التصنيفات
تاريـخ,

قصة الحضارة الاجزاء كامله من 01 الى 14 بحجم خرافي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قصة الحضارة – ديورانت – الاجزاء كامله من 01 الى 14

الحجم : 11.1 MB

http://www.4shared.com/get/CpXdnTUs/…___01__14.html


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

موضوع قيم شكرا لك


التصنيفات
تاريـخ,

ابن خلـدون و مفهـــوم التاريــخ ومزالـــق المؤرخيــن من المقدمة

ابن خلـدون و مفهـــوم التاريــخ ومزالـــق المؤرخيــن من المقدمة

كتب: طارق بن زاوي

16/02/1431 الموافق
31/01/2010

لقـد أسهم المسلمون في تطور الفكر الإنساني ، وظهر كثير من العلماء و الأدباء و المفكرين الذين تركوا إبداعات علمية غير مسبوقة في مختلف العلوم و الفنون ، ولا ينكر هذا إلا جاهل أو معاند يحاول حجب نور الشمس في واضحة النهار ، و من هؤلاء الأعلام الذين برزوا في زمن أوشكت فيه شمس الحضارة الإسلامية على الغروب ، المفكر و العالم الكبير عبد الرحمن بن خلدون الذي كتب فأبدع ، فكان بحق وحيد عصره و المتميّز عن أقرانه و شيوخه ، ولا تزال هذه الشخصية الفريدة لحـد الساعة محلّ بحث و دراسة لما جاءت به من آراء و نظريات جديدة خاصة في مجال التاريخ و ما أطلق عليه ابن خلدون العمران البشري .

وقد عني بدراسة شخصية هذا العَلَم جمع من العلماء شرقا و غربا ، والذي جعلهم يفردون له هذا الاهتمام الكبير، ذلك الكتاب و المؤلف التاريخي الكبير و تحديدا ما افتتحه به و الذي اصطلح على تسميته بالمقدمة ، والشيء الذي يهمّنا في هــذا العرض ما جاء في المقدمة من كلام حول التاريخ و نظرة ابن خلدون له من خلال ما كتب حوله ، فكان أول شيء تناولته في هذا الموضوع ترجمة موجزة لعالمنا ، ثمّ ذكرت تعريفه للتاريخ و تقديما لكتابه في هذا الفن ، و أردفت ذلك بنقل شيء من كلامه حول الأسباب التي تحمل المؤرخ على نقل أخبار خاطئة ، و أخيرا ذكرت بعض الأخطاء التي وقع فيها السابقون من سردهم لوقائع و أحداث لا يمكن التصديق بها و عدّها المؤلف ضربا من الخيال ، و قـد اعتمدت في النقل على ما جاء في المقدمة ، ناقلا كلام المؤلف بنصّه ، متدخلا بحذف و اختصار بعض العبارات فقط .


1– ترجمة ابن خلدون :

أ- نسبه : هو أبــو زيد ولي الدين عبد الرحمان بن أبي بكر بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن خلدون ، أصله من حـضرمـوت من اليمن وتحديدا من قبيلة كندة ، وقد دخل ابن خلدون الأندلس مع جند اليمنية و حلّ في اشبيلية سنة 92 هـ/710م ، ثم هاجرت أسرته إلى سبتة و استقرت بها إلى أن استدعى أبو زكريا الحفصي(1) الحسن جد عبد الرحمان إلى تونس فاستقرّ بها .
ب- حيـاتـه : ولد عبد الرحمن بتونس سنة 732 هـ/1332م ، وقد نشأ في بيت علم و رياسة ، و توارثت أسرته الاشتغال بالقضاء ، حفظ القرآن بالقراءات السبع ، و درس العلـوم الفقهية و اللغوية و الأدبية على يد شيوخ كثيرين أورد أسماء الكثير منهم في معرض حديثه عن نفسه .
لقد أصيبت منـاطق واسعة من إفريقيا الشمالية في منتصف القرن 8 هـ / 14م بوباء الطـاعون ، فهلك عدد كبير من السكان ، وكان من جملة الهالكين والدا ابن خلدون ، فتركاه وحيدا لم يتجاوز سن السابعة عشر ، فتابع دروسه مدة لكنّه أُجبر أن يبحث عن عمل ، فعينه السلطان أبو إسحاق الحفصي(2) كاتبا للعلامة ، و شرح ابن خلدون طبيعة هذا العمل فقال :" فكتبت العلامة للسلطان وهي وضع الحمـد لله و الشكر لله بالقلم الغليظ ممّا بين البسملة وما بعدها من مخاطبة أو مرسوم "(3) ، ولكن سرعان ما ترك هذا العمل بسبب الفتن و الاضطرابات ، فلجأ إلى الجزائر و حلّ ببسكرة عند صاحب الزاب ، و لما استولى أبو عنان المريني (4) على ما بين تلمسان و بجاية ، استدعى ابن خلدون لخدمته في فاس ، ونزل بها سنة 755 هـ/1352م ، وعينه أبو عنان أمين سرّه سنة 756 هـ / 1353 م ، فرضي بهذا العمل(5) .
وفي سنة 757هـ/ 1355م غضب عليه أبو عنان فسجنه و لبث في السجن إلى غاية وفاة السلطان المريني 759هـ / 1358م ثمّ عينه أبو سالم (6) كاتب سرّه سنة 762هـ/1361م و بعد مقتل أبي سالم ، انتقل ابن خلدون إلى غرناطة ، فرحب به أميرها أبو عبد الله الخامس (7) الناصري ، الذي كان قد التجأ مع وزيره لسان الدين ابن الخطيب (8) إلى فاس فوافقا هناك وجود ابن خلدون ، ولما تمكن أبو عبد الله من استعادة ملكه ، أكرم وفادة ابن خلدون و ضمه إلى حاشيته وكلّفه بمهمة إتمام الصلح مع القشتاليين سنة 765هـ / 1364م ، فقام بمهمته أحسن قيام ، لكن علاقته ساءت مع ابن الخطيب (9) فانتقل إلى بجاية و منهـا إلى بسكرة ، و لم يـزل يخـوض في السياسة حتى قرّر مقاطعتها و التفرّغ للعلم ، فنزل عند بني عريف في قلعة ابن سلامة (غرب الجزائر حاليا ) فأقام بها أربع سنوات ، حيث شـرع في كتابة مؤلفه الكبير في التاريخ ، وأتـمّ هناك مقدمته المشهورة ، ثم احتاج إلى التحقيق و التدقيق في المصادر ، فرغب في العودة إلى تونس فحل بها سنة 780هـ / 1378م ، وفيها أنهى كتابة العــبر و قدم نسخة منه لمكتبة السلطان (10) .
وفي سنة 784هـ / 1382م عزم ابن خلدون على حج بيت الله الحرام ، فنزل الإسكندرية في مصر و أقام بها شهرا استعدادا للتنقل إلى البقاع المقدسة ، غير أنّ مراده لم يتحقق هذا العام ، ثمّ أرسل في طلب عائلته من تونس ، غير أن مصابا جللا أصابهم جميعا ذلك أن السفينة التي كانت تحملهم إليه غرقت فماتوا ولم ينج منهم أحـد ، فذكر الله في مصابه ثمّ حجّ بيت الله الحرام(11) ، ثمّ عاد إلى القاهرة و اشتغل مدرسا بالأزهر الشريف ، و كان قبل وفاة أفراد أسرته تولى قضاء المالكية سنة 786هـ / 1384م ، ثمّ تخلى عنه و عكف على التدريس و العلم إلى أن حضرته المنيّة يوم 25 رمضان 808هـ / 17 مارس 1406م في القاهرة (12) .
ج- آثـــاره : تعتـبر المقدمة أهم إنتاج علمي في العصر الإسلامي الوسيط في مجال فلسفة التـاريخ والحضــارة ، فقد ضمّنها قواعـد منهجيــة خاصة بالبحث و التحقيق و النقد التاريخي و الاجتماعي و السياسي و من مبادئ التفكير العلمي الـذي اهتـدى به هو نفسه و قاده إلى نظرياته في العمران و حقائق الاجتماع و المعاش و الدولة و العصبية و البــداوة و الحضارة و العمل و الإنتاج و الدين و الأخلاق ، و لتميّز تفكيره ووضوح آرائه واقتصاره عـلى بحث ما هو واقع من ظواهر التاريخ و العمران ، يكاد يتفق الدارسون على أنه واضع فلسفة التاريخ ، و المؤسس لعلم الاجتماع المستقل بموضوعه و منهجه و مسائله (13) .
ولابن خلدون قصائد عديدة نضمها في مدح الملوك و الأمراء الذين خدمهم ، ذكر بعضها في كتابـه الضخــم الذي سماه كتاب العبر و ديوان المبتدأ و الخبر في أيام العرب و العجم البربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، و صدر هذا الكتاب ما عرف و اشتهر بمقدمة ابن خلدون .

2- مفهــوم التاريخ عند ابن خلـــدون :

إن المقـدمة هي الجـزء الأول من كتاب العبر ، و المستشرقون في مؤلفاتهم يطلقــون على الجزء الأول من الكتاب مع مقدمــــة المؤلف " مقــدمة في فضل علم التاريخ " ، و يطلقون عليها هذا العنوان العام المختصر و هو المقدمة ، و هذه التسمية مأخوذة عـن حـاجي خليفة ، كما نُقل عنه هذه التسمية " مقدمة ابن خلدون " التي ثبتت فيما بعد في المطبوعات الأوربية عن طريق التقليد (14) .
و يقسّم ابن خلـدون التـاريخ قسمين ، ظاهري و هو أخبار الأيام و الدول و القرون السابقة و قسم خفي و هو نظر و تحقيق و تعليل دقيق و علم بكيفية الوقائع و أسبابها و هذا كلامه بنصه : " فـإنّ فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم و الأجيال ، و تشد إليه الركائب و الرحال و تسمو إلى معرفته السوقة و الأغفال و تتنافس فيه الملوك و الأجيال ، و يتسـاوى في فهمه العلمـاء و الجهّال ، إذ هو في ظـاهره لا يزيد عن أخبار عن الأيام و الدول ، و السوابق من القرون الأول تنمو فيها أقوال و تضرب فيها الأمثال و تطرف فيها الأندية إذا غصّها الاحتفال ، وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلّبت بها الأحوال و اتسع فيها المجال و عمّروا الأرض حتى نادى بهـم الارتحال ، و في باطنه نظـر و تحقيق و تعليل للكائنات و مبادئها دقيق ، وعلم بكيفيات الوقائع و أسبابها عميق" (15) .
و تبعا لمفهوم ابن خلدون للتاريخ فإنّه أثنى على عمله و مؤلفه بعبارات بليغة نافيا عن نفسه أخطاء السابقين و مطبقا لما تضمنه تعريفه من نقد و تحليل فقال : " فأنشأت في التاريخ كتابا رفعت به عن أحوال الناشئة من الأجيال حجابا و فصلته في الأخبــار بابا بابا، و أبديت فيه لأولية الــدول و العمران عللا و أسبابا ، فهذبت مناحيه تهذيبا ، وسلكت في ترتيبه و تبويبه مسلكا غريبا واخترعته من بين المناحي مذهبا عجيبا ، و شرحت فيه من أحوال العمران و التمدن و ما يعرض في الاجتماع الإنساني من العوارض الذاتية ، و ما يمتعك بعلل الكوائن و أسبابها ، و يعرفك كيف دخل أهل الدول من أبوابها حتى تنزك التقليد من يدك و تقف على أحوال ما قبلك من الأيام والأجيال وما بعدك" (16) .

