مقدمة.
المدرسة اللسانية أو اللغوية هي مجموعة من المفاهيم يتبناها طائفة من اللغويين، وتجمعهم وجهة نظر واحدة ، ومنهج واحد في معالجة الظواهر اللغوية ، مهما اختلفت أوطانهم وجنسياتهم. فهم مجموعة من المهتمين تجمعهم وحدة فكرية ومنهجية في التعامل مع الظواهر اللغوية.
فأبناء المدرسة اللسانية الواحدة يلتفون ويتفقون حول أصول واحدة ، فيرسمون لأنفسهم منهجاً واحداً في دراسة أصول علم اللغة، و يطبقونه ويعملون على تطويره والدفاع عنه، مع بقاء هذه المدرسة مدة من الزمن. فهي نظرية أو إطار فكري عام معين يٌتخذ لمعالجة البحث اللغويّ. فلا تعد المدرسة مدرسة إلا إذا حددت رؤى و أهدافا ثابتة ، واتخذت لنفسها أصولا وأسسا مخصوصة ، ورسمت منهجا واضحا تسير عليه في معالجة المسائل والقضايا.
مفهوم البنيوية.
البنيوية اللغوية- في أساس مفهومها وأبسط صورة وأوجزها لهذا المفهوم – هي: منهج عام يأخذ اللغة على أنها (بناء) أو (هيكل)، أشبه شيء بالهيكل الهندسي المتشابكة وحداته ذات الاستقلال الداخلي، والتي تتحد قيمها بالعلاقات الداخلية بينها، وذلك بمعزل عن أية عناصر خارجية، كصاحب النص المنطوق أوالمكتوب، والسياق الخارجي أو غير اللغوي ؛ إذ إن هذين العنصرين ليسا من اختصاص علم اللغة في نظر البنيويين0
ومعنى ذلك أنّ تحليل أي نص لغوي يعتمد على نظرتين : هما استقلاليته عن أية ملابسات أو ظروف خارجية ، والثانية تشابك وحداته وترابطها فيما بينها داخليا. (1)
وهكذا ، فان البنيوية اللغوية: نظرية علمية تقوم على سيطرة النظام اللغوي على عناصره، وتحرص على الطابع العضوي لشتى التغيرات التي تخضع لها اللغة. (2)
ولادة البنيوية.
يعد القاضي ( جامبا نستافيكو) عام 1725م في كتابه (العلم الجديد) هو حامل فكرة البنيوية أو جرثومة البنيوية ؛ فهو يرى أنّ المجتمعات جلها هي التي تخلق نفسها أو ذاتها، بمعنى أنّ الشيء الواحد لا مكان له في الحياة إلا إذا وجد في مجموعة، وهذه المجموعات تشكل معا المجتمعات وليس المفردات. ثمّ نضجت فكرة البنيوية عند دي سوسير وتكاملت على يد براغ وبلومفيلد كما سيظهر لاحقا.
العوامل التي ساهمت في ظهور البنيوية :
لكل علم عوامله التي تساعد على ظهوره و نهوضه، ولظهور البنيوية العوامل الآتية::
العامل الأول: جاء كرد فعل على المنهج الذري الذي كان سائدا في بريطانيا بشكل خاصة وفي أوروبا بشكل عام. ( و المنهج الذري هو المنهج الذي ينظر إلى الأشياء كلها على أنها تراكمات أو تكتلات لعناصر مستقلة ). فاللغة على سبيل المثال هي ولادة تراكم وتجمع لعناصرها أو مستوياتها.
ومعنى ذلك أنّ البنيوية ترى أن معنى الجملة سابق لمعنى الكلمة، فليس للكلمة معنى أو قيمة وهي مستقلة إلا من خلال علاقاتها بغيرها أو وجودها في سياق. فمن خلال الجملة نفهم معنى الكلمة ويصبح لها قيمة و معنى.
أما العامل الثاني فجاء نتيجة التطور والتفكير والإدراك الذي حصل في العلوم الطبيعية ثم في العلوم الإنسانية. فلقد اقترن التيار البنيوي بأسلوب البحث في مختلف المعارف فلكل علم مادة، ولكل مادة بنية، ويكفي أن يحدد الباحث المتخصص هدفه في استكشاف خصائص بنية تلك المادة حتى يطلق على نفسه أو يطلق عليه الآخرون صفة الباحث البنيويّ، بل إنّ منهج البحث في حقل من المعارف إذا ارتسم لنفسه غاية الكشف عن العلاقات التي تنتظم بها الأجزاء ليتألف منها البناء الكلي ، تحتم إدراجه في فلك البنيوية0وهذا هو الذي سوّغ اكتساح موجة التيار البنيوي للعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية.(3) ، فكل علم من العلوم لا بد من أن يكون بنيويا .وعلم اللغة كأحد هذه العلوم يسعى إلى استخلاص طابعه النسقي من خلال العلاقات القائمة بين عناصره ووحداته ، بمقتضى رابطة تماسك وتوقف.
ومما هيأ للمهنج البنيوي هذه السلطة العامل الثالث وهو ما وُفِّر للبنيوية من وسائل عملية عند استنطاق الظاهرة يجمع بين البساطة الظاهرة و الدقة المستترة . ومدار ذلك هو العملية المزدوجة التي تتراوح بين التفكيك والتركيب : تفكيك الأجزاء المكونة لمادة البحث ثم إعادة تركيبها بشكل يختلف عن الصورة التي جاءت عليها . على أن عملية إعادة التركيب ليست واحدة بالضرورة وإنما يمكن إن تتعدد وتتنوع فتفضي إلى هندسات معمارية جديدة للواقع المدروس .
والعامل الرابع الذي هيأ للبنيوية هذه الريادة المنهجية الموضوعية في الدرس فهو يتجاوز السبل الذاتية ومسالك الارتسام الوجداني بل وتتخطى كل التباس انطباعي ، أو تقويم معياري.
لهذه الحيثيات جميعا غدت البنيوية كالناطق الفريد باسم المنهج العلمي بين أترابها من المناهج الأخرى.(4) ، ولعله ليس بعيدا عن الصواب القول: إنّ أول ما بوأ البنيوية هذه المنزلة أن مضمون أي علم من العلوم إن هو إلا نسيج من الدوال هي بمثابة العلامات أو الإشارات على مدلولات ومجموع القرائن الرابطة بين هذه وتلك يمثل بنية ذلك العلم . ولئن عولت البنيوية في كل ذلك على ما تم اشتقاقه من الظاهرة اللغوية في أول الأمر، فان الجدل الذي استمر حول علاقة اللسانيات بعلم العلامات أو الإشارات أيهما الأصل وأيهما الفرع قد جعلها تتسلل بين شقي الخلاف لتنفرد بطرافة هذا البديل العلامي الموحد بين مسالك الاستقراء العلمي .
وعليه، فقيمة الشيء _ من وجهة نظر البنيوية _ ليس بذاته بل بعلاقاته بغيره؛ فلو لم يكن الأمر كذلك لما اختلفت وجهات النظر في النص الواحد، وكانت النتيجة واحدة، في حين نجد للنص الواحد مجموعة نصوص تتشكل فيخرج لكل شخص نص مستقل مختلف عن غيره، وهذا دليل على أن الشيء ليس له قيمة بذاته بل قيمته بالعلاقات مع غيره: فالسمة الأساسية للبنيوية هو: الاهتمام بالعلاقات القائمة بين الأشياء والتي تبين من خلالها قيمة الشيء،، وعدم الاعتراف بالفردية والاستقلالية.
دور دي سوسير في ظهور المدرسة البنيوية.
لما كان فاردينان دي سوسير (1875-1913) يلقي محاضراته في العلوم اللغوية على منابر جامعة جنيف بين سنة 1906 وسنة 1913 ، ما كان يظن أنه كان يرسي قواعد منهج معرفي ستتجاوز آثاره سياج العلم اللغوي فيكتسح علوم الإنسان غازياً إياها غزو المنتصرين بلا عناء كبير (5). وعلى الرغم من أن أهم أعمال “أستاذ اللغويات الكبير بجامعة جنيف” لم تنشر إلا بعد وفاته ، إذ قام بنشر محاضراته في علم اللغة بعض تلامذته( تشارلز وألبرت) عام 1916 ، بل وعلى الرغم من أن دي سوسير نفسه لم يستخدم كلمة “بنية” ، وإنما استخدم كلمة “نسق” أو “نظام” ، إلا أن الفضل الأكبر في ظهور المنهج البنيوي في دراسة الظاهرة اللغوية يرجع إليه هو أولاً وبالذات (6).
ولقد سيطرت أفكار هذا الأستاذ الكبير ممثلة بالمدرسة البنيوية التي أنشأ صرحها ، على البحث اللغوي في الأربعينيات من هذا القرن سيطرة بالغة ، حتى إنها جمعت حولها نفراً غير قليل من الدارسين في جميع أنحاء العالم ، وزحزحت المناهج اللغوية من مواقعها، وحاولت أن تحتل مكانها جميعا، وانتقل تأثيرها من الدرس اللغوي الصرف إلى ميدان الأدب ونقده، لدرجة أنها صارت الشغل الشاغل للأدباء والنقاد حتى أوائل السبعينيات (7)0
بلغت الدراسات اللغوية الحديثة والمعاصرة درجة من الدقة والضبط والموضوعية والشمول ما أتاح لها أن تتبوأ مكانا مرموقا بين فروع المعرفة الانسانية0بل لقد أخذت هذه الدراسات زمام المبادرة في هدم الأسوار التي أقيمت بلا مبرر علمي واضح بين العلوم الإنسانية ،وهو ما عبر عنه بصدق “ليفي شتراوس” عالم الأنثروبولوجيا حين قال: إننا نجند أنفسنا إزاء علماء اللغة في وضع حرج 0فطوال سنوات متعددة كنا معهم جنبا إلى جنب وفجأة يبدو لنا أن اللغويين لم يعودوا معنا وإنما انتقلوا إلى الجانب الأخر من ذلك الحاجز الذي يفصل العلوم الطبيعية الدقيقة عن العلوم الإنسانية، والاجتماعية، والذي ظل الناس يعتقدون طويلا باستحالة عبوره.
