة واخطار تستثار لتهدد حياة بعض المجتمعات ، وارهاصات لعودة التدخل الخارجي في شئون الدول والشعوب ، ومن هنا جاء على رأس الاهداف الأساسية التي ركز عليها الامين العام في خطته : التصدي بالمعنى الاوسع لأعمق أسباب التوتر أي العجز الاقتصادي والاجتماعي .
ويجدر ان يشكل علاج هذا القصور حجر الزاوية او الاساس في العصر الدولي الجديد . وارتباطا بذلك نشير الةى ماقله الامين العام : من الممكن أن نلحظ مفهوما اخلاقيا مشتركا يتزايد في الظهور يشيع بين الشعوب وامم العالم ، ويجد تعبيرا عن نفسه في القوانين الدولية التي يعود نشوء الكثير منها الى جهد الامم المتحدة ن ان هذه العبارة تشكل في رأي الاستاذ سرحان نقطة تستلزم التوقف عندها … نحن في حاجة حقا الى مفهوم اخلاقي مشترك ، فقد بقى العالم يعاني من سياسات التفرقة العنصرية عقودا طويلة ، حتى حانت لحظة او فرصة التخلص منها ، فاذا بصراعات عرقية المغزى تثور ودعوات النقاء العرقي تنطلق ، مما يؤكد ان العالم ما يزال يفتقد ثبات هذا المفهوم الاخلاقي المشترك او التطور الصحيح والصحي له . والذي يجب ان ينبنى على توافق في الرأي بين مختلف مجتمعاتنا ، على اطار وقواعد تستند الى محصلة التجارب السياسية التي خضناها منذ الحرب العالمية الثانية ، وتحليل ما تم تحقيقه وما لم يتم ، وما اذا كانت الوثائق العاملة في مجال حقوق الانسان قد أدت دورها ام ان الوقت حان لتطويرها او لاستبدالها .

تقييم النظام الدولي الجديد

مجلس الامن نظرة على المستقبل صلاح الدين عامر و تقرير بطرس غالي
عبر واضعو ميثاق الامم المتحدة عن نظرتهم الى مجلس الامن ، وأهمية الدور الذي يمكن ات يقوم به في مجال المحافظة على السلم والامن ىالدوليين في المادة الراابعة والعشرين من الميثاق والتي نصت على ذلك في فقرتيها الاولى والثانية على أن :
رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به الامم المتحدة سريعا فعالا ، يعهد أعضاء تلك الهيئة الى مجلس الامن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ البسلم والامن الدوليين على أن هذا المجلس يعمل نائبا عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات .
يعمل مجلس الامن ، في أداء هذه الواجبات وفقا لمقاصد الامم المتحدة ومبادئها والسلطات الخاصة المخولة لمجلس الامن لتمكينه من القيام بهذه الواجبات مبينة في الفصول 6-6-8-12-
ولا ريب ان هذه النظرة الى مجلس تالامن باعتباره الجهاز التنفيذي لهيئة الامم المتحدة ، والذي أنيط به أخطر الاختصاصات ، اختصاص المحافظة على السلم والامن الدوليين ، والتصدي للعدوان والعمل على قمعه ، ومنح في سبيل ذلك أخطر السلطات التي تتيح له أن يعمل عملا مباشرا باستخدام القوة المسلحة باسم المجتمع الدولي الذي يمثل الامم المتحدة بنيانه التنظيمي ، هذه النظرة هي التي فرضت تكوينم مجلس الامن من عدد محدود من الدول الاعضاء حيث بدأ باحدى عشر دولة ثم ارتفع العدد الى خمس عشر دولة ، وفي الحالين ركزت السلطات الحقيقية في أيدي ذلك العدد المحدود من الدول والذ لايتعدى أصابع اليد الواحدة ، والتي منحت عضوية دائمة بالمجلس والتي تمتعت أيضا بحق الاعتراض على أي قرار يصدر عن المجلس في مسألة موضوعية بحيث شكلت الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس منذ البداية ومن الناحية النظرية على الاقل حكومة واقعية للعالم .ومن هنا كان حرص الميثاق على أن يكفل لمجلس الامن أقصى قدر من الاحترام أمام ما يصدر عنه من قرارات ، حيث نصت المادة الخامسة والعشرين على أن ” يتعهد أعضاء الامم المتحدة بقبول قرارات مجلس الامن وتنفيذها وفق هذا الميثاق “. كما كفلت المادة الثامنة والعشرون قدرا كبيرا من حرية الحركة للمجلس تتناسب وتتلاءم مع جسامة المهام الملقاة على عاتقه بنصها على :ينظم مجلس الامن على وجه يستطيع معه العمل باستمرار ، ولهذا الغرض يمثل كل عضو من أعضائه تمثيلا دائما في مقر الهيئة . كما عهدت المادة السادسة والعشرين الى مجلس الامن بمهام بالغة الاهمية والخطورة في مجال تنظيم التسليح حيث نصت على أنه ” رغبة في اقامة السلم والامن الدوليين وتوطيدهما بأقل تحويل لموارد العالم الانسانية والاقتصادية الى ناحية التسلح ، يكون مجلس الامن مسئولا عن بمساعدة لجنة أركان الحرب المشار اليها في المادة 47 عن وضع خطط تعرض على أعضاء الامم المتحدة لوضع منهاج لتنظيم التسليح .
لاشك أن سنوات الحرب الباردة التي هيمنت على المساحة الزمنية الغالبة من عمر الامم المتحدة حتى الآن قد انعكست سلبا على فاعلية دور مجلس الامن في مواجهة كثير من المشاكل الدولية الساخنة، وحسبنا أن نشير الى عجز مجلس الامن الدولي عن اصدار قرارات لايواجه بها بعض المشاكل الحادة التي واجهت الامم المتحدة والتي كانت وراء مبادرة الجمعية العامة للامم المتحدة في عام 1950الى اصدار ما يعرف بقرار الاتحاد من اجل السلم وهو القرار الذي نقل سلطات مجلس الامن الدولي الى الجمعية العامة في تلك الاحوال التي يعجز فيها مجلس الامن عن اتخاذ قرار بصدد مسألة من المسائل التي تهدد السلم والامن الدوليين.
وهذا القرار والدور الذي قامت به الجمعية العامة وان كان قد نجح في احتواء بعض المشاكل والازمات الحادة مثل أزمة العدوان الثلاثي ضد مصر في عام 1956حين اعتدت ثلاث دول على مصر، فرنسا بسبب دعم مصر للثورة الجزائرية، وبريطانيا بسبب تأميم قناة السويس واسرائيل بسبب دعم مصر للفدائيين الفلسطينيين، فانها لم تفلح في أزمات أخرى كثيرة ولعل حرب يونيو 1967 واستمرار بعض آثارها الى يومنا هذا حيث ترفض اسرائيل تطبق قرار مجلس الامن الدولي 242 والذي يقضي بانسحاب اسرائيل الى حدود الرابع من جوان 1967 ان ذلك يكشف الأسلوب الذي آثر مجلس الامن أن يعالج بعض المواقف معالجة تحتسب لتحقيق الحد الادنى من الاتفاق بين الاعضاء الدائمين، حتى ولو كان ذلك على حساب الدور الذي ينبغي له أن يضطلع به.
ولئن كان من المتفق عليه بواجه عام أن مجلس الامن قد أصابه العجز والشلل ابان الحرب الباردة ، بحيث بدد الآمال التي عقدت عليه على مدى العقود الاربعة المنصرمة على الاقل ، فان بداية عقد التسعينات ، وقد شهدت انقضاء الحرب الباردة ، عرفت نوعا من الاتجاه الجديد الذي يحاول به مجلس الامن أن يظهر بوصفه الجهاز التنفيذي القوي للأمم المتحدة ، وقد تجلى هذا الاتجاه الجديد في القرارات التي أصدرها بصدد أزمة الخليج في عام 1990-1991 والتي نجمت عن الغزو العراقي للكويت ، والتي أثار البعض منها وخاصة القرار 687الكثير من الجدل والتساؤل حول مدى التزام المجلس بحدود سلطاته المقررة طبقا للميثاق . ثم مالبث المجلس أن قفز خطوات في ذات السبيل عندما فوجئ العالم بالقرارين 731 و 748بشأن الازمة الليبية / الغربية ، حيث خلط المجلس الاوراق السياسية بالاوراق القانونية ، وتصدى بمعالجة سياسية خالصة لمسائل قانونية بحتة ، وهو الأمر الذي خرج به مجلس الامن على السوابق التي أرساها بصدد حالات أخرى كثيرة .
واذا كانت هذه القرارات قد تعرضت للانتقاد الجاد في مناسبات عديدة وفي أنحاء متفرقة ، فقد كان من المفهوم بصفة عامة أن هذه القرارات ما كان لها أن تصدر لولا ان الحرب الباردة قد طويت صفحتها ، وأن شبح الفيتو في مجلس الامن الدولي قد توارى وراء أوضاع وحسابا جديدة جعلت الاتحاد السوفييتي السابق ( (او وريثته روسيا الاتحادية ) يقف في صف واحد مع الدول الغربية ، وجعلت الصين تتريث كثيرا قبل التفكير في الاقدام على استخدامه ، وهي تتعامل مع معطيات جديدة رتبتها الاوضاع المفاجئة في أوربا الشرقية والتي توجت باختفاء الاتحاد السوفييتي من الخريطةو السياسية لعالم اليوم .
واذا كان الاحساس البعام في أوساط دول العالم الثالث بصفة خاصة قدتراوح بين أمل في دعم دور الامم المتحدة ومجلس الامنبوجه خاص ، وبين مخاوف متزايدةمن أن ينقلب مجلس الامن الى اداة في أيدي الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الامريكية ، فان مواقف وتعقيبات دول العالم الثالث ورجال القانون فيها على أول قمة عقدها مجلس الامن في نهاية شهر يناير جانفي 1992 على مستوى رؤساء الدول الاعضاء بالمجلس مناسبة قد تبددت فيها تلك الآمال .
ذلك لأنه كان أول ما يلاحظ على هذه القمة والبيان الختامي الصادر عنها أنها اعلان رسمي بان صفحة الحرب الباردة قد طويت ولو الى حين ، فاجتماع رؤساء دول وحكومات الاعضاء الخمسة الدائمين وهم قاب قوسين او أدنىمن يكونوا على قلب رجل واحد …. أمر أدهش العالم الذي اعتاد على مدى العقود المنصرمة ، أن يشهد مجلس الامن ساحة تتبدى فيها أعنف الخلافات بين هذه الدول ، أو بين الكتلتين المتصارعتين فيها – الشرقية والغربية – ثم تتبارز فيه بحق الاعتراض الفيتو – كي تجهض أي محاولة لمجلس الامن للقيام بمهامه المقررة بموجب أحكام الميثاق والفصل السابع منه بوجه خاص ، والمتعلق بوقوع عدوان أو اخلال خطير بالسلم والامن الدوليين .
فإن قدرة مجلس الامن على اصدار قرارات ماكان يستطيع أن يصدرها ابان الحرب الباردة ، مثلما حدث في حرب الخليج ، وخاصة بانلسبة للشروط الثقيلة التي فرضت على العراق كشروط لوقف اطلاق النار أو بالنسبة لقراريه بشأن الازمة الليبية – الغربية ، قد جعلت الانظار تنظر لقمة مجلس الامن الدولي ولما تشير اليه من توجهات بغير قليل من القلق والانزعاج ، لما يمكن أن يسفر عنه هذا التوجه بالنسبة للعديد من دول العالم الثالث التي تحاول أن تقود مسيرتها وسط أنواء وعواصف عالم يموج بالتغيير بعد التحولات الكبرى التي شهدها في الأعوام ، بل في هذه الشهور الماضية .
ومن هنا فان الوقوف طويلا عند البيان الذي أصدرته قمة مجلس الامن الدولي بالتحليل والدراسة يمكن أن يكون على جانب غير قليل من الأهمية .
ولا شك أن من ابرزها ماورد في البيان ، الاعلان عن أن اجتماع مجلس الامن للمرة الاولى على مستوى القمة قد جاء ادراكا من الدول الاعضاء لحقيقة الظروف الدولية المواتية التي يمكن أن يبدأ فيها مجلس الامن مارسة أكثر فاعلية لمهمته الاساسية . وهي حفظ السلم والامن الدوليين . وطلب مجلس الامن على مستوى القمة من الكتور ؤبطرس غالي الامين العام لهيئة الامم المتحدة ان يقدم تقريرا يتضمن توصياته ومقترحاته بشأن دعم وتقوية دور الامم المتحدة في مجال ‘ الدبلوماسية الوقائية ‘ التي تعني صنع السلام في العالم ، وطالب البيان الامين العام للامم المتحدة أن يضمن تقريره أسباب عدم الاستقرار والاسباب المحتملة والتكاليف المادية والفنية اللازمة لقيام المنظمة بهذا الدور الاصيل من أدوارها ، وأكد البيان تأييد الدول الاعضاء في مجلس الامن لعملية السلام في الشرق الاوسط التي تقودها الولايات المتحدة تالامريكية وروسيا الاتحادية ، وتأمل في الوصول بها الى نهاية ناجحة على أساس قراري مجلس الامن 242 و 388 وأعرب بيان القمة عن استعداد الدول الاعضاء العمل على تشجيع السلم والاستقرار خلال فترة التغيرات الهائلة التي يشهدها العالم في الوقت الراهن ، وما تنطوي عليه من أخطار تهدد السلم والامن الدوليين .
ودعا المجتمع الدولي الى العمل الدؤوب في المجالات الاقتصادية والانسانية والبيئة ، لأن المشاكل الضخمة التي يواجهها العالم في هذه المجالات تشكل تهديدا حقيقيا للسلم والامن الدوليين .
ومن ناحية أخرى أعرب البيان عن القلق البالغ ازاء أعمال الارهاب وبضرورة مواجهتها مواجهة فعالة . وأكد البيان ضرورة تسوية وحل جميع المنازعات بين الدول وفقا لميثاق الامم المتحدة ومبادئ القانون الدولي .
ولئن كان ما سلف جميعه مضافا اليه اعلان القمة عن الالتزام بالامن الجماعي في عبارات حاسمة والعزم على وضع السلام وصيانته يعبر عن مبادئ لاخلاف عليها ، فان الكثير من المخاوف قد أثارها ما ورد في البيان حول نزع السلاح وتحديد الاسلحة وأسلحة الدمار الشامل والتي جاء بها : ” قي حين يدرك أعضاء مجلس الامن ادراكا تاما مسئوليات أجهزة الامم المتحدة الاخرى في ميادين نزع السلاح وتحديد الاسلحة وعدم انتشارها فهم يؤكدون من جديد المساهمة الحاسمة التي يستطيع التقدم في هذه المجالات أن يسهم بها في صون السلم والامن الدوليين ويعربون عن التزامهم باتخاذ خطوات محددة لتعزيزظ فعالية الامم المتحدة في هذه المجالات .
ويؤكد أعضاء مجلس الامن ضرورة ان تقوم جميع الدول الاعضاء بالوفاء بالتزاماتهاالمتعلقة بالحد من الاسلحة ونزع السلاح وان تمنع انتشار كافة أسلحة التدمير الشامل بجميع جوانبه ، وأن تتجنب تكديس ونقل الاسلحة على نحومفرط ومخل بالاستقرار وان تسوي بالوسائل السلمية أي نزاع في هذه المسائل يهدد أو يعطل المحافظة على الاستقرار الاقليمي والعالمي .
ويؤكدون أهمية قيام الدول المعنية في وقت مبكر بالتصديق على جميع الترتيبات الدولية والاقليمية للحد من الاسلحة ةتنفيذها لاسيما المحادثات المتعلقة بتخفيض الاسلحة الاستراتيجية ومعاهدات الاسلحة التقليدية في اوربا .
ويشكل انتشار كافة أسلحةالتدمير الشامل تهديدا للسلم والامن الدوليين ويلتزم أعضاء المجلس بالعمل على منع انتشار التكنلوجيا المتعلقة ببحوث هذه الاسلحة وانتاجها وباتخاذ الاجراءات اللازمة المناسبة لبلوغ هذه الغاية .
وفيما يتعلق بالانتشار النووي ينوهون بأهمية القرار الذي اتخذته بلدان كثيرة بالانضمام الى معاهدة عدم الانتشار ويؤكدون الدور الاساسي لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الفعالة تماما في تنفيذ هذه المعاهدة ، وكذلك أهمية التدابير الفعالة للرقابة على الصادرات وسيتخذ أعضاء المجلس التدابير المناسبة في حالة أي انتهاكات تخطرهم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، وفيما يتعلق بالاسلحة الكيمياوية يؤيد أعضاء المجلس جهود مؤتمر جنيف للتوصل الى اتفاق بشأن عقد اتفاقية شاملة بنهاية عام 1992 بما في ذلك نظام التحقق من أجل حظر الاسلحة الكيماوية ، وفيما يتعلق بالاسلحة التقليدية يحيطون علما بتصويت الجمعية العامة المؤيد لوضع سجل في الامم المتحدة لعميات نقل الاسلحة وذلك كخطوة أولى ويدركون في هذا الصدد أهمية قيانم جميع الدول بتزويد الامم المتحدة بجميع المعلومات المطلوبة في قرار الجمعية العامة .
وعلى الرغم من الصياغة البراقة لهذه الفقرات فانها تكشف عن اتجاه نحو تقليم أظافر الدول الصغيرة أو متوسطة القوة نظرا للقيود التي ستفرض على امكانيات انتاجها للأسلحة أو الحصول عليه وهو امر يمكن أن يؤدي الى نتائج بالغة الخطورة فيما لو نفذ مجلس المن بتشكيله الحالي ، وفي ضوء الاوضاع الدولية الحالية ، هذه السياسة الجديدة التي يمكن ان تكون لها معقبات بالغة الخطورة .
واذا كان الاجماع يكاد ينعقد بين الباحثين والمحللين على ان هيئة الامم المتحدة تمر في الوقت الحالي بمنعطف مهم سيؤدي الى زيادة دورها في اطار ما يطلق عليه النظام العالمي الجديد الذي تتشكل ملامحه في الوقت الراهن – ويتنبأ هؤلاء بان تطورات مهمة لابد لها أن تطرأ في المستقبل القريب على بنيان هيئة الامم المتحدة ، وعلى فاعلية دورها في الحياة الدولية – فان مجلس الامن هو في القلب من هذه التطورات . وقد جاءت مقترحات الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل جورباتشوف في خطابه الذي ألقاه مؤخرا في جامعة وسمنستر بمدينة فالتون بولاية ميسوري في الولايات المتحدة الامريكية ، آخر وأحدث الملاحظات والتعقيبات في هذا الصدد . وتكمن أهمية مقترحات الرئيس السابق جورباتشوف وملاحظاته في أنه القى بها في نفس الموقع الذي القى به رئيس الوزراء البريطاني تشرشل عام 1946 وأعلن فيه أن ستارا حديديا قد نزل الى أوربا ، وأن العالم قد انقسم الى عالمين أحدهما رأسماتلي والآخر شيوعي ، وهذا الستار الحديدي وما ترتب عنه من حرب باردة استمرت ما يربو على أربعة عقود كاملة ، كان له أسوأ الأثر على دور هيئة الامم المتحدة وفاعلية دورها وهيبة جهازها التنفيذي الرئيسي مجلس الامن الدولي .
وجاء غورباتشوف ليعلن من نفس المكان والى جواره تمثال ونستون تشرشل صاحب الستار الحديدي – أن العالم قد أصبح عالما واحدا لاغالب فيه ولا مغلوب
وأنه يحلم أن الشيوعية قد تحققت لكن بطريقة أخرى ، وأن الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة قد اضاعا فرصا نادرة عندما دخلا في حرب باردة بينهما ، وكان من الممكن أن تتعاون الدولتان ، ووصف جورباتشوف المرحلة الراهنة التي يمر بها العالم نقطة انطلاق وتغيير في كل أنماط العلاقات الدولية ، ومرحلة ارتقاء في العلم والمعرفة والحضارة والتطور الاجتماعي ، ونادى بضرورة قيام عالم جديد تتكامل فيه الحضارات والثقافات والاقتصاد والامن والتطور .
غير ان غورباتشوف تجاهل حقيقة أساسية ان العالم ينقسم الى عالم الاغنياء والفقراء عالم الشمال والجنوب، عالم تمتلك فيه الدول الغنية الاسلحة والتكنلوجيا والعلم والاموال، وعالم فقير يمتلك الايدي العاملة والاسواق والثروات المنهوبة والحروب الاهلية بفعل التخلات الخارجية والدفع للتسليح.
إن هذه المقترحات المهمة تعبر عن حقيقة مهمة وهي أن العالم المعاصر سيما في القرن الحالي قد عرف انشاء منظمة دولية عالمية في أعقاب حرب كونية ، وان العصبة قامت بعد الحرب العالمية الاولى ، فثمة تساؤل يطرح ، هل أن الوقت حان لاقامة تنظيم جديد يأخذ بعين الاعتبار مكانة دول العالم الثالث وما طرأ على العالم ؟
الامر الذي يحتم اعادة النظر في هياكل الامم المتحدة وخاصة مجلس الامن الدولي وتوسيعه واضافة دول عملاقة مثل اليابان وامانيا والهند واندونوسيا
أم ثمة حاجة الىقيام منظمة جديدة ؟
ويختم البيان ان العالم يمتلك فرصة افضل لتحقيق السلم والامن الدوليين منذ تاسيس الامم المتحدة في الجهود التي تبذلها لبلوغ ذلك الهدف وذلك لمعالجة كافة المشاكل الآخذه في التكاثر والمتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية بصورة عاحلة ، وهم يدركون السلم والرخاء لاينفصمان ، وأن السلم والاستقرار الدائمين يتطلبان تعاونا دوليا فعالا من أجل القضاء على الفقر والعمل على توفير حياة أفضل للجميع في ظل حرية أكبر .
كما أعلنت القمة التزام الدول بنظام الامن الجماعي كما ورد بميثاق الامم المتحدة حيث أكد أعضاء المجلس من جديد التزامهم بنظام الامن الجماعي المنصوص عليه في الميثاق لمعالجة الاخطار التي تهدد السلم وتمنع العدوان .
واذا كان غورباتشوف قد لمس موضوعات تثير انشغالات المفكرين والمحللين المشتغلين في مجال الامم المتحدة ، الا وهو ضرورة احداث تغييرات واجراء تعديلات في البنيان التنظيمي لهيئة الامم المتحدة كي تستطيع الاضطلاع بالمهام الموكولة اليها في هذه المرحلة المهمة ،ة ودعوته بصفة خاصة الى توسيع دائرة العضوية في مجلس الامن بوصفه أهم أجهزة المنظمة الدولية والى انشاء هيئة جديدة تابعة له تعمل على تسوية المنازعات الدولية المتفجرة ، تعبر عن تصوره لدور أكثر فعالية للامم المتحدة في المستقبل .
ان دول العالم الثالث وان كانت ترحب باحداث تعديلات على ميثاق الامم المتحدة تكفل لها مزيدا من الفعالية فانها ترقب المستقبل بمزيد من الحذر ، آملة في النهاية أن يكون عمل الامم المتحدة لصالح جميع الدول بما فيها شعوب العالم الثالث ، وليس لصالح مجموعة دون أخرى وبالا تنقلب الى حكومة عالمية تفرض ارادة الاقوياء على الضعفاء .
ومن هنا فان الجهود الحالية الرامية الى تحديد ملامح دور الامم لمتحدة ينبغي لها بالضروةرة ان تفسح مجالا واسعا لحوار تشارك فيه جميع التيارات والثقافات والحضارات والتكتلات الاقليمية بهدف الوصول الى تصور مشترك للشكل الامثل الذي ينبغي ان تكون عليه الامم المتحدة في المستقبل شكلا ومضمونا كي تغدو بحق أداة مشتركة تلتقي فيها ارادات شعوب العالم ودوله من أجل العمل على تحقيق عالم أفضل يسوده السيلام وتتحقق فيه المساواة بين الدول والشعوب ويتحرر فيه الافراد من الفاقة والجوع والخوف .