3- مزالـق المؤرخين في نظر ابن خلدون من المقدمة:

أ- أسباب أخطاء المؤرخين : يُعتبر ابن خلدون رائدا في مجال فلسفة التاريخ فهو يحرص على تأكيد التفسير العمراني و الحضاري للتاريخ ، فينتقد مناهج السابقين الذين لم يحـرصوا على تخليص البحث التاريخي من الأخبار الكاذبة ، و نقلوا عن غيرهم دون تمييز بين مـا يحتمل الصدق و ما لا يمكن أن يكون صادقا (17) ، و تشيـد المقدمة بكبار المؤرخين الذين أحلّوا التاريخ الإسلامي مكانته المرموقة أمثال الطبري (18) و المسعودى (19) ، فقيمة تواريخهم أكبر من أن تنكر و إمامتهم مسلّم بها ، و لكن هذه الإمامة كانت سببا في أن وقع التسليم بكثير مما نقلوه عن خطأ ، فقد تأسست أخبار بناء على روايات ، فتلقاها هؤلاء الأئمة واستقرت في تواريخهم ، ولم تعد بحاجة إلي أن تسندها أسانيد ، فالسلطان المعنوي لهؤلاء الأئمة كـان وحده ضمانا لصحتها ، من أجل هذا يحتلّ نقد التقليد مكانا بارزا في القسم المخصص لنقد التاريخ من المقدمة (20) .
و ذكر ابن خلدون أسبابا كثيرة كانت وراء خطأ المؤرخين المسلمين ، و منها الاعتماد على مجرّد النقل فقط لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل و لم تحكم أصول العادة و قواعد السياسة و طبيعة العمران و الأحوال في المجتمع الإنساني ، ولا قيس الغائب منها بالشاهد و الحاضر بالذاهب ، فربما لم يؤمن فيها من العثور و مزلّة القدم و الحيد عن جادة الصدق ، لا سيما في إحصاء الأعـداد من الأموال و العساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنّة الكذب و مطية الهذر(21) .
ومنها الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم و الأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام ، فربما يسمع السامع كثيرا من أخبار الماضي ، ولا يتفطن لما وقع من تغيير الأحوال و انقلابها ، فيجريها لأول وهلة على ما عرف و يقيسها بما شهد ، وقد يكون الفرق بينهما كثيرا فيقع في مهواة من الغلط (22) .
وكذلك التشيّع للآراء و المذاهب ، فإنّ النفس إذا كانت على حال من الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص و النظر حتى تتبين صدقه من كذبه ، وإذا خامرها تشيع لرأي أو نحلة ، قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة ، وكان ذلك الميل و التشيّع غطاء على عين بصيرتهـــا عن الانتقاد و التمحيص ، فتقع في قبول الكذب و نقله (23) .
كما ذكر ابن خلدون أيضا الثقة بالناقلين فقال : " ومن الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار الثقة بالناقلين ، و تمحيص ذلك يرجع إلى التعديل و التجريح" (24) .
و أضاف إلى تلك الأسباب ميــل بعض المؤرخين إلى التقرب من أصحاب المراتب العليا بالثنـاء و المدح و تحسين الأحوال و إشاعة الذكر بذلك ، فتستفيض الأخبار على غير الحقيقة ، فالنفوس مولعة بحب الثناء و الناس متطلعون إلى الدنيا و أسبابها من جاه أو ثروة ، وليسوا في الأكثر براغبين في الفضائل و لا متنافسين في أهلها (25) .
ب- من أخبار الأمم السابقة : يحمل ابن خلدون في المقدمة بشدّة على كبار المؤرخين الذين نقلوا أخبارا كثيرة دون أن يعملوا فيها نظرهم و يبحثوا فيها لتمحيصها ، فيثبتوا الصحيح منها و يطرحوا المخالف لأصول العادة و قواعد السياسة و طبيعة العمران ، ومن الأخيار التي تخص الأمم السابقة أخبار بني إسرائيل و التبابعة و العرب البائدة ، و سنذكر مآخذ ابن خلدون على هذه الأخبار ناقلين كلامه من كتابه بشيء من التصرف و الاختصار .
جيش بني إسرائيل : يأخذ ابن خلدون على المسعودي خاصة ما نقله في ذكر تعداد جيوش بني إسرائيل فقال : " و هذا كما نقل المسعودي و كثير من المؤرخين في جيش بني إسرائيل أن موسى عليه السلام أحصاهم في التيه ، فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون ، ويذهل في ذلك عن تقدير مصر و الشام واتساعها لمثل هذا العدد من الجيوش ، فلكلّ مملكة من المماليك حصة من الحامية تتسع لها و تقوم بوظائفها ، تضيق عما فوقها ، تشهد بذلك العوائد المعروفة و الأحوال المألوفة ، ثم إنّ هذه الجيوش البالغة إلى مثل هذا العدد يبعد أن يقع بينها زحف أو قتال ، لضيق مســاحة الأرض و بعــدها إذا اصطفت ، فلو بلغ بنو إسرائيل مثل هذا العدد لاتسع نطاق ملكهم و انفسح مدى دولتهم ، و القوم لم تتسع ممالكهم إلى غير الأردن و فلسطين و الشام ، و بلاد يثرب و خيبر من الحجاز إلى ما هو معروف (26) .
غـزوات التبابعة : و من الأخبار الواهية للمؤرخين ما ينقلونه كافة من أخبار التبابعة ملوك اليمن في جزيرة العرب أنّهم كانوا يغزون من قراهم باليمن إلى إفريقية والبربر من بلاد المغرب ، و إلى التـــرك و بلاد التبت من بـلاد المشرق ، و أن افر يقش بن قيس بن صيفي من أعاظم ملوكهم الأول ، و كان لعهد موسى عليه السلام أو قبله بقليل ، غزا إفريقية وأثخن من البربر و أنّه الذي سماهم بهذا الاسم حين سمع رطانتهم و قـال ما هذه البربرة ، فأخذ هذا الاسم عنه و أنه لما انصرف من المغرب ، جمــع هناك قبائل من حمير فأقاموا بها فاختلطوا بأهلها و منهم صنهاجة و كتامه (27) .
إرم ذات العمــاد : و هنا ينقل ابن خلدون ما أورده المؤرخون في حكايتهم خبر عاد و هم من العرب البائدة التي أبادها الله بعد أن أرسل إليهم فيه هودا فكذبوه فيقول : " و أبعد من ذلك و أعرق في الوهم ، ما يتناقله المفسرون عن تفسير سورة الفجر عند قوله تعالى: " ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد " (28) ، فيجعلون إرما اسما لمدينة وصفت بأنها ذات العماد أي الأساطين ، و ينقلون أنه كان لعاد ابن عوص بن ارم ابنان هما شديد و شداد ملكا من بعده ، و هلك شديد فخلص الملك لشداد و دانت له ملوكهم ، و سمع وصف الجنة فقال: لأبنينّ مثلها ، فبنى مدينة في صحارى عدن في ثلاثمــائة سنة و كان عمره تسعمائة سنة ، و أنّها مدينة عظيمة قصورها من الذهب و الفضة و أساطينها من الزبرجد و الياقوت ، وفيها أصناف الشجر، و لما تمّ بنـاؤها سار إليها بأهل مملكته حتى إذا كان على مسيرة يوم و ليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء ، فهلكوا كلّهم " (29) .
ج- من أخبـار المسلميــــن :
نكبة البرامكة : و هنا ينفي ابن خلدون ما يذكره المؤرخون من أن سبب نكبة البرامكة كان زواج جعفر بالعباسة أخت الرشيد زواجا سريا بعد أن رفض الخليفة هارون الرشيد ذلك ، ينفي ذلك بقوله أن العباسة لأشرف من أن تدنس نسبها بنسب مولى فارسي الأصل و هي بنت خليفة أخت خليفة محفوفة بالملك العزيز و الخلافة النبوية (30) ، ثّم يورد ما يرى من سبب نكبة هؤلاء القوم قائلا : " وإنّما نكب البرامكة ما كان من استبدادهم على الدولة و احتجابهم أموال الجباية ، حتى كان الرشيد يطلب اليسير من المال فلا يصل ، فغلبوه على أمره و شاركوه في سلطانه ، و لم يكن له معهم تصرف في أمور ملكـه فعظمت آثارهم و بعُــد صيتهم و عمروا مراتب الدولـة و خططها بـالرؤساء من ولدهم و صنائعهم و اختاروهم عمن سواهم من وزارة و كتابة و قيادة و حجابة و سيف و قلم ، فيقال أنّه كان بدار الرشيد من ولد يحي بن خالد خمسة و عشرون رئيسا من بين صاحب سيف وصاحب قلم زاحموا فيها أهل الدولة بالمناكب لمكانة أبيهم يحي في كفالة هارون ، و انبسط الجاه عندهم وانصرفت نحوهم الوجوه ، وخضعت لهم الرقاب و قصرت عليهم الآمال ، و مدحوا بما لم يمدح به خليفتهم ، واستولوا على القرى و الضياع من الضواحي و الأمصار ، فاحقدوا الخاصة فكشفت لهم وجوه المنافسة و الحسد (31) .
الرشيــد و الخمر : و نفى ابن خلدون ما رُمي به الرشيد من معاشرته الخمر ، فعرض شيئا من سيرته و أثنى عليه ، فكان ممّا قال : " و أما ما نموه به الحكاية من معاقرة الرشيد الخمر و اقتران سكره بسكر الندمان ، فحاشا لله ما علمنا عليه من سوء ، و أين هذا من حال الرشيد و قيامه بما يجب من منصب الخلافة من الدين و العدالة ، و ما كان عليه من صحابة العلمـاء و الأوليـاء ، و بكائه من مواعظهم ، و ما كان عليه من العبادة و المحافظة على أوقــات الصلوات و شهـود الصبح الأول وقتها ، و كان يغزو عام و يحج عاما " (32) ، كما أشاد ابن خلدون بجدّ الرشيد أبو جعفر و أبيه المهدي ، و ما كان من سيرتهما الحسنة ،كلّ ذلك دواع قوية لأن تبعد هذه الشبهة عن هارون الرشيد .
مدينـة النحاس : نقل ابن خلدون هنا ما حكاه المسعودي عن مدينة النحاس و يـرى أنّها لا تعدو أن تكون مجرد أسطورة نسجها بعض القصاص ، قال رحمه الله : " و كما نقله المسعودي أيضا في حديث مدينة النحاس و أنّها مدينة كلّ بنائها نحاس بصحراء سجلماسة ( جنوب المغرب الأقصى حاليا ) ، ظفر بها موسى بن نصير في غزوته إلى المغرب ، وأنّها مغلّقة الأبواب ، وأنّ الصاعد إليها من أسوارها إذا أشرف على الحائط صفق و رمي بنفسه فلا يرجع آخر الدهر" (33) ، ثّم علل قوله فأردف قائلا :" ثمّ إنّ هذه الأحـــوال التي ذكروا عنها كلّها مستحيل عـادة منـاف للأمـور الطبيعية في بنـاء المدن و اختطاطها ، و أنّ المعــادن غاية الوجود منها أن يصرف في الآنية و الخرثي( أثاث البيت) و أمّا تشييد مدينة منها فكما تراه من الاستحالة و البعد (34) .
لقد تمكن ابن خلدون من إعطاء نظرة جديدة لكتابة التاريخ ، فدعا إلى عدم الوقـوع في التقليد و نقل الأخبـار دون تمحيص و تدقيق ، و نقم بشدة على من سبقه من المؤرخين اعتمادهم هذا الأسلوب الذي كان سببا في رسوخ الأخبـار الكاذبة عند عامة الناس .
لكنّ السـؤال الذي يطرح نفسه ، هل كل ما ذكره ابن خلدون مسلم به لا يحتمـل المناقشة ؟ و هل سلم من الأخطاء التي رمى بها غيره في مجال الكتابة التاريخية ؟ .
لا شك أن كلّ رجل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر كما قال الإمام مالك قاصدا بذلك النبي صلّى الله عليه و سلّم ، فبعض ما حكاه ابن خلدون من تزييف و تضليل و أخبار واهية لا شك في سداد رأيه فيها ، و أما البعض الآخر فقبوله أو نفيه يحتاج إلي بحث و تتبع ، من ذلك مثلا إثباته نسب العبيديين ( الفاطميين ) الشريف بقوله الناس مصدقون في أنسابهم ، فلا يمكن أن يٌعدّ هذا القول قاعدة علمية ، خاصة و أنّه قد شاع ادّعــاء النسب الشريف و أنّه كـان مطية لكل راغب في مجد أو سلطة ليخدع به عواطف المسلمين و يملك قلوبهم ، و ذلك لتعظيم و محبة العامة آل بيت النبي صلّى الله عليه و سلّم .
وأخيرا يمكن القول : إن ابن خلدون يُعتبر رائدا في مجال فلسفة التاريخ و العمران البشري و ما يعرف حاليا بعلم الاجتماع ، وقد شهد بهذا كل من درس هذه الشخصية بموضوعية سواء من علماء الإسلام أو من المستشرقين على حد سواء .