وهكذا أحذ اللغويون يستغلون بتلك الطريقة المنضبطة التي تعودنا أن نعترف باستسلام أنها وقف على العلوم الطبيعية وحدها0(8)
لقد كان دي سوسير الرائد في كثير من الأفكار اللغوية ، ومن أهم أفكاره النظرة “البنيوية” إلى اللغة 0وهذه النظرة لم تكن مستقلة عن أفكاره الأخرى، وبالأخص منها فكرتان، هما: “السنكرونية” أو (الو صفية) في مقابل “الديكرونية” أو (التاريخية). وثنائيته المشهورة “اللغة و الكلام” وتفريقه الحاد بينهما0 فهذه الأفكار الثلاثة مترابطة متكاملة ، لا انفصام لها وليس من السهل أن يعزل واحد منها عن الآخر في نظر سوسير على الأقل.(9)
المدرسة البنيوية:
تعد أفكار دي سوسير منطلقا لكل المدارس اللسانية الحديثة ما بين مؤيد ومعارض وثورة على المنهج التاريخي المقارن ، فكانت أفكاره فاتحة عهد جديد في مضمار “العلوم اللسانية” بصفة خاصة _ لأنها المحاولة الأول التي تصاغ فيها المفاهيم اللسانية الحديثة صياغة منهجية _ و”العلوم الإنسانية “بصفة عامة ، لذلك فجل المدارس اللسانية الحديثة وصفية المنطلق ؛ لأنها قامت على أفكار سوسير ، ثمّ تلونت بوجهات نظر خاصة منحها صبغة معينة . ومن أهم أفكاره النظرة البنيوية للغة ، فاللسان _ أي اللغة _ يمثل النظام المجرد للعلاقات البنيوية الذاتية المتأصلة في اللغة ، وهي علاقات يشترك فيها كل أعضاء الجماعة اللغوية ،في حين يمثل الكلام فعل الكلام الفردي والذي لا يمكن أن يتكرر على نحو متماثل أبدا ،ولأن اللغة من وجهة نظر سوسير تؤلف نظاما بنيويا متماسكا ؛ فإنّ أي مقاربة للغة مكرسة لتفسير عمل هذا النظام الداخلي أصبحت تعرف بأنها “اللسانيات البنيوية” أو”المدرسة البنيوية”(10)
والمنهج البنيوي يقوم على مفهومين اثنين – هما أساس المنهج الوصفي – : الوصف والتصنيف. وهذا المنهج قد أبعد عن طريقه النظر في أوليات اللغة المدروسة وتأريخها وتطورها ، ونظر إليها على أنها شكل أو بناء ثابت آني غير متغير . فوصف لذلك بأنه صوري شكلي ؛ لأنه ينظر إلى الصور اللفظية المختلفة داخل أية لغة ثمّ يصف العلاقات القائمة بين كلماتها في تراكيبها وصفا موضعيا ، ثم يقوم بتصنيف النتائج تصنيفا دقيقا مميزا بين المؤلفات التي تتكون فيها التراكيب .
فالمنهج البنيوي يلتزم بمفهوم (التزامنية) وهي: دراسة لغة محددة في لحظة معينة دون النظر في المراحل التاريخية ، فيدرس اللغة كما هي ومحاكمتها بقوانينها –لا بقوانين غيرها – دون تقعيد لغرض الدراسة نفسها، بشكل موضوعي بغية الكشف عن حقيقتها.(11) فاللغة بالنسبة للسانيات البنيوية هي البداية والنهاية ، أو الوسيلة والغاية ، لذلك وصف علم اللغة بأنه علم انعكاسي أو انطوائي يدرس نفسه بنفسه.
البنيوية في أوروبا:
دي سوسير هو واضع حجر الأساس للسانيات البنيوية كما تبين مما سبق، وبوصفة ممثل الأوروبيين يعول عليه في دراسة البنيوية في أوروبا ، فما هي بنيويته ومن هم أتباعه؟(12)
فكرة البنيوية عند سوسير فكرة بسيطة تتلخص في نظرتة إلى اللغة بوصفها نظاما أو هيكلا
مستقلا عن صانعه أو الظروف الخارجية التي تحيط به. وينظر إلى هذا الهيكل من داخله من خلال مجموعة وحداته المكونة له بوصفها تمثل كلا قائما بذاته. فاللغة هي شبكة واسعة من التراكيب والنظم . وهي أشبة شيء برقعة الشطرنج التي لا تتحدد قيم قطعها بمادتها المصنوعة منها وإنما بمواقعها والعلاقات الداخلية بينها في هذة الرقعة . فكما إن كل قطعة منها تتحد قيمتها وترتبط بموقعها على هذه الرقعة، كذلك تتحد قيمة كل تركيب أو قيمة كل وحدة في التركيب بالنظر إلى هذة التراكيب، وتلك الوحدات.
إذن، فنظرة سوسير إلى اللغة نظرة تجريدية تعنى بنظام البنية العميقة لا بالبنية السطحية التي تتمثل في المادة الكلامية الواقعية . وأنّ دراسة العلاقات ذات القيم الفارقة بين التراكيب أو الوحدات تتم من جانبين :
1- الجانب الأفقي : ( السنتجماتيكي ) ويعنى بتعيين طرائق تكوين العناصر اللغوية – كلمات أو لواصق – إلى عناصر أكبر وأكثر تعقيدا أو جمل وعبارات وتراكيب ، وبيان العلاقات بين هذة العناصر. وهنا يكون التركيز على خواص التركيب من حيث موقعية عنا صره المكونة له ونوع الارتباط الواقع بينهما؛آخذين في الحسبان أن قيمة كل عنصر إنما يتضح بنوع علاقته بصاحبه من العناصر الأخرى في ذات التركيب.
2-الجانب الرأسي : ( البراديجماتيكي ) ويعنى بالعلاقات بين العناصر اللغوية في النظام اللغوي أو في الجدول الصرفي الذي يمد التراكيب بالوحدات المكونة له|، ، فهذا الجانب يركز على بمبدأ جدولت العلاقات واستبدالها. ولتوضيح ذلك نقف عند هذا المثال:
مثال : الجملة:محمد يدرس.
فالعلاقة بين (محمد) و (يدرس) علاقة سنتماتيكية وهي علاقة المبتدأ بالخبر وهي هنا علاقة وظيفية ، وهناك علاقة شكلية سنتماتيكية بين هذين العنصرين ، وهي التتابع الأفقي في التركيب ، وكل عنصر منهما في الوقت نفسه ذو علاقة براديجماتيكية بعناصر أخرى في النظام اللغوي أو الجدول الصرفي لم تقع في هذه الجملة ، وإن كانت صالحة في الوقوع مواقعها في تراكيب أخرى .فـ “محمد” ذو علاقة رأسية ، أي جزء من الجدول الصرفي الذي تنتمي إلية عناصر محددة مثل : هو، وصديقي ، والرجل، وهذا….. الخ . من كل تلك العناصر الاسمية التي تصلح مبتدأ في اللغة العربية ، و” يدرس ” جزء من الجدول الصرفي الذي تنتمي إليه عناصر صالحة للوقوع خيرا في اللغة العربية، نحو: يزرع ، يحصد ، قائم … إلخ.
فالقيمة اللغوية عند سوسير ، أي ( المعنى) إنما تحدده وتعينه مجموعة العلاقات بين الكلم ، ولا يمكن فهمه أو الوصول إليه إلا في ضوء هذه العلاقات ، فالعلاقة متبادلة بين الدال والمدلول ، تجعل كل واحد يستدعي الآخر.
وبهذا المنهج استطاع سوسير إن يستغني عن التقسيم التقليدي للنظام اللغوي، وهو : الدلالة والنحو والصرف الأصوات ، حيث يمكن وضع هذه المستويات أو الجوانب اللغوية في إطار الاتجاهين الآتيين: الاتجاه الرأسي والاتجاه الأفقي . فالنظام اللغوي إن هو إلا نظام للجداول الصرفية التي يقوم كل عنصر في داخلها بتحديد وتعيين العناصر الأخرى ، وفي الوقت نفسه يتوقف دخول أي عنصر من هذه العناصر في التتابع الأفقي على الجدول التصريفي المعين أو الجنس الصرفي للعنصر أهو: اسم أو فعل أو حرف ، و هل هو : معرفة أو نكرة ……الخ.
ومن الأعلام البارزة في أوروبا تلميذا دي سوسير النجيبان ( أنطوان ميية) و (تشار لزبيية) ،وقد حذا كل منهما حذو الأستاذ في جملة أفكاره و مبادئه الخاصة بالبنيوية، فهذا (مييية ) يقرر – بما يشبه مقولة الأستاذ – أنه من الخطأ النظر إلى الوحدات اللغوية كما لو كانت منعزلة ، وإنما ينبغي أن تؤخذ على أنها نظام مترابط متماسك. والأمر نفسه عند (لزبيية) ، وإن كان يهتم بوسائل التعبير الفردية ،التي تميز شخصا عن أخر ، والتي تبين الاختلافات التعبيرية عند الأفراد.
وفي سنة 1926 تشكلت مدرسة (براغ) ، والتي أخلصت لمبادئ دي سوسير في جملتها حتى إنّ أفكارها لتتطابق وتتماثل مع مبادئ الأستاذ في “البنيوية” وغيرها ، فاللغة في تصور رواد هذه المدرسة: ” إن هي إلا نظام من العلائق” . ولكن مع التركيز على الجانب الوظيفي (أي: القيم اللغوية للوحدات المكونة للتركيب )، وطبقوا هذا المبدأ خير تطبيق على “الفونولوجيا ” – علم وظيفة الأصوات- بوجة خاص.
