■ قانون صعب
بين قوانين الميكانيك الثلاثة ليس ثمة ما يدعو إلى الحيرة، مثل (قانون نيوتن الثالث) المشهور ـ قانون الفعل ورد الفعل، فالجميع يعرف هذا القانون، ويطبقه بصورة صحيحة في بعض الحالات، إلا أن الذي يفهمه بصورة تامة هو عدد قليل من الناس فقط.
وباستقرار الآراء حول هذا القانون لوحظ أن الجميع يوافقون على صحته بالنسبة للأجسام الساكنة، ولكنهم لا يفهمون كيف يمكن تطبيقه بالنسبة لتبادل الفعل في الأجسام المتحركة.
ينص القانون على أن الفعل يساوي رد الفعل في المقدار، ويعاكسه في الاتجاه، وهذا يعني أنه إذا كان الحصان يجر العربة إلى الأمام فإن العربة أيضاً تجره إلى الوراء بنفس القوة، ولكن في هذه الحالة، يجب أن تبقى العربة في مكانها.
والسؤال لماذا إذاً تتحرك؟!
ولماذا لا تتعادل هاتان القوتان إذا كانتا متساويتين؟
هذا الأمر يثير الدهشة والحيرة لدى الكثير من الناس نتيجة الفهم الخاطئ لنص القانون والصواب: إن القانون صحيح بلا شك وكل ما في الأمر أن القوتين لا تتعادلان مع بعضهما لأنهما تؤثران على جسمين مختلفين:
الأولى تؤثر في العربة والثانية على الحصان.
أما أن القوتان متساويتان، فهذا صحيح.
ولكن هل القوى المتساوية تولد أفعالاً متساوية دائماً؟
وهل القوتين المتساوية تكسب الأجسام المختلفة تسارعاً واحداً؟
وهل صحيح أن تأثير القوة على الجسم، لا يتوقف على طبيعة ذلك الجسم، وعلى مقدرا المقاومة التي يبديها ضد تلك القوة؟
الإجابة على هذه الأسئلة يفسر لنا لماذا يحرك الحصان العربة، مع أنها تسحبه إلى الوراء بنفس القوة.
إن القوى المؤثرة على العربة تساوي القوة المؤثرة على الحصان دائماً، ولكن بما أن العربة تتحرك بحرية على العجلات، والحصان ثابت على قوائمه على الأرض، إذاً يصبح من الواضح السبب في جري العربة وراء الحصان.
أما إذا لم تظهر العربة رد فعل بالنسبة لقوة الحصان الدافعة، يمكن عندئذٍ الاستغناء عن الحصان إذ إن أضعف قوة تستطيع تحريك العربة في هذه الحالة، ولهذا يكون الحصان ضرورياً للتغلب على رد الفعل الذي تبديه العربة.
ولو لم يكن نص القانون المذكور مختصراً: (الفعل يساوي رد الفعل) بل كان مثلاً على الشكل التالي: (قوة رد الفعل تساوي قوة الفعل) لكان ذلك أسهل فهماً وأقل إرباكاً.
إن الذي يتساوى هنا هو مقدار القوتين فقط، أما فعل القوتين (إذا كان المقصود بفعل القوة كما يفهم عادة، هو انتقال الجسم)، فيختلف بطبيعة الحال لأن القوتين تؤثران على جسمين مختلفين.
تفسير آخر لنص القانون:
إن سقوط الأجسام يخضع لقانون رد الفعل، بالرغم من عدم ظهور هاتين القوتين في الحال، إن التفاحة تسقط على الأرض، لأن الأرض تجذبها إليها.
ولكن التفاحة أيضاً تجذب الأرض إليها، بنفس القوة تماماً.
وبعبارة أدق فإن كلاً من التفاحة والأرض تسقطان على بعضهما.
ولكن سرعة سقوط التفاحة على الأرض تختلف عن سرعة سقوط الأرض على التفاحة.
إن القوى المتساوية للجذب المتبادل يعطي التفاحة تسارعاً قدره 10م/ ثا2 تقريباً.
بينما تعطي الأرض تسارعاً يقل عن تسارع التفاحة بقدر ما تزيد كتلة الأرض على كتلة التفاحة وبطبيعة الحال فإن كتلة الأرض أكبر من كتلة التفاحة بعددٍ متناهٍ من المرات ولهذا فإن الأرض لا تنتقل في هذه الحالة إلا بقدر ضئيل للغاية، بحيث يمكن اعتباره مساوياً للصفر، ولهذا السبب نقول بأن التفاحة تسقط على الأرض، بدلاً من قولنا بأن (كلاً من التفاحة والأرض تسقطان على بعضهما).
■ هل يمكن التحرك بدون مرتكز؟
عندما نسير فإننا ندفع على الأرض بأقدامنا، ولا يمكننا السير على الأرض الصقيلة جداً أو على الجليد لأنه لا يمكننا دفعهما بأقدامنا.
وعندما يتحرك القطار فإنه يدفع السكة الحديدية بواسطة العجلات أما إذا دهنّا السكة الحديدية بالشحم، فإن القطار لن يتحرك من مكانه، حتى إنه في بعض الأحيان (عندما يتكون غطاء جليدي على السكة) نذر الرمل على أقسام السكة الواقعة أمام العجلات المسيرة للقطار، وذلك لكي نجعله يتحرك من مكانه.