ــــــــــــــــــــــ

الهوامش :

1-أبو زكريا الحفصي: يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص ، أول من استقل بالملك و أسس الدولة الحفصية في تونس سنة626 هـ / 1222م ، ولد سنة 598 هـ و توفي سنة 647 هـ / 1249م (خير الدين الزركلي، الأعــلام،دار العلم للملايين،بيروت،ط 11،1995،ج8، ص155) .
2-أبو إسحاق الثاني: إبراهيم بن أبي بكر المتوكل على الله من ملوك الحفصيين في تونس ، وليها سنة 751 هـ/1350م وهو غلام و قام بأمره حاجب والده أبو محمد بن تافراجين ، تميز عهده بالفتن ، توفي سنة 770 هـ / 1368م ( الزركلي، الأعلام ، ج1، ص34 ) .
3- ابن خلدون، كتــاب العــبر ، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1983 ، ج14 ، ص849.
4-أبو عنان فارس المتوكل أحد أمـراء المرينيين في المغرب الأقصى، حكم بين سنتي 749 هـ/1348م و 759 هـ/1357م ، مد سلطانه حتى وصل بجاية ، ودخل في حروب مع جيرانه، توفي مقتولا في قصره في فاس (حسين مؤنس، تاريخ المغرب و حضارته العصر الحديث ، بيروت ، ط1 ، 1992 ، ج3 ، ص53).
5 -د/أبو عمران الشيخ و آخرون، معجم مشاهير المغاربة، منشورات دحلب ، الجزائر 2000 ، ص164
6- أبو سالم بن أبي الحسن : سلطان مريني ، بويع سنة 760هـ/1358م و قتل سنة 764هـ/1362م (حسين مؤنس، تاريخ المغرب و حضارته، ج3، ص57) .
7 – أبو عبد الله محمد الخامس الناصر: محمد بن يوسف بن إسماعيل ثامن ملوك دولة بني نصر ابن الأحمر في غرناطة، ولد سنة 739هـ/1338م ، تولى الحكم بعد وفاة أبيه سنة 755هـ/1353م ، و جدد رسوم الوزارة لوزير أبيه لسان الدين بن الخطيب، خلعه أخوه إسماعيل سنة 761هـ/1359م ثمّ عاد إلى الحكم مرة ثانية سنة 763هـ/1361م و في هذه المرة نكب وزيره لسـان الدين ، توفي أبـو عبـد الله سنة 793هـ/1390م ( الزركلي، الأعلام ، ج7، ص153.)
8- لسان الدين ابن الخطيب: محمد بن عبد الله بن سعيد الغرناطي أبو عبد الله ، ولد سنة 713هـ/1313م بغر ناطة و نشأ بها ، استوزره سلطانها أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل سنة 733هـ / 1332م ثم ابنه من بعده محمد، ترك الأندلس بعد وشاية من حاسديه ، فالتجأ إلى تلمسان، ثم أعيد إلى غرناطة ووجهت له تهمة الزندقة و قتـل سنة 776هـ / 1374م ، له مؤلفات عديدة أهمها الإحـاطة في أخبار غرناطة ( الزركلي، الأعلام، ج6، ص235 ) .
9- د/ أبو عمران الشيخ و آخرون، مرجع سابق، ص167.
10- فؤاد افــرام البستاني، مقدمــة المقدمــة ، شركة الشهاب، الجزائر، ص14.
11- نفسه، ص15.
12- د/ أبو عمران الشيخ و آخرون، مرجع سابق ، ص166.
13- نفسه، ص168.
14- د/ سفيتلانا باتسييفا، العمران البشري في مقدمة ابن خلدون، ترجمة رضوان إبراهيم، الدار العربية للكتاب، ليبيا-تونس، 1978، ص157 .
15- ابن خلدون، المقــدمــة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ج1 ، ص 2 .
16- نفسه، ص6.
17- عفت الشرقاوي، في فلسفة الحضــارة الإسـلامية، دار النهضة العربية، بيروت، 1985، ص396 .
18- الطبري : أبو جعفر محمد بن جرير ، ولد في طبرستان سنة 224 هـ/838م ، رحل منذ صغره في طلب العلم ثم استقر في بغداد ، له مؤلفات كثيرة في مختلف العلوم، أهمها تفسير القرآن و كتاب تاريخ الرسل و الملوك، توفي الطبري سنة 310 هـ/922م (خير الدين الزركلي، الأعلام ، ج6 ،ص69 ) .
19- المسعودى : علي بن الحسين بن علي ، مؤرخ و رحالة من بغداد ، سكن مصر و توفي بها سنة 346 هـ/957م ، من أهم مصنفاته كتاب مروج الذهب و معادن الجوهر ( الزركلي، الأعلام، ج4 ، ص277 ) .
20- علي أومليل، الخطـاب التـاريخي دراسة لمنهجية ابن خلدون، معهد الإنماء العربي، طرابلس، ص63 .
21- ابن خلدون، مصدر سابق، ج1 ، ص13.
22- نفسه، ج1، ص48.
23- نفسه، ج1، ص57.
24- نفسه، ج1، ص58.
25- نفسه، ج1، ص58.
26- نفسه ، ص ص13-14.
27- نفسه: ص ص16-17.
28- سورة الفجر، الآية6.
29- ابن خلدون، المقدمة ،ص ص20 – 21.
30- نفسه، ص23.
31- نفسه، ص ص24 – 25 .
32- نفسه،ص27.
33- نفسه ،ص60.
34- نفسه ،ص61


شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .

التصنيفات
تاريـخ,

]إضراب الثمانية أيام 1957 التدويل مهّد للاستقلال / لمياء قاسمي

إضراب الثمانية أيام 1957

التدويل مهّد للاستقلال

لمياء قاسمي – الجزائر

يُعتبر إضراب الثمانية أيام من 28 جانفي (يناير) إلى 04 فبراير 1957 حدثا بارزاً في مسيرة الثورة التحريرية الجزائرية ، وتكمن أهمية موعده مع اشتداد عود الثورة وتحقيق انتصارات عسكرية على الجيش الفرنسي وتزامنه مع موعد إدراج القضية الجزائرية في برنامج الأمم المتحدة حيث تقرر مناقشتها في 28 جانفي 1957. فجاء هذا الإضراب كعمل سياسي لفت الانتباه لما يحدث في الجزائر وكشف جرائم الاستعمار أمام الرأي العام العالمي ، والتمهيد لاعتراف هيئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره والاستقلال والتأكيد مرة أخرى على التفاف الشعب حول جبهة وجيش التحرير الوطني باعتبارهما الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري .

وقد دفعت الظروف الداخلية والدولية لاتخاذ هذا القرار الجريء خاصة في سنة 1956 التي شهدت أحداثاً بارزة مع انعقاد مؤتمر الصومام في شهر أوت (أغسطس)، ويعد أول مؤتمر يجمع قادة الثورة ويعطي دفعاً تنظيمياً جديداً للكفاح المسلح كما طبع النصف الثاني من هذه السنة العديد من الأحداث ، ففي 22 أكتوبر قام الاستعمار الفرنسي باختطاف الطائرة المغربية المتجهة من المغرب إلى تونس والتي كانت تقل خمسة مسؤولين المشاركين فيما سمّي بمؤتمر السلام بحيث اعترضت الطائرة طائرة عسكرية فرنسية وتم إلقاء القبض عليهم والزج بهم في السجن ، بالإضافة لتسجيل بداية الاتصالات السرية بين السلطات الاستعمارية ومسؤولي جبهة التحرير الوطني .

أما الحدث الدولي البارز فكان العدوان الثلاثي على مصر – 23 أكتوبر 1956 – والذي شاركت فيه ثلاث دول : بريطانيا واسرائيل وفرنسا ، بعد قرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس ، وكانت حجة فرنسا في العدوان هي مساعدة مصر للثوار الجزائريين.

عم الإضراب كل أرجاء البلاد ، واستجاب الشعب لنداء جبهة التحرير الوطني ، كما أنه شمل مختلف النشاطات الاقتصادية بحيث توقفت حركة التجارة والنقل والفلاحة والتعليم والإدارات حسب المدة المحددة وهي أسبوع .

التحضيرات للإضراب

أعدت لجنة التنسيق والتنفيذ «الهيئة التنفيذية للمجلس الوطني للثورة الجزائرية» قراراً بشن إضراب وطني في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر 1956 وذلك لتدعيم مسعى الكتلة الإفريقية الآسياوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة عند مناقشة القضية الجزائرية في العاشر من ديسمبر 1956 ، لكن ذلك تم تأجيله بسسب أعياد رأس السنة الميلادية وقرار انعقادها في 28 يناير 1957 مما جعل لجنة التنسيق والتنفيذ تصدر تعليمة تنظيم الإضراب ليتسنى لمختلف قادة الولايات التحضير له ، فققرت اللجنة أن تجعل من يوم 28 يناير بداية انطلاق للإضراب لكن بقي ذلك في سرية تامة.

ومع اقتراب الموعد وزعت كل ولاية مناشير تحدد تاريخ بداية الإضراب ونهايته ، وتم توجيه نداءات سرية كذلك عبر الإذاعة السرية «صوت الجزائر» ، كما شكلت لجان الإضراب على مستوى الولايات وأخرى فرعية على مستوى المناطق والنواحي والقسمات والمدن والأحياء ، بالإضافة إلى تشكيل لجان داخل أهم الهيئات النقل البريد والمواصلات والمصالح البلدية والأسواق. وكانت مهام هذه اللجان تتعدى إعلام السكان إلى تزويدهم بالمؤن والمواد الغذائية وما يحتاجون إليه طيلة مدة الإضراب وتقديم إعانات مالية للعائلات.