ومن أعلام هذة المدرسة”جاكبسون” “وتروبتسكوي”،وهما من أصل روسي ، وهذا الأخير هو صاحب كتاب “مبادئ الفونولوجيا” المنشور في براغ سنة 1939 وترجمه إلى الفرنسية “كانتينو” سنة 1949 لأول مرة.
وقد اتبعت هذه المدرسة في عملها المنهج السنكروني ، تماما كما سلك دي سوسير في أعماله(13).
ولم تخرج مدرسة (كوبنهاجن) التي أسس لها العالم الدنمركي “هلمسليف” ( 1899 – 1965) – وهو رائدها في الاتجاه البنيوي – عن الخطوط العريضة لمبادئ دي سوسير . والواقع أن “هيلمسلف ” اهتم باللغة لا بالكلام ، ونظر إليها على أنها بنية أو هيكل أو نظام ، وأن اللغة هدف لذاتها وليست وسيلة ، وهي نظام مغلق منعزل عن العوامل الخارجية الاجتماعية والثقافية والأدبية، والتاريخية. وأنّ الوظيفة الأساسية للغويّ – عنده – هي أن يضع نظاما تجريديا لفهم اللغة ، وإنما يتم له ذلك بالنظر إلى اللغة على أنها”عملية رمزية” تدخل في إطار علم الرموز. وهو يأخذ الوظيفة في الحسبان ، ويعنى بها الدور الذي يلعبه العنصر اللغوي (وحدة صوتية – وحدة صرفية – كلمة – تركيب ) في البنية النحوية للتعبير ، فكل عضو أو عنصر في الجملة له قيمة في تشكيل المعنى العام للجملة .والفرق بينة وبين سوسير معني أولا و أخيرا باللغة المعينة ، فهذا “هيلمسلف” يحاول دراسة اللغة بالمعنى العام دون النظر إلى خصائص اللغة المعنية ؛ فاللغات عنده تشترك في بعض النقاط ، وعلى الدارسين والباحثين البحث عن هذة النقاط.(14)
وعلى الرغم من هذا الاستشراء البنيوي في عقول علماء أوروبا، إلا أنّ اللسانيات البنيوية قد أدينت من قبل: ألمانيا ،وإيطاليا ، كأمر متناقض مع أيديولوجية هذه الدول التي لا تؤمن بتساوي اللغات ،أما البنيوية فنظرتها متساوية إلى جميع اللغات ؛ فكل اللغات عندها واللهجات يمكن تحليلها بالطرق عينها ، وأنه ليس هناك لغة تفوق لغة أخرى.(15)
البنيوية في أمريكا.
بدأت البنيوية الوصفية في أمريكا بصورة مختلفة عن تلك التي بدأت بها في أوروبا ، ومن ثم تميزت بمبادئ وأفكار تختلف عن تلك التي عرفتها أوروبا ، ولكنها تلتقي معها في: أنّ اللغة بنية ، وأن هذه البنية لكي تدرس لا بد أن تحلل إلى مكوناتها .
والحقيقة أن البحث اللغوي في أمريكا لم يكن منبت الصلة تماما عن أوروبا . فالرواد الأوائل لعلم اللغة الأمريكي مثل: “فرانز بواز” و “إدوارد سابير” و “ليوناردومفيلد”؛ كانوا على صلة بصورة أو أخرى بالتراث الأوروبي في دراسة اللغة ، وخاصة المدرسة التاريخية في القرن التاسع عشر ، وذلك عن طريق العالم الأمريكي “وتني” الذي كان متأثرا بالاتجاه التاريخي في أوروبا ،وقد أشار إليه دي سوسير ، ثم إن “بواز” و “سابير” قد ولدا في أوروبا، أما بلومفيلد فقد درس قواعد علم اللغة التاريخي التي وضعتها مدرسة النجاة الجدد . وقد أشار إليه سوسير، وإلى المنهج الوصفي الذي أذاعه في المقدمة التاريخية لكتابه “اللغة”، الذي تتبع فيها تاريخ الفكر اللغوي عند الهنود والرومان والعرب والعصور الوسطى ، ثم العصر الحديث في أوروبا حتى دي سوسير.016)
غير أن الذي يعطي مميزا لعلم اللغة الأمريكي أنه بدأ وفق تقاليد وأصول علمية أملتها طبيعة اللغات التي وجدوها في القارة الجديدة ، وهي لغات لم تكن معروفة وليست مكتوبة، ومن ثم لم يكن النموذج التاريخي الذي طبق على اللغات الهندية الأوروبية كافيا لتفسيرها ، بل ربما أدى إلى نتائج غير صحيحة، وبالتالي لم يكن أمامهم إلا تطبيق المنهج الوصفي .
وكانت البداية الحقيقية لعلم اللغة الأمريكي على يد “فرانز بواز أو يواس” الذي أدرك أنه يتعامل مع لغات تختلف في تركيبها عن اللغة الهندية الأوروبية التي درس قواعدها وفق المنهج التاريخي . ومن ثم نحى المنهج جانبا ووضع لنفسه مبدأ جديدا ،وهو أن كل لغة لها منطقها التركيبي الخاص بها ، و أن منهج التحليل المناسب تفرضه طبيعة المادة اللغوية نفسها
وقد التزم بهذا المبدأ وقام بدراسة وصفية لعدد من اللغات الهندية الأمريكية وجمعها في كتاب أطلق عليه اسم “دليل اللغات الهندية الأمريكية “، ويعد هذا الكتاب دستور البحث اللغوي الأمريكي الذي ضم مبادئ الوصف اللغوي الدقيق لتسع عشرة لغة من اللغات الهندية الأمريكية وما زالت مقدمة هذا الكتاب تعد من المقدمات الممتازة في علم اللغة ، فضلا عن أشارات “بواز” إلى علم النفس والاجتماع ودورهما في معرفة وفهم الظواهر اللغوية . وقد كان هذا الكتاب مناط اهتمام علماء اللغة الأمريكيين. ولعل ذلك ما دعا بلومفيلد إلى وصف “بواز” بأنه المعلم الأول لعلماء اللغة الأمريكيين.
أما”سابير” فهو رائد البنيوية الأمريكية ومعلم الأجيال من علماء اللغة الأمريكيين وتلميذ من تلامذة “بواز”، وكان واسع الثقافة له اهتمامات علمية وكثيرة ومتنوعة . ويبدو أنه قد بدأ دراسته للغة بعيده عن أفكار “سوسير” ولكن فكرة النماذج اللغوية التي نادى بها لا تبعد كثيرا عن التفرقة التي وضعها “سوسير” بين اللغة والكلام .
وفكرة النماذج اللغوية هي أن كل إنسان يحمل في داخله الملامح الأساسية لنظام لغته.أي إن جميع النماذج الفعلية التي تقدمها اللغة لتأكيد عملية الاتصال ،هي نماذج ثابتة وهي الخليقة بالدراسة لأنها الأهم والأكثر حيوية في حياة اللغة. وذلك مقابل الاستخدام الفعلي للغة المتمثل في المادة اللغوية المنطوقة.(17)
أما “بلومفيلد 1949م” Bloomfield فيعد علما من أعلام الدراسات اللغوية أمريكا، وكتابه “اللغة” يحسبونه هناك “إنجيل علم اللغة ” ؛ إذ إن البحث اللغوي الأمريكي – مهما تعددت اتجاهاته ومناهجه- يدين بالفضل لهذا العالم ومبادئه ، سواء أكان ذلك بالاتفاق معه أو بمعارضته.
والحق أن “بلومفيلد” في أمريكا يقع موقع سوسير في أوروبا من حيث: الأهمية في التأثير وجدة الأفكار، وتنوعها ، وكثرة الأتباع والتلاميذ . وإن كان الثاني أسعد حظا من صاحبه في الشهرة واتساع دائرة الأتباع والمريدين لا في الحقل اللغوي وحده، وإنما في دوائر علمية أخرى كالنقد الأدبي وعلم الأسلوب . وذلك لأنه كان أسبق زمنا وريادة في الابتكار والتجديد في الفكر اللغوي ، ولما اتسمت به أفكاره من عمق ومذاق جديد غير معهود آنذاك. وقد أفاد “بلومفيلد” من المعين السويسري؛ إذ تأثر به و أخذ عنه فكرتين مهمتين:
الفكرة الأولى: النظرة السنكرونية في التعامل مع اللغة ، والأخرى: الفكرة البنيوية للغة في عموم معناها ، وهما نظرتان أو فكرتان متلازمتان في المنهج البنيوي في عمومه ، فاستطاع أن يكوّن مدرسة أو منهجا لغويا واضحا ومستقلا: هي منهج السلوكية أو مدرسة “بيل” ، وهو اسم الجامعة التي كان يعمل بها أستاذا.
والبنيوية عند “بلومفيد” وأتباعه بنيوية من نوع خاص ، وهي في الوقت نفسه مبدأ من منظومة من المبادئ التي تكون منهجا عاما لا يمكن فهمه أو التعرف عليه بوجه مقبول إلا بالنظر في جملة هذه المبادئ بصورة ما،(18) فلقد التزم “بلومفيلد” بالمنهج البنيوي الوصفي ولكن بطريقة خاصة أصبحت علما عليه وعلى مدرسته، ولعل اتصاله بعالم النفس السلوكي “واطسن ” – أبو المنهج السلوكي الذي فضل استحداث المنهج السلوكي كثورة على المنهج الذهني – كان له أكبر الأثر في توجيه نظريته اللغوية وفق تعاليم ومبادئ المذهب السلوكي ، وهو مذهب يرى أن اختلاف الناس يرجع إلى اختلاف البيئة التي يعيشون فيها وأن سلوكهم رهن هذه البيئة.
واللغة عند “بلومفيلد” وأتباعه من السلوكيين ليست إلا نوعا من الاستجابات الصوتية لحدث معين ؛ فالإنسان يسمع جملة معينة ، أو يرى شيئا ، أو يشعر بشعور فيتولد عن ذلك استجابة كلامية ، دون أن ترتبط هذة الاستجابة بأي صورة من صور التفكير العقلي ، والإنسان في هذا يشبه الآلة أو حيوان .