واذا كانت هذه النظرة الى الامم المتحدة بصفة عامة فان النظرة الى مجلس الامن الدولي بصفة خاصة وبخصوصية بالغة ، ذلك لأن المأمول أن يحدث من التعديل على تشكيل مجلس الامن ما يفسح مجالا اوسع للمشاركة بحيث يضم في عضويته عددا من الدول يتناسب طرديا مع عدد الاعضاء في الامم المتحدة ، فليس من المعقول أن يكون عدد الاعضاء في المجلس احدى عشر عضوا عندما كان عدد أعضاء الجمعية العامة احدى وخمسين دولة ، وثبت رقم العضوية خمسة عشر عضوا منذ عام 1968، في الوقت الذي ثبت فيهىعدد أعضاء الامم المتحدة ما يقرب من مائتي دولة ، وأن يحث تطورا على نوع الاعتراض بالغاء الحق او بتقريره الى عدد من الدول وان يحصر في مسائل محددة لعله ينجح في ترشيد مجلس الامن في ممارساته واختصاصاته المقررة بموجب الميثاق . ان بقاء المجلس بصيغته الحالية واستمرار سياسته الراهنة التي تمثل نوعا من الحكومة العالمية الواقعية المحدودة النطاق ، فانها ستثمر على مرالايام مزيدال من المرارة لدى دول وشعوب غالبية أعضاء الامم المتحدة ، وستؤدي بمجلس الامن الى أن يكون أداة باطشة شديدة البأس في يد هذا العدد المحدود من الدول الاعضاء الدائمة العضوية فيها وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية ، وقد تؤدي التداعيات الى صيرورة مجلس الامن يدا حديدية وجسدا هشا هزيلا يبطش بها أينما أراد ، ولكن هذا الجسد العليل سينهار مع أول ضربة توجه اليه حتى ولو كانت خبطة عشوائية من اليد الحديدية التي ركبت فيه بغير اتقان او تنسيق . من صفحة 219-0232 صلاح الدين عامر

تقييم النظام الدولي الجديد
لا شك أن التنظيم الدولي بالمعنى الضيق ، يقوم على أساس وجود وحدات قانونية متميزة عن الدول ، وهناك عنصران ضروريان لقيام المنظمة الدولية ، وهما عنصر التنظيم والعنصر الدولي ، والهدف من التنظيم رعاية المصالح المشتركة .
وللمنظمة ارادة مستقلة عن ارادة أعضائها ، ولكن يلاحظ التناقض بين التحليل القانوني لما يجب أن تكون عليه المنظمة الدولية وما وصل اليه العمل بخصوص التطبيق العملي

صلاح الدين عامر ، النظام الدولي في وضع مضطرب ، السياسة الدولية العدد السنة 2022
بطرس بطرس غالي ، تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الى الجمعية العامة للأمم المتحدة حول وعية المجتمع الدولي سنة 1995