ولم تكنف الثورة بالتعبئة الداخلية للشعب ، بل تعدت حدود الجزائر بدعوتها الجزائريين خارج الوطن في فرنسا وتونس والمغرب للمشاركة في إنجاح الإضراب.

موقف السلطات الاستعمارية من الإضراب

بمجرد وصول أخبار نداء الإضراب للسلطات الإستعمارية عمدت للتخطيط بمختلف الوسائل لإفشاله قبل انطلاقه ، فقامت مصالحها الدعائية بطبع منشورات مزيفة تحذر من خلالها الشعب الجزائري من الوقوع في فخ الاستعمار باسم جبهة التحرير الوطني ، كما تم إنشاء إذاعة سرية مزيفة أطلق عليها اسم «صوت الجزائر» بتدبير من «لاكوست» وتكمن مهمتها في إذاعة أوامر تناقض أوامر جبهة التحري الوطني ، كما هددت السلطات الاستعمارية المشاركين في الإضراب بتسليط العقوبات عليهم ، واستدعت كذلك التجار والعمال الجزائريين قصد تحذيرهم من النتائج ، ورغم هذه الضغوطات والتهديدات انطلق الإضراب في وقته المحدد وشمل مختلف أرجاء الوطن ، واعتصم الجزائريون في بيوتهم استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني.

مجريات الإضراب

عمَّ الإضراب كل أرجاء البلاد واستجاب الشعب لنداء جبهة التحرير الوطني ، كما شمل مختلف النشاطات الاقتصادية بحيث توقفت حركة التجارة والنقل والفلاحة والتعليم والإدارات حسب المدة المحددة أسبوع ، وإزاء هذه الاستجابة الواسعة للإضراب كتبت صحيفة «لوموند» واصفة تلك الأيام في طبعتها الصادرة في 31 يناير 1957 حيث جاء فيها «بمجرد طلوع النهار استأنفت عملية تكسير المتاجر وشرعت الدوريات في إعطاء الأوامر إلى العمال للالتحاق بأعمالهم ، وإلا فإنهم يتعرضون للعقوبات بالسجن … إن الجزائر في هذا اليوم ظلت صامتة واختفى منها سكانها المسلمون » .

من جهة أخرى ، أكدت جبهة التحرير الوطني في بيانها : «إن نجاح هذا الإضراب سيكون معناه أمام العالم أنكم تعتبرون وفد جيش وجبهة التحرير الوطني هو المتكلم الأوحد لشعب الجزائر المناضل».

القمع بالأسلوب الفرنسي

لجأت السلطات الفرنسية لأساليب قمعية لوقف الإضراب وذلك بعمليات المداهمة للبيوت ليلاً ونهاراً وتعريض الموظفين والعمال للسجن والطرد..

وإجبارهم على الالتحاق بمكان عملهم.

وأمر الجنرال «ماسو» قواته باقتحام المتاجر بالقوة بحيث تتعرض المحلات للنهب والسرقة ، بل وصلت به الوقاحة حد الإعلان عبر أمواج الأثير نداء يدعو فيه باسمه سكان الجزائر لنهب البضائع إذ قال: «إن جميع المتاجر ستفتح ، وإذا اقتضت فإن الأبواب ستحطم بالقوة حتى يتمكن الجمهور من الدخول إليها بكل حرية ، وتُعلِم السلطات جميع أصحاب المتاجر أنه إذا فتحت أبوب المتاجر بالقوة فإن أمن البضائع المستودعة بها غير مضمون» .

نتائج الإضراب

أكد الشعب الجزائري عبر استجابته لنداء الإضراب أنه متمسك بالثورة التحريرية ومرتبط بجبهة التحرير الوطني كممثل شرعي ووحيد له.

كان الإضراب فرصة لوكالات الأنباء ومراسلي الصحف الأجنبية في الجزائر لتقديم صور حقيقية وواقعية عما يدور في الجزائر للرأي العام العالمي وعن الأساليب القمعية التي تستخدمها السلطات الفرنسية لإفشال الإضراب. كما كان إنتصاراً سياسياً للقضية الجزائرية حيث تمت مناقشتها بهيئة الأمم المتحدة لمدة عشرة أيام تُوِّجت بتوصيات دعت فرنسا لإيجاد حلول سلمية ، وأكدت أن المشكلة الجزائرية تنطبق عليها مبادئ حق تقرير المصير.

موقع الفسطاط


التصنيفات
تاريـخ,

التاريخ و منهج البحث التاريخي / قاسم يزبك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التاريخ و منهج البحث التاريخي / قاسم يزبك

الحجم : 4.9 MB

http://www.4shared.com/get/TzLyMIGN/____.html


التصنيفات
تاريـخ,

موسوعة المعارك و الحروب من 1700 ق.م حتى 2022 م

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موسوعة المعارك و الحروب من 1700 ق.م حتى 2022 م

الحجم : 80.8 MB

http://www.4shared.com/get/F4juM84i/…__2002___.html


التصنيفات
تاريـخ,

لماذا يشوه تاريخ الإسلام وحده ؟!

لماذا يشوه تاريخ الإسلام وحده ؟!

كتب: د / عبد العظيم الديب

16/03/1431 الموافق
01/03/2010

لماذا تاريخ الإسلام وحده هو الذي درسناه مشوهًا ممزقًا؟
إن كنتَ في شكٍّ من هذا فاختبر نفسك، واختبر من حولك، حاول أن تذكر كلمة (التاريخ الإسلامي) وانظر إلى ما تثيره في النفوس، وارقب ما يسميه علماء النفس (تداعي المعاني) أية معانٍ ستتوارد على الخواطر!! وأية صور ستحضر في الأذهان!! وأية مشاعر ستتحرك في الوجدان!! ولقد عمَّ ذلك وطمَّ ، حتى إنه لم يسلم منه أحد إلا من رحم ربك وقليل ما هم.
الصورة المشوهة للتاريخ الإسلامي :
ذلك أنك إذا ذكرت التاريخ الإسلامي، فأسرع ما يقفز إلى الذهن:
– ما تحفظه من اتهامات لعثمان بن عفان رضي الله عنه بأنه كان يولِّي أقاربه إمارة الأقاليم، ويحكِّمهم في رقاب العباد، ويطلق يدهم في مال الأمة، ولما ثار الصحابي الجليل أبو ذرٍّ على هذه السياسة، غضب عليه عثمان، ونفاه إلى الربذة ، ثم حصار الثوار لعثمان وقتلهم له وهو يتلو في المصحف ، وما صار يُضرب به المثل من نصب معاوية لقميص عثمان الملطخ بالدماء في المسجد، واحتياله بذلك حتى لا يبايع عليًّا ـ رضي الله عنه ـ ومن أجل الملْك العضوضِ أشعل حربًا ظالمة على الخليفة الراشد عليّ بن أبي طالب، فكانت معركة (الجمل) و(صفّين).
– ثم مسرحية التحكيم الهزلية، وما تجلّى فيها من منتهى الغفلة والبلاهة، في مقابلة منتهى النصب والاحتيال ، وقُضي الأمر باستيلاء معاوية على الحكم، وتحويل الخلافة الراشدة إلى قيصرية هرقلية، أخذ فيها معاوية البيعة لابنه يزيد قهرًا تحت تهديد السلاح.
ـ وصورة يزيد بخمرياته وفسقه ولهوه، ولعبه بقروده وكلابه، وسنواته الثلاث السود التي قُتل فيها الحسين، وغزا المدينة المنورة، وأباحها لجنوده، وهدم الكعبة.
– ثم يأتي الحَجَّاج وجبروته، وظلمه، وقتله ابن الزبير، وضرْبه الكعبة بالمنجنيق.
– ويحاول عمر بن عبد العزيز تصحيح الأوضاع، فيموت مسمومًا.
– ثم تدور الدائرة على بني أمية وتسقط دولتهم بسبب ظلمهم وفسادهم، وعنصريتهم المتعصبة للعرب.
– وأما العباسيون فأوَّلهم الذي استفتح دولتهم أبو العباس السفاح، ومن أبرز ما نذكره عنهم ضَرْب الأئمة؛ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وخمريات الرشيد وسرفه وعبثه ونواسياته، ثم محنة الفقهاء وأهل الحديث في عصر المأمون، ثم سيطرة الفرس على الدولة ؛ لأنهم هم الذين صنعوها، ولعبهم بالخلفاء، حتى جاء التتار وكان ما كان، وسقطت الخلافة.
– ثم جاء عصر المماليك، جهلة يملكون سيفًا قويًّا يستخدمونه حينًا ضد العدو دفاعًا عن الإسلام، وأحيانًا ضد بعضهم البعض، ودائمًا ضد الشعب.
– ثم جاء العثمانيون، فكان الجهل والظلام، والقضاء على الحضارة والصنائع والفنون، وإذلال العنصر العربي بالعجرفة التركية التي ما برحت مضرب الأمثال.
– أما الأندلس، فقد غرق ملوكها في الترف، ودارت برءوسهم الكاس والطاس، فقاتل بعضهم بعضًا، بل تحالف بعضهم مع الصليبيين ضد إخوانهم، فكانت النهاية المأسوية التي انتهت بإبادة المسلمين وخروج الإسلام من الأندلس.
هذه معالم تاريخ الإسلام التي استقرَّت في بؤرة شعور مثقفينا عامَّة ، قد يقول قائل: وأين ما يتعلمه أبناؤنا عن انتصارات المسلمين وفتوحاتهم، وحضارتهم وأمجادهم؟! وأقول: نعم، يوجد شيء من هذا، ولكنه يعرض بصورة باهتة ممزَّقة؛ ولذلك تتوارى في حنايا الذاكرة، وتتخلى عن بؤرة الشعور، وتبقى الصورة البشعة التي عرضتها لك آنفًا هي الحاضرة في الذهن (online) كما يقولون.
وعندي على ذلك ألف دليل ودليل، ولا شك أنك سمعتَ ذلك الإعلامي الناجح وهو يقول في ثنايا حوارٍ له مع أحد ضيوفه: كل الخلفاء الراشدين قتلوا إلا واحدًا ، وزميله الذي لم يُطِق صبرًا على محاوره -هو يتحدث عن عمر بن عبد العزيز وإصلاحاته- فيقول له في لهجة ساخرة: ولذلك قتلوه.
وقبل أن أترك الكلام على هذه الصورة البشعة للتاريخ الإسلامي؛ أؤكد أنها صورة كاذبة خاطئة، تقوم على معلومات أخطرها مكذوب لا أصل له، وباقيها بين ثلاث حالات:
1- أحداث ضُخِّمت وبولغ فيها حتى أخذت أكثر من حجمها، حتى حجبت الكثير.
2- أحداث أُسِيء فهمها وتفسيرها، ولو فهمت على حقيقتها ووجهها، لكانت فخرًا لصانعيها.
3- أحداث تدخل في إطار العجز البشري عن الكمال. "كل بني آدم خطَّاء".
ونعود للسؤال: لماذا تاريخ الإسلام وحده؟ لقد درس أبناؤنا ومثقفونا، ودرسنا أيضًا تاريخ أمم الأرض قديمها وحديثها، فما تركت أية دراسة فيها هذه الصورة، لا للفراعنة، ولا للآشوريين، ولا للبابليين، ولا للفينيقيين، ولا اليونانيين، ولا الرومانيين، ولا الأوروبيين والأمريكيين ، أبدًا لا يشعر تجاه هذه العصور التاريخية، وتاريخ أهلها بما يشعر به تجاه التاريخ الإسلامي ، فإذا ذكرنا الفراعنة تجد شعورًا بالاعتزاز، بل بالفخر والمباهاة، وتقفز إلى ذهنك صورة الحضارة التي أضاءت الدنيا منذ فجر التاريخ، وبهرت العالم بما خلفته من آثار، وما أظن المشاعر نحوها تصل إلى درجة الحياد.
فإذا ذُكر تاريخ اليونان فهنا شعور الإكبار والاحترام، وعلى الفور يقفز إلى الذهن سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وما حولهم من هالات التمجيد والتعظيم ، وبالمثل تاريخ الرومان وكل أمم الأرض.
فإذا جئنا إلى تاريخ أوربا بعد عصر النهضة فسنجد الإعجاب والإكبار يصل إلى حد الانبهار والاندحار، والاستخزاء والشعور بالهوان، حتى صرنا نلهث وراءهم، ونقيس تقدمنا بالقُرب منهم، والمسافة التي نقطعها في محاولة اللحاق بهم ، وإن كنت تظن بي المبالغة فانظر حولك، واقرأ واسمع معي الأسماء الآتية: صحيفة (الأهرام)، وصحيفة (بابل)، ووكالة الأنباء (سبأ)، ومهرجان (جرش)، ومهرجان (قرطاج)، ومهرجان (بعل بك)، وفندق (فلادلفيا)، وشارع (رمسيس)، والحديث عن (دلمون)، و… و…
هذا ما يحضرني عفو الخاطر، ولو تأملت وتتبعت لرأيت الإصرار على تجلية تاريخ هذه الجاهليات والوثنيات أمرًا يُراد، حتى سمعتُ بأذني مَنْ يتحدث عن التجربة الديمقراطية في بلاده، ثم يختم كلامه: "ولِمَ لا؟ ألسنا أحفاد ملكة سبأ". هكذا على ملأ من مشاهدي إحدى الفضائيات.
وسمعت آخر يقول مباهيًا: "نحن أحفاد رماة الحدق" ورماة الحدق هؤلاء هم أهل النوبة الذين تصدّوا لجيش الفتح الإسلامي وحالوا بينه وبين فتح الجنوب، وسماهم المسلمون (رماة الحدق) لبراعتهم في الرمي، ودقة إصابتهم ، هؤلاء يباهي مثقف مسلم معاصر بأنه من أحفادهم.
أما صيحة (إحنا الفراعنة) فما أكثر ما تسمعها عند إصابتهم مرمى الخصم في كرة القدم ، وانظر حولك وتأمل ، ستجد من هذا ضروبًا وأفانين.
فلماذا تاريخ الإسلام وحده؟! إنها بضعة أسطر خاطئة مخطئة في كتاب التاريخ وراء كل هذا.