وبناء على هذا الفهم لطبيعة اللغة ووظيفتها عند “بلومفيلد” وأتباعه شاع في تاريخ الفكر اللغوي أن هذه المدرسة رفضت دراسة المعنى وركزت في دراستها اللغوية على الجانب المادي الطبيعي ، وهو الصوت والبنية التي يتحقق فيها توزيع الأصوات على شكل فونيمات ومورفيمات ؛ لأنه يمثل المادة المناسبة للبحث الموضوعي المضبوط ، دون المعنى الذي قد يفتح مجالات للأحكام الذاتية الانطباعية .
والواقع أن”بلومفيلد” لم يرفض دراسة المعنى ، بل لقد أشار إلى أهمية العلاقة بين الصوت والمعنى . وإنما كان اهتمامه موجها إلى الكشف عن القوانين العامة التي تحكم السلوك اللغوي والتي قد تؤدي إلى الكشف عن القوانين التي تحكم النفس البشرية .ولذلك رأى أنه لكي نعرف المعنى معرفة دقيقة لا بد أن نكون على علم دقيق بكل شيء في عالم المتكلم ، والمعرفة الإنسانية لم تصل بعد إلى هذه الدرجة .
وبذلك أصبح بلومفيلد من دعاة نبذ العقلانية في علم اللغة وإحلال المذهب الشكلي الآلي ، الذي به تتحقق الموضوعية. أي دراسة سلوك العناصر اللغوية داخل البنية اللغوية من خلال المواضع والمواقع التي تحتلها في الكلام، والاستعاضة عن التعريفات العقلية لها التي كان يدور حولها الفكر اللغوي التقليدي بهذه الدراسة. فهذه الوحدات هي وحدات محدودة ولكنها ذات قدرات توزيعية غير محدودة .ومن ثمّ أصبحت التوزيعية هي المنهج الذي اعتمد علية “بلومفيلد” في وصف ودراسة اللغة . فقامت مدرسته المشهورة “بيل”.
وتقوم التوزيعية على فكرة الإبدال والإحلال ،حيث تستبدل وحدة لغوية محل وحدة لغوية أخرى في بيئة لغوية أكبر ، مثل فونيم في كلمة أو كلمة في جملة. مثل ذلك استبدال الفونيم .
/ق/في كلمة (قام) بفونيم /ن/في كلمة (نام) ،وإحلال كلمة(رجل) محل كلمة (فرس) في
جملة مثل : رأيت فرسا . ومعنى هذا أن الفونيمين/ق/و/ن/ ينتميان إلى طبقة لغوية واحدة
وهي الفونيم . ومثل ذلك أيضا تنتمي كلمتا (رجل) و(فرس) إلى طبقة الأسماء.
وتحاول التوزيعية بهذا الأسلوب الخلاص من التعريفات التقليدية التي اعتمدت في تحديد أقسام الكلام على المعيار الدلالي أو الفلسفي أو العقلي . فالمورفيم عند “بلومفيلد “- إذا تجاهلنا المعنى – هو عبارة عن فونيم أو مجموعة من الفونيمات داخل بنية معينة . على أساس أن الفونيم الواحد في اللغة الإنجليزية قد يشكل وحدة مستقلة كما في جمع كلمة girls) ) حيث نجد أن فونيم /s/ هو مورفيم يدل على الجمع .
أما في اللغة العربية فلا يوجد مورفيم اقل من فونيمين وذلك إذا استثنينا حركات الإعراب .فحرف الجر (الباء) مثلا هو عبارة عن مورفيم يتألف من فونيمين هما الباء وحركتها أما إذا اعتبرنا المعنى فالمورفيم عند “بلومفيلد” هو عبارة: عن أصغر وحدة لغوية تحمل معنى أو وظيفة نحوية. وهو ينقسم إلى قسمين :حُر ومقيد.
وفكرة المورفيم هي فكرة توزيعية قائمة على تحديد العناصر اللغوية طبقا لوظائفها الصرفية والنحوية الدلالية.(19)
أما التغير الملحوظ في البنيوية الأمريكية فقد ظهر في عمل رجلين معروفين في الحقل اللغوي العام .وهما : “زليج هارس” الذي أخذ بمبدأ “المكونات المباشرة “، والنظر إلى “الشكل” أو “البنية السطحية”، كما فعل “بلومفيلد”، ولكنة نظر إلى الجملة نظرة أعمق ، حيث أخذها نواة يمكن تطويلها أو توسيعها إلى ما لا نهاية ، مع الاهتمام بالعلاقات بين المكونات في الجملة،على النقيض مما فعل “بلومفيلد” في هذا الشأن ، إذ اكتفى هذا الأخير بالعناصر الموجودة بالفعل، دون كبير التفات إلى هذة العلاقات . وأما الثاني :هو “بايك” ،الذي رأى التخلص إلى حد بعيد من نظرية “بلومفيلد” قي البنيوية التي تقوم أساسا على تصنيف وحدات الجملة وبيان إمكانية توزيعها على حساب الوظيفة أو المعنى .
لقد طور “بايك” لنفسه نظرية سماها ( القوالب ) . وفيها ركز على الجانب النحوي ، فنظر إلى الجملة على أنها “قالب” ينتظم مجموعة من الخانات أو المواقع ، ولكل خانة أو موقع فئة خاصة من الكلمات ، أو العبارات والجمل في النصوص الطويلة . إنه يسير بعكس “بلومفيلد” فلا يقف عند تعيين وحدات الجملة وبيان فئتها أو نوع الكلم الذي تنتمي إليه ، بل لا بد من تحليل الجملة بوصفها تتابعا من القوالب . كل قالب منها يشير إلى الوظيفة والى نوع الكلم الذي ينتمي إلى هذه الوظيفة ، والذي يصلح لهذه الوظيفة .ومثاله: خانة المبتدأ تملأ بالاسم المعرفة . وخانة الحال في الاسم المشتق ، وخانة التمييز بالاسم الجامد ، وهكذا على ما هو معروف . وعلى الرغم من تلك التجديدات التي أضافها ” بايك” فمازال الدارسون ينظرون إلى أفكار “بايك” على أنها امتداد للاتجاهات الرئيسية لتقاليد “البنيوية السلوكية”(20).
ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أنّ أهم ملامح البنيوية الأمريكية هي:
1- إهمال دراسة المعنى ؛ وذلك لأنه موضوع لعلم آخر كعلم النفس، فلكي نفهم المعنى علينا الوقوف على حالات الكلام والأحداث السابقة واللاحقة ، وهذا ليس من اختصاص اللغوي بل اختصاص علوم أخرى، لذلك يجب تنحية المعنى في الدرس اللغويّ.
2- قوام المعنى في هذه البنيوية : علاقة بين مثير واستجابة فقط، دون أبعاد أخرى ، فاللغة سطح لا عمق له.
3- المنادة بوجوب إتباع إجراءات الاستكشاف ، ووضع قواعد الإجراءات ، وهي إجراءات آلية تعتمد على اللغة في بدايتها وانتهائها فمن اللغة نبدأ وإلى اللغة ننتهي.
4- طرح الأشياء الذهنية التجريدية والتركيز على الأشياء المادية في الدراسات اللغوية ؛ وذلك لإفضاء العلمية و الموضوعية على الدراسات اللسانية ، لأنّ إقحام الذهن من شأنه أن يعوق الدراسة الوصفية الموضوعية ، لأنها لا تتعامل مع أشياء محسوسة يتحكم بها بشكل منضبط عند الجميع ، لذلك طرح كل ما يمت إلى الذهنية والدعوة لدراسة اللغة كدراسة الكيمياء والفيزياء .
ومن خلال استرجاع شريط المدرسة البنيوية يتبن لنا أنها – في عمومها – مرت بثلاث مراحل يمكن تمييز بعضها عن بعض على النحو الآتي:
المرحلة الأولى: مرحلة دي سوسير و الأوروبيين في عمومهم ، وكان جل اهتمامهم باللغة لا بالكلام ، وبيان العلاقات الداخلية بين وحدات الجملة ، تلك العلاقات التي تعد النواة للمعنى التام للجملة.
المرحلة الثانية: بنيوية”بلو مفيلد “وأتباعه الخلص ، وهي تهتم بالكلام لا باللغة، وتحصر عملها في البنيية السطحية على أساس من النظر الشكلي ، دون الاهتمام بالمعنى.
المرحلة الثالثة: “بنيوية ” أمريكية موزعة سارت على جملة من مبادئ “بلومفيلد” ، ولكنها أدخلت الوظيفة أو المعنى في الحسبان . وجاءت بعدُ أو مواكبا للمرحلة الثالثة نظرات “زليج هاريس” وهي ذات سمية “بنيوية” ونظرات “بايك”.
وبالمجمل فإنّ الدراسات اللغوية الأمريكية فرضت نفسها بنفسها ؛ فطبيعة اللغات التي تعرض لها لم يكن لها تاريخ مكتوب ، بل لغات منطوقة ، فجاءت الدراسة على هذا الجانب . الأمر الذي أعطاها العملية و الحركة والحيوية فنمت وتطورت بشكل سريع، مستفيدة من الأنثروبولوجيا *، وعلم الإنسان ، أو علم الاجتماع ، فغلب عليها الحركة والاتصال والقدرة على التطور والفتوة.
أما في أوروبا فتركزت الدراسات اللغوية على الجانب المكتوب ، فجاءت دراستهم بطيئة، مستفيدة من اللسانيات التاريخية المقارنة فغلب عليها الطابع الأكاديمي.
وبعدُ، فمن العدل أن نشير إلى أنّ المدرسة البنيوية على الرغم من المكانة الكبيرة التي حظيت بها إلاّ إنها قد هوجمت بـأنها:
– نظرت إلى المكونات المباشرة للغة وتغافلت عن البنية العميقة لها. وفي هذا عجز عن بيان حقيقة الشيء، فكيف بنا معرفة حقائق اللغة والوصول إلى البنية العميقة في الإنسان ، التي هي تمدّه بالزاد من الجمل والعبارات.