ميثاق الأمم المتحدة
صدر بمدينة سان فرانسيسكو في يوم 26 حزيران/يونيه 1945
أولا: مذكرة تمهيدية
وقع ميثاق الأمم المتحدة في 26 حزيران/يونيه 1945 في سان فرانسيسكو في ختام مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بنظام الهيئة الدولية وأصبح نافذا في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1945. ويعتبر النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية جزءا متمما للميثاق.
وقد اعتمدت الجمعية العامة في 17 كانون الأول/ديسمبر 1963 التعديلات التي أدخلت على المواد 23 و 27 و 61 من الميثاق، والتي أصبحت نافذة في 31 آب/أغسطس 1965. كما اعتمدت الجمعية العامة في 20 كانون الأول/ديسمبر 1965 التعديلات التي أدخلت على المادة 109 وأصبحت نافذة في 12 حزيران/يونيه 1968.
ويقضي تعديل المادة 23 بزيادة عدد أعضاء مجلس الأمن من أحد عشر عضوا إلى خمسة عشر عضوا. وتنص المادة 27 المعدلة على أن تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة أصوات تسعة من أعضائه (سبعة في السابق)، وفي كافة المسائل الأخرى بموافقة أصوات تسعة من أعضائه (سبعة في السابق) يكون من بينها أصوات أعضاء مجلس الأمن الدائمين الخمسة.
ويقضي تعديل المادة 61، الذي أصبح نافذا في 31 آب/أغسطس 1965، بزيادة عدد أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي من ثمانية عشر عضوا إلى سبعة وعشرين عضوا. ويقضي التعديل اللاحق للمادة نفسها، الذي أصبح نافذا في 24 أيلول/سبتمبر 1973، بزيادة عدد أعضاء المجلس من سبعة وعشرين إلى أربعة وخمسين عضوا.
ويقضي تعديل المادة 109 المتعلق بالفقرة الأولى من تلك المادة بجواز عقد مؤتمر عام لأعضاء الأمم المتحدة لإعادة النظر في الميثاق في الزمان والمكان اللذين تحددهما الجمعية العامة بأغلبية ثلثي أعضائها وبموافقة أي تسعة من أعضاء مجلس الأمن (سبعة في السابق). أما الفقرة الثالثة من المادة 109 التي تتناول مسألة النظر في إمكانية الدعوة إلى عقد هذا المؤتمر خلال الدورة العادية العاشرة للجمعية العامة، فقد بقيت في صيغتها الأصلية وذلك بالنسبة لإشارتها إلى “موافقة سبعة من أعضاء مجلس الأمن” إذ سبق للجمعية العامة ومجلس الأمن أن اتخذا إجراء بشأن هذه الفقرة في الدورة العادية العاشرة عام 1955.
الديباجة
نحن شعوب الأمم المتحدة
وقد آلينا على أنفسنا
أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف،
وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية،
وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي،
وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدما، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح.
وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا:
أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معا في سلام وحسن جوار،
وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي،
وأن نكفل بقبولنا مبادئ معينة ورسم الخطط اللازمة لها ألا تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة،
وأن نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها،
قد قررنا أن نوحد جهودنا لتحقيق هذه الأغراض،
ولهذا فإن حكوماتنا المختلفة على يد مندوبيها المجتمعين في مدينة سان فرانسيسكو الذين قدموا وثائق التفويض المستوفية للشرائط، قد ارتضت ميثاق الأمم المتحدة هذا، وأنشأت بمقتضاه هيئة دولية تسمى “الأمم المتحدة”.
الفصل الأول: في مقاصد الهيئة ومبادئها
المادة 1
مقاصـد الأمـم المتحدة هي:
1. حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقا لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرع بالوسائل السلمية، وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها.
2. إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام.
3. تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا والتشجيع على ذلك إطلاقا بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.
4. جعل هذه الهيئة مرجعا لتنسيق أعمال الأمم وتوجيهها نحو إدراك هذه الغايات المشتركة.
المادة 2
تعمل الهيئة وأعضاؤها في سعيها وراء المقاصد المذكورة في المادة الأولى وفقا للمبادئ الآتية:
1. تقوم الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها.‏
2. لكي يكفل أعضاء الهيئة لأنفسهم جميعا الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون في حسن نية ‏بالالتزامات التي أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق.
3. يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر.
4. يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد “الأمم المتحدة”.
5. يقدم جميع الأعضاء كل ما في وسعهم من عون إلى “الأمم المتحدة” في أي عمل تتخذه وفق هذا الميثاق، كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملا من أعمال المنع أو القمع.
6. تعمل الهيئة على أن تسير الدول غير الأعضاء فيها على هذه المبادئ بقدر ما تقتضيه ضرورة حفظ السلم ‏والأمن الدولي.‏
7. ليس في هذا الميثاق ما يسوغ “للأمم المتحدة” أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن ‏هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع.‏
الفصل الثاني: فـي العضوية
المادة 3
الأعضاء الأصليون للأمم المتحدة هـم الدول التي اشتركت في مؤتمر الأمم المتحدة لوضع نظام الهيئة الدولية المنعقد في سان فرانسيسكو، والتي توقع هذا الميثاق وتصدق عليه طبقا للمادة 110، وكذلك الدول التي وقعت من قبل تصريح الأمم المتحدة الصادر في أول كانون الثاني/يناير سنة 1942، وتوقع هذا الميثاق وتصدق عليه.
المادة 4
1. ‏العضوية في “الأمم المتحدة” مباحة لجميع الدول الأخرى المحبة للسلام، والتي تأخذ نفسها بالالتزامات التي يتضمنها هذا الميثاق، والتي ترى الهيئة أنها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات وراغبة فيه .
2. قبول أية دولة من هذه الدول في عضوية “الأمم المتحدة” يتم بقرار من الجمعية العامة بناء على توصية مجلس الأمن .
المادة 5
يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قبله عملا من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناء على توصية ‏مجلس الأمن، ولمجلس الأمن أن يرد لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا.
المادة 6
إذا أمعن عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” في انتهاك مبادئ الميثاق جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناء على توصية مجلس الأمن
الفصل الثالث: في فروع الهيئة
المادة 7
1. تنشأ الهيئات الآتية فروعا رئيسية للأمم المتحدة:
– جمعيـة عـامة،
– مجلـس أمـن،
– مجلـس اقتصـادي واجتمـاعي،
– مجلـس وصـاية،
– محكمـة عـدل دوليـة،
– أمـانة.
2. ‏يجوز أن ينشأ وفقا لأحكام هذا الميثاق ما يرى ضرورة إنشائه من فروع ثانوية أخرى .
المادة 8
لا تفرض “الأمم المتحدة” قيودا تحد بها جواز اختيار الرجال والنساء للاشتراك بأية صفة وعلى وجه المساواة في فروعها الرئيسية والثانوية.
الفصل الرابع: في الجمعيـة العـامة
تأليفهـا
المادة 9
1. تتألف الجمعية العامة من جميع أعضاء “الأمم المتحدة”.
2. لا يجوز أن يكون للعضو الواحد أكثر من خمسة مندوبين في الجمعية العامة.
في وظائف الجمعية وسلطاتها
المادة 10
للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة أو أمر يدخل في نطاق هذا الميثاق أو يتصل بسلطات فرع من الفروع المنصوص عليها فيه أو وظائفه. كما أن لها في ما عدا ما نص عليه في المادة 12 أن توصي أعضاء الهيئة أو مجلس الأمن أو كليهما بما تراه في تلك المسائل والأمور.
المادة 11
1. للجمعية العامة أن تنظر في المبادئ العامة للتعاون في حفظ السلم والأمن الدولي ويدخل في ذلك المبادئ المتعلقة بنزع السلاح وتنظيم التسليح، كما أن لها أن تقدم توصياتها بصدد هذه المبادئ إلى الأعضاء أو إلى مجلس الأمن أو إلى كليهما.
2. للجمعية العامة أن تناقش أية مسألة يكون لها صلة بحفظ السلم والأمن الدولي يرفعها إليها أي عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” ومجلس الأمن أو دولة ليست من أعضائها وفقا لأحكام الفقرة الثانية من المادة 35، ولها -فيما عدا ما تنص عليه المادة الثانية عشرة- أن تقدم توصياتها بصدد هذه المسائل للدولة أو الدول صاحبة الشأن أو لمجلس الأمن أو لكليهما معا. وكل مسألة مما تقدم ذكره يكون من الضروري فيها القيام بعمل ما، ينبغي أن تحيلها الجمعية العامة على مجلس الأمن قبل بحثها أو بعده.
3. للجمعية العامة أن تسترعي نظر مجلس الأمن إلى الأحوال التي يحتمل أن تعرض السلم والأمن الدولي للخطر.
4. لا تحد سلطات الجمعية العامة المبينة في هذه المادة من عموم مدى المادة العاشرة.
المادة 12
1. عندما يباشر مجلس الأمن، بصدد نزاع أو موقف ما، الوظائف التي رسمت في الميثاق، فليس للجمعية العامة أن تقدم أية توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلا إذا طلب ذلك منها مجلس الأمن.
2. يخطر الأمين العام -بموافقة مجلس الأمن- الجمعية العامة في كل دور من أدوار انعقادها بكل المسائل المتصلة بحفظ السلم والأمن الدولي التي تكون محل نظر مجلس الأمن، كذلك يخطرها أو يخطر أعضاء “الأمم المتحدة” إذا لم تكن الجمعية العامة في دور انعقادها، بفراغ مجلس الأمن من نظر تلك المسائل وذلك بمجرد انتهائه منها.
المادة 13
1. تعد الجمعية العامة دراسات وتشير بتوصيات بقصد: ‏
أ – إنماء التعاون الدولي في الميدان السياسي وتشجيع التقدم المطرد للقانون الدولي وتدوينه،
ب – إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.
2. تبعات الجمعية العامة ووظائفها وسلطاتها الأخرى فيما يختص بالمسائل الواردة في الفقرة السابقة (ب) مبينة في الفصلين التاسع والعاشر من هذا الميثاق.
المادة 14
مع مراعاة أحكام المادة الثانية عشرة، للجمعية العامة أن توصي باتخاذ التدابير لتسوية أي موقف، مهما يكن منشؤه، تسوية سلمية متى رأت أن هذا الموقف قد يضر بالرفاهية العامة أو يعكر صفو العلاقات الودية بين الأمم، ويدخل في ذلك المواقف الناشئة عن انتهاك أحكام هذا الميثاق الموضحة لمقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.
المادة 15
1. تتلقى الجمعية العامة تقارير سنوية وأخرى خاصة من مجلس الأمن وتنظر فيها، وتتضمن هذه التقارير بيانا عن التدابير التي يكون مجلس الأمن قد قررها أو اتخذها لحفظ السلم والأمن الدولي.
2. تتلقى الجمعية العامة تقارير من الفروع الأخرى للأمم المتحدة وتنظر فيها.
المادة 16
تباشر الجمعية العامة الوظائف التي رسمت لها بمقتضى الفصلين الثاني عشر والثالث عشر في ما يتعلق بنظام الوصاية الدولية، ويدخل في ذلك المصادقة على اتفاقات الوصاية بشأن المواقع التي تعتبر أنها مواقع استراتيجية.
المادة 17
1. تنظر الجمعية العامة في ميزانية الهيئة وتصدق عليها.
2. يتحمل الأعضاء نفقات الهيئة حسب الأنصبة التي تقررها الجمعية العامة.
3. تنظر الجمعية العامة في أية ترتيبات مالية أو متعلقة بالميزانية مع الوكالات المتخصصة المشار إليها في المادة 57. وتصدق عليها وتدرس الميزانيات الإدارية لتلك الوكالات لكي تقدم لها توصياتها.
التصـويت
المادة 18
1. يكون لكل عضو في “الأمم المتحدة” صوت واحد في الجمعية العامة.
2. تصدر الجمعية العامة قراراتها في المسائل العامة بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت. وتشمل هذه المسائل: التوصيات الخاصة بحفظ السلم والأمن الدولي، وانتخاب أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين، وانتخاب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وانتخاب أعضاء مجلس الوصاية وفقا لحكم الفقرة الأولى (ج) من المادة 86، وقبول أعضاء جدد في “الأمم المتحدة” ووقف الأعضاء عن مباشرة حقوق العضوية والتمتع بمزاياها، وفصل الأعضاء، والمسائل المتعلقة بسير نظام الوصاية، والمسائل الخاصة بالميزانية.
3. القرارات في المسائل الأخرى -ويدخل في ذلك تحديد طوائف المسائل الإضافية التي تتطلب في إقرارها أغلبية الثلثين- تصدر بأغلبية الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت.
المادة 19
لا يكون لعضو الأمم المتحدة الذي يتأخر عن تسديد اشتراكاته المالية في الهيئة حق التصويت في الجمعية العامة إذا كان المتأخر عليه مساويا لقيمة الاشتراكات المستحقة عليه في السنتين الكاملتين السابقتين أو زائدا عنها، وللجمعية العامة مع ذلك أن تسمح لهذا العضو بالتصويت إذا اقتنعت بأن عدم الدفع ناشئ عن أسباب لا قبل للعضو بها.
الإجـراءات
المادة 20
تجتمع الجمعية العامة في أدوار انعقاد عادية وفي أدوار انعقاد سنوية خاصة بحسب ما تدعو إليه الحاجة. ويقوم بالدعوة إلى أدوار الانعقاد الخاصة الأمين العام بناء على طلب مجلس الأمن أو أغلبية أعضاء “الأمم المتحدة”.
المادة 21
تضع الجمعية العامة لائحة إجراءاتها، وتنتخب رئيسها لكل دور انعقاد.
المادة 22
للجمعية العامة أن تنشئ من الفروع الثانوية ما تراه ضروريا للقيام بوظائفها.
الفصل الخامس: في مجلـس الأمـن
تأليفـه
المادة 23
1. يتألف مجلس الأمن من خمسة عشر عضوا من الأمم المتحدة، وتكون جمهورية الصين، وفرنسا، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأمريكية أعضاء دائمين فيه. وتنتخب الجمعية العامة عشرة أعضاء آخرين من الأمم المتحدة ليكونوا أعضاء غير دائمين في المجلس. ويراعى في ذلك بوجه خاص وقبل كل شيء مساهمة أعضاء الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدولي وفي مقاصد الهيئة الأخرى، كما يراعى أيضا التوزيع الجغرافي العادل.
2. ينتخب أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين لمدة سنتين، على أنه في أول انتخاب للأعضاء غير الدائمين بعد زيادة عدد أعضاء مجلس الأمن من أحد عشر عضوا إلى خمسة عشر عضوا، يختار اثنان من الأعضاء الأربعة الإضافيين لمدة سنة واحدة والعضو الذي انتهت مدته لا يجوز إعادة انتخابه على الفور.
3. يكون لكل عضو في مجلس الأمن مندوب واحد.
الوظائف والسلطـات
المادة 24
1. رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به “الأمم المتحدة” سريعا فعالا، يعهد أعضاء تلك الهيئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائبا عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات.
2. يعمل مجلس الأمن، في أداء هذه الواجبات وفقا لمقاصد “الأمم المتحدة” ومبادئها والسلطات الخاصة المخولة لمجلس الأمن لتمكينه من القيام بهذه الواجبات مبينة في الفصول السادس والسابع والثامن والثاني عشر.
3. يرفع مجلس الأمن تقارير سنوية، وأخرى خاصة، إذا اقتضت الحال إلى الجمعية العامة لتنظر فيها.
المادة 25
يتعهد أعضاء “الأمم المتحدة” بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق.
المادة 26
رغبة في إقامة السلم والأمن الدولي وتوطيدهما بأقل تحويل لموارد العالم الإنسانية والاقتصادية إلى ناحية التسليح، يكون مجلس الأمن مسؤولا بمساعدة لجنة أركان الحرب المشار إليها في المادة 47 عن وضع خطط تعرض على أعضاء “الأمم المتحدة” لوضع منهاج لتنظيم التسليح.
في التصويت
المادة 27
1. يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد.
2. تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه.
3. تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقا لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفا في النزاع عن التصويت.
في الإجـراءات
المادة 28
1. ينظم مجلس الأمن على وجه يستطيع معه العمل باستمرار، ولهذا الغرض يمثل كل عضو من أعضائه تمثيلا دائما في مقر الهيئة.
2. يعقد مجلس الأمن اجتماعات دورية يمثل فيها كل عضو من أعضائه -إذا شاء ذلك- بأحد رجال حكومته أو بمندوب آخر يسميه لهذا الغرض خاصة.
3. لمجلس الأمن أن يعقد اجتماعات في غير مقر الهيئة إذا رأى أن ذلك أدنى إلى تسهيل أعماله.
المادة 29
لمجلس الأمن أن ينشئ من الفروع الثانوية ما يرى له ضرورة لأداء وظائفه.
المادة 30
يضع مجلس الأمن لائحة إجراءاته ويدخل فيها طريقة اختيار رئيسه.
المادة 31
لكل عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” من غير أعضاء مجلس الأمن أن يشترك بدون تصويت في مناقشة أية مسألة تعرض على مجلس الأمن إذا رأى المجلس أن مصالح هذا العضو تتأثر بها بوجه خاص.
المادة 32
كل عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” ليس بعضو في مجلس الأمن، وأية دولة ليست عضوا في “الأمم المتحدة” إذا كان أيهما طرفا في نزاع معروض على مجلس الأمن لبحثه يدعى إلى الاشتراك في المناقشات المتعلقة بهذا النزاع دون أن يكون له حق في التصويت، ويضع مجلس الأمن الشروط التي يراها عادلة لاشتراك الدولة التي ليست من أعضاء “الأمم المتحدة”.
الفصل السادس: في حل المنازعات حلا سلميا
المادة 33
1. يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.
2. ويدعو مجلس الأمن أطراف النزاع إلى أن يسووا ما بينهم من النزاع بتلك الطرق إذا رأى ضرورة ذلك.
المادة 34
لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي.
المادة 35
1. لكل عضو من “الأمم المتحدة” أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف من النوع المشار إليه في المادة الرابعة والثلاثين.
2. لكل دولة ليست عضوا في “الأمم المتحدة” أن تنبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع تكون طرفا فيه إذا كانت تقبل مقدما في خصوص هذا النزاع التزامات الحل السلمي المنصوص عليها في هذا الميثاق.
3. تجرى أحكام المادتين 11 و 12 على الطريقة التي تعالج بها الجمعية العامة المسائل التي تنبه إليها وفقا لهذه المادة.
المادة 36
1. لمجلس الأمن في أية مرحلة من مراحل نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 أو موقف شبيه به أن يوصي بما يراه ملائما من الإجراءات وطرق التسوية.
2. على مجلس الأمن أن يراعي ما اتخذه المتنازعون من إجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم.
3. على مجلس الأمن وهو يقدم توصياته وفقا لهذه المادة أن يراعي أيضا أن المنازعات القانونية يجب على أطراف النزاع -بصفة عامة- أن يعرضوها على محكمة العدل الدولية وفقا لأحكام النظام الأساسي لهذه المحكمة.
المادة 37
1. إذا أخفقت الدول التي يقوم بينها نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 في حله بالوسائل المبينة في تلك المادة وجب عليها أن تعرضه على مجلس الأمن.
2. إذا رأى مجلس الأمن أن استمرار هذا النزاع من شأنه في الواقع، أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي قرر ما إذا كان يقوم بعمل وفقا للمادة 36 أو يوصي بما يراه ملائما من شروط حل النزاع.
المادة 38
لمجلس الأمن -إذا طلب إليه جميع المتنازعين ذلك- أن يقدم إليهم توصياته بقصد حل النزاع حلا سلميا، وذلك بدون إخلال بأحكام المواد من 33 إلى 37.