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جـــــــــــــــــــازا الله كل الخير


التصنيفات
تاريـخ,

مصادر التاريخ الإسلامي، ونقد الروايات

مصادر التاريخ الإسلامي، ونقد الروايات

بقلم الدكتور : عبد الرحمن الفريح.

20/01/1431 الموافق
05/01/2010

التعريف بالتأريخ والمعنى الأوليّ له:
يقوم موضوع التاريخ على الإنسان والزمان بمسائل قوامها أحوالهما المفصلة للجزئيات تحت دائرة الأحوال العارضة الموجودة للإنسان وفي الزمان.
وبمعنى آخر، هو دراسة العناصر الحركية في المجتمع. ومن هذه التعريفات في المراجع التاريخية الحديثة، وهي مستقاة مما أشار إليه القدماء، فإن كتب السيرة والمغازي والأنساب تدخل في عداد الكتب التاريخية.
وفكرة الوقت وتحديده هي المعنى الأوّلي للتاريخ، وقد أرّخ (أو ورّخ) المسلمون- على اختلاف في اللغة المُضرية(1)- في خلافة عمر رضي الله عنه. وورد أن أصل التاريخ الإسلامي مأخوذ من العربية الجنوبية، وأنَّ يعلى بن أُميّة الحنظلي، عامل عمر على اليمن، كتب إليه كتاباً مؤرخًا. ومع وجود آراء أخرى بخلاف هذا فقد أُيد هذا القول بكون أولئك القوم ذوي اهتمام بأمر التوقيت لعامل الاشتهار بالزراعة وعامل الشعائر الدينية، وأيضًا عامل التجارة في البر والبحر(2).
وإذا كان تدوين الدواوين ووضع الأخرجة وسن القوانين احتاج إلى تأريخ في الإسلام، فإن كلمة تأريخ تطورت من التقويم والتوقيت إلى تسجيل الحوادث على أساس الزمن، ثم حلت محل الخبر بعد أن كان يقوم مقامها بمعنى العملية التاريخية، وصارت تطلق على عملية التدوين التاريخي وحفظ الأخبار، فالعلم بحوادث التاريخ وأخبار الرجال والكتب التي تبحث في ذلك. وورد في النقوش الجنوبية "ورّخ" وجمعها "أورخم" بمعنى "الشهر القمري". وبظهور الكتب التاريخية، وأقدمها تلك الكتب التي تتعرض لسنوات الميلاد والوفاة لبعض الشخصيات، أصبح التاريخ فناً يُبحث فيه عن وقائع الزمن من حيثية التعيين والتوقيت.
كيف كان يؤرخ العرب:
وكانت حمْير وكهلان تؤرخ بالتبابعة وسيل العرم وظهور الحبشة وإزالتها وغلبة الفرس. وتؤرخ العدنانية بهلاك جُرهم بالحرم وبتفرق ولد نزار، وبمأقط(3)، وبحجة الغدر بين يربوع بن حنظلة واليمن قبل الإسلام بـ 150 عاماً، وبأيام البسوس(4)، وجبلة، والكُلاب(5).
والكُلاب بين أبناء آكل المرار بعضهم البعض والكُلاب الثاني بين تميم واليمن.
وباستعمال كتب الحوليات لكلمة "تأريخ" تطور معناه إلى ما سلف الإبانة عنه. ومن هذه الكتب تأريخ الأمم والملوك للطبري، وتأريخ سني ملوك الأرض والأنبياء لحمزة الأصبهاني.
أما البداية التدوينية فقد اهتمت بالسيرة النبوية في موضوعاتها وبالمغازي ونسب قريش وتراجم رجال الفقه والحديث. فارتباط التاريخ الوثيق بالعلوم الدينية تفصح عنة تلك الاهتمامات الأولى. وكان من رأي كثير من علماء المسلمين أن العناية بالتأريخ ضرورة لخدمة العلوم الدينية. وعُرفت الدراسات المتقدمة لحياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، بـ "المغازي" وتعني لغويًا دراسة أعماله الحربية.
وبهذا الإلماح الموجز مما ورد في البحوث العلمية عن التاريخ وأنه تحقيق عبرة تختزل لنا التجربة، وميدان تطبيق القيم على الواقع، وما يتطلبه من قدرة على الفهم والتحليل والتعليل والموازنة والمقارنة؛ فإن هذا الوعاء للفعل الحضاري، أحد موارد التكوين الثقافي، قد نظر فيه أهل الاختصاص قديما على أنه موطن الاستقراء والاستنتاج ومعرفة سنن السقوط والنهوض والتعرف على القوانين التي تنظم الحركة التاريخية للإفادة من التجارب. فعند السَّخاوي في كتابه الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ أنه غزير النفع كثير الفائدة بحيث يكون من عرفه كمن عاش الدهر كله وجرب الأمور بأسرها وباشر تلك الأحوال بنفسه، وأن حوادث التاريخ عبرة وموعظة ودرس وتجربة توقف الدارس على عثرات الماضين وأسباب انقراض الدول والحضارات وتدفع أصحاب المثل إلى الإقتداء بالشخصيات. والتاريخ لسان يخبر به الزمان عن عجائب الوقائع، بل أستاذ يقرر الحوادث ليعيها السامع.
ابن خلدون ورؤيته النقدية للتاريخ:
اقترن حديث ابن خلدون عن علم التاريخ برؤية نقدية لمغالط وأخطاء المؤرخين بعد أن ذكر فن التاريخ، وفضائله، وتحقيق مذاهبه وأنه عزيز المذاهب، وجم الفوائد، وشريف الغاية. على إن تعميمه في اقتصار المؤرخين على سرد أسماء الملوك، ووصف المعارك، وإهمال الأحوال الاجتماعية الفاعلة في سير التاريخ ليس على إطلاقه؛ إذ أن جمهرة من المؤرخين كتبوا في جوانب الحياة الدينية والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، وهذا ما يعد توجها حضاريا لم يقف عند حد السياسة والحروب، ومعرفة تاريخية في ممارسة التدوين.
وفي منهج ابن خلدون أن من الأخطاء والمآخذ أن أئمة النقل لم يعرضوا الحكايات والوقائع على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم البصر والبصيرة. وضرب مثلا في البعد عن الواقعية في سرد الحقائق التاريخية والإغراب في الخيال إلى حد تزييف الخبر وتشويهه بما يذكر في أخبار التبابعة وخروجهم من قراهم باليمن إلى بلاد المغرب وأن أفريقيش من أعاظم ملوكهم الأُوَل في عهد موسى، على حد قول المؤرخين، وأنه غزا أفريقيّة، وبه سمّيت. وأنه أثخن في البربر، وأنه هو الذي سماهم بهذا الاسم وأبقى جماعة من حمْير تنتمي إليها صنهاجة(6).
وعرض ابن خلدون للطبري وسيف بن عمر والواقدي والمسعودي، وانتقد الواقدي والمسعودي، وساق شواهد تاريخية من أخبار المسعودي ظهر فيها الاعتماد على النقل دون تحكيم العقل، كبناء الإسكندرية، وكخبر تمثال الزرازير في روما، ورّد ما ذكره المسعودي عن عدد جيش بني إسرائيل وكثرته مستشهداً بما ذكره سيف عن جيش الفرس في القادسية وان بني إسرائيل لم يصلوا في يوم من الأيام إلى حجم دولة فارس التي حشدت أكبر قوة لها في تلك المعركة، ولم يصل عدد جيشها إلى نصف ما ذكره المسعودي عن جيش بني إسرائيل.
والتاريخ عند ابن خلدون علم من علوم الفلسفة موضوعه الاجتماع الإنساني؛ فهو يقتضي تعليل الحوادث وربط بعضها ببعض مع تمييز الخبر الصادق من الخبر الكاذب مع الترجيح بين الأسباب. وهو يصف التطور في البيئة الاجتماعية بكل ما فيها من سياسة وحرب وصناعة وتجارة وعلم وفن وحركات اجتماعية عامة أو دينية أو اقتصادية أو فكرية. ويتساوى في فهمه العلماء والجهال من حيث ظاهره، لكنه في باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة وعريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق.
والكذب متطرق للخبر بطبيعته بسبب التشيعات للآراء والمذاهب، وإذا كانت النفس على حالة من الاعتدال في قبول الخبر أعطته حقه من التمحيص والنظر حتى تتبين صدقه من كذبه وإذا خامرها تشيع لرأى أو نحلة قبلت ما يوافقها من الأخبار لأول وهلة. وكثير من الناس يقبلون الأخبار المستحيلة ولم ينقدوها بمعرفة طبائع العمران، وهو أحسن الوجوه في تمحيص الأخبار وتمييز صدقها من كذبها، وهو سابق على التمحيص بتعديل الرواة حتى يعلم أن ذلك الخبر في نفسه ممكن أو ممتنع؛ فإذا كان الخبر في نفسه مستحيلا فلا فائدة للنظر في الجرح والتعديل.
وكثيرون من سامعي أخبار الماضين لا يفطنون لما وقع من تغير الأحوال وانقلابها، وأنها لا تدوم على وتيرة واحدة، فيجرونها على أول وهلة على ما عرفوا ويقيسونها بما شهدوا؛ وهذا من الجهل بالقوانين التي تخضع لها الظواهر الطبيعية- كما سلف- وعدم مراعاة البيئة الزمنية والتطور في الأشخاص والأوقات والأمصار(7).
المصادر والمراجع:
والمصادر التاريخية هي المصنفات القديمة في هذا المجال، أما الكتب الحديثة فهي مراجع. وهناك من يرى أن كلا النوعين مراجع، وأن المصادر هي الوثائق الرسمية والأوراق البردية والوقفية والنقوش والآثار المعمارية. ويرى الدكتور السيد عبد العزيز سالم أن المصادر إما مصادر أثرية كالمتقدمة الإشارة إليها، وإما مصادر مكتوبة كالقرآن الكريم والسنة النبوية وكتب الطبقات والأنساب وكتب الجغرافية وكتب الرحلات وكتب الخراج والحسبة والخطط والكتب الأدبية والشعر العربي.
أهم المآخذ على الكتابة التاريخية المبكرة:
ومن أهم المآخذ على الكتابة العربية المبكرة للتاريخ الإسلامي هو أن بعض الروايات نحت منحى التأكيد على الحط من شأن العرب إمّا مبالغة في محاولة إبراز محاسن الحياة الإسلامية المغايرة لما قبلها في كثير من مناحيها، وإما للوقوع تحت تأثير العصبية الجنسية. فامتلأت كتب التاريخ بقبائح العصر الجاهلي، وظهر في جانب آخر في الروايات الأولى منذ عبيد بن شريَّة الجرهمي ولع بتقسيم العرب في جاهليتهم إلى عاربة ومستعربة(8) ونسبة المحامد إلى الأولى، لغةً وتاريخاً وأدباً وحضارة، فيما يشبه الردة في عصر بني أمية إلى الحياة القديمة كأثر من آثار التمايز العربي الذي عرفه ذلك العصر لدواعي سياسية اجتماعية، أو نفره من استمرارية الخلافة بعد النبوة في قريش أو في المُضرية بوجه عام.
ويأتي في سياق ابن شريَّة، وهو أول القصاصين الكتبة، كعب الأحبار المتقدم عليه، ومن بعده وهب بن منبّه، وإلى الهَمْداني، ثم نشوان الحمْيري.
وأمر ثالث اعترى عملية التدوين التاريخي المتقدم وهو احتضان كثير من الرواة وأهل التصنيف للقصص الإسرائيلي وهذا ما ألقى ظلالاً كثيفة من الأساطير على التاريخ الإسلامي بصفة عامة والسيرة النبوية بصفة خاصة. وأغلب الروايات التي يتصل سندها بكعب الأحبار أو محمد بن كعب أو النعمان السبائي تحمل طابع القصص الإسرائيلي، وفي أغلبه دسٌّ على الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعلى الإسلام.
وفي المأخذ الأول اشتدت القسوة على أمة العرب حتى ليكاد الرواة يخرجون بالعرب في جاهليتهم عن الآدمية ولا يعدونهم في بني الإنسان، وظهرت الأمة بلا وزن في الأخلاق، حقيرة منذ بدايتها، جاهلة في نشأتها، ملطخ ماضيها بالسيئات. وللدكتور إبراهيم شعوط معالجة جيدة لدفع هذا الافتراء. وفي المأخذ الأخير اعتمدت أخبار السيرة على الخوارق غير الاعتيادية وضُخّمت صورتها قبل البعثة بحشد عدد من الإسرائيليات، مع أن كثيراً من وقائع السيرة وأخبارها ليست بحاجة إلى أن تُتَكلف فيها الشروح والتفاسير والتعليقات إذ هي أوضح من ذلك. وقد تناول هذا الموضوع الدكتور عماد الدين خليل في دراسة عن السيرة مشيراً إلى أن حاجة بعض المؤرخين إلى التكلف تناقض ما في آيات القرآن مما يكفي لرسم صورة صادقة لشخصية النبي، صلى الله عليه وسلم، وفيها قرائن وإشارات ودلالات عديدة تساعد على التعرف على نشأته وسيرته.
الإسرائيليات والدراسات الحديثة:
وإذا كانت النظرة المادية تقتل في السيرة روحها وتطمس شخصيتها فإن الواقعة التاريخية تتطلب دراستها بذاتها بعيداً عن الانسياق وراء الخيال القصصي الإسرائيلي والتهويل الأسطوري. على أن قطع الصلة بالغيب يجب توقيه عند رفض الإسرائيليات وأكثر الخوارق، وحتى لا ينزلق الباحث إلى التفسير المادي للتاريخ. وفي السيرة تطبيق لمبادئ الحرب في الغزوات ومراعاة لأسباب الحيطة والحذر والاستعداد وهو ما ينأى بها عن أن تكون بمجملها من الخوارق غير الاعتيادية.
هذا وفي مقابل تهاويل القصص الإسرائيلي قديما اشتطت الكتابات الاستشراقية حديثاً بالشاذ والغريب من الروايات لإثارة الشك. قال دوزي: إن محمداً كان يشاطر بني جلدته نظرتهم القائمة على احتقار اليمنيين والزراعيين، وأنه سمع رجلاً ينشد بيتاً يشير فيه إلى أنه حمْيري وليس أسلافه من ربيعة ولا مضر فقال: إن هذا نسب يبعدك عن الله ورسوله. فلما يئس من حمل أهل جنسه من التجار والبدو على اعتناق مبادئه، ورأى أنه مهدد في حياته منذ مات عمه، اضطر لتناسي هذه النظرة فرحب بوفد عرب المدينة الذين عطفوا عليه وأكرموه بعد اضطهاد المكيين، بمعنى أنه تناسى نظرته وقبل المساعدة من أي طريق! وهكذا بنى دوزي حكماً على خبر شاذ غريب.
ومستشرق آخر يشكك في اسم النبي، صلى الله عليه وسلم، ويقول: إن اسمه ورد في أربع سور من القرآن هي: آل عمران، والأحزاب، ومحمد، والفتح، وكلها سور مدنية. ومن ثم فإن لفظة محمد لم تكن اسم علم للرسول قبل الهجرة، وإنما اتخذه بتأثير قراءاته للإنجيل واتصاله بالنصارى، بمعنى أنه التقط هذا الاسم واصطفاه لنفسه(9)!
ردة العرب والحكم المسبق:
وإذا أنكر أحد أخبار ردة العرب بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال إنها مصنوعة الحوادث، موضوعة الوقائع(10)، اختُلقت لغرض سياسي، وإنها من صنع مؤرخ الهيئة السياسية الحاكمة، سيف بن عمر، فإنه لا يمكن مناقشته في أمر الروايات التاريخية ونقدها! لأن من قال بهذا مدفوع بهوى عقدي يدعوك إلى أن تقر بردة حقيقية يراها هو وهي ردة أبي بكر وعمر وعثمان، رضي الله عنهم، واغتصابهم الحق الشرعي والاستيلاء على كرسي الحكم، أما ردة الأعراب فهي من افتراءات سيف على حد زعمه.
وبمثل هذا المثال تبدو فرصة دراسة الروايات التاريخية غير متاحة لأن الحكم المسبق أو نزعة الهوى تقضى عليها تماماً. ومهما بلغ الناقد من قوة البحث والتمحيص فإنه سيدور في فلك البحوث التاريخية المحكوم عليها بالعقم. وحتى المنهج العلمي لا يشفع لمن يدعيه إذا اتخذه وسيلة للانتقاء والاختيار لتأكيد أحكام مسبقة. وفي دراسة في السيرة كان كيتاني ذا رأي وفكرة، استعان بكل خبر ضعيف لتأكيد حجته! قال الدكتور عماد الدين خليل إنه يذكرنا بكثير من المختصين الجدد في حقل التاريخ الإسلامي الذين يعملون وفق منهج خاطئ من أساسه؛ إذ هم يتبنون فكرة مسبقة ثم يجيئون إلى وقائع التاريخ فيستلون منها ما يؤيد فكرتهم ويستبعدون ما دون ذلك.
أخبار الجاهلية ومدرسة المدينة التاريخية:
وقد اعتمد التدوين التاريخي في بدايته على أخبار الجاهلية إضافة إلى الأحاديث التي رواها الصحابة والتابعون عن حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، وبدأ تأثر أخبار سيرته قبل الإسلام بما يروى عن أيام العرب، أما الأخبار الإسلامية عنه فتأثرت بنمط الحديث.
وفي مرحلة تالية تم ترتيب الأحاديث في أبواب فانفصل عنها ما يتعلق بالتاريخ تحت اسم المغازي والسيرة في أبواب ثم كتب، مع إفراد المحدثين، أو استمرارهم في إفراد، أبواب خاصة بها في مصنفاتهم، البخاري ومسلم وأحمد (11).
أما ملامح النشأة التاريخية المنتظمة فتبدو فيما يمكن أن يطلق عليه اسم المدرسة المدنية، وطبقتها الأولى أبان بن عثمان بن عفان (ت 105هـ) وعُروة بن الزبير (ت 92هـ) وشرحبيل بن سعد (123هـ) ووهب بن منبه (ت 110هـ). وهؤلاء الأربعة دعامة أولى في كتابة المغازي، وما كتبه أبان صحف عن أحاديث أفاد منها من أتى بعده.
كما نقل ابن هشام وابن سعد مما جمع عروة من أحاديث، وأخذ ابن إسحاق والواقدي ثم الطبري من أخباره التي ضمت المغازي وأخبار الردة في روايات قصيرة موجزة. ولشرحبيل أخبار عن أسماء من هاجر إلى المدينة ومن اشترك في غزوة أحد. وجمع وهب تصانيف عروة في المغازي.
ويتبع هؤلاء طبقة ثانية يمثلها عبد الله بن أبي بكر بن حزم (ت 135هـ) وعاصم بن عمرو بن قتادة (ت 120هـ) ومحمد بن شهاب الزُّهري (124هـ). وللأول تسجيل لبدء حياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وأخبار الوفود ووقائع الردة وأحاديث متصلة بالمغازي. وتميز الزهري بإيضاح ملامح مدرسة التاريخ بالمدينة معتمداً على روايات عروة، وبأن كتابته تطرقت لموضوعات تتصل بظهور الأحزاب السياسية والجدل بينها حول الفتنة والخلافة.
وتُختم مدرسة المدينة التاريخية بطبقة ثالثة فيها موسى بن عقبة ومعمر بن راشد ومحمد بن إسحاق؛ وهؤلاء الثلاثة تلاميذ للزُّهري. وعن محمد ابن إسحاق (ت 152هـ) نقل زياد البكائي (183هـ) أخبار السيرة، وعن زياد هذا نقل السيرة ابن هشام (182هـ) بعد أن نقحها واختصرها ودفع منها ما شك فيه من الأخبار ومنحول الشعر.
لم يتقيد ابن إسحاق بما تقيد به ثقات المحدثين في التدوين ونحى في تاريخه منحى وهب بن منبه في تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:
مبتدأ منذ بدء الخليفة، ومبعث يختص بحياة الرسول، صلى الله عليه وسلم، حتى السنة الأولى من الهجرة، ومغازي. وانفرد عن سابقيه بجمع الحوادث وترتيبها وتبويبها في مصنفه، وأخذ عليه أنه شحن تاريخه بشعر منحول انتقده عليه ابن سلام الجمحي، صاحب طبقات فحول الشعراء، وأن له أخطاء في الأنساب، إضافة إلى كثرة النقل عن أهل الكتاب، الذين يسميهم أهل العلم الأول، وأنه مالأ الخليفة المنصور في أخبار تتعلق بالعباس.
على أن كتابه يعد مع ذلك مادة أساسية لسيرة ابن هشام، وعنده وعند الواقدي من بعده بدأت مرحلة جديدة متميزة في التدوين التاريخي العربي.
والواقدي واسع العلم بالمغازي والسير والتاريخ، ولعله يتفوق على ابن إسحاق بدقة في المادة والأسلوب وبالربط بين المادة التاريخية وإطارها البلداني، غير أن ابن إسحاق يبزّه في الموضوعات الجاهلية.
وإذا كان القرآن الكريم هو المصدر الأول لدراسة التاريخ يليه الحديث، وكانت بداية التأليف وثيقة الصلة بهذين المصدرين، فإن الحركة التاريخية التي نشأت في المدينة قد اعتمدت على الرواية الشفوية كرواة الحديث. والخبر التاريخي عمدته السماع من الموثوق بهم من الحفاظ، وهذه هي طريقة الإسناد، وكل جيل يستمد من الذي قبله. والأسانيد مبالغة عند الباحثين تاريخياً، ومنهم من يراها مبالغة محمودة. ورواة الخبر على التتابع أو السند عنصر الخبر الأول، وعنصره الثاني النص أو المتن الذي يرى ابن خلدون أن ينصب عليه النقد.
عبيد بن شريه الجرهمي وأخبار العربية الجنوبية:
ومع أن وهب بن منبه يدرج في طبقة من طبقات مدرسة المدينة التاريخية عند الباحثين، واعتمد عليه كثير من القدماء أشهرهم ابن إسحاق، فإن هناك من يدرجه في سلسلة عبيد بن شريَّة كتصنيف موضوعي لاهتمامات إخبارية بعينها. وكتابه التيجان يعالج موضوعات ابن شريَّة الثلاث: بداية عمران العالم، والعربية البائدة، وملوك اليمن من لدن يعرب بن قحطان، مع زيادة في الإسرائيليات وأخبار الجزيرة.
والإسرائيليات روايات شعبية في أغلبها، وكان ابن شريَّة يحدث بها في عهد معاوية بمثل حديث كعب الأحبار عنها وعن العربية الجنوبية بقصص أسطوري وشعر منحول على لسان عاد وثمود أصبح من المصادر الأولية للباحثين في التاريخ اليمني. قال الزركلي: إن كرنكو، المستشرق الألماني، كتب له إنه لم يكن في يوم من الأيام هناك شخص اسمه عبيد بن شريَّة، بمعنى أنه هو وأقاصيصه المتأثرة بالإسرائيليات من اختراع القصاصين على حد رأيه.
على أن ما نسب إليه بداية لا تنكر، ذات اتجاه نحو الحياة الجاهلية القديمة وتمجيدها مع اختراعات كثيرة نمت بمرور الزمن وبجهد من أتى بعده، أما التيجان فقد نقله الهَمْداني، صاحب الإكليل، والهَمْداني (ت 334هـ) عالم في اللغة والرياضيات والشعر والأنساب، أفاد البلدانيون، كالبكري وياقوت، من كتابه صفة جزيرة العرب. وتضمن الجزء الثاني من إكليله أحاديث عن آثار اليمن وكنوزها وملوكها، مع إشارة إلى بعض ملاحيات عرب الجنوب ومضر في عهد بني أمية، أما الجزء الأول فاحتوى على قصيدة لنشوان الحمْيري قدم فيها الإكليل بعد أن نقحه.
لم يسلم الإكليل من حشد من الأخبار الأسطورية، وتميزت روح صاحبه بالمباهاة والمفاخرة في نسب اليمن وسلطانها قبل الإسلام. وألمح بعض الباحثين إلى أن يكون ذلك من رد الفعل على مجد النزارية في الإسلام وقريش على وجه الخصوص(12).
ويعد ابن الكلبي من مصادر الهَمْداني في هذه السلسلة التي قد تحسب في تصنيف التاريخ المحلي، أو ذلك الذي ينزع إلى إبراز الهيمنة القديمة للأذواء والأقيال والتبابعة، ودعم ذلك بالمبالغات الإخبارية في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية وظواهر اللغة بالرغم من أن التكتل الكبير للعربية الجنوبية ربما لم يعرف إلا في الإسلام(12).
ولابن الكلبي اهتمام بالأحلاف الجاهلية والمآثر والبيوتات والألقاب والأصنام والأيام والمثالب والبلدانيات. ومع إيغاله في القصص الخيالي وما اتهم به من الكذب والوضع فإن استفادة المصادر منه على اختلاف مشاربها كبيرة جداً، إلا أن الاحتراس من رواياته ينصب على أخباره عن صدر الإسلام، وبخاصة عن الفتنة، لما اشتهر به وأبوه من قبله من نزعة ملِّيّة متطرفة، ولذا قال ابن تيميه: إن ابن الكلبي وأبا مخنف من أهل الوضع والإلحاد، وعنهما نُقل الطعن في الصحابة.
مدرسة العراق التاريخية والإخباريون القدماء :
وإذا كانت قد برزت مرحلة جديدة عند ابن إسحاق والواقدي في التدوين التاريخي فإن مدرسة العراق التاريخية قد تلت المدرسة الأولى في المدينة، وعرف الإخباريون الأوائل في الكوفة والبصرة، كأبي مخنف لوط بن يحيى (ت 147هـ) وهو إخباري من أهل الكوفة واضح النزعة العقدية وله تأليف عن مقتل الحسين، وآخذ الثأر ويقصد به المختار صاحب الكيسانية الخشبية، وتآليف في الردة والفتوح والجمل وصفين ومقتل حجر بن عدي، وكعوانة بن الحكم وهو إخباري كوفي (ت 147هـ) كان على دراية بأخبار الفتوح مع علم بالشعر والأنساب، وقيل أن موقفه كان حيادياً بين الأمويين والعلويين، وتتلمذ على يديه الهيثم بن عدي وهو إخباري مثله لم تهمله المصادر مع ما قيل من ولعه بالمعايب والتأليف بالمثالب. وتتلمذ على يدي عوانة المدائني (ت 225هـ) وهو إخباري أيضا اقترب من أسلوب المحدثين في نقد الروايات.
ومن إخباريي الكوفة محمد بن السائب الكلبي (ت 146هـ) اختص بدراسة الأنساب، وورث عنه ابنه هشام ابن الكلبي (204هـ) المتقدم ذكره هذا الاهتمام. وظهر من أهل هذا العلم الزبير بن بكار وأبو اليقظان النسابة.