– اكتفت بوصف المكونات المباشرة ، وهذا لا يمكّنه من أن يقعد للغة أو العينة التي تحت الدراسة.
– عدم استطاعتها على تحليل كل أنواع الجمل ، فالجمل قد تطول وتتعقد العلاقات بين مكوناتها.
التصنيف: لغــة وأدب عربي
لغــة وأدب عربي
قصص ألف ليلة وليلة كاملة | Arabian.nights.original.copy.arabic
اقتباس:
Books : Fantasy : Arabic
arabian nights : stories of the imaginary world of both human and genny it takes you everywhere on earth
الف ليلة وليلة : قصص وحكايات خيالية لعالم الانس والجن وسوف تاخذك الي اي مكان
نوع الملف : pdf
عدد الملفات : 4
الحـــجم :: 136.82 MB
للتحميل
تمنياتي لكم بقراءة ممتعة
سؤال عن جمع كلمة جب
ههههههههههههههههههههههههههههه
الجب : جمعه : أجباب و جـِباب و جـِببة وهو البئر العميقة وسميت بذلك لأنها قُطِعت قطعا* الحفرة*.
القصة القصيرة
القصة القصيرة : تعريفها و خصائصها وعناصرها
“بتصرف”عبد العزيز عبد الحميد
تعريف القصة القصيرة:
1/ في اللغة:
هي من التتبع وقص الأثر أي تتبع مساره ورصد حركة أصحابه، والتقاط بعض أخبارهم.
2/في المصطلح النقدي:
يعرفها الأستاذ فؤاد قنديل بأنها (نص أدبي نثري يصور موقفا أو شعورا إنسانيا تصويرا مكثفا له مغزى).
ويعرفها آرسكين كالدويل بأنها (حكاية خيالية لها معنى، ممتعة بحيث تجذب انتباه القارئ، وعميقة بحيث تعبر عن الطبيعة البشرية).
وتعرفها كاترين آن بورتر بأنها (العمل الذي يقدم فكرة في المقام الأول، ثم معلومة ما عن الطبيعة البشرية، بحس عميق).
خصائص القصة القصيرة:
تختلف الخصائص عن العناصر في أن العناصر هي المكونات الرئيسية للعمل أما الخصائص فهي المحدد الأساسي للعمل، بمعنى أدق إن افتقاد العمل لأحد عناصره لا يؤثر في تحديد هوية العمل، هل هو قصة قصيرة أم لا، ولكن إذا افتقدت القصة القصيرة لأحد خصائصها كانت شيئا أخر غير القصة القصيرة.
وهذه الخصائص بالترتيب هي:
1:الوحدة:
و تعني أن كل شيء فيها يكون واحدا، بمعنى إنها تشتمل على فكرة واحدة، وتتضمن حدثا واحدا، وشخصية رئيسية واحدة، ولها هدف واحد…الخ.
وهو ما يعني إن الكاتب عليه توجيه كل جهده الإبداعي صوب هدف واحد لا يحيد عنه.
2:التكثيف:
ويقصد به التوجه مباشرة نحو الهدف من القصة مع أول كلمة فيها، فهي كما يقول يوسف إدريس” القصة القصيرة رصاصة، تصيب الهدف أسرع من أي رواية”.
3:الدراما:
ويقصد بها خلق الحيوية والديناميكية والحرارة في العمل، حتى ولو لم يكن هناك صراع خارجي، ولم تكن هناك غير شخصية واحدة.
فالدراما هي عامل التشويق الذي يستخدمه الكاتب للفت انتباه القارئ، وهي التي تحقق المتعة الفنية للقارئ وتشعر القاص بالرضا عن عمله.
عناصر القصة القصيرة:
وهي بالترتيب:
1 الرؤية:
و هي جوهر العمل الفني، ونواته الفكرية التي قد تصدر عن الفنان دون وعي منه لفرط خبرته، فهي تعبر عن مفهومه ونظرته للحياة، فالمبدع الحقيقي هو الذي تكون له نظرة ما حول ما يقدمه من أعمال فنية، فبالرؤية يختلف الكاتب الكبير عن الكاتب الصغير.
2 الموضوع:
هو الحدث أو الحدوثة التي تتجسد من خلالها الرؤية، التي يعتبرها المبدع أساس عمله، وهي حدث يتم في مكان وزمان محددين، تنشأ عنه علاقات إنسانية مختلفة، متمثلة في أنماط سلوكية بشرية تسعى لتحقيق هدف ما، ومعبرة عن أمالها ومشاعرها الوجدانية.
3 اللغة:
وهي المعبر والمصور لرؤية المبدع وموضوعه، فهي أساس العمل الأدبي، فالبناء أساسه لغوي والتصوير والحدث يتكئان على اللغة، والدراما تولدها اللغة الموحية المرهفة، كل هذا يشير بدلالة واضحة على أهمية اللغة وإنه لولاها لكان العمل الأدبي سيئ وغير مفهوم.
سمات اللغة الفنية:
1 السلامة النحوية.
2 الدقة.
3 الاقتصاد والتكثيف.
4 الشاعرية.
4 الشخصية:
وهذه الأخيرة هي جوهر القصة القصيرة، فهي التلتي تقوم بالحدث الذي تبنى عليه القصة، وقد يكون شخص أو قوى غيبية، أو بمعنى أدق كل شيء مؤثر في اتجاه الحدث صعودا وهبوطا، انبساط أو تأزما.
5 البناء:
وهي مراحل أو شكل العمل الأدبي، وهي عادة لا تقل عن ثلاثة مراحل هي، البداية، ثم الوسط ، الذي قد يطول أو يقصر وفيه يكون ذروة الصراع، ثم النهاية وفيها يكون الكشف عن كل محتوى العمل وهدفه الأساسي.
6 الأسلوب الفني:
وهو التقنية الفنية التي يتم بها تصوير الحدث أو الحالة، والكاتب في حاجة لتشكيل هذه الصياغة الفنية لوسائل عديدة ينفذ بها لشخصياته ومواقفه، بحيث تتعاون في النهاية في رسم صورة جيدة للعمل الأدبي.
فهي المنظور الذي منه يتم رؤية العمل الفني، فيتم الإعجاب به من قارئه، فحرفية القاص تنبع من الأسلوب الأخاذ الذي عبر به عن قصته، بحيث تبدو كما لو كانت عملا واقعيا وإن كل دور الكاتب فيها هو عمله على نقلها على الورق.
والأسلوب الفني يتأتى بالأتي:
1 السرد:
هو الوصف أو التصوير، فهو جزء من الحدث والشخصية ومن كل عناصر القص، فقصة بلا سرد ولا وصف ليست بقصة.
و يجب أن ينبعا من صميم العمل فلا يكونا دخيلين عليه، كما يتعين أن يكونا فاعلين فيه لا مجرد زينة.
2 الحوار:
هو الديالوج والمحادثة التي تدور بين شخصيات العمل، فهو أحد أهم التقنيات الفنية المشاركة في بناء العمل، وذلك لأنه
أ – هو نافذة يطل منها القارئ على ثنايا القصة.
ب – وسيلة فنية لتقديم الشخصيات و الأحداث والتعريف بها من داخلها.
لسانيات التطبيقية
وقد عرّفته موسوعة “ويكيبيديا” بأنّه فرعٌ من فروع اللسانيات، وهذا الفرعُ يُعنى بتطبيق النظريات اللغوية ومعالجة المشكلات المتعلقة باكتساب اللغة وتعليمها. كما يعنى هذا الحقل بالتحليل التقابلي بين اللغات للاستفادة منه في تحسين ظروف تعلم اللغات وتدريسها. تأثر هذا الحقل من اللسانيات بنظريات العالم اللغوي الأمريكي المعروف “ناعوم تشومسكي”، وخاصة نظرية النحو الكلي “Universal Grammar” والتي تفسر قدرة الإنسان على اكتساب أي لغة بشرية بغض النظر عن عرقه أو لونه أو معتقده أو ديانته، ومن ثم محاولة توظيف هذه النظرية في سبيل الوصول إلى فهم أكثر لعملية الاكتساب اللغوي. ويعد عقد التسعينيات من القرن العشرين هو عقد ازدهار حقل اللسانيات التطبيقية، حيث اصبح بعض الشيء حقلاً مستغلاً عن اللسانيات النظرية “Theoritical Linguistics” واصبحت العديد من الجامعات تقدم برامج للدراسات العليا المتخصصة باللسانيات التطبيقية كما أصبح هناك العديد من المراكز والمنظمات التي تعنى بهذا الحقل كالجمعية الأمريكية للسانيات التطبيقية، ومركز اللسانيات التطبيقية بالولايات المتحدة وغيرها من المنظمات بأمريكا والمملكة المتحدة.
حقل اللسانيات التطبيقية يتقاطع مع فروع أخرى للمعرفة ومن هذه الفروع بالإضافة إلى اللسانيات، هناك علم الإناسة “Anthropology” وعلم النفس “Psychology” والتربية والتعليم “Education” وكذلك علم الأدراك “The Cognitive Science” ويحاول توظيف كل ما تنتجه فروع المعرفة هذه لصالح تعلم اللغات واكتسابها بين البشر.
واقرأ أيضا كتاب:
– اللسانيات التطبيقية، لشارل بوتون، ترجمة قاسم المقداد و محمد رياض المصري، نشر دار الشّجرة 1998م
8-نوع القصة يعني عبارة عن رواية وهمية , او علم خيال .او قصة معاشية او سيرة ذاتية ….الخ .
9-الراوي هل يمثل جزءا من القصة ؟
10-اطار الزمني (زمان ومكان وقائع القصة).
11-الموضوع او المواضيع المطروحة في الكتاب ( العنصرية ’ السفر ’ الوحدة ’ الخلوة ’ الحب , الطبيعة ).
12- كيف بدت القصة مفيدة او مبتكرة او جذابة او غريبة .