الفصل السابع: فيما يتخذ من الأعمال في حالات
تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان
المادة 39
يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقا لأحكام المادتين 41 و 42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
المادة 40
منعا لتفاقم الموقف، لمجلس الأمن، قبل أن يقدم توصياته أو يتخذ التدابير المنصوص عليها في المادة 39، أن يدعو المتنازعين للأخذ بما يراه ضروريا أو مستحسنا من تدابير مؤقتة، ولا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم، وعلى مجلس الأمن أن يحسب لعدم أخذ المتنازعين بهذه التدابير المؤقتة حسابه.
المادة 41
لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء “الأمم المتحدة” تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية.
المادة 42
إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصر والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء “الأمم المتحدة”.
المادة 43
1. يتعهد جميع أعضاء “الأمم المتحدة” في سبيل المساهمة في حفظ السلم والأمن الدولي، أن يضعوا تحت تصرف مجلس الأمن بناء على طلبه وطبقا لاتفاق أو اتفاقات خاصة ما يلزم من القوات المسلحة والمساعدات والتسهيلات الضرورية لحفظ السلم والأمن الدولي ومن ذلك حق المرور.
2. يجب أن يحدد ذلك الاتفاق أو تلك الاتفاقات عدد هذه القوات وأنواعها ومدى استعدادها وأماكنها عموما ونوع التسهيلات والمساعدات التي تقدم.
3. تجرى المفاوضة في الاتفاق أو الاتفاقات المذكورة بأسرع ما يمكن بناء على طلب مجلس الأمن، وتبرم بين مجلس الأمن وبين أعضاء “الأمم المتحدة” أو بينه وبين مجموعات من أعضاء “الأمم المتحدة”، وتصدق عليها الدول الموقعة وفق مقتضيات أوضاعها الدستورية.
المادة 44
إذا قرر مجلس الأمن استخدام القوة، فإنه قبل أن يطلب من عضو غير ممثل فيه تقديم القوات المسلحة وفاء بالالتزامات المنصوص عليها في المادة 43، ينبغي له أن يدعو هذا العضو إلى أن يشترك إذا شاء في القرارات التي يصدرها فيما يختص باستخدام وحدات من قوات هذا العضو المسلحة.
المادة 45
رغبة في تمكين الأمم المتحدة من اتخاذ التدابير الحربية العاجلة يكون لدى الأعضاء وحدات جوية أهلية يمكن استخدامها فورا لأعمال القمع الدولية المشتركة. ويحدد مجلس الأمن قوى هذه الوحدات ومدى استعدادها والخطط لأعمالها المشتركة، وذلك بمساعدة لجنة أركان الحرب وفي الحدود الواردة في الاتفاق أو الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة 43.
المادة 46
الخطط اللازمة لاستخدام القوة المسلحة يضعها مجلس الأمن بمساعدة لجنة أركان الحرب.
المادة 47
1. تشكل لجنة من أركان الحرب تكون مهمتها أن تسدي المشورة والمعونة إلى مجلس الأمن وتعاونه في جميع المسائل المتصلة بما يلزمه من حاجات حربية لحفظ السلم والأمن الدولي ولاستخدام القوات الموضوعة تحت تصرفه وقيادتها ولتنظيم التسليح ونزع السلاح بالقدر المستطاع.
2. تشكل لجنة أركان الحرب من رؤساء أركان حرب الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أو من يقوم مقامهم، وعلى اللجنة أن تدعو أي عضو في “الأمم المتحدة” من الأعضاء غير الممثلين فيها بصفة دائمة للاشتراك في عملها إذا اقتضى حسن قيام اللجنة بمسؤولياتها أن يساهم هذا العضو في عملها.
3. لجنة أركان الحرب مسؤولة تحت إشراف مجلس الأمن عن التوجيه الاستراتيجي لأية قوات مسلحة موضوعة تحت تصرف المجلس. أما المسائل المرتبطة بقيادة هذه القوات فستبحث فيما بعد.
4. للجنة أركان الحرب أن تنشئ لجانا فرعية إقليمية إذا خولها ذلك مجلس الأمن وبعد التشاور مع الوكالات الإقليمية صاحبة الشأن.
المادة 48
1. الأعمال اللازمة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن لحفظ السلم والأمن الدولي يقوم بها جميع أعضاء “الأمم المتحدة” أو بعض هؤلاء الأعضاء وذلك حسبما يقرره المجلس.
2. يقوم أعضاء “الأمم المتحدة” بتنفيذ القرارات المتقدمة مباشرة وبطريق العمل في الوكالات الدولية المتخصصة التي يكونون أعضاء فيها.
المادة 49
يتضافر أعضاء “الأمم المتحدة” على تقديم المعونة المتبادلة لتنفيذ التدابير التي قررها مجلس الأمن.
المادة 50
إذا اتخذ مجلس الأمن ضد أية دولة تدابير منع أو قمع فإن لكل دولة أخرى -سواء أكانت من أعضاء “الأمم المتحدة” أم لم تكن- تواجه مشاكل اقتصادية خاصة تنشأ عن تنفيذ هذه التدابير، الحق في أن تتذاكر مع مجلس الأمن بصدد حل هذه المشاكل.
المادة 51
ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء “الأمم المتحدة” وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس -بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق- من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.
الفصل الثامـن: في التنظيمات الإقليمية
المادة 52
1. ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو وكالات إقليمية تعالج من الأمور المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدولي ما يكون العمل الإقليمي صالحا فيها ومناسبا ما دامت هذه التنظيمات أو الوكالات الإقليمية ونشاطها متلائمة مع مقاصد “الأمم المتحدة” ومبادئها.
2. يبذل أعضاء “الأمم المتحدة” الداخلون في مثل هذه التنظيمات أو الذين تتألف منهم تلك الوكالات كل جهدهم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية عن طريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة هذه الوكالات وذلك قبل عرضها على مجلس الأمن.
3. على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية بطريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة تلك الوكالات الإقليمية بطلب من الدول التي يعنيها الأمر أو بالإحالة عليها من جانب مجلس الأمن.
4. لا تعطل هذه المادة بحال من الأحوال تطبيق المادتين 34 و 35.
المادة 53
1. يستخدم مجلس الأمن تلك التنظيمات والوكالات الإقليمية في أعمال القمع، كلما رأى ذلك ملائما، ويكون عملها حينئذ تحت مراقبته وإشرافه. أما التنظيمات والوكالات نفسها فإنه لا يجوز بمقتضاها أو على يدها القيام بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن المجلس، ويستثنى مما تقدم التدابير التي تتخذ ضد أية دولة من دول الأعداء المعرفة في الفقرة 2 من هذه المادة مما هو منصوص عليه في المادة 107 أو التدابير التي يكون المقصود بها في التنظيمات الإقليمية منع تجدد سياسة العدوان من جانب دولة من تلك الدول، وذلك إلى أن يحين الوقت الذي قد يعهد فيه إلى الهيئة، بناء على طلب الحكومات ذات الشأن، بالمسؤولية عن منع كل عدوان آخر من جانب أية دولة من تلك الدول.
2. تنطبق عبارة “الدولة المعادية” المذكورة في الفقرة 1 من هذه المادة على أية دولة كانت في الحرب العالمية الثانية من أعداء أية دولة موقعة على هذا الميثاق.
المادة 54
يجب أن يكون مجلس الأمن على علم تام بما يجري من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي بمقتضى تنظيمات أو بواسطة وكالات إقليمية أو ما يزمع إجراؤه منها.
الفصل التاسع: في التعاون الدولي الاقتصادي والاجتماعي
المادة 55
رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة ودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على:
(أ) تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي،
(ب) تيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم،
(ج) أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا.
المادة 56
يتعهد جميع الأعضاء بأن يقوموا، منفردين أو مشتركين، بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة 55.
المادة 57
1. الوكالات المختلفة التي تنشأ بمقتضى اتفاق بين الحكومات والتي تضطلع بمقتضى نظمها الأساسية بتبعات دولية واسعة في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتعليم والصحة وما يتصل بذلك من الشؤون يوصل بينها وبين “الأمم المتحدة” وفقا لأحكام المادة 63.
2. تسمى هذه الوكالات التي يوصل بينها وبين “الأمم المتحدة” فيما يلي من الأحكام بالوكالات المتخصصة.
المادة 58
تقدم الهيئة توصيات بقصد تنسيق سياسات الوكالات المتخصصة ووجوه نشاطها.
المادة 59
تدعو الهيئة عند المناسبة إلى إجراء مفاوضات بين الدول ذات الشأن بقصد إنشاء أية وكالة متخصصة جديدة يتطلبها تحقيق المقاصد المبينة في المادة 55.
المادة 60
مقاصد الهيئة المبينة في هذا الفصل تقع مسؤولية تحقيقها على عاتق الجمعية العامة كما تقع على عاتق المجلس الاقتصادي والاجتماعي تحت إشراف الجمعية العامة، ويكون لهذا المجلس من أجل ذلك السلطات المبينة في الفصل العاشر.
الفصل العاشر: المجلس الاقتصادي والاجتماعي
التأليف
المادة 61
1. يتألف المجلس الاقتصادي والاجتماعي من أربعة وخمسين عضوا من الأمم المتحدة تنتخبهم الجمعية العامة.
2. مع مراعاة أحكام الفقرة 3، ينتخب ثمانية عشر عضوا من أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي كل سنة لمدة ثلاث سنوات ويحوز أن يعاد انتخاب العضو الذي انتهت مدته مباشرة.
3. في الانتخاب الأول بعد زيادة عدد أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي من سبعة وعشرين إلى أربعة وخمسين عضوا، يختار سبعة وعشرون عضوا إضافيا علاوة على الأعضاء المنتخبين محل الأعضاء التسعة الذين تنتهي مدة عضويتهم في نهاية هذا العام. وتنتهي عضوية تسعة من هؤلاء الأعضاء السبعة والعشرين الإضافيين بعد انقضاء سنة واحدة، وتنتهي عضوية تسعة أعضاء آخرين بعد انقضاء سنتين، ويجرى ذلك وفقا للنظام الذي تضعه الجمعية العامة.
4. يكون لكل عضو من أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي مندوب واحد.
الوظائف والسلطات
المادة 62
1. للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يقوم بدراسات ويضع تقارير عن المسائل الدولية في أمور الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتعليم والصحة وما يتصل بها، كما أن له أن يوجه إلى مثل تلك الدراسات وإلى وضع مثل تلك التقارير. وله أن يقدم توصياته في أية مسألة من تلك المسائل إلى الجمعية العامة وإلى أعضاء “الأمم المتحدة” وإلى الوكالات المتخصصة ذات الشأن.
2. وله أن يقدم توصيات فيما يختص بإشاعة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية ومراعاتها.
3. وله أن يعد مشروعات اتفاقات لتعرض على الجمعية العامة عن المسائل التي تدخل في دائرة اختصاصه.
4. وله أن يدعو إلى عقد مؤتمرات دولية لدراسة المسائل التي تدخل في دائرة اختصاصه، وفقا للقواعد التي تضعها “الأمم المتحدة”.
المادة 63
1. للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يضع اتفاقات مع أي وكالة من الوكالات المشار إليها في المادة 57 تحدد الشروط التي على مقتضاها يوصل بينها وبين “الأمم المتحدة” وتعرض هذه الاتفاقات على الجمعية العامة للموافقة عليها.
2. وله أن ينسق وجوه نشاط الوكالات المتخصصة بطريق التشاور معها وتقديم توصياته إليها وإلى الجمعية العامة وأعضاء “الأمم المتحدة”.
المادة 64
1. للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يتخذ الخطوات المناسبة للحصول بانتظام على تقارير من الوكالات المتخصصة وله أن يضع مع أعضاء “الأمم المتحدة” ومع الوكالات المتخصصة ما يلزم من الترتيبات كيما تمده بتقارير عن الخطوات التي اتخذتها لتنفيذ توصياته أو لتنفيذ توصيات الجمعية العامة في شأن المسائل الداخلة في اختصاصه.
2. وله أن يبلغ الجمعية العامة ملاحظاته على هذه التقارير.
المادة 65
للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يمد مجلس الأمن بما يلزم من المعلومات وعليه أن يعاونه متى طلب إليه ذلك.
المادة 66
1. يقوم المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تنفيذ توصيات الجمعية العامة بالوظائف التي تدخل في اختصاصه.
2. وله بعد موافقة الجمعية العامة أن يقوم بالخدمات اللازمة لأعضاء “الأمم المتحدة” أو الوكالات المتخصصة متى طلب إليه ذلك.
3. يقوم المجلس بالوظائف الأخرى المبينة في غير هذا الموضع من الميثاق وبالوظائف التي قد تعهد بها إليه الجمعية العامة.
التصويت
المادة 67
1. يكون لكل عضو من أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي صوت واحد.
2. تصدر قرارات المجلس الاقتصادي والاجتماعي بأغلبية أعضائه الحاضرين المشتركين في التصويت.
الإجـراءات
المادة 68
ينشئ المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجانا للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ولتعزيز حقوق الإنسان، كما ينشئ غير ذلك من اللجان التي قد يحتاج إليها لتأدية وظائفه.
المادة 69
يدعو المجلس الاقتصادي والاجتماعي أي عضو من “الأمم المتحدة” للاشتراك في مداولاته عند بحث أية مسألة تعني هذا العضو بوجه خاص، على ألا يكون له حق التصويت.
المادة 70
للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يعمل على إشراك مندوبي الوكالات المتخصصة في مداولاته أو في مداولات اللجان التي ينشئها دون أن يكون لهم حق التصويت، كما أن له أن يعمل على إشراك مندوبيه في مداولات الوكالة المتخصصة.
المادة 71
للمجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يجرى الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئات غير الحكومية التي تعني بالمسائل الداخلة في اختصاصه. وهذه الترتيبات قد يجريها المجلس مع هيئات دولية، كما أنه قد يجريها إذا رأى ذلك ملائما مع هيئات أهلية وبعد التشاور مع عضو “الأمم المتحدة” ذي الشأن.
المادة 72
1. يضع المجلس الاقتصادي والاجتماعي لائحة إجراءاته ومنها طريقة اختيار رئيسه.
2. يجتمع المجلس الاقتصادي والاجتماعي كلما دعت الحاجة إلى ذلك وفقا للائحة التي يسنها. ويجب أن تتضمن تلك اللائحة النص على دعوته للاجتماع بناء على طلب يقدم من أغلبية أعضائه.
الفصل الحادي عشر: تصريح يتعلق بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي
المادة 73
يقرر أعضاء الأمم المتحدة -الذين يضطلعون في الحال أو في المستقبل بتبعات عن إدارة أقاليم لم تنل شعوبها قسطا كاملا من الحكم الذاتي- المبدأ القاضي بأن مصالح أهل هذه الأقاليم لها المقام الأول، ويقبلون أمانة مقدسة في عنقهم، الالتزام بالعمل على تنمية رفاهية أهل هذه الأقاليم إلى أقصى حد مستطاع في نطاق السلم والأمن الدولي الذي رسمه هذا الميثاق. ولهذا الغرض:
(أ) يكفلون تقدم هذه الشعوب في شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم، كما يكفلون معاملتها بإنصاف وحمايتها من ضروب الإساءة – كل ذلك مع مراعاة الاحترام الواجب لثقافة هذه الشعوب،
(ب) ينمون الحكم الذاتي، ويقدرون الأماني السياسية لهذه الشعوب قدرها، ويعاونونها على إنماء نظمها السياسية الحرة نموا مطردا، وفقا للظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه، ومراحل تقدمها المختلفة،
(ج) يوطدون السلم والأمن الدولي،
(د) يعززون التدابير الإنسانية للرقي والتقدم، ويشجعون البحوث، ويتعاونون فيما بينهم لتحقيق المقاصد الاجتماعية والاقتصادية والعلمية المفصلة في هذه المادة تحقيقا عمليا، كما يتعاونون أيضا لهذا الغرض مع الهيئات الدولية المتخصصة كلما تراءت لهم ملاءمة ذلك،
(هـ) يرسلون إلى الأمين العام بانتظام يحيطونه علما بالبيانات الإحصائية وغيرها من البيانات الفنية المتعلقة بأمور الاقتصاد والاجتماع والتعليم في الأقاليم التي يكونون مسؤولين عنها، عدا الأقاليم التي تنطبق عليها أحكام الفصلين الثاني عشر والثالث عشر من هذا الميثاق.
كل ذلك مع مراعاة القيود التي قد تستدعيها الاعتبارات المتعلقة بالأمن والاعتبارات الدستورية.
المادة 74
يوافق أعضاء الأمم المتحدة أيضا على أن سياستهم إزاء الأقاليم التي ينطبق عليها هذا الفصل -كسياستهم في بلادهم نفسها- يجب أن تقوم على مبدأ حسن الجوار، وأن تراعي حق المراعاة مصالح بقية أجزاء العالم ورفاهيتها في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والتجارية.
الفصل الثاني عشر: في نظام الوصاية الدولي
المادة 75
تنشئ “الأمم المتحدة” تحت إشرافها نظاما دوليا للوصاية، وذلك لإدارة الأقاليم التي قد تخضع لهذا النظام بمقتضى اتفاقات فردية لاحقة وللإشراف عليها، ويطلق على هذه الأقاليم فيما يلي من الأحكام اسم الأقاليم المشمولة بالوصاية.
المادة 76
الأهداف الأساسية لنظام الوصاية طبقا لمقاصد “الأمم المتحدة” المبينة في المادة الأولى من هذا الميثاق هي:
(أ) توطيد السلم والأمن الدولي،
(ب) العمل على ترقية أهالي الأقاليم المشمولة بالوصاية في أمور السياسة والاجتماع والاقتصاد والتعليم، واطراد تقدمها نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال حسبما يلائم الظروف الخاصة لكل إقليم وشعوبه، ويتفق مع رغبات هذه الشعوب التي تعرب عنها بملء حريتها وطبقا لما قد ينص عليه في شروط كل اتفاق من اتفاقات الوصاية،
(ج) التشجيع على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، والتشجيع على إدراك ما بين شعوب العالم من تقيد بعضهم بالبعض،
(د) كفالة المساواة في المعاملة في الأمور الاجتماعية والاقتصادية والتجارية لجميع أعضاء “الأمم المتحدة” وأهاليها والمساواة بين هؤلاء الأهالي أيضا فيما يتعلق بإجراء القضاء، وذلك مع عدم الإخلال بتحقيق الأغراض المتقدمة ومع مراعاة أحكام المادة 80.
المادة 77
1. يطبق نظام الوصاية على الأقاليم الداخلة في الفئات الآتية مما قد يوضع تحت حكمها بمقتضى اتفاقات وصاية:
(أ) الأقاليم المشمولة الآن بالانتداب،
(ب) الأقاليم التي قد تقتطع من دول الأعداء نتيجة للحرب العالمية الثانية،
(ج) الأقاليم التي تضعها في الوصاية بمحض اختيارها دول مسؤولة عن إدارتها.
2. أما تعيين أي الأقاليم من الفئات سالفة الذكر يوضع تحت نظام الوصاية وطبقا لأي شروط، فذلك من شأن ما يعقد بعد من اتفاقات.
المادة 78
لا يطبق نظام الوصاية على الأقاليم التي أصبحت أعضاء في هيئة “الأمم المتحدة” إذ العلاقات بين أعضاء هذه الهيئة يجب أن تقوم على احترام مبدأ المساواة في السيادة.
المادة 79
شروط الوصاية لكل إقليم يوضع تحت ذلك النظام، وكل تغيير أو تعديل يطرآن بعد عليها، ذلك كله يتفق عليه برضا الدول التي يعنيها هذا الأمر بالذات ومنها الدولة المنتدبة في حالة الأقاليم المشمولة بانتداب أحد أعضاء “الأمم المتحدة”. وهذا مع مراعاة أحكام المادتين 83 و 85 في شأن المصادقة على تلك الشروط وتعديلاتها.
المادة 80
1. فيما عدا ما قد يتفق عليه في اتفاقات الوصاية الفردية التي تبرم وفق أحكام المواد 77 و 79 و 81 وبمقتضاها توضع الأقاليم تحت الوصاية، وإلى أن تعقد مثل هذه الاتفاقات لا يجوز تأويل نص أي حكم من أحكام هذا الفصل ولا تخريجه تأويلا أو تخريجا من شأنه أن يغير بطريقة ما أية حقوق لأية دول أو شعوب، أو يغير شروط الاتفاقات الدولية القائمة التي قد يكون أعضاء “الأمم المتحدة” أطرافا فيها.
2. لا يجوز أن تؤول الفقرة 1 من هذه المادة على أنها تهيئ سببا لتأخير أو تأجيل المفاوضة في الاتفاقات التي ترمي لوضع الأقاليم المشمولة بالانتداب أو غيرها من الأقاليم في نظام الوصاية طبقا للمادة 77 أو تأخير أو تأجيل إبرام مثل تلك الاتفاقات.
المادة 81
يشمل اتفاق الوصاية، في كل حالة، الشروط التي يدار بمقتضاها الإقليم المشمول بالوصاية، ويعين السلطة التي تباشر إدارة ذلك الإقليم، ويجوز أن تكون هذه السلطة التي يطلق عليها فيما يلي من الأحكام “السلطة القائمة بالإدارة” دولة أو أكثر أو هيئة “الأمم المتحدة” ذاتها.
المادة 82
يجوز أن يحدد في أي اتفاق من اتفاقات الوصاية موقع استراتيجي قد يشمل الإقليم الذي ينطبق عليه نظام الوصاية بعضه أو كله، وذلك دون الإخلال بأي اتفاق أو اتفاقات خاصة معقودة طبقا لنص المادة 43.
المادة 83
1. يباشر مجلس الأمن جميع وظائف “الأمم المتحدة” المتعلقة بالمواقع الاستراتيجية، ويدخل في ذلك الموافقة على شروط اتفاقات الوصاية وتغييرها أو تعديلها.
2. تراعى جميع الأهداف الأساسية المبينة في المادة 76 بالنسبة لشعب كل موقع استراتيجي.
3. يستعين مجلس الأمن بمجلس الوصاية -مع مراعاة أحكام اتفاقيات الوصاية ودون إخلال بالاعتبارات المتصلة بالأمن- في مباشرة ما كان من وظائف “الأمم المتحدة” في نظام الوصاية خاصا بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية للمواقع الاستراتيجية.
المادة 84
يكون من واجب السلطة القائمة بالإدارة أن تكفل قيام الإقليم المشمول بالوصاية بنصيبه في حفظ السلم والأمن الدولي. وتحقيقا لهذه الغاية يجوز للسلطة القائمة بالإدارة أن تستخدم قوات متطوعة وتسهيلات ومساعدات من الإقليم المشمول بالوصاية للقيام بالالتزامات التي تعهدت بها تلك السلطة لمجلس الأمن في هذا الشأن، وللقيام أيضا بالدفاع وبإقرار حكم القانون والنظام داخل الإقليم المشمول بالوصاية.
المادة 85
1. تباشر الجمعية العامة وظائف “الأمم المتحدة” فيما يختص باتفاقات الوصاية على كل المساحات التي لم ينص على أنها مساحات استراتيجية ويدخل في ذلك إقرار شروط اتفاقات الوصاية وتغييرها أو تعديلها.
2. يساعد مجلس الوصاية الجمعية العامة في القيام بهذه الوظائف عاملا تحت إشرافها.
الفصل الثالث عشر: في مجلس الوصاية
التأليف
المادة 86
1. يتألف مجلس الوصاية من أعضاء “الأمم المتحدة” الآتي بيانهم:
(أ) الأعضاء الذين يتولون إدارة أقاليم مشمولة بالوصاية،
(ب) الأعضاء المذكورون بالاسم في المادة 23 الذين لا يتولون إدارة أقاليم مشمولة بالوصاية،
(ج) العدد الذي يلزم من الأعضاء الآخرين لكفالة أن يكون جملة أعضاء مجلس الوصاية فريقين متساويين، أحدهما الأعضاء الذين يقومون بإدارة الأقاليم المشمولة بالوصاية، والآخر الأعضاء الذين خلوا من تلك الإدارة. وتنتخب الجمعية العامة هؤلاء الأعضاء لمدة ثلاث سنوات.
2. يعين كل عضو من أعضاء مجلس الوصاية من يراه أهلا بوجه خاص لتمثيله في هذا المجلس.
الوظائف والسلطـات
المادة 87
لكل من الجمعية العامة ومجلس الوصاية، عاملا تحت إشرافها، وهما يقومان بأداء وظائفهما:
(أ) أن ينظر في التقارير التي ترفعها السلطة القائمة بالإدارة،
(ب) أن يقبل العرائض ويفحصها بالتشاور مع السلطة القائمة بالإدارة،
(ج) أن ينظم زيارات دورية للأقاليم المشمولة بالوصاية في أوقات يتفق عليها مع السلطة القائمة بالإدارة،
(د) أن يتخذ هذه التدابير وغيرها، وفقا للشروط المبينة في اتفاقات الوصاية.
المادة 88
يضع مجلس الوصاية طائفة من الأسئلة عن تقدم سكان كل إقليم مشمول بالوصاية في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية. وتقدم السلطة القائمة بالإدارة في كل إقليم مشمول بالوصاية داخل اختصاص الجمعية العامة تقريرا سنويا للجمعية العامة موضوعا على أساس هذه الأسئلة.
التصويت
المادة 89
1. يكون لك عضو في مجلس الوصاية صوت واحد.
2. تصدر قرارات مجلس الوصاية بأغلبية الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت.
الإجـراءات
المادة 90
1. يضع مجلس الوصاية لائحة إجراءاته ومنها طريقة اختيار رئيسه.
2. يجتمع مجلس الوصاية كلما دعت الحاجة لذلك وفقا للائحة التي يسنها. ويجب أن تتضمن تلك اللائحة النص على دعوته للاجتماع بناء على طلب يقدم من أغلبية أعضائه.
المادة 91
يستعين مجلس الوصاية، كلما كان ذلك مناسبا، بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي وبالوكالات المتخصصة في كل ما يختص به كل منها من الشؤون.
الفصل الرابع عشر: في محكمة العدل الدولية
المادة 92
محكمة العدل الدولية هي الأداة القضائية الرئيسية “للأمم المتحدة”، وتقوم بعملها وفق نظامها الأساسي الملحق بهذا الميثاق وهو مبني على النظام الأساسي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي وجزء لا يتجزأ من الميثاق.
المادة 93
1. يعتبر جميع أعضاء “الأمم المتحدة” بحكم عضويتهم أطرافا في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
2. يجوز لدولة ليست من “الأمم المتحدة” أن تنضم إلى النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية بشروط تحددها الجمعية العامة لكل حالة بناء على توصية مجلس الأمن.
المادة 94
1. يتعهد كل عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفا فيها.
2. إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورة لذلك أن يقدم توصياته أو يصدر قرارا بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم.
المادة 95
ليس في هذا الميثاق ما يمنع أعضاء “الأمم المتحدة” من أن يعهدوا بحل ما ينشأ بينهم من خلاف إلى محاكم أخرى بمقتضى اتفاقات قائمة من قبل أو يمكن أن تعقد بينهم في المستقبل.
المادة 96
1. لأي من الجمعية العامة أو مجلس الأمن أن يطلب إلى محكمة العدل الدولية إفتاءه في أية مسألة قانونية.
2. ولسائر فروع الهيئة والوكالات المتخصصة المرتبطة بها، ممن يجوز أن تأذن لها الجمعية العامة بذلك في أي وقت، أن تطلب أيضا من المحكمة إفتاءها فيما يعرض لها من المسائل القانونية الداخلة في نطاق أعمالها.
الفصل الخامس عشر: في الأمـانة
المادة 97
يكون للهيئة أمانة تشمل أمينا عاما ومن تحتاجهم الهيئة من الموظفين. وتعين الجمعية العامة الأمين العام بناء على توصية مجلس الأمن. والأمين العام هو الموظف الإداري الأكبر في الهيئة.
المادة 98
يتولى الأمين العام أعماله بصفته هذه في كل اجتماعات الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، ويقوم بالوظائف الأخرى التي توكلها إليه هذه الفروع. ويعد الأمين العام تقريرا سنويا للجمعية العامة بأعمال الهيئة.
المادة 99
للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والآمن الدولي.
المادة 100
1. ليس للأمين العام ولا للموظفين أن يطلبوا أو أن يتلقوا في تأدية واجبهم تعليمات من أية حكومة أو من أية سلطة خارجة عن الهيئة. وعليهم أن يمتنعوا عن القيام بأي عمل قد يسئ إلى مراكزهم بوصفهم موظفين دوليين مسؤولين أمام الهيئة وحدها.
2. يتعهد كل عضو في “الأمم المتحدة” باحترام الصفة الدولية البحتة لمسؤوليات الأمين العام والموظفين وبألا يسعى إلى التأثير فيهم عند اضطلاعهم بمسؤولياتهم.
المادة 101
1. يعين الأمين العام موظفي الأمانة طبقا للوائح التي تضعها الجمعية العامة.
2. يعين للمجلس الاقتصادي والاجتماعي ولمجلس الوصاية ما يكفيهما من الموظفين على وجه دائم ويعين لغيرهما من فروع “الأمم المتحدة” الأخرى ما هي بحاجة إليه منهم. وتعتبر جملة هؤلاء الموظفين جزءا من الأمانة.
3. ينبغي في استخدام الموظفين وفي تحديد شروط خدمتهم أن يراعى في المكان الأول ضرورة الحصول على أعلى مستوى من المقدرة والكفاية والنزاهة. كما أن من المهم أن يراعى في اختيارهم أكبر ما يستطاع من معاني التوزيع الجغرافي
الفصل السادس عشر: أحكـام متنوعـة
المادة 102
1. كل معاهدة وكل اتفاق دولي يعقده أي عضو من أعضاء “الأمم المتحدة” بعد العمل بهذا الميثاق يجب أن يسجل في أمانة الهيئة وأن تقوم بنشره بأسرع ما يمكن.
2. ليس لأي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة الأولى من هذه المادة أن يتمسك بتلك المعاهدة أو ذلك الاتفاق أمام أي فرع من فروع “الأمم المتحدة”.
المادة 103
إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء “الأمم المتحدة” وفقا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق.
المادة 104
تتمتع الهيئة في بلاد كل عضو من أعضائها بالأهلية القانونية التي يتطلبها قيامها بأعباء وظائفها وتحقيق مقاصدها.
المادة 105
1. تتمتع الهيئة في أرض كل عضو من أعضائها بالمزايا والإعفاءات التي يتطلبها تحقيق مقاصدها.
2. وكذلك يتمتع المندوبون عن أعضاء “الأمم المتحدة” وموظفو هذه الهيئة بالمزايا والإعفاءات التي يتطلبها استقلالهم في القيام بمهام وظائفهم المتصلة بالهيئة.
3. للجمعية العامة أن تقدم التوصيات بقصد تحديد التفاصيل الخاصة بتطبيق الفقرتين 1 و 2 من هذه المادة، ولها أن تقترح على أعضاء الهيئة عقد اتفاقات لهذا الغرض.
الفصل السابع عشر: في تدابير حفظ الأمن في فترة الانتقال
المادة 106
إلى أن تصير الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة الثالثة والأربعين معمولا بها على الوجه الذي يرى معه مجلس الأمن أنه أصبح يستطيع البدء في احتمال مسؤولياته وفقا للمادة 42، تتشاور الدول التي اشتركت في تصريح الدول الأربع الموقع في موسكو في 30 تشرين الأول/أكتوبر سنة 1943 هي وفرنسا وفقا لأحكام الفقرة 5 من ذلك التصريح، كما تتشاور الدول الخمس مع أعضاء “الأمم المتحدة” الآخرين، كلما اقتضت الحال، للقيام نيابة عن الهيئة بالأعمال المشتركة التي قد تلزم لحفظ السلم والأمن الدولي.
المادة 107
ليس في هذا الميثاق ما يبطل أو يمنع أي عمل إزاء دولة كانت في أثناء الحرب العالمية الثانية معادية لإحدى الدول الموقعة على هذا الميثاق إذا كان هذا العمل قد اتخذ أو رخص به نتيجة لتلك الحرب من قبل الحكومات المسؤولة عن القيام بهذا العمل.