وعرف من بين الإخباريين في الكوفة سيف بن عمر (180هـ) وهو عراقي معتدل، كما يقول محب الدين الخطيب، وقد أخذ عن شيوخ الكوفة كما أفاد من الروايات المدينة، وله كتاب عن الفتوح والردة ومسير على وعائشة حققه الدكتور قاسم السامرائي وظهر بطبعته الثانية حديثا.
المؤرخون :
ويأتي بعد الإخباريين الأوائل المؤرخون، وقد اهتم الطبري منهم بالإسناد وتسلسل الرواة شأن الإخباريين. ثم تحررت الكتابة التاريخية من هذه الطريقة إلى الكتابة المرسلة، وظهر هذا واضحاً جليا عند اليعقوبي (ت 284هـ) والمسعودي (346هـ) اللذين اكتفيا بالإشارة إلى المصادر مع دراسة نقدية في بعض الأحيان كما فعل المسعودي في مروج الذهب.
طريقة التأليف وصور المادة التأريخية:
على أن التحرر من الإسناد قد رافقه وأتى بعده تطور في الطريقة والأسلوب في فن الكتابة التاريخية. وحتى منهج الكتابة الذي كان يعتمد على ذكر الأخبار حسب السنين، وهو ما يعرف بالحوليات، اتجه إلى التأكيد على أهمية القيمة الخبرية للحادثة ومراعاة تتابع عناصرها لاستيعاب الموضوع بعدم تجزئة الواقعة. وكان الطبري في مقدمة أصحاب الحوليات. أما ابن الأثير، وهو ممن أفاد منه، فقد حاول التخلص من ربط الحوادث بالسنيين، وإن كان قد سار عليه بأن عنون للموضوعات وتخلص من الإسناد محافظة على وحدة الحادثة الواحدة.
وفي هذا المنهج أيضا طريقة أخرى وهي التأليف حسب الموضوعات، وعلى هذا النويري (732هـ). والتاريخ حسب الموضوعات إمّا تاريخ للأسر الحاكمة والدول والعهود كما فعل الدينوري في الأخبار الطوال، أو تاريخ حسب الطبقات مثل تصنيف ابن سعد وأبي يعلى.
والمادة التاريخية تتنوع صورها بين تاريخ عالمي عام كالطبري واليعقوبي وآخرين كمسكوية وابن العبري والثعالبي، وبين تاريخ محلي وطني كتأريخ السلامي عن ولاة خراسان وتأريخ طيفور عن بغداد وابن حيان عن الأندلس وابن العديم عن حلب.
علاقة الحديث بالتأريخ:
وفي علاقة الحديث بالتأريخ يلاحظ أن على رواية الحديث تبنى الأحكام وتقام الحدود، فهي تتصل مباشرة بأصل من أصول التشريع وهو السنة النبوية. ولذلك فإن ثقات المحدثين وضعوا رواة الحديث في موازين دقيقة بقدر الإمكان وعرفوا كل راوٍ: تاريخه وسيرته، ووضعوا من أجل هذا قواعد للجرح والتعديل.
وبحث المحدثون كيحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وابن أبي حاتم الحنظلي في الرواة وهل تلاقى الراوي والمروى عنه، وبينوا مقدار درجة كل راوٍ من الثقة. وليس الأمر في التاريخ كشأن الحديث، وموضوعاتهما مختلفة. وكما نظر ابن خلدون في النقد التاريخي وأن التمحيص يجب أن ينصب على نص الحادثة فإن المتكلمين بالغوا في محاولة إخضاع الحديث لحكم العقل وعرضه بالعلل الكلامية.
والإخباريون ضعفاء في مجملهم عند المحدثين منذ محمد ابن إسحاق، وللمحدثين شروطهم في المجال المشار إليه، وقواعدهم في مجال النقد الحديثي لازمة لدقته، ومع قرب الإمام الشافعي منهم فقد انتقده بعضهم كابن معين وابن عبد الحكم في طريقة الرواية.
على أن المحدثين أنفسهم زكوا كثيراً من الإخباريين في مجال التاريخ ونقلوا من أخبارهم. وما يظهر من اتباع منهج المحدثين في النقل عن الإخباريين لم يلتزم به من يدعي اتباعه، وإنما أراده للتأكيد على جزئية خاصة وليس منهجاً عاماً. وإذا خدم غرضه بهذا المنهج اعرض عما سواه، ومن يشنع على سيف بن عمر، على سبيل المثال، لا يطلب في أبي مخنف وابن الكلبي جرحاً ولا تعديلاً ولا يسأل عن رواة ولا إسناد.
تحدث باحث عن شبث بن ربعي فحمل عليه بشدة ولم يكلف نفسه عناء النظر في طرق الرواية وصاحبها. وشبث معدّل عند المحدثين. وخبر هذا الباحث عن شبث عن طريق ابن الكلبي، وبهذا تفضح الازدواجية في التطبيق كثيراً من أساليب من يطلبون الجرح والتعديل في سيف وحسب.
سيف بن عمر أحد الإخباريين الأوائل:
وسيف اعتَمَد عليه، كما يقول محقق كتابه، الدكتور السامرائي، كثيرٌ من المؤلفين سواء كانوا من المؤرخين أو أصحاب المعاجم. بل وحتى أصحاب كتب الحديث، كالذهبي وابن حجر وابن عساكر والطبري، وهو عند الذهبي وابن حجر عمدة في التاريخ وإخباري عارف. واعتمد الطبري على روايته في الفتنه مستشنعاً رواية الواقدي، وكذا فضلها ابن كثير وهو من أصحاب الأثر، وترحم على سيف صاحبها.
وسيف من رجال الترمذي، وفضلاً عن رواية الترمذي عنه ورواية ابن حزم عنه أيضا فإن كثيراً من المحدثين رووا أحاديث تتشابه مع أحاديث سيف في النص وتختلف معها في الإسناد، وردت هذه عند البخاري ومسلم والدارمي وأحمد بن حنبل وابن ماجة والنسائى، وضرب الدكتور السامرائى لهذا أمثله كثيرة. وصحح الدارقطني اسم زهرة بن حوّية السعدي قاتل الجالينوس في القادسية نقلاً عن سيف وقال: إن قول سيف أصح. وقد ورد في بعض المصادر جوية بالجيم المعجمة.
وقال السامرائى، بعد أن أشار إلى عدد من المصادر والمراجع عن سيف منها بحث لأحمد عادل كمال بعنوان "سيف بن عمر الراوية الأشهر للفتوحات الإسلامية"، أن ابن قانع وابن شاهين وابن ماكولا وابن عبد البر وابن حجر صححوا مراراً وتكراراً أسماء أصحاب الفتوح اعتمادا على مرويات سيف، وأن جل الأحاديث النبوية التي وردت عند سيف موجودة بأسانيد مختلفة وطرق متشعبة في كتب الحديث المختلفة، وأن على الباحث الجاد أن يستقصي دون هوى يعمي أو رأي مذهبي يغوي.
سبب الحملة على سيف:
ومما تشير إليه بعض الدراسات أن سبب الحملة على سيف من بعض المتأخرين هو حديث سيف عن السبئية. وقد يكون هذا حقاً لو كان سيف لم يُسبق إلى الإعلان عنها. والذي سبقه هو أبو مخنف الذي أفصح فيما نقل عنه البلاذري عن أن ابن سبأ هو عبد الله بن وهب الهَمْداني الذي كان يناقش عليا في أصعب أيام حياته عن رأيه في أبي بكر وعمر وأن عليا كتب كتاباً بقيت منه نسخة عند هذا الهَمْداني فحرفها.
وإلى هذه الرواية أشار طه حسين ونايف معروف وسليمان العودة وجميل المصري نقلاً عن البلاذري، ومصدرها الأول هو أبو مخنف وهو متقدم على سيف.
وأشار أبو مخنف قبل سيف، فيما نقل عنه الطبري، إلى السبئية تاريخاً ومعتقداً؛ فقال عن الكيسانية أنها السبئية، وذكر قول شبث عنها وتشنيع المغيرة بن شعبة عليها في ثورة حجر منسوبة إلى رائدها وعقلها المدبر الذي عرّف أبو مخنف باسمه واسم أبيه وكنيته ومعتقده. وفيما عدا خبر أبي مخنف عن السبئية وسدنة كرسيها أيام المختار فإن المصادر التي أشارت إليها منذ أيام الفتنة على اختلاف مشاربها المذهبية أشهر من أن تذكر.
ومن الدارسات الحديثة قام الدكتور يوسف العش بإعداد بحوث في محاضرات وكتب عن الفتنة؛ ففحص الروايات الواردة عنها فحصاً علمياً دقيقاً خرج منه بأن سيفاً أتى بقصة الفتنة من مصدر حيادي مطلع فجاءت قصة منسجمة مع الروايات الموثوقة فدخلت في عدادها مفسرة موضحة مفصلة مقبولة، وأنها رواية تاريخية بما للكلمة من معنى. واستبعد العش روايتي أبي مخنف والواقدي بعد بحث ودراسة ونظر في سبع روايات أخرى من الأخبار المقطعة.
وأشار إلى نتيجة العش، وأفاد منها، وربما أضاف إليها آخرون من الباحثين، كنايف معروف الذي قارن بين الهَمْداني رأس النحلة السبئية وابن وهب الراسبي الزعيم الأول للخوارج، وكأحمد عرموش والعودة وخالد الغيث. ونشر السامرائى عنه وعن سيف بحثاً باللغة الإنجليزية، وستصدر دار أمية دراسة متكاملة في ضوء المصادر التاريخية وكتب الفرق والملل والأهواء والنحل خاصة بسيف الذي هو عند المتحاملين عليه خارقة عظمى من الخوارق العجيبة، ركبوا عليه مجموعة من الأهواء والميول المتناقضة التي من المحال أن تستقيم في شخص رجل واحد.
وعمد أشد المتحاملين عليه فجعل بني أُسيِّد قومه كلهم مختلقين مع آخرين، وصدّر بأسمائهم كتاباً عن الاختلاق والانتحال. وصدر بعده كتاب عن الشعراء الإسلاميين للدكتورين القيسي وحاتم الضامن افتتحاه ببني أُسيِّد الذي يزعم المتحامل وهو الكشميري العسكري أن لا وجود لهم.
وورد في كتاب الفتنة لسيف، جمع أحمد عرموش "أنه كان للفتنة ووقعة الجمل أعمق الأثر، بدأ الخلاف سياسياً وانتهى مذهبياً فانقسمت الأمة إلى فئات بأسها بينها شديد تتبادل الطعون حتى التكفير… وأدى التعصب إلى ندرة الروايات الصحيحة لتاريخ تلك الحقبة… وهذا الكتاب، كتاب سيف، من أقدم الكتب التي تناولت هذه الموضوعات ومؤلفه أكثر مؤرخي تلك الحوادث حياداً وموضوعية."
الهوامش :
1) تميم تقول: ورّخ، وقيس تقول أرّخ.
2) السيد عبد العزيز سالم، التأريخ والمؤرخون العرب.
3) مأقط يوم لبني أسد على كندة اليمانية قتلوا فيه حَجْرا والد امرئ القيس الشاعر.
4) البسوس بنت منقد السعدية خالة جساس قاتل كليب، وإليها تنسب وقائع الحرب بين ابني وائل: بكر وتغلب.
5) جبلة في عالية نجد بين تميم وذبيان من جهة وبني عامر وعبس من جهة أخرى.
6) وفي مقابل هذا النقد التاريخي من ابن خلدون لأخبار اليمن فإنَّ ابن سلاّم الجمحي في كتابه طبقات فحول الشعراء أهمل جميع ما ينسب إلى اليمن من الشعر على اعتبار أنه من المصنوع المنحول.
7) عمر فروُخ، تاريخ العلوم عند العرب.
8) تقسيم العرب إلى عاربة ومستعربة فرية مبتدعة، وقد بينت هذا في موضوع "فَدَك وأمكنة أخرى"، المنشور في هذه المجلة في عددها الثالث.
9) عماد الدين خليل، دراسة في السيرة النبوية.
10) يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن قبائل العرب لم ترتد بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، وإنَّما الذي ارتد هم الصحابة!
11) أحمد أمين، ضحى الإسلام.
12) سالم محل، المنظور التاريخي.
13) إحسان النص، العصبية القبلية.
أهم المراجع الحديثة(1)
د. إبراهيم شعوط، أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ.
د. إحسان النص، العصبية القبلية وأثرها في الشعر الأموي.
أحمد أمين، ضحى الإسلام.
أحمد عرموش، مقدمة كتاب "الفتنة ووقعة الجمل" لسيف بن عمر.
د. خالد الغيث، مرويات سيف بن عمر.
د. سالم محل، المنظور الحضاري.
د. سعد زغلول عبد الحميد، في تاريخ العرب قبل الإسلام.
د. سليمان العودة، عبد الله بن سبأ.
د. السيد عبد العزيز سالم، تاريخ الدولة العربية.
د. طه حسين، الفتنة الكبرى.
د. عبد العزيز الدوري، التاريخ والمؤرخون العرب.
د. عماد الدين خليل، دراسة في السيرة النبوية.
د. عمر فروخ، تاريخ العلوم عند العرب.
د. قاسم السامرائي، مقدمة كتاب الفتوح والردة ومسير علي وعائشة لسيف بن عمر.
د. نايف معروف، الخوارج.
د. نوري القيسي وحاتم الضامن، شعراء إسلاميون.
د. يوسف العش، الدولة الأموية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أثبتنا هنا أسماء أهم المراجع الحديثة، أماّ المصادر القديمة فقد وردت الإشارة إليها في صلب الموضوع.
http://www.adabihail.gov.sa/maga.php?verid=5&secid=189