13- الشخصيات التي اعجبت بها ؟ لماذا .
14-ماهي الشخصيلت التي لم تعجبك ؟ لماذا .
15-ماذا تعلمت حول العصر او فترة المحيط الاجتماعي للبلد.
16- حول اي موضوع جعلك الكاتب تفكر .
عندي غدوة بليزززززززززززززززززز ساعدوني
أتدري ما يعني : يا ليت شعري
جاء في لسان العرب مادة < شعر > ما يلي:
( … ولَيْتَ شِعْرِي أَي ليت علمي أَو ليتني علمت، وليتَ شِعري من ذلك أَي ليتني شَعَرْتُ، قال سيبويه: قالوا ليت شِعْرَتي فحذفوا التاء مع الإِضافة للكثرة،
وحكى اللحياني عن الكسائي: ليتَ شِعْرِي لفلان ما صَنَعَ، وليت شِعْرِي عن فلان ما صنع، وليتَ شِعْرِي فلاناً ما صنع؛ وأَنشد:
يا ليتَ شِعْرِي عن حِمَارِي ما صَنَعْ وعنْ أَبي زَيْدٍ وكَمْ كانَ اضْطَجَعْ
وأَنشد:
يا ليتَ شِعْرِي عَنْكُمُ حَنِـيفَـا وعن ابي زيد وكم كان اضجع
يا ليت شعري عنكم حـنـيفـا وقد جَدَعْنا مِنْـكُـمُ الأُنُـوفـا
وأَنشد:
ليتَ شِعْرِي مُسافِرَ بنَ أبي عَمْ روٍ، ولَيْتٌ يَقُولُها المَحْـزُونُ
وفي الحديث: " ليتَ شِعْرِي ما صَنَعَ فلانٌ " أَي ليت علمي حاضر أَو محيط بما صنع، فحذف الخبر، وهو كثير في كلامهم…).
__________________وقول جميل بثينة:
أَلا ليت شِعري هل أَبيتَنَّ ليلة بوادي القرى إِنّي إِذَن لسعيد
في قصيدته التي مطلعها :
أَلا ليت ريعان الشباب جديدُ ودهراً تولّى يا بُثَينَ يعود
يتمشى تماما مع المعنى الذي ذكره العلامة ابن منظور لجملة " ليت شعري " .
قال صاحب [ النحو الوافي ] 1/635 … وتختص ليت بأسلوب يلتزم فيه العرب حذف خبرها، وهو قولهم: " ليت شعري …".
ومع حذفهم الخبر فيه باطراد يلتزمون أن يذكروا اسمها، وأن يكون هذا الاسم كلمة < شِعر > مضافة إلى ياء المتكلم، وبعدها الخبر المحذوف وجوبا، ثم تذكر بعده جملة مصدرة باستفهام نحو : ليت شعري … أمقيم أخي أم ظاعن؟ … يريدون: ليت شعري عالم بجواب هذا السؤال، … أو مخبَر بجوابه.
أما في غير تلك الحالة، وكذا في باقي الأخبار؛ فيجوز حذف الخبر وحده لدليل عملا بالقاعدة النحوية التي تبيح عند اللبس حذف ما لا يتأثر المعنى بحذفه).
ومخالفة تماما للتفسير الذي كان في راسي
بارك الله فيك أستاذتي الفاضلة و جزيت عنا خيرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إليكم أعزائي الأعضاء روابط تحميل لمجموعة قيمة ومهمة لمحاضرات في جميع مقاييس تخصص الأدب العربي سنة ثالثة
حيث انه لا يمكن لدارس الأدب العربي أن يستغني عنها
على بركة الله نبدأ في استعراض المحاضرات
مع روابط التحميل
1
آداب أجنبية.pdf
2
أصول النحو و مدارسه.pdf
3
الأدب العربي الحديث والمعاصر 1.pdf
4
الأدب العربي الحديث والمعاصر 3.pdf
5
الأدب العربي الحديث والمعاصر 4.pdf
6
الأدب العربي الحديث والمعاصر 5.pdf
7
الأدب العربي الحديث والمعاصر 6.pdf
8
الأدب العربي الحديث والمعاصر 7.pdf
9
الأدب العربي الحديث والمعاصر 8.pdf
10
الأدب العربي الحديث والمعاصر 9.pdf
11
الثقافة الشعبية 2.pdf
12
الثقافة الشعبية و تطبيقات.pdf
13
الشعر العربي الحديث.pdf
وآلســلآم خيــــــر ختـــــــآم
أحضرت لكم مقالة مبسطة لعلم السيمياء أرجو أن أفيدكم به ولو بقليل
بقلم: د. رضوان قضماني
مسميات معرّبة ثلاثة لعلم واحد، هو علم عن الخصائص العامة لمنظومات العلامات (جاء من اليونانية، Semeiotikon من Semeion = علامة).
وهو علم يدرس العلامة ومنظوماتها (أي اللغات الطبيعية والاصطناعية)، ويدرس أيضاً الخصائص التي تمتاز بها علاقة العلامة بمدلولها. وهذا يعني أن السيميائية ـ وهو الاصطلاح الذي سنعتمده من بين التسميات الثلاث السالفة ـ تدرس علاقات العلامات والقواعد التي تربطها أيضاً (ويمكن أن يندرج تحت هذا الفهم علم الجبر والمنطق والعروض..). وكان لايبنتز يرى أن لكل العلوم أصولاً جوهرية مشتركة، وعندما يتمكن الإنسان من تشكيل علامات تدل على هذه الأصول يكون بذلك قد أتم موسوعة العلوم. وقد استعان لايبنتز بالرياضيات والجبر اللذين كشفا له عن دور العلامات في المنهج العلمي. وكان الفيلسوف الفرنسي إيتيان ده كوندياك (1715 ـ 1780) ينظر إلى الجبر ولغته الرمزية بوصفه النموذج الأعظم، ولكن كوندياك لم يخضع كل العلوم للغة واحدة كمافعل لايبنتز، وإنما كان يعتقد أن لكل علم لغته، وإن كان لجميعها منهج واحد في التحليل. وقام تشارلز سوندرز بيرس (1839 ـ 1914) بنقل الاهتمام بالمنهج الكلي ودور الجبر المميز في تشكيله إلى مجال المعاني، فقد كان بيرس موسوعياً، إذ كان رياضياً وفلكياً وكيميائياً ومولعاً باللغة والأدب. وتتكون الدلالة في فلسفة بيرس عبر معلومات أمبريقية (تجريبية) وقواعد تشكيلية.
ثم جاء بعدخ فرديناد ده سوسير (1857 ـ 1914)، وكان متخصصاً في علم اللغات المقارن، واهتم بالعلامة من منطلق لغوي، ودعا إلى ما سماه بعلم السيميولوجيا، أو علم منظومات العلامات. وهكذا تطورت السيميائية في القرن العشرين وأصبحت حقلاً معرفياً مستقلاً.
تسعى السيميائية إلى تحويل العلوم الإنسانية (خصوصاً اللغة والأدب والفن) من مجرد تأملات وانطباعات إلى علوم بالمعنى الدقيق للكلمة، ويتم لها ذلك عند التوصل إلى مستوى من التجريد يسهل معه تصنيف مادة الظاهرة ووصفها، من خلال أنساق من العلاقات تكشف عن الأبنية العميقة التي تنطوي عليها، ويمكنها هذا التجريد من استخلاص القوانين التي تتحكم في هذه المادة.
العلامة هي الاصطلاح المركزي في السيميائية. وتُعنى السيميائية بالعلامة على مستوييين. المستوى الأول أنطولوجي، أي يعني بماهية العلامة، أي بوجودها وطبيعتها وعلاقتها بالموجودات الأخرى التي تشبهها والتي تختلف عنها. أما المستوى الثاني فهو مستوى تداولي (براغماتي)، يعنى بفاعلية العلامة وبتوظيفها في الحياة العملية. ومن منطلق هذا التقسيم نجد أن السيميائية اتجهت اتجاهين لا يناقض أحدهما الآخر، الاتجاه الأول يحاول تحديد ماهية العلامة ودرس مقوماتها، وقد مهد لهذا المنحى تشارلز بيرس، أما الاتجاه الثاني فيركز على توظيف العلامة في عملية التواصل ونقل المعلومات، وقد اعتمد هذا الاتجاه على مقولات فرديناند ده سوسير.
تدرس السيميائية ـ وفقاً لـ (بيرس) العلامة ومنظومة العلامات (أي مجموعة العلامات التي انتظمت انتظاماً محدداً) وفقاً لأبعاد ثلاثة:
1ـ بعد نظمي سياقي تركيبي يدرس الخصائص الداخلية في منظومة العلامات من دون أن ينظر في تفسيرها، أي ينظر في بنية العلامات داخل المنظومة).
2ـ بعد دلالي يدرس علاقة العلامات بمدلولاتها (أي يدرس محتوى العلامات) والعلاقة القائمة بين العلامة وتفسيرها وتأويلها من دون النظر إلى من يتداولها.
3ـ بعد تداولي (براغماتي) يدرس الصلة بين العلامة ومن يتداولها ويحدد قيمة هذه العلامة من خلال مصلحة من يتداولها.
وهكذا نجد أن كلاً من البعد الدلالي والسياقي ذو صلة بحيز محدد من المسائل السيميائية، أما البعد التداولي فهو ذو صلة بدراسة المسائل السيميائية التي تحتاجها علوم بعينها (مثل سيكولوجيا اللغة، وعلم النفس الاجتماعي).
ويقوم البعد السياقي بتشكيل نظرية تحدد علاقات تركيبية وفرضيات، أي يقوم بالكشف عن العلاقات التي تربط بين النص بوصفه نسقاً في منظومة، وبين غيره من المنظومات، من خلال تصور عامٍ مجرد للبنى الكامنة في النص ثم تطبيق هذا التصوُّر على مجموع النصوص انطلاقاً من أن نسق (class) نص في منظومة سيميائية محددة هو نسق ينطبق على جميع أنماط هذه النظرية، وبذلك تتمكن فرضيات النظرية من أن تصف وصفاً شاملاً كل النصوص المحتملة.