الفصل الثامن عشر: في تعديل الميثاق
المادة 108
التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء “الأمم المتحدة” إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدق عليها ثلثا أعضاء “الأمم المتحدة” ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقا للأوضاع الدستورية في كل دولة.
المادة 109
1. يجوز عقد مؤتمر عام من أعضاء “الأمم المتحدة” لإعادة النظر في هذا الميثاق في الزمان والمكان اللذين تحددهما الجمعية العامة بأغلبية ثلثي أعضائها وبموافقة تسعة ما من أعضاء مجلس الأمن، ويكون لكل عضو في “الأمم المتحدة” صوت واحد في المؤتمر.
2. كل تغيير في هذا الميثاق أوصى به المؤتمر بأغلبية ثلثي أعضائه يسري إذا صدق عليه ثلثا أعضاء “الأمم المتحدة” ومن بينهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن وفقا لأوضاعهم الدستورية.
3. إذا لم يعقد هذا المؤتمر قبل الدورة العادية العاشرة للجمعية العامة، بعد العمل بهذا الميثاق، وجب أن يدرج بجدول أعمال تلك الدورة العاشرة اقتراح بالدعوة إلى عقده، وهذا المؤتمر يعقد إذا قررت ذلك أغلبية أعضاء الجمعية العامة وسبعة ما من أعضاء مجلس الأمن
الفصل التاسع عشر: في التصديق والتوقيع
المادة 110
1. تصدق على هذا الميثاق الدول الموقعة عليه كل منها حسب أوضاعه الدستورية.
2. تودع التصديقات لدى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية التي تخطر الدول الموقعة عليه بكل إيداع يحصل، كما تخطر الأمين العام لهيئة “الأمم المتحدة” بعد تعيينه.
3. يصبح هذا الميثاق معمولا به متى أودعت تصديقاتها جمهورية الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية وأغلبية الدول الأخرى الموقعة عليه وتعد حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بروتوكولا خاصا بالتصديقات المودعة وتبلغ صورا منه لكل الدول الموقعة على الميثاق.
4. الدول الموقعة على هذا الميثاق التي تصدق عليه بعد العمل به، تعتبر من الأعضاء الأصليين في “الأمم المتحدة” من تاريخ إيداعها لتصديقاتها.
المادة 111
وضع هذا الميثاق بلغات خمس هي الصينية والفرنسية والروسية والإنجليزية والأسبانية، وهي لغاته الرسمية على وجه السواء. ويظل الميثاق مودعا في محفوظات حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، وتبلغ هذه الحكومة حكومات الدول الأخرى الموقعة عليه صورا معتمدة منه.
ومصادقا لما تقدم وقع مندوبو حكومات “الأمم المتحدة” على هذا الميثاق.
صدر بمدينة سان فرانسيسكو في اليوم السادس والعشرين من شهر حزيران/يونيه 1945.
_______________________
* ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، إدارة شؤون الأعلام، الأمم المتحدة، نيويورك، 1999، ص ج.
العودة للصفحة الرئيسية

تتسم المرحلة الحالية من عمر المجتمع الدولي بأنها مرحلة التنظيم الدولي، امتدت إلى كافة مناطق العالم لتقام منظمات دولية ومتخصصة، اختصت بتعزيز العمل الاجتماعي، والمشاركة في حل العديد من المنازعات التي ثارت بين أعضائها.
وأيا كان الأمر، فإن الشيء الذي لا خلاف فيه بين جمهور المشتغلين في مسائل القانون الدولي والعلاقات والتنظيم الدولي، فإن العالم وقف على أعتاب مرحة جديدة ستؤثر على مسار حركة الأحداث وأنماط التفاعل بين القوى والمجتمعات السياسية الدولية والعالمية والإقليمية على حد سواء ، غير أن المقطوع بصحته أن تأثيراته قد أخذت تظهر بشيء من الوضوح بالنسبة إلى بعض مجالات منها العلاقة بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، وبدأت التصورات المختلفة لشكل العلاقة المستقبلية، وهل هناك إمكانية للتصدي للمشكلات الدولية كالبيئة والتلوث والطاقة والسيدا والإرهاب والتنمية، وبدأت الدراسات الاستراتيجية حول الدور التكميلي أو الإلحاقي للمنظمات الإقليمية ومدى ملائمة لإطار القانوني بشأن علاقة هذه المنظمات في الواقع الدولي الراهن، وهل يجب علينا نبحث عن أهميتها من حيث هي مصدر قوة أم ضعف للمنظمة الدولية والتنظيم الدولي؟
لذا سنركز في مسألتين:
الأولى: مكانة التنظيم الإقليمي في التنظيم الدولي.
1- أن التنظيم الإقليمي بحكم وجوده في منظمة جغرافية معينة ومحدودة مكانيا عادة ما يكون أكثر قدرة على التعامل الإيجابي مع قضايا المنظمة ومشكلاتها.
2- يساعد على إبعاد المنظمة التي توجد فيها المنظمة الإقليمية عن الصراع الدولي للقوى الكبرى.
3- يخفف العبء عن كاهل التنظيم الدولي ويقسم العمل والأدوار كما في المجتمعات الداخلية.
4- هو اعتراف بأمر واقع فعلا، ولا يمكن إنكار هذه الحقيقة والروابط التي تربط بين المجموعات الإقليمية، العربية، الإفريقية، الأوروبية.