وعندما كانت السكك والعجلات تصنع على هيئة مسننات في بداية ظهور السكة الحديدية، والباخرة أيضاً تدفع الماء بواسطة أرياش عجلة التجديف أو بواسطة الرقاص، والطائرة تدفع الهواء بمراوحها أيضاً:
وقصارى القول: مهما كان نوع الوسط الذي يتحرك فيه الجسم فإنه يرتكز على ذلك الوسط عند حركته فيه، ولكن هل يمكن أن يبدأ الجسم بالحركة، دون أن يكون له مرتكز في الخارج؟
إن القيام بمثل هذه الحركة، يشبه قيام الإنسان برفع نفسه من شعره وهي الحركة التي نعتبرها مستحيلة، وفي الحقيقة لا يستطيع الجسم أن يبدأ بالحركة كلياً بواسطة القوى الداخلية وحدها، ولكنه يستطيع تحريك أحد أقسامه في اتجاه معيّن، وتحريك القسم الباقي في الاتجاه المعاكس للاتجاه الأول وهذا ما يفسر حركة الصاروخ؟!!.
■ لماذا ينطلق الصاروخ؟!.
يفسر كثير من الناس سبب انطلاق الصاروخ على أنه ناتج عن قيام الغازات الناتجة عن احتراق للبارود، بدفع الهواء عند خروجها من الصاروخ وهذا ما هو شائع بين الناس ولكن إذا أطلقنا الصاروخ في جوٍ خال من الهواء، فسينطلق بسرعة تزيد على سرعة انطلاقه في الهواء.
إن السبب الحقيقي لانطلاق الصاروخ يختلف عن السبب السابق اختلاقاً تاماً ولنتصور اسطوانة من الصفيح، تكون إحدى قاعدتيها مفتوحة، والقاعدة الأخرى مسدودة، ثم ندخل فيها اسطوانة بنفس الحجم تقريباً، تتكون من رزمة محكمة من البارود، وتحتوي على قناة في مركزها، يبدأ احتراق البارود من سطح القناة، وينتشر في فترة معينة من الزمن إلى السطح الخارجي لرزمة البارود، وهكذا، فإن الغازات الناتجة عن الاحتراق تحدث ضغطاً على جميع الجهات، ولكن الضغوط الجانبية للغازات تتوازن مع بعضها، أما الضغط المؤثر على قاعدة اسطوانة الصفيح فلا يتوازن مع الضغط المؤثر في الاتجاه المعاكس (لأن للغازات في هذا الاتجاه منفذاً حراً). وبذلك يدفع الصاروخ إلى الأمام، في الاتجاه الذي وضع فيه قبل احتراق البارود.
وللمدفع: يحدث نفس الشيء أيضاً عند إطلاق القذيفة من المدفع حيث تنطلق القذيفة إلى الأمام، بينما يرجع المدفع إلى الوراء.
ولنأخذ ارتداد البندقية مثلاً وبصورة عامة، ارتداد كافة الأسلحة النارية، فلو فرضنا أن المدفع معلق في الهواء ولا يرتكز إلى أي شيء، لرأينا أن بعد الإطلاق، سيتحرك إلى الوراء بسرعة معينة، تقل عن سرعة القذيفة بعدد من المرات يساوي عدد مرات زيادة وزن المدفع على وزن القذيفة.
إن الصاروخ لا يختلف عن المدفع إلا بشيء واحد، هو أن المدفع يطلق القذائف، أما الصاروخ فيطلق الغازات الناتجة من احتراق البارود، وكثير من المكائن البخارية والسفن التجارية القديمة وعربة نيوتن البخارية التي تعتمد مبدأ الفعل ورد الفعل قم تم تجريبها ولكن لم يتم اعتمادها.
■ كيف يسبح الحبّار؟
سندهش القارئ عند سماعه بوجود عدد من الكائنات الحية، التي تصبح مسألة (رفع الجسم ذاتياً) بالنسبة إليها، طريقة عادية للسباحة في الماء.
إن الحيوان البحري المسمى بالحبار، ومعظم الرخويات (الرأسيات) بصورة عامة تتحرك في الماء بالطريقة التالية:
تسحب الماء إلى خياشيمها من خلال شق جانبي وقمع خاص في مقدمة الجسم، ثم تقذفه إلى الخارج بقوة، فينفث على هيئة نافورة من خلال ذلك القمع.
وبهذا العمل تندفع إلى الوراء ـ حسب قانون رد الفعل ـ بقوة كافية لجعل القسم الخلفي من الجسم يتحرك سريعاً إلى الأمام فيدخل الماء، وبهذه المناسبة فإن الحبار يستطيع تحريك فتحة القمع إلى أحد الجوانب أو إلى الوراء، وينفث منها الماء بقوة ليتحرك في الاتجاه المطلوب.
وحركة قنديل البحر مبنية على نفس المبدأ حيث أنه بتقليص عضلاته يعمل على نفث الماء من تحت الجسم الذي يشبه الجرس، فيندفع بذلك في الاتجاه العاكس.
وهناك أنواع أخرى من الحيوانات البحرية التي تستخدم نفس الطريقة المذكورة عندما تسبح في الماء، وهذه الوقائع لا تترك مجالاً للشك في وجود مثل هذه الطريقة للحركة.