أما البعد الدلالي فيميز في منظومات العلامات تمعني العلامة (مُسمَّاها denotat) ـ أي: علامة تدل العلامة في منظومة بعينها؟ ومفهوم هذه العلامة (تعيينها)، أي التصور الذي تحمله والمعلومة التي تنقلها.
ثم تأتي التداولية لتحدد رتب القيمة والمفهومية في العلامة والمعلومة التي يتلقاها من يتداولها.
يُعرَّف فرديناند ده سوسير العلامة بأنها اتحاد لا ينفصم بين دال ومدلول، أي إنها وحدة ثنائية المبنى، ذات طرفين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. الدال يحدده سوسير بأنه تصور صوتي سمعي يتشكل من سلسلة صوتية يتلقاها المستمع وتستدعي إلى ذهنه تصوراً ذهنياً مفهومياً هو المدلول، وبذلك تكون العلامة عند سوسير نتاج عملية نفسية. إلا أن أكثر السيميائيين الذي طوّروا أفكار سوسير يرون أن الدال حقيقة مادية محسوسة لا تقتصر بالضرورة على الأصوات ويمكن للمرء أن يختبرها بالحواس، وهذا المحسوس المادي يستدعي في ذهن المتلقي حقيقة أخرى غير محسوسة هي المدلول. وبهذا تكون العلامة بدالها ومدلولها حقيقة مادية محسوسة تثير في العقل صورة ذهنية، ولكن هذه الصورة هي صورة ذهنية لشيء موجود في الواقع. لكن السيميائية لا تهتم بقضية الحقيقة والبطلان، أي بمسألة مطابقة العلامة للواقع، وإنما تكمن القيمة السيميائية في العلاقة القائمة بين الدال والمدلول، دون التجاوز إلى العلاقة بين الدال والمدلول والشيء الذي تشير إليه العلامة، إذ إن هذه العلاقة الثلاثية تخرج من السيميائية إلى الدلالة.
العلامة خاصتان أساسيتان. أولاهما اعتباطية العلامة، وتعني أن الدال والمدلول لا تربط بينهما علة من العلل سواء كانت منطقية أم طبيعية. وثانيتهما قيمة العلامة، وهي قيمة تنشأ من سببين: الأول وظيفة العلامة (الكامنة في تداوليتها) والثانية أشكال التشابه والاختلاف بينها وبين العلامات الأخرى (وهي قيمة مرتبطة بماهيتها).
إن العلاقة يبن الدال والمدلول علاقة اصطلاحية، علاقة تواضع هي حاصل اتفاق بين المستعملين، وبضمن ذلك العلامات المعللة، أو العلامات الطبيعية. ويمكن للتواضع أن يكون ضمنياً أو ظاهرياً، ويبقى التواضع مفهوماً نسبياً خصوصاً عندما يتعلق بالتواضع الضمني. وللتواضع درجات، إذ يمكنه أن يكون قوياً، وجماعياً، ومُرغِماً، ومطلقاً كما في إشارات المرور، وفي الترقيم الكيميائي والجبري، وقوياً كما في قواعد الآداب العامة.
تتآلف العلامات فيما بينها وفقاً لنوعين من العلاقات: أولهما العلاقات النظمية السياقية، وهي التي تقوم بين العلامات على المحور السياقي. وتنبع العلاقة النظمية السياسية من قدرة العلامات على التآلف على محور ذي بعد واحد يجعل العلامة ترتبط بأخرى في متتالية من علامات تنمي إلى المستوى السياقي نفسه.وثانيهما العلاقات الاستبدالية، وهي علاقة تقوم على المحور الاستبدالي، وتنبع من قدرة العلامات على تشكيل فئات وجداول، ترتبط وحدات كل جدول فيما بينها، ويمكن للواحدة منها أن تحل محل الأخرى إذا تبدل السياق.
اتجهت سيميائية سوسير منذ البداية نحو اللغات الطبيعية، فقد رأى أن اللغة الطبيعية هي أكثر المنظومات تطابقاً مع السيميائية، ويرجع هذا إلى طبيعة العلاقة اللغوية الاعتباطية، وإلى أن اللغة يمكن أن تختزل في عدد محدود من العلامات المستقلة والمختلفة، وقد ترتب على ذلك أن اللغة تصلح أن تكون نموذجاً لكل الأنظمة الدالة غير اللغوية.
يرى السيميائيون أن اللغة هي أهم منظومة من منظومات التواصل ذات فعالية في حقل المعرفة ـ وتدرس السيميائية اللغة من حيث علاقتها العامة مع غيرها من منظومات العلامات، وترى أن اللغة هي المنظومة الأمثل لأن العلامة فيها متميزة بوضوح تام، وتتشكل في منظومة عالية التنظيم، وتحتفظ بعناصر بنيتها الثلاثة التي تتميز بها كل منظومة علامات (السياقي والدلالي والتداولي). برزت سيميائية اللغة في أعمال ي. بنفينيست ول. بريتو في فرنسا، وأعمال كوريلوفيتش وي. بيلتس في بولندا، وف. مارتينوف ويو.ستيبانوف في روسيا.
شغلت السيميائية حيزاً واسعاً في علوم الأدب خصوصاً في نظرية السرد، وقد برزت هذه السيميائية في أعمال يوري لوتمان في روسيا، وإيمبرتو إيكو في إيطاليا، ورولان بارت وجوليا كريستينا وتزيفيتان تودوروف في فرنسا، وغيرهم. وهي سيميائية تدرس النص الأدبي (وقد تمتد إلى النص الصحفي والقانوني والديني والفني والسينمائي والمسرحي..) لتبحث فيه على غرار بحثها في اللغة، فتحدد فيه علاماته وأنساق هذه العلامات وانتظامها في منظومة، وتنظر في طرفي العلامة (الدال والمدلول) انطلاقاً من أنهما طرفا العملية الإبداعية: التعبير والمحتوى (الظاهرة والجوهر)، ومن أهم أعلام السيميائية السردية رولان بارت وجوليا كريستينا.
سؤال واجواب في اللسانيات
س – هل هناك بعض القضايا اللغوية التي لم تحسم بعد في علم اللغة واللسانيات؟.
أرجو توضيح معنى اللسانيات وهل هناك فرق بينه وبين علم اللغة؟
وهل نقول علم اللسانيات أم اللسانيات؟ ولماذا؟
ج – اللسانيات هي علم اللغة ولا نقول علم اللسانيات لِما في المصطلَح من تكرار
واللسانيات هي العلم الذي يدرس اللغات البشرية دراسة منهجيّة بأدوات وصفية تحليلية
وبطريقة موضوعية متجرّدة تخلو من الاعتبارات المذهبيّة والذّاتية …
أما القضايا التي لم تُحسم بعدُ في اللسانيات فَما أكثَرَها
منها على سبيل المثال دراسَة المعنى
هل المعنى معطى موضوعيّ يخضع للملاحظة والدّراسة العلمية الدّقيقة
أم تلتبس بِه الاعتبارات الذاتية والاجتماعية وغير ذلك من الجوانب التي يصعب الإمساك بِها وإخضاعها للملاحظة والتّجريب
وما يُقال في المعنى يُقال في الجوانب التّداوليّة والدّلاليّة وغير ذلك
—-
س – يكثُر الكلامُ عن لسانيات دوسوسير ورِيادتِه في البحث اللساني
ومنهجِه الجديد الذي خرقَ حجُبَ البحث اللغوي وكشف عن أسرارٍ
في الظّاهرة اللغويّة
فماذا عن هذا العالِم الكبير ؟ج – دوسوسير يختلف عن اللغويين القدماء اختلافا كبيرا
فقد دعا إلى دراسة وصفية موضوعية للغة
مجرّدَةً عن الاعتباراتِ المعياريّة التي نجدُها عند القدماء
في تمييزهم بين الصحيح والخاطئ من التّراكيبوميّزَ بين الدّراسة الآنية السّنكرونيّة للغة
والدّراسة التّطوّريّة الدّياكورنية
أي إنّ الدّارسَ اللسانيّ لكي يدرك التسلسلَ
أو التعاقُبَ الزّماني في اللغة عليه أن ينظرَ إلى الظّواهرَ اللغوية
من جهتينِ: جهة الثباتِ والسّكون أو السانكرونيّة
وجهة الحركة والتغيّر في الزّمان أو الدّياكرونيّة
وهذه ثنائيّة متمكّنة من الظّاهرة اللّغويّة
وعلى اللسانيات أن تتّخذَ منهجها بناءً على كثير من الثنائيات منها السكونية
والتّعاقُب ، ومنها علاقة الدّالّ بالمدلول …
فمقولَة الزّمان والتّعاقُب الزّماني والتسلسل الزّماني لا تنفكّ عن فعل اللّغةوبناء عليه فقد جاء منهجه مخالفا لمنهجِ اللغويين السابقينَ له
ودَعا إلى أسس جديدة في تصوّر اللسانيات
تختلف عن أسس التفكير اللغوي عند النحاة الهنود
والإغريق والعرب والرومانوأهمّ ما يميّز الظّاهرة اللغوية عند دوسوسير
أنّها ظاهرة مجتمعيّة أكثر منها ظاهرة نفسية
والمقصود بذلِكَ أنّها يُصيبُها التّغيّر والتّطوّر باستمرار