الثانية: الدور السلبي للمنظمات الإقليمية.
يرى أنصار هذا الاتجاه أن الإقليمية عامل إضعاف وتجزئة وتفتيت للمنظمة الدولية أو للتنظيم الدولي.
فهي لا تستطيع أن تقدم حلولا للحلول والمنازعات بدليل أن بعض التنظيمات تؤثر الذهاب إلى محكمة العدل الدولية.
إنه في الوقت الذي يتلاحم العالم وتتوحد الشعوب وتقام العلاقات الاقتصادية الدولية تعمل تلك المنظمات الإقليمية على تفتيت الوحدة وتجزئة العمل الدولي وتعقيد المشاكل.
إن بعض الدول المتجاورة جغرافيا تحكمها عداوات حدود راسخة تاريخيا بينها غير قابلة للتراجع أن أي مدخل لحل مشكل هو عالمي لأن فكرة الإقليمية تتعارض مع المصالح الدولية.
وفي الحقيقة أن كلا الرأيين لا يخلو من موضوعية وتكامل، وأن التعارض بينهما مؤقت وعارض وهي من العوامل الهامة التي تزيد من فعالية التنظيم الدولي.

استقرار المنظمات الإقليمية في المجتمع الدولي:

ورد في ميثاق عصبة الأمم في المادة 21 أنه لا تعتبر متعارضة مع عهد العصبة أي من التعهدات الدولية ….
وواضح من هذا النص أن عهد العصبة قد أجاز إمكان إنشاء تنظيمات إقليمية بجانب العصبة، شريطة ألا تتعارض مع عهد العصبة ذاتها، وبين المنظمات الإقليمية.
غير أن الإقليمية، كانت واضحة جلية في ميثاق الأمم المتحدة، حيث أفرد لها فصلا كاملا أسمتها الترتيبات الإقليمية، فاستقر الإطار القانوني المنظم للعلاقة بين المنظمات الإقليمية والدولية، بل وأصبحت جزء من النظام الدولي، سيما أن الميثاق لا يمانع من إنشاء منظمات إقليمية تعالج مسائل متعلقة بالسلم والأمن الإقليمي كجزء من الأمن الدولي، غير أن الميثاق نظم هذه العلاقة، برخصة تمنحها المنظمة الدولية من مجلس الأمن والذي يجب أن يكون على علم بالإجراءات المتخذة في مسائل كثيرة أبرزها:
التسوية السلمية للمنازعات.
الدور الزجري أو الإكراهي.
العلاقات الدولية في التنمية.
مسائل حقوق الإنسان.

أولا: تسوية النزاعات بالطرق السلمية:
أكد ميثاق الأمم المتحدة في المواد(52) على أنة يبذل أعضاء الأمم المتحدة الداخلون في مثل هذه التنظيمات أو الذين تتألف منهم هذه الوكالات كل جهدهم لتدبير الحل السلمي للمنازعات المحلية عن كريق التنظيمات الإقليمية أو بواسطة هذه الوكالات الإقليمية، وفي فقرة تالية على مجلس الأمن الدولي أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية بطريق التنظيمات الإقليمية أو بواسطة هذه الوكالات، تلك الوكالات الإقليمية بطلب من الدول التي يعنيها الأمر بالإحالة من جانب مجلس الأمن.
و قد أثار هذا النص تغيرات متباينة، فهل الدول ملزمة باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، هل الهدف طلب المعاونة، أم أن أعضاء التنظيم عليهم بذل جل جهودهم لحل المشاكل قبل اللجوء إلى مجلس الأمن، سيما أن الأخير أعطاها الضوء الأخضر لحل منازعاتها سيما أنه قد سهل العلمية بتحديد الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لحل تلك الأزمات، وهي مسألة يمكن اعتبارها تكييف قانوني أو، وإلزام قانوني ثانيا.

ثانيا: العلاقة إكراهية زجرية
جاء في المادة(53) من الميثاق، أن مجلس الأمن يستخدم هذه التنظيمات والوكالات الإقليمية في أعمال القمع كلما رأى ذلك ملائما، ويكون ذلك تحت إشرافه، وعلى المنظمات ألا تقوم بأي عمل بغير المجلس، باستثناء تلك الإجراءات التي تمنع العدوان من جانب أية دولة من تلك الدول، ومن هنا تتحدد العلاقة على النحو التالي:
1-مجلس الأمن الدولي، الجهاز الأساسي الذي كلف بمسؤولية حفظ و الأمن الدوليين، والذي يقرر متى يمكن اللجوء إلى القوة العسكرية، ويضعوها تحت تصرفه، أو يعهد إلى عدد من الدول الأعضاء مثل دول التحالف وهي مسألة من اختصاص المجلس الذي يقرر ذلك وله أن يتجاوز صلاحيات المنظمة الإقليمية.
2-إن نصوص الميثاق غامضة في مسالة العهد، فهل المقصود التسوية السلمية؟ أم استعمال القوة؟ وما هو مدى إلزاميته ؟ وهل بإمكان المجلس أن يعهد لمنظمة إقليمية بصلاحيات خارج الاختصاص المكاني لهذه المنظمة؟ ، وفي الحقيقة فإن المواد(25) و(301) من الميثاق تشير إلى أن أعضاء الأمم المتحدة يتعهدون بقبول قرارات الأمم المتحدة، إضافة إلى علوية التزامات الأمم الأخرى، إضافة إلى شروط العضوية، التي تقرر أن الدولة قادرة على تحمل التزاماته إذا كان المجلس يحتاج إلى معاونة الدول غير الأعضاء فمن الأولى أن يطلب مساعدة المنظمات الإقليمية.

التحليل والرأي :
يرصد المشتغلون في مسائل القانون الدولي والعلاقات الدولية أن حالة من الغموض تفضل الاكتفاء بالإمكانات الإقليمية، بعدما رسمت الأمم المتحدة صورة سلبية على مقدرتها في مجال حفظ السلام في بعض الأماكن مثل الكونغو، الأمر الذي سمح للمنظمة الإقليمية أن توجد تسوية سلمية للنزاع القائم لديها، كما جسدت ذلك جامعة الدول العربية في ضرورة التعامل مع الأزمة في إطار جامعة الدول العربية القادرة على احتوائها ووقف تصعيدها، وبالرغم من التدخلات الدولية والإسرائيلية فقد نجحت الجامعة العربية بوقف النزيف وتوفير الإطار المؤسسي للتباحث،وإيجاد المظلة التي تجمع أطراف النزاع تحتها لإيجاد التسوية الممكنة، وهو مظهر إيجابي يمكن للأمم المتحدة أن تستفيد منه مستقبلا تدعيما لعلاقاتها مع المنظمات الدولية الإقليمية.
أما الحالة الثانية فهي ترى ضرورة اللجوء إلى الأمم المتحدة:
وإذا كانت الأمم المتحدة شر فلابد منه، وقد تفرضه ظروف إقليمية ونزاعات تاريخية يصعب حلها خاصة إذا ما ارتبطت بنزاعات الحدود إذ لابد من اللجوء إلى جهاز مسامح هو محكمة العدل الدولية، وقد تعزف بعض الدول عن اللجوء إلى المنظمة الإقليمية لاعتبارات سياسية،فقضية الصحراء الغربية تدفع الدول التقدمية إلى التأييد الجزائري للقضية، أما منظمة الوحدة الإفريقية فقد حددت سلفا موقفها المبدئي فيما يتعلق بمنازعات الحدود بوجوب احترام الوضع الراهن للحدود السياسية الموروثة عن الاستعمار وهو ما كان يتناقض بالطبع مع المطالب المغربية.
خلاصة القول أن قدرات المنظمة الإقليمية تظل محكومة بالإطار القانوني الذي يحكم المنظمة الدولية والإمكانات المتاحة، إضافة إلى مجموعة الضوابط الخارجية منها قيد تضعها المنظمة الدولية، ويتعلق الأمر بالفصل الثامن من الميثاق الذي بكشف حقيقة أساسية مؤداها أن فعالية هذه المنظمات في التعامل الإيجابي مع المشكلات الإقليمية كانت تتناسب طردا وإلى حد كبير مع زيادة حدة الصراع الدولي حيث كانت المنظمات الإقليمية تتنافس مع المنظمة الدولية. ويلخص الفقيه “هاس” الموقف بالصور التالية:
العمل الإقليمي ودور السيطرة البديلة، حيث تتعامل المنظمة الإقليمية مع النزاع خارج المنظمة الدولية وإبقاها في إطارها القومي والإقليمي والحيلولة دون تدوينها بنقلها إلى الأمم المتحدة.
من جهة ثانية قد يستقل عن التنظيم الدولي إذا هيء لها قدرة عسكرية لتهيمن حتى على دور الأمم المتحدة كما يفعل الحلف الأطلسي في تعامله مع الأزمات الإقليمية في البوسنة والهرسك، وبدأ هذا العمل وكأنه منافسا يتخطى المنظمة الدولية بفعل الثقل السياسي لوزن دولة إقليمية.
العمل الإقليمي مكمل للعمل الدولي، وهو الأريح في العلاقات الدولية، حيث يرمي بالحبال على قارب الأمم المتحدة لتضطلع بمسؤولياتها وتبقى للمنظمة الإقليمية مهمة تكميلية يوفر الإطار المناسب للبحث من قبل الطرفين المتنازعين نفسيهما في سبيل الوصول إلى مثل هذه التسوية لتصل إلى إطار الحل المناسب.
غير أن العامل تعتريه مشكلة الإمكانات حيث تعجز الإقليمية عن تقديم أي عون مادي للدولية وأبسطها توفير الحماية الواجبة للمدنيين بسبب عناد الأطراف المتنازعة ورفض التنازل قيد أنملة عن مواقفها كما هو الحال في النزاع العربي الإيراني على الجزر الثلاث.

الإقليمية في إطار النظام الدولي الجديد

لا شك أن النظام الحالي ومنذ الثمانينات، لم تعد العلاقات فيه بين الدول، بل أصبح علاقات دولية فرضت المنظمات الدولية المتخصصة نفسها، وكذا أثرت المنظمات غير الحكومية والشركات الدولية نتيجة الثورة التكنولوجية الهائلة وسرعة الاتصالات وتوثيق الصلات والروابط بين مختلف مناطق العالم فأصبح العالم يبدو وكأنه قرية صغيرة ودون أي اعتبار لمبدأ السيادة والحدود السياسية.
كذلك فرضت بعض الملامح تأثيراتها فالحاجة للطاقة ونقص المياه وزيادة وتيرة الأمراض القديمة والجديدة والتلوث البيئي، والإرهاب الدولي والجريمة المنظمة، هذه المشاكل تجاوزت الحدود السياسية ولم يعد بمقدور أية دولة مواجهة الأزمات المذكورة.
أما أسلحة التدمير الشامل سواء فيما يتعلق بإنتاجها ونقلها وتخزينها لابد من تنشيط الدبلوماسية الدولية والإقليمية الوقائية ضد هذه الأسلحة التي تذرى ولا تذر.

مفهوم الإقليمية على ضوء المتغيرات الدولية:
يجدر بنا الإشارة إلى أنه لا يوجد ثمة اتفاق على ماهية الإقليمية حيث يرى البعض أن لا مصلحة من تقييد أنفسنا بتعريف جامد قد لا يؤدي إلى خدمة الغرض في حين يرى اتجاه آخر ضرورة تعريف محدد للإقليمية ينهض عليه العمل الجماعي لمجموعة من الدول كما كان الحال في العصبة، وثمة اتجاه يرى أن الأحلاف العسكرية يجب أن تبقى خارج إطار المجتمع المدني.
1-على المستوى الفقهي: الدولي حيث ركز فقهاء القانون الدولي على مفاهيم الجغرافي الثقافي السياسي.
أ- الإقليمية الجغرافية، حيث يمثل العامل الجغرافي القاسم المشترك الذي لا يمكن إغفاله إذ أن الروابط الجغرافية المتمثلة في علاقات التجاور المكاني، هو الذي يوفر المصلحة للمجموعة الإقليمية،غير لأن هذا المفهوم المجرد من أية دلالة حقيقية والتي تبدو وكأنها مفهوم تجاري يخلط بين فكرة التعاون الدولي التي تبعد كل ما هو خارج الإقليم، وهو متناقض مع الواقع الراهن.
ب-الإقليمية الثقافية والحضارية: لا يستبعد هذا العامل دور العنصر الجغرافي بل يركز على الروابط الثقافية والتاريخية المشتركة التي تتميز فيما بينها بالترابط الحضاري والتشابه في الظروف الاجتماعية وهي الأرضية للتكامل الاقتصادي والعسكري وهو الحال الذي تقوم عليه الجامعة العربية والإفريقية.
ج-الإقليمية السياسية: حيث ينهض هذا التنظيم لتحقيق مصالح مرتكزة لأعضائه تلتقي مصالحها السياسية والاقتصادية بصرف النظر عن موقعها الجغرافي أو انتمائها الثقافي، والذي يمكن أن تندرج في إطاره صور التعاون الدولي، لكن هذا الرأي وإن كانت له وجهاته يبقى قاصرا لا يمكن التسليم به حيث أن المصالح متغيرة.
2-على المستوى التنظيمي والممارسة العلمية:
بداية يبدو أن الفقه لم يتفق على تعريف للإقليمية، ولم تسد الثغرة مواثيق المنظمات الدولية الأمر الذي يسمح للخبرة الدولية للاعتماد عليها في هذا الشأن خاصة الأمم المتحدة وما يدور في فلكها.

الجمعية العامة والإقليمية
انطلاقا من روح الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة الذي أولى للمنظمات الإقليمية دورا متميزا: من خلال حالتين:
الحالة الأولى: اعتراف الجمعية العامة بالجامعة العربية كمنظمة دولية إقليمية قد قبلت الاقتراح المصري بتعريف المنظمة “بأنها الهيئات الدائمة التي تظم في منطقة جغرافية معينة عددا من الدول تجمع بينها روابط التجاور والمصالح المشتركة والتقارب الثقافي واللغوي والتاريخي والروحي، وتتعاون جميعا على حل ما ينشأ من منازعات حلا سلميا وعلى حفظ السلم والأمن الدوليين في منطقتها وحماية مصالحها وتنمية علاقاتها الاقتصادية والثقافية”، وبناء عليه تعاملت الجمعية العامة مع جامعة الدول العربية وأقامت علاقاتها معها باعتبارها منظمة دولية إقليمية وفقا لأحكام الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، بل وأعطتها صفة المراقب في الأمم المتحدة، بل وذهبت إلى عدم إلزامها بقبول كافة الدول الموجودة في المحيط الجغرافي مثل إسرائيل.