التصنيفات
تاريـخ,

فى أصول التاريخ العثمانى / أحمد عبد الرحيم مصطفى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


فى أصول التاريخ العثمانى / أحمد عبد الرحيم مصطفى

الحجم : 12.31 MB

http://www.mediafire.com/?f1i7fi1sssvf8wz


التصنيفات
تاريـخ,

دراسات في الحضارة / د. لويس عوض

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


دراسات في الحضارة / د. لويس عوض

الحجم : 5.9 MB

http://www.4shared.com/get/yMsOsh5Y/____–__.html


التصنيفات
تاريـخ,

موسوعة أعلام المغرب 10 أجزاء كاملة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موسوعة أعلام المغرب..الجزءان الاول والثانى

الحجم :18.6 MB

http://www.4shared.com/get/5JPFpJfZ/____.html

موسوعة أعلام المغرب..الجزءان الثالث والرابع

الحجم : 21.9 MB

http://www.4shared.com/get/luDxXFJ7/____.html

موسوعة أعلام المغرب..الجزءان الخامس والسادس

الحجم : 17 MB

http://www.4shared.com/get/8IF7cC8_/____.html

موسوعة أعلام المغرب..الجزءان السابع والثامن

الحجم : 17.5 MB

http://www.4shared.com/get/igu62i8m/____.html

موسوعة أعلام المغرب..الجزءان التاسع والعاشر

الحجم : 15 MB

http://www.4shared.com/get/RNQ6u1Bu/____.html