ومعنى ذلك أنّ اللغةَ تقعُ أحداثُها في التتابُع الزّماني
بينما أغفل كثير من الفلاسفة واللغويين قديما
البعدَ الزّماني المؤثّرَ في اللغة أي إنّ الصّوتَ يتحدّد في التّعاقُب الزّماني
ولا يُمكن أن نتصوّرَ علاقَة الدّالّ بالمدلولِ إلاّ إذا راعينا تتابُعَ الأصواتِ
فالصّوتُ يتحدّد بكونِه يَمتدّ زمانا ثمّ يختفيهذا بالإضافَة إلى أنّ اللغة تندرِجُ في بنيةٍ أو نَسَق يرفعُها إلى مستوى من التّجريد
اعتماداُ على مبدإ التّقابُل بين وحداتٍ أو كياناتٍ أو عناصرَ لغويّةٍ ، وتضادِّها
فاللسانُ نسَق تقومُ العلاقاتُ فيه على تقابُل العناصرِ
وهذا المنهج البنيويّ أي البحث في علاقات النّظام أو النّسق، يختلف اختلافاً جذريا
عن منهج اللغويين القدماء ولغويي القرن التاسع عشرَ الذي كان يعتمدُ على
الاهتمام بخواصّ الأشياءِ وماهيتِها وجوهرِهاـــــــــــــــــــــ
للاستفادة أكثر يرجى الاطلاع على أفكارِ رائد اللسانيات الحديثة “دوسوسير”
في كتابِه “مُحاضرات في علم اللسان العامّ”
ترجمة الدكتور عبد الرحمن حاج صالح
——
ج – إنّ النّظريّةَ الدّلاليّةَ نظريّات :
فهناك نظرياتٌ دلاليّةٌ ظهرت قبل ظهورِ المدرسَة التّوليديّة : كالنّظريّة المرجعيّة
ونظريّة الأفكار والنّظريّة السّلوكيّة ونظريّة المَعْنى والاستعمال ونظريّة المعنى والأفعال اللغويّة
ثمّ هناك نظريات للدّلالة ظهرت مع المدرسة التّوليدية كالنّظرية النفسيّة أو الذّهنيّة التوليديّة
ونظريّة الدّلالة التّصوريّة و النّظريّة التّفاعليّة في تصوّر المعنى
ومن النماذج الدّلالية التوليدية : الدلالة التأويليّة التي ظهرت مع كاتز وبوسطل وفودور،
والدّلالة التّوليديّة من خلال نموذج غروبر
والحقيقة أنّ البنية الدّلالية في المقاربات اللسانية الحديثَة يغلبُ عليها الطّابع الذّهني التّصوّري،
وهذه البنية التّصوّريّة ذات حضورٍ كبيرٍ في تحليل البنى اللغوية
——
سأل سائلٌ في مجلس علميّ غيْرِ هذا عن الفُروقِ بين اللّسانيّاتِ البنيويّة واللسانيّاتِ الوظيفيّة
**************************************************الجَوابُ :
يُمكنُ أن نُميّزَ بينَ بنيويّةٍ و وظيفيّةٍ ، أو بعبارةٍ أدقَّ بيَنَ تيّارٍ لسانيّ وظيفيّ، وتيارٍ لسانيّ صورِيّ أو بنيويّ:أ- ويدخُلُ في التّيارِ الصّوريّ كلّ النّظرِيّاتِ اللّسانيّةِ التي تَسْعى
إلى تَفسيرِ الخَصائصِ الصّورِيّةِ للغاتِ الطّبيعيّةِ بِمعزِلٍ عن وظيفتِها التّواصليّةِ،ب- و يَدخُلُ في التّيارِ الوظيفيّ كلُّ النّظرِيّاتِ اللّسانيّةِ التي تَجْعَلُ من مَبادئِها المَنْهجيّةِ العامّةِ
تَفْسيرَ الخَصائصِ الصّورِيّةِ للغاتِ الطّبيعيّةِ ، وذلِك بربْطِ هذه الخَصائصِ بِوظيفةِ اللّسانِ الطّبيعيّ التّواصليّةِأمّا وجوه الاختِلافِ الرّئيسَةُ فيُمكنُ اختصارُها في ما يلي :
1- تَـعُـدّ النّظريّاتُ الصّوريّةُ اللّغةَ نسَقاً مجرّداً يؤدّي وظيفةَ التّعبيرِ عن الفكرِ،
أمّا النّظريّاتُ الوظيفيّةُ فتعدّ اللّغةَ وسيلةً للتّواصُلِ أي نسقاً رمزياً يؤدّي مجموعةً من الوظائفِ،
أهمّها وظيفةُ التّواصُل2- تعتمدُ النّظرِيّاتُ الوظيفيّةُ ِفرضيّةً مفادُها أنّ بنياتِ اللّغاتِ الطّبيعيّة
لا تُرْصَدُ خصائصُها إلاّ إذا رُبِطَتْ هذه البنيةُ بوظيفةِ التّواصُل .
أمّا النّظرِيّاتُ الصّورِيّةُ (ومنها البنيويّة) فتنطلقُ من مبدإ أنّ اللغةَ نسقٌ مجرّد
يُمكن وصفُ خصائصِه من دونِ اللّجوءِ إلى وظيفتِه الاستعماليّة3- قدرةُ المتكلّم/السّامِع في رأي الصّوريّينَ هي معرفتُه بالقواعدِ اللّغويّة الخالصَة
(التّركيبيّة الدّلاليّة الصّوتيّة) أمّا القدرةُ عند الوظيفيّينَ فهي معرِفةُ المتكلّمِ بالقواعدِ
التي تمكّنُه من تحقيق الأغراض التّواصليّةبواسطِ اللّغة4- يُعدّ “التّركيبُ /الصّرفُ” في النّظريّاتِ الصّورِيّة مستوى مركزياً في النّحو
أمّا الدّلالة والوظائفُ التّداوليّة فليست إلاّمستوياتٍ تقومُ بدورٍ تأويليّ ،أمّا في النّظرياتِ الوظيفيّة فالمستوى التّداوليّ-الدّلاليّ يحتلّ داخلَ النّحوِ مستوى مركزيّاً ويَتَولّى تحديدَ خصائصِ التّركيب.
—-
س – ما هو الحقل الدلالي للقرابة في اللغة العربية ؟
ج – يتألّفُ الحقل الدلالي من مجموعة من المعاني ِأو الكلمات المتقاربة التي تَدورُ في فلكِ مَعْنى عامّ ،
وهي كلماتٌ أومَعانٍ تشترِك فيما بينها في عناصر أو خصائصَ دلالية مشتركة،
وبذلك تكتسب الكلمة معناها من علاقاتها بالكلمات الأخرى
وتُعدّ مَعاجمُ الموضوعاتِ أوالرّسائلُ اللّغويّة التي ألَّفها اللغويّونَ العربُ مصنّفاتٍ في إطارِ “الحُقول الدّلاليّة”
نستطيع أن نتحدّث عن الحقل الدّلاليّ للإنسان ، والألوان ، والعِلْم …إلخ…
الحقل الدّلاليّ للقرابَة يضمّ الكلماتِ ذاتِ الصّلَة بالقَرابَة كالأسرة والعائلَة والأقارِب والإخوة والأعمام و الأخوال والجدود
والأولاد والأحفاد …
والحقلُ الدّلاليّ العامّ كالقرابَة أو الإنسان أو الألوان ، يتميّزُ باتّساعِ المساحَة والغِنى بالخصائصِ الدّلاليّة
وكلّما فرّعْنا الحقلَ الدّلاليّ العامّ إلى فروعٍ أو أقسامٍ تنحدر منه ، ضاقتْ مساحَةُ الحقل
فحقلُ الألوان أعمّ من حقلِ الألوان الدّاكنَة و حقل الألوان الدّاكنة أعمّ من حقل اللّونِ الأسود …
وحقل الأعمام أخصّ من القرابَة …
—-
س – إلى أي درجة يمكن للسانيات أن يفاد منها في دراسة قضايا بلاغية ونفسية في القرآن الكريم؟ج – النّصّ القرآني مفتوح أمام المناهج الأدبية و اللّسانية و النّقدية الحديثة التي يمكن أن تكشف عن مراميه الدّقيقة وأهدافِه السّامية، و مفتوح أمام ما جدّ من نظريات علمية صحيحة و طرائق نقدية يمكن أن تؤسَّسَ لتفسيرٍ حضاري يكشف الروابط بين معاني الآيات و روح العصر و سنن الاجتماع
ونُظُم العمران .و ليس التّجديد في خطّة التّفسير ابتداعا و أمرا مُحدَثا على غير قياس ، فقد سبق للمجتمع الإسلامي قديما أن وجد نفسَه في مواجهة ثقافة غريبة عنه هي ثقافة اليونان
إنّ الانتفاع بالمناهج الحديثة في معالجة معاني الآيات يحتاج إلى ضوابطَ َ تعصمُ التّفسيرَ الحديثَ من مزالق الإسقاط ِ و من تَحميل النّصّ ما لا يحتمل ، و تُمكِّنُ من الانتفاع من الجديد في حلّ مشكلات المجتمع الحديث ، دون التّحرُّج من مجاوزة حرفيّة النّصّ و الرّبط المُوفَّق الدّقيق بين مرمى النّصّ القرآني
و بين مشكلات المجتمع العاصر.ألا يحقُّ أن نقولَ إنّ التفسير علم يُفهَم به كتاب الله المنزّلُ على نبيّه صلّى الله عليه وسلَّم
و تُبيَّنُ به معانيه و تُستخرَج أحكامُه ، و يُستَمَدّ هذا البيانُ ، و ذلك الفهمُ من علوم التّفسير المعروفة و علوم الآلة ، مُضافاً إليها ما جدّ من من مناهج العلوم الإنسانية
وخاصّةً علم الاجتماع و اللّسانيّات ، فيدخل في التّفسير كلُّ نشاط ثقافيّ يعتمد في تأسيس البيان والفهم و الاستنباط على ما جدّ من معارِف ممّا يتناسَبُ و روحَ النّصّ ولا يُعارِضه، و ممّا يكشفُ عن زوايا و جوانبَ في النّصّ المفسَّر
لم تُوفِّها الأدواتُ السّابقةُ حقَّها من البيان و الإيضاح .و إنّ الاستفادةَ من مناهج العلوم الإنسانية لَمِمّا يوسّع دائرةَ التّفسير و يمدّد أفُقَه ليشملَ ألوانا من مناهج النّظر إلى النّصّ القرآني .