مفهوم الإقليمية في تجربة المجلس الاقتصادي والاجتماعي:
لما كان للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الحق في إنشاء لجان مختلفة يتسنى له من خلالها مباشرة اختصاصاته في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية أو تعزيز العمل من أجل تعزيز حقوق الإنسان فأقامت مجموعة من اللجان الإقليمية إلى جانب لجان أخرى الأمر الذي يكرس الإقليمية في السلوك اللاحق للأمم المتحدة حيث أنشأت اللجنة الاقتصادية لآسيا، واللجنة الاقتصادية لإفريقيا ولغرب آسيا وانتهج المجلس الاقتصادي منهجا موسعا في تحديد مفهوم الإقليمية إذ قبل العضوية الاقتصادية للولايات المتحدة في اللجنة الاقتصادية لأوربا ولآسيا وقبول بعض الدول الأوربية في اللجنة الإفريقية وهكذا تجاوز المجلس الاقتصادي المعيار الجغرافي في البحث والثقافي، واتجه إلى المعيار الواقعي البراجماتي الذي يراعي توازنات القوى على الصعيد الدولي.
الإقليمية الثقافية في منظمة اليونسكو حيث استقر العمل على توزيع المقاعد على مجموعات أوربية وأمريكية وآسيوية وعربية وإفريقية، وهكذا لم تكرس اليونسكو العامل الجغرافي فقصر نشاطاته على معايير ثقافية متميزة وحددت فحوى المعيار الثقافي بقدرة الدولة على المساهمة في معاونة اليونسكو على الاضطلاع بالمهام المنوطة بها على أساس التقاليد التاريخية والثقافية والاجتماعية مكرسة في ذلك مفهوم الإقليمية الثقافية.
خلص التحليل إنه لا يوجد ثمة تصور محدد متفق عليه لمفهوم ظاهرة الإقليمية، والمسرح الآن أن التطور الحضاري المفاجئ قلل من قيمة التحليلات السابقة وفرض طرح تساؤل، ألا يوجد إلى جانب المفاهيم الكلاسيكية مشاريع أخرى يمكن أن تتزاوج أو يتم التنسيق بين هذه المفاهيم جميعا، وهل يمكن أن ترقى إلى مسميات جديدة مثل فوق الإقليمية أو مرافق دولية خاصة؟
دور المنظمات الاقليمية في النظام الدولي الحالي:
لاشك أن التحولات الجديدة أثرت على كافة المنظمات الدولية والإقليمية، بل أنها أزالت من الوجود منظمات سياسية واقتصادية وعسكرية كانت ذات يوم ذى شأن كبير مثل حلف وارسو، والكوميكون، وهناك وقائع تطرح نفسها مثل التضامن الدولي في مواجهة العدوان والعودة من جديد إلى تطوير مفهوم التدخل الإنساني والدبلوماسية الوقائية، والتركيز على العلاقات الاقتصادية وحقوق الإنسان.
فما عسى أن تقدم المنظمات الإقليمية من عون للأمم المتحدة وفقا للدور الجديد الذي ترسمه الأمم المتحدة، وهو :1- التعاون الدولي-2-تسوية المنازعات-3-عمليات حفظ السلام-4-الدبلوماسية الوقائية.
1-التعاون الدولي في إطار الأمن الجماعي:
ورد الأمن الجماعي في الفصل السابع، حيث بقيت حبرا على ورق حتى جاءت مناسبة حرب الخليج حيث شكلت الظرف الموضوعي المواتي لإعادة الروح في هذه الأحكام ووضعها موضع التطبيق.
وإذا كان نظام الأمن الجماعي يهدف إلى احترام الشرعية الدولية وتمكين أية دولة من استعادة أرضها، على أساس العدل والقانون، غير أن الأمور سارت بما يدفع إلى حالة من التشاؤم.
وقد كشفت التطورات أن العلاقة بين المنظمات الإقليمية والدولية تركزت على ثلاث مسائل:
الأولى: المساندة في اتخاذ القرارات حيث أجمعت المنظمات الإقليمية والدولية على دعم القرارات الدولية أن على مستوى جامعة الدول العربية أو دول الخليج العربي، الأمر الذي أضفى شرعية على مواقف الأمم المتحدة من جهة أخرى كانت المساندة مالية إذ تحمل أعباء العمليات العسكرية إلى درجة أن هذه الدول قد حلت الأزمة المالية للأمم المتحدة التي بدأت تعاني من ضيق مالي، وإلى درجة أن التمويل بالإنابة قد أخرج المنظمة من أزمتها، بصورة مدهشة بالرغم من الأزمة المالية التي تعاني منها المنظمات الإقليمية غير أن الدعم المادي أو التدخل بالإنابة يعتبر نقطة سلبية في علاقات المنظمات الإقليمية بالمنظمة الدولية والحلف الأطلسي في يوغسلافيا قد ألحق المنظمة في ذيل مسيرته وكان لها دورا هامشيا في الأزمة.
2-أما في مجال التعاون في مجال التسوية السلمية للمنازعات:
فإن المنظمات الإقليمية التي تشارك في الجهود التكميلية مع الأمم المتحدة في مهام مشتركة لكي تشجع الدول من خارج منطقتها على اتخاذ إجراءات داعمة لكي تلبس العمليات ثوب الشرعية الإقليمية والدولية، إحدى فرص التعاون بين المنظمات الدولية والإقليمية لتعمل على حل بعض الأزمات في داخل أنظمة الدول الكبرى والتي باتت تختفي وراء أطروحات وهمية كإعادة الأمل في الصومال، ثم تراجعت بعد مقتل عدد مكن جنودها الأمر الذي يكشف زيف شعاراتها وأطروحتها.
3-أما المسألة العملية والحية فهي التعاون في عمليات حفظ السلام :
بعد إعداد قوات حفظ السلام وإرسالها فيصعب تكيفها، أهي عمليات زجرية أم تدابير سلمية، أم تهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار أو مراقبة الوضع في منطقة النزاع، وقد تكاملت جهود الأمم المتحدة في تلك العمليات، لعبت المنظمات الإقليمية دورا بارزا، وامتدت إلى القارة الإفريقية والأوربية والأمريكية وقد أضيف إلى مهامها عمليات جديدة كحفظ المدنيين، وتأمين وصول الإمدادات الغذائية والطبية إليهم، والإشراف على سير العمليات الانتخابية في الموزمبيق وبعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية وإدارة البلاد لفترة انتقالية بكمبوديا، ولقد أثبتت المنظمات الإقليمية أن لديها إمكانات يجب استثمارها للوفاء بالمهام الجديدة للأمم المتحدة بالرغم من فقدان العديد من الدول للعناصر المؤهلة للقيام بدور إيجابي في مجال حفظ السلام، كما تأكد أن بإمكان المنظمات أن تلعب دورا في الإنذار المبكر عن حالات التوتر التي يمكن أن تؤدي إلى قيام نزاعات دولية.
4-الدبلوماسية الوقائية:
عرف الأمين العام تلك العمليات”بأنها العمل الرامي إلى منع نشوء منازعات بين الأطراف ومنع تصاعد المنازعات القائمة وتحولها إلى صراعات ووقف انتشار هذه الصراعات عند وقوعها” وهي فكرة جديدة من بين الأفكار الأساسية المطروحة، والتي تحقق التكامل الوظيفي إذ تجمع بين المهام الأمنية والاقتصادية والاجتماعية أو بمعنى آخر أرادت القول أن السلام والأمن يرتبطان بالسلام والأمن الاجتماعي والاقتصادي، وأن الأزمات ناتجة عن الإخفاق في التعامل الإيجابي مع المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وأن نشاط المنظمة في المجالات غير السياسية تهدف لخدمة أهداف سياسية سيما أن الحرب دائما تفرز لنا إما فكرة جديدة أو منظمة جديدة.
وتأكد أن الدبلوماسية الوقائية كآلية لتفادي نشوب المنازعات والحيلولة دون تصاعدها عندما لا تفلح الجهود الدولية قس تخفيف حدة الصراع التي تنشب في المجالات الاقتصادية والإنسانية والبيئية.
وبواسطة الدبلوماسية الوقائية التي يمكن أن تضطلع بها المنظمات الإقليمية أن تعزز الثقة ما بين الأطراف المعنية وأن تخفف عن كاهل الأمم المتحدة مهام حفظ السلام الأمر الذي سيضفي طابع الديموقراطية في العلاقات الدولية.
من جهة أخرى سيكرس نوعا من المشاركة مبنية على الأسس التالية:
أ- أن المنظمات الإقليمية أكثر دراية بظروف الواقع أو بموقف دولي معين، وتراعي الظروف الخاصة بكل منظمة.
ب- أن النزاعات القائمة تعود لأسباب اقتصادية وعرقية ودينية، لذا فإن المجال الأساسي لحلها التعاون بين المنظمات الإقليمية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
ج- يمكن للمنظمات الإقليمية أن تقوم بتدريب عناصر عسكرية ومدنية وإعدادها لتقوم بمهام عند اللزوم بأعمال المراقبة وتقصي الحقائق وهي قادرة على الأداء الإيجابي وتوقيع الجزاء وفي نفس الوقت سيكون ذلك حافزا لها لتدارك القصور في آلية عملها كمنظمة إقليمية.

الإقليمية بين التعامل والتبعية:
قضايا حقوق الإنسان ومبدأ التدخل الإنساني
بعد الحرب العالمية الثانية أضحت حقوق الإنسان المبادئ الرئيسية بل الحاكمة للتنظيم الدولي، قد تم التعبير عنها في العديد من الاتفاقات والمواثيق الأوربية الإقليمية مثل الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان، والتي توقر الضمانات في أماكن تخل المجتمع الدولي لكفالة الاحترام الواجب لهذه الحقوق وتلك الحريات، وفي الآونة الأخيرة بات التدخل الإنساني على قائمة الإجراءات التي يتم اللجوء إليها لفرض مثل هذا الاحترام ودونما تفرقة في هذا الشأن بين المواطنين وغيرهم من الأجانب، وأضحى الحقل المشترك ليس لاهتمامات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية فحسب بل ومن جانب المنظمات غير الحكومية كمنظمة العفو الدولية كمنظمة رائدة، وإذا دققنا في اتفاقية ما ستريخت التي دخلت حيز التنفيذ فنرى أنه قد قدر لها أن تسهم بنصيب أكبر في مجال تعزيز هذه الحقوق وما يرتبط بها من حريات أساسية للأفراد سيما أنها أنجزت جهازين قضائيين متخصصين هما محكمة العدل الأوربية، والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان التي نبط بها الفصل في كافة النزاعات التي يمكن أن تثور. وتجدر الإشارة أن الاتفاقية تمد الحماية إلى كافة الأشخاص الذين يوجدون داخل هذا النطاق المكاني الصرف بصرف النظر عن جنسيتهم.
أما في منظمة الوحدة الإفريقية وفي مجال حقوق الإنسان فقد أكد مؤتمر رؤساء الدول والحكومات الإفريقية في جوان 1981الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وبرغم تصديق بعض الدول عليه، لكنه لم تنشأ رقابة فعالة تشرف على احترامه، غير أن هناك شخصيات مستقلة للتحقيق في مخالفة الحقوق والحريات، فإن مباشرتها لاختصاصها يتوقف على موافقة الدول المعنية، خلافا لرقابة الأمم المتحدة التي لا تحتاج إلى مثل هذا الموقف، وهذا يعني أن حقوق الإنسان في المنظمات الإقليمية لا تجد أساسها في نبل المبادئ التي يتم السعي لتحقيقها، ولا في طبيعة النصوص القانونية التي يحتويها، وإنما تجد هذا الأساس في إطار ما تستند إليه العلاقات الدولية، ونقصد بذلك مصلحة كل دولة ولا نعتقد أن الدول الإفريقية تتجرأ على المغامرة في حقوق الإنسان، ويكفي للتدليل على أنت التغييرات التي تتم في إفريقيا شأنها شأن كافة الدول في العالم الثالث إلا عن طريق الانقلابات العسكرية أو الاغتيالات أو الوفاة ونادرا ما تتم عن طريق الاستقالة أو التخلي عن الاستقالة.

التمييز العنصري

أقرت بعض الدول سياسة التمييز العنصري أو الفصل العنصري، ويعود للمنظمة الدولية، منظمة الأمم المتحدة الفضل الأول في القضاء على التمييز العنصري بتكريس ذلك في ميثاق الأمم المتحدة.
وإذا كانت العنصرية موروثة عن نظام الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم، فإن منظمة الأمم كافحت هذا الفعل المهين بأساليب عملية متعددة سواء من خلال مجلس الأمن الدولي الذي أنشأ.
الاتفاقات الدولية للقضاء على العنصرية في شتى المجالات.
إخراج النظام العنصري من منظمة الأمم المتحدة.
توقع الجزاء على جنوب إفريقيا، وتشكيل مجلس الأمم المتحدة لناميبيا.
أخذت العديد من القرارات بمقاطعة النظام العنصري وتوقيع جزاءات اقتصادية، واعتباره تهديدا للسلم و الأمن الدوليين.
ويتجسد التكامل الإقليمي والدولي في أرقى تجلياته إذ أن أهداف ومبادئ المنظمة الإفريقية في تحرير القارة، وتحلي التعاون في مجال القضاء على آفة العنصرية، بعدما قامت المنظمة بإنجاز تاريخي بتصفية الاستعمار، والذي بقيت ذيوله في ناميبيا ووجود النظام العنصري في جنوب إفريقيا ذو الأساس الاستعماري، لذلك سعت منظمة الوحدة الإفريقية لدى الدول الكبرى لوقف مساعداتها للدول الاستعمارية، وكذلك الشركات المتعددة الجنسيات، بل وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول غير الإفريقية والتي تساعد الدول الاستعمارية.
وبعد تفاقم نضال الشعوب الإفريقية، نجحت المجموعة الإفريقية من خلال حركة عدم الانحياز في الحصول على قرار من مجلس الأمن بشأن بطلان الدستور الجديد المعمول به في جنوب إفريقيا اعتبارا من عام 1984، واستمر نضال شعب جنوب إفريقية حتى انتصر وأقام نظامه الشرعي الممثل للأغلبية .
وإذا كان يأخذ على المنظمة الدولية أنها كرست الاستعمار في ميثاق من خلال نظام الوصايا الدولية، فإن الفضل يعود إلى المنظمات الإقليمية التي أنهت الاستعمار، عندما حصلت أغلبية الدول على الاستقلال الذي لم يتم تصفيته بسهولة، بل إنها وقفت وراء إقرار قواعد قانونية مثل قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع الدول الاستعمارية، مقاطعة الدول اقتصاديا، وقف المساعدات الاستعمارية استبعاد الدول الاستعمارية من المنظمات الدولية.
غير أن للمنظمة للدولية الفضل في تعزيز الاستقلال السياسي، الذي قرر عام 1962 بالقرار 1514، بإقرار حق الشعوب في تقرير مصيرها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي 1970 ويرتبط هذا الحدث بنضال الشعوب ومواقف المنظمات مثل حركة عدم الانحياز، كذلك المنظمات الإقليمية.
استخدامها في أعمال القمع: استنادا لنص المادة 53/1من الميثاق، إن المنظمة تستخدم في أعمال القمع، إذا رأى ذلك ملائما، ويكون ذلك تحت إشرافه ورقابته، ومن جهة أخرى حظر اتخاذ إجراءات ألا من جانب المنظمات الإقليمية بدون استئذان مجلس الأمن، إلا من جانب الدول الأعداء، ولم يعد لها وجود بانتهاء الحرب العالمية الثانية واستسلام الأعداء بل وتوحد ألمانيا وانضمامها إلى الأمم المتحدة مؤخرا.
غير أن الفقرة الموالية من المادة 53 باسم حق الدفاع الشرعي لإبرام مجموعة من الاتفاقات المنشئة للأحلاف وأنظمة الدفاع المشترك بحجة أنها تدخل في إطار الأمن الجماعي، ولهذا تستطيع استعمال القوة بشكل وؤقت حيث تخضع لرقابة مجلس الأمن الدولي، وهي رقابة عامة ولاحقة.
من الناحية العملية تطرح هذه الدراسة واقع جامعة الدول العربية على ضوء جديد وليس مفهوم عاطفي وجداني فحسب ولا مسألة تبررها اعتبارات التاريخ ووحدة اللغة والعادات والتقاليد والأماني، بل لابد من النظر إليها من خلال حجم التفاعلات التي تتم بين الدول العربية وكثافتها ومن خلال التحليل النوعي والكمي لإبراز هذه الحقيقة ودراسة الواقع من وجهة نظر ديناميكية، لأن أي نظام من التفاعلات والعلاقات المتشابكة ليس حقيقة ساكنة بل إنه يشهد تغيرات جمة في حجم كثافته وأطراف وطبيعة التفاعلات من مرحلة لأخرى وتبرز دلالته ونحن على مشارف الألفية الثالثة.
لقد كشفت الأحداث أن التنظيم الإقليمي العربي نظام دولي تابع إذا ما قورن مع الوحدات الإقليمية الأخرى الاقتصادية والفنية والمالية المعبرة عنها بالمنظمات المتخصصة، أو الشركات المتعددة الجنسيات، والتي تبدو أكثر فاعلية وأكثر قدرة على الحركة، لأسباب منهجية. إن التنظيم الإقليمي هو خطوة نحو تحقيق العالمية، في حين تبدو أنها مجرد امتداد أو رد فعل للسياسات الخارجية للدول الكبرى.
من جهة أخرى أن الإقليمية، هي التكامل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فإن الواقع يشير إلى تكتلات إقليمية جغرافية غير متماسكة، يميل إلى النمط الصراعي، وتمتاز بأن مكوناتها مركز أو قلب النظام وأطرافه من ناحية و الدول الهامشية، وما أكثرها ويعمل القطب على ترويج النظام الدولي، والسمسرة والتوسط والحياد في الصراع واحتواء الأزمات ويعمل أصحاب القرار في النظام الإقليمي العربي على تكريس مفاهيم سياسية، غير قانونية مثل الشرق الأوسط على أساس المفهوم الغربي كمنطقة تضم خليط من القوميات والسلالات والأديان واللغات والطوائف وذلك بهدف إدخال دول غير عربية في المنطقة، وإخراج دول عربية منها، ويشهد هذا النظام انفجار سكاني، في المناطق زراعية، شعوبها يغلب عليها طابع الأمية المقترنة مع الفقران وسوء الأحوال الصحية ليتكرس التخلف.
لدراسة حالة تطبيقية، أثر منظمة التجارة العالمية على النظام الإقليمي :أفضت المفاوضات الدولية التي ابتدأت باتفاقية الجات عام 1974 إلى مؤتمر مراكش عام 1994 بإنشاء منظمة التجارة العالمية ومن أبرز المبادئ التي قررتها مبدأ عدم التميز والتخفيض العام والمتوالي للرسوم الجمركية على أساس التبادل، إزالة القيود الجمركية وتنظيم سياسة الإغراق او إعانة التصدير.
والهدف الأساسي من المنظمة إسقاط كافة المفاهيم التي تقررت عام 1974 والتي سميت بالنظام الاقتصادي الدولي الجديد، المقترح في مؤتمر حركة عدم الانحياز في الجزائر والذي تبنته الأمم المتحدة، ووضعت برنامج عمل له. واستبداله بحرية التجارة والاستثمارات والإبقاء على مبدأ شرط الدولة الأكثر رعاية الذي يعطي فائدة للغير لاحقا، ومبدأ شرط المعاملة الوطنية إذ على الدولة أن تطبق على كل المنتجات المستوردة إن الدول الأخرى ذات المعاملة السارية على المنتجات الوطنية المماثلة فيما يتعلق بكل من الرسوم والتنظيمات، ومبدأ الشفافية بإزالة كل القيود التي تمنع وتقر الاتفاقية إقامة تكتلات إقليمية اقتصادية، وتطبيق مبدأ الرقابة الدولية بفحص سياسة الدول الأعضاء، وسمو اتفاقية مراكش على غيرها من الاتفاقيات والتشريعات الداخلية للدول الأعضاء.
ومن أبرز خصائص التجارة العالمية إلغاء الدعم على المنتجات الزراعية الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاعها، وفتح سوق المنافسة للمنتجات والملابس.
ومن أبرز النظم الاقتصادية التي كرستها الاتحاديات الجمركية ومناطق التجارة الحرة والاتحاد الجمركي يقضي بإزالة الرسوم الجمركية والقواعد المقيدة للتجارة وإنشاء تعريفة مشتركة وتنظيم تجاري مشترك تجاه الدول الأخرى، أما مناطق التجارة الحرة كصورة للاندماج الاقتصادي ومن الناحية التنظيمية أعادت شروط تأسيس التجمعات الإقليمية حيث تلتزم بشمول التجمع للمبادلات التجارية الأساسية بين الدول الأعضاء والالتزام بتقديم برنامج تأسيس التكتل، والالتزام بعدم التأثير سلبا على مسار تدفقات المبادلات التجارية الدولية، والالتزام بعدم زيادة العوائق تجاه الدول الأخرى والالتزام بتدابير محددة لدى زيادة سعر رسم مربوط على أساس حسن النية.
أثر العالمية على الإقليمية: لاشك أن اتفاقية مراكش صفقة بين الدول القوية اقتصاديا مع مراعاة مصالح الدول المختلفة على أساس المساواة، غير أن هذا المبدأ يؤدي إلى عدم العدالة، حيث المساواة القانونية تؤثر على الأوضاع الفعلية بين الدول النامية وتكرس تفاوت لاحق، والمساواة القانونية تغطي حق التصويت لكل دولة صوت واحد وتأخذ الأصوات بالأغلبية الأمر الذي سيكرس نوعا من الديموقراطية المبهرة والذي لا يمحو اختلال الدول فيما بينها من الناحية الفعلية غير أن الدول النامية لم تستفد شيئا من المساواة القانونية، فاتجهت لإقرار نظم قانونية للدول وفقا لأوضاعها الفعلية، فتعدد النظام القانوني أمر لا بد منه، بمعنى وجود قواعد قانونية مختلفة وفقا لوضع الدول بحيث يتم إقرار قواعد معينة خاصة بكل مجموعة من الدول بالنظر إلى وجود أسباب فعلية لذلك، أي إقرار سيادة فعلية، لأن حرية التجارة تقتضي التبادل التجاري، وهو أمر يصعب تجسيده بين دول العالم الثالث، وهكذا تراد هذه المبادئ لتصبح غير صالحة وغير مفيدة الأمر الذي يدفع بالمطالبة باقتضاء عدم التبادل وهو منطقي ومقبول، وكذلك يجب منح افضليات لدول نامية أن تكون هناك إعفاءات عامة وخاصة بكل دولة واستثناء من تطبيق بعض الأحكام، وإقرار معاملة خاصة وتفضيلية لبعض الدول النامية وأكثر رعاية والسماح لها بمكافحة سياسة الإغراق.3

مستقبل الإقليمية الجديدة:

إقليمية الجنوب مقابل إقليمية الشمال:

إن موقع أية إقليمية على المدى الفسيح للإقليمية الجديدة يتخذ بدرجة إقليمية المنظمة وبهذا القياس سوف تكون معظم منظمات الجنوب على الجانب المنخفض للإقليمية، في حين تصعد منظمات الشمال في مراتب القياس، ويعود ذلك إلى الفجوة بين الأقاليم الشمالية والجنوبية فمثلا نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي بالنسبة إلى البلدان المتقدمة كان بآلاف الدولارات وصل إلى 22161 في حين كان الرقم في الجنوب 18.405 وتكشف الفجوة قدرات المنظمات في الشمال التعاون الاقتصادي وفي الجنوب السيطرة الاقتصادية، وتسيطر منظمات الشمال على التجارة العالمية في حين تسير منظمات الجنوب في أرض مجهولة، وفي حين أقام النظام الأوربي هياكل للتعاون، ويمتد نحو الجنوب لإقامة نظام متوسطي وتحاول الولايات المتحدة إقامة نظام خليجي هشا وغير مستكمل بسبب غياب العمود الفقري إيران والعراق، وأمام المشاكل المتفاقمة، طرحت جامعة الدول العربية حلا للتعاون الإقليمي لمنظمات الجنوب يمكون تعاونا منهجيا وشملا ويعزز التنظيم الإقليمي، وإن يقوم لأمن التعاوني على التشاور لا على المواجهة وعلى التظمين لا على الردع وعلى التكافل لا على الانفرادية.
ولقد طرح أحد الباحثين فكرة التعاون لحل الأزمات الداخلية، على أساس المعايير الإنسانية للتدخل ودعا على مزراعي إلى فكرة الاستعمار الحميد، وإعادة الاستعمار الذاتي هو الحل بدلا من الاستعمار القادم بصورة مستترة، وعلى الدول إن تقيم مجلس الأمن الاقتصادي، وأن تمنح المنظمات الإقليمية فرصة لصنع القرار في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وإذا ما أخفقت في أداء مهامها، فإن المواجهة والتوتر سوف يسود والأسوأ من ذلك أن البديل للإقليمية الناجحة سيكون تهميش الجنوب.




التصنيفات
العلوم السياسية و العلاقات الدولية

قواعد المجاملات الدولية

قواعد المجاملات الدولية

هي تلك العادات التي يجري إتباعها استجابة لاعتبارات الملاءمة والتي تساعد على توطيد العلاقات بين الدول وخلق جو من الثقة أو الصداقة المتبادلة ولذلك فإن خرق المجاملات الدولية لا يعتبر بمثابة عمل أو تصرف غير مشروع يثير المسؤولية الدولية وكل ما في الأمر أن عدم الالتزام بالمجاملات الدولية يؤدي إلى تعكير صفو العلاقات الدولية ويعتبر كذلك من الأعمال غير الودية والتي تواجه أو تقابل بالمثل .
ومن أمثلة المجاملات الدولية مراسيم استقبال رؤساء الدول ومراسيم استقبال السفن الحربية وكذلك التحية البحرية ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن المجاملة الدولية قد تتحول إلى قاعدة قانونية دولية ملزمة وذلك إذا دخلت مجال القانون الدولي العام بواسطة أحد مصادره كالمعاهدات الدولية أو العرف الدولي أو القرارات الدولية أو المبادئ العامة للقانون والى غير ذلك من المصادر المحددة بنص المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ، ومثال ذلك الحصانات الدبلوماسية كانت بمثابة مجاملات ثم تحولت إلى قاعدة قانونية دولية أبرمت بشأنها عدة اتفاقيات مثل اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 واتفاقية فينا للعلاقات القنصلية 1963 ، وفي المقابل فإنه يمكن للقاعدة القانونية الدولية أن تتحول إلى مجرد مجاملة دولية وذلك بخروجها من نطاق القانون الدولي العام كما حدث بالنسبة للتحية البحرية ومسألة استقبال السفن البحرية.

التمييز بين قواعد القانون الدولي وقواعد الأخلاق الدولية:

نعلم بأن معيار التمييز بين الأخلاق والقانون محل خلاف فهناك من يرى بأن : الأخلاق هي قاعدة من قواعد الحياة الفردية ، بينما القانون هو قواعد اجتماعية ، ولكن وجهة النظر هذه تتجاهل أن الأخلاق كما يمكن أن تكون فردية تحدد واجبات الإنسان اتجاه نفسه فإنها يمكن أن تكون اجتماعية تحدد واجبات الفرد تجاه الآخرين ، وهناك من يميز بينهما ومن بين هؤلاء الفقيه الهولندي (غروسيوس) الذي يرى بأن القانون يهتم بالتصرفات الخارجية للإنسان أما الأخلاق فهي تخاطب الضمير الداخلي للإنسان.
وكل هذا معناه أنه لا يمكن الحديث عن قواعد الأخلاق في نطاق المجتمع الدولي الذي يتكون من دول ووحدات دولية أخرى كلها أشخاص قانونية معنوية ينعدم لديها الضمير
ومعيار التمييز بين الأخلاق والقانون يكمن بصفة أساسية في عنصر الالتزام ، وتبعا لذلك فإن الإخلال بقاعدة خلقية لا يترتب عليها المسؤولية الدولية على عكس الإخلال بقاعدة قانونية دولية ، ومن أمثلة قواعد الأخلاق على الصعيد الدولي تلك القاعدة التي تفرض على الدول تقديم المساعدة لدولة ما منكوبة مثلا ، وقد تتحول القاعدة الخلقية إلى قاعدة قانونية دولية من خلال المصادر الدولية السالفة الذكر ، وهذا ما حدث بالنسبة لتلك القواعد القانونية المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب والجرحى والمرضى والمدنيين أثناء النزاعات المسلحة حيث كانت في بداية الأمر مجرد قواعد أخلاقية وبعد ذلك أصبحت قواعد قانونية واجبة التطبيق والاحترام من خلال اتفاقيات جنيف الأربعة المبرمة عام 1949 بشأن القانون الدولي الإنساني . أي مجموعة القواعد القانونية الواجبة التطبيق خلال الحروب والنزاعات المسلحة ذلك أن الحرب وإن اعتبرت من الأعمال المحظورة وفقا لنص المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة إلا أنه يمكن اللجوء إليها استنادا إلى نص المادة 51 من الميثاق في إطار ما يعرف بحق الدفاع الشرعي ، وكذلك من خلال تطبيق القواعد القانونية الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والمتعلقة باستعمال القوة وفقا للفصل السابع من الميثاق وذلك في حالة تهديد الأمن والسلم الدوليين والإخلال بهما .

أساس القانون الدولي:

على الرغم من إجماع فقهاء القانون الدولي على قانونية قواعد هذا القانون ، أي أنها تتمتع بالصفة الإلزامية ، إلا نهم اختلفوا في أساس هذا الإلزام.

1.المذهب الإرادي:

يتمحور أساس القانون الدولي وفقا لهذا المذهب في الإرادة حيث ينسب إليها الفضل في تكوين القانون وإضفاء علية صفة الإلزام ، ولذلك فإن إرادة الدولة هي أساس القوة الملزمة للقانون الداخلي ، وإرادة الدول هي أساس الإلزام بالنسبة للقانون الدولي ، وأنصار المذهب الإرادي اختلفوا في تحديد المقصود بالإرادة التي تعتبر أساس إلزام قواعد القانون الدولي وقد تجلى هذا الاختلاف في نظريتين هما :

a.نظرية التقييد أو التحديد الذاتي للإرادة المنفردة:

ووفقا لهذه النظرية فإن الدولة لا تعلوها سلطة أخرى يمكن أن تفرض عليها الالتزام بقواعد القانون الدولي ، فالدولة تتمتع بسلطة مطلقة والتزامها بقواعد القانون الدولي يكون باختيارها من دون أي إكراه ، ومعنى هذا أن الدولة هي التي تقيد إرادتها بنفسها وتلتزم بقواعد القانون الدولي . وفقا لمنطق هذه النظرية فإن القانون الدولي ما هو إلا قانون الدولة الذي يهتم بقضاياها الخارجية.
وقد تعرضت هذه النظرية إلى نقد شديد ذلك أنه إذا كان الهدف من القانون هو تقييد الإرادة فكيف يمكن القول بأن هذا القانون يجد أساسه في هذه الإرادة ، ومن ناحية أخرى فإن منطقا كهذا يؤدي إلى هدم القانون الدولي ، فإذا كانت الدولة تلتزم بقواعده بمحض إرادتها فلها أن تتحرر من هذا الالتزام متى شاءت بمحض أو بذات الإرادة .
فالقاعدة القانونية وفقا لهذه النظرية أسيرة مصالح وأهواء الدولة ، فالدولة تلتزم بالقاعدة طالما كانت تخدم مصالحها وتتحلل منها مت أصبحت هذه القاعدة تتعارض مع مصالحها.

b.نظرية الإرادة المتحدة أو المشتركة للدول

وفقا لهذه النظرية فإن الإرادة هي أساس الصفة الملزمة لقواعد القانون الدولي وهذه الإرادة تكمن في الإرادة المشتركة الجماعية الناتجة عن اتحاد إرادات مختلف دول المجتمع الدولي وما يؤاخذ على هذه النظرية أنها تؤدي إلى حصر مصادر القانون الدولي في المعاهدات الدولية فقط ، وذلك أن الالتزامات التي ترتبها المعاهدات ناتجة عن اتفاق الأطراف المتعاقدة فيما بينها ولذلك فإن هذه النظرية لا تفسر الالتزام بقواعد القانون الدولي المستمدة من مصادر أخرى مثل المبادئ العامة للقانون وقرارات المنظمات الدولية ، كما أن هذه النظرية تعرضت بدورها إلى نقد مشابه لما تعرضت لها سابقتها لأنها تؤدي أيضا إلى إضعاف وعدم استقرار قواعد القانون الدولي وذلك لعدم وجود ضمانات تحول دون انسحاب الدول من الإرادة المشتركة التي تؤدي إلى وجود أنظمة قانونية دولية متعددة حيث كل معاهدة يكون لها كيان مستقل عن المعاهدات الأخرى . ونظرا لهذه الانتقادات المذهب الإرادي حاول الفقه الدولي أن يفسر أساس الالتزام بقواعد القانون الدولي بعيدا عن إرادة الدول وهذا ما نلمسه في طرح المذهب الموضوعي.

2.المذهب الموضوعي:

هذا المذهب يبحث في أساس القوة الملزمة لقواعد القانون الدولي خارج إرادة الدول سواء كانت إرادة منفردة مقيدة أو إرادة جماعية مشتركة وهذا المذهب الموضوعي يتمثل في مدرستين.

a.المدرسة القاعدية النمساوية:

تسمى هذه المدرسة بالمدرسة القاعدية لأن أنصارها تصور القانون على أنه جملة من القواعد على شكل هرم وكل قاعدة تستمد قواعدها من القاعدة التي تعلوها، وتسمى بالنمساوية إلى مؤسسيها النمساويين الأول ( كلسن Kelsen ) والثاني ( فالدرومي ) ، وتنطلق هذه المدرسة في بحثها عن أساس الإلزام في قواعد القانون الدولي حيث أنها تعتبر القانون على أنه هيكل هرمي من القواعد تستمد كل قاعدة الزاميتها من القاعدة التي تعلوها ، أي أن القواعد القانونية تتدرج في قوتها بشكل هرمي حتى تصل إلى قمة الهرم الذي يتكون من قاعدة معروفة هي « المتعاقد عبد تعاقده» .
وما يؤاخذ على هذه النظرية أنها حاولت تأسيس الإلزام للقانون الدولي على محض الافتراض.

b.المدرسة الاجتماعية:

تنسب هذه المدرسة إلى بعض الفقهاء الفرنسيين ك : (جورج سال) ، وتنطلق في البحث عن أساس القانون الدولي من خلال نظرتها للقانون على أنه مجرد حدث أو واقع اجتماعي يفرضه الشعور بالتضامن الاجتماعي الذي لا تستطيع الجماعة الاستمرار من دونه .
ويؤاخذ على هذه النظرية أنها تحاول تأسيس القانون الدولي على فكرة غير محددة وهي فكرة التضامن الاجتماعي ، ولذلك حاول بعض أنصار هذه المدرسة استبدال فكرة التضامن الاجتماعي بفكرة الضرورة الاجتماعية .

وأخيرا ما يمكن أن نقف عليه في مسألة أساس القانون الدولي وبعيدا عن الجدال الفقهي الذي دار بشأنه على نحو ما رأينا : فإن القانون الدولي تلتزم به الدولة وتنص على التزامها به في قانونها الوطني ، ولذلك كثيرا ما نجد الدساتير تنص على المبادئ التي تلتزم بها الدولة في سياستها الخارجية وهذه المبادئ تعتبر من صميم قواعد القانون الدولي .